في ضوء الكتاب والسنة
لشيخ الإسلام ابن تيمية
ولد سنة 661هتوفي سنة 728ه
رضي الله عنه
الجزء الأول
جمع وتقديم وتعليق
محمد مال الله
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الكتاب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
وبعد ...
إن مسألة الإمامة أو الولاية في اعتقاد الرافضة من أساسيات دينهم، وإن لها من المنزلة في نفوس معتنقيها ما يفوق منزلة الشهادتين وبقية أركان الدين:
1 - عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية(¬1).
2 - عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام، قال: بني الإسلام على خمس: على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم يناد بشيء كما نودي بالولاية، فأخذ الناس بأربعة وتركو هذه - يعني الولاية -(¬2).
3 - عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: بني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية.
قال زرارة: فقلت: وأي شيء من ذلك أفضل ؟
فقال: الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن...(¬3).
وروايات كثيرة وضعوها في ذلك أعرضنا عنها خشية الإطالة.
Sayfa 1
ومن ضمن اعتقادات الرافضة أن الله تعالى لا يقبل عمل عامل إلا إذا أقر بالولاية للأئمة المعصومين وأن الله تعالى نص على إمامتهم ولا يسع الناس إلا متابعتهم واعتقاد ولايتهم والبراءة من أعدائهم الذين ناصبوهم، فالولاية محور كل شيء، وأن العبد إن جاء يوم القيامة بصلاة وصوم وزكاة وجهاد وحج ولم يأت بهذا الاعتقاد فعمله غير مقبول، فيزعمون أن الصادق رحمه الله تعالى قال: إن أول ما يسأل عنه العبد إذا وقف بين يدي الله جل جلاله عن الصلوات المفروضات، وعن الزكاة المفروضة وعن الصيام المفروض، وعن الحج المفروض، وعن ولايتنا أهل البيت، فإن أقر بولايتنا ثم مات عليها قبلت منه صلاته وصومه وزكاته وحجه، وإن لم يقر بولايتنا بين يدي الله جل جلاله لم يقبل الله عز وجل منه شيئا من أعماله(¬1).
بل لو أن الإنسان منذ خلق السماوات والأرض عبد الله بين الركن والمقام، ومكث تلك الفترة في الدعاء والإنابة ثم لم يقر بتلك الولاية المزعومة لدخل النار، فيقولون: "نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا محمد السلام يقرئك السلام ويقول: خلقت السماوات السبع وما فيهن، والأرضين السبع ومن عليهن، وما خلقت موضعا أعظم من الركن والمقام، ولو أن عبدا دعاني هناك منذ خلقت السماوات والأرضين ثم لقيني جاحدا لولاية علي لأكببته في سقر(¬2).
Sayfa 2
وفي رواية أخرى "فمن وصلنا وصله الله ومن احبنا أحبه الله، ومن حرمنا حرمه الله، أفتدرون أي البقاع أفضل عند الله منزلة؟ فلم يتكلم أحد منا، فكان هو الراد على نفسه، قال: ذلك مكة الحرام التي رضيها الله لنفسه حرما وجعل بيته فيها، ثم قال: أتردون أي البقاع أفضل فيها عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منا. فكان هو الراد على نفسه فقال: ذلك المسجد الحرام، ثم قال: أتدرون أي بقعة في المسجد الحرام أفضل عند الله حرمة؟ فلم يتكلم أحد منا، فكان هو الراد على نفسه فقال: ذاك بين الركن والمقام وباب الكعبة، وذلك حطيم إسماعيل عليه السلام ذاك الذي كان يزود فيه غنيماته ويصلي فيه، والله لو أن عبدا صف قدميه في ذلك المقام، قام الليل مصليا حتى يجيئه النهار، وصام النهار حتى يجيئه الليل، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئا أبدا(¬1).
وأيضا: "ولو أن عبدا عمره الله فيما بين الركن والمقام وفيما بين القبر والمنبر يعبده ألف عام، ثم ذبح علي فراشه مظلوما كما يذبح الكبش الأملح، ثم لقي الله عز وجل بغير ولايتنا لكان حقيقا على الله عز وجل أن يكبه على منخريه في نار جهنم(¬2).
وأضفوا على الأئمة صفات الله تعالى، بل تجاوزوا ذلك حيث وصفوا الله تعالى بالبداء وهو العلم بالشيء بعد حدوثه، بينما نفوا عن أئمتهم المزعومين الجهل والسهو، وزعموا أن الأئمة يعلمون الغيب وما تخفي الصدور وما في الأرحام .
والرافضة يكفرون كل من يخالفهم في مسألة الإمامة بل بنجاسة المخالف، وفي مقابل ذلك وضعت الرافضة فضائل ومناقب عديدة لمعتقد الولاية فاقت تزكية اليهود لأنفسهم، والأغرب من ذلك أن كل رافضي يقترف الخطايا فإنما إثم لك يحسب على المخالف لهم وهم أهل السنة(¬3)، وحديث الطينة مشهور عندهم.
Sayfa 3
ونظرا لاتخاذ الرافضة الكذب دينا في إرساء قواعد دينهم، فإنهم تأولوا القرآن الكريم بما يناسب خدمة دينهم، بل تجرؤا أكثر من ذلك فقاموا كأسلافهم من اليهود بالتحريف في الكتب السماوية، وإن الناظر في تحريف الرافضة للقرآن الكريم وإضافة أسماء أئمتهم ضمن الآيات القرآنية ليجد العجب العجاب، ويكفينا أن نذكر مثالا واحدا على ذلك ومن أراد التوسع في ذلك فليراجع الكتب التي بحثت في موضوع تحريف الرافضة للقرآن الكريم.
عن محمد بن الفضيل عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: سألته عن قول الله جل وعز: { يريدون ليطفؤوا نور الله بأفواههم }، قال: يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم.
قلت: { والله متم نوره }(¬1).
قال: والله متم الإمامة لقوله عز وجل: { الذين آمنوا(¬2) بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا }(¬3) فالنور هو الإمام.
قلت: { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق }.
قال: وهو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق.
قلت: { ليظهره على الدين كله }.
قال: هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه، والولاية هي دين الحق.
قلت: { ليظهره على الدين كله }.
قال: يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم، قال يقول الله: "والله متم ولاية القائم ولو كره الكافرون بولاية علي عليه السلام".
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم، أما هذا الحرف فتنزيل، وأما غيره فتأويل.
قلت: { ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا }.
Sayfa 4
قال: إن الله تبارك وتعالى سمى من لم يتبع رسوله في ولاية وصيه منافقين، وجعل من جحد وصيه إمامته كمن جحد محمدا وأنزل بذلك قرآنا، فقال: "يا محمد إذا جاءك بولاية وصيك قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله والله يشهد أن المنافقين بولاية علي لكاذبون. اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله (والسبيل هو الوصي) إنهم ساء ما كانوا يعملون. ذلك بأنهم آمنوا برسالتك وكفروا بولاية وصيك { فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون }(¬1)".
قلت: ما معنى "لا يفقهون" ؟
قال: يقول: لا يعقلون بنبوتك.
قلت: "وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله".
قال: وإذا قيل لهم: ارجعوا إلى ولاية علي يستغفر لكم النبي من ذنوبكم { لووا رؤوسهم } قال: { ورأيتهم يصدون } عن ولاية علي { وهم مستكبرون } عليه، ثم عطف القول من الله بمعرفته بهم فقال: { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين } يقول: الظالمين لوصيك.
قلت: { أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم }(¬2).
قال: إن الله ضرب مثل من حاد عن ولاية علي كمن يمشي على وجهه لا يهتدي لأمره وجعل من تبعه سويا على صراط مستقيم، والصراط المستقيم أمير المؤمنين عليه السلام.
قال: قلت: قوله: { إنه لقول رسول كريم }.
قال: يعني جبرئيل عن الله في ولاية علي.
قال: قلت: { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون }.
Sayfa 5
قال: قالوا: إن محمدا كذاب على ربه وما أمره الله بهذا في علي، فأنزل الله بذلك قرآنا فقال: "إن ولاية علي تنزيل من رب العالمين، ولو تقول علينا محمد بعض الأقاويل. لأخذنا منه باليمين. ثم لقطعنا منه الوتين" ثم عطف القول فقال: "إن ولاية علي لتذكرة للمتقين للعالمين" وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإن عليا لحسرة على الكافرين. وإن ولايته لحق اليقين. فسبح يا محمد باسم ربك العظيم"(¬1).
يقول: اشكر ربك العظيم الذي أعطاك هذا الفضل.
قلت: قوله: { لما سمعنا الهدى آمنا به }.
قال: الهدى الولاية آمنا بمولانا، فمن آمن بولاية مولاه { فلا يخاف بخسا ولا رهقا }.
قلت: تنزيل ؟
قال: لا تأويل.
قلت: قوله: { إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا }.
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا الناس إلى ولاية علي فاجتمعت إليه قريش فقالوا: يا محمد أعفنا من هذا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: هذا إلى الله ليس إلي، فاتهموه وخرجوا من عنده فأنزل الله: "قل إني لن يجيرني من الله إن عصيته أحدا ولن أجد من دونه ملتحدا، إلا بلاغا من الله ورسالاته في علي"(¬2).
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم، ثم قال توكيدا: {ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا}.
قلت: حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا.
قلت: يعني بذلك القائم وأنصاره.
قلت: { فاصبر على ما يقولون }.
قال: يقولون فيك { واهجرهم هجرا جميلا، وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا }(¬3).
قلت: إن هذا تنزيل ؟
قال: نعم.
قلت: { ليستيقن الذين أوتوا الكتاب }.
قال: يستيقنون أن الله ورسوله ووصيه حق.
Sayfa 6
قلت: { ويزداد الذين آمنوا إيمانا }.
قال: يزدادون بولاية الوصي إيمانا.
قلت: { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون }.
قال: بولاية علي.
قلت: ما هذا الارتياب ؟
قال: يعني بذلك أهل الكتاب والمؤمنين الذين ذكر الله، فقال: ولا يرتابون في الولاية.
قلت: { وما هي إلا ذكرى للبشر }.
قال: نعم ولاية علي.
قلت: { إنها لإحدى الكبر }.
قال: الولاية.
قلت: { لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر }.
قال: من تقدم إلى ولايتنا أخر عن سقر، ومن تأخر عنا تقدم إلى سقر.
قلت: { إلا أصحاب اليمين }.
قال: هم والله شيعتنا.
قلت: { لم نك من المصلين }.
قال: إنا لم نتول وصي محمد والأوصياء من بعده ولا يصلون عليهم.
قلت: { فما لهم عن التذكرة معرضين }.
قال: عن الولاية معرضين.
قلت: { كلا إنه تذكرة }.
قال: الولاية.
قلت: { يوفون بالنذر }.
قال: يوفون الله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.
قلت: { إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا }.
قال: بولاية علي تنزيلا.
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم ذا تأويل.
قلت: { إن هذه تذكرة }(¬1).
قال: الولاية.
قلت: { يدخل من يشاء في رحمته }(¬2).
قال: في ولايتنا.
قلت: { والظالمين أعد لهم عذابا أليما }(¬3).
قال: ألا ترى أن الله يقول: { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }(¬4).
Sayfa 7
قال: إن الله أعز وأمنع من أن يظلم أو أن يظلم أو أن ينسب نفسه إلى ظلم، ولكن الله خلطنا نفسه فجعل ظلمنا ظلمه، وولايتنا ولايته، ثم أنزل بذلك قرآنا على نبيه فقال: "وما ظلمناهم { وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون }.
قلت: هذا تنزيل ؟
قال: نعم.
قلت: { ويل يومئذ للمكذبين }.
قال: يقول: ويل للمكذبين يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية علي.
{ ألم نهلك الأولين، ثم نتبعهم الآخرين }(¬1).
قال: الأولين الذين كذبوا الرسل في طاعة الأوصياء.
{ كذلك نفعل بالمجرمين }(¬2).
قال: من أجرم إلى آل محمد وركب ومن وصيه ما ركب.
قلت: { إن المتقين }(¬3).
قال: نحن والله وشيعتنا، ليس على ملة إبراهيم غيرنا، وسائر الناس منها براء.
قلت: { يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون } الآية(¬4).
قال: نحن والله المأذون لهم يوم القيامة والقائلون صوابا.
قلت: ما تقولون إذا تكلمتم ؟
قال: نمجد ربنا ونصلي على نبينا ونشفع لشيعتنا فلا يردنا ربنا.
قلت: { ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون }(¬5).
قال: يعني أمير المؤمنين عليه السلام.
قلت: تنزيل ؟
قال: نعم(¬6).
Sayfa 8
ولا عجب أن يكون الرافضة على هذا المنوال، فمؤسس دينهم يهودي يدعى عبد الله بن سبأ حيث "إن الصبغة الانتقائية التي أضفاها اليهود لأنفسهم قديما وحديثا هي التي دفعت ابن سبأ وأمثاله إلى ضرب من الحيرة والشك والتساؤل: أيمكن للخليقة وللقيادة أن تكون منتخبة؟. لقد تاهت نفوسهم المكية بتقديس الممتازين، وما زادتها الأحداث التاريخية إلا شكا واضطرابا، وبحثوا لهم عن مخرج فوجدوه في القول بالوصية وبالإمامة التي تعد جزءا من الرسالة السماوية. ولما لم يجدوا في القرآن أو في الأحاديث الصحيحة ما يدعم مذهبهم، أباحوا لأنفسهم أن تتشبث بالسراب، فوضعوا أحاديث مخاطبة الشمس لعلي، ومناظرات الرهبان للمسلمين، وأنطقوا الجماجم، وكان هدفهم إرضاء عقدهم النفسية وإفساد سماحة الدين، ونقاوة الأحاديث النبوية تحت ستار الدفاع عن آل البيت، ورفعهم إلى درجة تجعل المعجزات الكثيرة تظهر على أيديهم لتبرهن أنهم القادة، وأن أتباعهم هم الفائزون.
وقد غاب عن هؤلاء أن ما ذهبوا إليه مفضوح، لأن الإسلام أتى بمبدأ تقديم العمل على النسبة(¬1).
والباعث على جمع هذا الكتاب أن كثيرا من الأخوة اقترحوا علي أن أقوم بتصنيف كتاب يرد على الشبهات التي يثيرها الرافضة في كتبهم حول مسألة الإمامة لا سيما استشهادهم على صحة معتقدهم بروايات أهل السنة، فاستخرت الله تعالى وجمعت ما تيسر جمعه من كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "منهاج السنة" وعلقت على مواضع يسيرة منه مكتفيا بتعليقات الدكتور محمد رشاد سالم رحمه الله رحمة واسعة وغفر له وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء ورمزت إلى تعليقاتي ب"قال أبو عبد الرحمن"، و"م" حيث هو مذكور في نهاية التعليق.
Sayfa 9
وأسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته العلي القدير أن يجعل ثواب ذلك في ميزان حسناتي يوم القيامة وأن يغفر لي ويجعلني من عباده الصالحين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أبو عبد الرحمن
محمد مال الله
17 صفر الخير 1413ه
الفصل الأول
الرد على من قال أن عليا ثبتت له الولاية كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله
قال الرافض: "المنهج الثاني: في الأدلة المأخوذة من القرآن، والبراهين الدالة على إمامة علي من الكتاب العزيز كثيرة.
البرهان الأول: قوله تعالى: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [المائدة: 55] وقد أجمعوا أنها نزلت في علي.
Sayfa 10
قال الثعلبي في إسناده إلى أبي ذر: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهاتين وإلا صمتا، ورأيته بهاتين وإلا عميتا يقول: "علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، فمنصور من نصره، ومخذول من خذله"(¬1) أما إني صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد، فلم يعطه أحد شيئا، فرفع السائل يده إلى السماء، وقال: اللهم إنك تشهد أني سألت في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعطني أحد شيئا، وكان علي راكعا، فأومأ بخنصره اليمنى، وكان متختما فيها، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم، وذلك بعين النبي صلى الله عليه وسلم.
فلما فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء، وقال: "اللهم إن موسى سألك وقال: { رب اشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي، اشدد به أزري، وأشركه في أمري} [طه: 25-32] فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: { سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا } [القصص: 35] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك، اللهم فاشرح لي صدري، ويسر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليا اشدد به ظهري".
قال أبو ذر: فما استتم كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم(¬1) حتى نزل عليه جبريل من عند الله فقال: يا محمد اقرأ قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } [المائدة: 55].
ونقل الفقيه ابن المغازلي الواسطي الشافعي أن هذه نزلت في علي(¬2)، والولي هو المتصرف، وقد أثبت له الولاية في الآية، كما أثبتها الله تعالى لنفسه ولرسوله".
Sayfa 11
والجواب من وجوه: أحدها: أن يقال: ليس فيما ذكره ما يصلح أن يقبل ظنا، بل كل ما ذكره كذب وباطل، من جنس السفسطة. وهو لو أفاده ظنونا كان تسميته براهين تسمية براهين تسمية منكرة؛ فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين، كقوله تعالى: { وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } [البقرة: 111].
وقال تعالى: { أمن يبدأ الخلق ثم يعيده ومن يرزقكم من السماء والأرض أإله مع الله قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } [النمل: 64].
فالصادق لابد له من برهان على صدقه، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم.
وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب، فلا يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل. وسنبين إن شاء الله تعالى عند كل واحدة منها ما يبين كذبها، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب.
ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس، مع أنه قد يكون كذبا عليه، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس . فإن كان قول الواحد الذي لم يعلم صدقه، وقد خالفه الأكثرون برهانا، فإنه يقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله، فتتعارض البراهين فتتناقض، والبراهين لا تتناقض.
بل سنبين إن شاء الله تعالى قيام البراهين الصادقة التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر، لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق، وأن القرآن حق، وأن دين الإسلام حق، تناقض ما ذكره من البراهين، فإنه غاية ما يدعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن والرسول.
Sayfa 12
وهذا لأن أصل الرفض كان من وضع قوم زنادقة منافقين، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام، وروجوها على أقوام، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل، فقبلها لهواه، ولم ينظر في حقيقتها. ومنهم من كان له نظر فتدبرها، فوجدها تقدح في حق الإسلام، فقال بموجبها، وقدح بها في دين الإسلام، إما لفساد اعتقاده في الدين، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام.
ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب؛ فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلطوا به على الطعن في الإسلام، وصارت شبها عند من لم يعلم أنها كذب، وكان عنده خبرة بحقيقة الإسلام.
وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية، وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين. وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث، كأئمة العبيديين إنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب التي اختلقتها الرافضة، ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضلال، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة، إلى القدح في علي، ثم في النبي صلى الله عليه وسلم، ثم في الإلهية، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر، والناموس الأعظم. ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد.
ثم نقول: ثانيا: الجواب عن هذه الآية حق من وجوه:
الأول: أنا نطالبه بصحة هذا النقل ، أو لا يذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة؛ فإن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبي، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات، الصادقين في نقلها، ليس بحجة باتفاق أهل العلم، إن لم نعرف ثبوت إسناده.
وكذلك إذا روى فضيلة لأبي بكر وعمر، لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم.
فالجمهور - أهل السنة - لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته: لا حكما، ولا فضيلة، ولا غير ذلك، وكذلك الشيعة.
Sayfa 13
وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق الطوائف كلها، بطل الاحتجاج به. وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبي نعيم أو الثعلبي أو النقاش أو ابن المغازلي ونحوهم.
الثاني: قوله "قد أجمعوا أنها نزلت في علي" من أعظم الدعاوي الكاذبة، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علي بخصوصه، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع(¬1).
Sayfa 14
وأما ما نقله من تفسير الثعلبي(¬1)، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبي يروي طائفة من الأحاديث الموضوعات، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبي أمامة في فضل تلك السورة، وكأمثال ذلك.. ولهذا يقولون: "هو كحاطب ليل".
Sayfa 15
وهكذا الواحدي(¬2) تلميذه، وأمثالهما من المفسرين: ينقلون الصحيح والضعيف.
ولهذا لما كان البغوي(¬1) عالما بالحديث، أعلم به من الثعلبي والواحدي، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبي، لم يذكر في تفسيره شيئا من هذه الأحاديث الموضوعة التي يرويها الثعلبي، ولا ذكر تفاسير أهل البدع التي ذكرها الثعلبي، مع أن الثعلبي فيه خير ودين، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث، ولا يميز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال.
Sayfa 16
وأما أهل العلم الكبار: أهل التفسير، مثل تفسير: محمد بن جرير الطبري، وبقي بن مخلد(¬1)، وابن أبي حاتم(¬2)، وابن المنذر(¬3)، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم(¬4)، وأمثالهم، فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات.
Sayfa 18
دع من هو أعلم منهم، مثل تفسير أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه(¬1). بل ولا يذكر مثل هذا عند ابن حميد(¬2) ولا عبد الرزاق(¬1)، مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع، ويروي كثيرا من فضائل علي، وإن كانت ضعيفة، لكنه أجل قدرا من أن يروي مثل هذا الكذب الظاهر.
وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد، من جنس الثعلبي والنقاش والواحدي، وأمثال هؤلاء المفسرين، لكثرة ما يروونه من الحديث ويكون ضعيفا، بل موضوعا. فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى، لم يجز أن نعتمد عليه، لكون الثعلبي وأمثاله رووه، فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب؟!.
وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يبين كذبه عقلا ونقلا، وإنما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة جهله، حيث قال: "قد أجمعوا أنها نزلت في علي" فياليت شعري من نقل هذا الإجماع من أهل العلم العالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور؟ فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يقبل من غير أهل العلم بالمنقولات، وما فيها من إجماع واختلاف.
فالمتكلم والمفسر والمؤرخ ونحوهم، لو ادعى أحدهم نقلا مجردا بلا إسناد ثابت لم يعتمد عليه، فكيف إذا ادعى إجماعا؟!.
Sayfa 19
الوجه الثالث: أن يقال: هؤلاء المفسرون الذين نقل من كتبهم، هم - ومن هم أعلم منهم - قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدعى، والثعلبي قد نقل في تفسيره أن ابن عباس يقول: نزلت في أبي بكر. ونقل عن عبد الملك: قال: سألت أبا جعفر، قال: هم المؤمنون. قلت: فإن ناسا يقولون: هو علي. قال: فعلي من الذين آمنوا. وعن الضحاك مثله.
وروى ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبيه قال: حدثنا أبو صالح كاتب الليث، حدثنا معاوية بن صالح، حدثنا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في هذه، قال: "كل من آمن فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا". قال: وحدثنا أبو سعيد الأشج، عن المحاربي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عن هذه الآية، فقال: "هم الذين آمنوا". قلت: نزلت في علي؟ قال: علي من الذين آمنوا. وعن السدي مثله.
Sayfa 20
الوجه الرابع: أنا نعفيه من الإجماع، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح. وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبي إسناده ضعيف، فيه رجال متهمون. وأما نقل ابن المغازلي الواسطي(¬1) فأضعف وأضعف، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفي أنه كذب على من له أدنى معرفة بالحديث، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا.
الوجه الخامس: أن يقال: لو كان المراد بالآية أن يؤتي الزكاة حال ركوعه، كما يزعمون أن عليا تصدق بخاتمه في الصلاة، لوجب أن يكون ذلك شرطا في الموالاة، وأن لا يتولى المسلمون إلا عليا وحده، فلا يتولى الحسن ولا الحسين ولا سائر بني هاشم. وهذا خلاف إجماع المسلمين.
الوجه السادس: أن قوله: "الذين" صيغة جمع، فلا يصدق على علي وحده.
الوجه السابع: أن الله تعالى لا يثني على الإنسان إلا بما هو محمود عنده: إما واجب، وإما مستحب. والصدقة والعتق والهدية والهبة والإجارة والنكاح والطلاق، وغير ذلك من العقود في الصلاة، ليست واجبة ولا مستحبة باتفاق المسلمين، بل كثير منهم يقول: إن ذلك يبطل الصلاة وإن لم يتكلم، بل تبطل بالإشارة المفهمة. وآخرون يقولون: لا يحصل الملك بها لعدم الإيجاب الشرعي. ولو كان هذا مستحبا، لكان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ويحض عليه أصحابه، ولكان علي يفعله في غير هذه الواقعة.
فلما لم يكن شيء من ذلك، علم أن التصدق في الصلاة ليس من الأعمال الصالحة، وإعطاء السائل لا يفوت، فيمكن المتصدق إذا سلم أن يعطيه، وإن في الصلاة لشغلا.
الوجه الثامن: أنه لو قدر أن هذا مشروع في الصلاة، لم يختص بالركوع، بل يكون في القيام والقعود أولى منه في الركوع، فكيف يقال: لا ولي لكم إلا الذين يتصدقون في كل الركوع. فلو تصدق المتصدق في حال القيام والقعود: أما كان يستحق هذه الموالاة ؟
فإن قيل: هذه أراد بها التعريف بعلي على خصوصه.
قيل له: أوصاف علي التي يعرف بها كثيرة ظاهرة، فكيف يترك تعريفه بالأمور المعروفة، ويعرفه بأمر لا يعرفه إلا من سمع هذا وصدقه؟.
Sayfa 21