عند انقلاب القرن السادس ق .م. كما انتقلت القسطنطينية
Constantinople
في القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت أثينا ملجأهما الطبيعي. وسنرى فيما بعد كثيرا من مختلف الرجال والحركات العظمى التي انتقلت في ذلك العصر من آسيا إلى أثينا. ومن الحقائق المثالية، اتخاذ أثينا حروف الهجاء الأيونية للاستعمال الشخصي والأدبي، كانت حروف الهجاء الأثينية الوطنية بائدة ومبتذلة ليس فيها حروف ساكنة مزدوجة ولا تمييز كاف بين حروف المد. أما حروف الهجاء الأيونية، فهي التي نستعملها اليوم، ولم تستعمل رسميا في أثينا حتى عام 404. فقد أرادت المستندات العامة أن تحتفظ بعظمتها البائدة، ولكنها كانت مستعملة هناك في الشئون الخاصة إبان الحروب الفارسية، أي أنها جاءت في العصر الذي قبلت فيه أثينا وأكدت جدارتها لمركزها كعاصمة أيونيا، واعتنقت الشعر الأيوني كجزء من ممتلكاتها المقدسة، ولكن جاءت صعوبة غريبة أظهرت نفسها؛ فقد كتبت أشعار هوميروس في أيونيا، من قبل، باللهجة الأيونية، ما في هذا شك. ومع ذلك، فإن تراثنا يؤكد، وتؤيده في هذا كثير من الحقائق الواضحة التي أبانها السكندريون، واعتبارات نقد النصوص، تؤكد أن نصوص أشعار هوميروس القديمة كانت مكتوبة بحروف الهجاء الأتيكية. فإذا كان هوميروس قد جاء إلى البان أثينايا في نفس الوقت الذي جاءت فيه حروف الهجاء الأيونية الجديدة، إلى أثينا، فكيف أعاد الناس كتابة هذه الأشعار من الحروف الأحسن إلى الأردأ؟ ليس الجواب على هذا السؤال صعبا، وهو نفس الجواب على سؤال آخر لم نستطع حله من قبل. كتبت نسخ من شعر هوميروس باللهجة الأتيكية الرسمية؛ لأن إلقاء هذه الأشعار في البان أثينايا، كان احتفالا رسميا فرضه أمر قانوني.
النصوص الهومرية
لم يعرف الأغارقة، كما سبق أن قلنا، من هو هوميروس. وبالتدريج، قرر الناس أن القصيدتين وحدهما من تأليفه. أما بقية الأشعار فليست كذلك. ورغم هذه الحقيقة، فإن النص الفعلي لكل من الإلياذة والأوديسة، لم يكن شيئا مسلما به. كانت الإلياذة والأوديسة إنجيل الأغارقة.
حفظ وتلا، قدامى المؤلفين والكتاب نصوصا من هوميروس وصار كلا الكتابين، كتابا واحدا بالغ التقديس. ورغم هذا، فبعض هذه النصوص المقتبسة، لا يوجد في الكتب التي لدينا. وبعضها مختلف بعض الشيء. وبالاختصار، ليس هناك نص رسمي معترف به. وحتى أريستارخوس لم يتفق على النصوص إلى عصره. وهذا راجع إلى الشعراء المنشدين، نعلم أن شعر الملاحم في أيونيا، كان في حوزة الهوميريداي، أو الشعراء المنشدين. ويحق لنا أن نفترض أن هؤلاء الشعراء المنشدين قد انتظموا في نقابات أو مدارس. ونعرف إجمالا كيف يعمل الشاعر المنشد؛ فهو يختار نصه الأدبي. من أية أسطورة يمكنه الحصول عليها، كما يفعل الشعراء المتجولون، في الأوديسة. فإنه ينتقي بعض السطور كمقدمة، كما يخبرنا بندار، وتدلنا الأناشيد الهوميرية، أو المقدمة، عما يعنيه ذلك المنشد. وربما بعض سطور من الخاتمة. فإن أنشد أنشودة عادية، فإنه يتلو بعض فقرات قوية (وأية قطعة لإصلاح لهجة ما)، وحلقة (قصة يضعها في السرد أو في القصيدة ليضفي عليها بعض التنوع) ليجعل أنشودته جذابة قدر المستطاع كغيرها. وهو يعترض على النص الثابت، ويمقت إضافة الأجزاء الفرعية إلى الكل. والآن نجد قصائد مليئة بآثار من نظم الشعراء المنشدين. وهي تطور للقصة التاريخية المتلوة أو المحفوظة، وحيث لا تتفق وحدتها أو انسجامها، عندئذ يقع معظم الذنب على القصة التاريخية المحفوظة، وقد فعل الشاعر المنشد الكثير، كما فعل القصاص، فيبدأ بمخاطبة المستمع، ثم ينشد ويتلو أو يحكي الأنشودة القصيرة، ثم يختمها بكلمة وداع. ومن المحتمل أن يتلو المقدمة والخاتمة من نص أدبي مختار، وخصوصا من هوميروس. أما الأحداث فيتلوها من شيء يتعلق بالشخص المكرم. ومع ذلك فإن الحقيقة الواقعية لقصائدنا الهوميرية ليست دلالتها على أمارات من تنميق الشعراء المنشدين، ولكن لأنها لا تدل على شيء أكثر، إنها، كما هي، لا تلائم الشاعر المنشد؛ فهي طويلة جدا لا يمكنه تلاوتها كلها إلا في حفل عظيم فريد، كالحفل الذي فكر القانون في إقامته بنظام سامي التنسيق. عندئذ يقسمها إلى أجزاء مفككة. ومن غير المعقول أن يكون القانون هو الذي اختصرها إلى شكلها الحالي بضربة واحدة. فكل ما أصر عليه هو الحصول على التاريخ الحقيقي بنتائجه الصحيحة. فإذا سمح للشعراء المنشدين بشيء ما، فإنه لم يسمح لهم إلا بحرية معينة في اختيارهم للزخارف. ولم يصر على أن يقيدهم بألفاظ محددة.
ويدل كل تاريخ النصر في القرن الرابع على هذا الجدل. والحقيقة في أساسها، هي أن القصائد كما هي لدينا، أساسية وغير قابلة للتقسيم، وملائمة لما يطلبه الجمهور القارئ. وفي سنة 470، لم يكن هناك جمهور قارئ، سواء في أثينا أو في أيونيا. وقد كتب أناكسيماندر
Anaximander ، عبارات حكمته لبعض الطلبة المجتهدين ليحفظوها عن ظهر قلب، بحيث يسر جرسها السمعي الأذن، وظل الأمر هكذا حتى جاء هيرودوت بعد ذلك بأربعين سنة، في عام 630ق.م.، فحول ما كان يحفظه وجعله على صورة كتاب للمتعلمين من الناس ليقرءوه لأنفسهم، وبدأ يوريبيديس
Euripides
بجمع مكتبة، وهذا يساعدنا على تكوين فكرة عن أشعار الملاحم الأيونية كما كانت موجودة وكيف نمت قبل نقلها، كانت هذه الملاحم تحفظ وتقرأ، وكانت الإلياذة والأوديسة، في معظم الأحوال، في شكلهما الحالي. ومما لا ريب فيه هو أنهما كانتا في حجمهما الحالي، قد يكون من المؤكد أنهما كانتا إلياذة بدون
Bilinmeyen sayfa