Tanrı Zirvede İstifa Ediyor
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
Türler
ثمن الكتابة
قصة هذه المسرحية1
عن شخصيات المسرحية الرئيسية
المسرحية
ثمن الكتابة
قصة هذه المسرحية1
عن شخصيات المسرحية الرئيسية
المسرحية
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
الإله يقدم استقالته في اجتماع القمة
Bilinmeyen sayfa
تأليف
نوال السعداوي
ثمن الكتابة
مقدمة قصيرة
لا أجيد كتابة المقدمات، يمكن أن أكتب قصة من ألف صفحة، ولا أستطيع كتابة مقدمة من نصف صفحة، أما رفيقة عمري فهي شخصية عصية على الفهم، تكتب في النوم كما تكتب وهي صاحية، لا تهتم بدورة الأرض حول نفسها، أو دورتها حول الشمس.
تضحك وتقول: نحن أحرار، ندور كما نشاء؛ حول أنفسنا، أو حول غيرنا، أو لا ندور.
لكن عقلي يدور، رغم مشيئتي، في النوم كما في اليقظة.
أصحو من النوم كل صباح على رنين الجرس، صوتها يأتيني من حيث تكون، في أي مكان فوق كوكب الأرض، هي تعشق السفر منذ كانت طفلة، لا تعود إلى الوطن حتى ترحل، مهما ابتعدت وطال الغياب، أراها أمام باب بيتي، بحقيبتها العتيقة بلون النبيذ الأحمر، حرقتها الشمس وأغرقتها الأمطار في الجنوب والشمال، أصبحت أقل حمرة مما كانت، وإن ظلت حمراء اللون، متينة العجلات قوية العضلات، أقل قوة بمرور الزمن، تجرها من خلفها وهي تجتاز المطارات والمحطات، تنزلق وراءها بخفة فوق الشوارع المرصوفة الناعمة، وتغوص بثقلها في الأزقة حيث الحفر والمطبات، مليئة بالكتب وملابسها وأوراقها، مقبضها متين لا ينخلع، يحمل اسمها، داخل قطعة من البلاستيك الأبيض بحجم كف اليد.
اسمها الثلاثي كان مسجلا في أقسام وزارة الداخلية والشئون الاجتماعية ومصلحة السجون وإدارات الرقابة على النشر والكتابة والمصنفات الفنية.
يحملق ضابط الشرطة بمطار القاهرة في اسمها الثلاثي، يتأمل صورتها في جواز سفرها، يبتسم في وجهها: حمد الله ع السلامة يا أستاذة. يدق بالمطرقة على جواز سفرها فتدخل. وإن وصلت القائمة السوداء إليه قبل عودتها، يعتذر لها برقة ورثها عن أمه، يناولها كرسيا لتستريح وكوب ماء: آسف يا أستاذة، عندي أوامر لازم أنفذها. وإن كان عضوا بحزب الجهاد أو داعش أو حزب الحكومة، يكشر عن أنيابه مبرطما بصوت غليظ ، ويحجزها مع حقيبتها في غرفة الحجر الصحي؛ حيث تلتقي بأنواع مختلفة من البشر، بعضهم مرضى بالجذام وأنفلونزا الخنازير، وبعضهم مصاب بالجنون أو الكفر، منهم الكوافير سوسو، كان شهيرا في الحي الراقي بجاردن سيتي، اكتسب ثقافة نادرة من الحلاقة للنساء والرجال، أصابعه ماهرة تدرك أفكارا مدهشة في الرءوس التي تغوص فيها، يأتي سكان الحي الراقي إلى محله الأنيق بشارع التنهدات، نساء ورجال من المثقفين أو الطبقة العليا، يؤمنون أن الإنسان تطور عبر ملايين السنين من فصيلة الثدييات على رأسها الشمبانزي الأم الكبرى، وأن الأرض كروية تدور حول الشمس وليس العكس، وأن الكون نشأ بالصدفة البحتة حين حدث الانفجار الكبير وانتشرت في الفضاء ذرات، تناثرت وتجمع بعضها لتكوين أول مادة أو أول كتلة مادية في الوجود.
Bilinmeyen sayfa
وكان من زبائن الكوافير سوسو، أيضا، البوابون والطباخون في قصور الباشوات القدامى والجدد في جاردن سيتي، منهم الحاج منصور الشهير باسم طباخ الباشا؛ رجل سمين مملوء بالسمن البلدي والطعام الفاخر الذي يبتلعه سرا.
وبينما هو يترك رأسه بين يدي الكوافير سوسو، يحكي الحكايات القديمة عن المماليك والأتراك، كيف عاشوا في الأناضول، ولا بد أن يذكر الأسلاف من أجداده وعلى رأسهم جده الكبير، الذي حكى له وهو صغير أن الله خلق للثور قرنين؛ لأنه يحمل الأرض فوق قرن، وإن تعب من ثقلها حرك رأسه ونقلها إلى قرنه الثاني.
ويضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو، امال الزلازل والبراكين والبرق والرعد بييجوا منين؟ - منين يا حاج منصور؟ - لما الثور يحرك الأرض على راسه من قرن لقرن يحدث البرق والرعد، والزلازل تهز الأرض.
يضحك الكوافير سوسو: مش معقول يا حاج منصور. - لا، معقول يا سوسو. - الكلام ده كان زمان قبل جاليليو. - جاليليو خواجة يهودي نصراني ما يعرفش ربنا. - لازم تعرف حاجة عن جاليليو يا حاج، اسمعني. - سامعك يا خويا. - جاليليو أمه ولدته في إيطاليا بعد العدرا مريم ما ولدت المسيح بألف وخمسميت سنة أو أكتر، وكانت إيطاليا وأوروبا كلها محكومة بالكنيسة وعايشة في الجهل والظلام، درس جاليليو الطب والهندسة والفلك، واكتشف أخطاء العلماء اللي قبله في اليونان، منهم أرسطو. - أرسطو كان مؤمن بربنا يا سوسو؟ - أرسطو كان مؤمن بالكنيسة يا حاج منصور وبينشر أفكارها في كتبه، واعتبرته الكنيسة الفيلسوف الأعظم وأغدقت عليه الأموال والمناصب، لكن جاليليو عمل منظار جديد واكتشف خطأ أرسطو، وإن الأرض بتدور حول نفسها وحول الشمس، غضبت منه الكنيسة واتهمته بالكفر والإلحاد والخيانة؛ لأنه بيعارض الكتاب المقدس وتعاليم الكنيسة ونظرية أرسطو عن إن الأرض ثابتة لا تتزعزع ولا تتحرك أبد الدهر، قدموا جاليليو للمحاكمة وأدانوه، ومات فقير مسكين معزول في بيته. - مين قال لك الكلام ده؟ - الباشا اللي باحلق له شنبه ودقنه. - الباشا بنفسه يا سوسو؟ - أيوة يا حاج منصور. - لازم كلامه صح مية المية، لكن أنا مش حاسس إن الأرض بتدور يا سوسو! - لأنها بتدور بسرعة كبيرة يا حاج، وانت جزء منها وبتدور معاها. - مش معقول يا سوسو. - مثلا وانت راكب جوة القطر يا حاج، لا يمكن تحس إنه بيجري بسرعة. - لكن القطر غير الأرض يا سوسو، ولا إيه؟ - إيه يا حاج!
وينفجر الكوافير والحاج منصور في الضحك.
تخرج هي، رفيقة العمر، تجر حقيبتها الحمراء ذات العجلات، من غرفة الحجر الصحي بالمطار بعد عدة ساعات، أو عدة أيام حسب مزاج الحكومة والمخابرات، ثوبها مكرمش وشعرها منكوش، نامت على الكرسي وإلى جوارها الحقيبة، تلمسها بيدها إن أفاقت في الظلمة فجأة، تخشى أن يسرقها أحد وهي غارقة في النوم، أو غائبة عن الوعي من شدة التعب، وفي أحد الصباحات، دون سابق إنذار، يأتي الضابط مبتسما، ويقول: مبروك يا أستاذة، صدر العفو الرئاسي عن بعض المعتقلين والمعتقلات بمناسبة العيد. - أي عيد؟
الأضحى الكبير، أو العبور العظيم، أو شم النسيم في بداية الربيع، يصحو الناس في الصباح الباكر ليشموا البصل والرنجة والفسيخ، يتمشون على شاطئ النيل، الأغنياء منهم يشمون النسيم في المنتجعات الجديدة على شاطئ البحر الأبيض بالساحل الشمالي، أو في الغردقة وسواحل البحر الأحمر.
لكن يظل الفسيخ اللذيذ من نبروه، مع أصناف الطعام الفاخر ومعه البصل الأخضر والملانة والرنجة من ضرورات العيد، لإعادة الذاكرة الطفولية والخصوصية الثقافية وتاريخ الأجداد.
كنت أحب الفسيخ وهي لا تطيق رائحته، لا تزورني أبدا في المواسم، لا تحتفل بالأعياد، وعيد ميلادها لا تذكره، إن ذكرتها به تمط شفتها السفلى وتنهمك في الكتابة. - كم عمرك؟ - مش فاكرة. - مش معقولة انتي. - انتي اللي مش معقولة. - ازاي؟ - إيه يهمك من عمري؟ - عاوزة أعرف انتي عشتي كام سنة. - ليه؟ - مش عارفة. (انتهت المقدمة)
1
Bilinmeyen sayfa
نوال السعداوي
القاهرة
22 مارس 2017
قصة هذه المسرحية1
لهذه المسرحية قصة حقيقية، بدأت في واقع الحياة التي عاشتها مؤلفة المسرحية، ليلة التاسع من يونيو 1992، بمدينة القاهرة، عاصمة جمهورية مصر العربية.
بعد منتصف الليل سمعت المؤلفة الدقات على باب بيتها في شارع مراد بالجيزة. هذه الدقات في مثل هذا الوقت لم تكن إلا لزوار الفجر، هاتان الكلمتان «زوار الفجر» كانتا تجريان على ألسنة الناس في مصر القديمة ومصر الحديثة منذ عهد محمد علي باشا حتى اليوم. إنهم رجال البوليس يهبطون على بيوت الناس قبل طلوع الفجر بقليل، يقبضون على الرجال والنساء لإيداعهم السجون، كما يقبض عزرائيل إله الموت على الأرواح.
كانت المؤلفة نائمة في سريرها إلى جوارها زوجها، لم تسمع هي الدقات أول الأمر، أو سمعتها وتصورت أنها مجرد حلم، أو كابوس، أو ذكرى ما حدث في الماضي، حين دقوا عليها الباب يوم السادس من سبتمبر 1981، كانت وحدها بالبيت، تصورت أنهم لصوص فلم تفتح الباب، فإذا بهم يكسرون الباب ويسوقونها إلى السجن دون تحقيق ودون جريمة، اللهم إلا حروفها المطبوعة على الورق.
كان زوجها هو الذي سمع الدقات تلك الليلة من يونيو، بخبرته الطويلة داخل السجون، أدرك أنهم زوار الفجر، إنه طبيب وأديب مرهف الحس، كان في شبابه يحلم بالحرية والعدل، فإذا به نزيل السجن ثلاثة عشر عاما، أجمل سنين الشباب قضاها وراء القضبان، وأربع سنوات قضاها في المنفى، بقية العمر عاش مطاردا لم يستقر إلا الأعوام الأخيرة بعد أن تجاوز السبعين عاما.
ها هي الدقات على الباب تؤكد أنه لم يستقر أبدا، وأن زوار الفجر لن يتركوه يكمل الجزء الأخير من مذكرات حياته.
لكن هذه الزيارة لم تكن للزوج وإنما للزوجة، مؤلفة المسرحية، هذه المرة لم يسوقوها إلى السجن، ولكن زفوا إليها خبرا مفزعا، أحد الأساتذة من الكتاب الإسلاميين تم اغتياله منذ ساعات، القتلة مجهولون حتى الآن، أصدرت الحكومة أمرا بحماية الأرواح التي وردت أسماؤهم في قائمة الموتى. - قائمة الموتى؟!
Bilinmeyen sayfa
كلمتان مفزعتان، كانتا تجريان على ألسنة الناس في السنين الأخيرة، هناك قوى مجهولة تتحدث بلسان الله وتمسك في يدها الرشاشات والقنابل، تطارد أي إنسان يكتب شيئا يختلف عما يقولون، تحكم عليه بالكفر أو الردة عن الإسلام، تضع اسمه في قائمة الموتى، وتنفذ الحكم بالرصاص ثم تهرب.
في ديسمبر 1988 أصدرت الحكومة أمرا بوضع حراسة مسلحة حول بيت المؤلفة. لم تعرف المؤلفة السبب. إن أوامر الحكومة مثل أوامر الله تنفذ دون سؤال عن الأسباب. عاشت المؤلفة تحت الحراسة عامين من ديسمبر 1988 إلى ديسمبر 1990، ثم اختفت الحراسة المسلحة فجأة كما جاءت دون إبداء الأسباب.
لكن الناس في مصر كغيرها من بلاد العالم تتسلى بالحكايات، أبطالها شخصيات حقيقية يعرفها الجميع على رأسهم طبعا رئيس الدولة؛ فهو قمة الهرم الأكبر فوق الأرض، لا يعلوه إلا الله الجالس على عرش السماء، وكان الناس يخلطون دائما بين شخصية الجالس على عرش الأرض والجالس على العرش السماوي؛ هذه عادة الناس في كل مكان وزمان، لأسباب متعددة، منها أن رؤساء الدول منذ نشوء الدولة في التاريخ يتخفون وراء اسم الله، يصدرون الأوامر باسم الله، يبدءون أي خطاب للناس باسم الله، كيف يمكن إذن للناس أن تفصل بين لسان رئيس الدولة ولسان الله سبحانه وتعالى؟! وكان رئيس الدولة يطلق على نفسه ألقابا مقدسة مثل «البابا» في الغرب و«الإمام» في الشرق، ويقبض بين يديه على السلطات جميعا السياسية والدينية وأهمها طبعا الخزانة العامة أو أموال الدولة، التي دخلت في التاريخ تحت اسم أموال الكنيسة أو الجامع، في التاريخ الحديث يسمونها «بنك الله» على غرار «حزب الله» الذي أصبحت له قوة سياسية وعسكرية لا ينافسه في قوته إلا حزب الشيطان.
دارت بين الناس حكاية تقول إن الحراسة المسلحة وضعت حول بيت المؤلفة؛ لأنها أصدرت رواية تحت عنوان «سقوط الإمام» أجزاء من هذه الرواية كتبتها داخل سجن النساء عام 1981 بالقاهرة، قبل اغتيال رئيس الدولة في مصر «أنور السادات» بشهر واحد.
كان السادات يخلط كثيرا بين الحاكم الأرضي رئيس الجمهورية الذي يستمد قوته من القانون المدني وتشريعات الدولة، وبين الحاكم الديني «الإمام» الذي يستمد قوته من القانون الإلهي وكتاب الله. وقد غير الدستور المصري، وأصبحت الشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد لهذا الدستور. حمل السادات لقب «الرئيس المؤمن»، وأصدر قرارا بأن المرتد عن الإسلام عقابه الإعدام، ونصب نفسه رئيسا مدى الحياة كالآلهة الخالدين.
لم تشعر المؤلفة بالأمان تحت هذه الحراسة المسلحة، أيمكن أن تحمي الحكومة حياتها؟ كانت الثقة مفقودة بين الناس والحكومة. منذ نشوء الحكومات في التاريخ لم ير الناس منها أي خير؛ اغتيالات حدثت للمحروسين بيد حراسهم، والأستاذ الكاتب الإسلامي الذي تم اغتياله كانت الحكومة تحرسه. طلبت من الحكومة عدم حماية حياتها؛ فهي حياتها تملكها وتحميها بنفسها. رفضت الحكومة الطلب. قالت للمؤلفة: إن حياتك ليست ملكا لك ولكنها ملك الحكومة.
لأول مرة تشعر المؤلفة أن حياتها مهددة وليست ملكها. الرصاصة سوف تنطلق حتما. من هي اليد التي سوف تضرب؟ أعداؤها كثيرون منذ أمسكت بالقلم وكتبت، داخل الحكومة وخارجها، على رأسهم بالطبع المتكلمون باسم الله، الضاربون بالرصاص باسم الله أيضا.
في الليل تحلم المؤلفة أنها تحولت إلى كائن يشبه الطائر له جناحان، وأنها تطير وتطير، تجتاز حدود الوطن وتنجو بحياتها. لكنها تصحو من النوم، وترى الحراس أمام الباب والبودي جارد يشبه الجلادين. وبدأت المسرحية تنمو في أحشائها كالجنين.
في يوم، وهي جالسة تكتب في بيتها دق جرس الباب، كانت فتاة شابة بيضاء البشرة، شعرها ناعم أصفر، طويلة القامة اسمها إليزابيث، أمريكية الجنسية، جاءت في زيارة قصيرة إلى مصر، أرادت أن تتعرف على المؤلفة، فقد قرأت لها بعض الروايات والكتب حين كانت طالبة بإحدى الجامعات. دهشت إليزابيث حين رأت الحراس والبودي جارد، سألت المؤلفة عن سبب وجودهم، لم تعرف المؤلفة الإجابة. سألتها إليزابيث لماذا لا تنقذ نفسها وتترك هذا المكان؟ لم تعرف المؤلفة مكانا آخر غير بيتها والوطن الذي ولدت فيه، قالت المؤلفة لنفسها: «وأين يمكن أن أذهب؟! لا أعرف مكانا آخر.» قالت إليزابيث: يمكن أن تذهبي إلى جامعة ديوك، هناك أستاذة تدرس اللغة العربية اسمها ميريام كوك، وهي تدرس رواياتك وكتبك، وسوف ترحب كثيرا بك. - وماذا أفعل في جامعة ديوك؟ - تدرسين رواياتك وكتبك للطلبة والطالبات، إنهم يحبون كتاباتك، وكنت واحدة منهم، وقررت أن أزورك في أول زيارة لي لمصر.
خرجت إليزابيث من بيت المؤلفة، وأدارت رقم التليفون ليرن في مكتب الدكتورة ميريام كوك في جامعة ديوك، في مدينة ديرهام، بولاية نورث كارولينا، على الشاطئ الشرقي الجنوبي لأمريكا الشمالية.
Bilinmeyen sayfa
هكذا أصبحت المؤلفة أستاذة زائرة في جامعة ديوك، تلتقي بالطلبة والطالبات مرتين في الأسبوع، تدرس تناقش معهم رواياتها ومنها رواية سقوط الإمام، منذ عشرين عاما بدأت هذه الرواية في خيال المؤلفة، كتبتها أول الأمر على شكل مسرحية، كان «الإمام» بطل المسرحية يظهر أحيانا على شكل رئيس الدولة «السادات»، وفي أحيان أخرى يرتدي ثياب الرب الأعلى ويجلس على عرش السماء. لم تكن القوانين تسمح بتجسيد شخصية الرب الأعلى فوق خشبة المسرح، الأنبياء أيضا شخصيات مقدسة لا تظهر صورهم ولا يمكن تجسيدهم في أعمال مسرحية، شخصية رئيس الدولة تدخل أيضا ضمن الشخصيات المقدسة. وكان السادات يرأس الدولة والحكومة معا والجيش والحزب الحاكم، أيضا والعائلة، أعطى نفسه لقب «رب العائلة» ثم أصبح للحكومة رئيس آخر يسمونه «رئيس الوزراء»، وهو شخصية بشرية يخضع للنظام الديمقراطي أو التعددية الحزبية، يمكن أن يتلقى النقد من الأحزاب المعارضة بصفته المسئول عن أخطاء الحكومة وشرورها، أما رئيس الدولة غير مسئول عن الشر، إنه مسئول فقط عن الخير مثل الله سبحانه وتعالى، أما الشر فهو مسئولية شخص آخر هو الشيطان، أو إبليس، أو رئيس الحزب المعارض، أو رئيس الحكومة، أو رجل آخر أو امرأة تكتب رأيها بحرية؛ هذا هو كبش الفداء، الذي يطرد من منصبه أو يذبح أو يهدد بالذبح كما حدث لإسماعيل ابن سيدنا إبراهيم، وستنا حواء التي حملت عبء الخطيئة الكبرى وحدها.
لم يكن لمثل هذه المسرحية أن ترى النور. كتبتها المؤلفة في ظلمة الليل بالحبر السري أو الحبر الأبيض، لا يمكن أن تظهر الحروف فوق الورق وإلا أصبحت المؤلفة في خبر كان، يصدر الحكم بإعدامها والجريمة هنا مضاعفة؛ تجسيد الرب الأعلى قدس الأقداس على خشبة المسرح! هذا أمر لم يحدث في التاريخ القديم أو الحديث. ربما أمكن تشخيص بعض رؤساء الدول بعد موتهم، لكن شخصية الله سبحانه وتعالى لا يمكن أبدا أن تظهر على المسرح، وإلا انهار الكون وسقطت السماء على الأرض.
من شدة الرعب كومت المؤلفة أوراق المسرحية في صفيحة جاز فارغة وأشعلت فيها النار، ثم جلست إلى مكتبها وبدأت تكتب رواية من وحي المسرحية المحروقة اسمها «سقوط الإمام». في هذه الرواية لم تظهر شخصية الرب الأعلى إلا من وراء الستار، بل إن حارس الجنة سيدنا رضوان عليه السلام ظهر في مشهد واحد، وكان مجرد الوسيط بين الإمام الواقف عند باب الجنة والرب الأعلى، الذي عرفنا أنه دخل الجنة (دون أن نراه بالطبع).
رغم كل هذا الحرص دخل اسم المؤلفة «قائمة الموتى».
جلست في بيتها تفكر ماذا يمكن أن يحدث لها لو أنها جعلت الرب الأعلى مرئيا؟! بمعنى آخر ماذا يحدث لها بعد دخولها قائمة الموتى؟! كانت تعرف أن بعد الموت هناك الجنة أو النار أو اللاشيء. لماذا لا تكتب المسرحية إذن والموت نهاية المطاف؟!
أصبحت هذه المسرحية تلح عليها في النوم واليقظة، أهو إبليس كان يوسوس لها بالمسرحية؟! تريد أيضا أن تجسد هذه الشخصية على الخشبة. يمكن أن تعمل ذلك دون أن تتعرض للموت، وبشرط أن تجعل إبليس هو المسئول عن الشر، ولم يكن في إمكانها أن تفعل ذلك. رأت المؤلفة في شخصية إبليس جوانب إيجابية لا بد أن تظهر في المسرحية، كان أكثر الملائكة توحيدا لله؛ فهو الوحيد الذي رفض أن يركع لغير الله، واعترض على الله حين أمره بالركوع لآدم. هذه الفكرة خطرت للمؤلفة وهي طفلة في السابعة من عمرها، حين قرأت قصة آدم وحواء في كتاب الله. كانت الطفلة تكبر بالطبع وتقرأ أكثر وأكثر في كتب الله الثلاثة. كلما أوغلت في القراءة تجسدت أمامها شخصيات الأنبياء، على رأسهم سيدنا إبراهيم بالطبع، يليه سيدنا موسى، ثم سيدنا عيسى، ثم سيدنا محمد، وسيدنا آدم، وستنا حواء وستنا مريم، وفرعون وزوجة فرعون، وإبليس، والله سبحانه وتعالى الرب الأعلى، عند هذه الشخصية الأخيرة كانت تتوقف عن الكتابة. أربعون عاما مرت من عمرها وهي تكتب، لا تستطيع أبدا أن تقترب من هذه الشخصية، مع أنها الشخصية الرئيسية في جميع الأحداث؛ هي الأصل والسبب الأول، هي مصدر الأوامر، هي التي تحكم وتوقع العقاب أو الثواب، هي كل شيء وهي في كل مكان، ومع ذلك لا بد أن تكون مختفية وغير مرئية وغير موجودة أمام الناس. تركت المؤلفة المسرحية وكتبت رواية اسمها براءة إبليس، هكذا دخل اسم المؤلفة في عدد من قوائم الموت وليس قائمة واحدة.
وفي ليلة الرابع من أكتوبر 1996 دعيت المؤلفة إلى منزل الدكتور بروس لورانس، أستاذ بالجامعة، ورئيس القسم الديني، وزوج الدكتورة ميريام كوك، كانت الدعوة تشمل العشاء مع مشاهدة مسرحية يمثلها مجموعة من الطلبة والطالبات، درسوا الدين على يد الدكتور بروس لورانس، وضمن الكتب المقررة عليهم كانت روايتا «سقوط الإمام» و«براءة إبليس»، ومن هاتين الروايتين استوحى الطلبة والطالبات مسرحيتهم.
قبل بداية المسرحية كان طالب يقوم بدور الراوي، قال: إن تجسيد الله أو الرب الأعلى على المسرح كان مستحيلا، ليس خوفا من دخول النار بعد الموت، وإنما هو عجز الخيال البشري عن تصور الله أو الروح أو الهواء أو اللاشيء داخل جسد مادي من لحم ودم يتحرك فوق المسرح؛ كيف يكون شكل هذا الجسم؟ كيف يكون حجمه بالنسبة للشخصيات الأخرى؟ ماذا يكون لون بشرته؟ بيضاء مثل كلينتون رئيس أمريكا أم سوداء مثل الزنوج في نورث كارولينا؟ وإذا أصبح الله أسود البشرة فماذا يكون لون الشيطان؟! هكذا حذفت شخصية الله من المسرحية، ولم يتجسد منها شيء فوق الخشبة إلا الصوت، صوت الله فقط سمعناه بصوت أحد الطلبة المختفي وراء جدار.
بعد انتهاء المسرحية عادت المؤلفة إلى شقتها الصغيرة في شارع دوجلاس بمدينة ديرهام بولاية نورث كارولينا. كانت الساعة الحادية عشرة ليلا. ارتدت قميص النوم إلا أن النوم لم يأت؛ أشياء تدور في رأسها مثل خلية نحل، شخصيات في مسرحيتها القديمة تبعث من الموت، يدبون بأرجلهم على الخشبة، تسمع الدبيب في رأسها، أخذت حماما ساخنا لتطردهم دون جدوى، لم يكن أمامها إلا أن تنهض. أمسكت القلم وأخرجتهم من رأسها إلى الورق، كم ساعة جلستها تكتب تلك الليلة من أكتوبر؟ حين رفعت رأسها من فوق الورق كانت الساعة الواحدة ظهر اليوم التالي 5 أكتوبر 1996، ثلاث عشرة ساعة كتبت فيها المسرحية دون أن تتحرك من مقعدها.
عن شخصيات المسرحية الرئيسية
Bilinmeyen sayfa
(1)
سيدنا موسى: إنه نبي اليهود، يظهر داخل ملابس كاهن يهودي، قصير القامة، نحيف الجسم، عيناه صغيرتان غائرتان وأنفه كبير بارز مقوس قليلا، ظهره محني قليلا، يتلفت حوله في قلق وحذر، ويبلغ من العمر خمسين عاما، بشرته سمراء بلون قدماء المصريين، صوته أخنف قليلا، يرتدي حذاء جلديا أسود له كعب سميك، يدق به الأرض أحيانا حين يغضب، لا يبتسم إلا نادرا. (2)
سيدنا عيسى: إنه المسيح، نبي المسيحيين، يعتبرونه ابن الله، يظهر بصورته التي تنشر له، ويعرفها الجميع، الشاب الوسيم، شعره بني طويل، لحيته طويلة، بشرته بيضاء، ثوبه فضفاض، قدماه حافيتان، ظهره مرفوع، خطوته واسعة سريعة فيها إقدام عدم تردد، صوته قبل خطوته واضح قوي فيه حماسة الشباب. (3)
سيدنا محمد: إنه نبي المسلمين، يظهر داخل ملابس شيخ سعودي، طويل القامة، عريض الكتفين، وسيم الوجه، خطوته ليست سريعة، ثابتة فوق الأرض فيها ثقة، يرتدي خفا في قدمه مثل البدو، له لحية طويلة، يتحدث بصوت هادئ وقور، تعلو ملامحه ابتسامة من يثق في كلامه وتأثيره على السامعين. (4)
سيدنا إبراهيم: هو أبو الأنبياء جميعا، يظهر كرجل عجوز في السبعين، يرتدي ملابس البدو الرحل، طويل نحيف، لجسمه صلابة النحافة والجفاف، في صوته شيء من الحدة، يبدو عليه الإعياء والضجر. (5)
سيدنا رضوان: حارس الجنة، يشبه سيدنا إبراهيم إلا أنه في حوالي الأربعين من العمر، له صفات السكرتير الخاص لشخصية كبيرة هامة؛ فهو الشخص الوحيد الذي يسمح لأي أحد بالدخول إلى حيث يكون الله سبحانه وتعالى. إنه حمل وديع رعديد أمام رئيسه الأعلى، وأسد على الآخرين الواقفين عند الباب يطلبون الدخول. (6)
ستنا حواء: امرأة شابة، ممشوقة الجسم وسيمة الوجه، خطوتها رشيقة، ترتدي ثوبا واسعا طويلا، شعرها أسود غزير تلفه حول رأسها على شكل ضفيرتين، حافية القدمين، صوتها عذب فيه رقة وقوة. (7)
السيدة مريم العذراء: تظهر كما في صورها في الكنائس. (8)
بنت الله: فتاة في الثامنة عشرة، تشبه حواء، كأنما هي ابنتها، إلا أن شعرها مقصوص، وفي قدميها حذاء يشبه أحذية راقصات الباليه، تمشي بخفة ورشاقة، قد ترقص أحيانا، ترتدي ثوبا قصيرا حتى الركبتين. (9)
إبليس أو الشيطان: شاب في الثلاثين، شديد الوسامة، والجاذبية، خمري اللون، شعره أسود غزير، يرتدي قميصا ملونا وسروالا واسعا، يمشي على الأرض بخفة ورشاقة، في قدميه حذاء من الجلد المطاط بدون كعب، صوته جميل، قد يغني أحيانا ويعزف على آلة موسيقية قديمة تشبه العود. (10)
Bilinmeyen sayfa
الله أو «الرب»: شيخ وقور جدا في الستين من العمر، شعره أبيض لحيته طويلة بيضاء، بشرته بيضاء، ملابسه واسعة بيضاء، لا يتحرك إلا قليلا من مكانه الذي يشبه كرسي العرش العظيم، يظهر من وراء ستارة خفيفة شفافة كالدخان بحيث لا نراه جيدا، وصوته منخفض شديد الوقار والبطء، لا يحرك رأسه إلا نادرا بإيماءة خفيفة أو يده يرفعها بكبرياء عظيم، وقد يغضب بشدة.
المسرحية
المشهد الأول (المسرح مظلم تماما، صحراء واسعة، سيدنا موسى عليه السلام يمشي في الظلمة، يظهر الضوء عليه بالتدريج، يبدو عليه الإعياء والقلق، ظهره محني قليلا كأنما يحمل فوق جسده عبئا ثقيلا، يتوقف يتلفت حوله كأنما فقد معالم الطريق، يجلس ليستريح فوق صخرة رملية، يفتح كيسا به كتاب التوراة وخبز مقدد وجبن ، يمضغ على مهل ويخاطب نفسه، بين يديه كتاب التوراة.)
سيدنا موسى :
مضى وقت طويل منذ التقيت به فوق جبل سيناء، وقد امتثلت أنا وقومي لأوامره بالحرف؛ كلمته في التوراة أصبحت هي العليا، قال لنا: اقطعوا غرلة الذكر، قطعناها. قال لنا: اقتلوا أهل كنعان وفلسطين وخذوا الأرض، قتلناهم وأخذنا الأرض. قال لنا: ارجموا الزانية، رجمناها. قال لنا: أنا الرب الأعلى مالك السموات والأرض ولا شريك له، وإن كان هو معبودكم المقدس العجل، قلنا له سمعا وطاعة، وحطمنا العجل. قال لنا: أنتم شعبي المختار الوحيد بين شعوب الأرض، قلنا: وأنت ربنا المختار الوحيد بين الآلهة. (يقرقش سيدنا موسى قطعة الخبز المقدد، يبتلع قليلا من الماء من قربة مصنوعة من جلد الماعز، يواصل حديثه لنفسه.)
سيدنا موسى :
مضى وقت طويل طويل منذ التقيت بك يا رب فوق جبل سيناء. هذا الجبل المقدس جزء من أرضنا الموعودة، أليس كذلك يا رب؟ ألم تقل لنا في التوراة يا رب: إن أرضكم الموعودة تمتد من النيل إلى الفرات؟ لقد وفينا بعهدنا لك؛ قطعنا غرلة الذكر، جميع رجالنا تجرى لهم عمليات الختان بالقانون، لا أحد يفلت مهما اشتدت الحملات الطبية ضد هذه العملية الضارة، لقد ثبت ضررها طبيا يا رب لكننا نتلقى الأوامر منك وليس من البشر الأطباء أو غير الأطباء؛ فأنت معبودنا الوحيد إلى الأبد. وفينا لك العهد، فلماذا لم توفنا بعهدك؟ أين هذه الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات؟ حتى جبل سيناء فقدناه، لم يصبح لنا إلا الأرض فلسطين، وهي ليست كل فلسطين، أجزاء منها يا رب يستولي عليها الفلسطينيون تحت اسم تنفيذ قرار الأمم المتحدة، هل يعلو قرار الأمم المتحدة على قرارك يا رب؟ لماذا لا نسمع صوتك؟ أيمكن أن ألقاك يا رب كما لقيتك من قبل؟ أنا بحاجة إليك، فقد أوفدني قومي إليك وأخشى أن يعلنوا العصيان عليك ويعودوا إلى العجل الذهبي، إنهم يحبون الذهب يا سيدي، ويقولون بالذهب نأخذ ما نريد، ولا نأخذ منك أنت وربك الأعلى إلا الكلام!
لا تؤاخذهم يا رب واغفر لهم . (يواصل سيدنا موسى قرقشة الخبز، يتطلع بعينيه الكليلتين إلى السماء، إلى قمة جبل عال غارق في الظلام والدخان الأسود، يتحرك من وراء الدخان شبح ضخم غامض الملامح، السماء تزمجر بالرعد والبرق، تهبط بعض الأمطار الخفيفة، يلجأ سيدنا موسى إلى كهف مظلم، يرقد داخله يتطلع إلى السماء، يواصل حديثه.)
سيدنا موسى :
أعرف يا رب أنك غاضب على قومك بني إسرائيل، لقد وقعوا تحت قبضة إبليس، إنه يوسوس لهم بالسلام، يقول لهم أعطوا الأرض مقابل السلام، هل هذا الكلام؟ إبليس وأنت تعرفه يا رب، إنه لا يؤمن بكلامك، يقول للناس إنك أنت الذي أمرت بهذه المذابح البشرية من أجل الأرض الموعودة، وأصبحت الناس تنصت لوسوسة إبليس، لقد تعبوا يا رب من الحروب المتتالية منذ إنشاء دولة إسرائيل، إنهم مستعدون للانسحاب من بعض المدن الصغيرة في الضفة الغربية مقابل السلام، لكن لا يزال بين قومي رجال مخلصون لك حافظون لعهدك، ومنهم ابنك البار بينامين، أعطاه أبوه نتانياهو اسم النبي بنيامين ليكون مخلصا لقومه إخلاص الأنبياء؛ أي الاستعداد لقتل البشر جميعا من أجل تنفيذ كلمة الرب. إن كلمتك هي العليا، نحن نطيعك يا رب ونتلقى منك الأوامر، وليس من الأمم المتحدة أو أي أحد من البشر، وإن كان رئيس الولايات المتحدة بيل كلينتون! (تهدأ السماء قليلا، وفي الطريق البعيد في الطرف الآخر من المسرح، يظهر سيدنا عيسى عليه السلام، يتقدم بخطوات الشاب الممشوق المملوء شوقا لمقابلة أبيه «الرب الأعلى» بعد طول غياب، يتطلع نحو الجبل العالي الغارق في الظلمة والدخان وشبورة رمادية شبه سوداء، يتوقف قليلا شاخصا بوجهه نحو السماء، يحمل في يده اليسرى كتاب الإنجيل، يده اليسرى مرفوعة نحو أبيه فوق الجبل.)
Bilinmeyen sayfa
سيدنا عيسى :
يا أبي ألا يرق قلبك لابنك المطيع الذي أراق دمه فوق الصليب من أجل تنفيذ أمرك؟ لماذا تبخل علي بهذا اللقاء؟ أريد أن أرى وجهك، أليس من حق الابن البار أن يرى أباه، ولو مرة واحدة في حياته أو في موته؟ لقد جئت يا أبي كل هذا الطريق الطويل الشاق أطلب منك العون. إن قومي يا أبي ضلوا السبيل؛ أصبحت الكنائس خالية إلا من النسوة والعجائز والأطفال، الرجال الأشداء والشباب انصرفوا إلى جمع الأموال، النساء من غير العجائز انضممن إلى حركات التحرير النسوية يسمونها «الفيمينست»، هذه كارثة يا أبي، هؤلاء النساء يؤلفن كتبا خطيرة انتشرت بين الناس، لم يعد أحد يقرأ كتابك الإنجيل، ولم تعد هناك دور نشر متحمسة لإعادة طبعه إلا بعض الدور الصغيرة في بعض الجامعات، ومن أجل التدريس فقط في قسم الدين أو قسم التاريخ، تصور يا أبي أن كتابك لم يعد إلا من مخلفات التاريخ القديم، لا يهتم به إلا الدارسون والنقاد، معظمهم نساء، أهلكوا كتابك نقدا وأنت ساكت. هؤلاء النسوة أنت أمرتهن بالصمت، لم يكن يطلع لهن صوت، لو أمرتني أن أعود إليهم سألبي الأمر. جئت أطلب منك العون؟ لماذا لا ترد علي يا أبي! آه يا أبتاه! يا أبتاه! إني أناديك، ابنك المعذب يناديك فهل تسمع النداء؟ (يدب الصمت في السماء، لا رعد ولا برق لا حركة واحدة لورقة شجرة، الهواء ساكن، السماء زرقاء بلون البحر بلا موجة واحدة، كتلة من الزرقة الصلبة الصماء، الأرض صفراء بلون رمال الصحراء الواسعة الممدودة تحت السماء، الكون كله ساكن سكون الموتى.) (يركع سيدنا عيسى فوق ركبته، يمسك رأسه بين يديه وينشج بصوت خافت مكتوم) : آه يا أبتي آه، هذا العذاب أقسى من العذاب الذي عشته فوق الصليب. ناديت عليك يا أبي من فوق الصليب فلم ترد علي، وها أنت تواصل صمتك غير المفهوم، آه يا أبتي كم أشتاق إليك، وإلى ذراعي أمي، أريد أن أبكي فوق صدرها وأطلب منها المغفرة، كم قسوت إليها، كم تجاهلتها من أجلك يا أبي، مع أنها هي التي ولدتني وأرضعتني وحمتني من أعدائي، هي التي بقيت معي حتى آخر لحظة من حياتي، وبعد أن هرب الجميع من حولي، بعد أن تخلى عني الجميع بما فيهم أنت يا أبي، لماذا تركتني هكذا وفوق الصليب أنزف الدم حتى آخر قطرة ، آه يا أمي ! يا أماه اغفري ذنوب ابنك، لكني يا أمي لم أكن أدرك وجودك، لم أكن أسمع صوتك، كان أبي يأمرك بالصمت، ويتكلم هو بدلا منك، وكنت أنا صغير السن أسمع كلام أبي، ولا أسمع كلامك، كان يقول لي لا تسمع كلام النسوة. نعم يا أبي أنت قلت لي هذا وأكثر من هذا، ومعي كتابك يشهد على كلامي، ها هو كتابك. (يمسك سيدنا عيسى الإنجيل بين يديه المنتفضتين بالانفعال، يفرد صفحاته بأصابع طويلة مرتعشة، وتبدأ السماء في الزمجرة، يسمع صوت الرعد من فوق الجبل، تهبط الأمطار ويلجأ سيدنا عيسى إلى الكهف حماية من المطر، وهناك يجد سيدنا موسى قابعا يحوط ركبتيه بذراعيه ويقرأ في التوراة، يتعانقان كالأخ يعثر على أخيه.)
سيدنا موسى :
سمعتك يا أخي عيسى وأنت تطلب مقابلة ربنا الأعلى، هدئ من روعك، خذ اشرب قليلا من الماء (يناوله القربة) ، أنا أعرف كل شيء عن الكارثة التي تعيشها، وسوف ينصرك الله يا أخي على أعدائك النساء والرجال أيضا، ولكن عليك بالصبر، لقد صبرت قرونا طويلة فلماذا لا تصبر يوما أو يومين، لقد طلبت أنا أيضا مقابلة الرب الأعلى، أرسلت طلبا بالفاكس إلى سيدنا رضوان عليه السلام.
سيدنا عيسى (في دهشة) :
بالفاكس؟ أتظن أن هناك فاكس في الملكوت الأعلى؟
سيدنا موسى :
بالطبع يا أخي. إن ربنا يملك شجرة المعرفة كلها، أتظن أنه لا يعرف الفاكس وغير ذلك من اكتشافات البشر؟! عليك يا بني أن ترسل طلبا للمقابلة بالفاكس، وإلا فلن ينظر سيدنا رضوان في أمرك.
سيدنا عيسى :
هل عندك رقم الفاكس؟
Bilinmeyen sayfa
سيدنا موسى :
نعم، ها هو (يخرج من بين صفحات التوراة قصاصة ورق صغيرة كتب عليها رقم طويل جدا، ينقله سيدنا عيسى إلى مفكرة صغيرة في جيبه) .
سيدنا موسى :
هذا الرقم سري لا تعطه لأحد، أرسله إلي الله مع الملاك الطاهر وأنا راقد في الكهف، وقال لي الملاك إن الله يخصك برقمه السري أنت وبني إسرائيل؛ لأنكم شعبه المختار.
سيدنا عيسى :
أرجوك يا أخي موسى لا داعي لحكاية الشعب المختار هذه؛ لأن الله هو أبي، وأنا ابن الله وقومي هم شعب الله المختار. (يشد سيدنا موسى الورقة من يد سيدنا عيسى غاضبا قبل أن ينقل الرقم كله إلى مفكرته.)
سيدنا موسى :
طيب يا أخي خلي أبوك يعطيك رقمه!
أنت دائما هكذا أنت وقومك تضربون اليد التي تقدم إليكم المساعدة.
سيدنا عيسى (بكبرياء) :
Bilinmeyen sayfa
أي مساعدة؟ نحن الذين نقدم إليكم المساعدات والمعونات. إن دولتكم كلها يا أخي لم تقم إلا على أكتافنا؛ ألم نمدكم بالأسلحة لتقتلوا أهل فلسطين والعرب؟ حتى السلاح النووي الذي نحرمه على الجميع إلا أنتم ونحن؛ وكنتم مشردين في العالم فجعلناكم دولة مثل الدول الأخرى، رغم أن دولتكم لم تقم إلا على إراقة الدم، ولا تزال تريق الدم رغم اعتراضاتنا، ماذا تريدون يا أخ موسى أكثر مما أخذتم؟ أتريدون الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات؟! هذا طمع وجشع زائد على الحد!
سيدنا موسى :
يا بني أنت شاب غرير مغرور، تتصور أنك مركز الكون. إن دولتنا إسرائيل يا سيدي قامت بأمر الله وليس بأمر البشر. وإذا كنتم تساعدوننا فهذا من أجل مصالحكم في الشرق الأوسط؛ لولا وجودنا في المنطقة يا أخي لما أصبح لكم وجود فيها. هذا العراك يا بني بيننا لا فائدة منه لكم أو لنا؛ لن يستفيد منه إلا أعداؤنا المسلمون. خذ يا بني لقمة صغيرة لا بد أنك جائع بعد هذا المشوار الطويل. (يقرقشان معا الخبز المقدد، ويردد سيدنا عيسى آية الإنجيل بصوت خافت: «خبزنا كفافنا أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضا للمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة لكن نجنا من الشرير، لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد، آمين.») (في الطريق البعيد من الطرف الآخر للمسرح يظهر سيدنا محمد يسير بخطوة وئيدة، ينظر أمامه، في يده كتاب الله القرآن، وفي اليد الأخرى سبحة، يحركها بين أصابعه بهدوء، يتقدم بضع خطوات ثم يتوقف يتفقد الطريق.)
سيدنا محمد :
تغيرت معالم الطريق منذ سرت فيه آخر مرة، كل شيء يتغير ولا دوام إلا لله سبحانه وتعالى، كان هذا الطريق يقود إلى المدينة المنورة، وكان هنا كهف دلني الله إليه، ما إن دخلت الكهف حتى أمر الله العنكبوتة أن تسرع إلى الباب وتنسج فوقه خيوطها، جاء الكفار رأوا خيوط العنكبوت على الباب، فأدركوا أن الكهف لم يدخله أحد، ساروا في طريقهم، ما إن اختفوا حتى خرجت من الكهف، هكذا نجاني الله من الموت بسبب تلك العنكبوتة الصغيرة، لولا هذه العنكبوتة ما وصلت سالما إلى المدينة المنورة، وما قامت دولة الإسلام. سبحان الله مالك السماوات والأرض لا شريك لك، تعرف ما في الصدور، وتعرف لماذا جئت إليك اليوم يا رب أطلب العون، كانت دولة الإسلام والعرب تمتد من بلاد الفرس إلى ما بين النهرين إلى الشام ومصر وبلاد المشرق حتى بلاد المغرب إلى الأندلس في إسبانيا، لكن أحوال المسلمين ساءت، وحكوماتهم فسدت وتقلصت دولة الإسلام، ولا تزال تتقلص، وأخشى أن تنتهي تماما من فوق الأرض. أصبح المسلمون والعرب في مؤخرة البلاد، يسمونها البلاد المتخلفة، مع أن حضارة الغرب قامت على حضارتنا. وقد منحت يا رب أمتنا العربية خيرات كثيرة؛ فهي خير أمة أخرجت للناس كما ذكرت في كتابك الكريم. وأهم هذه الخيرات هو البترول بالطبع، لكن هذا البترول تحول من سلاح في أيدينا إلى سلاح في يد أعدائنا. إبليس يوسوس في آذان الناس ويقول لهم أين ربكم الأعلى يا معشر المسلمين؟! لماذا ينتصر عليكم اليهود والنصارى في كل المعارك، معركة وراء معركة تنهزمون وتضيع الأرض والمال والبنون، مع أنكم أكثر الناس تمسكا بدينهم، وتمسكا بالأخلاق والفضيلة، ونساؤكم صالحات محجبات، أما النساء النصارى واليهود فهن كاسيات عاريات، أعوذ بالله، لم يصل الفساد في بلادنا إلى هذا الحد. وقد جئت إليك اليوم يا رب أطلب المشورة في مشكلة حادة لا تقبل التأجيل؛ هذه الأسرة المالكة لأرض الحجاز، بني سعود، هؤلاء اشتد فسادهم في الأرض؛ إن ملكهم يطلق على نفسه اسم خادم الحرمين الشريفين، إلا أنه لا يخدم إلا نفسه. حتى القبر الذي دفنوني فيه أصبح مهملا، هناك جدار يوشك على السقوط، مع أنه لا يكف عن بناء القصور لنسائه وأولاده. وهو يجمع الأموال من الحجاج لبيت الله الحرام، ومن عوائد البترول، ويودعها باسمه في بنوك النصارى واليهود. إنه يتفاوض مع اليهود والنصارى سرا، يتآمر معهم ضد المسلمين، ثم يذهب إلى الجامع ليصلي دون وضوء. إنه يا رب يشوه صورة الإسلام في العالم، ويقول إنك الذي منعت النساء من قيادة السيارات، وإنني قلت في حديث؛ وأنا لم أقل هذا، ولم تكن السيارات قد اكتشفت بعد على أيامي، وكانت النساء تركب الإبل، وما الفرق بين الإبل والسيارات يا رب؟! على الأقل السيارة لها سقف يحمي المرأة من العواصف والأمطار وقطاع الطرق، لكن الإبل بلا سقف. وقد انتهز إبليس الفرصة وراح يوسوس في آذان النساء، لكن النساء في بلادنا لا ينصتن لوسوسة الشيطان، إنهن صالحات فاضلات ولسن مثل نساء اليهود والنصارى.
المشكلة في بلادنا يا رب هم الملوك؛ إن الملوك إذا حكموا قرية أفسدوها، وقد زرت ملك السعودية في نومه، وقلت له: اسمع يا فهد. إن الله ينهاك عن الفساد، أنت تكتنز الذهب الفضة والمسلمين. لكنه في الصباح غير الحلم، وقال إنني زرته في المنام لأبلغه أنا راضون عنه وعن أعماله، وأنني قلت له الصلح خير مع بني إسرائيل؛ فهم أهل الكتاب وقد أرسل الله التوراة والإنجيل هدى للعالمين! وقد جئت إليك يا رب أطلب العون ضد طغيان هذا الملك السعودي، والذي جعل من بلاده قاعدة عسكرية لجيوش الأعداء ضد المسلمين، وأخشى على أمتي الانقراض. (يجلس سيدنا محمد على صخرة صغيرة، يبدو عليه الإعياء من طول الطريق الشاق، يتيمم بالرمال، ثم يقف بين يدي الله يصلي، يركع ويسجد أربع ركعات وسجدات ثم يجلس، يحرك حبات السبحة بين أصابعه، وهو صامت شاخص نحو السماء.) (في الكهف سيدنا عيسى وسيدنا موسى جالسان، يتابعان من بعيد سيدنا محمد بعد أن استمعا إلى كل ما قال.)
سيدنا موسى :
أتصدق أن الله قال لهم إنهم خير أمة أخرجت للناس؟ هذا كذب وافتراء على الله، وانظر ماذا قال عن اليهود والنصارى . هذا الرجل هو العدو الخطير، علينا القضاء عليه قبل أن يقضي علينا.
سيدنا عيسى :
يا أخي موسى اهدأ ولا تجعل الغضب يسيطر عليك. إن محمدا يعترف بنا وأننا أهل الكتاب، يؤمن أن التوراة والإنجيل هي كتب الله، وهو أفضل من غيره الذين ينكرون التوراة والإنجيل تماما، ويمكن التفاوض معه.
Bilinmeyen sayfa
سيدنا موسى :
نتفاوض معه؟ على ماذا يا أخ عيسى؟ نحن في غير حاجة إليه ولا إلى قومه المسلمين، إنهم الآن بلا حول ولا قوة، لا أموال عندهم ولا أسلحة ولا علوم ولا تكنولوجيا.
سيدنا عيسى :
لكننا في حاجة إليه يا موسى.
سيدنا موسى :
ما فائدته؟
سيدنا عيسى :
سوف يكون معنا ضد إبليس لا شك؛ فأنا أعرف أن إبليس يعرف بلقائنا هنا، لا شيء يخفى عليه، قد يستطيع أيضا أن يحظى بمقابلة أبي، وأنا أعرف أن أبي يحرص على وجود الشيطان دائما، لا يتصور أبي الكون بدون شيطان.
سيدنا موسى :
لماذا يا أخي؟
Bilinmeyen sayfa
سيدنا عيسى :
عليك أن تسأله هو هذا السؤال، فهذا الإبليس أنا أتمنى له الموت إلا أنه لا يموت أبدا، إنه يعيش، نحن الذين متنا وشبعنا موتا. (السماء تبدأ في الزمجرة، في الطريق البعيد يظهر إبليس قادما بحركته الشابة النشيطة. سيدنا محمد ينهي الصلاة حين يبدأ المطر يتساقط فوق رأسه، يلم ملابسه من حوله ويسرع باحثا عن مكان يلجأ إليه، يعثر على الكهف، يرحب به سيدنا عيسى، وسيدنا موسى يظل صامتا.)
سيدنا عيسى :
يا أخ محمد، أنت في أمان هنا مع أخويك عيسى وموسى.
سيدنا محمد :
أهلا بك يا أخ عيسى ابن السيدة الطاهرة مريم، لك عندنا معزة كبيرة، وأنت أيضا يا أخ موسى لقد ذكر الله اسمك في القرآن مائة وثلاثين مرة.
سيدنا موسى :
مائة منها لعنات بالطبع.
سيدنا عيسى :
انظروا من القادم؟ إنه إبليس!
Bilinmeyen sayfa
سيدنا محمد :
وهناك امرأتان تقبلان من الطريق الآخر، من هما؟
سيدنا موسى :
واحدة منهما تشبه حواء، والأخرى لا أعرفها. (من الناحية الأخرى للمسرح تظهر بنت الله وحواء، تسيران معا قامتهما متقاربة طويلة ممشوقة، إلا أن وجه بنت الله لفتاة صغيرة في الثامنة عشرة، ووجه حواء امرأة ناضجة شابة في الأربعين.) (يختبئان وراء شجرة تين شوكي حين يريان إبليس من بعيد ... إبليس واقف شاخص إلى الجبل حيث الرب الأعلى المختفي وراء السحب والدخان.)
إبليس :
أنا خلاص يا رب تعبت من الوسوسة في آذان الناس، قررت أخيرا أن أقدم استقالتي إليك. لقد وجدت عملا آخر يدر علي أموالا كثيرة؛ فهذا العمل الذي أوكلته إلي يا رب قد أهلكني، ولم آخذ منه إلا اللعنات؛ لهذا كتبت استقالتي، كان يمكن أن أرسلها إليك بالفاكس، لكني آثرت المجيء بنفسي إليك، لنتصافح وننسى هذا الماضي البغيض الذي جعلتني فيه عدوا لك. (يخرج إبليس من جيبه ورقة يقرؤها):
أنا الموقع أدناه باسمي إبليس الشيطان، والذي كان في الأصل «لوسيفر» حامل النور، وهو الاسم الذي أعطته لي أمي، أعلن أنني أستقيل من المنصب الذي وضعني فيه الرب الأعلى، وهي استقالة مسببة إن شاء الرب أن يفحص الأسباب، وكل ما أطلبه من الله، أن يبحث عن شيطان آخر.
إمضاء لوسيفر
ينادي إبليس :
يا أخ رضوان، يا حارس الجنة، بلغ رئيسك الأعلى أنني أريد مقابلته دقائق. أنا أعرف أنه مشغول، وأرى اللمبة الحمراء معلقة على بابه، لكن أخبره أن إبليس الشيطان يطلب لقاءه للمرة الأخيرة، بعد ذلك لن تروا وجهي، هذه استقالتي! (حواء وبنت الله تتوقفان عن السير، يراهما إبليس فيقبل نحوهما مرحبا.)
Bilinmeyen sayfa
إبليس :
أهلا حواء، وأنت لا أعرفك يا فتاتي من أنت؟
بنت الله :
أنا بنت الله. (يتلقى إبليس هذا الاسم بدهشة شديدة، لكنه يضحك بشدة ويخبط كفه بجبهته.)
إبليس (ضاحكا) :
هذا أجمل اسم أسمعه، من أعطاك هذا الاسم الجميل يا فتاتي؟
بنت الله :
المؤلفة.
إبليس :
يا لها من امرأة! أنا إبليس لم يخطر لي أبدا أن الله يمكن أن يلد البنات. لقد أعلن في كتابه التوراة أنه ليس عنده إلا الأولاد الذكور، الذين تزوجوا بنات الناس بعد أن رأوا أنهن حسنات. هل قرأت هذه الآية في التوراة يا فتاتي ؟
Bilinmeyen sayfa
حواء :
إن هذا التاريخ الوارد في التوراة كله مغلوط؛ فأنا حواء بلحمها ودمها، وأمي ولدتني في الحقل، وكانت تزرع حين أحست آلام الولادة، فما هذه القصة المغلوطة عن زوجي آدم الذي ولدني من ضلعه؟! كانت أمي قد زرعت في وسط الحقل شجرة تفاح، أراد ربك الأعلى أن يستولي على الثمار وحده، تعاون مع زوجي على طردي من الحقل، حرضه على خيانتي مع امرأة أخرى مقابل بعض المال، أشاع أن الشجرة مقدسة، من يأكل منها يموت، أكلت منها كثيرا دون أن يصيبني شيء، هل يموت أحد من أكل التفاح يا إبليس؟
إبليس :
التفاح يا سيدتي ألذ الثمار، إنه يشرح القلب ويشفي المرض، وكم تسللت في الليل، وسرقت الثمار من فوق الشجرة، دون أن يراني الرب الأعلى. (هنا بدأت السماء تزمجر بالبرق والرعد والمطر، وظهر سيدنا رضوان من فوق قمة الجبل، يظهر بالتدريج من وراء السحب والدخان.)
سيدنا رضوان :
يا أهل الأرض، تعطف جل جلاله ربكم الأعلى وسمح لكم باللقاء معه. ليس عنده وقت كي يقابلكم واحدا واحدا، فهل تصعدون جميعا في وقت واحد؟! وصلتني أسماؤكم كلها بالفاكس، وكان مزاج سيدي رائقا، كان يشرب الشاي بالنعناع بعد وجبة دسمة من الضأن المشوي. بالمناسبة هل أتيتم بذبائح؟! إن سيدي لا يقبل إلا الضأن، أو الكندوز الصغير أو البتلو، أما الذبائح الأخرى فهو لا يقبلها، ومن لم يأت بذبائح فليعد من حيث أتى، ليس عندنا وقت لمن يأتون بأياد فارغة! (يتقدم سيدنا موسى): نعم يا أخ رضوان، أنا جئت بخروف من النوع الذي يحبه سيدك الأعلى. (يتقدم وراءه سيدنا عيسى): إنه أبي يا أخ رضوان، لا يطلب الأب من الابن أي ذبائح.
سيدنا محمد :
وفي كتابه القرآن الكريم لم يطلب الله منا أي ذبائح يا أخ رضوان، وها هو الكتاب في يدي.
حواء :
وأنا امرأة فقيرة وسيدك الأعلى يقول إنه مع الفقراء.
Bilinmeyen sayfa
بنت الله :
وهو أبي الإمام تزوج أمي ومعي الدليل المادي.
إبليس :
وأنا إبليس يا رضوان، لا يمكنك أن تمنعني من الدخول، لا أريد شيئا إلا الاستقالة من منصبي. (في تلك اللحظة يأتي سيدنا إبراهيم بخطى سريعة، يلحق بالموكب الداخل إلى مقابلة الرب الأعلى.)
سيدنا إبراهيم :
وأنا يا رضوان أبو الأنبياء جميعا، وجئت في مهمة عاجلة أود إنجازها قبل أن أموت. (يدخل بعد سيدنا إبراهيم عدد من الرجال والنساء والأطفال من الشعب العادي، يدخلون ولا يستطيع سيدنا رضوان أن يغلق الباب أمام أعدادهم الكبيرة.)
المشهد الثاني (الرب الأعلى جالس على العرش العالي يشبه عروش الأباطرة، الكرسي الذهبي المذهب والفراش الوثير، والأرائك المريحة تتدلى فوقها عناقيد العنب، عرش فاخر من الأبهة، وصاحب العرش يرتدي ملابس الأباطرة، من حوله الجنود واقفين صفا صفا، أحد الجنود يمسك مروحة من ريش النعام يهوي بها على رأس صاحب العرش، على البعد هناك بحيرة من الماء وجداول، وأنهر من الخمر وفتيات عذراوات حسناوات جمالهن فائق مثل الحور العين في الجنة، إلا أننا لا نرى هؤلاء الفتيات إلا من بعيد جدا، ومن وراء ستائر شفافة السحب والدخان، وكذلك نرى ثمار الفاكهة حمراء اللون تتدلى من الشجرة الكبيرة.) (الأرض مفروشة بسجاد سميك من النوع العجمي، يجلس عليه البشر الذين دخلوا لمقابلة الرب الأعلى. عن يمين العرش يقف سيدنا رضوان الذي يتولى الرد على الأسئلة نيابة عن صاحب العرش، إلا إذا أشار له سيده بيده فيصمت تماما، ويتولى الرب الأعلى الإجابة بنفسه.) (الصمت يدب والمشهد فيه رهبة كبيرة، يتربع سيدنا موسى على الأرض في أدب جم إلى جواره سيدنا عيسى، إلى جواره سيدنا محمد، ثم سيدنا إبراهيم، بنت الله وحواء تجلسان في الناحية الأخرى، إلى جوارهما إبليس، والإلهة إيزيس، ومريم العذراء، لا يسمع إلا صوت مروحة ريش النعام في يد الجندي، تتحرك برقة تطري الهواء حول رأس صاحب العرش، ثم يسمع صوت دقات مطرقة، ثلاث دقات، تعلن بدء الجلسة، كأنما هي محكمة.)
سيدنا رضوان :
من فيكم يريد أن يبدأ، ونرجو الاختصار مع التركيز؛ لأن وقت سيدي الأعلى ضيق. (يتهامس سيدنا موسى وعيسى ومحمد وإبراهيم.)
سيدنا محمد :
Bilinmeyen sayfa
تقدم يا سيدنا إبراهيم أنت أبونا جميعا، ولا يحق للأنبياء أن يتكلموا قبل الأب. (ينهض سيدنا إبراهيم ويقترب من العرش في خشوع.)
سيدنا إبراهيم :
يا سيدي الرب إن ضميري يعذبني، وأخشى أن أموت قبل أن أفصح عما في نفسي، لقد فعلت في حياتي كثيرا من المظالم، وكلها تنفيذا لأوامرك، قتلت ونهبت أراضي الناس دون وجه حق، لكني آمنت بك وبنيت لك المذبح والبيت، وجعلت سارة زوجي تذبح لك عجلا كلما جئت إلى بيتنا، وتضع لك خبزا من دقيق وسمن، ونضع الشحم على النار لتشم منه رائحة الشواء، وجعلنا لك بساطا من أبرشيم دقيق الصنعة، كما طلبت منا خوانا من خشب الشمشاد، وكنت أقف أمامك وأنت تأكل تحت الشجرة، وأنتقي لك الحسناوات الحور لأنك كنت تغضب وتقول:
ما لكم تقربون إلي كل عرجاء وعوراء؟! نعم يا سيدي نفذت أوامرك بالحرف، وكنت أحيانا أراجعك عن القتل، وأسألك أتقتل الآلاف لأن رجلا واحدا منهم لم يعبدك؟ لكنك لم تسمع كلامي، كنت تسمع نفسك فقط، تعبد ذاتك، وتجعلنا عبيدك، تفرض علينا الطاعة العمياء دون سؤال. أعطيت نفسك الحق أن تفعل أي شيء، وكان يجب أن تلزم نفسك بالعدل، وتلزمني بالعدل، أنا رسولك إلى الناس، لكنك جعلت مني قاتلا بلا ضمير وخائنا بلا أخلاق، أمرتني أن ألقي زوجتي الحبيبة هاجر وطفلي إسماعيل في الصحراء، لتأكلهم الضباع أو يموتوا من الجوع والعطش، لم ترحم امرأة فقيرة ومولودها الصغير من أجل مساندتك لسارة زوجتي الأولى، هي التي أشارت علي أن أتزوج جاريتها هاجر، قالت لي: أنا امرأة عاقر عجوز، وأنت في حاجة إلى نسل يخلفك، ثم نهشتها الغيرة بعد أن تزوجت هاجر، وأنجبت ابني إسماعيل. وقد أمرتني أن أنفذ رغبة سارة، وألقي هاجر وإسماعيل في العراء، وكنت أعرف أنك ظالم، وأنك تقف بجانب سارة لأنها تملك الكثير من رءوس الضأن، وتذبح لك حين تأتي إلينا وتخبز الدقيق والسمن، تفرش البساط من أبرشيم والخوان من خشب الشمشاد؛ لكن هاجر الجارية لم تكن تملك شيئا، وقد غضبت عليها لمجرد أنها فقيرة، كما غضبت على قابيل ابن أبي الكبير آدم، حين قدم لك من ثمار الأرض قربانا، فأشحت عنه بوجهك، ونظرت إلى أخيه هابيل الذي قدم لك من أبكار غنمه ومن سمانها، واغتاظ قابيل وسقط وجهه. يا سيدي أنت زرعت الحقد بين الأخوين الشقيقين، لمجرد أن أحدهما يقدم لك الغنم، والآخر لا يملك منها شيئا، الاثنان قربا إليك القربان، فتقبلت من أحدهما ولم تتقبل من الآخر، قتل الأخ أخاه بسبب ما فعلت يا سيدي، أنت مسئول عن هذه الجريمة، لكنك ألصقتها بقابيل الفتى المسكين الذي لم يكن إلا أداة لك، وهذه الأرض الموعودة يا سيدي التي روتها الدماء البريئة، ولم يكف من أجلها سفك الدماء حتى اليوم، هل تتابع يا سيدي أخبار العالم اليوم؟ ألا تؤرقك هذه الدماء المسفوكة باسمك وباسم أرضك الموعودة بإبراهيم ونسله من بني إسرائيل؟ مقابل ماذا وعدتني بهذه الأرض يا سيدي؟ أيمكن أن ترد علي بكلمة واحدة قبل أن أموت؟! أرجوك تكلم، أسعفني فالعالم كله يأكل وجهي، وضميري ينخس مثل الإبرة في صدري؛ فأنا لا أعرف ما هو السبب وراء هذه الأرض الموعودة، وما هو ذلك العهد الذي كان بيننا يا سيدي؟ أكان عهدا سريا؟ لماذا لا تتكلم؟! هذه محكمة علنية أمام الناس، وأنا أريدهم أن يحكموا بيننا بالعدل، من المسئول عن سفك هذه الدماء أنا أم أنت؟ ومقابل ماذا وعدتني بهذه الأرض، أهي رءوس الغنم ولحم الضأن المشوي يا سيدي؟! (هنا يرفع الرب الأعلى يده علامة الاعتراض، يبدو على ملامح وجهه شيء من الغضب، لكنه غضب محكوم يتناسب مع السيادة العليا.)
الرب الأعلى (بغضب بارد) :
لا! كفى! أسكتوه! (يصمت سيدنا إبراهيم راكعا فوق الأرض. يدب الصمت في المكان، لا يسمع إلا صوت مروحة ريشة النعام. أحد الجنود يمسح العرق من فوق جبهة الرب الأعلى بقطعة معقمة من الشاش المغموس في ماء الكولونيا داخل قنينة من الفضة.) (أحد الموظفين في البلاط يجري بسرعة حاملا كتب الله الثلاثة إلى سيدنا رضوان عليه السلام، يفتح رضوان الكتاب الأول وهو التوراة، يشرب قليلا من الماء من إناء بلوري ، يتنحنح ثم يقول بصوت رخيم هادئ كصوت القضاة من البشر، في يده مطرقة لها رأس ذهبي يشبه رأس «الكوبرا»، يدق بها على منضدة من الفضة أمامه، حين تسري الهمهمة والهسيس بين الناس؛ فقد دخل إلى القاعة بعض المارة في الطريق من الفقراء والفقيرات الساعين إلى أعمالهم، منهم فلاحون وفلاحات وعمال وعاملات مصانع وجنود وطلبة ومومسات، وحلاقوا صحة ممن يمارسون عمليات الختان وأطباء ممن يمارسون عمليات الإجهاض، وأصحاب بنوك ومرابين وتجار ووزراء في حكومات ورؤساء دول، وغير ذلك من المهن المعروفة المختلفة، كلهم جالسون على البساط العجمي فوق الأرض. قد نلمح بعض الوجوه المعروفة في التاريخ من كبار الفنانين أو الفنانات من الأموات والأحياء، وكذلك ملوك وأباطرة ورؤساء دول من الموتى ومن المعاصرين، منهم الملك فاروق ملك مصر، أنور السادات، أبو الهول، رونالد ريجان، جورج بوش، كليوباترة وأنطونيوس، نفرتيني وإخناتون، أم كلثوم مطربة الشرق، رابعة العدوية، كارل ماركس، سيجمون فرويد ... وغيرهم من الرجال والنساء المعروفين في الشرق والغرب. نرى أيضا «حواء» وبنت الله وسط هذه الوجوه، وهما جالستان متجاورتان ضمن الصفوف الأمامية. تسري الهمهمة بين الناس. تقرب حواء رأسها من بنت الله.)
حواء :
أتعرفين مقابل ماذا وعده بالأرض؟
بنت الله :
مقابل ماذا؟ (يدق سيدنا رضوان بالمطرقة لإيقاف الهمهمة بين الناس.) (يدب الصمت.)
Bilinmeyen sayfa
سيدنا رضوان :
سيدي الأعلى قد أنابني عنه لأتولى عنه الرد على السيد إبراهيم، وحسب توجيهات السيد الرئيس سأقرأ عليكم من كتابه الكريم التوراة النص الخاص بالأرض الموعودة للسيد إبراهيم؛ ذلك أن هذه المحكمة هي ساحة العدل الأعلى لا تعلوها ساحة، ولا يمكن الحكم دون الرجوع إلى النصوص المقدسة في الكتب السماوية. (يرتدي سيدنا رضوان نظارة النظر، لها سلسلة ذهبية تتدلى فوق صدره، يشرب قليلا من الماء.)
سيدنا رضوان (يفر الصفحات في كتاب التوراة) :
نعم أيها السادة، إني أبحث عن هذه الآية الخاصة بأرض الميعاد، نعم، ها هي: «ويقول الرب لإبراهيم: أنا الرب أعطيك هذه الأرض لترثها لنسلك، أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات.» (يمد سيدنا رضوان يده إلى الكوب ويشرب قليلا من الماء. أحد الوجوه في القاعة من الجمهور، يضع له عين واحدة والعين الأخرى مغطاة بغطاء أسود مستدير، يرتدي بدلة عسكرية، يفرك يديه في سعادة ويهمس في أذن جاره، له وجه بنيامين نتانياهو رئيس حكومة إسرائيل.)
الرجل ذو العين الواحدة (في سعادة) :
أرأيت يا بنيامين! أمامنا حرب كبيرة لإبادة شعب مصر وشعب العراق! كلمة الرب الأعلى مقدسة في كتابه التوراة، ونحن يا سيدي قصرنا في حق الرب، ولم نصل إلا نهر الأردن، مع أنه أعطانا الأرض من النيل إلى الفرات!
بنيامين نتانياهو (يهز رأسه بالإيجاب) :
نعم نعم، معك حق يا شيمون. (في الصف أمام بنيامين نتانياهو يجلس رجل أمريكي له وجه بيل كلينتون رئيس الولايات المتحدة، يستدير بنصف رأسه إلى الوراء ويخاطب بنيامين بصوت هامس.)
بيل كلينتون :
أرجوك يا بنيامين، أرجو أن تؤجل كل شيء أسبوعين فقط، حتى أنتهي من المعركة الانتخابية، هذا الرجل «بوب دول» لا بد من الانتصار عليه، وإن ساعدتني اليوم أساعدك غدا، ونحن إخوة. (يدق سيدنا رضوان بالمطرقة فيسود الصمت في القاعة، يرتفع صوت فتاة صغيرة من وسط الناس.)
Bilinmeyen sayfa
صوت الفتاة :
هذه الأرض كلها من النيل إلى الفرات، أعطاها ربنا لبني إسرائيل، لماذا؟ (ترتفع أصوات فتيات وأطفال ونساء ورجال في القاعة الكبيرة، ويقولون في نفس واحد.)
صوت الجمهور :
لماذا؟ لماذا؟ ليه؟ ليه! (يدق سيدنا رضوان بالمطرقة بشدة.)
سيدنا رضوان :
لأنهم شعب الله المختار، وها هو سيدي الأعلى ينص على ذلك في كتابه التوراة. (يرفع سيدنا محمد يده وهو جالس في الصف الأمامي مع الأنبياء والشخصيات الهامة، ينهض واقفا ليتكلم دون أن يأذن له سيدنا رضوان بالكلام.)
سيدنا محمد :
يا سيدنا رضوان، شعب الله المختار ليس هم اليهود، نحن العرب خير أمة أخرجت للناس، هذا هو النص في القرآن الكريم. (سيدنا رضوان يترك التوراة، يمسك كتاب القرآن، يفر الصفحات، يتوقف عند صفحة يقرأ منها.)
سيدنا رضوان :
لا يا سيد محمد، انظر في القرآن تجد أن الله يقول لبني إسرائيل: إني فضلتكم على العالمين، لم يقلها مرة واحدة بل عدة مرات، راجع القرآن يا سيد محمد.
Bilinmeyen sayfa