عرفت من سليم أنهما تقابلا، وحكى له سليم ظروفنا وعصام يستمع بصمت حتى قال له سليم في النهاية: فكر براحتك، ولو ظروفنا تناسبك كلمني، ولو ما تناسبكش كأنك ما سمعتش حاجة.
مر يومان وأحمد الله أنهما كانا الجمعة والسبت، فلم أذهب للعمل، وفي مساء السبت جاءتني رسالة من عصام يقول فيها: خايفة تواجهيني بظروفك؟ فاكرة إنها ممكن تخليني أغير رأيي؟ - مش أي حد بيقبل يرتبط بواحدة ظروفها زيي. - مالها ظروفك؟ أنا شايفها عادية وما يغركيش البيوت اللي شكلها سعيدة وهي مقفولة على بلاوي من جوه. - كل واحد مختلف في حكمه وتفكيره، فحبيت أوفر عليك الإحراج. - اللي يحبك مستحيل يحس بالإحراج، إنما هيحس بس بالفخر.
سكت ولم أجبه فقال: سكتي ليه؟ عموما أنا هاتصل بعصام حالا.
كدت أطير فرحا، فلأول مرة يصدق قلبي، وها هو عصام يحبني حقا ويتقبلني كما أنا، أخيرا يا أبي شعرت أني جديرة بالحب، وأن من حقي الاستمتاع بالحياة كغيري، أخيرا شعرت أني مرغوبة وممن؟ من شخص عرف العشرات وتركهن من أجلي، بل وفضلني عليهن، لكن ترى هل سيحن لهن يوما؟ هل سيهجرني - كما فعلت أنت - من أجل أخرى؟ لا لن أترك خوفي يقف في سبيل سعادتي، فلأغامر فربما تلك تكون فرصتي للحياة، وإن ضاعت ضعت معها.
طعم السعادة
لأول مرة يا أبي بعد غيابك أتذوق طعم السعادة، ولأني محرومة منها لم أكتف بالتذوق، بل نهلت منها بشراهة لأعوض ما فاتني. أبلغ عصام سليم برغبته في إتمام الخطبة، فاتفق معه على موعد لمقابلتك في بيتك الآخر، تمت المقابلة والاتفاق على كل الأساسيات وتحدد يوم قراءة الفاتحة، وكنت أحلق في سماوات السعادة، ولم يجذبني لأعماق الأرض سوى غيابك الذي علقت عليه والدة عصام التي كانت تبدو غير راضية - لرغبتها في زواجه من ابنة أختها كما عرفت فيما بعد - فردت أمي بأن أبي مريض، وأن سليم يحل محله، فتمت قراءة الفاتحة في حضور أبويه وأخيه الصغير وأمي وسليم وهدى وسلوى وزوجها طارق الذي كان متواجدا في القاهرة في ذلك الوقت لتكتمل صورة أسرتي أمامك. بعد انتهاء الحفل وانصراف الجميع بقي عصام معي في الصالون وغمرني بكلمات الحب الجميلة التي لم أتخيل أني سأسمعها في يوم ما وأنا خجلى لا أعرف بم أجيبه حتى سألني: حبيتي قبل كده؟
فأومأت برأسي أن لا. فقال : ولا حب مراهقة؟ - لأ. - يعني أنا أول حب في حياتك؟
احمرت وجنتاي وخفق قلبي بشدة، ولكني تمالكت نفسي وقلت: طبعا مش هاسألك نفس السؤال، لكن هاطلب منك إنك توعدني ما يكونش في حياتك غيري. - أنا عرفت كتير، لكن ما حبيتش حد قبل كده، وأوعدك إن حياتي مش هايكون فيها غيرك. - لو خلفت وعدك هاسيبك مهما كانت الظروف فاهم؟ أنا ما أقدرش أقبل بالغدر ولا الخيانة؟ - مش هاخلف وعدي، بس بشرط إنك تفضلي تحبيني العمر كله. - أنت مغرور أوي، ومين قالك إني ... بحبك. - عينيكي قالت اللي لسانك مش راضي يقوله، لكن بكرة مش هتخافي أبدا إنك تعترفي بحبي.
نعم أعترف يا أبي أني أحبه، أحبه كل الحب الذي حرمتني منه، كل الحب الذي ادخرته في قلبي لمن يستحق، وها هو جاء من يستحق، حقا لم أعترف له بحبي لكن نظراتي ولهفتي وغيرتي وسعادتي بقربه كانوا يقولون إني أحبه. عشت عاما من السعادة الخالصة وعرفت في أيام الخطوبة معه مشاعر لم أعرفها من قبل، وشعرت أن الله عوضني بعصام عن كل الآلام والأحزان التي عشتها من قبل. اكتملت سعادتي عندما قرر عصام وسليم أن نقيم زفافنا في يوم واحد، ورغم رفض أمي لخوفها علينا من الحسد إلا أننا نفذنا ذلك، كنا سعداء جميعا.
حولني عصام بعصا حبه السحرية من فتاة حزينة منغلقة على نفسها لامرأة عاشقة له محبة للحياة، عشقته وأحببت حياتي لأول مرة لأنه فيها ولأني أعيشها من أجله؛ فقد تركت عملي بناء على رغبته لأتفرغ له، وسكنا في منطقة بعيدة عن أمي وإخوتي ليكون بالقرب من عمله ولأنها تناسب إمكانياته المتواضعة، ورضيت بشبكة بسيطة وأثاث بسيط تقديرا لظروفه المالية، ولأنه وعدني عندما يتحسن حاله بأن يجلب لي كل ما أريده، فقلت له: «إني لا أريد سواه»؛ فقد اكتفيت به عن الدنيا كلها.
Bilinmeyen sayfa