بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه نستعين
الْحَمد لله الَّذِي رفع الْعلمَاء إِلَى أشرف المناصب وأعلا أسمائهم، وَفتح عَلَيْهِم بِمَعْرِفَة الخلاق عَن الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وتحرير كل مَذْهَب فضلا مِنْهُ وحلما، وَنشر فِي الْخَافِقين أعلامهم، وأجرى بِالْأَحْكَامِ أقلامهم برقم (الطروس) رقما، فنعمان النِّعْمَة مَا خصهم علما وفهما، وَفضل مالكهم بموطأ الحَدِيث المرسم فِيهِ الْأَحْكَام رسما، وشافعي سائلهم، ودبر لَهُم من الْعلم نَصِيبا وقسما، وأحمدهم
1 / 17
لسيدهم مُسِنَّة إِلَيْهِ فَلَا يَخْشونَ لَدَيْهِ هما.
أَحْمَده حمدا لأنال بِهِ من الْإِخْلَاص حظا وقسما، وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ وَحده لَا شريك لَهُ، شَهَادَة أمحو بهَا ذَنبا وإثما، وَأشْهد أَن سيدنَا وَنَبِينَا مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله الَّذِي أذهب بِشَرِيعَتِهِ عَن الْقُلُوب هما، ومنحهم بهَا نعما جما. وَبعد.
فَإِن علم الْفِقْه هُوَ أفضل عُلُوم الدّين، وَأَعْلَى منزلَة أهل الْمعرفَة وَالْيَقِين لما جَاءَ فِيهِ عَن سيد الْمُرْسلين: " من يرد اللَّهِ بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين ".
أما قَوْله: " من يرد بِهِ خيرا " فَإِن هَذَا شَرط وَجَوَابه يفقهه، وهما مجزومان، وَقد أنجزم الفعلان بذلك وَكَانَ الأَصْل من يرد، وَكَذَلِكَ كَانَ يفقهه مَرْفُوعا، فانجزما بِجَوَاب الشَّرْط، فَحصل بذلك أَن الْمَعْنى: " من يرد اللَّهِ بِهِ خيرا يفقهه "، وَاقْتضى هَذَا أَن من لم يفقهه فِي الدّين لم يكن مِمَّن يرد اللَّهِ بِهِ خيرا، وَلم يقل: من يرد اللَّهِ بِهِ الْخَيْر، بِالْألف وَاللَّام، فَكَانَ يكون الْخَيْر الْمَعْهُود الْمُعَرّف بِالْألف وَاللَّام، فَدلَّ على أَن هَذَا التنكير للخير هَاهُنَا أوقع لِأَن من لم يفقهه فِي الدّين فَإِنَّهُ لَا يرد بِهِ خيرا، فَأَما يفقهه فَهَذِهِ الْهَاء مبدلة من الْهمزَة لِأَن أصل فقه الرجل: فقئ فالهاء
1 / 18
مبدلة من الْهمزَة، وَمعنى فقه الرجل: غاص على اسْتِخْرَاج معنى القَوْل من قَوْلهم: فقأت عينه إِذا نخستها فَجعلت بَاطِنهَا ظَاهرهَا، فَمَعْنَى الْفِقْه على هَذَا التَّأْوِيل هُوَ اسْتِخْرَاج الغوامض والإطلاع على أسرار الْكَلَام، وَفِي هَذَا الحَدِيث من الْفِقْه أَن اللَّهِ ﷾ قَالَ: ﴿إِن الدّين عِنْد اللَّهِ الْإِسْلَام﴾، وَيكون المُرَاد بِالدّينِ هَا هُنَا الْإِسْلَام بِدَلِيل قَول النَّبِي ﷺ َ -: " من يرد اللَّهِ بِهِ خيرا يفقهه فِي الدّين "، بِالْألف وَاللَّام.
ثمَّ أَنه ﷺ جَاءَ بِالْهدى والنور، وَمن ذَلِك مَا شرع اللَّهِ على لِسَانه من التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم والوصايا وَالْأَدب وسير الْأَوَّلين والأخرين، وَمَا قصّ من أحسن الْقَصَص، فَأَيْنَ كَانَ ﷺ َ - من الْجَانِب الغربي إِذا قضى اللَّهِ إِلَى مُوسَى الْأَمر، قَالَ اللَّهِ ﷿: ﴿وَمَا كنت بِجَانِب الغربي إِذْ قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر﴾ وَلما انقلبت العصى حَيَّة وَولى مُوسَى هَارِبا، وَقَوله: ﴿وَمَا كنت لديهم إِذْ يلقون أقلامهم أَيهمْ يكفل مَرْيَم﴾، وَكَانَت الْأَخْبَار الْمَاضِيَة غيب لَا يعلمهَا إِلَّا اللَّهِ ﷿ ثمَّ من كَانَ فِيهَا فَأخْبر هُوَ ﵇ بهَا، وَشهِدت الْعلمَاء مِنْهُم بذلك كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَشهد شَاهد من بني إِسْرَائِيل على مثله﴾ .
أَي أَنه لم يخْتَلف خَبره ﷺ َ - عَن خبر التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل، فَكَانَ هَذَا أمرا وَاضحا جليا من إِعْلَام اللَّهِ لَهُ بِمَا كَانَ من ذَلِك الْغَيْب، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ غيبا من أهل وقته مِمَّا علم بِهِ كَقَوْلِه ﷿: ﴿وَإِذ أسر النَّبِي إِلَى بعض أَزوَاجه حَدِيثا فَلَمَّا نبأت بِهِ وأظهره اللَّهِ عَلَيْهِ عرف بعضه وَأعْرض عَن بعض فَلَمَّا نبأها بِهِ قَالَت من أَنْبَأَك هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير﴾، فأحاط بِالْغَيْبِ من الْوُجُوه الثَّلَاثَة، الْمَاضِي كَقَوْلِه: ﴿إِذْ قضينا إِلَى مُوسَى الْأَمر﴾ وَغَيره.
1 / 19
والمستقبل كَقَوْلِه: ﴿سيغلبون﴾، والحاضر كَقَوْلِه: ﴿نَبَّأَنِي الْعَلِيم الْخَبِير﴾، فأحاط بِالْغَيْبِ من جَمِيع جهاته، وَمن آيَاته ترْجم المنجوم لبعثه، قَالَ اللَّهِ ﷿: ﴿وَأَنا لمسنا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا ملئت حرسا شَدِيدا وشهبا﴾ .
وَلَيْسَ لقَائِل أَن يَقُول: هَذِه كَانَت معهودة لِأَن اللَّهِ تَعَالَى أكذبه بقوله: ﴿وَأَنا كُنَّا نقعد مِنْهَا مقاعد للسمع فَمن يستمع الأن يجد لَهُ شهابا رصدا﴾ .
وَلَو كَانَ ذَلِك معهودا كَمَا قَالَ الْمُشْركُونَ، فَمَا هَذَا الَّذِي تجدّد علينا هَكَذَا كُنَّا، فَأمره ﷺ َ - وَاضح.
وَلَو استقصينا دَلَائِل نبوته ﷺ َ - لطال الْكَلَام، فَإِذا ثَبت بِالدَّلِيلِ أَنه رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - وَجب امْتِثَال أمره وَاجْتنَاب نَهْيه. فَهَذَا الأَصْل الَّذِي هُوَ: " لَا إِلَه إِلَّا اللَّهِ " أُوحِي إقَام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة
1 / 20
وَصَوْم رَمَضَان وَحج الْبَيْت.
وَإِنَّمَا ذكر رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - بِنَاء الْإِسْلَام على خمس لِأَنَّهَا سمات الْإِسْلَام على كل مُسلم، وَهِي فرض عين لَا فرض كِفَايَة.
وَنحن نذْكر من فقه هَذَا الحَدِيث مَا نرجو أَن يَشْمَل الْوَاجِبَات اللَّازِمَة دون التفرعات الَّذِي علمهَا
فصل
ونبدأ قبل ذكرهَا بِذكر أَشْيَاء من أصُول الْفِقْه على طَرِيقه الْمُتَقَدِّمين، فَنَقُول: حد الْعلم معرفَة الْمَعْلُوم على مَا هُوَ عَلَيْهِ بِهِ، وَعلم الله قديم وَعلم المخلوقين يَنْقَسِم إِلَى ضَرُورِيّ ومكتسب، وَالدَّلِيل هُوَ المرشد.
وينقسم الْفِقْه على وَاجِب ومندوب إِلَيْهِ، ومباح ومحظور ومكروه، فَالْوَاجِب: مَا ينَال تَاركه الْوَعيد، وَالْمَنْدُوب إِلَيْهِ: مَا فعله فضل وَلَا إِثْم من تَركه، والمباح: مَا أطلق للْعَبد إِلَّا أَن نِيَّته فِيهِ يُثَاب عَلَيْهَا، والمحظور وَالْمحرم وَالْمَكْرُوه: مَا تَركه فضل وَفعله بخس.
ويستدل بأوامر اللَّهِ ﷾ وأومر رَسُوله ﷺ َ -، وَفعله ﷺ َ - وَإِقْرَاره الْفَاعِل وَفِي الْكَلَام حَقِيقَة، وَفِيه الْمجَاز، والأسماء تُؤْخَذ شرعا ولغة وَقِيَاسًا، وللأمر صِيغَة تَقْتَضِي الْوُجُوب فَإِذا ورد الْأَمر بأَشْيَاء مَعَ التَّخْيِير، كَانَ الْوَاجِب وَاحِدًا غير
1 / 21
معنى، فَإِذا أَدَّاهُ الْمَأْمُور بِهِ أَجزَأَهُ، وَالْفَرْض هُوَ الْوَاجِب عِنْد الشَّافِعِي، وَعند أَحْمد وَأبي حنيفَة الْوَاجِب لَازم، وَالْفَرْض ألزم، والنهى ضد الْأَمر، والتعميم فِي أقل الْجمع اثْنَان فَصَاعِدا، فَإِذا عرف بِالْألف وَاللَّام فَهُوَ تَعْمِيم نَحْو: الْمُسلمين، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ بِصِيغَة الْوَاحِد كَانَ للْجِنْس نَحْو قَوْله تَعَالَى: ﴿إِن الْإِنْسَان لفي خسر﴾، وَلَا يعم شَيْء من أَفعَال النَّبِي ﷺ َ - إِلَّا بِدَلِيل التَّخْصِيص يَعْنِي الْبَعْض دون الْكل. والنطق إِذا ورد على سَبَب تعلق بِهِ كَيفَ وَقع، ويخصص النُّطْق بِالِاسْتِثْنَاءِ وَالشّرط وَالتَّقْيِيد، وَمَفْهُوم الْخطاب يكون من فحواه ولحنه، وَلَا دَلِيل خطابه. والمجمل من القَوْل الْمُبْهم والمبين التَّعْيِين ولنسخ الرّفْع وَلَيْسَ بالبراء، وَلَا يجوز النّسخ إِلَّا على مَا يتَنَاوَل تَكْلِيف الْخلق دون صِفَات الْخَالِق وتوحيده، وَيجوز نسخ الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ، وَالسّنة بِالسنةِ فِيمَا تماثل طَرِيقه وَالْفِعْل بِالْفِعْلِ، وَلَا ينْسَخ الْقُرْآن وَلَا السّنة بِالْإِجْمَاع وَلَا بِالْقِيَاسِ، وَإِذا قَالَ الصَّحَابِيّ: هَذِه الْآيَة مَنْسُوخَة وَلم يذكر مَا نسخهَا، لم يثبت نسخهَا.
1 / 22
وَشرع الْإِسْلَام مغنى عَن غَيره، وَفعل رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - شرع، وَكَذَلِكَ إِقْرَاره.
وللخبر صِيغَة وَمِنْه التَّوَاتُر والآحاد، وَمِنْه الْمُتَّصِل والمرسل. والمتصل مَا اتَّصل إِسْنَاده بالعنعنة، وأفضله أَن يَقُول الرَّاوِي: سَمِعت أَو حَدثنِي، فَإِن قَالَ أَخْبرنِي أَو أنبأني نقص عَن تِلْكَ الرُّتْبَة، لجَوَاز أَن يكون الْإِخْبَار إجَازَة فَأَما الْمُرْسل: فَمَا يرويهِ التَّابِعِيّ عَن رَسُول اللَّهِ ﷺ َ -.
وَإِذا روى الصَّبِي الْمُمَيز قبل خَبره.
وَمن شَرط قبُول رِوَايَة الرَّاوِي أَن يكون عدلا، غير مُبْتَدع.
وَالصَّحَابَة كلهم عدُول، وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَان.
وَيلْزم الْجَارِح للراوي تعْيين مَا جرحه بِهِ، وَتقدم بَينه الْجرْح على التَّعْدِيل.
وَرِوَايَة حَدِيث رَسُول اللَّهِ ﷺ َ - بِالْمَعْنَى غير جَائِزَة إِلَّا عِنْد بعض الْعلمَاء، للْعَالم دون غَيره. وَإِذا روى الرَّاوِي الحَدِيث ثمَّ نَسيَه لم يسْقط الحَدِيث
1 / 23
وَلَا يفك الْأَمر الثَّابِت بِكِتَاب أَو سنة ثَابِتَة إو إِجْمَاع الْمُسلمين بِخَبَر الْوَاحِد، ويرجح الْخَبَر على الْمخبر بِفضل رَاوِيه وموافقة مَتنه لِلْقُرْآنِ، وَإِجْمَاع الْمُسلمين من الْمُجْتَهدين حجَّة فِي الشَّرْع.
وَقَول الصَّحَابَة مُتَقَدم على الْقيَاس وَالْقِيَاس مُتَقَدم على حمل الْفَرْع على أصل فِي بعض أَحْكَامه بِمَعْنى يجمع بَينهمَا ويحتج بِهِ من جَمِيع الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة، وَقد سَمَّاهُ الْفُقَهَاء قِيَاس عِلّة وَقِيَاس دلَالَة وَقِيَاس شبه.
ويشتمل الْقيَاس على أَرْبَعَة أَشْيَاء: على الأَصْل وَالْعلَّة وَالْفرع وَالْحكم، وَالِاسْتِحْسَان عِنْد أبي حنيفَة أصل. والتقليد قبُول قَول النَّبِي من غير دَلِيل وَذَلِكَ (...) الْمعَانِي وَلَا يجوز فِي أصُول الدّين وَلَا فِيمَا نقل نقلا عَاما لفرض الصَّلَاة.
والعالم لَا يسوغ لَهُ التَّقْلِيد، وَقد حكى عَن أَحْمد أَنه يسوغ لَهُ ذَلِك، وَالْمَعْرُوف من مذْهبه أَنه لَا يسيغ لمجتهد أَن يُقَلّد.
وَمن عرف طرق الْأَحْكَام من الْكتاب وَالسّنة وموارد الْكَلَام ومصادره ومجازه وَحَقِيقَته وعامه وخاصة وناسخة ومنسوخة ومطلقه ومقيده ومفصله ومجمله وَدَلِيله، وَعرف من أصُول الْعَرَبيَّة مَا يُوضح لَهُ الْمعَانِي وَإِجْمَاع السّلف وخلافهم، وَعرف
1 / 24
الْقيَاس، وَمَا يجوز تَعْلِيله من الْأُصُول مِمَّا لَا يجوز، وَمَا يُعلل بِهِ وَمَا لَا.
وترتيب الْأَدِلَّة وَتَقْدِيم أولاها، ووجوه التَّرْجِيح ثِقَة مَأْمُونا قد عرف بِالِاحْتِيَاطِ للدّين، أفتى من استفتاه مفصحا عدل، ويختار المستفتين لدينِهِ من الْمُفْتِينَ، وَيقدم فتيا المحتاط لدينِهِ.
وَالْحق فِي أصُول الدّين فِي جِهَة وَاحِدَة، فَأَما الْفُرُوع فَإِنَّهَا كَذَلِك، إِلَّا أَن الْحَرج مَوْضُوع عَن الْمُجْتَهد المستخلص بل لَهُ أجر وَاحِد فِي الْخَطَأ، وَله فِي الْإِصَابَة أَجْرَانِ. وَالْقَوْلَان من الْفَقِيه فِي الْمَسْأَلَة الْوَاحِدَة إِشْعَار مِنْهُ لدين مَنعه أَن يحتم حَتَّى يعلم، فَيكون لمن بعده الِاجْتِهَاد فِيهَا، فَأَما إِذا تقدم تَارِيخ أحد الْقَوْلَيْنِ فَالْعَمَل على الْأَخير. فَهَذِهِ أصُول الْفِقْه على طَرِيقه الِاخْتِصَار نشِير إِلَى مَا تفرع مِنْهَا.
وَلما انْتهى تدوين الْفِقْه إِلَى الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة، وكل مِنْهُم عدل رَضِي اللَّهِ
1 / 25
عَنْهُم، ورضى عدالتهم الْأَئِمَّة، وَأخذُوا عَنْهُم لأخذهم عَن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَالْعُلَمَاء وأستقر ذَلِك، وَإِن كلا مِنْهُم مقتدى بِهِ، وَلكُل وَاحِد مِنْهُم لَهُ من الْأمة أَتبَاع من شَاءَ مِنْهُم فِيمَا ذكره وهم: أَبُو حنيفَة، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد ﵃.
رَأَيْت أَن أجعَل مَا أذكرهُ من إِجْمَاع مُشِيرا بِهِ إِلَى إِجْمَاع هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة، وَمَا أذكرهُ من خلاف مُشِيرا بِهِ إِلَى الْخلاف بَينهم، فَمن ذَلِك.
1 / 26
بِسم اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم
كتاب الطَّهَارَة
أَجمعُوا على أَن الصَّلَاة لَا تصح إِلَّا بِطَهَارَة إِذا وجد السَّبِيل إِلَيْهَا لقَوْله تَعَالَى: ﴿يأيها الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وأمسحوا برءوسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنْتُم جنبا فأطهروا وَأَن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فأمسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيد اللَّهِ ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون﴾ ... ... ... الْآيَة. قَالَ أهل اللُّغَة: الطّهُور هُوَ الْعَامِل للطَّهَارَة فِي غَيره، كَمَا يُقَال: قتول، قَالَ ثَعْلَب: الطّهُور الطَّاهِر فِي نَفسه المطهر لغيره، وَهَذَا مِمَّا لَا يُخَالف فِيهِ إِلَّا بعض أَصْحَاب أبي حنيفَة
1 / 27
﵁ فَقَالُوا: الطّهُور هُوَ الطَّاهِر على سَبِيل الْمُبَالغَة.
وَأَجْمعُوا على أَن الطَّهَارَة تجب بِالْمَاءِ على كل من لَزِمته الصَّلَاة مَعَ وجوده، فَإِذا عدم فيبدله لقَوْله تَعَالَى: ﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تقربُوا الصَّلَاة وَأَنْتُم سكارى حَتَّى تعلمُوا مَا تَقولُونَ وَلَا جنبا إِلَّا عابري سَبِيل حَتَّى تغتسلوا وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط أَو لامستم النِّسَاء فَلم تَجدوا مَاء فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وَأَيْدِيكُمْ إِن اللَّهِ كَانَ عفوا غَفُورًا﴾، وَلقَوْله تَعَالَى: ﴿إِذْ يغشيكم النعاس آمِنَة مِنْهُ وَينزل عَلَيْكُم من السَّمَاء مَاء ليطهركم بِهِ، وَيذْهب عَنْكُم رجز الشَّيْطَان وليربط على قُلُوبكُمْ وَيثبت بِهِ الْأَقْدَام﴾ .
قَالَ أهل اللُّغَة وَالطَّهَارَة: التَّنَزُّه عَن الأدناس والأقذار، وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا تغير المَاء عَن أصل خلقته بطاهر فغلب على أَجْزَائِهِ مِمَّا يسْتَغْنى المَاء عَنهُ غَالِبا لم يجز الْوضُوء بِهِ إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ جوز الْوضُوء بِالْمَاءِ الْمُتَغَيّر بالزعفران وَنَحْوه.
وَأَجْمعُوا على أَنه إِذا تغير المَاء بالنجاسات فَهُوَ نجس قل المَاء أَو كثر.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي المَاء إِذا كَانَ دون الْقلَّتَيْنِ، والقلتان خَمْسمِائَة رَطْل بالعراقي، وخالطته النَّجَاسَة، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هُوَ نجس.
1 / 28
وَقَالَ مَالك وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: إِنَّه مَا لم يتَغَيَّر فَهُوَ طَاهِر.
وَأَجْمعُوا على أَنه لَا يجوز التوضئ بالنبيذ على الْإِطْلَاق إِلَّا أَبَا حنيفَة، فَإِن الرِّوَايَة اخْتلفت عَنهُ فَروِيَ عَنهُ: أَنه لَا يجوز ذَلِك كالجماعة، وَهِي اخْتِيَار أبي يُوسُف.
وَرُوِيَ عَنهُ: أَنه يجوز الْوضُوء بنبيذ التَّمْر الْمَطْبُوخ فِي السّفر عِنْد عدم المَاء.
وَرُوِيَ عَنهُ: أَنه يجوز الْوضُوء بِهِ، ويضيف إِلَيْهِ التَّيَمُّم وَهُوَ اخْتِيَار مُحَمَّد بن الْحسن
وأختلفوا فِي جَوَاز إِزَالَة النَّجَاسَة بِغَيْر المَاء من الْمَائِعَات فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز بِكُل مَائِع طَاهِر مزيل للعين. وَقَالَ ملك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: لَا يجوز إِلَّا بِالْمَاءِ. وَعَن أَحْمد رِوَايَة أُخْرَى كمذهب أبي حنيفَة.
1 / 29
وَاتَّفَقُوا على أَن الْحَدث لَا يرفعهُ على الْإِطْلَاق إِلَّا المَاء.
بَاب النَّجَاسَات
اتَّفقُوا على أَن الْخمر إِذا انقلبت خلا من غير معالجة الْآدَمِيّ طهرت.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي معالجة الْآدَمِيّ لتخليلها وَهل تطهر إِذا خللها؟ فَقَالَ أَبُو حنيفَة: يجوز تخليلها وتطهر.
وَقَالَ الشَّافِعِي وَأحمد: لَا يجوز تخليلها وَلَا تطهر بالتخليل، وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ كالمذهبين.
وَاخْتلفُوا فِي جُلُود الْميتَة هَل تطهر بالدباغ؟، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ: تطهر، وَاسْتثنى أَبُو حنيفَة جلد الْخِنْزِير فَقَالَ: لَا يطهر، وَعند أبي يُوسُف إِذا ذبح الْخِنْزِير يطهر جلده بالدباغة، كَذَا فِي الْخُلَاصَة، هَذَا نَقله عَن شرح الْمجمع لِابْنِ قرشته.
وَاسْتثنى الشَّافِعِي جلد الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا أَو من أَحدهمَا، فَقَالَ: لَا يطهر.
1 / 30
وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ أَحدهمَا: لَا يطهر على الْإِطْلَاق، وَالْأُخْرَى: يطهر ظَاهره دون بَاطِنه.
وَعَن أَحْمد رِوَايَتَانِ، أَحدهمَا: كالأولى عَن مَالك وَهِي الْمَشْهُورَة عَن مَالك، وَالْأُخْرَى: يطهر بالدباغ مَا كَانَ ظَاهرا قبل الْمَوْت وَنَصّ نطقه أَنه سُئِلَ عَن ذَلِك فَقَالَ: أَرْجُو.
وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يطهر بالذكاة مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: يطهر.
وَأَجْمعُوا على أَن صوف الْميتَة وشعرها طَاهِر إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد فَإِنَّهُ نجس دلّ عَلَيْهَا كَلَامه وَأحد الْقَوْلَيْنِ عَن الشَّافِعِي أَنه نجس وَهُوَ أظهرهمَا. وَاتَّفَقُوا على أَن صوف الْكَلْب وَشعر الْخِنْزِير نجس حَيا وَمَيتًا، إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ قَالَ: ذَلِك طَاهِر، وَوَافَقَهُ مَالك فِي طَهَارَة صوف الْكَلْب حَيا وَمَيتًا.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي جَوَاز الِانْتِفَاع بِهِ من الخرز وَنَحْوه، فَرخص فِيهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك مَعَ النداوة الَّتِي فِي أَسْفَله وَمنع مِنْهُ الشَّافِعِي وَكَرِهَهُ أَحْمد وَقَالَ: يخرز بالليف أحب إِلَيّ.
وَاخْتلفُوا فِي عِظَام الْفِيل وَالْميتَة، فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هِيَ
1 / 31
نَجِسَة، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: هِيَ طَاهِرَة، وَعَن مَالك من رِوَايَة ابْن وهب عَنهُ نَحوه.
بَاب الْأَوَانِي
اتَّفقُوا على أَن اسْتِعْمَال أواني الذَّهَب وَالْفِضَّة من الْمَأْكُول والمشروب وَالطّيب وَغَيره مَنْهِيّ عَنهُ.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي النَّهْي هَل هُوَ نهي تَحْرِيم أَو تَنْزِيه؟ .
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَأحمد: أَنه نهي تَحْرِيم.
وَعَن الشَّافِعِي قَولَانِ، أَحدهمَا: أَنه نهي تَنْزِيه، وَالْآخر أَنه نهى تَحْرِيم، وَهُوَ الَّذِي نَصه الشِّيرَازِيّ فِي التَّنْبِيه. وَاتَّفَقُوا على أَن هَذَا التَّحْرِيم فِي حق الرِّجَال وَالنِّسَاء. وَأَجْمعُوا على أَنه إِن خَالف مُكَلّف فَتَوَضَّأ مِنْهَا أَثم وَصحت طَهَارَته إِلَّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمد أَنه لَا تصح طَهَارَة من تطهر مِنْهَا، واختارها عبد الْعَزِيز، وَالْأُخْرَى يكره وَيجزئهُ وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ.
وَأَجْمعُوا على أَن اتخاذها حرَام إِلَّا أَن بعض الشَّافِعِيَّة قَالَ: لَا يحرم إِلَّا
1 / 32
اسْتِعْمَالهَا فَقَط وَهُوَ وَجه لَهُم.
وَحكى ابْن أبي مُوسَى ذَلِك عَن الشَّافِعِي، ثمَّ قَالَ: وَعَن أَحْمد مثله.
وَاتَّفَقُوا على آثَار سُؤْر مَا يُؤْكَل لَحْمه من الْبَهَائِم طَاهِرَة. ثمَّ اخْتلفُوا فِي سُؤْر مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه من سِبَاع الْبَهَائِم كالأسد والنمر وَنَحْوهمَا، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه: هِيَ نجسه.
وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ طَاهِرَة، وَاسْتثنى مَالك مَا يَأْكُل النَّجَاسَة مِنْهَا، فَحكم بِنَجَاسَة سؤره.
وَاخْتلفُوا فِي الْكَلْب وَالْخِنْزِير، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد: هما نجسان، وَكَذَلِكَ سؤرهما، وَقَالَ مَالك فِي الْكَلْب طَاهِر، وسؤره كَذَلِك رِوَايَة وَاحِدَة.
وَالْخِنْزِير نجس وَفِي طَهَارَة سؤره عِنْده رِوَايَتَانِ وعَلى ذَلِك فسؤر الْكَلْب وَالْخِنْزِير فِي الرِّوَايَة الَّتِي يَقُول بِطَهَارَة سؤرهما مكروهان، وَيغسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا تعبدا إِلَّا لنجاسته، ويراق المَاء اسْتِحْبَابا، وَلَا يراق مَا ولغَ فِيهِ من
1 / 33
سَائِر الْمَائِعَات وَفِي غسل الْإِنَاء من ولوغ الْخِنْزِير عَنهُ رِوَايَتَانِ أَحدهمَا هُوَ كَالْكَلْبِ وَالثَّانِي لَا يغسل.
وَاتَّفَقُوا على أَن سُؤْر الْبَغْل وَالْحمار طَاهِر إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ شكّ فِي كَونه مطهرا، وروى ابْن جرير عَن مَالك كَرَاهِيَة سؤرهما.
وَاخْتلف عَن أَحْمد فروى عَنهُ الشَّك فيهمَا كَأبي حنيفَة.
وَفَائِدَته: أَنه إِذا لم يجد مَاء غَيره تَوَضَّأ بِهِ وأضاف إِلَيْهِ التَّيَمُّم، وَإِن وجد مَاء غَيره لم يتَوَضَّأ بِهِ.
وَرُوِيَ عَنهُ أَن سؤرهما نجس وَهُوَ الَّذِي نَصره أَصْحَابه.
وَاخْتلفُوا فِي آثَار جوارح الطير، فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي إِحْدَى روايتيه هِيَ طَاهِرَة إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة يكرهها مَعَ ثُبُوت طَهَارَتهَا عِنْده، وَقَالَ أَحْمد فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى: هِيَ نَجِسَة، وَقَالَ مَالك: أَن كَانَت تَأْكُل النَّجَاسَة وتفترسها فَهِيَ نَجِسَة، وَإِن كَانَت لَا تأكلها وَلَا تفترسها فَهِيَ طَاهِرَة.
وَاتَّفَقُوا على طَهَارَة سُؤْر الْهِرَّة وَمَا دونهَا من الْخلقَة إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ يكرههُ.
1 / 34
وَاتَّفَقُوا على أَنه إِذا مَاتَ فِي المَاء الْيَسِير مَا لَيست لَهُ نفس سَائِلَة كالذباب وَنَحْوه فَإِنَّهُ لَا يُنجسهُ إِلَّا فِي أحد قولي الشَّافِعِي فَإِنَّهُ يُنجسهُ، وَالْقَوْل الآخر أَنه لَا يُنجسهُ وَهُوَ الْأَظْهر.
وَاخْتلفُوا فِي اشْتِرَاط الْعدَد فِي إِزَالَة النَّجَاسَة.
فَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك: لَا يشْتَرط الْعدَد فِي شَيْء من ذَلِك وَلَا يجب إِلَّا أَن مَالِكًا اسْتحبَّ غسل الْإِنَاء من ولوغ الْكَلْب سبعا كَمَا ذكرنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجب الْعدَد فِي شَيْء من ذَلِك إِلَّا من الْكَلْب وَالْخِنْزِير وَمَا تولد مِنْهُمَا من أَحدهمَا، وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الولوغ على الأَرْض.
وَحكى ابْن الْقَاص عَن الشَّافِعِي قولا فِي الْقَدِيم أَنه يغسل من ولوغ الْخِنْزِير مرّة وَاحِدَة، وَالصَّحِيح من مذْهبه حكمه حكم الْكَلْب نَص عَلَيْهِ فِي الْأُم.
وَاخْتلفت الرِّوَايَة عَن أَحْمد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي أَن النَّجَاسَة تكون فِي
1 / 35
مَحل غير الأَرْض إِذْ لَا تخْتَلف الرِّوَايَة عَنهُ أَن الْعدَد لَا يشْتَرط فِيمَا إِذا كَانَت النَّجَاسَة على الأَرْض، فَالْمَشْهُور عَنهُ فيهمَا أَنه يجب الْعدَد فِي غسل سَائِر النَّجَاسَات سبعا سَوَاء كَانَت من السَّبِيلَيْنِ أَو من غَيرهمَا، وَعنهُ رِوَايَة ثَانِيَة أَنه يجب غسل سَائِر النَّجَاسَات ثَلَاثًا سَوَاء كَانَت من السَّبِيلَيْنِ أَو غَيرهمَا. وَعنهُ رِوَايَة ثَالِثَة: إِن كَانَت فِي السَّبِيلَيْنِ فسبعا، وَإِن كَانَت فِي السَّبِيلَيْنِ أَو فِي غير الْبدن وَجب الْعدَد. وَكَانَ الْوَاجِب سبعا، وَإِن كَانَت فِي الْبدن، فقد رُوِيَ عَنهُ أَنه قَالَ: إِذا أصَاب جسده فَهُوَ أسهل، والخلال يُخطئ راويها، وَالْخَامِسَة: إِسْقَاط الْعدَد فِيمَا عدا الْكَلْب وَالْخِنْزِير.
وَاخْتلفُوا فِي رَوْث مَا يُؤْكَل لَحْمه وبوله، فَقَالَ مَالك وَأحمد: من الْمَشْهُور عَنهُ أَنه ظَاهر، وَقَالَ أَبُو حنيفَة: ذرق الْحمام والعصافير طَاهِر، وَالْبَاقِي نجس، وَقَالَ الشَّافِعِي: هُوَ نجس على الْإِطْلَاق.
وَاتَّفَقُوا على أَن رَوْث مَا لَا يُؤْكَل لَحْمه نجس إِلَّا أَبَا حنيفَة فَإِنَّهُ يرى أَن ذرق سِبَاع الطير كالبازي والصقر، والباشق وَنَحْوه طَاهِر.
1 / 36