İhyâü Ulûmiddin
إحياء علوم الدين
Yayıncı
دار المعرفة
Yayın Yeri
بيروت
شخص معين أن الله تعالى يعاقبه أم لا وهو مجهول الحال عندك فإن نفسك لا تميل إلى الحكم فيه بإثبات ولا نفى بل يستوي عندك إمكان الأمرين فيسمى هذا شكًا
الثاني أن تميل نفسك إلى أحد الأمرين مع الشعور بإمكان نقيضه ولكنه إمكان لا يمنع ترجيح الأول كما إذا سئلت عن رجل تعرفه بالصلاح والتقوى أنه بعينه لو مات على هذه الحالة هل يعاقب فإن نفسك تميل إلى أنه لايعاقب أكثر من ميلها إلى العقاب وذلك لظهور علامات الصلاح
ومع هذا فأنت تجوز اختفاء أمر موجب للعقاب في باطنه وسريرته فهذا التجويز مساو لذلك الميل ولكنه غير دافع رجحانه فهذه الحالة تسمى ظنًا
الثالث أن تميل النفس إلى التصديق بشيء بحيث يغلب عليها ولا يخطر بالبال غيره ولو خطر بالبال تأبى النفس عن قبوله ولكن ليس ذلك مع معرفة محققة إذ لو أحسن صاحب هذا المقام التأمل والإصغاء إلى التشكيك والتجويز اتسعت نفسه للتجويز وهذا يسمى اعتقادًا مقاربًا لليقين وهو اعتقاد العوام في الشرعيات كلها إذ رسخ في نفوسهم بمجرد السماع حتى إن كل فرقة تثق بصحة مذهبها وإصابة إمامها ومتبوعها ولو ذكر لأحدهم إمكان خطأ إمامه نفر عن قبوله
الرابع المعرفة الحقيقية الحاصلة بطريق البرهان الذي لا يشك فيه ولا يتصور الشك فيه فإذا امتنع وجود الشك وإمكانه يسمى يقينًا عند هؤلاء ومثاله أنه إذا قيل للعاقل هل في الوجود شيء هو قديم فلا يمكنه التصديق به بالبديهة لأن القديم غير محسوس لا كالشمس والقمر فإنه يصدق بوجودهما بالحس وليس العلم بوجوده شيء قديم أزلي ضروريًا مثل العلم بأن الاثنين أكثر من الواحد ومثل العلم بأن حدوث حادث بلا سبب محال فإن هذا أيضًا ضروري فحق غريزة العقل أن تتوقف عن التصديق بوجود القديم على الارتجال والبديهة ثم من الناس من يسمع ذلك ويصدق بالسماع تصديقًا جزمًا ويستمر عليه وذلك هو الاعتقاد وهو حال جميع العوام
ومن الناس من يصدق به بالبرهان وهو أن يقال له إن لم يكن في الوجود قديم فالموجودات كلها حادثة فإن كانت كلها حادثة فهي حادثة بلا سبب أو فيها حادث بلا سبب وذلك محال فالمؤدى إلى المحال محال فيلزم في العقل التصديق بوجود شيء قديم بالضرورة لأن الأقسام ثلاثة وهي أن تكون الموجودات كلها قديمة أو كلها حادثة أو بعضها قديمة وبعضها حادثة فإن كانت كلها قديمة فقد حصل المطلوب إذ ثبت على الجملة قديم وإن كان الكل حادثًا فهو محال إذ يؤدي إلى حدوث بغير سبب فيثبت القسم الثالث أو الأول
وكل علم حصل على هذا الوجه يسمى يقينًا عند هؤلاء سواء حصل بنظر مثل ما ذكرناه أو حصل بحس أو بغريزة العقل كالعلم باستحالة حادث بلا سبب أو بتواتر كالعلم بوجود مكة أو بتجربة كالعلم بأن السقمونيا المطبوخ مسهل أو بدليل كما ذكرنا فشرط إطلاق هذا الاسم عندهم عدم الشك فكل علم لا شك فيه يسمى يقينًا عند هؤلاء وعلى هذا لا يوصف اليقين بالضعف إذ لا تفاوت في نفي الشك
الاصطلاح الثاني اصطلاح الفقهاء والمتصوفة وأكثر العلماء وهو أن لا يلتفت فيه إلى اعتبار التجويز والشك بل إلى استيلائه وغلبته على العقل حتى يقال فلان ضعيف اليقين بالموت مع أنه لا شك فيه ويقال فلان قوي اليقين في إتيان الرزق مع أنه قد يجوز أنه لا يأتيه فمهما مالت النفس إلى التصديق بشيء وغلب ذلك على القلب واستولى حتى صار هو المتحكم والمتصرف في النفس بالتجويز والمنع سمي ذلك يقينًا ولا شك في أن الناس يشتركون في القطع بالموت والانفكاك عن الشك فيه ولكن فيهم من لا يلتفت إليه ولا إلى الاستعداد له وكأنه غير موقن به
ومنهم من استولى ذلك على قلبه حتى استغرق جميع همه بالاستعداد له ولم يغادر فيه متسعًا لغيره فيعبر عن مثل هذه الحالة بقوة اليقين ولذلك قال بعضهم ما رأيت يقينًا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من
1 / 73