النعت السببي
ويجب أن نعود إلى بحث نوع من النعت، وهو الذي يسميه النحاة «النعت السببي»، ومثله قوله تعالى:
ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها (النساء: 75)، وقولك: «رأيت فتى باكية عليه أمه.» وظاهر في هذا النوع أنه لا يرتبط بسابقه ارتباط النعت على ما بينا من قبل، وأسلوب الكلام أن تقول في المثل: رأيت فتى باكية عليه أمه؛ ترفع، والرفع هو وجه الكلام، من حيث كان البكاء وصفا للأم وحديثا عنها. أما موافقة الكلمة لما قبلها في الإعراب، فذلك يجيء من باب آخر؛ هو باب المجاورة. وكل ما عد عند النحاة نعتا سببيا فحقه أن ينفصل عما قبله، وألا يجري عليه في إعرابه، ولكنه إذا وافقه في التعريف والتنكير جرى عليه في الإعراب، وكان ذلك من باب الإعراب بالمجاورة، وهذا التفسير مأخوذ من قول ابن جني في توجيه ما رووا عن العرب من مثل: «هذا جحر ضب خرب.» قال النحاة: «هو جر على المجاورة، وهو قليل شاذ.» وقال ابن جني: «ليس بقليل ولا شاذ، بل منه في اللغة العربية كثير جدا، وأصله: هذا جحر ضب خرب جحره. فحذف كلمة جحره لأنها واضحة في المعنى.» ا.ه. فالذي نقول به هنا هو أن تخريج ابن جني لهذا المثل حكم شائع في جميع النعت السببي؛ وحقه كله الرفع على الاستئناف وابتداء الحديث، وعلى أن الجملة كلها هي التي تتصل بما قبلها، ولكنه يفارق الرفع ويعطى إعراب ما قبله؛ إتباع المجاورة، لا إتباع النعت. فلو أنه كان صفة لما قبله لكان بعيدا أن تقول: القرية الظالم وفتى باكية، وأنت تعلم عناية العرب بالنوع وبيانه، وحرصهم على التفريق ما بين المذكر والمؤنث.
فقد انتهينا من أقسام التوابع وأحكامها كما عدها النحاة، وأسقطنا منها نوعا هو العطف، وقسمنا باقيها قسمين: النعت والبدل، وبينا أنها في أحكامها لا تخالف الأصل الذي قررنا من قبل في معاني الإعراب، وخالفنا النحاة في النعت السببي، وجعلناه إتباعا للمجاورة.
الخبر
ويجب أن نزيد هنا تابعا، هو أهم من الأقسام السابقة كلها وأولاها أن يذكر في باب التوابع، وهو الخبر؛ وذلك أنهم إذا أرادوا أن يدلوا على أن الكلمة هي عين الأولى، وأنها صفة متحققة لها، أشاروا إلى ذلك بالموافقة في الإعراب وفي التذكير والتأنيث.
ونعتمد في هذا على كلام المتقدمين من النحاة، فقد قال سيبويه: «إن الخبر إنما رفع من حيث كان من المبتدأ هو هو.» وقال نحاة الكوفة: «إن الخبر إذا خالف المبتدأ ولم يكن وصفا له، وإنما كان بيانا لمكانه أو زمانه لم يرفع ونصب.» ويسمونه النصب على الخلاف، تقول: «زيد أمامك». فإذا لم يكن بيانا للمكان، بل كان وصفا للأول فهو مرفوع كما قال المعري:
ورائي أمام، والأمام وراء
وكل حياة العالمين رياء
والذي منع النحاة أن يقولوا بالإتباع في باب الخبر، أنهم رأوا المبتدأ يكون مرفوعا والخبر منصوبا في باب كان، وليس التفسير على ما تصوروا، فإن المتحدث عنه هو الذي سموه اسم كان، والمتحدث به أو الخبر، هو «كان قائما»، فليس «قائما» بخبر يلزم أن يتبع المبتدأ في إعرابه، وكذلك في باب «إن»، رأوا المبتدأ منصوبا والخبر مرفوعا، فأنكروا الإتباع، وقد علمت من قبل، أن الاسم في باب «إن» مرفوع، وأنه قد ورد إتباعه على الرفع؛ جاء في القرآن الكريم:
Bilinmeyen sayfa