قلت: وجود الشيء بغيره مخصص ومرجح يستلزم انتفاء استناده إلى فاعل مختار، ونحن إنما نريد الإلزام بهذا اللازم أو أن الأمر المرجح مؤثر في الترجيح، والترجيح إنما يحتاج إلى مؤثر بهذا المعنى، فلا معنى للاستغناء عن المؤثر، والفاعل إلا الاستغناء عن المرجح، فظهر الاستغناء عن المخصص والمرجح استغناء عن الفاعل والمؤثر بناء على أنهم كثير ما يجعلون الفاعل أعم من المؤثر في وجود الشيء إيجابا واختيارا أو قصدا، ويقولون: بأن استغنى الممكن عن المؤثر يستلزم سد باب الإثبات للصانع، فكيف يناقضونه في بعض المواضع مع أنهم مصرحون بأن ذات الإرادة مقتضية للتعلق ببعض دون بعض بما يصح تعلقها به، وكلما كانت الذات القديمة مقتضية لشيء ثبت قدمه اتفاقا، وكلما كان الشيء قديما لم يكن الاختيار فيه محال أصلا، ولهذا ألزم الأشاعرة ونحوهم انتفاء الترجيح على إرادته تعالى، ولزم على قود مذهبهم أنها ليست مرجحة حقيقة، ولم يبق بينها وبين القدرة فرق أصلا، وقد أشار إلى هذا الإمام الرازي في المحصل، وقرره نجم الدين الكاتبي في المفصل فليفهم، وليراجع من شاء، والمراد هنا أن الإرداة نفسها مقتضية للتعلق وهي قديمة عندهم، فيكون التعلق قديما بقدم ذات الإرادة، وكل قديم لا اختيار فيه فيكون التعلق لا باختيار الباري باعترافهم، وبالدليل فإنه لو كان اختياره تعالى لزم أن تكون ذاته عز وجل محلا للحوادث ،حيث يقال: أنه تعالى يجعل الإرادة مقتضية للتعلق بالبعض دون البعض ولم يقل: بجواز كون ذاته تعالى محلا للحوادث إلا الكرامية، مع أنهم يفرقون بين الحادث والمحدث، والذي أجاز قيامه بالذات المقدس هو الأول والثاني كما سيأتي في مسألة القرآن، وايضا فالجعل المذكور حادث بالضرورة والتعلق قديم على ما قررناه، وقد صرح أيضا: في فضل الإرادة بما يؤيد هذا المعنى أي كون التعلق لا باختيار فإنه قال: هنالك أن نسبة العلم إلى المعلومات متساوية ...إلخ، وهذا بعينه جار في الإرادة التي قالوا أنها معنى قدبم لا شتراكهما في القدم وعدم الاستثناء في تعلقهما إلى مرجح كما يكون في حق القدرة المؤثرة على قوة الإرادة، فتأمل.
وقال العضد في المواقف: أن الإرادة تتعلق لذاتها عندهم كما سيأتي نقل ذلك، وقد مر مثله، وسعد الدين أورد في تلويحه سؤالا في الإيجاب وتركه بغير جواب، وقريب من ذلك ما ذكره في شرح مقاصده فليراجعه من شاء.
وأورد السمرقندي في الصحائف خاتمة تصحيفه أفعال العباد مقتضاها القول بالإيجاب إلا أنه زعم عدم المنافاة بين الاختيار ووجوب الأثر بالقدرة، والإرادة موجبة للمراد بالاتفاق عندهم، وهو ما أورده علي الكولنجي بأن الإرادة موجبة للمراد بالاتفاق عندهم، وهو ما أورده في مباحث الإرادة والكراهية.
Sayfa 66