وهب أن أحد قال منهم: فما ذكرناه في بيان التعليل في قوله تعالى: {ليريهما سوآتهما} وارد عليه لا محيص عنه، وهذا استطراد، والمراد هنا هو التنبيه على أن مذهب المجبرة من الأشاعرة وغيرهم يستلزم انتفاء الجميل من الرب الجليل بالنظر إلى من ضل عن سواء السبيل، وإما بالنظر إلى أهل الاستقامة فستقف أيضا على تحقير نعمة الله عند المعترض وأصحابه جميعا حتى أنه صرح في الكلام على وجوب الشكر عقلا بأن من صار لنعمة الله شاكرا ذاكرا ربما يعد مستهزء ساخرا، ومحصل كلامه هنالك أنه لا جميل لله تعالى يستوجب الشكر عقلا فانتفى الجميل على كلامهم في نفي التحسين والتقبيح العقليين كما انتفا على كلامهم في نفي إيجاد العبد لأفعاله الاختيارية، وهذا من أقل مفاسدها بين القاعدتين الفاسدتين اللتين أسس المجبرة عليهما مذهبهم الفاسد، ألا ترى إلى ما اشتهر من أن أصول النعم التي يجب حمد الله عليها هي خلق الحي وخلق حياته وخلق وتدبير شهوته وتمنيه من المشتهيات، فإن المجبر الذي ينفي التمكين حقيقة كالمعترض باعترافه فيما سيأتي لا يتأتى إذعانه بالحمد على ذلك وهو ظاهر.
وأما نفي الاختيار فلأن المرجح عندهم في أفعاله تعالى هو مجرد الإرادة القديمة وكل قديم لا اختيار فيه قطعا وإجماعا فينتج أنه لا اختيار في أفعاله تعالى فكيف يكون شيء من الجميل اختياريا له تعالى.
وأما بيان الصغرى فلأنهم نافون للحسن والقبيح عقلا فلا يتصور مرجح من جهة الفعل إذ لا يكون له صفة داعية إليه، فليس الترجيح إلا لمجرد الإرادة العقلية وهم مصروحون بذلك.
Sayfa 57