ومن العجائب أن القاضي البيضاوي قد ذكر هذا بعينه عن المعتزلة في المنهاج وكأنه أخذه من المحصول للإمام الرازي وهو ... عرفت معتمد على المعتمد لأبي الحسين، وقد دل على ذلك ذكر اليبضاوي لهاتين العبارتين فإنه قال ما نصه: والمعتزلة قالوا: ما ليس للقادر عليه العالم به أن يفعل، وربما قالوا: الواقع على صفة توجب الذم أو المدح، فالحسن بنفسيرهم الأخير أخص، انتهى كلامه، فأين ذكر استحقاق العقاب آجلا في كلا هذين التعريفين اللذين ذكرهما، بل أين ذكر استحقاق الذم في التعريف الأول وهو الذي رضيه أبو الحسين رحمه الله تعالى واختاره......جعل استحقاق الذم وصفا تابعا خارجا عن الماهية كما جعل استحقاق العقاب على كلا التعريفين وصفا تابعا خارجا عن الماهية أيضا، فإنه قال: بعد هذا الكلام في الكتاب المذكور ما نصه: والقبيح قد يوصف بأوصاف كثيرة فمنها قولنا: معصية واطلاق ذلك في العرف يفيد انه يكرهه الله عز وجل، ويفيد في أصل اللغة، ..... يكرهه كاره، ومن أصحابنا من يشترط كون الكاره أعلى رتبة من العاصي، ومنها وصفه بأنه محظور والحظر يفيد ويفيد في العرف أن الله عز وجل قد ممع منه بالنهي والوعيد والزجر، ومنها وصفه بأنه محرم وذكل يفيد في العرف فبحه وأن الله عز وجل منه منه بالوعيد والنهي، ومنها وصفه بأنه ذنب ومعناه أنه قبيح يتوقع عليه المؤاخذة والعقوبة، ولذلك لا توصف أفعال البهيمة والطفل بذلك، وربما يوصف فعل المراهق بذلك لما لحقه ...... على فعله إلى آخر كلامه جزاه الله خيرا، فهل أوضح من هذا الكلام الصريح بأنه لا دهل لاستحقاق العقاب في ماهية القبيح، وأنه وصف تابع خارج عن الماهية، وقد ذكر مثل ذلك في الحسن فغنه قال في الكتاب المذكور في الباب الزبور ما نصه: وأما الحسن فعهو ما للقدار عليه المتمكن من العلم بحاله أيفعله، وأيضا ما لم يكن على صفة تؤثر في استحقاق فاعله الذم، قال: وإذا لم يكن للحسن صفة زائدة على حسنه وصف بأنه مباح، ويفيد أن مبيحا اباحة، ومعنى الإباحة هو إزالة الحظر والمنع بالزجر والوعيد وغيرهما ممن يتوقع منه المنع ويوصف بأنه حلال وطلق، ويفيد ما يفيده وصفنا بأنه مباح يستحق العقاب، ومن حق المباح أن لا يستحق في فعله ثواب لأنه لو استحق عليه ثواب كان فعله أولى من تركه، ولكان على سفه يترجح بها فعله على تركه إلى آخر كلامه رحمه الله تعالى، فانظر [138] كيف أرشدك إلى استحقاق الثواب بمعزل عن الدخول فيماهية الحسن، كما أرشدك أولا إلى أن استحقاق العقاب بمعزل عن الدخول في ماهية القبيح .... عن محل النزاع وإن أدخله فيه الذين يحرفون الكلم عن مواضعه يبغونها عوجا، وليس هذا مما تفرد به أبو الحسين عن أصحابه المعتزلة وسائر العدلية رحمهم الله تعالى فغنهم مطبقون عليه قضبه بقضيبهم، ولها قال صاحب الغايات قدس الله روحه في الجنة ما نصه: وأما أصحابنا يعني المعتزلة وغيرهم من العدلية.... المدرك بالعقل عندهم هو كون العقل ليس للقادر عليه المتمكن من الاحتراز منه أن يفعله فالحسن كون له أن يفعله، انتهى، وإياك والخلط بين الحسن والقبيح عقلا، والحسن والقبيح شرعا فتقع في الغلط كما وقع فيه جماعة ضلوا وأضلوا كثيرا، ومنشأ اللبس التلبيس جاء من عند جماعة من أذكياء الأشاعرة لا جرى الله الملبسين خيرا، ولقد خبط البيضاوي في هذا الموضع من منهاجه تبعا لهما في المحوصل والتحصيل كما نبه عليه الجمال الأسنوي في الشرح فن البيضاوي قال ما نصه: الثاني ما نهي عنه شرعا فقبيح وإلا فحسن كالواجب والمندوب، والمباح، وفقل غير المكلف، انتهى.
أنت خبير بأنه هذا لا يصح:
أما أولا: فلأن النزاع الذي تعرض لذكره إنما هو في الأحكام وهذا كلام في الأفعال المنقسمة إلى الواجب وما بعده، ولهذا قال الأسنوي في الشرح ما نصه: هذا القسم ليس داخلا في المقسم أولا؛ لن للسم في قوله: الفضل الثاني في تقسيمه إنما هو الحكم والقبيح والحسن من الأفعال لا من الأحكام ومور التقسيم لا بد أن يكون مشتركا بين أقاسمه وأعم منها، وإن شئت قلت لا بد أن يكون صادقا عليها ومغايرا لاجرم أن صاحب الحاصل قال: الفصل الثاني في تقسيم الأحكام ومتعلقاتها لكنه في المحصول والتحصيل كما في المنهاج، انتهى.
وأما ثانيا: فلأن هذا الكلام هذا كلام في متعلقات الحكم التي هي أفعال المكلفين كما عرفت وعلى هذا فقد قسم أفعال المكلفين إلى أفعال غير المكلفين؛ لأنه قسم أو إلى الحسن والقبيح، ثم قسم الحسن إلى أشياء منها أفعال غير المكلفين وهذا ظاهر الفساد.
Sayfa 299