والآخر حكمها بالاستحالة المذكورة، وهذه العادة التي اثبتناها ليس مجرد وقوع الأخبار المتواترة، وعودها على الأسماع مرة بعد أخرى، فإن هذه العادة بمعزل عن إفادة مطلقا لمعلم فضلا عن الحكم المذكور، وإنما هي العادة [52] المستمرة بمطابقة الخبر الواقع ونفس الأمر، ولا شك في أن الحكم بالاستحالة المذكورة إنما ينشأ من هذه العادة لا عن تلك العادة التي هي مجرد تكرر التواتر في المتواترات وعودها مرة بعد أخرى في كل زمان وبكل لسان، فالعلم المستفاد من التواتر مثلا المستند إلى العادة المذكورة إنما يحصل في تتبع موارد العادة، واستمرار المطابقة للواقع، وهذا هو معنى قولهم أن العادة تحيل تواطيهم على الكذب، فإنا إذا راجعنا أنفسنا واسنكشفنا ما وقع به التواتر كوجود البصرة وبغداد لم يجد ذلك إلا مطابقا للواقع من دون تخلف أصلا على استمرار الأزمان، وكذلك سائر المتواترات فبواسطة استمرار المطابقة لواقع على مرور الدهور حصل العلم المذكور، ورسخ في النفوس والصدر، لا بمجرد تكرر العادة بنفس وقوع الخبر المتواتر من دون اعتبار المطابقة لللواقع والحيلة، فالعلم الذي يفيده التواتر مثلا مسبوق بعلم آخر وقضية كلية وهو أن كل خبر متواتر عن أمر محسوس فإنه لا يكون إلا مطابقا للواقع بالتتبع والاستقراء، ولهذا نجد كل من أنكر أمرا ثابتا بالتواتر إنما يعتمد على إنكار التواتر بذلك الأمر دون إنكار إفادة التواتر للعلم فإن عاقلا لا يرضاه مذهبا، وإنما....... في إنكار ذلك بشبهة ضعيفة مع أنهم لا ينفون إفادته للظن فهو عندهم من جملة العاديات المثمرة للظن، فقد سلموا تلك الكلية في المعنى، وإنما اشتبه عليهم العلم بالظن ولم يجدوا للعادة قوة على إفادة العلم ولولا أن تلك الكلية لا بد ن سبق العلم بها على ذلك الوجه من التتبع ولاستقراء لما شرط المحققون أن يكون التواتر عن أمر محسوس لا عن أمر معقول كخبر الفلاسفة بقدن العالم، وليس ذلك لاتهام العقول بالغلط كما ظنه بعضهم، بل لأنه طريق إلى العلم بمطابقته للواقع أي ليس من جنس الأخبار المندرجة تحت الكلية المعلمومة بالتتبع والاستقراء، ومن هنا شرط المرتضى الموسوي في إفادة الخبر بالتواتر أن لا يكون مسبوقا فاعتقاد جهل يتعلق بمتعلق الخبر، وذلك؛ لأنه غا إذا سبق هذا الاعتقاد الذي هو جهل استلزم اعتقاد عدم المطابقة للواقع؛ لأن الضدين والنقيضين لا يجتمعان أي أنه لا يجتمع العلم بالشيء والجهل به، وحينئذ لا يندرج ذلك الخبر المتواتر تحت تلك الكلية فلا تصلح أن تكون صغرى فياس منتج للمقصود من الشكل الأول، بل قد ذكر ابن سينا الذي هو شيخ هذه الصنعة أنه لا بد من التفطن لكيفية إنداراج المقدمة الجزئية تحت الكلية أي العلم بإندراج الصغرى تحت الكبرى.
Sayfa 120