الذي لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن (1) الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود (2) فطر الخلائق بقدرته ونشر الرياح برحمته ووتد بالصخور ميدان أرضه (3) أول الدين معرفته وكمال معرفته التصديق به وكمال تصديقه توحيده وكمال توحيده الإخلاص له وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه (4) لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه ومن جزأه فقد جهله (5) ومن أشار إليه فقد حده ومن حده فقد عده ومن قال فيم فقد ضمنه ومن قال علام فقد أخلى منه (6) كائن لا عن حدث موجود لا عن عدم مع كل شيء لا بمزايلة
في الجملة الأولى : إشارة إلى العجز عن القيام بالثناء عليه سبحانه كما يستحقه وكما هو أهله ، وهي في معنى قول النبي صلى الله عليه وآله : « لا احصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك »
وفي الجملة الثانية : اعتراف بالقصور عن القدرة على حصر أنعم الله على تعددها وكثرتها بحيث لا يحيط بها حصر الإنسان ، وهذه الجملة مقتبسة من قوله تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ).
وفي الثالثة اعتراف بالعجز عن أداء شكر المنعم ، وأداء حقه اللازم على العباد مهما بذلوا من جهد ، فكل حركة وسكون يصدران من الإنسان مستندان إلى وجوده تعالى وهي نعمة منه تعالى على عباده ولذا جاء في الأثر : أن موسى ( عليه السلام ) سأل ربه قائلا : « يا رب كيف أشكرك وأنا لا أستطيع أن أشكر إلا بنعمة ثانية من نعمك » فأوحى الله تعالى إليه : « إذا عرفت هذا فقد شكرتني ».
والنيل : الإصابة والفطن جمع فطنة بالكسر : وهي الحذق وجودة استعداد الذهن لتصور ما يريد عليه.
بعد الهمم علوها وتعلقها بالامور العالية أي : إن الهمم وإن علت وبعدت لا يمكن أن تدركه مهما حلقت في سماء المدارك العالية ، كما أن الفطن الغائصة في بحار الأفكار هي الأخرى لا تصل إلى كنه حقيقته.
أي : سكن الأرض بعد اضطرابها وهي من قوله تعالى : والجبال أوتادا وقوله : « وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم » .
Sayfa 199