: («الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَعْلَاهَا شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ») . سَمَّى إِمَاطَةَ الْأَذَى إِيمَانًا وَلَيْسَ بِتَصْدِيقٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الدِّينَ فِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ فِعْلِ الْعِبَادَاتِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: ﴿وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾ فَكَانَ رَاجِعًا إِلَى كُلِّ الْمَذْكُورِ.
وَالدِّينُ هُوَ الْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ وَالْإِسْلَامُ هُوَ الْإِيمَانُ، فَيَكُونُ الْإِيمَانُ فِي الشَّرْعِ هُوَ فِعْلُ الْعِبَادَاتِ.
وَدَلِيلُ كَوْنِ الْإِيمَانِ هُوَ الْإِسْلَامَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ غَيْرَ الْإِسْلَامِ لَمَا كَانَ مَقْبُولًا مِنْ صَاحِبِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ .
وَأَيْضًا فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ - فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ وَالْأَصْلُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْ جِنْسِ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ. (١) وَأَيْضًا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ﴾ وَأَرَادَ بِهِ الصَّلَاةَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَاطِعَ الطَّرِيقِ وَإِنْ كَانَ مُصَدِّقًا فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ النَّارَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وَالدَّاخِلُ فِي النَّارِ مَخْزِيٌّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ أَهْلِ النَّارِ (٢) ﴿رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ﴾ مَعَ التَّقْرِيرِ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَالْمُؤْمِنُ غَيْرُ مَخْزِيٍّ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ﴾ . (٣)
_________
(١) كُلٌّ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ يُطْلَقُ عِنْدَ الِانْفِرَادِ عَلَى جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ عَقِيدَةً وَعَمَلًا، وَقَوْلًا وَخُلُقًا، وَإِذَا اجْتَمَعَا كَمَا فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ النَّبِيَّ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَانَ الْإِسْلَامُ لِلْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ، وَالْإِيمَانُ لِلْأَحْكَامِ الْبَاطِنَةِ مَعَ اسْتِلْزَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا - إِذَا صَحَّ - لِلْآخَرِ، فَكُلُّ إِيمَانٍ صَحِيحٍ يَسْتَلْزِمُ إِسْلَامًا صَحِيحًا، وَكُلُّ إِسْلَامٍ صَحِيحٍ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ إِيمَانٍ صَحِيحٍ.
(٢) صَوَابُهُ أُولِي الْأَلْبَابِ
(٣) قَاطِعُ الطَّرِيقِ إِنِ اسْتَحَلَّ فِعْلَهُ فَلَيْسَ بِمُؤْمِنٍ مُطْلَقَ الْإِيمَانِ وَهَذَا تَحْتَ الْخِزْيِ وَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَحِلَّ قَطْعَ الطَّرِيقِ فَمَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ وَمُطْلَقُهُ لَا كَمَالُ الْإِيمَانِ الْوَاجِبِ، وَهُوَ الَّذِي تُصِيبُهُ الْمَشِيئَةُ فَقَدْ يَدْخُلُ النَّارَ لَكِنَّهُ لَا يُخَلَّدُ فِيهَا.
1 / 42