141

أجابت: «ليس بسببك يا جيمي، ولا بسبب أي شخص آخر هنا، في الواقع. الحقيقة هي أنه معجب بي بشدة ... إعجاب شديد الوضوح حقا، لدرجة أنه يكره أن أبتعد عن ناظريه.»

ضحكوا جميعا بصخب. ثم مال والتر كريس الصحفي إلى الأمام، وكان رجلا ذا وجه طويل ونحيف، أصابعه مبقعة باللون الأصفر، وعظام وجنتيه بارزة. اختلس النظر في أرجاء الغرفة قبل أن يتكلم، وبدا صوته وكأنه همس أجش.

قال: «في الواقع، يبدو لي أن بريتشارد يزداد خطورة. وعلى أي حال، ليس حوله أي من رجاله في هذا البلد.»

ساد الصمت التام عدة ثوان. ثم أومأ العجوز الضئيل برأسه متجهما.

وقال معترفا: «لقد سئمت أنا نفسي من بريتشارد بعض الشيء، وهو بالتأكيد يعرف الكثير. يحمل في رأسه الكثير لدرجة تعرضه للخطر.»

لمعت عينا إليزابيث.

وقالت: «إنه يعاملنا مثل الأطفال. لقد أخبر الليلة كل أموري لشخص غريب تماما. إنه أمر لا يطاق!»

بعد مدة وجيزة انفض السامر. ولم يبق سوى والتر كريس والرجل الذي يدعى جيمي بوست يتحدثان، وانسحبا إلى مقعد بجوار النافذة، وهما يتهامسان.

غادر تافرنيك الفندق، ويداه مدفوعتان بعمق في جيوب معطفه، وسار على طول شارع ستراند. استولت عليه بعض الخيالات قبل أن يقطع مسافة كبيرة، واستدار فجأة إلى اليسار ونزل إلى طريق إمبانكمنت. شق طريقه إلى المقعد نفسه الذي جلس عليه مرة مع بياتريس. وجلس طاويا ذراعيه في هذا الركن، ناظرا عبر النهر، إلى الخط المنحني للأضواء، إلى المياه السوداء المتدفقة، وهيكل المركب الذي يتحرك ببطء في طريقه. كان شيئا جديدا عليه، أن يتهم نفسه بالحماقة والضعف. خلال الأيام القليلة الماضية، كان يتحرك في ضباب من عدم اليقين، مضطربا لدرجة تمنعه من التفكير السليم، متجنبا أي مسألة مهمة. والليلة لم يعد بإمكانه الهروب من تلك الأفكار المتهمة، الليلة كان يشعر بالمرارة من نفسه أكثر من أي وقت مضى. يا لها من حماقة تلك التي اعترت حياته فجأة ... حماقة هائلة، لا يمكن تصورها، غير متوقعة وكأنها سقطت كصاعقة من السماء! ما الذي حدث وغيره بهذه الدرجة!

عاد بأفكاره إلى الفندق. هناك بدأ كل شيء. قبل تلك الليلة فوق السطح، بدا له أن العلامات التي أقامها بعناية وتدقيق على طول الطريق المؤدي إلى هدفه المنشود، كانت تشير بطريقة مباشرة وثابتة نحو كل شيء في الحياة جدير بالاهتمام. أما الليلة فكانت مجرد أوهام كئيبة، تشير إلى الزمن عبر سهل بائس. ربما، رغم كل شيء، كان هناك شيء في طبيعته، شيء متمرد، شيء غير مقبول على الإطلاق، ولد لأول مرة من هذا الفضول المشئوم الذي مني به. لقد قفز فجأة، وبرز دون أن يلاحظه أحد في حياته الشاقة الصارمة. ومع ذلك، ما المكانة التي يحتلها هناك؟ يجب أن يحاربه، ويجتثه من جذوره بكلتا يديه. ماذا يعني هذا النمط من عالم المؤامرات، هذا العالم الإجرامي البغيض، بالنسبة إليه؟ منعه حسه السليم تماما من فصل إليزابيث عن أصدقائها ومحيطها. لقد كانت سر الألم الذي كان يمزق نياط قلبه، وسر كل الإثارة والفرح والعاطفة التي اجتاحت طريق حياته الهادئ مثل طوفان جارف، وجعلته ينجرف بين البحار المجهولة. ومع ذلك، كانت بياتريس هي التي جلبت عليه كل هذا. إذا لم تكن قد غادرت قط، إذا لم يتذوق أهوال هذه الوحدة الجديدة، فربما كان سيتمكن من الاستمرار في المقاومة. لقد اشتاق لها، غمره شوقه إليها. أما الأشياء الأخرى، رغم أنها كانت رائعة، فكانت بطريقة أو بأخرى مثل السراب. لقد ألقي هذا العالم من المشاعر الجديدة مثل شبكة حريرية على كل ما لديه من أفكار، وكل ما لديه من رغبات. كانت بياتريس شخصية ملموسة، مريحة، مبهجة، رقيقة، حقيقية، كانت ملاذه الوحيد الذي يحميه من هذا الجنون. والآن ذهبت، وكان عاجزا عن استعادتها. أدار رأسه، ونظر إلى الطريق الذي قطعه في تلك الليلة وذراعاه تطوقانها. لقد كانت مدينة له بحياتها وذهبت! وبكل لامنطقية الرجال، بدا له وهو يقف متثاقلا على قدميه ويبدأ في العودة إلى المنزل، أنها ردت له الجميل بقدر من الجحود، وأنها قد تركته في اللحظة الوحيدة من حياته التي كان في أمس الحاجة إليها فيها.

Bilinmeyen sayfa