وأصرت وتمسكت عائشة بالرفض، وبكت وهددت بالفرار، ولكن أمها كانت تسوسها بخبرة الزوجة المجربة، وقالت لها: - الشيخ علي رجل عجوز، تتزوجينه وبعد سنة يموت، ويكون لك ميراثه، وبعد ذلك تتزوجين أحسن الشبان في القرية؛ لأن لك الجمال والمال.
وجمعت أمها النساء القريبات والصديقات، فألححن عليها حتى قبلت، وهي تؤمل التخلص بعد سنة أو سنتين؛ لأن الشيخ علي مريض ولن يعيش طويلا.
وتم الزواج، وكانت هي في العشرين وهو فوق الستين، واكتشفت بعد الزواج أنه يحتاج كل يوم إلى لزقة توضع على ظهره قبل النوم، فكانت تدفئها على النار، ثم ينبطح الشيخ علي وتضع عائشة اللزقة على ظهره، ثم تربطها.
وقد أحست بعد أن صارت اللزقة واجبا أن الشيخ علي ليس زوجا، وإنما هو طفل يحتاج إلى العناية كل مساء، وأن إهمال اللزقة قد يكون سببا لموته.
وزاد هذا الإحساس أنه كان طيبا، يذهب إلى السوق الأسبوعية فيشتري لعائشة ولبنتيه الحلوى والأقمشة الزاهية، وكانت هاتان البنتان قد تعلقتا بعائشة كما لو كانت أختهما.
ومضى على الزواج أكثر من سنة وعائشة سعيدة بهذا الطفل الكبير الذي يحتاج إلى اللزقة كل ليلة، وبهاتين البنتين اللتين تعلقتا بها، وكادت أن تنسى محمود.
وذات يوم عم القرية هرج؛ فإن محمود قد عاد بعد أن أمضى الخدمة العسكرية، وسمعت عائشة هذا الخبر، فاعتكفت في غرفتها المظلمة وهي تحس كأن زلزالا يزعزع ثيابها ويبلبل أفكارها، وجعلت تستعيد ذكرياتها عند القناة، وتذكر وعدها لمحمود بأنها ستنتظره حتى يعود فيتزوجا.
وظن الشيخ علي أنها مريضة، فأرسل إحدى بنتيه لأمها كي تحضر وتؤنسها، وجاءت أمها فباحت لها عائشة بكل شيء؛ بحبها لمحمود ورغبتها في الطلاق كي تتزوجه.
وارتاعت الأم من هذا الكلام، وأخبرتها بأن أهل القرية لو علموا به لكانت فضيحة لها ولوالديها، وتركتها، وحاولت أن تكتم السر على طريقة النساء، فباحت به فقط لصديقاتها، وباحت الصديقات لكل من كن لا تعرفنه، وبلغ الخبر أخت الشيخ علي التي أسرعت إلى عائشة وجعلت تهدئ منها وترجوها البقاء مع أخيها.
وتسرب الخبر إلى الشيخ علي، ووقع عليه كالصاعقة، ولكن الرجل كان حكيما ورقيقا معا، وكان أيضا يحب عائشة كما لو كانت بنته، فدعا أخته، وبعض الأقارب، ودعا المأذون، وأمام هؤلاء جميعا أعلن الطلاق، وقال: افتحوا لها الباب، ربنا يعمل لها الخير، ربنا يبارك عليها.
Bilinmeyen sayfa