فقال: إن إعجابي بزميلتي، هناء، فني؛ فقد أحلت حبي لها إلى فن، بل إني أحاول أن أجعل حبي لها حبا خالدا لا ينطفئ، بقوة الامتناع؛ أنظر على بعد وأتحدث على بعد، وقد وجدت أن اشتغالي برسمها يساعدني على هذا الموقف منها، ثم لا تنس أنها هي أيضا تشتغل برسمي.
وفهمت من نجيب أنه يحب هناء حبا جنونيا، ولكنه يعتقد أن الحب يفسد وينتهي ويموت إذا أطفئ؛ ولذلك يمكن بالامتناع والبعد أن يعيش هذا الحب، ثم وجد كلاهما أنه عندما يرسم أحدهما الآخر يتجه بكليته إلى استكناه الشخصية التي تستتر خلف الجسم، وينظر من خلال العين إلى ما وراءها، ويحاول أن يفسر المعنى الأزلي في انفراج الشفتين، وأن ينقل إلى المتفرج الدلالة في تطلع الرأس أو انسجام العنق.
وسمعته مرة يقول لهناء وهي ترسمه: «عبرة الرسم وميزته على التصوير الفتوغرافي أن تستخرجي من شخصيتي وأن تبيني ميزات الرجولة التي أمتاز بها؛ فإن الرجال في الظاهر سواء في الرجولة، ولكننا عندما نخترق حجابهم ونتعمق ملامحهم نجد التباين العظيم بينهم: هذا شجاع، وهذا جبان، وهذا حذر متبصر، وهذا طائش أرعن، وهلم جرا. وأنا حين أرسمك لا أبالي أن أنقل نقلا صحيحا عينيك أو أنفك أو صدرك؛ لأن القمرة الفتوغرافية تفعل ذلك، وإنما أنا ألتفت إلى معنى التبصر في عينيك، وإلى معنى الأمومة في ثدييك، وهذا ما يجب أن تفعليه معي أنا؛ ارسمي قلبي وعقلي، ارسمي نفسي».
واستقر نجيب وهناء على هذا الموقف؛ كلاهما ينظر النظرة الفنية إلى الآخر، وفي الوقت نفسه ينأى ويعلو على ما اعتاد الناس من الحب؛ وذلك كي يبقى حبهما حيا مشتعلا لا ينطفئ أبدا.
وبقيا على هذا سنتين، ولم يتم أحدهما رسم الآخر، وكانا يجتمعان كل يوم نحو ساعتين، يترجم كل منهما شخصية الآخر على اللوحة بالريشة والألوان، وهذا مع ما التزمه كل منهما تجاه الآخر من النأي والعلو والاحتجاز.
وقلت: يا نجيب، هذا خطأ، هذا لا يدوم، إنك أزريت بالطبيعة، ورفست الحب بقدمك!
فقال نجيب: ولكنه حب دائم، وبعد سنة أكون أنا وهناء قد تخرجنا، وعندئذ نتغير ونتزوج.
فقلت: ولكن هل من الممكن أن تتغيرا؟
فقال: وهل في هذا شك؟
وكنت لحبي لنجيب أحب أن أصدق ما يقوله، فلما انتهت السنة وهنأته بالنجاح هو وهناء، قلت له: الآن كل شيء قد سار على ما تحبانه، وقد أتممتما الرسمين، فهلم إلى الزواج.
Bilinmeyen sayfa