وقعدنا كلانا صامتين؛ أنا أتأمل الفضاء، وهي تدرس كراستها.
ونظرت إلى حذاءيها، وإلى فستانها، وخطفت نظرة إلى صدرها، وتنهدت، ونظرت هي إلي، كأنها فوجئت بتنهدي، وتنهدت هي الأخرى، ودمنا على ذلك ساعة كانت سحرا ونشوة.
ونهضت هي، ونهضت أنا، ولما خرجت من الحديقة التفتت إلى الخلف فوجدتني على قيد خطوات منها فاختلجت، ووجدت سيارة أجرة فركبتها، وقبل أن تتحرك السيارة نظرت إلي، وأثبتت عينيها في.
وقصدت إلى منزلي وأنا في ذهول من السعادة؛ أؤلف الأحاديث معها، وأتخيل إجابتها، وأحاول أن أصور لنفسي كيف تكون يدها في يدي وأنا أصافحها يدا طرية دافئة!
الحق أن هذه المقابلة قد غيرتني؛ لأني وجدت بعدها قصدا في الحياة، وليس هذا فقط؛ فإني أحسست أيضا في قلبي سرا.
وفي اليوم التالي، وفي الميعاد نفسه، قصدت إلى الحديقة وهرولت إلى مقعدها، فوجدتها قاعدة كما كانت في الأمس، ولم تتمالك أن تبتسم، ولم أتمالك أنا أيضا أن أبتسم، وقلت: صباح الخير.
وأجابت في لعثمة محببة: صباح الخير.
وانفجرت الأشجار والأعشاب والأرض والسماء والهواء غناء، ونهضت وجمعت أربع زهور وعدت بها إليها وقدمتها إليها، وتناولتها، وتشممتها في ابتسام، وناولتني زهرتين منها، ووضعت الاثنتين الأخريين على صدرها.
تأملتها في حب وحنان وسعادة ورعشة؛ كانت مصرية، هل يمكن أن يكون في العالم أجمل من الفتاة المصرية حين تبلغ الثامنة عشرة، ويحيط بها حياء كأنه هالة من الرقة والذوق والشرف؟!
وقلت وأنا أتأملها: عيناك سوداوان.
Bilinmeyen sayfa