إهداء
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الثانية
القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا
1 - مولد أفريقيا المعاصرة
2 - المميزات العامة للقارة
3 - موجز التاريخ الجيولوجي
4 - تضاريس أفريقيا
5 - التصريف النهري
6 - المناخ والأقاليم المناخية
7 - التربة والنبات والأقاليم الطبيعية
8 - السلالة واللغة
9 - السكان والأمراض
10 - أنماط الحياة والاقتصاد في أفريقيا
11 - النقل ومشكلاته في أفريقيا
القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية
مقدمة
1 - دولة المغرب
2 - جمهورية السودان
3 - إثيوبيا
4 - نيجيريا
5 - زائيري
6 - جمهورية جنوب أفريقيا
القسم الثالث: أفريقيا في صور
1 - بداية خاطئة
2 - علامات مميزة في طبيعة القارة
3 - علامات مميزة في حضارة أفريقيا
4 - جوانب من النشاط الاقتصادي
5 - النقل في أفريقيا
6 - المدن والمعمار في أفريقيا
إهداء
مقدمة الطبعة الأولى
مقدمة الطبعة الثانية
القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا
1 - مولد أفريقيا المعاصرة
2 - المميزات العامة للقارة
3 - موجز التاريخ الجيولوجي
4 - تضاريس أفريقيا
5 - التصريف النهري
6 - المناخ والأقاليم المناخية
7 - التربة والنبات والأقاليم الطبيعية
8 - السلالة واللغة
9 - السكان والأمراض
10 - أنماط الحياة والاقتصاد في أفريقيا
11 - النقل ومشكلاته في أفريقيا
القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية
مقدمة
1 - دولة المغرب
2 - جمهورية السودان
3 - إثيوبيا
4 - نيجيريا
5 - زائيري
6 - جمهورية جنوب أفريقيا
القسم الثالث: أفريقيا في صور
1 - بداية خاطئة
2 - علامات مميزة في طبيعة القارة
3 - علامات مميزة في حضارة أفريقيا
4 - جوانب من النشاط الاقتصادي
5 - النقل في أفريقيا
6 - المدن والمعمار في أفريقيا
أفريقيا
أفريقيا
دراسة لمقومات القارة
تأليف
محمد رياض وكوثر عبد الرسول
إهداء
إلى ذكرى محمد عوض محمد رائد الدراسات الأفريقية.
مقدمة الطبعة الأولى
في أعماق الماضي الجيولوجي السحيق كانت أفريقيا تكون قلب العالم؛ ففي إحدى نظريات التطور الجيولوجي لسطح الأرض كان العالم يتكون من قارة واحدة أو قارتين تحتل المركز في أكبرهما قارة أفريقيا، وتفتتت الكتلة القارية الكبيرة لتكون قارات العالم المعاصرة.
وفي أعماق ماضي الإنسان منذ نشأته وحتى تطوره إلى السلالات الحالية تقول نظريات إنتروبولوجية إن أفريقيا أو على الأقل شرق القارة أو شمالها، كانت أحد مراكز إن لم يكن المركز الأساسي لنشأة وانتشار سلالات الإنسان العاقل.
ويمر التاريخ سريعا وتنزوي أفريقيا وتصبح شيئا فشيئا على هامش قلب العالم الحضاري إلا من أطرافها الشمالية، ويسود الانعزال تدريجيا ومعه تركد حياة أفريقيا وتصبح أجزاؤها الرئيسية عالما مظلما يلفه الغموض وتسوده البدائية، ورويدا رويدا ومع اتساع الآفاق العالمية والأطماح الأوروبية تنكشف الأستار عن أفريقيا، ثم تنجذب بشدة إلى عالم اليوم، فتتأثر بما يدور حولها من أحداث، وتنفض عنها غبار تأخر الأمس. واليوم لم تعد أفريقيا تستقبل أحداث العالم فحسب، بل أصبحت من أهم مراكز الأحداث؛ لما يدور في أعماقها من حالات متضاربة من الغليان والفوران والفوضى والاضطراب والرغبة في التماسك والتيارات السياسية العاتية.
إن صراع أفريقيا اليوم - ليس من أجل التحرر فقط، بل ومن أجل نشوء الكينونة الأفريقية - قد جذب إليه العالم والكتل السياسية المتصارعة بدلا من انجذاب أفريقيا إلى تلك الأحداث.
هذه القارة رغم أنها كانت قلب العالم، وربما موطن الإنسان العاقل في الماضي، ورغم أنها استرخت في إغفاءة طويلة، قد عادت إلى عالم اليوم قارة جديدة كل الجدة. إنها ليست الشرق وليست الغرب، ولكنها تقف على باب كل منهما وتمسك بيدها وبموقعها زمام الطرق بين المحيط الهندي والمحيط الأطلنطلي، بين آسيا وأوروبا وأمريكا وأستراليا؛ على السفن أن تخترق مياهها، وعلى الطائرات أن تحلق في أجوائها، ويمكن للقذائف الصاروخية أن تنطلق منها في جميع الاتجاهات لتصيب أهدافها المقصودة في دول الكتل الشيوعية والغربية على السواء، وفضلا عن استراتيجية الموقع الأفريقي فهناك ما فيها من ثروة معدنية وزراعية، تجعل من القارة أمل العالم في إنقاذه من الجوع.
لقد عادت أفريقيا للعالم، هذه الحقيقة إن لم تكن قد استوعبتها عقولنا اليوم، فهي على الأقل قد أصبحت على هامش الوعي العالمي، وفي المستقبل القريب سوف تسطع فجأة كما تسطع الشمس في كبد السماء.
ودراستنا لأفريقيا - رغم ما لها من طابع أكاديمي وعملي - ما هي إلا محاولة لفهم حقيقة أفريقيا الجديدة ومركزها العالمي.
المؤلفان
بيروت في يوليو 1966
مقدمة الطبعة الثانية
مرت سبع سنوات منذ ظهور الطبعة الأولى، وفي خلال تلك الفترة حدثت تطورات وتغيرات كثيرة في القارة الأفريقية؛ لأنها تتكون من مجموعة من الدول الحديثة في شتى مجالات الحياة السياسية والسكانية والاقتصادية، ومن الصعب تقسيم كل ما يجد في القارة؛ إذ إن الأمر يستلزم فترة زمنية طويلة نسبيا لكي تستقر الأحوال العامة والخاصة في الدول حول معدلات معينة في مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والنمو السكاني؛ ولذلك فإن غالبية ما تغير من الأرقام بالقياس إلى الطبعة الأولى يجب أن يؤخذ على أنه مجرد مؤشر في طريق التغير نحو الاستقرار. ونود أن يأخذ القارئ في الاعتبار بعض التغيرات الأساسية في المجال السياسي والإداري على النحو التالي: (1)
حصلت محمية بتشوانالاند على استقلالها من بريطانيا في سبتمبر (أيلول) 1966، وتغير اسمها إلى دولة بوتسوانا، وقد بنيت عاصمة جديدة للدولة باسم «جابرونيز»، ويتسم موقف دولة بوتسوانا بحساسية وحرج شديدين في حياتها السياسية والاقتصادية؛ لوقوعها جغرافيا بين دولتين عنصريتين تحكمهما أقلية أوروبية هما: جنوب أفريقيا التي تحف ببوتسوانا من الشرق والجنوب والغرب، وروديسيا - زمبابوي كما تسميها الحركة الوطنية الأفريقية - من الشمال الشرقي. ونظام الحكم في بوتسوانا جمهوري برلماني. (2)
حصلت سوازيلاند على استقلالها من بريطانيا أيضا في سبتمبر 1966، واحتفظت باسمها، وعاصمتها «مباباني»، ونظامها الملكي - الدستوري. (3)
حصلت محمية باسوتو على استقلالها من بريطانيا في أكتوبر (تشرين أول) 1966، وأعلنت دولة مستقلة باسم «ليسوتو» تسير على نظام ملكي دستوري. العاصمة «ماسيرو». وضعها الجغرافي كجزيرة وسط جمهورية جنوب أفريقيا يجعلها في موقف أشد حرجا من بوتسوانا، كما أن 12٪ من سكانها يعملون في جنوب أفريقيا التي تمثل مجال العمل بالنسبة لسكان ليسوتو المتزايدين، ومساحتها الصغيرة ومواردها الطبيعية المحدودة. (4)
جزر موريشس (800كم شرقي مدغشقر) حصلت على استقلالها من بريطانيا في مارس (آذار) 1968، وأصبحت دولة برلمانية عاصمتها بورت لويس. (5)
بعد انقلابين في نيجيريا - الأول في يناير (كانون ثان) 1965 بقيادة الجنرال إيرونزي (من قبائل الإيبو)، والثاني في يوليو (تموز) 1966 بقيادة الجنرال يعقوب جوون، الرئيس الحالي - أعلن الإيبو في 1967 انفصالهم بالإقليم الشرقي عن نيجيريا بزعامة الكولونيل أوجوكو. وبعد حرب استمرت ثلاث سنوات شابها الكثير من تداخل القوى الأوروبية والأفريقية سقطت بيافرا، وفي أبريل 1968 أعيد تقسيم نيجيريا من أربعة أقسام (الشمال - الشرق - الغرب - لاجوس) إلى اثني عشر ولاية جديدة هي:
في الشمال :
الشمال الشرقي - كانو - الشمال الأوسط - الشمال الغربي.
في الوسط:
بنوي والهضبة - كوارا.
في الجنوب:
الجنوب الشرقي - الأنهار - وسط الشرق - الغرب الأوسط - الغرب - لاجوس.
وتأتلف هذه الولايات جميعا في حكومة نيجيريا الفدرالية، ومقرها لاجوس. (6)
في أكتوبر (تشرين أول) 1968 تكونت دولة «غينيا الاستوائية» من المستعمرات الإسبانية في وسط القارة، وهي ريو موني وجزر إلوبي وكوريسكو القريبة من الساحل وجزيرتي فرندوپو وأنوبون الواقعتين في خليج بيافرا. وقد ظلت هذه الأراضي والجزر مستعمرات إسبانية منذ عام 1778، وعاصمة الدولة الجديدة «باتا» في ريوموني، ونظام الحكم رئاسي جمهوري مع بعض أشكال الحكم الذاتي لجزيرتي فرناندوپو وأنوبون. (7)
تغير اسم جمهورية الكنغو كنشاسا إلى جمهورية زائيري
Zaire
منذ أوائل العام الماضي 1972، وقبل ذلك تغيرت أسماء عدة مدن رئيسية على النحو التالي:
الاسم القديم:
إليزابت فيل - ستانلي فيل - كوكلهاتفيل - لولوا بورج - بورت فرانكي.
الاسم الجديد:
لوبومباشي - كيزانجاني - مبانداكا - كاننجا - إيليبو. كما تغيرت الأقسام الإدارية إلى تسع محافظات هي:
المحافظة
العاصمة
كنشاسا
كنشاسا
باندوندو
كيكويت
كيفو
بوكافو
كاتنجا
لوبومباشي
الاستوائية
مبانداكا
الكونغو الغربي
متادي
كاساي الغربية
كاننجا
كاساي الشرقية
مبوجي-ماي
الشرقية
كيزانجاني
المؤلفان
بيروت في سبتمبر (أيلول) 1973
القسم الأول
الدراسة العامة لأفريقيا
الفصل الأول
مولد أفريقيا المعاصرة
(1) كشف القارة
أفريقيا جزء لا يتجزأ من قارات العالم القديم، إلا أن كشفها كشفا علميا تأخر كثيرا حتى أوائل هذا القرن، ولكن هل ظلت شعوبها قابعة في أوطانها لا تحاول استجلاء البقاع المجاورة لها من أرض أفريقيا؟ هل ظلت الدول التي نشأت في القارة قانعة داخل حدودها دون محاولة استجلاء تخومها وما وراء هذه التخوم؟
إننا نعرف أن الدول حينما تنشأ وتثبت قواعدها تبدأ داخلها حوافز توسعية وتجارية، تؤدي بهذه الدول إلى إرسال البعثات التجارية والعسكرية إلى أصقاع مجهولة تبدأ من حدودها البرية والبحرية. هكذا كانت أحوال دول المدينة اليونانية وأحوال دولة روما في العصور القديمة، وأحوال فرنسا وإنجلترا وروسيا وغير ذلك في العصور الحديثة.
والقاعدة نفسها تنطبق تماما على دول أفريقيا في حقبها التاريخية المختلفة، وأطول تاريخ معروف لدولة أفريقية هو تاريخ الدولة المصرية، الذي يمتد بضعة آلاف من السنين قبل المسيح. هنا عدة وثائق تاريخية تثبت أعمال الكشوف الجغرافية والبعثات التجارية والحملات العسكرية المصرية في مناطق عديدة من أفريقيا، وبعض أماكن التوسع العسكري والتجاري الفرعوني معروفة، أهمها: ليبيا والنوبة وساحل البحر المتوسط الشرقي وجزر هذا البحر، ولكن بعضها ما زال يكون مشكلة؛ هناك أسماء غير محدودة الموقع حسب معلوماتنا الجغرافية الراهنة، ومن أهم هذه الأسماء «يام» و«بنت». «يام» هي تلك البلاد التي نشط أمراء أسوان في أعمال كشفها وتجارتها، فهل يستفاد من ذلك على أنها تقع في منطقة ما في السودان الأوسط والجنوبي؟ ويدعم هذا الاستنتاج أن سكان «يام» أو بعضهم على الأقل كانوا من الأقزام.
1
أما بلاد «بنت» فقد كان المصريون يصلونها بطريق البحر الأحمر، ولذلك تراوحت الآراء حول تحديد «بنت» بين القرن الأفريقي وجنوب الجزيرة العربية وشرق أفريقيا.
ويضاف إلى معرفة المصريين بمعظم حوض النيل وشمال شرق أفريقيا، أنهم قد نظموا رحلة حول أفريقيا في عهد «نخاو» في حوالي 600ق.م نجحت في الدوران حول القارة، ابتداء من البحر الأحمر، وعادت عبر مضيق جبل طارق.
وفي خلال الحكم البطلمي والروماني لمصر كانت هناك بعثات كشفية مستمرة في اتجاه الجنوب لمحاولة الوصول إلى منابع النيل وجبال القمر وبلاد الذهب. وفي خلال العهود العربية في مصر كانت العلاقات المصرية مع الجنوب تشتد إلى أن تم تعريب السودان، وفي بداية حكم محمد علي وفي عهد إسماعيل كانت الكشوف المصرية في اتجاه الجنوب مستمرة، وأدت إلى نشوء دولة كبيرة في حوض النيل تقلصت بسرعة لسببين: الأول عدم استطاعة مصر بمواردها المحدودة أن تنافس التوسع الاستعماري الأوروبي عامة والإنجليزي خاصة في أفريقيا، والثاني وقوع مصر نفسها داخل نفوذ الإمبراطورية الإنجليزية في أواخر القرن الماضي.
أما الدول الأخرى التي نشأت في أفريقيا، فمعلوماتنا عنها ناقصة إلى أكبر الحدود، ولكننا نعرف أن معظمها يشترك في صفة تكاد أن تميز تلك الدول، تلك الصفة هي التجارة؛ فهذه الدول سواء تلك التي قامت على الشواطئ الشمالية (قرطاجة ) أو التي قامت في نطاق السفانا السودانية (غانا - مالي - سنغاي - الفنج)، قد قامت فعلا على أساس أنها مراكز تجارية تتحكم في تجارة السلع الأفريقية الاستوائية والمدارية إلى أفريقيا الشمالية (دول السفانا).
والنشاط التجاري لا بد وأن يؤدي إلى معرفة الكثير من الأقاليم المحيطة بهذه الدول، وعلى هذا الأساس عرفت مسالك ودروب الصحراء التي تصل عالم البحر المتوسط بعالم أفريقيا المدارية، وعلى هذا الأساس أيضا تسرب نفوذ دول نطاق السفانا إلى نطاق الغابات الاستوائية، وعلى الأخص في غرب أفريقيا وشرقها. ولا جدال في أن الكثير من معلومات هذه الدول قد سجل في كتب لم يصلنا منها سوى بعضها، والبعض نقلت عنه كتب أحدث. ولا تزال هناك مخطوطات عديدة متناثرة هنا وهناك لم تنشر أو لم تعرف بعد أو ضاعت تماما، ومن الأمثلة على ذلك المقتطفات التي وردت في بعض الكتب العربية عن كتاب ابن سليم الأسواني، ومن المؤكد أن مكتبة جامع زانكورة
2
في تمبكتو - التي نهبت في عصور الضعف - كانت تحتوي إلى جانب كتب الدين والعقيدة على مؤلفات عديدة تضم أخبارا تصف البلاد المجاورة.
وفضلا عن ذلك، فلقد أسهم الجغرافيون العرب بقسط وافر في الكتابة عن أجزاء عديدة من أفريقيا حتى موزمبيق، ونذكر من بين الكتاب العرب المشهورين: الإدريسي، والمسعودي، وابن بطوطة، وليون الأفريقي.
وانتقلت معلومات العرب ومدوناتهم عن أفريقيا إلى البرتغاليين والإسبان في خلال القرن الخامس عشر، ومنذ ذلك التاريخ بدأت الكشوف الحديثة لأفريقيا بواسطة البرتغالي هنري الملاح الذي أرسل سفنه عام 1416 إلى سواحل ريودورو. وفي عام 1488 وصل بارتلوميو دياز إلى رأس الرجاء الصالح، وبذلك عرف طريق الهند، وفي خلال القرنين السادس والسابع عشر لم يعد أحد ينتبه إلى كشف داخلية أفريقيا؛ لأن سواحلها لم تمثل إلا محطات بحرية للسفن المتجهة إلى الهند، وفي القرنين السابع والثامن عشر أنشأت أوروبا وعلى رأسها البرتغال وبريطانيا وفرنسا محطات على ساحل غرب أفريقيا، من غانا إلى أنجولا، بقصد تجميع الأفريقيين وشحنهم رقيقا إلى أمريكا.
ومنذ الربع الأول من القرن التاسع عشر بدأت حركات إلغاء الرق ، وبدأت أنظار الدول الإمبريالية تتجه إلى تقسيم أفريقيا بعد أن تقاسمت معظم العالم، وبدأ الكشافون الأوروبيون يفدون إلى أفريقيا بأعداد قليلة زادت في منتصف القرن التاسع عشر، ثم أصبحت عملية منظمة بعد أن دخلت الدول الأوروبية بكل ثقلها في الميدان الأفريقي، وخاصة بعد مؤتمر برلين 1884-1885.
وهناك حقيقة يجب أن نعرفها، تلك هي أن تأسيس «الجمعية الأفريقية
African Association » في لندن عام 1788، كان له فضل كبير في تنظيم عمليات الكشف الجغرافي لأفريقيا، من حيث تخطيط وتمويل كثير من الكشافين من الألمان والإنجليز وغيرهم.
وحسب معلوماتنا الراهنة يمكن أن نذكر أسماء وتواريخ قليلة للمجهودات التي حدثت فيما قبل القرن الثامن عشر من أجل كشف أفريقيا:
1480 قبل الميلاد
بعثة الملكة حتشبسوت إلى بلاد بنت.
600ق.م
بعثة الملك نخاو للدوران حول أفريقيا.
470ق.م
رحلة الملاح القرطاجي هانو
Hanno
في ساحل غرب أفريقيا، ووصوله إلى رأس بالماس (جنوب ليبريا) أو ساحل الكمرون.
450ق.م
رحلة المؤرخ الإغريقي هيرودوت إلى مصر وقرطاجة.
22ق.م
بترونيوس الروماني يصل إلى نباتا عاصمة كوش (النوبة).
54م و68م
الإمبراطور نيرون يرسل بعثتين لكشف منابع النيل، ولكنهما يرجعان إلى الشمال بعد وصولهما غالبا إلى منطقة السدود.
947م
الرحالة العربي المسعودي يزور مصر وشمال أفريقيا وشرق أفريقيا حتى مدغشقر (؟)
1150م
الجغرافي العربي الإدريسي يرتحل في مراكش والسودان.
1325م
ابن بطوطة في مصر والساحل الشرقي لأفريقيا.
1342م
ابن بطوطة يرتحل في الصحراء الكبرى إلى السنغال وتمبكتو.
1416م
بعثات هنري الملاح على طول ساحل أفريقيا الغربي إلى ريودورو.
1441م
البرتغاليون يكتشفون الرأس الأبيض (جنوب ريودورو).
1469م
فرناو دو بو
Fernâo do Pôo
يكتشف جزيرة فرناندو بو.
1482م
دييجو كاو
Diego Cao
يكتشف في رحلته الأولى مصب الكنغو.
1488م
بارتلميو دياز
Bartholomeu Diaz
يكتشف خلال عاصفة بحرية أنه يدور حول أفريقيا بعد اجتيازه رأس العواصف (حاليا رأس الرجاء الصالح) ويضطر للعودة إلى البرتغال بعد تمرد البحارة.
1497م
فاسكو دا جاما
Vasco da Gama
يدور حوله أفريقيا في يوم 22 / 11 / 1497، ويرسو على ساحل ناتال في 25 / 12 / 1497.
1498م
فاسكو دا جاما يصل خليج دلاجوا في 10 يناير، وميناء مالندي في 24 أبريل، ومنها يبحر (بواسطة المعرفة البحرية العربية) إلى كاليكوت في الهند فيصلها في 20 مايو من السنة نفسها، ويعود إلى مالندي في 7 يناير 1499، ورأس الرجاء الصالح في 20 فبراير.
1506م
فرناو سواريز
Soarez
وزميله دابرو
Gomez d’Abreu
يكتشفان مدغشقر.
1506م
شبرنجر
B. Springer
يصل إلى خليج موسل (في إقليم الكاب) ويكتب أول وصف بالألمانية عن قبيلة الهوتنتوت.
1515م
ليون الأفريقي
Leo Africanus
يرتحل فيما بين مراكش وثنية النيجر وتمبكتو.
1520-1526م
المبشر الفاريز
F. Alvarez
يرتحل من مصوع إلى دبرا ليبانوس (الحبشة).
1627م
الفرنسيون يحتلون مصب السنغال.
1652م
يان فان ريبك
Jan Van Riebeeck
يحتل منطقة خليج تيبول (مدينة الكاب الحالية).
1655م
فنتر فوجل
J. Wintervogel
يتوغل شمال كيبتاون ويتصل لأول مرة بقبيلة البشمن.
1698م
برنسيه
Ch. Poncet
يتجه من مصر جنوبا إلى جندار ومصوع.
أما في القرن الثامن عشر والتاسع عشر، فقد زاد عدد الكشافين في أفريقيا، بحيث يستدعي الأمر تقسيم الكشافين حسب المناطق التي ارتادوها في أفريقيا، وقبل أن نبدأ في سرد أهم هؤلاء الكشافين علينا أن نلاحظ من الكشوف السابقة على القرن الثامن عشر ما يلي: (1)
إن الرحالة الذين ارتادوا أجزاء من داخلية أفريقيا هم من العرب (المسعودي - الإدريسي - ابن بطوطة - ليون الأفريقي) وإن الأوروبيين من الرومان إلى القرن السابع عشر لم يتوغلوا بعيدا عن السواحل إلا في منطقة واحدة هي حوض النيل (رحلات الرومان إلى النوبة ومنطقة السدود - الفاريز وبونسيه وغيرهما في هضبة الحبشة) والسبب في ذلك راجع إلى أن منطقة حوض النيل كانت معروفة فعلا للمصريين في كل عهود التاريخ، واتجاه الرومان من مصر جنوبا كان بدافع الرغبة للوصول إلى مناجم الذهب في بلاد النوبة، كما أن اتجاه البرتغاليين إلى الحبشة كان بدافع الوصول إلى مملكة القديس جون المسيحية، ومحاولة من جانب البرتغال تطويق العالم الإسلامي من الجنوب، ولكن هذه الدعوة لم تنطل على حكام الحبشة، بدليل أنهم قيدوا تحركات المبشرين والكشافين البرتغاليين داخل الحبشة، ولم يسمحوا لبعضهم بالخروج ثانية، ربما لثبوت تهمة التجسس عليهم. (2)
اقتصر نشاط الأوروبيين على استجلاء معالم السواحل الأفريقية فقط، من أجل الوصول إلى طريق الهند الملاحي، وبذلك لم تكن داخلية القارة تعنيهم على الإطلاق، ولكن أطماع أوروبا في أفريقيا قد بدأت تتحرك في القرن الثامن عشر واستشرت في التاسع عشر، وبذلك أخذت الرحلات الكشفية الأوروبية تتزايد في داخل القارة. وفيما يلي أهم الكشافين حسب مناطق القارة المختلفة:
جدول 1-1: منطقة النيل وشرق أفريقيا.
1769-1772
رحلة جيمس بروس
J. Bruce
من مصوع إلى جندار، وكشف بحيرة تانا، ثم يعود عن طريق مصر.
1793-1796
رحلة
W. G. Browne
إلى دارفور.
1812-1814
رحلة يوهان لودفيج بركهارت
J. L. Burckhardt
للنوبة.
1821-1822
كايو
F. Cailliaud
ولتورزك
Letorzec
يصلان إلى التقاء النيلين الأبيض والأزرق (موقع الخرطوم الحالية).
1824
إدوارد روبل
E. Ruppell
يصل من دارفور إلى كردفان.
1827
لينان دي بلفون
L. deBellefonds
يبحر في النيل الأبيض حتى درجة العرض 13,30°.
1831-1833
إدوارد روبل يرتاد داخلية الحبشة من جندار إلى بحيرة تانا عبر البطانة إلى النيل الأزرق.
1841
فيرن
Werne
ودارنو
d’Arnaud
يبحران في النيل الأبيض وبحر الجبل حتى درجة العرض 4,42°.
1848
كرابف
Krapf
وربمان
Rebmann
يكتشفان جبل كليمانجارو، وفي 1849 يرى كرايف جبل كينيا من بعيد.
1854
برتون
R. F. Burton
يصل هرر من زيلع.
1857-1859
برتون وسبيك
Speke
يرحلان من زنجبار، ويصلان أوجيجي على بحيرة تنجانيقا في فبراير 1858. سبيك يرحل بمفرده شمالا، ويكتشف السواحل الجنوبية لبحيرة فكتوريا في 3 / 8 / 1858، ثم يعودان إلى الساحل الشرقي في فبراير 1859.
1860-1863
سبيك وجرانت
Grant
يرحلان من باجاموجو (على الساحل الشرقي مقابل زنجبار) إلى بحيرة فكتوريا وبحذاء ساحلها الغربي والشمالي. سبيك يكتشف مخرج النيل ويتتبعه شمالا ويلتقي بجرانيت في غندو كرو.
1864
صمويل بيكر
S. W. Baker
يكتشف بحيرة ألبرت ومساقط مرشيزون.
1869-1871
جيورج شفاينفورت
G. Schweinfurth
يبدأ من الخرطوم إلى بحر الغزال، ويكتشف المانجبتو والأقزام لأول مرة في التاريخ.
1875
ستانلي
H. Stanley
يدور في قارب حول سواحل بحيرة فكتوريا لمدة 57 يوما، ويكتشف جبال رونزوري وبحيرة السنة نفسها.
جدول 1-2: الصحراء وإقليم السودان.
1822-1825
كلابرتون
Clapperton ، ودنهام
Denham ، ودأيني
Oudney
يبدءون من طرابلس إلى مرزوق، ثم برنو وكوكا وبحيرة تشاد واكتشاف نهر شاري (دنهام ودأيني) وكلابرتون يزور سوكوتو ويصل إلى النيجر ويعود الثلاثة إلى طرابلس.
1825-1826
لاينج
Laing
يبدأ من طرابلس إلى غدامس، وعين صلاح إلى تمبكتو.
1825-1827
كلابرتون ورتشارد لاندر
R. Lander
يبدأان من لاجوس عبر بلاد اليوربا إلى النيجر، ثم سوكوتو.
1850-1855
هاينرخ بارت
H. Barth
وأوفرفيج
A. Overweg
وريتشاردسن
J. Richardson
يبدءون من طرابلس إلى مرزوق - غات - أغادس - كاتسنا - كنو - كوكا. من هناك بدأ أوفرفيج يكتشف منطقة تشاد وارتحل بارت إلى منطقة أدماوا (1851)، واكتشف نهر البنوي، ثم اكتشف مع أوفرفيج بلاد كانم. وفي 1852 رحل بارت من كوكا إلى باجرمي، وفي 1853 رحل إلى كنو وكاتسنا وسوكوتو إلى ثنية النيجر وتمبكتو، وعاد إلى كوكا عام 1854 حيث التقى بالرحالة فوجل. وفي 1855 ترك كوكا عائدا إلى طرابلس.
1851-1856
إدوارد فوجل
E. Vogel
يبدأ من طرابلس إلى كوكا، ويقيم مع سلطان برنو حتى 1856، فيرحل إلى واداي ويقتل هناك.
1863-1867
جرهارد رولفس
G. Rohlfs
يبدأ من مراكش إلى واحة تافيللت، ثم واحة توات وغدامس إلى طرابلس، وفي 1865 يبدأ من طرابلس إلى غدامس وواحة كاوار إلى كوكا وبحيرة تشاد، ثم هضبة جوس ونهر البنوي حتى التقائه مع النيجر عبر إيللورين وبلاد اليوربا إلى إيبدان ولاجوس، وبذلك فهو أول أوروبي يصل واحة توات، وأول أوروبي يعبر الصحراء وإقليم السودان ويصل من البحر المتوسط إلى ساحل غانا.
1862-1869
رولفس يدخل واحة أوجلة، ومنها إلى واحتي جالو وسيوة.
1869-1874
ناختيجال
G. Nachtigal
يبدأ من طرابلس إلى مرزوق، ثم جبال تبستي ويعود إلى مرزوق 1870، ثم يتجه إلى كوكا ويصلها 1871، ويرتحل في بلاد البرنو وكانم، وفي 1872 يزور الباجرمي، وفي 1873 يتجه إلى واداي ودارفور وكردفان، وينتهي إلى الخرطوم 1874.
1879
رولفس يكتشف واحة الكفرة.
1879-1880
لنز
Lenz
يبدأ من طنجة عبر الأطلس الغربية إلى واحة تندوف وواحة تاوديني إلى تمبكتو، ثم غربا إلى السنغال.
1898-1900
فورو
Foureau
ولامي
Lamy
يبدأان من واحة بسكرة إلى ورجلة وهضبة آير إلى بحيرة تشاد (توفي لامي هناك) فورو يستمر مع نهر شاري صاعدا، ويصل إلى الأوبنجي ثم ينحدر مع الكنغو حتى المصب.
1908
جين تيلهو
Tilho
يكتشف المنطقة من تشاد حتى منخفض بودليه.
1912-1917
تيلهو يزور بركو، ويرحل إلى تبستي وإردي وإندي وواداي ودارفور.
1923
أحمد حسنين يكتشف واحة أركنو والعوينات.
1924-1926
كمال الدين حسين بالسيارات يجوب الصحراء الليبية الوسطي والجنوبية، ويكتشف واحة مرجا (فزان).
جدول 1-3: غرب ووسط أفريقيا.
1795-1797
مونجو بارك
Mungo Park
يقوم بأول رحلة له من نهر الجامبيا إلى نهر النيجر عند مدينة سيجو، ويعود بالطريق نفسه ومؤكدا بذلك انفصال النهرين عن بعضهما.
1805-1806
رحلة مونجو بارك الثانية من جزيرة جوري (دكار) عبر سنجامبيا إلى النيجر (عند باماكو) وسار مع النهر في اتجاه المصب، والراجح أنه غرق في النهر قرب بوسا عام 1806.
1827-1828
رينه كاييه
R. Caillié
يبدأ من ساحل سيراليون إلى هضبة فوتا جالون، ثم تمبكتو، ثم عبر الصحراء إلى طنجة.
1849-1856
أولى رحلات ديفيد لفنجستون
D. Livingstone
في داخل أفريقيا، اكتشف بحيرة نجامي في 1 / 8 / 1849، وفي 1851 وصل إلى الزمبيزي الأعلى ومنه إلى أعالى نهر كساي، ثم عاد إلى لواندا في 1854، ومن هناك اتجه إلى الساحل الشرقي واكتشف في نوفمبر 1855 مساقط فكتوريا على الزمبيزي، ثم إلى كيليمان في موزمبيق.
1856-1865
دي شايو
du Chaillu
يكتشف نهر أوجوي في جابون ويدرس الغوريلا والأقزام.
1859-1864
لفنجستون يصعد الزمبيزي في سفينة ويكتشف نهر شيري وبحيرة نياسا، ويقوم بارتياد منطقة جنوب وغرب البحيرة ومنطقة نهر روفوما.
1866-1873
لفنجستون يبدأ من زنجبار إلى نهر روفوما ثم بحيرة نياسا، ثم الساحل الجنوبي لبحيرة تنجانيقا (1867)، ثم بحيرة مويرو ونهر لوابولا (أعالي الكنغو) وفي 1868 اكتشف بحيرة بنجويلو، في 1869 عاد إلى أوجيجي على بحيرة تنجانيقا، ثم عبر البحيرة، واكتشف عام 1871 نهر لوالابا (الكنغو الأعلى) وعاد في نفس السنة إلى أوجيجي حيث قابل ستانلي في أكتوبر، وفي مارس 1872 عاد ستانلي إلى الساحل الشرقي ورحل لفنجستون إلى بحيرة بنجويلو حيث مات في 1 / 5 / 1873.
1873-1875
كاميرون
Verney L. Cameron
يبدأ رحلة البحث عن لفنجستون من باجاموجو في شرق أفريقيا، التقى بمعاوني لفنجستون في شهر أغسطس حيث حملوا نبأ وفاته إلى الساحل. يواصل كاميرون رحلته إلى بحيرة تنجانيقا ويكتشف نهر لوكوجا، ويخترق الكنغو ويصل إلى بنجويلا في 1875، وبذلك يكون أول من اخترق أفريقيا من الشرق إلى الغرب.
1874-1877
ستانلي يبدأ من باجاموجو رحلته إلى داخل أفريقيا، يصل فكتوريا 1875 ويدور حول سواحلها في سفينة، ثم يكتشف جبل رونزوري وبحيرة إدوارد، ومن 1851 يدور حول سواحل بحيرة تنجانيقا كلها (51 يوما) ثم يستمر غربا إلى نهر الكنغو ويسير إلى المصب في بعثة مكونة من 18 قاربا ويصل المصب.
1875-1876
بول بوجي
يكتشف مملكة اللوندا (كاتنجا).
1875-1878
برازا
de Brazza
يكتشف منطقة نهر أوجوي ويؤكد انفصاله عن نظام حوض الكنغو.
1879-1880
برازا يبدأ من فرانسفيل في ساحل جابون إلى ستانلي بول وينشئ مدينة برازافيل على الكنغو.
1879
موستيه
Moustier
وتزفايفل
Zweifel
يكتشفان منابع نهر النيجر.
1880-1885
برازا يكتشف داخلية جابون.
1880-1885
كايزر
Kaiser ، بوم
Bohm ، رايخارد
Reichard
يبدءون من الساحل الشرقي إلى كاتنجا ويكتشفون مناجم النحاس، ويكتشفون أيضا بحيرة أوبمبا في كاتنجا.
1880-1882
بوجي وفون فيسمان
Von Wissman
يبدأان من لواندا إلى كساي ثم نيانجوي على الكنغو. فيسمان يبدأ من نيانجوي عبر بحيرة تنجانيقا ويصل إلى الساحل الشرقي لأفريقيا، وبذلك يكون أول من يخترق القارة من الغرب إلى الشرق.
1884-1886
فون فيسمان، فون فرنسوا
Von Francois ، فولف
Wolf
يقومون من أنجولا إلى كساي ولولوا، وينشئون مدينة لولوا بورج، ويسيرون مع كساي والكنغو إلى ستانلي بول.
1886-1887
فون فيسمان وفولف من بنانا إلى كساي ولولوا بورج، ثم مع مارينل
Le Marinel
إلى نهر زانكورو ونهر لومامي حتى نيانجوي، ثم عبر بحيرة تنجانيقا إلى بحيرة نياسا ونهر شيري، ثم الزمبيزي حتى المصب.
1887-1889
ستانلي على رأس 620 رجلا يبدأ من مصب الكنغو رحلة إنقاذ أمين باشا (إدوارد شنيتزر) حيث قابله على بحيرة ألبرت وعاد إلى شرق أفريقيا.
1887-1889
بنجر
L. G. Binger
يبدأ من باماكو إلى واجادوجو، ثم جنوبا إلى جراند باسام (ساحل العاج).
1890-1891
أمين باشا والعالم الإنتروبولوجي ستولمان
Stuhlmann
يقومان من باجاموجو إلى بحيرة فكتوريا وألبرت.
1891-1892
برازا يكتشف منطقة سانجا وأوبانجي.
1892-1893
أوسكار باومان
O. Baumann
يبدأ من تانجا عبر بلاد الماساي ويكتشف بحيرة إياسي ونهر كاجيرا حتى المنبع، ثم رواندا وبحيرة تنجانيقا ثم الساحل الشرقي.
1896-1898
الكولونيل مارشان
J. B. Marchand
يبدأ من لوانجو (كنغو برازافيل) مع نهر الكنغو والأوبنجي والأويلي، إلى بحر الغزال، ثم النيل عند فاشودة.
جدول 1-4: أفريقيا جنوب الزمبيزي.
1791-1792
إدوارد فون رينن
E. Von Reenen
يبدأ من كيبتاون شمالا عبر الأورنج إلى منطقة وندهوك الحالية ويسجل أول معلومات عن قبائل الهريرو
Herero
والبرجداما.
1812
جون كامبل
J. Campbell
يكتشف منابع نهر اللمبوبو.
1850-1852
جالتون
F. Galton
وأندرسون
K. J. Anderson
يبدأان من فالفش باي إلى منخفض إتوشا وأوفامبولاند.
1865-1870
كشوف ألفرد جرانديدير
A. Grandidier
في مدغشقر.
1865-1872
كارل مناوخ
K. Mauch
في الترنسفال وروديسيا ويكتشف حقول ذهب ماشونا ومتابيلي في روديسيا، ويكتشف آثار زمبابوي (1871).
1877-1879
سربا بنتو
Serpa Pinto
يبدأ من بنجويلا عبر هضبة بيهي إلى الزمبيزي الأعلى وعبر شلالات فكتوريا إلى شرق بتشوانا، ثم بريتوريا والساحل الشرقي.
1883-1887
هولوب
Holup
يقوم بكشوف في منطقة الزمبيزي الأوسط ويزور إقليم باروتسي.
1886-1887
هانز ماير
H. Meyer
يقوم من كيبتاون إلى كمبرلي والترنسفال وموزمبيق وزنجبار ويتسلق جبل كليمانجاور (1889).
1892-1894
جوتية
E. Gautier
يقوم باكتشافات في شمال وغرب مدغشقر .
1905-1906
هاردنج
C. Harding
يكتشف منابع الزمبيزي. (2) تاريخ أفريقيا السياسي
الاستعمار والمستعمرات البرتغالية
نتيجة لظروف تجارية خاصة على الأرجح أصبحت البرتغال أولى الدول الأوروبية التي اهتمت بالوصول إلى الهند عن طريق الدوران حول أفريقيا، وقد أدى هذا إلى أن أصبحت البرتغال أقدم دول أوروبا احتكاكا بأفريقيا في مجموعها، وأقدم الدول التي ما زالت لها مستعمرات في هذه القارة.
ونظرا لاحتكار البرتغال في البداية طريق الهند الملاحي، فلقد قامت بإنشاء محطات وقواعد عسكرية لها في مناطق كثيرة من الساحل الأفريقي الغربي والشرقي، ومن أوائل قواعدها: غينيا، وجزر بيافرا، ومنطقة مصب نهر الكنغو، وساحل أنجولا في الغرب، وساحل موزمبيق في الشرق. ولم يأت القرن السادس عشر إلا وكانت البرتغال في موقف المحتكر الوحيد لتجارة الهند وأفريقيا، وسيطرت سيطرة شبه كاملة على السواحل الأفريقية الشرقية، ولكن القرنين السابع عشر والثامن عشر شاهدا تقلص النفوذ البرتغالي في شرق أفريقيا؛ نتيجة لنمو النفوذ العربي من ناحية والنزاع التجاري الاستعماري بين الدول الأوروبية والبرتغال، وخاصة مع بريطانيا وهولندا من ناحية ثانية، وأدى هذا التقلص إلى بقاء مناطق محدودة من الساحل الأفريقي في قبضة البرتغال، هي التي تكون المستعمرات البرتغالية الحالية في شرق أفريقيا (موزمبيق) وغرب أفريقيا (أنجولا - بعض جزر خليج بيافرا - غينيا البرتغالية - بعض الجزر التي تقع غرب أفريقيا).
وفي يونيو 1951 أصدرت البرتغال قانونا يصف مستعمراتها الأفريقية على أنها أقاليم البرتغال وراء البحار، وأنها مستقلة ذاتيا في مجالات الإدارة والشئون المالية، وقد قسمت هذه الأقاليم إلى: (1)
جزر كيب فرد (الرأس الأخضر) العاصمة: برايا
. (2)
جزيرتي ساوتومي وبرنسيب (خليج بيافرا) العاصمة: ساوتومي. (3)
غينيا البرتغالية (شمال غرب جمهورية غينيا) العاصمة: بيساو. (4)
أنجولا وإقليم كابندا، العاصمة: لواندا. العاصمة المستقبلة: هوامبو. (5)
موزمبيق، العاصمة: لورنزو ماركيز.
ولا شك أن أهم هذه المستعمرات هي أنجولا وموزمبيق، وقد كانت نية البرتغال متجهة إلى ربط هاتين المستعمرتين بريا، بحيث تحتل الأقاليم الواقعة بينهما، ولكن تغلغل النفوذ الإنجليزي ونجاح سيسل رودوس في ضم روديسيا قد أدى إلى بقاء المستعمرتين منفصلتين.
ومنذ عام 1961 تجتاح المستعمرات البرتغالية الرئيسية الثلاث «موزمبيق وأنجولا وغينيا» ثورات وطنية قوية تواجهها البرتغال باستخدام غير إنساني لجيوشها البرية وقوتها الجوية، ولا شك في أن هذه الأوضاع المتأزمة سوف تنتهي بنجاح الحركة الاستقلالية التي يؤيدها المجتمع الأفريقي والدولي، وتعرقلها مساندة أمريكا للبرتغال.
المستعمرة
المساحة كم
2
عدد السكان (1970)
العاصمة
موزمبيق
783000
7360000
لورنزو ماركيز
أنجولا
1247000
5430000
لواندا
غينيا بيساو
36000
560000
بيساو
جزيرتي ساوتومي
836
70000
ساو تومي
وبرنسيب
128
جزر كيب فرد
4000
260000
برايا
المجموع
2070964
13680000
المستعمرات الإسبانية
لم يكن اهتمام إسبانيا كبيرا بأفريقيا مثل اهتمام البرتغال، وذلك راجع إلى أنه في الوقت الذي حاولت فيه البرتغال الوصول إلى الهند بطريق أفريقيا، كانت محاولات إسبانية تتجه إلى الهند عن طريق عبور المحيط الأطلنطي، ومع ذلك فإن نشوء المستعمرات الإسبانية في أمريكا اللاتينية قد أدى إلى ضرورة اقتراب إسبانيا من شواطئ شمال غرب أفريقيا المواجهة لجزر كناريا، كما أن اكتشاف جزر خليج بيافرا كان بواسطة كشاف إسباني، مما أدى إلى توغل النفوذ الإسباني في هذه الجزر في وقت مبكر - منتصف القرن الخامس عشر. وفي 1778 بادلت إسبانيا جزءا من ممتلكاتها في أمريكا الجنوبية مع البرتغال بجزء من ممتلكات البرتغال في خليج غانا، هذا الجزء هو الذي أصبح يعرف باسم ريوموني منذ عام 1843، وقد أصبحت جزيرتي فرناندوبو وأنوبون تكون مع ريوموني ما يعرف باسم غانا الإسبانية (العاصمة سانتا إيزابلا).
أما على ساحل شمال غرب أفريقيا المطل على الأطلنطي، فإن لإسبانيا مستعمرة صحراوية كبيرة المساحة تمتد من الرأس الأبيض حتى رأس جوبي، تعرف باسم ريودورو أو الصحراء الإسبانية (العاصمة: فيلاسيزنيروس).
وإلى جانب هذه المستعمرات الهامشية ضمت إسبانيا لها جزءا من مراكش يعرف باسم «الريف» المواجه لجبل طارق، وقد استقل وأصبح جزءا من دولة المغرب في عام 1956، بعد أن سبب الكثير من المتاعب لإسبانيا - خاصة ثورة الأمير عبد الكريم 1923-1926 - ورغم استقلال الريف إلا أن إسبانيا احتفظت بمدينتي سبتة ومليلة وبعض الجزر والمدن الساحلية الأخرى.
ولا تزال هناك منطقة للنزاع بين المغرب وإسبانيا تتمثل أولا في منطقة إفني، وثانيا في ادعاءات المغرب على كل الصحراء الإسبانية.
وقد نالت غينيا الإسبانية استقلالها في أكتوبر 1968، وأصبحت تعرف باسم «جمهورية غينيا الاستوائية»، وتتكون من ريو موني وجزر إيلوبي وكوريسكو القريبة من ساحل ريو موني، وجزيرتي فرناندوپو وأنو بون اللتين تقعان في خليج بيافرا. وقد اختيرت مدينة «باتا» (في ريوموني) عاصمة للدولة الجديدة التي تنتهج النظام الرئاسي في الحكم، مع بعض أشكال الحكم الذاتي في فرناندوپو وأنو بون، وعلى ذلك تقلصت مستعمرات إسبانيا، فأصبحت على النحو التالي:
المستعمرة
المساحة كم
2
عدد السكان 1970
العاصمة
الصحراء الأسبانية (ريودو أورو)
266900
61000
فيلا سيزنيروس
إفني
1920
54000
سيدي إفني
مدينة سبتة
85000
مدينة مليلة
77000
المجموع
268820
277000
الاستعمار الفرنسي
بعد أن سقط الاستعمار الفرنسي في أمريكا، بدأت فرنسا في القرن التاسع عشر في بناء إمبراطورية جديدة تركز معظمها في أفريقيا، فساحل البحر المتوسط الجنوبي من مراكش إلى مصر كان يخضع اسميا للدولة العثمانية، ولم يكن حتى أوائل القرن التاسع عشر مطمعا لدول أوروبا، ولم تعده إحدى الدول الأوروبية مكانا لنفوذها، وذلك على الرغم من حملة نابليون على مصر وصراع فرنسا وإنجلترا على هذه المنطقة في أواخر القرن الثامن عشر، فهذه الحملة وهذا الصراع لم ينجم عنهما ادعاءات لأي من الدولتين على الركن الشمالي الشرقي من القارة، بل تركا مصر كجزء من الدول العثمانية - على الأقل اسميا.
وفي 1830 قام الأسطول الفرنسي بعدة معارك مع قراصنة البربر الذين يحتمون بساحل الجزائر، وكان من نتائج هذه المعارك احتلال فرنسا للجزائر التي ظلت خاضعة للحكم التركي منذ 1519. وفي 1831 أنشأت الفرقة الأجنبية الفرنسية التي كان لها تاريخ طويل خلال تاريخ فرنسا المعاصر، وعلى إثر الاحتلال الفرنسي قامت الحرب المقدسة من أجل إجلائهم بزعامة الأمير عبد القادر الذي ظل يحارب حتى عام 1847، وبعد سقوط عبد الكريم استتب الأمر لفرنسا في الجزائر، وجاء في دستور 1848 أن الجزائر جزء لا يتجزأ من فرنسا، وعلى مر الزمن أصبحت الجزائر من أهم مستعمرات فرنسا عبر البحار، كما أنها كانت أهم مركز فرنسي في الإمبراطورية الفرنسية في أفريقيا.
وفي خلال الثلاثينيات وأوائل الأربعينات من القرن التاسع عشر بدأت فرنسا تتجه إلى بسط نفوذها على مصر بواسطة مساندة محمد علي ، ولكنها عجزت عن مساعدته حينما تغلبت القوى الدولية - وعلى رأسها بريطانيا - على محمد علي، ومنذ ذلك الوقت كفت فرنسا عن الالتفات إلى هذه المنطقة التي أصبحت فيما بعد مركزا لأطماع بريطانيا المتزايدة، والتي انتهت بالاحتلال البريطاني لمصر 1882، وقد لعبت قناة السويس وأسهمها دورا كبيرا في هذا الصراع الإنجليزي الفرنسي.
ويتضح من هذا أن الدول الأوروبية حتى منتصف القرن التاسع عشر لم تكن بعد قد التفتت إلى أفريقيا ككل، بل كانت أعينها وأطماعها تتركز فقط على شواطئها الشمالية، وبخاصة بعد إنشاء طريق الهند الجديد عبر السويس، مما أعاد إلى البحر المتوسط أهميته القديمة التي فقدها منذ اكتشاف رأس الرجاء الصالح، وكانت أقدم الدول الأوروبية اتصالا ببقية أفريقيا حتى تلك الفترة - البرتغال وهولندا - تكاد اهتماماتها بأفريقيا لا تتعدى الشواطئ إلا لمسافات قليلة نسبيا داخل القارة؛ كان البرتغاليون في شواطئ أنجولا وموزمبيق، وبريطانيا في إقليم الكاب وسيراليون والبوير في منطقة الأورنج.
وكانت فرنسا قد أنشأت قاعدة لها عام 1627 على مصب السنغال، وأسست مدينة سان لوي التي ظلت تنمو ببطء حتى تولى حكم غرب أفريقيا الفرنسية الحاكم
Faidherbe ، فوسع المدينة في الفترة ما بين 1854 و1864.
ومن منطقة المصب أخذ الفرنسيون يتوسعون مع نهر السنغال إلى الداخل شرقا وجنوبا، ولكن التوسع الجنوبي توقف باحتلال بريطانيا لمصب نهر الجامبيا، وبوجود البرتغال في غينيا؛ ولذلك فإن غينيا الفرنسية (جمهورية غينيا الحالية) لم تنشأ نتيجة التغلغل الفرنسي من الشمال، بل من البحر. وتأخر تحديد هذه المستعمرة الفرنسية إلى عام 1890، حينما أعلنت غينيا مستعمرة منفصلة عن سنجامبيا.
أما التقدم الفرنسي صوب الشرق فكان سهلا مرتبطا بنهر السنغال في اتجاه نهر النيجر الأعلى، الذي وصلت إليه القوات الفرنسية عام 1886، وفي 1894 احتلت فرنسا تمبكتو.
وفي 1842 أنزلت فرنسا قواتها في ساحل العاج، وفي 1845 أصبح لها موقع قدم على ساحل جابون، ورغم أن فرنسا أنشأت في 1671 قاعدة فورت ويدا
Wida
على ساحل داهومي، إلا أن احتلال المنطقة لم يتم إلا عام 1892، بعد أن هزمت فرنسا مملكة الداهومي. وفي الفترة بين 1878 و1780 تمكن الكونت دي برازا
Savorgnan de Brazza
من توسيع قاعدة الحكم الفرنسي في جابون إلى الداخل، حتى وصل إلى نهر الكنغو، واحتل ما يعرف الآن باسم جمهورية كنغو برازافيل. كذلك توسعت فرنسا على طول الكنغو ورافده الأوبانجي إلى ما يعرف باسم جمهورية وسط أفريقيا في عام 1889، ولم تستطع أن تصل هذه المستعمرة بالبحر نظرا لوصول الألمان واحتلالهم منطقة الكمرون، ولكن حلم فرنسا في ربط أفريقيا الاستوائية الفرنسية بالبحر تحقق بعد 1918، حينما انتدبت فرنسا لحكم غالبية الكمرون بعد هزيمة ألمانيا، ومن الأوبانجي تقدمت فرنسا شمالا فاحتلت تشاد عام 1897، أما مستعمرة النيجر فقد تأخر احتلالها إلى عام 1911.
وفي شمال أفريقيا أخذت فرنسا توجه نظرها صوب تونس التي كانت مستقلة استقلالا ذاتيا منذ 1782 من الدولة العثمانية، وفي 1881 تمكنت فرنسا من إعلان حمايتها على تونس، وأدى ذلك إلى ثورة امتدت مرة أخرى إلى الجزائر، ولم تستطع فرنسا إخمادها إلا باستخدام قوات كبيرة. وقد أدى احتلال فرنسا لتونس إلى تدهور علاقات فرنسا وإيطاليا التي كانت تطمع في تونس، ولكن هذه العلاقات تحسنت بعد عقد معاهدة سرية بين الدولتين عام 1905، حددت أطماع إيطاليا في ليبيا وأطماع فرنسا في مراكش.
وعلى هذا الأساس نجد أن الإمبراطورية الفرنسية في أفريقيا كانت لها ثلاث قواعد أساسية، انطلقت منها بالتدريج لتحتل كل الجزء الغربي من أفريقيا على وجه التقريب، هذه النقط أو القواعد الثلاث هي: (1)
الجزائر: التي اتسعت منها رقعة الإمبراطورية الفرنسية شرقا إلى تونس، وغربا إلى المغرب، وجنوبا إلى الصحراء الكبرى ونهر النيجر. (2)
سنجامبيا: التي امتد منها النفوذ الفرنسي إلى النيجر، وارتبط بقواعد ثانوية أخرى من الجنوب في ساحل العاج وداهومي. (3)
جابون: ومنها انطلق النفوذ الفرنسي إلى نهر الكنغو في اتجاه الشرق والجنوب الشرقي، ونهر الأوبنجي في اتجاه الشمال الشرقي، وقد أدى احتلال تشاد والنيجر إلى ربط المنطقة الاستوائية الفرنسية بغرب أفريقيا الفرنسية.
وإلى جانب النشاط الفرنسي في القسم الغربي والاستوائي من أفريقيا، فإنها قد اتجهت أيضا إلى شرق القارة فاحتلت جيبوتي 1888، وكونت ما يعرف حتى الآن باسم الصومال الفرنسي، وقد خدمت جيبوتي فرنسا في توسعها في الهند الصينية. وفي الجنوب الشرقي من أفريقيا نجد فرنسا تحتل جزيرة مدغشقر في الفترة ما بين 1886 و1896، ويستتب لها الأمر بعد ذلك.
وقد كان اهتمام فرنسا بشرق القارة واحتلال جيبوتي ومدغشقر رد فعل للاحتلال البريطاني لمصر في 1882، وقد بلغ النزاع الفرنسي البريطاني أوجه في حادثة فاشودة، التي التقى فيها الجيش الإنجليزي المصري ببعثة الكولونيل مارشان، وفي هذا المكان كان المحور الاستعماري الإنجليزي من الجنوب إلى الشمال - من كيبتاون إلى القاهرة - قد التقى وجها لوجه مع المحور الاستعماري الفرنسي من الغرب إلى الشرق: من السنغال إلى الصومال. وباسم مصر والسيادة المصرية العثمانية على السودان، استطاعت بريطانيا أن تقنع فرنسا بسحب قوات مارشان والعلم الفرنسي من فاشودة، وعلى إثر هذه الهزيمة الدبلوماسية لسياسة فرنسا الاستعمارية في أفريقيا حددت أطماع الدولتين، فرنسا وإنجلترا، في أفريقيا معاهدة 1904، تنص بنود هذه المعاهدة على أن تمتد حدود فرنسا من جنوب ليبيا إلى حدود الكنغو الشمالية، وبذلك ضمت واداي إلى فرنسا. واتفق أيضا على أن تدخل المغرب في دائرة النفوذ الفرنسي مقابل وقوع مصر والسودان في قبضة بريطانيا، وهذه المعاهدة مشهورة في التاريخ باسم معاهدة «الوفاق الودية
Entente Cordiale »، وكان من نتائج المعاهدة النزاع الألماني الفرنسي حول مراكش.
ومنذ 1904 حاولت فرنسا بالاشتراك مع إسبانيا أن تحول سلطنة مراكش إلى محمية فرنسيية، ولكن الألمان ردوا على هذه المحاولات بزيارة وحدات من الأسطول الألماني لمياه مراكش، وزيارة الإمبراطور فيلهلم لطنجة، وكان ذلك بمثابة طعنة لمؤتمر الجزيرة الذي كان معقودا عام 1906 بين فرنسا وإسبانيا، ولكن فرنسا سارت في سياستها واحتلت عاصمة مراكش بالرغم من زيارة السفينة الحربية الألمانية «بانتر شبرونج» لمياه مراكش (أغادير) عام 1911، وبالتالي زادت هذه الأزمة من انعزال ألمانيا عن بقية الدول الأوروبية، وبالرغم من هزيمة ألمانيا الدبلوماسية في موضوع مراكش، إلا أنها نالت تعويضات قليلة الأهمية - ضم جزء من الكنغو الفرنسي إلى الكمرون الألماني.
وبعد انتهاء موضوع مراكش كانت الإمبراطورية الفرنسية في أفريقيا قد استكملت شكلها النهائي؛ ففي 1904 تكونت أفريقيا الغربية الفرنسية (السنغال - السودان - موريتانيا - النيجر - غينيا - ساحل العاج - الفولتا العليا - داهومي)، وأفريقيا الاستوائية الفرنسية (تشاد - أوبنجي وشاري - الكنغو الأوسط - جابون).
وعلى عكس المستعمرات البريطانية - إدارات وحكم محلي - فإن السياسة الاستعمارية الفرنسية ظلت تسير على قاعدة الحكم المركزي للمستعمرات.
وبعد الحرب العالمية الأولى انتدبت فرنسا لإدارة أجزاء من المستعمرات الألمانية في غرب أفريقيا، فنالت الجزء الأكبر من الكمرون، ونصف توجو، وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية صدر الدستور الفرنسي الجديد لعام 1946، وفيه حدث تغير دستوري في موقف المستعمرات؛ فبدلا من وضعها السابق أصبحت هذه المستعمرات أجزاء من فرنسا وراء البحار، وعلى غرار الكومنولث البريطاني أصبحت هذه الأجزاء تكون ما عرف باسم «الاتحاد الفرنسي
Union Française »، وبذلك بدأت أولى عمليات تفكيك الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية. وكان لتغاير الأوضاع الاقتصادية والنمو الاقتصادي لأجزاء هذا الاتحاد دور في تفكيك الاتحاد تدريجيا، وانتهى الأمر بالعدول عن التسمية السابقة إلى اسم «مجموعة الشعوب الفرنسية
Communauté Française » التي أصبحت في حقيقتها رابطة ضعيفة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة التي تحولت إلى دول ذات استقلال ذاتي. وكانت المجموعة الفرنسية تشتمل على: (1)
فرنسا والقسم الشمالي من الجزائر - أقاليم الجزائر الجنوبية والصومال الفرنسي. (2)
الجمهوريات الذاتية التالية:
السنغال - السودان - موريتانيا - الفولتا العليا - ساحل العاج - داهومي - النيجر - جابون - تشاد - الكنغو - وسط أفريقيا - ملاجاشي.
وقد تكونت هذه الجمهوريات بناء على الاستفتاء الشعبي الذي أجري فيها عام 1958، والذي نظم العلاقة مع فرنسا في داخل إطار المجموعة الفرنسية.
ويلاحظ أن واحدة فقط من مستعمرات فرنسا الأفريقية هي التي اختارت أن تخرج من النظام الجديد، وتستقل استقلالا كاملا، تلك هي جمهورية غينيا، ولم تمض بضع سنوات حتى خرجت عدة جمهوريات عن المجموعة الفرنسية وحذت حذو غينيا. وقد عقدت فرنسا مع الدول الجديدة كلها باستثناء غينيا معاهدات عديدة.
وقد حدثت تطورات عديدة داخل دول غرب أفريقيا الجديدة أهمها: إنشاء ما عرف باسم دولة مالي الاتحادية التي اتفق على أن تضم: السودان - السنغال - الفولتا - داهومي . ولكن الانتخابات التي أجريت في ديسمبر 1958 في الفولتا، والتغير الحكومي في داهومي في 1960، قد أدى إلى عدم اشتراك هاتين الدولتين في الاتحاد الذي تكون فعلا في نوفمبر 1958 بين السودان والسنغال . وفي أغسطس 1960 حدث خلاف بين السنغال والسودان مما أدى إلى انفصالهما، وبقيت السودان تحمل وحدها اسم مالي للآن، وقد سعت مالي إلى إيجاد ارتباطات أخرى مع دول غرب أفريقيا بقصد إنشاء ولايات أفريقية متحدة؛ فعقدت أولا معاهدة أقيم بمقتضاها اتحاد مع غانا عرف باسم اتحاد مالي-غانا، ثم معاهدة أخرى مع غينيا عرفت باسم اتحاد مالي غانا غينيا، ولكن هذه المحاولات اتسمت منذ البداية بقيمة عملية محدودة نتيجة للانفصال المكاني لهذه الدول، باستثناء مالي وغينيا المرتبطتين بحدود مشتركة.
ولمواجهة حركة مالي أنشأت دول أفريقيا الغربية الفرنسية الأخرى اتحادا ذا روابط ضعيفة ومرنة سمي «اتحاد ساحل بنين
Union sahel Benin »، ضم ساحل العاج وداهومي والفولتا والنيجر، وأهم بنود هذا الاتحاد محاولة اتخاذ سياسات موحدة خارجية واقتصادية بواسطة مجلس استشاري للتنسيق
Conseil de l’Entente ، وكان رئيسه في البداية هو رئيس وزراء النيجر.
وفي 13 أغسطس 1960 استقلت أوبانجي وشاري باسم جمهورية أفريقيا الوسطى، وفي 15 أغسطس1960 استقلت الكنغو الأوسط باسم جمهورية الكنغو، وكذلك جمهورية تشاد وجمهورية جابون في التاريخ ذاته، أما مدغشقر فكانت جمهورية ذاتية منذ أكتوبر 1958، ثم تحولت إلى دولة مستقلة تماما في يونيو 1960.
وفي شمال أفريقيا سارت الأمور بطريقة مختلفة، وإن أدت إلى استقلال كامل عن فرنسا، فالقلاقل والثورات في مراكش قد أدت إلى عقد معاهدة 1956 التي أنهت حكم فرنسا وإسبانيا معا، وتكوين مملكة المغرب التي ضمت إليها منطقة طنجة الدولية، واستثني من ذلك مدن على شاطئ الريف الشمالي أهمها سبتة ومليلة، بقيت في حوزة إسبانيا على نحو ما أسلفنا.
وكانت تونس منذ 1946 دولة ذات استقلال ذاتي وعضوا في الاتحاد الفرنسي، ولكنها نالت الاستقلال عام 1956 وخرجت عن المجموعة الفرنسية. وفي 1961 حاولت تونس تصفية قاعدة بنزرت الفرنسية بالقوة، ولكن المفاوضات في النهاية أدت إلى هذه التصفية.
أما الجزائر فقد نالت استقلالها عن طريق حرب التحرير الطويلة التي استمرت سبع سنوات ، والتي أصبح لها أهمية قصوى في تاريخ أفريقيا المعاصر، وقد انتهت هذه الحرب باتفاقية إيفيان 1962، وانتهت معها فترة مظلمة من إرهاب اليمينيين الفرنسيين في الجزائر وفرنسا معا، وهو الإرهاب الذي أودى بحياة مئات الآلاف من الجزائريين.
وبذلك لم يبق لفرنسا سوى الصومال الذي أسمي «إقليم الأفار وعيسى» نسبة لقبائل الأفار أو الدناكل، بينما عيسى إحدى القبائل الصومالية (22 ألف كم
2
ومائة ألف من السكان)، وجزر كومورو (2171 كم
2
و270 ألفا من السكان).
الاستعمار البريطاني
رأينا أنه حينما حلت نهاية القرن الماضي كانت فرنسا قد سيطرت بلا منازع تقريبا على القسم الشمالي الغربي والغربي من أفريقيا، وفي مثل هذا الوقت كانت سيطرة بريطانيا قد تمت على القسم الجنوبي والشرقي من هذه القارة، وامتدت هذه السيطرة حتى الركن الشمالي الشرقي أيضا، وهكذا اقتسمت هاتان الدولتان معظم أفريقيا بحيث لم تعد هناك سوى مناطق الاستعمار البرتغالي والإسباني، ومناطق محدودة جدا تمت فيها تجارب الاستعمار الألماني والإيطالي والبلجيكي.
ورغم اقتسام معظم القارة بين الدولتين الكبيرتين، إلا أنه كان لكل منهما طريقة خاصة في إدارة وحكم المستعمرات تختلف عن الأخرى اختلافا بينا، فالمستعمرات الإنجليزية أصبحت كل منها وحدة سياسية منفصلة عن بعضها ولم تحكم حكما مركزيا، كما فعلت فرنسا.
وكما فقدت فرنسا ممتلكاتها في العالم الجديد (كندا) لصالح بريطانيا، كذلك فقدت بريطانيا أهم ممتلكاتها في القارة الأمريكية؛ الولايات المتحدة. وقد أدى ذلك - من بين أسباب أخرى - إلى أن تبدأ بريطانيا في القرن التاسع عشر في تكوين إمبراطوريتها الجديدة في أفريقيا، وقد ساعدها على ذلك عدة عوامل نذكر منها: أولا الأسطول البريطاني التجاري والحربي الذي كان سيد البحار بلا منازع، وثانيا نظم الليبرالية ومبدأ حرية التجارة، وثالثا اتباع سياسة العزلة عن المشكلات المباشرة للقارة الأوروبية.
في 1652 أسس الهولنديون أول مستعمرة أوروبية في أفريقيا يستوطن فيها الأوروبيون؛ إقليم الكاب. وظل البوير - سلالة الهولنديين - يتوسعون في الداخل ويحاربون قبائل البانتو حتى وصلوا إلى مشارف الأورنج وإقليم ناتال، وفي 1795 نزل الإنجليز إلى إقليم الكاب واحتلوه دون مقاومة تذكر من جانب البوير . وفي 1806 تم لبريطانيا السيطرة الكاملة على الكاب، وسهلت هذه العملية نتيجة النزاع بين البوير وشركة الهند الشرقية الهولندية من ناحية، وثورة البانتو على البوير من ناحية ثانية. وفي 1814 تنازلت هولندا عن الكاب لبريطانيا.
ونتيجة للحكم الإنجليزي بقوانينه الجديدة، ونتيجة لبدء مزاحمة المستوطنين الإنجليز للبوير، فقد أخذ البوير في التوغل إلى داخلية جنوب أفريقيا، مفضلين عدم الاحتكاك الكثير بالإنجليز وأنظمتهم، وخاصة مسألة مبدأ إلغاء الرق (1834)، وعلى أثر ذلك تحرك البوير شمالا فيما عرف باسم «الهجرة الكبرى
The Great Treck » (1836-1840)، فعبروا نهر الأورنج وأنشئوا دولا مستقلة عن مستعمرة الكاب هي جمهورية البوير في ناتال التي أصبحت في 1859 مستعمرة إنجليزية، وجمهورية الأورنج الحرة، وجمهورية الترنسفال. وقد اتحدت الأورنج والترنسفال عام 1853 مكونتان جمهورية جنوب أفريقيا، وكان أول رئيس لهذه الجمهورية هو بريتوريوس
(1858-1871).
وفي ذلك الوقت استغل الإنجليز فرصة استئثارهم بمستعمرة الكاب فأنشئوا فيها عام 1853 حكومة محلية ومجلسا نيابيا، وزادت حركة الاستيطان الإنجليزي وتوغلوا شرقا بعد هزيمة قبائل البانتو وضم زولولاند ومنطقة خليج فالفش في «جنوب غرب أفريقيا حاليا».
وفي السبعينيات من القرن الماضي اكتشفت مناجم الماس والذهب، ومعظمها في كمبرلي والأورنج والترنسفال، وقد أدى ذلك إلى بداية فترة من النزاع بين الإنجليز والبوير؛ ففي 1871 احتل الإنجليز منطقة كمبرلي والقسم الغربي من جريكالاند، وكانت تابعة لجمهورية البوير. وفي 1877 ضمت بريطانيا كل الترنسفال، ولكن البوير يجمعون الشمل ويهزمون الإنجليز هزيمة كبيرة في منطقة ماجوباهيل
Majuba hill
1881، وترتب على ذلك أن تتراجع حكومة جلادستون (الأحرار) في بريطانيا وتوقع اتفاقية بريتوريا مع البوير، بمقتضاها تعترف بحكومة الترنسفال مع سيادة بريطانية اسمية. وفي 1884 وقعت اتفاقية لندن التي أعادت الاعتراف بالترنسفال على أنها جزء من جمهورية البوير في جنوب أفريقيا، مع احتفاظ بريطانيا بالرأس والمشورة في السياسة الخارجية، مع عدم التدخل في علاقة الترنسفال بجمهورية البوير في الأورنج، وفي تلك الفترة تولى باول كروجر
رئاسة جمهورية جنوب أفريقيا حتى سقوطها (1883-1902)، وبذلك فإن معاهدة لندن هذه تعد أول فشل مؤقت لحلم بريطانيا العتيد، وهو احتلال أفريقيا من الكاب إلى القاهرة.
ولكن مسارعة بريطانيا إلى احتلال باسوتولاند 1884، وبتشوانالاند 1886، قد أكد من جديد عزم بريطانيا على عزل وتطويق جمهورية البوير. وكان لاحتلال بتشوانالاند بالذات أهمية كبرى؛ فعلى الرغم من فقرها - تحتل صحراء كلهاري معظم بتشوانالاند - إلا أنها عزلت جمهورية البوير عن النفوذ الألماني في المستعمرة الألمانية جنوب غرب أفريقيا، وأعطت لبريطانيا ممرا بريا عريضا متجها شمالا صوب الزمبيزي.
وعبر هذا الممر البري استطاع سيسل رودس - رئيس حكومة مستعمرة الكاب منذ 1890 - بواسطة ما أسماه «جمعية جنوب أفريقيا الإنجليزية» أن يضم لبريطانيا سنة 1898 الأراضي الواقعة شمال اللمبوبو وعبر الزمبيزي، وأن يصل إلى الساحل الجنوبي لبحيرة تنجانيقا وبحيرة نياسا، تلك الأرض الشاسعة هي التي عرفت فيما بعد باسم روديسيا الشمالية والجنوبية نسبة إلى رودس، وباحتلال هذه المستعمرة الجديدة تم تطويق جمهورية البوير من الغرب والشمال والجنوب الشرقي، ولم يعد لهذه الجمهورية من منفذ إلى البحر إلا عبر موزمبيق البرتغالية.
وفي الترنسفال أدى كشف مناجم الذهب في إقليم الراند إلى هجرة بريطانية كبيرة، ولكن البوير لم يعاملوا الإنجليز على قدم المساواة مما أدى إلى زيادة تأزم الموقف بين الإنجليز والبوير، وزادت أعمال التحرش التي يقوم بها سيسل رودس على حدود البوير، وكانت أكبر حوادث التحرش ما عرف باسم «غزوة جيمسون»، وجيمسون هذا هو أحد المغامرين الذين يستأجرهم رودس، وقد قام على رأس قوة بوليسية بالتوغل داخل أرض البوير سنة 1896، لكنه مني بشر الهزيمة، وكان نتيجة ذلك أن فلهلم إمبراطور ألمانيا أرسل برقية تهنئة إلى كروجر، مما زاد التباعد بين البوير والإنجليز من ناحية، وبين الإنجليز والألمان من ناحية ثانية. وأخذ الإنجليز يتحينون الفرصة للدخول في معركة حاسمة مع البوير لتصفية جمهوريتهم. وفي 1899 أرسل الإنجليز إنذارا نهائيا للبوير بضرورة منح المستوطنين الإنجليز داخل جمهورية البوير - وكان البوير يسمونهم
Uitlanders - حق التصويت والانتخاب، وعلى إثر هذا الإنذار قامت حرب البوير 1899-1902، وقد تمكنت قوات البوير المسلحة جيدا تحت قيادة بوتا
Botha
وديفت
Dewet
من كسب المعارك الأولى، ولكن الإمبراطورية الإنجليزية الكبيرة جمعت قواتها وتدريجيا قضت على البوير، وقد أدى اعتقال لورد كتشنر للنساء والأطفال البوير في معسكرات الاعتقال إلى حرب أخرى صغيرة، ولكن سياسة بريطانيا في الاعتراف (عام 1906 و1907) بالحكم المحلي للبوير في الترنسفال والأورنج على التوالي قد هدأ الموقف، ومن ثم نشأ ما عرف لمدة طويلة باسم اتحاد جنوب أفريقيا عام 1910، متكونا من الكاب وناتال والأورنج وترنسفال.
وفي الشمال الشرقي تمكنت بريطانيا من وضع يدها على حوض النيل، ففي 1841 تمكنت بريطانيا على رأس دول أوروبا من مساندة تركيا ووقف إمبراطورية محمد علي من الاتساع في كل العالم العثماني. وفي 1869 افتتحت قناة السويس وأصبح هناك خطر يتهدد احتكار بريطانيا لطريق الهند، وفي 1875 اشترت بريطانيا نصيب مصر من أسهم قناة السويس، وبذلك أصبحت لها مصلحة مادية في مصر، ونفوذ على الحكومة المصرية بجانب نفوذ فرنسا، وحينما تولى عرابي باشا حكومة مصر وجدت بريطانيا الفرصة سانحة لكي تضع قدمها في مصر، فادعت حماية الخديو توفيق، وفي الوقت ذاته كفت فرنسا يدها تماما عن مصر. وفي 1881 أعلنت بريطانيا الحماية على مصر، وحينما نشبت ثورة المهدي في السودان وسقطت الخرطوم 1885، دخلت بريطانيا مع مصر السودان مرة أخرى 1899، وأعلن قيام الحكم الثنائي، وبذلك سيطرت بريطانيا على حوض النيل بعد أن كانت قد أعلنت الحماية على أوغندا 1894.
وفي شرق أفريقيا احتلت بريطانيا الصومال 1884، وبينما استولت شركة شرق أفريقيا البريطانية على كينيا من سلطان زنجبار 1887، ثم أعلنت كينيا مستعمرة للتاج عام 1895، وبذلك تم لبريطانيا ربط جنوب السودان وأوغندا بكينيا والمحيط الهندي. ولكن وجود الألمان في تنجانيقا كان العقبة الوحيدة التي تقف أمام حلم بريطانيا؛ طريق الكاب-القاهرة. وفي نهاية الحرب العالمية الأولى انتدبت بريطانيا لإدارة تنجانيقا، وبذلك تحقق حلمها الكبير وامتدت الأملاك البريطانية في محور شمالي جنوبي على طول القسم الشرقي من القارة.
أما في غرب أفريقيا، فإن الممتلكات البريطانية لم تتصل بعضها بالبعض الآخر، بل ظلت وحدات منفصلة لكل جبهة بحرية ضيقة على خليج غانا وامتداد كبير للداخل، ويرجع ذلك إلى أن غرب أفريقيا قد ظل لفترة طويلة، خاصة خلال القرنين السابع والثامن عشر، من أهم مناطق استيراد الرقيق إلى القارة الأمريكية، ولعبت فيه الدول الأوروبية أدوارا كبيرة من أجل هذه التجارة المربحة والمشينة، وكان لكل دولة قلعة أو أكثر على طول هذا الشاطئ تمارس منه عملياتها هذه، كانت هناك البرتغال وهولندا وبريطانيا وفرنسا، وكثيرا ما كانت هذه القلاع تقع في أيدي إحدى الدول، ثم تسقط في يد الأخرى وهكذا.
وحينما انتهت تجارة الرقيق أخذت الدول الأوروبية في التوسع داخل غرب القارة مبتدئة من هذه القلاع الشاطئية.
وفي 1886 أعلنت بريطانيا منطقة لاجوس مستعمرة بريطانية، وبالتدريج ظلت بريطانيا تتوسع على شواطئ دلتا النيجر (1893) وإلى الداخل، حتى تمكنت من هزيمة سلطنة الفولاني ووصلت إلى بحيرة تشاد (1900)، وظهر إلى الوجود عام 1914 مستعمرة نيجيريا التي ضم إليها في سنة 1922 القسم الغربي من الكمرون.
وفي ساحل الذهب (غانا الحالية) طرد الإنجليز البرتغاليين في القرن السابع عشر، ولكن المنطقة تركت مرة أخرى، وفي 1683 أنشأ البروسيون قلعة «فردريكسبورج» ثم باعوها للهولنديين 1717، وفي منتصف القرن الثامن عشر كانت هناك مستعمرات إنجليزية وهولندية ودنمركية على طول الساحل. وفي 1874 أعلنت بريطانيا الحماية على ساحل الذهب، ثم أخذت تتوسع في الداخل فضمت إقليم الاشانتي 1896 بعد حروب طويلة والإقليم الشمالي 1901، وفي 1919 بعد سقوط ألمانيا ضمت بريطانيا القسم الغربي من مستعمرة توجو إلى غانا.
وفي 1843 أعلنت بريطانيا تحويل جامبيا إلى مستعمرة، وفي 1888 إلى مستعمرة تاج، وفي سيراليون نجد أقدم مستعمرات بريطانيا؛ ففي 1787 أصبحت المنطقة منطقة نفوذ بريطانية لتوطين الرقيق المحررين، وأنشأت لذلك مدينة فريتاون، وفي 1808 أعلنت سيراليون مستعمرة للتاج، وفي 1896 أعلنت الحماية على الأقاليم الداخلية، وفي 1898 قامت ثورة كبيرة قتل فيها حوالي ألف إنجليزي، وفي 1911 خططت الحدود مع ليبيريا بالصورة الحالية.
وبعد الحرب العالمية الثانية كان لحركات التحرر الأفريقية نصيب كبير في تحديد ورسم مستقبل المستعمرات البريطانية في القارة، وسارعت بريطانيا من ناحيتها بالسماح للدول الأفريقية الجديدة بالدخول في الكمنولث البريطاني، وبالتدريج دخلت معظم المستعمرات البريطانية في أفريقيا إلى حظيرة التجمع البريطاني الكبير، وقد كانت ساحل الذهب هي أول مستعمرة بريطانية تستقل عام 1956، وتدخل حظيرة الكمنولث في 1957 في صورة جمهورية ذات سيادة. ولكن تزايد نفوذ الدول الأفريقية داخل الكمنولث قد أدى إلى قلب ميزان القوى في هذه المجموعة ضد حكومة جنوب أفريقيا العنصرية، مما أدى بها إلى الانسحاب نهائيا من الكمنولث عام 1961، وإعلان جمهورية جنوب أفريقيا، وبقيت داخل جنوب أفريقيا ثلاث محميات بريطانية هي: باستو لاند وسوازي لاند وبتشوانا لاند، وقد أخذت جنوب أفريقيا في محاولة دبلوماسية عام 1965 في تهديد بريطانيا بقطع مواصلاتها إلى هذه المحميات الثلاث، وذلك لكي تضم إليها، ولكن بريطانيا أعطت المحميات استقلالها في أواخر 1966، ولا نعرف بعد مصير هذه الدول التي تقبع داخل حدود الحكومة العنصرية. ومن مشكلات جنوب أفريقيا السياسية المزمنة انتدابها بواسطة الأمم المتحدة لإدارة المستعمرة الألمانية السابقة في جنوب غرب أفريقيا، وتدعي حكومة جنوب أفريقيا الآن أن هذه المستعمرة جزء لا يتجزأ منها، ولا تزال الدول الأفريقية تثير الموضوع في المجالس الدولية، وإن كانت جنوب أفريقيا قد كسبت جولة مؤخرا في هذا النزاع، حينما حكمت محكمة العدل الدولية لصالح جنوب أفريقيا.
وفي الشمال الشرقي أنهت بريطانيا حمايتها لمصر عام 1922 التي أصبحت منذ ذلك التاريخ دولة مستقلة، وفي 1956 خرجت آخر قوات بريطانيا من مصر، وفي السنة ذاتها أعلن استقلال السودان عن بريطانيا، وفي سنة 1960 اختار سكان الصومال البريطاني الاستقلال والانضمام إلى الصومال الإيطالي في صورة دولة صوماليا المستقلة، وفي 1960 أيضا أعلن استقلال نيجيريا، وكان عام 1961 العام الذي شهد مولد أكثر من دولة أفريقية مستقلة عن نطاق الاستعمار البريطاني، في تلك السنة استقل كل شرق أفريقيا وتكونت دول أوغندا وكينيا وتنجانيقا، وفي غرب أفريقيا استقلت سيراليون، وفي 1964 أعلن استقلال نياسا لاند باسم مالاوي، وتلتها روديسيا الشمالية باسم زامبيا، وكذلك جامبيا في غرب أفريقيا، ولم يعد من مستعمرات بريطانيا الآن في أفريقيا على وضعه الدستوري القديم في صورة مستعمرة، سوى روديسيا الجنوبية التي تولت فيها الأقلية البيضاء الحكم رغم إدارة بريطانيا الظاهرية، وما زالت مسألة روديسيا مجالا للبحث بين مجموعة الدول الأفريقية عامة.
وهكذا زالت إمبراطورية بريطانيا الأفريقية بعد عدد من الثورات الدامية، وخاصة في مصر وكينيا (حركة الماو ماو).
الاستعمار الألماني
يبدأ اهتمام ألمانيا بأفريقيا مبكرا وإن لم تدخل معركة التقسيم الأفريقي إلا مؤخرا جدا بالقياس إلى بريطانيا وفرنسا، ففي 1683 أسس أحد ضباط مملكة براندنبورج حصنا على ساحل غانا الحالي، ولكن فردريك فيلهلم الأول باع الحصن للهولنديين عام 1717، وتلى ذلك فترة طويلة انشغلت فيها ممالك ودوقيات ألمانيا بوحدتها، حتى جاء الأمير بسمارك في النصف الثاني من القرن الماضي فوحد ألمانيا، ولم يكن بسمارك يولي رغبات التوسع الألماني خارج أوروبا أذنا صاغية، ولكن ما إن تحسنت أحوال ألمانيا وثبتت أقدام الوحدة وتوترت الظروف الدولية الأوروبية عام 1883، حتى أدرك أن هذه هي فرصة ألمانيا لتكوين مستعمرات وراء البحار.
خريطة رقم (1).
خريطة رقم (2).
ولقد اشترك كثير من الألمان في كشف مجاهل أفريقيا أمثال بارت، رولفس، شفاينفورت، شنتزر (أمين باشا) كما أن شركات ألمانية عديدة قد أنشأت لنفسها مقار تجارية على شواطئ أفريقيا، ومن بين كبار التجار الألمان أدولف لودريتز الذي اشترك مع مجموعة أخرى واستولى على ميناء
Angra Pequena
شمال مصب الأورنج عام 1883، وبعد وفاة لودريتز سمي الميناء والخليج الذي يقع عليه باسمه، ولا يزال يحمل هذا الاسم حتى الآن. وقد كان ميناء لودريتز هو البذرة التي نمت حولها مستعمرة ألمانيا في جنوب غرب أفريقيا، وقد سعى الألمان كثيرا لتثبيت أقدامهم في جنوب أفريقيا، وخاصة محاولتهم التقرب من جمهوريات البوير ضد بريطانيا، وكذلك حاول البوير أخذ العون من ألمانيا، وكانت مساعي الألمان والبوير أن يتلاقيا في كلهاري، ولكن سيسل رودس قطع عليهم الاتصال بإعلان بتشوانالاند محمية إنجليزية عام 1886، وكذلك كان لاحتلال الإنجليز لميناء فالفش باي وعقد معاهدة مع البرتغال عام 1886، أثر حدد النفوذ الألماني فيما بين مصب الكونيني في الشمال والأورنج في الجنوب. وفي 1890 عقدت معاهدة مع بريطانيا تحدد خط 20 طولا حدا للمستعمرة الألمانية في صحراء كلهاري، ولكن أضيف إلى المستعمرة لسان يمتد في الشمال حتى الزمبيزي سمي نطاق كابريفي.
وفي 1884 وضع حجر الأساس في إقامة المستعمرتين الألمانيتين في غرب أفريقيا: توجولاند والكمرون، وقد قام بهذا العمل الرحالة الألماني المشهور جوستاف ناختيجال، وقد حاولت بريطانيا عرقلة النفوذ الألماني هنا منذ البداية؛ فقد توجهت سفينة حربية بريطانية إلى الكمرون وعليها قنصل إنجليزي مكلف بمثل مهمة القنصل الألماني ناختيجال، ولكنها وصلت متأخرة بضعة أيام عن السفينة الألمانية.
ولولا معرفة ناختيجال بداخلية أفريقيا لما حصلت ألمانيا على مستعمرة الكمرون الواسعة في المعاهدة التي أبرمت مع فرنسا وإنجلترا بهذا الصدد. وفي 1911 وسعت مستعمرة الكمرون باتفاق فرنسا مقابل أن تترك ألمانيا فرنسا لمهمتها «السلمية» في مراكش.
وفي شرق أفريقيا بدأت مجهودات الألمان بأطماع وأطماح كبار التجار والكشافين، وقد كان للدكتور كارل بيترز - الكشاف الألماني - دور هام في شرق أفريقيا، وكانت زنجبار، المحمية الألمانية، قد أصبحت في 1884 محمية إنجليزية. في 1884 أسس بيترز «جمعية الاستعمار الألمانية» بذلك حصل على واسطة تبرر غايته في إنشاء إمبراطورية ألمانية في شرق أفريقيا، بدون مساعدة الحكومة الألمانية في بادئ الأمر، وقام بيترز بعقد عدة معاهدات مع زعماء داخلية شرق أفريقيا. وفي 1885 وضع بسمارك شرق أفريقيا الألمانية تحت حماية الدولة، وعلى غرار ما حدث دائما في أفريقيا، عقد اتفاق عام 1886 مع بريطانيا بالأصالة عن سلطان زنجبار، أكدت فيه بريطانيا وألمانيا أن ساحل تنجانيقا ملكا للسلطان، ولكن حدود تنجانيقا لم تخطط إلا في معاهدة هلجولاند-زنجبار عام 1890 بين بريطانيا وألمانيا.
وبعد أن استقرت إمبراطورية ألمانيا الأفريقية بعض الوقت عصفت بها أحداث الحرب العالمية الأولى؛ ففي معاهدة فرساي 1919 تنازلت ألمانيا عن كل مستعمراتها، فقسمت توجولاند بين بريطانيا وفرنسا، واستولت بريطانيا على الكمرون الغربي، وتركت لفرنسا نصيب الأسد من الكمرون، وفي شرق أفريقيا انتدبت بريطانيا لحكم تنجانيقا بينما اقتطعت منها منطقة صغيرة في الشمال الغربي - رواندا، أو روندي - لتعطى لبلجيكا ترضية لها، أما جنوب غرب أفريقيا فقد أعطي انتدابا لبريطانيا ثم جنوب أفريقيا.
الاستعمار البلجيكي
إن تاريخ الكنغو - المستعمرة البلجيكية الوحيدة - لهو تاريخ عجيب في بدايته ونهايته معا، لقد اكتشفه شخصان ليس لهما شأن ببلجيكا، الأول: المبشر والطبيب الإنجليزي دافيد لفنجستون، والثاني: المغامر الأمريكي هنري مورتون ستانلي. وفي عام 1876 أنشأ ليوبولد الثاني، ملك بلجيكا، جمعية أسماها «الجمعية الأفريقية الدولية»، وقام ستانلي بوضع أول بذرة في تكوين مستعمرة الكنغو بأن عقد - بالأصالة عن ليوبولد - عدة معاهدات مع عدد من الزعماء القبليين داخل حوض الكنغو، وما إن تم ذلك حتى قامت البرتغال، صاحبة الحق في الأراضي المحيطة بمصب الكنغو، بتقديم احتجاج شديد لدى ليوبولد، وأيدتها إنجلترا في ذلك الموقف ضد «التسلل الليوبولدي»، وكان هذا التأييد بناء على المعاهدة التي عقدتها البرتغال وإنجلترا في 1884 بضمان أملاك كل منهما في أفريقيا، ولو ظلت البرتغال على موقفها فإن ذلك يعني حبس ادعاءات ليوبولد في الكنغو في المنطقة الداخلية فقط دون أن يكون للمستعمرة أي منفذ على المحيط، وكان ذلك هو ما تسعى إليه بريطانيا.
ولكن الظروف ساعدت ليوبولد أكثر مما يتوقع؛ فإن بسمارك «ألمانيا» الذي استغل التوتر الإنجليزي الفرنسي مرة، والتوتر الإنجليزي الروسي مرة لإقامة إمبراطورية ألمانيا في أفريقيا، قد سارع إلى عقد مؤتمر برلين 1884-1885 كمناسبة لتجميع القوى الأوروبية، واستبعاد وعزل بريطانيا، وساعدت فرنسا بسمارك في مساعيه لعقد هذا المؤتمر لبحث مشكلات الاستعمار وعزل بريطانيا. وكانت إحدى ثمرات مؤتمر برلين انعقاد جلسات خاصة سميت «مؤتمر الكنغو» بين ديسمبر 1884 وفبراير 1885، وكانت نتائج هذا المؤتمر رفض مطالب البرتغال وإنجلترا في موضوع مصب الكنغو، وإعلان إنشاء «دولة الكنغو الحرة» تحت حكم ليوبولد. كذلك كان من بين القرارات حرية التجارة والملاحة داخل الكنغو لكل الدول الموقعة على قرارات المؤتمر، وفي حالة الحرب تعتبر منطقة وسط أفريقيا - بما فيها الكنغو وشرق أفريقيا البريطانية والألمانية - منطقة محايدة.
وكانت قرارات مؤتمر برلين بمثابة شهادة استثمار منحت ليوبولد حكم بلاد تبلغ مساحتها 70 مرة قدر مساحة بلجيكا حكما فرديا مباشرا، وأساء ليوبولد حكم الكنغو ومنح للشركات من مختلف الجنسيات امتيازات هائلة مقابل أرباح كبيرة لجيبه الخاص، وفرضت الشركات حكم إرهاب لم يكن له نظير في العالم حتى ضج الأوروبيون من فضائح هذا الحكم، مما أدى إلى أن يتنازل ليوبولد - مجبرا - عن دولته عام 1908، لتصبح معروفة باسم مستعمرة الكنغو البلجيكي. وفي عام 1920 اتسعت المستعمرات بانتداب بجليكا على رواندا - أورندي. وحكمت بلجيكا الكنغو على ضوء سياسة وصفتها بأنها سياسة الاب للابن القاصر، بمعنى أن تأخذ بيده تدريجيا لكي يصبح الكنغو - بعد مائة عام على الأقل - قادرا على أن يحكم نفسه، وتطبيقا لهذه السياسة لم تنتشر المدارس إلا بقدر أقل من المحدود ، ولم تكن هناك غير جامعة واحدة عبارة عن فرع من الدراسات شبه العالية تابع لجامعة لوفانيوم في بلجيكا، وكان حصول كنغولي على شهادة الدراسة الابتدائية، يعد حدا كبيرا من العلم، وكان وصول كنغولي إلى وظيفة كاتب حكومي يعد منتهى ما يجب أن يصل إليه.
ولكن المد القومي في أفريقيا بعد عام 1958 انتشر عبر حدود الكنغو البلجيكي، وفوجئ به البلجيكيون الذين كانوا يحتفلون بالعيد الخمسين لاستعمارهم الكنغو، وهم متأكدون أن أمامهم خمسين سنة أخرى على الأقل ينعمون فيها باستغلال ثروة الكنغو على أكتاف الكنغوليين، وأمام قوة المد القومي انهارت أحلام بلجيكا واستقل الكنغو في 30 يونيو 1960، ولم ترض القوى الغربية أن تتهدد مصالحها الضخمة في الكنغو نتيجة وجود حكومة وطنية كنغولية، وسرعان ما سقط الكنغو - غير المؤهل بكفاءات قيادية أو إدارية - صريع التقسيم والفوضى، خاصة بعد مقتل لومومبا، وأصبحت هناك سلسلة من الانقلابات العسكرية أطاحت بعدة وزارات وبرئيس الجمهورية. وقد استقرت الأمور نسبيا منذ تولي الجنرال موبوتو الحكم في نوفمبر 1965، وفي عام 1972 تغير اسم الدولة من «الكنغو كنشاسا» إلى «زائيري» نسبة إلى اسم مصب الكنغو كما نقله البرتغاليون قديما.
الاستعمار الإيطالي
هذا هو آخر أنواع الاستعمار الذي قدم إلى أفريقيا، ولكنه لم يطل البقاء كثيرا، ولعل سبب تأخر وصول إيطاليا إلى أفريقيا رغم قربها الشديد هو حداثة وحدة دولة إيطاليا نسبيا، ومحاولتها احتلال تونس، ولكنها لم تقو على منافسة فرنسا في تونس؛ لهذا اتجهت أعينها إلى الحبشة فاحتلت مصوع عام 1885، وبعد ذلك سارعت بوضع أقدامها في الصومال، وبعد موت يوحنا الثاني ملك الحبشة سنة 1889 في معركته مع المهديين حينما حاول غزو السودان، ثار نزاع كبير في الحبشة على الملك، وحينما تولى منليك الثاني ملك الحبشة بتأييد الإيطاليين، عقد معاهدة أوتشالي 1889 التي بمقتضاها اعترف بسيادة إيطاليا على كل إريتريا. وفي 1894 زحف الإيطاليون إلى السودان فاحتلوا كسلا، وبذلك بدا أن إيطاليا على وشك تكوين إمبراطورية عظيمة في هضبة الحبشة وحوض النيل، ولكن ادعاءات مصر في السودان وتأييد إنجلترا لهذه الادعاءات قد أدت إلى انسحاب إيطاليا من كسلا، وفي الوقت نفسه تقلصت أحلام إيطاليا في الحبشة بعد أن هزمهم الأحباش في موقعة «عدوه» 1896 هزيمة نكراء، وهكذا قبعت إيطاليا في إريتريا والصومال مؤقتا.
ولتعويض هذا الانكماش في التوسع الاستعماري، حولت إيطاليا أنظارها إلى شمال أفريقيا، وباتفاقها مع فرنسا هاجمت ليبيا عام 1911، واستمر القتال مع الليبيين القليلي العدد إلى عام 1912، وبذلك انسلخت آخر ممتلكات العثمانيين في أفريقيا.
وأدى انضمام إيطاليا إلى دول الغرب عام 1915 ضد ألمانيا وتركيا إلى تحسين أوضاعها الاستعمارية، فوسعت حدودها في ليبيا والصومال، وأخذت إيطاليا تؤكد دورها القيادي في البحر المتوسط، وزادت حدة الأطماع الإيطالية بتولي موسوليني الحكم، وكان يريد إعادة أمجاد روما القديمة في حوض البحر المتوسط. وفي أوائل عام 1935 قامت إيطاليا بعقد معاهدة سرية مع فرنسا حول المستعمرات، وفي أواخر 1935 بدأت إيطاليا تصطنع «حوادث حدود» بين مستعمراتها في القرن الأفريقي وبين الحبشة، وسرعان ما قدمت الحبشة شكوى إلى عصبة الأمم التي قررت بدورها فرض حظر على تصدير الأسلحة والذخيرة إلى إيطاليا، ولكن هذا القرار ظل غير نافذ، واستطاعت إيطاليا أن تنتصر على الحبشة بقوة تسليحها، ورغم المقاومة الحبشية الباسلة سقطت أديس أبابا في منتصف 1936، ونودي على ملك إيطاليا إمبراطورا على الحبشة.
ولكن إمبراطورية إيطاليا في شرق أفريقيا لم يطل بها العمر؛ ففي عام 1940 دخلت إيطاليا الحرب إلى جانب ألمانيا، وفي 1941 فقدت كل مستعمراتها في شرق أفريقيا، وفي عام 1942 بعد معركة العلمين، فقدت أيضا آخر مستعمراتها: ليبيا. وبعد الحرب أعيد تنظيم المستعمرات الإيطالية على النحو التالي: (1)
في 1952: دخلت إريتريا اتحادا مع الحبشة بقرار الأمم المتحدة. (2)
في 1950: وضع الصومال الإيطالي تحت الوصاية الدولية لمدة عشر سنوات استقل على إثر انتهائها. (3)
بعد سقوط شمال أفريقيا في أيدي الحلفاء أصبحت بريطانيا وصية على إقليمي برقة وطرابلس، وفرنسا وصية على إقليم فزان. وفي 1952 قررت الأمم المتحدة إعلان استقلال الأقاليم الثلاثة باسم مملكة ليبيا المتحدة.
وعلى هذا النحو كان مصير أفريقيا بين التقسيم والاستقلال تاريخا حافلا لهذه القارة الكبيرة، ولم يعد الحصول على الاستقلال منتهى أمل الأفريقيين، بل هم يطمعون في وحدة أو وحدات سياسية أكبر، ولكن قواعد هذه الوحدة أو الاتحاد ما زالت غامضة غير منظورة، ولا شك أن التجربة والخطأ هو المنهج الوحيد الذي سوف يؤدي بالقارة إلى تلمس قواعد راسخة لشكل من أشكال الائتلاف والتواحد.
إن مجلس وزراء أفريقيا ومنظمة الوحدة الأفريقية وأنواع الاتحادات المختلفة في القارة، لهي خطوات على طول الطريق المؤدي إلى تحقيق آمال القارة في قطع شوط طويل للحاق بركب التقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي العالمي. إن بقاء الاستعمار البرتغالي وعنصرية الحكم جنوب الزمبيزي لهي من الحوافز التي تساعد على التضامن الأفريقي المعاصر.
مراجع وكتب لمزيد من الاطلاع
Bovil, E. W., 1958. “The Golden Trade of the Moors”. London.
Fage, J. D., 1958 “An Atlas of African History” London.
Fage, J. D., & R. Oliver, 1962 “A short History of Africa” London.
Hailey, 1956 “An African Survey” Oxford.
Hassert, K, 1943 “Die Erforschung Afrikas” Leipzig.
Kimble, G. H. T., 1960 “Tropical Africa” New York.
الفصل الثاني
المميزات العامة للقارة
يتكون العالم القديم من كتلة قارية واحدة تتخللها ألسنة المحيط وأذرعته لتشكل لنا ما عرفه الإنسان منذ زمن قديم باسم «آسيا - أوروبا - أفريقيا»، ويمكننا في الواقع أن نقسم كتلة العالم القديم إلى كتلتين فقط هما: أوروآسيا - وأفريقيا؛ إذ إن هناك جبهة التحام من اليابس تربط آسيا وأوروبا معا لمسافة تقترب من خمسة آلاف من الكيلومترات، بينما الالتحام الأرضي الأفريقي الأوروبي معدوم، والأفريقي الآسيوي لا يتجاوز 125 كيلومترا هو برزخ السويس الذي شقت فيه قناة السويس، وبذلك قضى على الاتصال البري بين أوروآسيا وأفريقيا. ورغما عن هذه الفواصل، فإن العلاقات البشرية والحضارية لكتلة العالم القديم تشابكت وتدعمت على مر العصور، وأنتجت عالما خليطا في وسط هذه الكتلة القارية حول شواطئ البحر المتوسط، بينما تركزت السلالات والحضارات الأكثر نقاء في أطراف الكتلة القديمة: في شرق آسيا المغول وحضاراتهم، وفي شمال وغرب أوروبا السلالة البيضاء وما لها من مميزات حضارية خاصة، وفي الجنوب الغربي الزنوج وتجمعاتهم الحضارية المختلفة.
من ناحية الصورة نستطيع أن نقول إن أفريقيا جزيرة ضخمة تكاد تلتصق بأوروآسيا، ويفصلها عن أوروبا البحر المتوسط، وعن آسيا البحر الأحمر، ولكن من ناحية التطبيق وواقع الأمور، فإن تصوير أفريقيا على أنها جزيرة لا يستقيم أبدا وارتباطاتها المكانية والبشرية والحضارية بالعالم الأوروآسيوي.
وربما كان أقرب تصوير للوضع أن أفريقيا شبه جزيرة كبيرة؛ فالبحر الأحمر لسان ضيق يمتد من المحيط الهندي متوسط عرضه حوالي 180 كيلومترا، فضلا عن ضيق طرفه الجنوبي في صورة مضيق باب المندب (28 كيلومترا)، وارتداده في الشمال عن الاتصال بالبحر المتوسط.
والبحر المتوسط أكبر وأضخم من البحر الأحمر؛ فبين الجزائر ومرسيليا قرابة 750 كيلومترا، وبين الإسكندرية ورودس 600 كيلومتر، ولكن أفريقيا وأوروبا تكادان تتلامسان في أقصى الغرب إلا من مضيق جبل طارق (14كم)، ورأس أدار (بون) في تونس تبعد عن صقلية 140 كيلومترا، فالبحر المتوسط بأبعاده العريضة ليس فاصلا مانعا، خصوصا وأن أشباه الجزر الأوروبية تمتد في اتجاه أفريقيا: إيبريا وإيطاليا والبلقان، بالإضافة إلى أن البحر مليء بالجزر التي تقرب المسافات، مما يجعل أطوال الرحلة البحرية في حقيقته أقل من الرقم المجرد - ويجعل من البحر المتوسط وسيلة ربط لا فصل - وفيما عدا ذلك تتوغل سواحل أفريقيا الشرقية والغربية في قلب المحيط، فإلى الجنوب من رأس جوردافوي (رأس عسير) في شرق أفريقيا تزيد الشواطئ الآسيوية في الابتعاد عن الأفريقية على النحو التالي:
ساحل ملبار
2500كم
رأس جوردافوي
جزر سوندا
6800كم
جزيرة زنجبار
غرب أستراليا
8100كم
ساحل ناتال
وتبتعد سواحل أفريقيا عن الأمريكتين مسافات شاسعة عبر المحيط الأطلنطي على النحو التالي:
سواحل المغرب
6850كم
فلوريدا
سيراليون
2800كم
رأس سان روك
مصب الأورنح
6300كم
جنوب البرازيل
وأخيرا فإن هناك قرابة 4000 كيلومتر من المحيط الجنوبي تفصل بين إقليم الكاب وقارة القطب الجنوبي. وفيما يختص بامتداد أفريقيا في درجات الطول والعرض نجد الوضع كالآتي:
أقصى نقطة في الشمال
رأس أنغيلا (تونس)
37,20 شمالا
أقصى نقطة في الجنوب
رأس أجولهاس
34,50 جنوبا
أقصى نقطة في الشرق
رأس حافون
51,20 شرقا
أقصى نقطة في الغرب
رأس فرد
17,33 غربا
وتأخذ القارة صورة مستطيلين متصلين معا في الشرق والوسط، وأكبر طول من الشمال إلى الجنوب 8000 كيلومتر، وأقصى عرض 7600 كيلومتر.
وتؤدي هذه الأبعاد الكبيرة مع عدم وجود البحار والخلجان الطويلة إلى ابتعاد أجزاء كبيرة من القارة عن ساحل البحر، ويمكننا أن نوضح هذه الحقيقة بمقارنة الأرقام في كل من أفريقيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية على النحو التالي:
جدول 2-1: النسبة المئوية من مساحة القارة وبعدها عن البحر.
القارة
250
250-500كم
500-1000كم
1000-1500كم
1500كم فأكثر
أفريقيا
33
19
31
23
4
أمريكا الجنوبية
31
22
31
16
أوروبا
51
23
19
7
ومعنى هذا أنه في الوقت الذي يبعد 42٪ من مساحة القارة عن البحر بمسافة 500 كيلومتر، فإن مساحة الأجزاء المقابلة من أمريكا الجنوبية 53٪، ومن أوروبا 74٪، والأجزاء التي تبعد عن البحر بأكثر من 500كم في أفريقيا تساوي 58٪، بينما في أمريكا الجنوبية 47٪، وفي أوروبا 26٪ فقط، وهذا يفسر لنا بوضوح لماذا توجد دول كثيرة في أفريقيا لا تتمتع بأية سواحل على المحيط رغم كبر مساحتها (مالي مساحتها 1204000كم
2 ، وتشاد 1284000كم
2 ، والنيجر 1198000كم
2 ، وزامبيا 746000كم
2 ) ويفسر أيضا أن معظم الدول الأفريقية لها جبهات بحرية قصيرة ومساحات كبيرة في الداخل (الكنغو مساحته 2344000كم
2 ، وطول ساحله على البحر 40كم، والجزائر مساحتها 2381000كم
2 ، وطول ساحلها 1300كم، وتتعمق في الداخل إلى مسافة 2000كم، والسودان مساحته 2500000كم
2 ، وطول ساحله حوالي 700كم، ويتعمق في الداخل مسافة 1800كم).
وتتأكد هذه الحقيقة مرة أخرى إذا عرفنا أن أطوال سواحل أفريقيا كلها 304000 كيلومترات، أي كيلومتر من الساحل لكل ألف متر مربع من المساحة، بينما هذه النسبة هي 4,1 كيلومترات من الساحل لكل ألف كيلومتر مربع من مساحة أوروبا، وسبب هذا راجع إلى قلة التعريجات.
وفي أفريقيا لا نظير للخلجان الكبيرة مثل خليج المكسيك أو الهدسن أو بحر البلطيق أو الأسود، ولا توجد أشباه جزر كبيرة كما هو الحال في آسيا الصغرى أو البلقان أو إيبريا أو فلوريدا أو الملايو، وأكثر الشواطئ الأفريقية تعرجا تلك التي توجد في شمال غرب أفريقيا، وفي منطقة سيراليون وغينيا، وفي إقليم الكاب والساحل الشرقي من موزمبيق إلى كينيا ... ولكن هذه التعرجات صغيرة بحيث لا تظهر على الخرائط العامة للقارة.
وإلى جانب نقش الخلجان وأشباه الجزر تتميز أفريقيا بصغر عدد الجزر التي تضم إلى القارة، وتبلغ مساحة الجزر الأفريقية 653000 كيلومتر مربع، تتركز في جزيرة مدغشقر التي تحتل أكبر مساحة من الجزر، ثم تتوزع المساحة الباقية على الجزر الأخرى العديدة. ويبين الجدول التالي أهم الجزر الأفريقية ومساحاتها:
جزر المحيط الهندي
جزر المحيط الأطلنطي
الجزيرة أو المجموعة
المساحة كم
2
الجزيرة أو المجموعة
المساحة كم
2
مدغشقر
590000
الكناريا
7273
سقطرة
3579
كيب فرد
4033
ريونيون
2510
فرناندوبو
2017
قومورو
2171
سوتومي وبرنسيب
964
موريشس
1856
ماديرا
740
زنجبار
1658
سانتا هيلانا
122
بمبا
984
ترستان داكوانها
98
سيشل وأميرانت
404
اسانشن
88
وعدم وجود التعاريج في ساحل القارة يؤدي إلى عدم وجود موانئ طبيعية إلا في الأحوال النادرة، وأحسن منطقة فيها موانئ هي منطقة الالتواءات الألبية في الشمال والجنوب، حيث تتداخل السلاسل الجبلية مع ساحل البحر مما أدى إلى نشأة خلجان صغيرة تصلح أن تقوم فيها الموانئ. فيما عدا ذلك فالموانئ الأفريقية صناعية؛ لتمنع الإرسابات النهرية والبحرية، وتدرأ خطر الحواجز المرجانية - مثل موانئ البحر الأحمر وغرب أفريقيا.
والأرصفة القارية في أفريقيا قليلة جدا، وتظهر بوضوح في منطقة جنوب أفريقيا، حيث يمتد الرصيف ما بين أجولهاس وكيبتاون وبورت إليزابث، ويتوغل إلى الجنوب حوالي 100 ميل على شكل مثلث، وبطبيعة الحال فإن قلة الأرصفة القارية تؤدي إلى قلة الثروة السمكية البحرية في أفريقيا.
وقد أدى عدم وجود المرافئ الطبيعية وقلة وجود الأرصفة القارية إلى عدم اهتمام الأفريقيين بالبحر، فيما عدا الساحل الأفريقي الشمالي، والحقيقة أنه قلما توجد قارة لا يهتم أهلها بالبحر مثل أفريقيا إلا في أحوال نادرة.
الفصل الثالث
موجز التاريخ الجيولوجي
(1) التكوينات الأركية
كانت أفريقيا تكون جزءا من قارة أضخم هي جندوانالاند، بدأت تنكسر في الزمن الجيولوجي الثاني، وكان تكوين جنداونا أساسا من الصخور البلورية: الشيست، الكوارتز، الفيلليت، المرمر، وغير ذلك من الصخور الجوفية، بالإضافة إلى تداخل كتل جرانيتية ضخمة.
وفوق هذه القاعدة من الصخور القديمة تكونت الصخور الأحدث في طبقات تكاد تكون أفقية أو مائلة قليلا، ولكن عوامل التعرية وحركات الأرض اللاحقة قد أظهرت مساحات ضخمة من الصخور القديمة على سطح القارة الأفريقية.
وأكثر مناطق أفريقيا التي درست جيولوجيا دراسة جيدة هي جنوب أفريقيا، وقد انتهت الدراسات إلى وجود تكوينات قديمة جدا يطلق عليها خيز-سوازي
Kheis-swasi
في شمال وشرق الترنسفال، هذه التكوينات التي يظهر فيها الجرانيت والشيست، ترجع إلى قرابة 1200 مليون سنة، ومثل هذه الطبقات موجودة أيضا في جنوب غرب أفريقيا باسم تكوينات أبابيس
Ababis . وفي منطقة خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو في إقليم الازاندي تظهر تكوينات مماثلة، وكذلك في هضبة غينيا العليا، وفي الأقسام الوسطى والغربية من الصحراء الكبرى ، وفي جبال البحر الأحمر، وهذه التكوينات في مجموعها تظهر فيها ظاهرة عدم التناسق، وهي في الغالب دليل على حدوث التواءات ضخمة سميت الالتواءات الأفريقية القديمة، تلاها فترة طويلة من التعرية. (2) تكوينات ما قبل الكمبري
وفي مناطق كثيرة من أفريقيا تلت تكوينات الأركي صخور ملتوية ومتحولة تمثل حقبة طويلة سابقة على الزمن الأول تسمى الكمبري، وأقدم صخور هذه الحقبة مجموعة تسمى سنكلير
Sinclair
التي تسودها تكوينات من اللافا قديمة، يتلوها مجموعة وتواترزراند
Witwatersrand
التي يبلغ سمكها قرابة 7000 متر من الكوارتز والكونجلومرات، والغالب أنها إرسابات مياه عذبة، أو على الأقل بحر داخلي. وإحدى طبقات هذا التكوين (تسمى بانكتس
Bankets ) تحتوي على عروق ضخمة من الذهب، وفوق وتواترزراند طبقات غير متناسقة من تكوين سميك (3000 متر) يسمى فنترزدورب
Ventersdorp ، ويتميز بمصهورات بركانية سميكة.
وتنتشر صخور مماثلة ل «وتواترزراند» وفنترزدورب في كل شرق أفريقيا، وفي أحيان - حسب معلوماتنا الراهنة - في وسط وغرب أفريقيا.
وفي خلال حقبة ما قبل الكمبري حدثت الالتواءات الأفريقية الوسيطة (880 مليون سنة)، وقد أدت هذه الحركة إلى التواء كتل سميكة من الصخور الطباقية تداخلت فيها مجموعات عديدة من الجرانيت، وبانتهاء هذه الحقبة كان بناء قارة جندوانا قد تم فصوله، وزاد عليه عوامل التعرية التي أعطت القارة صورتها بعد الالتواء الأفريقي الوسيط، والنتيجة النهائية للالتواء والتعرية تظهر في أشكال عديدة، نذكر منها تكوينات كايجا في جنوب أفريقيا، وناما في جنوب غرب أفريقيا، وترانسفال في جنوب شرق أفريقيا. وفي داخل هذه التكوينات تظهر أول صخور فحمية في أفريقيا إلى جانب الكوارتز والشيست؛ الإرسابات البركانية والجرانيتية. ويبلغ سمك الصخور الكربونية في الترنسفال حوالي مائة متر متكونة من حجر جيري ودولوميت، ومن الناحية الاقتصادية يظهر في هذه التكوينات كوارتز حديد، وكذلك تظهر ركامات نهائية مما يؤكد وجود عصر جليدي. وهناك تكوينات أحدث تسمى واتربرج-ماتساب
Waterberg-Matsap ، وتتركب من صخور رملية ملونة وكونجلومورات.
جدول 3-1: جدول يوضح أهم الأحداث الجيولوجية في أفريقيا.
الزمن
العمر
حركات تكوين الجبال
اسم التركيب الجيولوجي
مليون سنة
في جنوب أفريقيا
في بقية أفريقيا
الثالث
تكوينات كلهاري
تكوينات بركانية (شرق أفريقيا)
التواء الأطلس
100
الثاني
الحجر الرملي النوبي (السودان ومصر)
التواء الكاب
تكوينات لولابا-لوبلياش (الكنغو)
200
تكوينات الكاروو (بوفورت وشترومبرج)
تكوينات وانكي (زمبيزي)
الأول
300
التواء كاتنجا
تكوينات لوكوجا (الكنغو)
400
تكوينات الكاب
تكوينات أطلس الخلفية
500
الالتواء الأفريقي الجديد
600
ما قبل الكمبري
تكوينات واتربرج (ماتساب)
تكوينات كوند ولونجو (الكنغو)
700
تكوين ترنسفال
تكوينات ناما (ج. غ. أفريقيا)
800
الالتواء الأفريقي الوسيط
900
تكوين كايجا (فنتترزدورب)
1000
تكوينات دامارا (ج. غ. أفريقيا)
الأركي
وتواترزراند سنكلير
1100
الالتواء قبل الأفريقي
1200
مجموعة أبابيس (ج. غ. أفريقيا)
تكوينات خايز-سوازي
خريطة رقم (3): (1) الصخور الأركية. (2) تكوينات ما قبل الكمبري. (3) تكوينات الزمن الأول. (4) تكوينات الكاروو. (5) مناطق الالتواء. (6) التكوينات الجيرية للزمنين الثاني والثالث. (7) غطاءات اللافا في الزمنين الثالث والرابع. (8) التكوينات الحوضية في الزمن الرابع.
وفي نهاية حقبة ما قبل الكمبري (550-600 مليون سنة) حدثت التواءات كبيرة، هي الالتواء الأفريقي الجديد الذي أدى إلى تشكيلات جديدة وتداخل جرانيتي كبير، ومن أهم الأمثلة على المناطق التي تأثرت بهذا الالتواء تكوينات كوندولونجو السميكة (5000 متر) في كاتنجا، وهنالك تكوينات مماثلة ربما عادت إلى الزمن نفسه في مناطق متفرقة من شرق وغرب أفريقيا والصحراء الكبرى، كما يعود إلى الفترة نفسها تكوينات أطلس الخلفية التي - بفضل الحفريات الموجودة فيها - تعود في الواقع إلى الفترة بين حقبة ما قبل الكمبري والزمن الأول، ومثل هذا التكوين يكاد لا يكون له نظير في بقية العالم. (3) تكوينات ما بعد الكمبري
وتدل التكوينات الكربونية على أن جزءا من جنداونا كان يقع تحت البحر في حقبة ما قبل الكمبري، بعد ذلك ظلت معظم القارة في الزمن الأول والثاني والثالث فوق مستوى البحر إلا من أجزاء هامشية وخاصة في الزمن الثاني ، أما التكوينات التي حدثت في الزمن الأول والثاني والثالث والرابع، فهي إما إرسابات أرضية أو بحيرية. في الزمن الأول ظلت أفريقيا فوق سطح البحر إلا من انخفاضات في جنوب ووسط القارة، وأهم مثال على تكوينات الباليوزوي القديم تكوينات الكاب (3000) التي تظهر في جبل تيبول
Table
المشرف على مدينة كيبتاون.
وفي أواخر الزمن الأول نجد التكوينات الكربونية والبرمية في القسم الجنوبي من أفريقيا (6500 متر)، وتظهر بوضوح في تكوينات الكاروو، وتنقسم تكوينات الكاروو إلى بوفورت
Beaufort ، وشترومبرج
Stromberg
اللذين ينتميان إلى الترياسي (زمن 2)، وكان ذلك آخر تكوينات الكاروو، ويتميزان بطفوح وغطاءات ضخمة من اللافا سمكها 1375 مترا في طبقات متعاقبة، ومن مناطق ظهورها المثالية كاتلامبا على ارتفاع 3000 متر فوق سطح البحر.
وتظهر تكوينات آخر الأول والترياسي في مناطق أخرى من أفريقيا، ومن هذه المناطق تكوينات حقول فحم وانكي في منطقة الزمبيزي، كما تظهر تكوينات مماثلة للكاروو في شرق أفريقيا. وفي شرق الكنغو تنتمي تكوينات لوكوجا ولوالابا-لوبيلاشي إلى نفس الزمن، وكذلك تظهر تكوينات مماثلة في السودان ومصر العليا كجزء من التركيب الصخري السائد المسمى الحجر الرملي النوبي.
ومن ناحية أخرى تميز أواخر الأول والترياسي بحركة الالتواء في جنوب القارة التي تظهر في سلسلتي لانج برجن وزفارتبرجن.
ومن بداية الجوراسي تنتهي الإرسابات الضخمة على القارة الأفريقية، وتبدأ الحركات التكتونية التي أعطت القارة صورتها الحالية، فالإرسابات البحرية في الزمن الثاني - وخاصة إرسابات الكريتاسي - تظهر في هوامش القارة فقط.
تظهر تكوينات الجوراسي البحرية في جنوب تونس، وليبيا، وإريتريا، والصومال، وتنجانيقا، ومدغشقر، ولكنها تتكون في الوقت الراهن من مناطق منقطعة غير متصلة في صورة أشرطة إرسابية ضيقة، وقد ارتبطت إرسابات الجوراسي في شمال أفريقيا بامتدادات بحر تيثس، بينما تدل إرسابات الجوراسي في شرق أفريقيا على أن المحيط الهندي ومضيق موزامبيق كانا على قيد الوجود في ذلك الوقت.
أما التكوينات الكريتاسية فتغطي شمال أفريقيا وهوامش القارة في الجنوب، وتتركب هذه التكوينات إما من حجر جيري أو حجر رملي، وأكبر امتداد للحجر الرملي هو ذلك الذي يظهر في جنوب مصر وشمال السودان وجنوب ليبيا باسم الحجر الرملي النوبي الذي يرجع معظمه إلى الكريتاسي، ولكن بعضه يرجع إلى أواخر الزمن الأول كما سبق الكلام. وتميز الكريتاسي في جنوب القارة بحركات بركانية واسعة، أدى بعضها إلى ظهور الماس في عروق البراكين القديمة، ويسمى ذلك النوع باسم كمبرلي نسبة إلى مدينة كمبرلي، كما يظهر في تكوينات قاع الأنهار أو الشواطئ، كما هو الحال في مناجم كساي وفي البانكتس (وتواترزراند) وجنوب أفريقيا، والقسم الغربي من شرق أفريقيا (بركاني كمبرلي).
وحينما حل الزمن الثالث كانت أفريقيا في مجموعها قد أخذت صورة قريبة جدا من صورته الحالية، فتكوينات الزمن الثالث البحرية في جنوب القارة نادرة جدا، وفي داخلية القارة نجد تكوينات حوض كلهاري - سمكها 140 مترا من الجير والطين والرمال، التي ما زالت تتكون حتى الآن - وفي السواحل الشرقية والغربية للقارة توجد أشرطة متراوحة العرض من تكوينات الحجر الجيري الثالث، وفي داخل الأخدود الأفريقي توجد تكوينات مياه داخلية وعذبة من الثالث أيضا. وأكبر امتداد لتكوينات الثالث الجيرية هي بلا شك تلك التي توجد في شمال القارة، والتي ارتبطت بتراجع ببحر تيثس إلى الشمال، لينكمش ويكون البحر المتوسط الحالي. وقد ارتبط الزمن الثالث في أفريقيا بحركتين: الأولى تكوين الأخدود الأفريقي التي سنبحثها بعد قليل بالتفصيل، والثانية حركة بناء الجبال الالتوائية في شمال غرب القارة، وقد ارتبطت هذه الحركة بتكوين الجبال الألبية في أوروبا وآسيا، وأدت في أفريقيا إلى تكون سلاسل جبال الأطلس المعروفة في بلاد المغرب، وبذلك تكون الحركات الالتوائية قد اقتصرت على أقصى جنوب القارة في الزمن الثاني، وأقصى شمالها الغربي في الزمن الثالث. (4) الأخدود الأفريقي
أكبر ما يميز الزمن الثالث الحركات التكتونية الضخمة في شرق أفريقيا التي بدأت مع أواخر الكريتاسي، ولكنها بلغت أوجها في الثالث والرابع؛ فأخدود البحر الأحمر، وبقية الأخدود الأفريقي داخل شرق أفريقيا، والقرن الأفريقي، والانكسارات العديدة، وحركات الرفع في القسم الجنوبي الشرقي من القارة، هي كلها نتائج للحركة الأرضية الضخمة في الثالث والرابع، وسبب هذه الحركات ما زال غير معروف، وسوف نعالج - في إيجاز شديد - بعض الدراسات التي دارت حول تكوين الأخدود.
خريطة رقم (4): الأخدود في شرق أفريقيا. معدلة عن:
L. D. Stamp, “Africa” 1964. P. 50 .
يمتد الأخدود الأفريقي من جنوب بحيرة نياسا، وربما من ساحل المحيط الهندي قرب مصب الزمبيزي إلى بحيرة نياسا التي تقع داخله، ثم يتفرع شمال نياسا إلى فرعين، الغربي منهما أقصر ولكنه واضح في معظم جهاته، ويمتد في اتجاه شمالي غربي، ثم إلى شمالي، وأخيرا شمالي شرقي فيما يشبه القوس، ويشتمل على بحيرات تنجانيقا، ثم كيفو، ثم إدوارد، ثم ألبرت، وينتهي قرب لادو عند بداية بحر الجبل، ويشتمل بذلك على نيل ألبرت ونهر السمليكي. أما الفرع الشرقي فيتجه شمالا مع انحراف بسيط تجاه الشرق عبر تنجانيقا، وهو في هذا الجزء أحيانا غير واضح المعالم والحدود، ويكمل مساره شمالا في كينيا وإثيوبيا حتى البحر الأحمر، ويشتمل على مجموعة من البحيرات الصغيرة مثل بحيرة نيفاشا وناكورو وبارينجو، وهو في كينيا محدد جدا، وتمتد حوافه شرقا وغربا في شكل هضاب عالية ترتفع فوقها جبال عالية مثل كينيا إلجن، ويحتوي الأخدود على بحيرة رودلف في شمال كينيا، ثم يأخذ الأخدود عدة اتجاهات مختلفة إلى الشمال والشمال الشرقي، وهو بذلك يقسم كتلة الحبشة إلى الهضبة الجنوبية الشرقية التي تسمى هضبة الصومال، والهضبة الشمالية الغربية والتي يطلق عليها فعلا هضبة الحبشة.
ويحتوي الأخدود في هذا المسار على مجموعة من البحيرات الصغيرة مثل شالا وزفاي ومعظم وادي نهر هواش.
وعند درجة العرض العاشرة يتفرع الأخدود مرة أخرى إلى فرعين ويغير اتجاهه، وربما كان السبب في ذلك راجع إلى وجود كتلة قديمة من صخور شديدة الصلابة استطاعت مقاومة الانكسار وتحملت الانزلاقات الأرضية، هذه هي هضبة الدناكل.
أما الفرع الأقصر فيمتد شرقا ويشمل خليج عدن، أما الفرع الأطول فيتجه إلى الشمال الغربي، ويشتمل على كل حوض البحر الأحمر بخليجيه «العقبة والسويس»، وحوافه معروفة في مصر والسودان باسم جبال البحر الأحمر - وباسم جبال الحجاز في اليمن وعسير والحجاز على الشاطئ الشرقي للبحر الأحمر. ومن خليج العقبة يأخذ الأخدود مسارا يمتد شمال الخليج حتى ينتهي تقريبا في أقدام جبال طوروس، ويشتمل على البحر الميت، وبحيرة طبرية، وسهل البقاع، وأجزاء من وادي نهر العاصي. (4-1) محاولة تفسير ظاهرة الأخدود الأفريقي
جريجوري
Gregory :
ثنية أو طية أو قوس فوق شرق أفريقيا تدعمه وتضغط عليه ضغوط جانبية في الكريتاسي، ثم حدث هبوط في جندوانا كون المحيط الهندي، مما أدى إلى فقدان الضغوط الجانبية التي كانت تدعم ثنية شرق أفريقيا، مما أدى إلى انهيار في الأجزاء العليا من المحدب، وتكون بذلك الأخدود ومظاهر البركنة في شرق أفريقيا في الزمن الثالث.
هولمز
Holmes :
تضاغط في قشرة الأرض مما أدى إلى انكسارات قافزة، وفي رأيه أن الكتل القافزة الرئيسية قد ركبت فوق الكتل السفلى
underthrust
فزادت من ضغطها إلى أسفل، وهذا الضغط يؤدي إلى إحداث خط انكسار قافز ثان مواز للأول ولكنه يواجهه، وهكذا توجد كتلتان قافزتان مواجهتان لبعضهما عبر أرضية واد متكون من كتلة واحدة تحمل ضغط الكتلتين القافزتين، وأرضية الوادي هذا تأخذ في الهبوط التدريجي حتى تصل الحالة إلى التوازن الأرضي الطبيعي. (4-2) تعليق
بعد رفع كثير من أفريقيا على خرائط تفصيلية بعد عام 1945، فإنه قد ثبت أن كلا من هاتين النظريتين المتعارضتين بسيط وغير كاف لتفسير ظاهرة الأخدود. مثلا كان التفكير أن الأخدود تكون في نهاية الكريتاسي، ولكن الأبحاث الحديثة دلت على أنه أقدم بكثير؛ لأن خطوط الانكسار تتبع انكسارات تكونت فيما قبل الكمبري، وهكذا فإن انكسارات الكريتاسي والثالث ليست إلا مرحلة من مراحل تطور هذه الظاهرة، وبناء على هذا يري ديكسي
Dixy
في دراسة له عام 1956 عن الأخدود، أنه يبدو أن حركات الكريتاسي والثالث ناجمة عن شد، بينما الضغوط هي سبب الانكسارات الأقدم. ويرى ديكسي وغيره من الخبراء أن الحركات العمودية التي أدت إلى ما يسمى ب «الأحواض والهضاب» في تركيب أفريقيا هي حقيقة المفتاح للمشكلة، وما زالت الدراسات عاجزة عن حل المشكلة.
خريطة رقم (5): جندوانالاند حسب التوزيع الحالي للكتل القارية.
خريطة رقم (6): جندوانالاند (حسب
King ). المناطق السوداء توضح التكوينات الحالية للكاروو، والمناطق المنقطة توضح احتمال انتشارها السابق عن
H. Church Africa
1964 ص18. (4-3) نظريات زحزحة الأرض وارتباطها بأخدود أفريقيا وسواحلها الانكسارية
فجنر
Wegener :
في سنة 1910، أعلن عن نظريته الخاصة بأن قارات العالم جميعا كانت قارة واحدة أسماها بانجايا
، وذلك بناء على مقارناته لسواحل المحيط الأطلنطي المتقابلة، بالإضافة إلى وجود أنواع متشابهة من التركيب الجيولوجي في جنوب أفريقيا وسلسلة سيرا في بيونس أيرس. هناك نواقص شديدة كثيرة في نظرية فجنر، والذي يهمنا أن فجنر في تأييده لفكرة الشد والجذب التي أدت إلى تكوين الأخدود، قد وسع هذه الفكرة لكي يكون الشد العامل الأساسي في تحطيم بانجاي، وإذا صح ذلك فإن أجزاء شرق أفريقيا التي تقع شرق الأخدود الكبير سوف تنفصل في بضع ملايين السنين القادمة عن القارة نهائيا!
دي توات
Du Toit :
في سنة 1937 نشر كتابه
Our Wandering Continents ، وفيه أدلة جديدة تأييدا لقضية زحزحة القارات، ولكنه اقترح قارتين بدلا من بانجاي، هما: لوراسيا (أمريكا الشمالية - أوروبا - آسيا)، وجندوانالاند (بقية قارات العالم + الهند)، ومن ثم فإن أفريقيا في نظرية دي توات كانت قلب ومركز جندوانا، وهذا هو ما أكده الأستاذ
King
بناء على الصبغة القارية الأساسية التي لصخور أفريقيا، ومن الأدلة القوية على وجود جندوانا منفصلة عن لوراسيا شيوع نبات
glossopeteris
في التكوينات الكربونية في البرازيل وأفريقيا والهند وأستراليا، وانعدام وجوده في التكوينات الكربونية في أوروبا وأمريكا الشمالية.
ورغم معارضة عدد كبير من الجيولوجيين لفكرة زحزحة القارات، إلا أن هذه النظرية أخذت تلقى تأييدا متزايدا في الفترة الأخيرة، ومن الأبحاث الجديدة. التي ترجح الزحزحة ما يعرف الآن باسم دراسة المغناطيسية القديمة
التي تؤكد أن الصخور النارية قد تميزت بطاقة مغناطيسية دائمة نشأت في الوقت الذي بردت فيه هذه الصخور، وتصلبت في الأزمان الجيولوجية السحيقة، وبناء على ذلك فإن دراسة خطوط الاتجاه المغناطي في تلك الصخور يساعد على تأكيد نظرية الزحزحة.
خريطة رقم (7): تركيب أفريقيا.
كذلك أشار عدد من الكتاب إلى التغيرات المناخية على أنها دليل على الزحزحة، مثلا تكوينات الكاروو في جنوب أفريقيا تبدأ بطبقات من التيلايت
Tillite ، وهو نوع من الطين الصخري المتحجر الذي يوضح أن تكوينات الكربوني في جنوب أفريقيا قد مرت في عصر جليدي، ومثل هذا التكوين موجود في الهند وأستراليا وأمريكا الجنوبية وإنتاركتيكا، ومعظمها من نفس العصر الكربوني. وهناك أشكال جليدية على الصخر الذي أرسبت عليه طبقة التيلايت، وهذه توضح بجلاء أن الجليد في مرحلة من مراحل ذلك العصر الجليدي كان ينبعث من مركز جليدي على مقربة من ساحل ناتال الحالي.
ومن المحال في الوقت الحاضر أن نجزم بشيء عن علاقة وارتباطات الأخدود الأفريقي بزحزحة القارات وتكسر جندوانا، وإلى أن تتم دراسات أكثر فإنه لا يمكن أن نعرف ما كان عليه الوضع في أفريقيا أو جندوانا تماما، ولا أسباب الانكسارات العديدة التي نلاحظها في منطقة الأخدود وساحل مدغشقر الشرقي، وانكسارات خليج بيافرا وجبال الكمرون وبامندا وباوتشي، وانكسار منطقة دكار وأغادير.
مراجع وكتب لمزيد من الاطلاع
Bally willis. 1936 “East African
Washington.
Bernard. d, A., 1937 “Afrique septentrionale et occidentale” Tom XI, Geographie Universelle Paris.
Du Toit, A. L., 1939 “The Geology of South Africa” Edinburgh.
Dixey. F. 1944 “African Landscape” Geog. Review, 1944. Vol 34.
Furon. R. 1960 “Geologie de l’Afrique” Paris.
Gregory, J. W. 1921 “The Rift Valleys and the Geology of East Africa” London.
Hening. E., 1938 “Afrika” in “Regionale Geologie der Erde”. hg. Von K. Andrée, H. A. Brouwer, V. W. H. Bucher. Leipzig.
King. L. C. 1951 “South African Scenery” London.
King. L. C. 1962 “The Morphology of the Earth” London.
Krenkel, E., 1925-1933 “Geologie Afrikas” Bd. I. II. III. Berlin.
Maurette, F., 1939 “Afrique equatoriale, Orientale et australe” Tom. XII, Gaographie Universelle. Paris.
Wegener, A., 1922. “The Origin of Continents and Oceane” London.
الفصل الرابع
تضاريس أفريقيا
(1) المميزات العامة للتضاريس
أفريقيا في معظمها هضبة عالية تختلف في ذلك عن أمريكا أو أوروبا أو حتى آسيا، رغم وجود الهضاب العالية الضخمة المساحة في آسيا، إلا أنه لا يوجد في أفريقيا من السهول ما نجد له نظيرا في سهول آسيا الضخمة: سهل سيبيريا الغربية، أو سهل الصين العظيم، أو سهول فيضية كبيرة كسهل الهندوستان. وعلى هذا فإن أفريقيا تأخذ مظهرا فريدا في تضاريسها بالقياس إلى القارات الأخرى، كما يتضح من الأرقام التالية:
القارة
أقل من 200 متر
من 200 إلى 500م
من 500 إلى1000م
من 1000 إلى 2000
أعلى من 2000
متوسط الارتفاع *
أفريقيا
15٪
35٪
28٪
19٪
3٪
670
أمريكا الجنوبية
43٪
26٪
16٪
6٪
9٪
580
أوروبا
57٪
27٪
10٪
5٪
1٪
300 *
متوسط ارتفاع آسيا 960 مترا، ومتوسط ارتفاع انتار كتيكا 2200مترا.
وعلى الرغم من قلة السهول، فهناك مساحات كبيرة من الهضبة الأفريقية مسطحة أو مستوية أو ما يشابه ذلك؛ فهي في الواقع سهول عليا مثل سهول أمريكا الشمالية العليا. ومن الأمثلة على ذلك هضبة البحيرات التي تكون في حد ذاتها سهلا متماوجا على ارتفاع متوسط قدره ألف متر إلى 1300 متر، يتخلله بعض العقد الجبلية المفردة في صورة المخاريط البركانية الضخمة، وكذلك جنوب السودان وسهل الكنغو وغير ذلك كثير في أفريقيا.
وتتكون أفريقيا من الناحية الجيولوجية من هضبة عظيمة الاتساع ذات قدم تاريخي قلما يوجد له نظير؛ فأجزاء كثيرة من القارة عمرها يزيد على 500 مليون سنة، كما أن حوالي ثلثها ينتمي إلى التكوينات الأركية التي يزيد عمرها على 800 مليون سنة، هذا إلى جانب تكوينات أحدث تمتد غالبا في شكل أشرطة ساحلية في النصف الجنوبي من القارة، وتشمل في النصف الشمالي حوالي نصف مساحة الصحراء الكبرى، وكلها من الصخور البحرية الإرسابية التي ظهرت كجزء من القارة نتيجة لتراجع ساحل البحر المتوسط. ونظرا لهذا التاريخ الجيولوجي فإن أفريقيا تتكون غالبا من عدد من الأحواض التضاريسية ذات المساحة الكبيرة التي تشغل سطح الهضبة القديمة، وهذه هي: حوض النيجر الأوسط، حوض تشاد، والحوض الليبي (الذي يجري فيه النيل الأوسط والأدنى)، حوض النيل (السودان الجنوبي والأوسط)، حوض أوغندا (تحتل بحيرة فكتوريا معظمه)، حوض الكنغو، وحوض كلهاري، وقاع هذه الأحواض مرتفع فوق سطح البحر، فمثلا قاع حوض كلهاري عند بحيرة نجامي يبلغ ارتفاعه 930 مترا، وحوض الكنغو يرتفع قاعه 330 مترا، وحوض تشاد 245 مترا، وإلى جانب ذلك توجد أحواض تنخفض تحت مستوى سطح من البحر من أهمها حوض إغرغر الشمالي في جنوب شرق الجزائر، وسلسلة من المنخفضات في الجمهورية العربية وليبيا: القطارة وسيوة وجعبوب. كما تتميز أفريقيا أيضا ببعض المنخفضات ذات التصريف الداخلي، وأكبرها حوض تشاد وحوض بحيرة رودلف في شمال غرب كينيا، والقسم الشمالي من حوض كلهاري (حوض بحيرة نجامي)، وعدد من الأحواض في الصحراء الكبرى التي تكون الواحات.
إلى جانب الأحواض الواسعة تتميز القارة بعدد من الهضاب العالية، أعلاها هضبة الحبشة وهضبة أفريقيا الجنوبية - تشتمل على هضاب باسوتو والفلد ومتابيلي وبيهي - وهضبة الحجاز في وسط الصحراء الكبرى. وتقل الجبال بكثرة في أفريقيا إذا قارناها بأوروبا ذات المساحة الصغيرة، فالجبال الحقيقية تتركز في منطقتين: الأولى في أقصى جنوب القارة في إقليم الكاب، وتتمثل في سلسلتي جبال لانج برجن - وامتدادها سلسلتي تزتزيكاما، لانج كلووف - وسلسلة زفارتبرجن. والمنطقة الجبلية الثانية توجد في شمال غرب أفريقيا، حيث تمتد سلاسل الأطلس المختلفة (الأطلس الكبرى - الأطلس الوسطي - الأطلس الخلفية - أطلس الريف - الأطلس البحرية أو الشمالية والأطلس الصحراوية، بما في ذلك أسماؤها المحلية).
أما ما يذكر في أفريقيا بكثرة باسم الجبال مثل جبال البحر الأحمر وجبال دراكنزبرج، فليست في الواقع سوى حافات الهضبة الأفريقية أو حافات الأخدود الأفريقي، أما بقية الجبال الأخرى مثل: كليمانجارو، وكينيا، الكمرون، إيمي، كوسي، توسيدية فهي جبال بركانية مفردة تميز المظهر التضاريسي لأفريقيا عن كثير من قارات العالم لكثرة انتشارها سواء في صورتها الخامدة أو النشطة .
ويلخص بعض العلماء تضاريس أفريقيا في ثلاثة أقسام هي: (1)
أفريقيا العليا: وتحتل كل القسم الجنوبي ويحدها خط يمتد من مصب الكنغو إلى جبال البحر الأحمر في مصر، ويشمل هذا القسم على أعلى هضاب وجبال أفريقيا. (2)
أفريقيا السفلى: وتشمل معظم بقية أفريقيا باستثناء منطقة شمال غرب أفريقيا. وتشمل أفريقية السفلى الصحراء الكبرى وغرب أفريقية ومعظم حوض الكنغو، وقد سميت سفلى لأنها أقل ارتفاعا من أفريقيا العليا. (3)
أفريقيا الصغرى: وتتكون من شمال غرب أفريقيا، وتتميز بظروف مناخية ونباتية أكثر غنى ووفرة من إقليم الأجداب الصحراوي المجاور، وهذا الغنى نجم عن ارتفاع سلاسل أطلس الجبلية إلى جانب وقوع المنطقة في العروض المعتدلة. (2) الأشكال العامة للتضاريس في أفريقيا جنوب خط الاستواء
يظهر في النصف الجنوبي من القارة أكبر جزء متكامل متصل من الهضبة الأفريقية القديمة، وتتميز هذه المنطقة بسيطرة المظهر الهضبي وقلة السهول الساحلية التي لا يزيد عرضها عن 30-50 كيلومترا إلا في أحوال خاصة، مثل منطقة موزمبيق، وفيما عدا ذلك الشريط الساحلي تظهر حواف الهضبة على الفور في ارتفاعات كبيرة بالقرب من الساحل.
وكما أن الهضبة هنا أكثر وضوحا واتصالا من أفريقيا شمال خط الاستواء، كذلك الأحواض الطبيعية أكثر وضوحا وتكاملا عن أحواض القسم الشمالي.
الهضبة الجنوبية
هذه الهضبة في الواقع هي أعلى أجزاء الهضبة الأفريقية القديمة وتتحدد حافاتها بوضوح تام، وأعلى أقسامها القسم الجنوبي الشرقي، تأخذ بعد ذلك في الانخفاض في صورة هضاب متلاحقة إلى الشمال حتى الزمبيري، ثم تعبره إلى زامبيا وأنجولا وتعود للجنوب مرة أخرى، وبذلك تحصر بينها منخفضا كبيرا هو حوض كلهاري الأوسط والشمالي.
وتبتعد الحافة الجنوبية للهضبة عن الساحل الجنوبي بمسافة كبيرة، تاركة منطقة جبلية لا تمت بصلة التاريخ والتركيب إلى الهضبة، وسنتكلم عنها فيما بعد. وتأخذ الحافة الجنوبية أسماء عديدة محلية هي من الغرب إلى الشرق: روجرفلد، نوي فلد، سنوي فلد، سترمبرج. وفي الشرق تقترب الحافة الهضبية من الساحل خاصة بعد بورت إليزابث، بحيث تكاد تشرف على المحيط مباشرة، وتستمر كذلك حتى جنوب ناتال، فتتقهقر إلى الداخل تاركة سهول ناتال الفسيحة. وتسمى الحافة الشرقية في شرق إقليم الكاب وفي باسوتولاند وناتال وشرق الأورنج وسوازي لاند، باسم حافة كاتالمبا أو دراكنزبرج، وتبلغ هذه الحافة أقصى ارتفاع لها وأشد تعقيد في بنيتها في باسوتولاند، فالحافة هنا تتكون أساسا من جحر رملي من العصر الترياسي يرتفع فوقها حواف من البازلت السميك، ويتراوح متوسط الارتفاع فيها حوالي 2500-3000 متر، وأعلى نقطة ترتفع إلى 3657 مترا.
وإلى الشمال من باسوتو تمتد هضبة الفلد الأعلى في الأورنج بارتفاعات تتراوح بين 1300 و2000 متر، وتمثل هذه الهضبة - على ارتفاعها - سطحا غير معقد التضاريس باستثناء بعض الجبال والتلال المنعزلة التي تسمى كوبييز
Kopjes . وعبر حوض الفال تمتد هضبة فلد السفانا الشجرية التي تشمل معظم الترنسفال شمال خط عرض بريتوريا، وتنحدر هذه الهضبة إلى سهول اللمبوبو الذي يحيط بها من الشمال والغرب والشرق في صورة قوس عظيم، وفلد السفانا الشجرية أقل ارتفاعا من الفلد الأعلى، ومتوسط ارتفاعها حوالي 1300 متر، وقد قطعت الأنهار الهضبة في اتجاهات انحدارها إلى الشرق والشمال والغرب، وأهم هذه الأنهار أوليفانتس الذي يلتقي مع اللمبوبو في موزمبيق، ونيل الذي ينحدر شمالا إلى اللمبوبو، وكروكدايل الذي ينحدر شمالا بغرب وينتهي أيضا إلى اللمبوبو.
وفيما وراء اللمبوبو وحتى حدود الزمبيري ترتفع هضبة المتابيلي العالية في روديسيا الجنوبية، وتمتد الكتلة في محور شمالي شرقي جنوبي غربي، وتتكون من صخور بلورية قديمة يتراوح ارتفاعها بين 1200 و1600 متر. وإلى الشرق من المتابيلي وعلى طول الحدود من بين الهضبة وسهل موزمبيق توجد هضبة عالية يطلق عليها أسماء محلية، منها مانيكا وإينيانجاني، وترتفع الهضبة الأخيرة إلى أعلى من 2000 متر، وأعلى نقطة فيها تصل إلى 3600 متر. وإلى الشمال من المتابيلي تنحدر الأرض في يسر إلى وادي الزمبيري باسم هضبة دجرنجولي والتي تنتهي فجأة في صورة الخانق الذي يجري فيه نهر الزمبيزي، وكذلك تنحدر المتابيلي تدريجيا إلى الغرب إلى إقليم ماتوبو الذي تخترقه أنهار صغيرة تنتهي بتصريف داخلي في مستنقعات مكاري كاري.
وعبر الزمبيزي تعود الأرض للارتفاع في إقليم باروتسي الهضبي فيما بين الزمبيزي ورافده كافوي. وإلى الشرق من كافوي تمتد هضبة متوسطة الارتفاع غير واضحة المعالم، يحدها جنوبا مجرى الزمبيزي وشرقا حافة أخدود نياسا، تتدرج شمالا في الانخفاض إلى مستنقعات وبحيرات الكنغو الأعلى وحافة أخدود تنجانيقا. ولعل أهم ظاهرة تضاريسية في المنطقة حافة هضبية عالية تسمى خطأ جبال موتشنجا، يتراوح ارتفاعها بين 1500-2000 متر، وتمتد هذه الحافة من الشمال الشرقي إلى الجنوب الشرقي، موازية لمسار نهر لوانجوا الذي ينبع من الحافة الأخدودية في شمال غرب نياسا وينتهي إلى الزمبيزي، وربما ساعدت عمليات النحت النهري التي يقوم بها نهر لوانجوا على إظهار حافة موتشنجا في صورتها الجبلية العالية.
وإلى الغرب من الزمبيزي الأعلى تتدرج الهضبة الأفريقية في الارتفاع حتى تبلغ أقصى ارتفاع لها في هضبة بيهي التي تسيطر على وسط أنجولا تقريبا. وتعد هضبة بيهي - رغم وقوعها في منطقة الأمطار الصيفية القليلة - خط تقسيم مياه مهما في هذا الجزء من أفريقيا؛ فإن الأنهار التي تنحدر على سفوحها الغربية والشمالية تنتهي إلى المحيط الأطلنطي مثل: نهر كوانزا والروافد الجنوبية لنهر كاساي، كذلك يتجه تصريف منحدرات بيهي الجنوبية الغربية إلى الأطلنطي في صورة أنهار عديدة، أهمها وأطولها نهر كونيني، أما منحدراتها الشرقية فتتجه في تصريفها إلى المحيط الهندي بواسطة الروافد العديدة لنهر الزمبيزي الأعلى. وأخيرا فإن مياه منحدرات بيهي الجنوبية الشرقية تتجه إلى التصريف الداخلي في حوض كلهاري الشمالي بواسطة عدد من الأنهار أهمها كوبانجو أو أكوانجو، وعلى الرغم من هذه الأهمية فإن بيهي لا ترتفع إلى أكثر من 1500-2000 متر فقط، وتتصل بيهي بحافة الهضبة الأفريقية الغربية التي تقترب هنا من الساحل، فلا تترك مسافة أكثر مائة إلى مائتي كيلومتر، وترتفع حافة الهضبة هنا في شكل سلمي ينتهي بالحافة الهضبية العالية التي يطلق عليها أسماء محلية عديدة منها: سيرادي، كورودا، أندرادي، وجبل تشيلي، وحافة كاوكو فيما بين لواندا وسفاكوبوند.
وتتدرج هضبة بيهي في الانخفاض حتى منطقة أمبالاند في القسم الشمالي من جنوب غرب أفريقيا، حيث تبلغ أقصى انخفاض لها في منطقة مستنقعات إتوشا، ثم يعود سطح الهضبة للارتفاع التدريجي جنوبا حتى يبلغ هضبة دمارا لاند المرتفعة، والتي يقلل من أهميتها كمنطقة ذات موارد مائية دائمة، أنها تقع في المنطقة الصحراوية من جنوب أفريقيا. وتتصل دمارا لاند جنوبا بهضبة أخرى هي هضبة ناما لاند الكبيرة التي تنتهي شمال الأورنج، وإلى الجنوب من الأورنج تعود حافة الهضبة إلى الظهور في صورة مرتفعات ناماكا لاند التي ترتبط بعد ذلك شرقا بالحافة الجنوبية عند روجرفلد.
وفي وسط هذه الدائرة من الهضاب يوجد منخفض كلهاري الأوسط والشمالي، ويرتفع قاع هذا المنخفض فوق سطح البحر، ولكنه ذو تصريف داخلي لقلة الأمطار ولإحاطته بهذه الهضاب، وتنتشر فوق سطح كلهاري البحيرات الملحية العديدة التي تنشأ نتيجة التصريف الداخلي الضعيف لمياه الأمطار.
ولعل أهم جزء من كلهاري هو قسمها الشمالي حيث تتوفر فيه موارد المياه بصورة غير عادية بالنسبة لإقليم صحراوي، والسبب في هذا راجع إلى أن المياه التي تصلها تأتي من مناطق خارج كلهاري، وأهم هذه الموارد المائية قاطبة نهر أوكوانجو الذي ينصرف إلى بحيرة نجامي في دلتا شاسعة تسمى دلتا أوكوانجو، ويساعد نهر كواندو، وهو الرافد الهام للزمبيزي الأعلى، في مد دلتا أوكوانجو ببعض المياه في موسم المطر؛ وذلك لأن أحد فروع الدلتا يتصل به قبل أن يغير كواندو مساره الأصلي من الجنوب الشرقي إلى الشمال الشرقي. وتنصرف مياه الدلتا الداخلية في خلال مواسم الفيضان إلى مستنقع هائل يقع إلى الجنوب الشرقي منها، هو مستنقع ماكاري كاري، أما المجرى الذي يصل الدلتا بماكاري كاري فيسمى بوتليتليه، وهو بطبيعة الحال مجرى مائي موسمي. كذلك تغذي بعضها أنهار روديسيا الجنوبية مستنقع ماكاري كاري من الشرق، وأهم هذه الأنهار هو نهر تاتا.
الجبال الالتوائية في أقصى جنوب القارة
وترجع هذه السلاسل إلى الالتواءات الهرسينية التي حدثت في أواخر الزمن الجيولوجي الأول، ومن ثم فإن عوامل التعرية قد قللت كثيرا من ارتفاعها، وتتكون هذه الجبال من مجموعتين: الغربية والشرقية، أما المجموعة الغربية فتتركز حول كيبتاون، وتنبعث من العقدة الجبلية المركزية التي تسمى عقدة سيرس-ورسستر عدة سلاسل جبلية هي سلسلة سيداربرج، وتتجه إلى الشمال الغربي وتنتهي عند نهر أوليفانتس وخليج سانت هيلانة، وسلسلة دراكنشتاين التي تتجه جنوبا وتنتهي في رأس أجولهاس.
أما المجموعة الجبلية الشرقية فتمتد في سلسلتين طويلتين من الشرق إلى الغرب تتوازيان مع ساحل البحر، السلسلة الداخلية تسمى زفارتبرجن، وتفصل بين الكاروو الكبير والصغير، وهي سلسلة متكاملة لا يقطعها سوى نهر جوريتز الذي ينبع من الكاروو الكبير وحافة نوي فلد، وتنتهي زفارتبرجن في الشرق عند بورت إليزابث. أما السلسلة الجنوبية فتسمى لانجبرجن، وتمتد جنوب الكاروو الصغير حتى مجرى نهر جوريتز. وإلى الشرق من النهر تمتد تكملة السلسلة بأسماء أخرى، هي تزتزيكاما ولانج كلووف التي تنتهي عند خليج سانت فرانسيس. وإلى الجنوب من لانجبرجن وامتداداتها الشرقية ينحصر سهل ساحلي ضيق كثير الخلجان. أما الكاروو الصغير فعبارة عن وادي صغير بنيوي ساعد على توسيعه نهر جوريتز، أما الكاروو الكبير فإقليم جاف ينحصر بين زفارتبرجن وحافة الهضبة الأفريقية، ولا تكاد تخترقه سوى مجاري نهرية موسمية إبان موسم المطر.
هضبة شرق أفريقيا
لا يكاد المظهر التضاريسي العام في شرق أفريقيا يختلف عن جنوب القارة، فهناك سهول ساحلية ضيقة، تحدها غربا حافة الهضبة القديمة التي ترتفع في المتوسط بين 500 متر و1200 متر، ولكن الذي يميز شرق أفريقيا أن الأخدود الأفريقي بفرعيه يشغل حيزا كبيرا في المنطقة ويحيط بجزء كبير منها، وقد أدى ذلك إلى ظهور مرتفعات تتفاوت في ارتفاعاتها بين 1200 متر و2000 متر في صورة حافات الأخدودين الشرقي والغربي، وفي بعض الأحيان تتسع مساحات هذه الحافات إلى هضبات واسعة، وخاصة في كينيا وجنوب تنجانيقا ومنطقة كيفو.
وتتميز هضبة شرق أفريقيا أيضا بأن فيها أكبر تجمع للجبال البركانية الحديثة في أفريقيا، فهناك جبل كليمانجارو الذي ترتفع قممه إلى أكثر من خمسة آلاف متر، وأعلى قمة في كتلة كليمانجارو هي كيبو التي ترتفع إلى 5895 مترا،
1
يلي ذلك في كليمانجارو قمة أخرى هي ماونزى، وارتفاعها 5270 مترا، ويربط بين القمتين رقبة عالية متوسط ارتفاعها 4300 متر، وإلى جانب كليمانجارو يوجد جبل كينيا الذي يرتفع إلى 5194 مترا، وجبل ميرو وارتفاعه 4630 مترا، وجبل الجن وارتفاعه 4311 مترا، وجبل كاريسمبي الذي يرتفع إلى 4507 أمتار، وكاريسمبي أحد براكين مجموعة فيرونجا أو موفمبير، والتي يبلغ عددها ثمانية براكين أقلها ارتفاعا - نملاجيرا - 3063 مترا.
وإلى جانب الجبال البركانية توجد أيضا كتلة روينزوري غير البركانية النشأة، ويرتفع فوق هذه الكتلة عدة قمم أعلاها قمة مرجريتا، ويبلغ ارتفاعها 5127 مترا.
وفي باطن الأخدود الشرقي والغربي توجد عدة بحيرات، أكبرها يوجد في الأخدود الغربي، وهي بحيرات: تنجانيقا، وكيفو، وإدوارد، وألبرت، حسب ترتيبها من الجنوب إلى الشمال، وفي الأخدود الشرقي بحيرات صغيرة أكبرها رودلف في الشمال، ثم إياسا ونطرون ونيفاشا وغيرهم، أما حافات الأخدود فأعلاها حافات الأخدود الغربي على العموم. كما تتميز حافات الأخدود الشرقي في وسط كينيا بارتفاع نسبي، ومن أشهرها حافة إبرديري في الشرق، وحافة «ماو» في الغرب.
وفيما بين الأخدودين ترتفع هضبة البحيرات التي تشمل منابع النيل الاستوائية، وفوق هذه الهضبة ملأت مياه الأمطار منذ أزمان بعيدة عددا من المنخفضات، فحولتها إلى بحيرات غير عميقة بالقياس إلى بحيرات الخدود عامة، وأكبر هذه البحيرات هي فكتوريا التي تعد أكبر مسطح مائي عذب في العالم القديم.
جزيرة مدغشقر
تبلغ مساحة الجزيرة 590000 كيلومتر مربع، ويفصلها عن الساحل الشرقي للقارة مضيق موزمبيق الذي لا يزيد عرضه عن 400 كيلومتر، وتتميز الجزيرة بأنها عبارة عن هضبة واسعة تعلوها قمم جبلية عديدة، وتحف بها سهول ساحلية ضيقة في الشرق وعريضة في الغرب، وتتكون الهضبة من الصخور الأركية القديمة التي تظهر في هضبة أفريقيا الجنوبية، مما يؤكد وحدة أصلهما قبل انفصالهما. وحول الهضبة القديمة تظهر أشرطة من الصخور الجيرية التي تكونت نتيجة إغارة البحر على الشواطئ في العصور الجيولوجية المختلفة، وأكثر هذه الأنواع من الصخور الرسوبية تظهر في الغرب وتقل جدا في الشرق نتيجة غرقها تحت سطح البحر، فالراجح أن الساحل الشرقي المستقيم قد نجم عن انكسارات لاحقة، ربما صاحبت فترة تكوين الأخدود الأفريقي.
والهضبة الداخلية أكثر ارتفاعا في الشرق عنها في الغرب، ومن ثم فإن معظم الأنهار الطويلة هي الأنهار الغربية، بينما تتميز الأنهار التي تنصرف إلى الشرق بسرعة الجريان ، ووجود العوائق والشلالات. وكما قلنا فإن سطح الهضبة تعلوه كتلة جبلية عالية، وأعلى نقطة هي جبل تساراتانانا
Tsaratanana
الذي يوجد في الشمال، ويبلغ ارتفاعه 2880 مترا، وجبل تسيافاجافونا
Tsiafagafona
في الوسط، حيث يصل ارتفاعه إلى 2644 مترا، وتتميز الجزيرة أيضا بوجود ما يشبه الممرات الطبيعية بين الشرق والغرب عبر الهضبة، وأشهر هذه الممرات منخفض أندرونا في الشمال الذي يربط بين خليج أنتونجيل في الشرق وسهل ماجونجا في الغرب، وممر إيهوزي في الجنوب. (3) الأشكال العامة للتضاريس في أفريقيا شمال خط الاستواء
يختلف هذا القسم من أفريقيا عن أفريقيا جنوب خط الاستواء بأن الهضبة القديمة في الشمال قد قطعت تقطيعا شديدا بواسطة عوامل النحت والتعرية؛ بحيث لا نعثر عليها مترابطة متصلة كما هو الحال في القسم الجنوبي، كذلك فإن مساحات كبيرة من الهضبة الكبيرة القديمة قد غطتها مياه البحر في صور جيولوجية مختلفة أدت إلى تراكم طبقات كثيفة من الصخور الجيرية وغيرها، وتتضح هذه الظاهرة بوضوح في القسم الأوسط من النطاق الصحراوي العظيم، وسوف نعالج المظاهر التضاريسية العامة في هذا القسم في صورة إقليمية.
غرب أفريقيا
تمتد السهول الساحلية ضيقة في معظم أقسام غرب أفريقيا نتيجة اقتراب حافة الهضبة القديمة، ولكنها تتسع في منطقتين هما: سنجامابيا التي تشمل سهول السنغال والجامبيا، ومنطقة دلتا النيجر ومجراه الأدنى، وهذه السهول بلا شك قد نشأت نتيجة للإرسابات النهرية في منطقة دلتا النيجر، ونتيجة لتراجع البحر في سنجامبيا إلى جانب إرسابات السنغال، أما الهضبة فمتوسطة الارتفاع بل وقليلة الارتفاع في مناطق معينة، وتعلو الهضبة كتل هضبية تتفاوت في الارتفاع والحجم، وأكبر هذه الكتل وأهمها هضبة فوتاجالون - غينيا التي توجد في الجنوب الغربي من غرب أفريقيا. وتكون هذه الهضبة على قلة ارتفاعها خط تقسيم هام للمياه في غرب أفريقيا، فالأنهار التي تنحدر على منحدراتها الغربية سريعة الجريان، ومن أهمها: كافالي، وسانت بول، وكنكوريه، أما الأنهار التي تنبع من منحدراتها الشرقية والشمالية فطويلة المجرى، وتتكون من الجامبيا والسنغال والنيجر، ويقوم السنغال والنيجر برسم أقواس كبيرة قبل أن يصلا إلى المصب، والغالب أن هذه المسارات الطويلة المعقدة راجعة إلى تاريخ جيولوجي معقد، لعبت فيه عمليات تراجع البحر وتغيرات المناخ والمطر وعمليات الأسر النهري أدوارا هامة، حتى وصلت الأنهار إلى شكلها الحالي.
وإلى جانب فوتاجالون نجد هضبة جوس في شمالي نيجيريا تكون خط تقسيم مياه ثانوي بين حوض النيجر من ناحية، وتصريف بحيرة تشاد من ناحية ثانية، ولكن أكبر ارتفاع للهضبة الأفريقية في غرب أفريقيا يتمثل في سلسلة الهضبات التي تحده من الشرق، وتبدأ بتلال ماندارا جنوبي بحيرة تشاد، تليها جنوبا هضبة أدماوا، ثم هضبة بامندا، ثم كتلة جبل الكمرون البركاني التي تطل بسفوحها الجنوبية على خليج بيافرا. وبركان الكمرون - وإن كان وحيدا في هذا الجزء من أفريقيا - إلا أنه يمثل بداية خط من خطوط الظهور البركاني، تكملته تقع في صورة جزر خليج بيافرا المقابلة له «فرناندوبو - ساوتومي - برنسيب - أنوبون»، وينتهي هذا الخط بجزيرة سانت هيلانة في قلب المحيط الأطلنطي الجنوبي.
وفيما بين فوتاجالون في الغرب والكمرون في الشرق، ينكسر استواء سطح الهضبة بواسطة عوامل النحت والتعرية وتقل ارتفاعاتها، إلا في مناطق الصخور الصلبة التي تظهر في صورة حافات قليلة الارتفاع، ولكنها تسيطر تماما على المظهر الطبيعي البسيط. وأكبر تجمع لهذه الحافات يوجد حول نهر الفولتا، وهناك اتجاهان أساسيان لهذه الحافات: محور شمالي شرقي جنوبي غربي تمثله سلسلة أتاكورا في شمال داهومي، وسلسلة توجو في وسط توجو، وتنتهي فجأة عند الضفة الشرقية لنهر الفولتا، ثم تعاود ظهورها غرب النهر في حافة أكوابيم التي تحف بسهل أكرا من الشمال. أما الاتجاه الثاني للحافات فيرسم قوسا كبيرا يبدأ من عند نهاية أكوابيم الشمالية الشرقية قرب الفولتا، ويسير شمالا بغرب باسم حافة مامبونج، ثم يتحول الاتجاه إلى الشمال الغربي والشمال باسم حافة بانفورا، ثم يقترب من مجرى النيجر باسم حافة باندياجارا، ويكون مسار الحافة هنا قد انقلب إلى الشمال الشرقي، وأخيرا يتجه إلى الشرق في صورة جبال همبوري التي تحتل البؤرة النظرية لثنية النيجر.
السودان الأوسط والشرقي
في هذه المنطقة نجد أن الأحواض النهرية هي التي تسيطر على المظهر الفيزوجرافي، في حين تتراجع الهضبة الأفريقية إلى مجرد ارتفاعات محدودة الاتساع مختلفة الاتجاه، تكون خطوط تقسيم المياه بين الأحواض النهرية شاري والكنغو والنيل، وقد قطعت المنابع العديدة لهذه الأنهار الهضبة القديمة تقطيعا هائلا، وقللت من ارتفاعاتها إلى درجة كبيرة، بحيث أصبح في الإمكان أن تتم عمليات أسر نهري بين حوض وآخر.
وينبع نهر شاري من منطقة مرتفعات بونجو إلى الجنوب من دار رونجا، ويتجه في مجموعة إلى الشمال الغربي حيث ينتهي إلى بحيرة تشاد، وللنهر روافد عديدة تأتيه من الجنوب أهمها أوهام، ومن الشرق أهمها بحر السلامات، ومن الجنوب الغربي أهمها نهر اللوجوني، وهكذا يكون حوض شاري وتشاد منطقة مستوية عظيمة الاتساع يكملها في الشمال منخفض بودليه وجوارب الذي يقع جنوب جبال تبستي، ويصل بين تشاد وبودليه مجرى غير عميق يسمى بحر الغزال - ليست له صلة ببحر الغزال في النيل - ويمتلئ هذا المجرى بالماء في مواسم غير محددة، كما أن اتجاه الماء ينعكس حسب الظروف، فإذا هطلت السيول بشدة في منطقة سفوح تبستي الجنوبية، وفاضت إلى بوركو وبودليه، سارت المياه في بحر الغزال من الشمال إلى بحيرة تشاد، وإذا كان فيضان نهر شاري كبيرا بحيث يزيد عن طاقة بحيرة تشاد، خرجت مياه تشاد في بحر الغزال شمالا.
أما حوض السودان الجنوبي فعبارة عن مثلث كبير رأسه في الجنوب عند مدينة جوبا على النيل، وتتركز قاعدته في الشمال على جبال الداجو وجبال النوبا في جنوب دارفور وكردفان على التوالي، أما حده الغربي فتكونه الهضبة الحديدية التي تنتهي إلى خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو ، على حين يرتكز حده الشرقي على الحافة الجنوبية الغربية للهضبة الحبشية، وفي هذا الحوض الكبير تنحدر المياه ببطء من مناطق الهضاب والتلال المحيطة إلى الوسط، حيث توجد أكبر منطقة للمستنقعات في أفريقيا: منطقة السدود. ويقال إن المنطقة كانت أصلا بحيرة عظيمة ضحلة انصرفت مياهها بعد اتصال النيل الأبيض والنوبي، ولكننا لا نستطيع أن نؤيد أو ننفي الفكرة. وتنصرف مياه الحوض بواسطة مخرج واحد هو النيل الأبيض الذي يصرف معه بالتالي مياه المنابع الاستوائية للنيل. والنيل الأبيض في حد ذاته مشكلة فيزيوجرافية؛ فانحداره قليل جدا، مما يجعل تصريفه يكاد يعتمد فقط على قوة دفع الماء من الجنوب إلى الشمال، وإلى الغرب من النيل الأبيض ترتفع الهضبة الأفريقية ببطء إلى خط كنتور 500 متر في كردفان ودارفور، وتعلو هذه الهضبة كتل جبلية صغيرة وكبيرة، والكتل الصغيرة تتكون في نطاقين: الشمالي هي تلال النوبا في شمال كردفان، ومن أهمها كاجا وكاتول وحرازة، أما النطاق الجنوبي فيكون دائرة كبيرة في جنوب شرق كردفان باسم جبال النوبا، وأشهرها هيبان وداير وتجابو، أما الكتلة الهضبية الكبيرة، فهي كتلة جبل مرة في وسط دارفور، التي يبلغ أقصى ارتفاع لها 3071 مترا.
وإلى الشرق من النيل الأبيض تمتد سهول الجزيرة التي تبلغ أقصى ارتفاع لها في الجنوب الشرقي، في صورة كتل جبلية منعزلة تمثل مقدمات هضبة الحبشة، وهناك امتداد لهذا الارتفاع في صورة ظهر عال في وسط الجزيرة يسمى بخط المناقل، وإلى الشرق من مجرى النيل الأزرق يمتد سهل البطانة الذي ينحدر هو الآخر من الجنوب إلى الشمال.
الهضبة الحبشية
تكون الهضبة الحبشية أعلى تكتل هضبي في أفريقيا - وقد كانت أصلا جزءا مرتفعا من الهضبة الأفريقية القديمة، ثم ارتفعت في العصر الجوراسي، وزادت عليها طبقات سميكة جدا من الطفح البركاني. ويبدو أن هذه الطفوح البركانية لم تحدث مرة واحدة، وإنما توجد طفوح من عصور مختلفة أحدثها في البلايوسين والبلايستوسين.
ويبدو أيضا أن طفوح هذين العصرين هما اللذان أديا بالهضبة إلى الارتفاع الشديد الحالي، ولقد سبق أن تكلمنا عن الأخدود الأفريقي ، وعرفنا أن البحر الأحمر وسهل الدناكل جزء من هذا الأخدود، وقد ظلت هضبة الدناكل عالية نسبيا نظرا لمقاومة صخورها الشديدة لهذه الانكسارات.
وسطح هضبة الحبشة مقطع تقطيعا شديدا بواسطة الانكسارات من ناحية، وعوامل النحت والتعرية من ناحية أخرى، وعلى الأخص مجموعة روافد النيل الحبشية والنظام النهري لخور الجاش، وقد أدت عوامل البركنة إلى ارتفاع عدد من القمم أعلاها رأس داشان التي يبلغ ارتفاعها 4620 مترا.
وتربة الهضبة الحبشية غنية جدا نتيجة لتراكم اللافا، وهكذا نجد أن الحبشة ليست فقط منيعة استراتيجيا، ولكنها أيضا غنية بتربتها. وكان لهذين العاملين أثر واضح في تاريخ الحبشة.
إلى الجنوب الشرقي من هضبة الحبشة عبر الأخدود الأفريقي تمتد هضبة الصومال بانحدار تدريجي إلى ساحل المحيط الهندي، وبانحدار مفاجئ ناحية الأخدود وخليج عدن، وتمثل جزيرة سقطرة امتدادا للصخور القديمة التي تتكون منها هضبة الصومال.
الصحراء الكبرى
أكبر مظهر تضاريسي يتضح لأول وهلة في الصحراء الكبرى هو ذلك العمود الفقري التضاريسي الذي يتوسط الصحراء، ويتكون من هضبة الحجار وكتلة تبستي وهضبة تاسيلي التي تربط بينهما.
جبال تبستي عبارة عن جزء مرتفع من الهضبة الأفريقية القديمة، زاد ارتفاعا واتساعا نتيجة للنشاط البركاني القديم في المنطقة، وتعلو تبستي في الوقت الحاضر عدة قمم بركانية خامدة أعلاها قمة إمي كوسي التي يبلغ ارتفاعها 3360، وقمة أمي توسيدية التي تصل إلى 3265 مترا، وتنحدر تبستي بشدة إلى الجنوب في اتجاه منخفض بودليه-جوارب، وإلى الشمال تدريجيا صوب الصحراء الليبية، وقد قطعتها الأودية النهرية العديدة خلال العصور المطيرة في شمال أفريقيا.
أما هضبة الحجار فعبارة عن مستطيل كبير يتدرج في الارتفاع من أطرافه إلى الوسط، حيث توجد قمة تارات وتسمى أحيانا أتاكور التي يبلغ ارتفاعها 3003 أمتار، وتحيط بالهضبة من الشمال هضبة تاسيلي الآجر، ومن الشمال الغربي هضبة تادمائت، ومن الجنوب هضبة تاسيلي الحجار، ومن الجنوب الغربي كتلة أدرار إيفوراس، ومن الجنوب الشرقي كتلة آير أو أزبن. وقد قطعت الأودية النهرية هذه الكتلة الضخمة المتصلة من الهضاب، ولم يعد من هذه الأنهار في الوقت الحاضر سوى أوديتها العديدة الجافة، ومن أهم هذه الأودية إغرغر الشمالي الذي كان ينتهي غالبا إلى منطقة شط الجريد، ووادي تامنراست الذي يتجه غربا إلى صحراء تانزروفت، ووادي تلمسي الذي يتجه جنوبا إلى ثنية النيجر، وكذلك أودية إغرغر الجنوبي وتافاسست وأزواك تتجه إلى النيجر. ولا شك أن التصريف النهري خلال العصور المطيرة قد أدى إلى نشوء بحيرات داخلية في قلب الصحراء تحتلها الآن منخفضات تيديكلت والجوف والميرايا وكاوار ومرزوق وغيرهم.
ومن هذا العمود الفقري التضاريسي تمتد عدة هضاب في اتجاهين: شمالي وجنوبي، وبذلك تنفصل الصحراء الكبرى إلى قسمين: الشرقي والغربي، فمن تاسيلي الآجر تمتد هضبة حمادة الحمراء التي تنتهي بحافة متوسطة الارتفاع إلى الجنوب من مدينة طرابلس تسمى جبل نفوسة، ومن تبستي جنوبا بشرق تمتد مرتفعات إردي، ثم إندي، ثم دارفور. وهكذا تقع الصحراء الليبية في ليبيا والجمهورية العربية المتحدة والسودان شرق هذا العمود الفقري، بينما تقع الصحراء الغربية في الجزائر وموريتانيا وريودورو غرب العمود.
وتتميز الصحراء الليبية بوجود عدد من المنخفضات المترابطة تنتظم في مجموعتين: الأولى في الشمال وتمتد من خليج سرت الكبير إلى منخفض النطرون، وتشمل واحات أوجيلة وجغبوب وسيوة ومنخفض القطارة، وإلى الشمال من المنخفض تمتد هضبة برقة وإقليم مريوط. والثانية مجموعة الواحات المصرية التي تبدأ من الواحة الخارجة إلى الداخلة والفرافرة والبحرية والفيوم في صورة قوس كبير، وإلى جانب المنخفضات تتميز الصحراء الليبية ببحار الرمل العظيمة، وبوجود الوادي الضيق الذي صنعه النيل في مساره من الجنوب إلى الشمال، وإلى الشرق من النيل تمتد الصحراء الشرقية، وهي أعلى من مستوى الصحراء الليبية عامة، وسبب الارتفاع راجع إلى أن جبال البحر الأحمر عبارة عن الحافة الغربية لأخدود البحر الأحمر، وقد تقطعت هذه الصحراء بواسطة الأودية النهرية العديدة التي كانت تجري فيها المياه في العصر المطير في شمال أفريقيا.
أما الصحراء الغربية فإنها تتميز بوجود عدد من الحواف الجبلية والهضاب المنخفضة، مثل هضبة الأجلاب وحافة الحنك والأدرار الغربية، كما تميزها بحار الرمل الواسعة التي تسمى إرج أو «عرق»، وخاصة في الشمال وأهمها الأرج الشرقي الذي يمتد من تادمائت إلى شط الجريد، والأرج الغربي الذي يمتد من تادمائت إلى جبال الأطلس الصحراوية، وأرج الشيخ بين الجوف وتيديكلت.
منطقة الأطلس
تتكون هذه المنطقة من نظام جبلي منعزل؛ إذ إنها تعد امتدادا للنظام الألبي الأوروبي في شمال أفريقيا، ويطلق عليها وعلى أجزائها أسماء مختلفة، أشهرها سلسلة الريف أو أطلس الريف الممتدة بحذاء ساحل البحر المتوسط من مضيق جبل طارق إلى شبه جزيرة بون (في تونس). ومتوسط ارتفاعها حوالي 2000 متر، وتسمى في بعض الأحيان أطلس البحرية أو أطلس التل. وفي الجزء الشرقي، أي في تونس، نجد الساحل متعامدا على محور الجبال مكونا خلجانا طبيعية، وهناك سلسلة الأطلس الكبرى التي تمتد في المغرب في محور شمالي شرقي جنوبي غربي، وهي أعلى السلاسل الجبلية للنظام الألبي في أفريقيا، وبها أيضا أعلى قمة في إقليم أطلس هي جبل توبكال وارتفاعه 4180 مترا. وأطلس الكبرى تمثل فاصلا حقيقيا خاصة في جزئها الجنوبي يفصل بين مراكش وإقليم الصحراء، خصوصا إذا أضفنا إليها سلسلة الجبال الموازية لها والممتدة إلى الجنوب منها، والمسماة أطلس الخلفية، ويبلغ متوسط ارتفاعها من 1000-1500 متر. والجزء الشمالي من أطلس الكبرى يتصل شرقا بسلسلة جبلية تسمى أطلس الصحراوية التي تمتد موازية بدرجات متفاوتة لأطلس الريف، وتنحصر بين أطلس الصحراوية وأطلس البحرية هضبة تعرف بهضبة الشطوط، وهي ذات تصريف داخلي في كثير من أجزائها، فيما عدا المناطق التي نجحت فيها أنهار البحر المتوسط في التوغل عبر سلسلة أطلس الريف واكتساب جزء من مياه هضبة الشطوط. ومن أشهر الأمثلة على ذلك نهر شيليف بالقرب من وهران.
أما التصريف الداخلي فيحدث في بحيرات تسمى الشطوط، منها الشط الغربي والشط الشرقي وشط الهدنة، وتتكون سلسلة الأطلس في مجموعها من صخور القارة الأفريقية القديمة، حيث تكون هذه الصخور نواة الأطلس الكبرى في مراكش، يتلوها صخور رسوبية من الزمن الثاني معظمها من الحجر الجيري، وإلى الغرب من إقليم الأطلس توجد جزر كناريا، وهي عبارة عن امتداد لهذه الجبال رغم أن سطحها مغطى بطبقة طفحية من اللافا.
الفصل الخامس
التصريف النهري
(1) المميزات العامة للتصريف النهري
كان لموقع أفريقيا بالنسبة لخطوط العرض وعلاقاتها المكانية بالنسبة لكتلة القارة الأوروآسيوية، وامتدادها الكبير في خطوط الطول في قسمها الشمالي، وعدم تعرج سواحلها في صورة خلجان وأشباه جزر كبيرة أثر كبير في تكوين الصورة التي اتخذها التصريف النهري في هذه القارة؛ فلقد أصبح جزء كبير من قسمها الشمالي في ظل أوروآسيا، مما جعلها أكبر إقليم جاف في العالم. وعلى النقيض من ذلك، فإن انتصاف خط الاستواء للقارة على وجه التقريب وامتدادها الجنوبي شبه الجزري المتوغل وسط مسطحات الماء العظيمة لكل من المحيطين الهندي والأطلنطي، قد جعل هذا القسم من القارة منطقة أمطار وفيرة.
وقد وصف الأستاذ دي مارتون
de’Martonne
أشكال التصريف النهري، فأوجزها في النسبة التالية:
أولا:
48 في المائة فقط من القارة ذو تصريف بحري
Exoreic - أي إن أنهار هذا الجزء من القارة تنصرف إلى المحيط مباشرة.
ثانيا:
40 في المائة من القارة لا يوجد به تصريف نهري بالمعنى المفهوم
Areic ، وهذه المساحة تتكون أساسا من الصحاري الأفريقية العديدة.
ثالثا:
12 في المائة من القارة ذو تصريف داخلي
Endoreic - أي إن الأنهار التي تصرف هذه المناطق لا يصل ماؤها إلى البحر، بل إلى بحيرات أو مستنقعات أو دالات داخلية مقفلة.
ونظرا لطبيعة سطح القارة - الذي يتكون أساسا من مجموعة من الأحواض الداخلية العالية تحدها شرائط من الهضاب القديمة - فإن هذه الأحواض قد جمعت تصريف المنحدرات الهضبية التي تحيط بها في نظم نهرية محدودة العدد، فحوض الكنغو، على ما فيه من العديد من الأنهار التي تنصرف من كل الاتجاهات إلى داخل الحوض، قد تجمعت كلها في نظام نهري واحد مرتبط ببعض يعرف باسم نظام الكنغو، ويشغل مساحة هائلة من وسط القارة، وحوض النيل تركيب عجيب لنظام نهري واحد يمتد في مساحة شاسعة، ويصرف أحواضا وهضابا عديدة في شرق وشمال شرق القارة، وعلى هذا القياس: النيجر والزمبيزي والأورنج وشاري.
وإذا استثنينا هذه الأنهار الكبيرة في القارة، فإن الأنهار العادية في أفريقيا - أي التي تنبع وتصب في أحواض صغيرة - عبارة عن أنهار صغيرة قليلة الأهمية تنبع من حافات الهضبة الأفريقية، وتسقط مباشرة إلى البحر مثل أنهار غرب أفريقيا أو الهضبة الجنوبية وشمال أفريقيا.
ويلاحظ أن الخط الفاصل بين تصريف المحيطين الهندي والأطلنطي لا يتناصف القارة، إنما هو أقرب إلى المحيط الهندي، وبذلك فإن المحيط الأطلنطي يخرج بنصيب الأسد من تصريف أفريقيا، وتكفي نظرة إلى خريطة التصريف النهري للتحقق من هذه الحقيقة، فالخط الفاصل بين نصيب كل من المحيطين من تصريف الأنهار الأفريقية يبدأ في الركن الشمالي الشرقي الأقصى عند طرف خليج السويس، ويسير موازيا للبحر وليس بعيدا عنه حتى منطقة الصومال، ثم يبتعد عن ساحل المحيط الهندي ليشمل كل الصومال وجنوب شرق إثيوبيا وشرق كينيا وتنجانيقا، ويتوغل بشدة إلى الوسط في حوض الزمبيزي حتى يقترب من ساحل الأطلنطي في هضبة بيهي في أنجولا، ثم يعود إلى الشرق مرة أخرى ليشمل حوض اللمبوبو، ويضيق بعد ذلك في ناتال وشرق الكاب، وينتهي في إقليم الكاروو وجبال دراكنشتاين.
خريطة رقم (8).
وبذلك لا يشمل تصريف المحيط الهندي سوى حوضين نهريين رئيسيين من أنهار أفريقيا، هما الزمبيزي واللمبوبو، بالإضافة إلى أنهار صغيرة أو أنهار غير منتظمة الجريان مثل: ويبي شبلي وجوبا في جنوب إثيوبيا والصومال، وتانا في كينيا، وروفيجي وروفوما في تانزانيا، وجوريتز في الكاروو.
وعلى العكس من ذلك يشتمل تصريف الأطلنطي على أكبر الأحواض النهرية الأفريقية وأكثرها مائية وانتظاما، هذه هي أحواض النيل والنيجر والكنغو، بالإضافة إلى حوض الأورنج والسنغال، وأحواض نهرية صغيرة مثل الجامبيا والفولتا في غرب أفريقيا، وأوجوي في جابون، وكوانزا وكونيني في أنجولا، ويؤكد الجدول التالي هذه الحقيقة.
النهر
الطول بالكيلومتر
مساحة الحوض بالكيلومتر المربع
أولا: أنهار المحيط الأطلنطي الرئيسية
النيل
6671
3007000
الكنغو
4377
3690000
النيجر
4160
2092000
الأورنج
1860
1020000
الفولتا
1800
360000
السنغال
1430
441000
كوينيني
1200
137000
أوجوي
1200
300000
كوانزا
950
149000
جامبيا
800
182000
ثانيا: أنهار المحيط الهندي الرئيسية
الزمبيزي
2660
1330000
اللمبوبو
1600
440000
جوبا
1500
196000
روفيجي
1400
178000
روفوما
1100
145000
ويبي شبلي ؟ ؟
وعلى هذا فإن المحيط الأطلنطي يختص بتصريف مساحة قدرها 11 مليونا و378 ألف كيلومتر مربع من مساحة الأحواض النهرية الرئيسية في أفريقيا، مقابل 2 مليون و289 ألف كيلومتر مربع يختص بها المحيط الهندي من مساحة الأحواض النهرية الرئيسية.
والسبب في ذلك راجع إلى أن أطوال السواحل الأفريقية المطلة أو التابعة للمحيط الأطلنطي أكبر من تلك التي تطل على المحيط الهندي وتابعه البحر الأحمر، ولكن هناك أسبابا أعمق من هذا السبب نذكر منها:
أولا:
طريقة انتظام الشكل التضاريسي العام في أفريقيا الشرقية وأفريقيا جنوب خط الاستواء، فهنا نجد الهضاب العالية «الفلد وشرق أفريقيا والحبشة» تقع كلها بالقرب من ساحل المحيط الهندي، مما يجعل الأنهار المنحدرة منها إلى الساحل قصيرة، بينما تلك المنحدرة من سفوحها الغربية أنهارا أطول، وبديهي أنه كلما طال مجرى النهر - في الأحوال المناخية والتضاريسية الملائمة - كلما كبرت مساحة حوضه.
ثانيا:
في مقابل الهضبات العالية القريبة من ساحل المحيط الهندي نجد أحواضا طبيعية كبيرة قريبة من المحيط الأطلنطي في أفريقيا جنوب خط الاستواء، ومن الأمثلة على ذلك أحواض الكنغو والأورنج، وهذه الأحواض تجمع مياه السفوح الغربية من الهضاب الشرقية وتضيف إليها أنهار الحواف الهضبية المحيطة بالحوض، والمثال التقليدي المذهل لهذه الحالة هو حوض الكنغو الذي يصرف وحده مساحة تكاد تقرب من
ملايين كيلومتر مربع، ويضم شبكة هائلة من الأنهار، ولولا أن الظروف المناخية غير مواتية في حوض الأورنج - وقوع معظم الحوض في منطقة صحراء كلهاري - لكان هذا أيضا من الأحواض النهرية ذات المجاري المائية العديدة.
وهناك أيضا حوض الزمبيزي الذي يشابه حوضي الكنغو والأورنج من حيث موقعه القريب من المحيط الأطلنطي، ولولا وجود هضبة بيهي إلى الغرب منه، ولولا حدوث انكسار وخانق الزمبيزي لما استطاعت مياه الحوض أن تنصرف إلى المحيط الهندي، ولصار حوض الزمبيزي حوضا مقفلا ذا تصريف داخلي، شأنه في ذلك شأن الحوض المجاور، ونقصد به حوض نجامي - مكاري كاري.
ثالثا:
وقوع القسم الشمالي الشرقي من أفريقيا - وخاصة سواحل البحر الأحمر والقرن الأفريقي - في ظل كتلة آسيا القارية، مما جعلها منطقة جافة أو شبه جافة، وأنهارها - إن وجدت - عديمة الانتظام، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها أهمها وهو ويبي شبلي في الصومال، وبركة في إريتريا.
وحتى الجزء الممطر من هذه المنطقة، وهو هضبة الحبشة، فإن ظروف اتجاه انحدارها قد جعل مياهها جزءا من التصريف النهري النيلي، ومن ثم جزءا من تصريف المحيط الأطلنطي رغم بعدها الشديد عن البحر المتوسط وقربها الكثير من المحيط الهندي والبحر الأحمر.
وعلى العكس من ذلك، فإن غرب وشمال غرب أفريقيا منفتحة على المحيط الأطلنطي، وتتلقى من الأمطار ما يؤدي إلى سير منتظم للأنهار العديدة في هذه المنطقة. (2) أنواع الأنهار وأشكال المناسيب
ترتبط أنواع الأنهار وأشكال مناسيبها ارتباطا وثيقا بالمناخ عامة، ونظام سقوط الأمطار على وجه خاص، ونظرا لموقع القارة بالنسبة لأقاليم المطر، فإن تقسيم أفريقيا من وجهة النظر هذه تقسيم غاية في البساطة كما يتضح من الخريطة (9)، فالإقليم الأوسط ذو المطر الاستوائي الغزير يتميز بجريان نهري دائم لا ينقطع، والإقليم الذي يحيط به من الشمال والجنوب والشرق يتميز بأمطار موسمية السقوط، مما يؤدي إلى جريان نهري موسمي. أما النطاق الثالث فهو إقليم صحراوي المناخ، ذو أمطار طارئة غير متوقعة وكمية صغيرة، مما يؤدي إلى جريان مائي سطحي مفاجئ لفترة زمنية محدودة جدا.
هذه هي الصورة العامة، ولكن الدراسة التفصيلية تؤدي بنا إلى اكتشاف أشكال مختلفة من الأنهار ذات طابع محلي مرتبط بظروف عديدة.
خريطة رقم (9): نطاقات أنواع الأنهار وأشكال المناسيب.
فنطاق الأنهار الدائمة الجريان ينقسم إلى قسمين رئيسيين، مرتبطا في ذلك بنظام سقوط المطر الاستوائي. هناك نظام مطر استوائي يسمى النظام ذا القمة الواحدة وآخر يسمى ذا القمتين؛ أي إن المطر الساقط يبلغ ذروته من حيث الكمية في شهر أو شهرين متلاحقين فقط في نظام القمة الواحدة، أو يكون له ذروتان ليستا بالضرورة متساويتين، ولكنهما يقعان في فصلين مختلفين - الربيع والخريف على وجه التقريب - في نظام القمتين، ونظرا لأن نظام القمتين المثالي يقع حول خط الاستواء، بينما يقع نظام القمة الواحدة أبعد مكانيا عن خط الاستواء، لهذا فإن الجريان النهري الدائم ذا المنسوب المنتظم أو الثابت يقع أقرب ما يكون إلى خط الاستواء، أما الجريان النهري الدائم ذو المنسوب المتذبذب، فيقع في نطاق يحيط بالنطاق الأول بعيدا عن خط الاستواء بعدا نسبيا، هذه الحالة تتضح تماما من الخريطة رقم (9)، فالتذبذب في منسوب الماء في النهر راجع إلى تركز سقوط المطر بكمية كبيرة في شهر أو أكثر، وقلة المطر نسبيا في بقية الشهور، مما يؤدي إلى ارتفاع وانخفاض في منسوب النهر، وهذا الارتفاع والانخفاض يتفاوت في الكمية حسب الظروف الخاصة لكل نهر على حدة. وتشمل الدراسة الدقيقة لمائية كل نهر دراسة مسطح الحوض النهري من ناحية، لبيان سرعة انحدار المياه أو بطئها، وبالتالي تحدد مجرى النهر بوضوح أو انسياب كمية من الماء خارج المجرى في صورة مستنقعات تؤدي إلى زيادة فاقد الماء بالبخر، كما تشمل الدراسة أيضا التركيب الجيولوجي لصخور الحوض النهري لبيان كمية الفاقد بالتسرب، وإلى جانب ذلك دراسة كمية التبخر في أجزاء الحوض، ودراسة كمية امتصاص النباتات الطبيعية من ماء الحوض وغير ذلك، بالإضافة طبعا إلى دراسة كمية المطر المتساقط في الحوض.
ونظرا لهذا التقسيم فإن الأنهار الدائمة الجريان في أفريقيا - أنهار المنطقة الاستوائية ودون الاستوائية - تنقسم مجاريها إلى أقسام ذات مناسيب ثابتة وذات مناسيب متذبذبة، إذا كانت داخلة ضمن أحواض نهرية كبيرة، ويتضح هذا مما يلي:
شكل رقم (10): الأنهار الدائمة الجريان.
أما الأنهار موسمية الجريان فإنها ترتبط بنظام المطر السوداني الذي يسقط في موسم واحد، وتبقى بقية السنة بدون تساقط مطري، ويشمل هذا النوع نطاقا عرضه قرابة 400 كيلومتر، ويمتد من المحيط الأطلنطي في السنغال إلى هضبة الحبشة، وهو ما نسميه الإقليم السوداني، ثم يشمل نطاقا آخر في شرق أفريقيا من الحبشة شمالا حتى شمال موزمبيق جنوبا، ونطاق ثالث في الجنوب يمتد في جنوب أنجولا ويشمل زامبيا والقسم الأوسط من الأورنج.
وعلى هذا فإن أجزاء من الأنهار التي تخترق النطاق السوداني موسمية الجريان، بالإضافة إلى غالبية أنهار شرق أفريقيا كما يتضح مما يلي:
جدول 5-1: الأنهار الموسمية الجريان
أولا: أقسام من نظم نهرية كبيرة
نظام النيل النهري
النيل الأبيض
النيل الأزرق (المجرى الأوسط والأدنى)
العطبرة (المجرى الأوسط والأدنى)
بحر العرب
النيجر الأوسط
السنغال (المجرى الأوسط والأدنى)
شاري وروافده (المجرى الأوسط والأدنى)
الزمبيزي (المجرى الأوسط)
الأورنج (المجرى الأوسط والأدنى)
ثانيا: أنهار مستقلة
ويبي شبلي
أوكوانجو أو كوبانجو (المجرى الأدنى)
جوبا
كونيني
تانا
روفيجي
روفوما
ويشتمل نطاق التصريف السطحي الطارئ على الإقليم الصحراوي، فحينما تسقط أمطار مفاجئة تسير أجزاء منها على السطح في شكل سيول، والغالب أن تتخذ هذه السيول من مسار الأودية الجافة مجاري لها لفترة محدودة، وكلما كانت الصخور التي شقت فيها الأودية الجافة قليلة المسامية، كلما سمحت للماء أن يبقى مدة أطول إلى أن يتبخر، كما أنها تؤدي أيضا إلى مسار الماء السطحي في شكل سيول جارفة عنيفة قد تؤدي إلى غرق أشخاص وحيوان كثير إذا فوجئ باندفاع السيل العارم.
وفي داخل نطاق التصريف السطحي الطارئ نجد منطقتين استثنائيتين يسير فيهما تصريف نهري دائم أو شبه دائم، هاتان هما منطقتا النيل الأدنى والأورنج الأدنى، وسبب ذلك راجع إلى أن مصادر مياه هذين النهرين خارجة تماما عن النطاق الجاف. (3) موجز عن الأنهار الرئيسية
النيل
1
أطول أنهار أفريقيا وثاني أنهار العالم طولا بعد المسيسبي؛ إذ يبلغ طوله 6671 كيلومترا، ولكن مساحة حوضه أصغر بقليل من مساحة حوض الكنغو؛ وذلك لأن حوض النيل وإن كان متسعا في الجنوب، إلا أنه يضيق في قسمه الأوسط ويضيق جدا في قسمه الشمالي، ومع ذلك فالحوض عظيم المساحة؛ إذ يبلغ أكثر قليلا من ثلاثة ملايين من الكيلومترات المربعة.
وحدود حوض النيل طويلة، فهي تبدأ من جنوب بحيرة فكتوريا عند درجة عرض 4 جنوب خط الاستواء، وتدخل معظم هضبة البحيرات داخل حدود الحوض، كما يشمل الحوض أيضا القسم الشمالي من الأخدود الغربي مبتدئا من سلسلة جبال فيرونجا (موفمبرو) البركانية، وتمتد حدود الحوض في الشرق مع الحافة الغربية للأخدود الشرقي، مما يؤدي إلى دخول الهضبة الشمالية الغربية الحبشية في حوض النيل، فأعطت الروافد الحبشية للنيل القدرة على السير شمالا واختراق الصحراء الليبية إلى البحر، وبالتالي أنقذت النيل من مصير الأنهار ذات التصريف الداخلي كنهر شاري المجاور. ويدخل في حوض النيل أيضا كل السودان ما عدا القسم الغربي من هضبة دارفور، وحدود الحوض إلى الشمال من دارفور غامضة؛ لأن المنطقة إلى البحر المتوسط صحراء قاحلة لا توجد فيها من نظم التصريف ما يظهر الحدود الحقيقية، والأغلب أن الحدود هنا تمتد من دارفور إلى البحر في خط متجه إلى الشمال الشرقي، يقترب من النيل وينتهي عند الإسكندرية على وجه التقريب. أما الحد الشرقي للحوض فهو واضح تماما؛ إذ يمتد مع حافة جبال البحر الأحمر من السويس إلى إريتريا، ومع حافة الأخدود حتى هضبة البحيرات.
ينبع النيل من درجة العرض 4 جنوبا، وتنتهي الدلتا عند درجة العرض 30
31° شمالا - أي إن النيل يخترق أكثر من 35 درجة عرضية، وهذه ظاهرة فريدة قلما كان لها مثيل في أنهار أخرى، وقد ترتب عليها امتداد أقاليم طبيعية مختلفة في الحوض، من النطاق الاستوائي في الجنوب إلى حافة النطاق المعتدل (إقليم البحر المتوسط) في الشمال، مارا بأقاليم السفانا المختلفة، والإقليم الصحراوي، كما أنه بذلك ربط دولا عديدة تمتد من شرق أفريقيا إلى شمالها الشرقي: تانزانيا، بوروندي، رواندا، الكنغو، كينيا، أوغندا، إثيوبيا، السودان، والجمهورية العربية المتحدة.
وتعد منابع نهر كاجيرا في دولتي رواندا وبوروندي هي المنابع الحقيقية للنهر، ويتكون نهر كاجيرا - الذي ينصف مصبه الساحل الغربي لبحيرة فكتوريا - من رافدين أساسيين هما: روفوفو ونيافارونجو.
وينبع روفوفو - وهو الرافد الجنوبي الأقصى للنيل - عند درجة عرض 4 جنوب خط الاستواء من الحافة الشرقية للأخدود الغربي في دولة بوروندي، ولا يفصله عن شمال شرق بحيرة تنجانيقا سوى 50 كيلومترا، ويتجه روفوفو إلى الشمال الشرقي حتى يلتقي بنيافارونجو قرب نقطة التقاء حدود بوروندي وتانزانيا ورواندا. وينبع نيافارونجو من حافة الأخدود الغربي أيضا في داخل في داخل دولة رواندا، وليس بعيدا عن شواطئ بحيرة كيفو، ولكنه على عكس روفوفو، لا يتخذ مسارا بسيطا، بل يتجه شمالا ثم جنوبا بشرق، ثم شرقا حتى يلتقي بروفوفو، وبعد ذلك يتجه النهران معا إلى الشمال باسم نهر كاجيرا، ثم ينحرف النهر بشدة إلى الشرق ويتعرج مجراه في اتجاهات مختلفة، ولكن النهر عامة يواصل سيره شرقا حتى مصبه في بحيرة فكتوريا.
وعلى الرغم من أن كاجيرا هو منبع النيل، فإن فكتوريا تتلقى روافد نيلية أخرى كثيرة من كل الاتجاهات، إلا أنها كلها أقصر من كاجيرا.
والمخرج الوحيد لبحيرة فكتوريا يقع في الشمال، ومن هذا المخرج يبدأ نيل فكتوريا مساره بسقطتين متتاليتين على مندفعات ريبون وأون، ثم يواصل مسارا قصيرا ليدخل منطقة مستنقعية كبيرة تتوسطها بحيرة كيوجا-كوانيا التي يخرج نيل فكتوريا من طرفها الغربي ليسير مسافة قصيرة أخرى، ثم يسقط بشدة أربعين مترا من سطح هضبة البحيرات إلى الأخدود الغربي في شلال مرشيزون، ليدخل بعده في هدوء إلى بحيرة ألبرت في طرفها الشمالي الشرقي.
وتكون بحيرة ألبرت نقطة تجميع مياه هضبة البحيرات والقسم الشمالي من الأخدود الغربي، فعند شاطئها الجنوبي تدخل مياه نهر السمليكي الذي يصرف مياه بحيرتي إدوارد-جورج وروافد صغيرة أخرى بعضها يصرف المنحدرات الشمالية لبراكين فيرونجا.
ومن الطرف الشمالي من بحيرة ألبرت يخرج نيل ألبرت البطيء الجريان، الذي يتسع في أحيان ليبلغ حجم البحيرات الصغيرة، وعند الحدود السودانية مع أوغندا يلتقي النيل بنهر أسوا، وهو رافد يصرف الجزء الشمالي من هضبة البحيرات، وبعد ذلك يسقط النيل على شلالات فولا ويتخذ اسم بحر الجبل الذي يسير في مجرى متوسط الانحدار في قسمه الجنوبي، ثم يلقي بنفسه في منطقة شاسعة تبلغ مساحتها قرابة مائة ألف كيلومتر مربع: منطقة السدود التي لا يكاد يسير الماء فيها إلا قوة تدافع الماء من الجنوب. في هذه المنطقة آلاف المسارات المائية وآلاف الجزر النباتية العائمة، وآلاف المخارج والمداخل للنهر بحيث يمكن للإنسان أن يفقد طريقه بسهولة لا مزيد عليها، ومن هذه المستنقعات التي لا حصر لها ينبع رافد صغير هو بحر الزراف، الذي يعود فيلتقي بالنيل الأبيض قرب التقائه بالسوباط، وينتهي بحر الجبل ببحيرة «نو» التي تجمع مياه الجنوب بمياه بحر الغزال، الذي يصرف مياه الهضبة الحديدية، التي تفصل بين حوضي النيل والكنغو، كما يجمع أيضا مياه جنوب دارفور وجنوب غرب كردفان.
ومن بحيرة «نو» يبدأ النيل الأبيض متجها إلى الشرق حتى التقائه بالسوباط أول الروافد الحبشية، وهنا ينحرف النيل إلى الشمال حتى الخرطوم في مسار واسع تكتنف أجزاء منه المستنقعات والجزر الطويلة، وعند الخرطوم يلتقي النيل بأهم روافده: النيل الأزرق - الأزرق بمعنى الداكن لكثرة ما يحمله من طمي - الذي يصرف مساحة كبيرة من الهضبة الحبشية، ويعتبر المنبع الهام الثاني للنيل بعد منبعه من هضبة البحيرات، ولولا النيل الأزرق لما استطاع النيل أن يكون نهرا دائم الجريان في النوبة ومصر، ولا أدل على ذلك من أن تصريف هذا الرافد الحبشي يبلغ في ذروة الفيضان في أغسطس قرابة 7600 متر مكعب في الثانية، يهبط بعدها إلى 180 مترا مكعبا في الثانية قبل موسم الفيضان، وفي الوقت ذاته يبلغ تصريف النيل الأبيض عند الخرطوم 1040 مترا مكعبا في الثانية في نهاية موسم المطر، يهبط بعدها إلى 380 مترا مكعبا في نهاية الفصل الجاف.
وعلى بعد 300 كيلومتر من الخرطوم يلتقي النيل بآخر رافد له: العطبرة الذي ينبع من شمال هضبة الحبشة، ويبلغ تصرفه 2000 متر مكعب في الثانية وقت الفيضان، بينما يكاد لا يكون به ماء جار في موسم الجفاف. بعد العطبرة يخترق النيل 2500 كيلومتر وسط صحراء تعد من أجف وأقحل صحراوات العالم حتى ينتهي إلى البحر، والحقيقة أن استمرار سريان الماء في النيل هذه المسافة الهائلة دون روافد ودون أمطار يعد معجزة حقيقية لا مثيل لها، ولا شك أن النيل يفقد الكثير من مياهه بالبخر والتسرب عبر هذه المسافة الشاسعة، فتصرف النيل الأبيض والأزرق والعطبرة مجتمعين في سبتمبر يساوي قرابة 10000 متر مكعب في الثانية، يصل منها مصر 7600 متر مكعب في الثانية، ويهبط هذا الرقم في أوقات التحاريق إلى 530 مترا مكعبا في الثانية فقط.
والنيل النوبي من الخرطوم إلى أسوان يتخذ مسارا معقدا نتيجة ظروف التركيب الصخري والتضاريسي، وهو في الحقيقة يكاد يرسم شكل
S
الإفرنجية، مارا بعقبات ملاحية عديدة تسمى شلالات، ولكنها في الواقع الجنادل الستة المعروفة «أسوان - حلفا - دلجو - مروي - بربر - سبلوكه»، وهذه الجنادل عبارة عن صخور جرانيتية صلبة تعترض مسار النهر، مما يجعل النهر يتخذ عشرات المسالك الصغيرة حولها في مسافات تتراوح بين بضع كيلومترات وعشرات الكيلومترات، ونستثني من ذلك سبلوكه الذي يتخذ شكل خانق صخري، ظروف تكوينه لم يقطع فيها برأي حتى الآن.
وبعد أسوان لا تعود العقبات تعترض النهر، وتهدأ سرعة جريانه - باستثناء منطقة جبل السلسلة - ويتجه النهر إلى الشمال فيما عدا ثنية قنا، وبعد القاهرة بقليل يتفرع النهر إلى فرعيه دمياط ورشيد ليكون دلتا صغيرة جدا، بالقياس إلى الحجم العملاق الذي يصل إليه هذا النهر العظيم طولا ومساحة.
ونظرا لأن النيل هو شريان الحياة في قسمه المصري، ولظروف الخصب المتكررة كل سنة مع الفيضان، فلقد أصبح وادي النيل المصري ودلتاه منطقة سكن كثيف منذ أن عرف الإنسان الزراعة، وبما أن الزراعة قد أصبحت عماد الحياة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وخلال العصور التاريخية حتى اليوم، فلقد دخلت مصر حلقة تكاد أن تكون مفرغة؛ فهي تحتاج إلى ضبط مياه النيل لتأمين الزراعة من ناحية، وللتوسع الزراعي من ناحية أخرى، لمجابهة متطلبات الحاجة المتزايدة للسكان، وكلما زاد الرخاء زاد عدد السكان. ونحن لا نعرف بالضبط الطريقة التي كان المصريون في عصورهم السالفة يحلون بها مشكلة زيادة السكان عن الإنتاج، ولكن لا جدال في أن الهجرة - وخاصة تجاه الجنوب - كانت إحدى هذه الحلول الناجحة، وشواهد الهجرة ماثلة في التأثيرات الحضارية الفرعونية وغير الفرعونية في مساحة كبيرة من أفريقيا - خاصة إقليم السفانا. ولا شك أن هذه الهجرة كانت تأخذ أشكالا مختلفة، منها الهجرات الفردية وشبه الفردية المستمرة في أي وقت، ومنها الهجرات الجماعية التي كانت تحدث وقت الأزمات الاقتصادية أو السياسية أو الدينية. وفي الوقت الحاضر نجد أن أحد حلول مشكلة السكان في مصر يتمثل في الاتجاه إلى التصنيع.
ومع ذلك فإن النيل كان وسيظل محور الحياة في هذا الجزء من حوض النيل، ولذلك أنشئت المشروعات الهندسية العديدة لضبط مياه النيل وتخزينه، مشروعات تمتد من عهد بعيد - ربما من مجهودات الأسرة 12 - للاستفادة من منخفض الفيوم كخزان لمياه النيل الفائضة، إلى فكرة استخدام وادي الريان الملاصق للفيوم كخزان لمياه الفيضان، وهي فكرة معاصرة، ومشروعات تمتد من بناء السدود في العهد الفرعوني في النيل النوبي - موضوع وجود خط منسوب مياه عال على صخور الجندل الثاني لم يجد لها الباحثون حلا منطقيا، سوى أن الفراعنة كانوا قد أنشئوا سدا في منطقة سمنة وقمة - إلى السدود الحالية على النيل في أسوان والسد العالي وسنار وجبل الأولياء وأون، ومشروعات سدود مقترحة في مناطق أخرى من أهمها سد بحيرة تانا وسد بحيرة ألبرت.
وإلى جانب أهمية النيل الاقتصادية، فإنه كان وما زال طريقا ملاحيا ممتازا في أفريقيا يتوغل فيها من البحر المتوسط إلى حافة هضبة البحيرات عند جوبا (درجة عرض 5 شمالا) باستثناء منطقة الجنادل النوبية، ومعنى ذلك أن هناك طريقا ملاحيا ممتازا لمسافة ألف كيلومتر من المصب حتى الجندل الثاني، وحوالي ألف وخمسمائة كيلومتر أو أكثر من الخرطوم إلى جوبا.
وإذا كان النيل بهذه الأهمية الحيوية، فليس بمستغرب أن يخصص له الفراعنة إلها في مجمع آلهتهم، وأن يقول عنه هيرودوت إن مصر هبة النيل، وأن يتصور الناس له منبعا في السماء أو في جبال القمر.
الكنغو
ثاني أنهار أفريقيا من حيث الطول، وإن كان أكبرها من حيث مساحة الحوض، ولقد كان البحث عن منابع الكنغو أحد المشكلات الجغرافية الأفريقية، تماما كما كان البحث عن منابع النيل والنيجر، وبعد أن تمت الكشوف الجغرافية في أواخر القرن الماضي وأوائل القرن الحالي، أصبحنا نتكلم عن منبعين للكنغو: الشرقي والغربي. أما المنبع الغربي فهو منابع نهر لوالابا التي لا تبعد كثيرا عن منابع الزمبيزي، ويسير النهر إلى الشمال مخترقا منطقة خانقية عميقة في جبال ميتومبا، ويظل نهرا شديد الانحدار وضيق المجرى حتى بلدة بوكاما التي تعبر عندها السكة الحديدية النهر من إليزابث فيل إلى بورت فرانكي، وبعد بوكاما يصبح لوالابا نهرا صالحا للملاحة النهرية الكبيرة، وبعد قليل إلى الشمال يدخل لوالابا منطقة مستنقعات وبحيرات عديدة تكاد تعيد إلى الأذهان - بصورة مصغرة - منطقة السدود الكبرى في السودان الجنوبي، وتسمى منطقة المستنقعات هذه بسهل كامولوندو، وأكبر بحيرات المنطقة «أوبمبا» و«كيسالي»، وبعد كيسالي مباشرة يلتقي لوالابا برافده الهام لوفيرا الذي ينبع بالقرب من منابع لوالابا، ثم برافد آخر هو لوفوا.
خريطة رقم (11): مناطق الملاحة في أنهار أفريقيا.
ونهر لوفوا هو الذي يأتي بمياه المنابع الشرقية للكنغو، فهو يصرف مياه بحيرة مويرو التي تصرف بدورها مياه بحيرة بنجويلو، ويصل بحيرتي بنجويلو ومويرو نهر لوابولا، وبعد التقاء لوفوا بلوالابا بقليل يلتقي نهر لوكوجا بلوالابا، ونهر لوكوجا هو الذي يصرف بحيرة تنجانيقا وبحيرة كيفو اللتين ترتبطان بواسطة نهر روزيزي، وبعد إلتقاء لوكوجا بقليل يضيق مجرى لوالابا إلى عرض لا يزيد عن مائة متر، وتندفع المياه بسرعة فوق شلالات هيلنتور، ثم يعود النهر ملاحيا بين كاسونجو وكيبومبو مسافة تبلغ 110 كيلومترات، بعدها تعود المندفعات المائية عند كندو، وبعد كندو شمالا يصبح النهر صحالا للملاحة حتى بونتير فيل مسافة تبلغ 310 كيلومترات، وإلى الشمال من بونتير فيل وحتى ستانلي فيل توجد شلالات ستانلي المشهورة، التي تتكون من سبعة مساقط متلاحقة فوق حواجز من صخور الجرانيت وحجر كوندلنجو الرملي.
وبعد ستانلي فيل يطلق اسم الكنغو على النهر حتى المصب، وهذا هو ذلك النهر العظيم الاتساع إلى درجة لا يفوقه فيها من الأنهار العظمى سوى نهر الأمازون، وبين ستانلي فيل وليوبولد فيل - مسافة 1734 كيلومترا - يصبح النهر ملاحيا من الدرجة الأولى، حتى إن بلجيكا لم تفكر في مد خط حديدي في هذه المنطقة؛ لأن النقل النهري أكثر رخصا، ولأن النهر بروافده العديدة يكون شبكة مواصلات نهرية تصل إلى أعماق الكنغو الاستوائي بدون تكلفة تذكر. وقبل أن يصل النهر موقع ليوبولد فيل يتسع المجرى في صورة بحيرة كبيرة عمقها خمسون مترا، يسميها الأهالي نكوما، ويسميها الأوروبيون ستانلي بول، وتمتد البحيرة 30 كيلومترا، ويكون عرضها قرابة 20 إلى 25 كيلومترا.
وبعد ليوبولد فيل بقليل يضيق مجري الكنغو، وينحدر بسرعة فوق 32 شلالا وجندلا تسمى في مجموعها شلالات لفنجستون، التي يبلغ مجموع السقوط فيها 265 مترا، وأعظمها قاطبة شلالات إنجا التي يمكن أن تستغل في توليد أكبر طاقة ممكنة في أفريقيا، وربما في العالم كله من مشروع واحد، وبعد الشلالات يدخل النهر منطقة المصب الخليجي الذي يبلغ عرضه حوالي عشرة كيلومترات، وعمق المياه فيه قرابة 70 مترا مما يسمح للملاحة البحرية - حتى السفن التي تبلغ حمولتها 8000 طن - أن تتوغل حتى ميناء متادي.
ومتوسط تصريف نهر الكنغو السنوي عند المصب قرابة 40000 متر مكعب في الثانية، ولو أنه يتراوح بعض الشيء في المواسم المختلفة، وتأتي الروافد الاستوائية «إيتيمبيري - سانجا - مونجالا - أوبنجي» بمياه الفيضان بين مارس ونوفمبر، أما الروافد الجنوبية «لوالابا - لومامي - كساي» فتأتي بمياه الفيضان من أكتوبر إلى مارس، ولهذا تبلغ مياه الكنغو أقصى تصريف لها في الخريف، وعلى الأخص في شهر أكتوبر حيث تشترك المنابع الشمالية والجنوبية معا في جلب المياه، بحيث يصل التصريف عند المصب حوالي 80000 متر مكعب في الثانية. والسبب في ثبات تصريف الكنغو معظم أشهر السنة، هو أن الروافد الشمالية تحظى بموسم مطر في الربيع والصيف في الوقت الذي تكون فيه الأمطار قليلة في الروافد الجنوبية، وفي الخريف والشتاء تسقط أمطار كثيرة على الروافد الجنوبية، بينما تقل في منطقة الروافد الشمالية، ولا شك أن ذلك كله مرتبط بنظم سقوط المطر شمال وجنوب خط الاستواء في المنطقة الاستوائية، كما سيأتي تفصيله فيما بعد.
وللكنغو - كما سبق أن ذكرنا - شبكة هائلة من الروافد تأتيه من مختلف الجهات، وأهمها الشمال الأوبنجي الذي يكاد أن يكون نهرا قائما بذاته، ومنابع الأوبنجي عبارة عن ارتباط نهرين كبيرين، الشمالي منهما هو نهر بومو الذي ينبع من خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو، والجنوبي نهر أويلة الذي ينبع من حافة الأخدود الغربي قرب التقاء حدود السودان والكنغو وأوغندا، ويتجه كلا النهرين غربا فيلتقيان عند ياكوما، ويسر النهر بعد ذلك باسم الأوبنجي في اتجاه الغرب مكونا الحدود مع جمهورية وسط أفريقيا، ثم يتجه جنوبا عند «بانجوي»، ويتسع مجراه حتى التقائه بالكنغو قرب بحيرة تومبا.
أما كساي فهو أهم روافد الكنغو الجنوبية، وهو في ذاته عبارة عن شبكة نهرية ضخمة تصرف منحدرات الهضبة الأفريقية في أنجولا الشرقية وجنوب الكنغو، وينبع كساي من شرق أنجولا ويتجه شمالا مكونا حدود أنجولا مع الكنغو، ويلتقي بروافد عديدة تأتيه من شرق أنجولا ووسطها، وعند بورت فرانكي ينحرف كساي إلى الشمال الغربي ليتصل بالكنغو قبل ليوبولد فيل بقليل، وعند بورت فرانكي أيضا يلتقي كساي برافده الهام زانكورو الذي يجمع مجموعة من الروافد تصرف القسم الغربي من كاتنجا.
النيجر
ثالث أنهار أفريقيا من حيث الطول ومساحة الحوض، ويكاد يشابه النيل من حيث أن مساره يخترق عددا من الأقاليم الطبيعية تبدأ من الاستوائي وما دون الاستوائي إلى السفانا وإلى منطقة شبه صحراوية، ولكن مساره يختلف عن النيل في أن منابعه ومصباته تقع داخل إقليم طبيعي واحد؛ لأن النيجر في مساره يرسم قوسا كبيرا يكاد يحيط بغرب أفريقيا ويحددها.
ينبع النيجر من السفوح الشمالية لهضبة فوتا جالون في أقصى الجنوب الغربي من غرب أفريقيا، وبذلك فإن منابعه ليست بعيدة كثيرا عن المحيط، ويتجه إلى الشمال ثم إلى الشمال الشرقي حتى تمبكتو، وفي هذا المسار يلتقي النيجر بروافد المنبع العديدة، من أهمها نياتان وميلو اللذان ينبعان من فوتا جالون ويرفدان النهر الرئيسي في ضفته اليمنى، ولكن أهم روافد العليا وأطولها هو باني الذي يلتقي بالنيجر في دلتاه الداخلية، ولنهر باني روافد كبيرة أهمها نهر باوليه ونهر باجوي اللذان ينبعان من منطقة خط تقسيم ضعيف للمياه بين النيجر وأنهار ساحل العاج (ساساندرا وبانداما) في شمال دولة ساحل العاج. وبعد التقاء باجوي وباوليه يسير النهر باسم «باني» موازيا لمسار النيجر مسافة طويلة تزيد عن 500 كيلومتر، قبل أن ينحرف عند موبتي إلى الشمال، ويتصل بالنيجر في منطقة البحيرات التي تميز الدلتا الداخلية للنهر.
عند تمبكتو ينحرف النيجر إلى الشرق، وقبل «جاو» بقليل ينحرف النهر إلى الجنوب والجنوب الشرقي حتى حدود نيجيريا، فيتجه إلى الجنوب، ثم إلى الشرق، وأخيرا يتصل بأهم روافده قاطبة: نهر البنوي، وتلتحم مياههما متجهة إلى الجنوب لتصب في البحر بدلتا شاسعة عديدة الفروع.
في المنطقة ما بين تمبكتو والحدود النيجرية لا يكاد النهر يلتقي أي رافد؛ لأن هذه المنطقة جافة وشبه جافة ، ولكنه في داخل نيجيريا يلتقي بعدد من الروافد الصغيرة التي تصرف المياه القليلة في هضبة جوس وامتدادتها، ومن أهم هذه الروافد الصغيرة نهر سوكوتو ونهر كادونا.
أما البنوي فينبع من هضاب إقليم أدماوا في شمال الكمرون، ويتجه شمالا، ثم شمالا بغرب، ثم غربا حتى «يولا» بعد الحدود النيجيرية بقليل، ثم يتجه إلى الجنوب الغربي حتى «ماكوردي»، ثم إلى الغرب حتى التقائه بالنيجر عند «لوكوجا». وللبنوي روافد عليا مهمة نذكر منها نهر فارو الذي ينبع من أدماوا أيضا، ويلتقي بالبنوي عند حدود الكمرون ونيجيريا. وهنا نهر آخر غريب الأطوار، هذا هو نهر كيبي الذي ينبع في منطقة أدماوا ويتجه شمالا إلى نهر اللوجوني - أحد روافد نهر شاري - ولكن في موسم سقوط الأمطار تنصرف مياه كثيرة من نهر كيبي إلى البنوي الأعلى، وربما كان ذلك بداية لعملية أسر نهري لصالح البنوي، وإلى جانب الروافد العليا فإن للبنوي روافد أخرى، بعضها تصرف مياه هضبة جوسي «جونجلا-شيمانكار»، وبعضها يصرف المنحدرات الغربية لهضبة بامندا في الكمرون «دونجا-كاتسينا».
والنيجر صالح للملاحة في جزئه الأعلى بين باماكو - عاصمة مالي - وكوروسا داخل غينيا في موسم الفيضان، ولكنه غير صالح للملاحة إلى الشمال من باماكو؛ نتيجة وجود بعض المندفعات المائية لمسافة قصيرة يعود بعدها ملاحي طوال موسم الفيضان حتى أنسونجو - قرب جاو - وبعد ذلك لا يصبح ملاحيا حتى «جبا» في نيجيريا، نتيجة لوجود مندفعات مائية وشلالات في «فافا» و«لا بزنجا» و«بوسا»، وبعد «جبا» يعود النهر ملاحيا إلى المصب، وكذلك البنوى يعد طريقا ملاحيا ممتازا في موسم الفيضان (يوليو-أكتوبر) حتى «يولا» قرب حدود الكمرون.
الزمبيزي
أما نهر الزمبيزي فينبع من منطقة الأمطار في جنوب كاتنجا، بالقرب من منابع نهر الكنغو، وله روافد عديدة تأتي من شمال شرق وشرق أنجولا، ولكن النهر في مجراه الأعلى وروافده الأنجولية قليل المياه، ومن ثم فإن تصرف النهر في هذا الجزء تصرف يكاد يكون موسميا. ويتجه الزمبيزي جنوبا من منابعه مخترقا بعض أجزاء أنجولا الشرقية، ثم يخترق إقليم باروتسي في روديسيا الشمالية، ويغير النهر اتجاهه تدريجيا إلى الجنوب الشرقي ثم الشرق، ويسقط على شلالات فكتوريا قبل مدينة لفنجستون بقليل، وقبل شلالات فكتوريا يتصل به أهم رافد له في مجراه الأعلى وهو نهر كواندو، الذي ينبع من المنحدرات الشرقية لهضبة بيهي في وسط أنجولا، وشلالات فكتوريا من الشلالات الكبرى في أفريقيا، وكان يمكن إقامة محطة توليد الطاقة عندها بدلا من منطقة كاريبا، ولكن الحقيقة أن التصرف الموسمي للزمبيزي الأعلى وروافده وقلة المياه في موسم الجفاف، يجعل من المستحيل إقامة المحطة هنا.
ويتجه الزمبيزي شرقا ثم إلى الشمال الشرقي في خانق طويل يتعرض فيه لكثير من المندفعات المائية، ونهاية هذا الخانق يسمى منطقة كاريبا التي أنشأت عليه الحكومة سدا ومحطة للطاقة، وبعد كاريبا بقليل يلتقي الزمبيزي بأهم روافده، وهو نهر كافوي الذي يأخذ منابعه من منطقة الحدود مع الكنغو، وتقترب هذه المنابع من نهر لوفيرا، ويتجه كافوي جنوبا، ثم يرسم قوسا إلى الجنوب الغربي، فالغرب فالجنوب، وأخيرا إلى الشرق حيث يتصل بنهر الزمبيزي، وفيما بين الزمبيزي الأعلى وكافوي توجد هضبتا باتشو كولومبوي وباتوكا اللتان تكونان معا باروتسي لاند، ويتراوح ارتفاعها بين 1300 و1700 متر.
ويتابع الزمبيزي مساره شرقا في منطقة خانقية أيضا، ولكنها تتميز بأنها أقل وعورة من خانق كاريبا، وتمهد للزمبيزي كي يدخل سهوله الدنيا في موزمبيق، حيث ينحرف مساره إلى الجنوب الشرقي، ويصب في مجرى عريض ودلتا صغيرة في مضيق موزمبيق.
الأورنج
يجري نهر الأورنج في معظمه في منطقة صحراية وشبه صحراوية، ولولا أنه يستمد منابعه من منطقة خارجية عن صحراء كلهاري، لما استطاع أن يكون لنفسه هذا المجرى الواسع الطويل. وينبع الأورنج من هضبة باسوتو أعلى هضاب جنوب أفريقيا، ويتجه جنوبا بغرب، ثم غربا، ويلتقي بروافد جبلية عديدة أهمها نهر كاليدون، والنهر هنا جبلي يمر في عدد من المساقط المائية، ثم يدخل منطقة بتشوانا لاند فتقل الارتفاعات والانحدارات، وهنا يلتقي بأهم رافد له وهو نهر فال
Vaal
الذي ينبع أيضا من حافة دراكنزبرج في الترنسفال الجنوبي، ويلتقي بعدد كبير من الروافد من جنوب الترنسفال ومن إقليم أورنج، وبعد التقاء النهرين في إقليم جريكو لاند - جنوب كمبرلي - يتقلب مسار النهر بين الجنوب الغربي والشمال الغربي ثم الغرب، وينحدر النهر على عدد من المندفعات المائية والشلالات في مجراه الأدنى منها شلالات أوجرابيس ومندفعات فيللور، ويصب في المحيط الأطلنطي بمجرى كثير الشطوط الرملية، مما يجعل الملاحة في النهر أمرا متعذرا. (4) بحيرات أفريقيا
تتوزع بحيرات أفريقيا بصورة غير عادلة على أرجاء القارة، فمن بين 14 بحيرة كبيرة لا توجد سوى ثلاث خارج شرق أفريقيا، هي تشاد في غرب أفريقيا، وليوبولد الثاني، وتومبا في وسط حوض الكنغو، والإحدى عشرة بحيرة الأخرى مركزة في شرق أفريقيا، وحتى هذه البحيرات تنقسم إلى نوعين: الأقلية بحيرات عادية على سطح الهضاب هي فكتوريا وبنجويلو وتانا، والثماني الباقية بحيرات أخدودية.
بحيرات الأخدود الشرقي
تظهر هذه البحيرات في منطقة شبه جافة مناخيا، مما يؤدي إلى ذبذبة كبيرة في مسطح الماء في هذه البحيرات - خاصة الصغيرة منها. كما أن مياه هذه البحيرات، نتيجة لعدم تصرف مياهها بواسطة الأنهار، قد أصبحت تحتوي على نسبة كبيرة من الملوحة، وأكبر بحيرات هذه المجموعة هي رودلف التي تقع في شمال غربي كينيا، ويكون طرفها الشمالي نقطة التقاء حدود كينيا وإثيوبيا والسودان، وينتهي إليها تصريف نهر أومو الذي يصرف القسم الأقصى في جنوب غرب الهضبة الحبشية، وإلى الشمال الشرقي من رودلف تقع بحيرة ستيفاني الضحلة التي تتعرض للجفاف كثيرا. وفي أواخر الثلاثينيات تعرضت البحيرة للجفاف تماما. وإلى الشمال الشرقي تمتد مجموعة من البحيرات، أكبرها: إبايا، وزفاي، وشالا، وتشامو.
وإلى الجنوب من بحيرة رودلف تقع في وسط أخدود كينيا مجموعة صغيرة من البحيرات هي من الشمال إلى الجنوب: بارينجو، هاننجتون، تاكورو، ألمنتيتا، نيفاشا، ماجادي. وإلى الجنوب منها في تنجانيقا بحيرات نطرون ومانيارا وإياسي، ومجموعة أخرى من البحيرات الصغيرة.
بحيرات الأخدود الغربي
على عكس بحيرات الأخدود الشرقي نجد نسبة الملوحة في بحيرات الأخدود الغربي قليلة جدا؛ وذلك لأنها ليست بحيرات مقفلة، بل تنصرف مياهها إلى ثلاثة مجموعات نهرية كبرى: هي النيل والكنغو والزمبيزي، وتتكون هذه البحيرات من المجموعات التالية: (1)
مجموعة البحيرات النيلية: ألبرت وإدوارد وجورج، ويربط بينها نهر سمليكي. (2)
مجموعة البحيرات الكنغولية: كيفو وتنجانيقا، ويربط بينهما نهر روزيزي. (3)
مجموعة بحيرات الزمبيزي: نياسا ومالومبي، ويرتبطان بالزمبيزي بنهر شيري. (4)
بحيرة روكوا فيما بين نياسا وتنجانيقا، وهي بحيرة مقفلة.
وبحيرة تنجانيقا هي أكبر بحيرات الأخدود الغربي، وواحدة من كبريات بحيرات العالم؛ إذ إن ترتيبها السابعة من حيث المساحة، والثانية في العالم من حيث العمق بعد بحيرة بيكال.
بحيرة فكتوريا
نظرا لأنها أكبر البحيرات الأفريقية، وثاني بحيرة عذبة في العالم من حيث المساحة بعد بحيرة سوبيرير، فإنها تستحق تخصيص بضعة أسطر لها، فهذه البحيرة عبارة عن انخفاض تكتوني على سطح هضبة البحيرات، ولهذا فإن شواطئها مستوية غير جبلية، كما هو الحال في البحيرات الأخدودية، وتنتهي إليها أنهار صغيرة عديدة من كل الجهات، أكبرها نهر كاجيرا. ونظرا لمساحتها الضخمة، فهي معرضة للعواطف والأنواء، كما أن التبخر من سطحها كبير، وقد اقترح إقامة سد عند مخرج نيل فكتوريا، ورفع منسوب البحيرة ثلاثة أمتار لخزن 200 مليار من الأمتار المكعبة من الماء، ولكن هذا المشروع يحتاج إلى وقت طويل لتنفيذه ولضبط التصريف إذا ما نفذ.
اسم البحيرة
الارتفاع عن سطح البحر بالمتر
المساحة بالكيلومتر المربع
طول الشواطئ بالكيلومتر
متوسط عمق البحيرة بالمتر
أعمق نقطة في البحيرة بالمتر
الموقع
فكتوريا
1133
68800
3440
40
79
شرق أفريقيا
تنجانيقا
773
32880
1900 ؟
1435
شرق أفريقيا
نياسا
471
28480
1500
273
706
شرق أفريقيا
تشاد
295
من 11000 إلى 22000
700
1,5−
8
غرب أفريقيا
رودلف
407
من 8000 إلى 8600
900 ؟
73
شرق أفريقيا
هويرو
970
4920
410
6,5
14
شرق أفريقيا
ألبرت
618
4246
520
10
48
شرق أفريقيا
كيفو
1455
3900
570 ؟
80
شرق أفريقيا
تاتا
1800
3100
300 ؟
70
شرق أفريقيا
بنجويلو
1150
2330 ؟
5 ؟
شرق أفريقيا
ليوبولد الثاني
340
2320
500 ؟ ؟
حوض الكنغو
إدوارد
914
2200
280
25
117
شرق أفريقيا
تومبا
300
1275
220 ؟ ؟
حوض الكنغو
ستيفاني
582
790
260 ؟
8
شرق أفريقيا
وبحيرة تشاد عبارة عن حوض ضحل جدا من الطين، تنتهي إليه مياه نهر شاري، وتتأثر مساحة البحيرة بشدة بكمية الماء التي يجلبها شاري وبالتبخر، لدرجة أنها تزيد أو تنقص بما يعادل 100٪ من مساحتها السابقة، ورغم أنها بحيرة مقفلة إلا أن نسبة الملوحة فيها قليلة، أما بحيرتي بنجويلو ومويرو فهما أيضا من البحيرات الضحلة، ويرتبطان بنظام الكنغو النهري، وكذلك الحال بالنسبة لبحيرتي ليوبولد وتومبا في وسط حوض الكنغو.
المستنقعات الملحية
تظهر هذه المستنقعات في المناطق الجافة، وتتراوح بين بحيرات ملحية وتربة ملحية طينية تماما، وتتكون بطبيعة الحال نتيجة التصريف الطارئ الداخلي في المناطق الصحراوية. ومن الأمثلة على ذلك بحيرة أتوشا في شمال أفريقيا الجنوبية الغربية، التي تتغذى أحيانا من فيضان أو انحراف لمياه نهر كونيني. ومثل ذلك أيضا في جنوب أفريقيا بحيرة نجامي ومستنقعات الدلتا الداخلية لنهر أكوانجو ومستنقع مكاري كاري، وتسمى هذه البحيرات في أفريقيا الجنوبية بالإنجليزية
أو بالألمانية
.
وفي الصحراء الكبرى حيث الحرارة شديدة والنطاق الجاف عريض جدا، لا نجد هذه البحيرات الملحية إلا في المناطق القريبة من هامش الصحراء، وخير مثال على ذلك الشطوط جنوب الأطلس أو السبخات في الصحراء الليبية والمصرية. ومن أكبر الشطوط شط الجريد في جنوب تونس (16 مترا فوق سطح البحر) وشط ملغير في الجزائر (31 مترا تحت مستوى سطح البحر) وشطوط هضبة الشطوط. وفي مصر نجد في سبخات واحة سيوة ومنخفض القطارة أمثلة واضحة لهذه التكوينات الملحية.
مراجع لمزيد من الاطلاع (في موضوعي التضاريس والتصريف النهري)
محمد عوض محمد «نهر النيل» القاهرة 1952، الطبعة الرابعة.
Bernard, A., 1937 “Afrique septentrionale et occidentale” Tom. XI, Geographie Universelle. Paris.
Dudley Stamp. L., 1964 “Africa, A Study in Tropical Development” London.
Fitzgerald. W., 1961 “Africa” 9th. ed. London.
Harrison Church. R. J., 1960. “west Africa” London.
Harrison Church. R. J., 1964“Africa and the Islands” London.
Hirschberg, W., 1962. Meyers Handbuch Ueber Afrika” Mannheim.
Maurette, F. 1939 “Afrique equatoriale, orientale et australe” Tom. XII, Geographie Universelle. Paris.
HaIbfass, W., 1922. “Die Seen der Erde” in Petermanns Mitt. Nr, 185 Gotha.
الفصل السادس
المناخ والأقاليم المناخية
إن امتدادات أفريقيا بين خطي عرض 37 شمالا و35 جنوبا، ومرور خط الاستواء في قسمها الأوسط، لهو من الأسس الخطيرة التي شكلت المناخ وأقاليمه في القارة، فلقد نجم عن ذلك أن أشعة الشمس أصبحت تتعامد على أجزاء كثيرة من القارة في أوقات مختلفة من السنة أثناء الرحلة الظاهرية للشمس من مدار السرطان (27
23° شمالا) إلى مدار الجدي (27
23° جنوبا) وبالعكس، مما يؤدي إلى تعامدها مرتين في السنة على كل المناطق التي تقع بين المدارين، ونظرا لأن الشمس تكون عالية في السماء في المناطق بين المدارين، فإن أشعتها تكون قصيرة ومباشرة، وتؤدي قوة الإشعاع الشمسي إلى تأثيرات مناخية عديدة نذكر منها: ارتفاع نسبة التبخر من مسطحات الماء، وبالتالي اشتداد تكاثف السحب. ولا يقتصر التبخر على مسطحات الماء، بل يتعداه إلى ارتفاع الحرارة والتبخر من سطح التربة والنباتات، وبالتالي يؤدي ذلك إلى زيادة امتصاص الأرض والنباتات للماء الباطني.
خريطة رقم (12).
وتدل دراسة خرائط وإحصائيات الحرارة على أن درجة الحرارة في المناطق الاستوائية ليست شديدة الارتفاع كمناطق أخرى أبعد عن المنطقة الاستوائية، وربما وجدنا لذلك تفسيرا في أن النهار والليل يكادان يكونان متساويين طول السنة في المناطق الاستوائية، كما أنه لا يوجد شروق أو غروب طويل، وكلما بعدنا عن المنطقة الاستوائية زاد طول النهار الصيفي أو الليل الشتوي، ومعنى ذلك أن قدرا معينا من الحرارة يكاد لا يزيد ولا ينقص ينصب على المنطقة الاستوائية طول السنة، بينما تؤدي زيادة طول نهار الصيف في المناطق الأخرى إلى ارتفاع كبير في الحرارة - أعلى من حرارة المنطقة الاستوائية - ويقابل ذلك انخفاض كبير في الحرارة في تلك المناطق خلال الشتاء، ويترتب على ذلك أن درجات الحرارة تتغير تغيرا طفيفا على مدار السنة في المنطقة الاستوائية، بينما يكون مدى هذا التغير كبيرا في المناطق الأبعد عن المنطقة الاستوائية.
ووجود غطاء من السحب يلف المنطقة الاستوائية نتيجة شدة التبخر، هو عامل آخر يجب أن ينظر إليه بعين الاعتبار في تفسير ظاهرة انخفاض درجة الحرارة في المناطق الاستوائية عن المناطق الصحراوية، التي تمثل بحق أحر مناطق العالم، فعدم وجود غطاء السحاب يؤدي إلى وصول أشعة الشمس مباشرة إلى الأرض دون أن ترتد بعض قواها إلى الفضاء، ويؤدي ذلك إلى ارتفاع هائل في درجة حرارة الأقاليم الجافة.
وعلى هذا الأساس فإن المنطقة الاستوائية تتمتع بصيف دائم، بينما تتضح ظاهرة الفصلية الحرارية في الأقاليم المدارية، ويشتد وضوحها في أطراف أفريقيا المطلة على البحر المتوسط والمحيط الجنوبي.
وتؤثر درجة الحرارة ودورة الهواء العليا على توزيع نطاقات الضغط الجوي، وهذه النطاقات هي التي تكاد أن تحكم اتجاهات الرياح السطحية دون منازع، وبالتالي يصبح الضغط الجوي عاملا من العوامل التي تتحكم في سقوط الأمطار. وبما أن للضغط الجوي هذه الأهمية، فإنه لا بد لنا من معالجته كتمهيد لدراسة أنواع المناخ المتباين في أفريقيا. (1) الضغط والرياح في يناير
في خلال الشتاء تقع مناطق الضغط المرتفع في النصف الشمالي في عدة مناطق أهمها ما كان فوق سيبيريا، وتمتد هذه المنطقة مع شيء من الضيق إلى الغرب فوق وسط أوروبا الوسطى والغربية، وتنتهي بالاتصال بمنطقة الضغط الدائم فوق جزر الأزورس، ومن جزر الأزورس يمتد نطاق من الضغط المرتفع فوق شمال أفريقيا شرقا ليتصل بمنطقة الضغط المرتفع الآسيوي، وبهذه الطريقة يصبح حوض البحر المتوسط عبارة عن إقليم من الضغط المنخفض النسبي وسط نطاقات من الضغط المرتفع، ويصبح بذلك قطبا يجذب إليه بعض الأعاصير التي تسيطر على شمال الأطلنطي، لهذا السبب نجد أن الرياح الشتوية على ساحل أفريقيا الشمالية غالبا ما تكون غربية محملة بالأمطار، وتمتد من مناطق الضغط المرتفع حول مدار السرطان الرياح الشمالية الشرقية متجهة إلى منطقة الضغط المنخفض حول الإقليم الاستوائي، وتمر بذلك على جنوب الصحراء وإقليم السودان، وبذلك تتضافر مناطق الضغط المرتفع السيبيري والآزوري والصحراوي في إرسال رياح شمالية باردة نسبيا عبر القارة الأفريقية إلى منطقة خط الاستواء وساحل غانا.
أما النصف الجنوبي فيصبح امتدادا لمنطقة الضغط المنخفض الاستوائي، وبذلك ينفصل نطاق الضغط المرتفع المداري فوق المحيطين الهندي والأطلنطي الجنوبي، وينجم عن ذلك أن تتجه الرياح الجنوبية الشرقية من منطقة الضغط المرتفع فوق المحيط الهندي، إلى منطقة الضغط المنخفض فوق وسط جنوب القارة، وتهب عليها محملة بالبخار، وتسقط أمطارا تقل كلما توغلت إلى الداخل. (2) الضغط والرياح في يوليو
نظرا لحركة الشمس الظاهرية تتغير مظاهر الضغط والرياح بشكل واضح على الأخص في النصف الشمالي من القارة، وأظهر ما يتغير هو تلاشي منطقة الضغط المرتفع فوق الصحراء الكبرى، وسيطرة نطاق من الضغط المنخفض نتيجة للحرارة الشديدة فوق كتلة اليابس الآسيوي الضخمة، ويوجد فوق أفريقيا مركزان لمناطق الضغط المنخفض في ذلك الفصل، أحدهما فوق منطقة تشاد، والآخر إلى الشرق من النيل الأوسط قرب العطبرة، والمنطقة الأخيرة ليست قائمة بذاتها بل جزء من نطاق الضغط المنخفض الآسيوي الذي يتركز قطبه على المنطقة الممتدة من السند وجنوب شرق الجزيرة العربية. وتتصل منطقة الضغط المنخفض هذه بمنطقة الضغط المنخفض الدائم على خط الاستواء، وبذلك يسيطر على القارة شمال خط الاستواء نطاق هائل من الضغط المنخفض.
خريطة رقم (13).
أما البحر المتوسط فيقع فوقه نطاق من الضغط المرتفع النسبي، وتنطلق من هذه المنطقة رياح شمالية شرقية يكون لها أثر في تخفيف درجة الحرارة في معظم الجزء الشمالي من أفريقيا حتى الإقليم السوداني، ومن خصائص هذه الرياح أنها كلما توغلت جنوبا ازدادت درجة حرارتها، وبالتالي ازدادت قدرتها على امتصاص بخار الماء؛ وهي بذلك رياح جافة.
وجنوب هذا النطاق الهائل من الضغط المنخفض يسيطر الضغط المرتفع على المحيطين الهندي والأطلنطي، ومنهما تهب الرياح الممطرة إلى ساحل غانا وساحل أفريقيا الشرقي، وتتوغل هذه الرياح كثيرا داخل القارة نظرا لوجود مراكز الضغط المنخفض السابق ذكرها، وبالتالي تسقط المطار في هذا الفصل على الإقليم السوداني كله من المحيط الأطلنطي إلى هضبة الحبشة. وفي الغالب تجذب مناطق الضغط المنخفضة فوق العطبرة تيارات هوائية من المحيط الأطلنطي تؤدي إلى سقوط الأمطار الغزيرة على الحبشة، أما نصف القارة الجنوبي فإنه يقع تحت تأثير منطقة ضغط مرتفع نسبي؛ لهذا فإن أمطار هذا الجزء من أفريقيا تكاد تكون محدودة بالساحل، كما تقع الأجزاء الغربية من إقليم الكاب تحت تأثير أعاصير تسقط عليها أمطار شتوية. (3) الأقاليم المناخية الرئيسية
على أساس القواعد الخمس التالية يمكننا أن نقسم أفريقيا إلى ثلاثة أقسام مناخية رئيسية، لكل منها أقسام فرعية: (1)
مطر دائم غزير أكثر من 150 سنتيمترا. (2)
جفاف تام. (3)
أمطار فصلية من مناطق التدرج بين 1 و2. (4)
حرارة عالية في كل المناطق. (5)
مناطق فصلية الحرارة والمطر في الهامش الشمالي والجنوبي.
وقد أنتجت تلك العوامل أو تفاعلاتها المناطق الثلاث الأساسية التالية: (1)
المناخ الاستوائي: ويشتمل على إقليمي المطر ذي القمتين وذي القمة الواحدة. (2)
المناخ المداري: ويشتمل على قسمين مختلفين تماما، هما المناخ الموسمي المطر، ويسمى أحيانا مناخ السفانا أو المناخ السوداني، ثم المناخ الصحراوي أو الجاف، وبين القسمين أقاليم انتقالية شبه جافة. (3)
مناخ العروض المعتدلة: وتشتمل على إقليم المطر الشتوي وإقليم المطر الصيفي في هامش القارة الشمالي والجنوبي.
هذه النطاقات الثلاثة تظهر في القارة الأفريقية في قسميها شمال وجنوب خط الاستواء.
وهناك عدة استثناءات ملحوظة تفرق بين التماثل التام في تكرار تلك النطاقات على الساحل الشرقي لكلا القسمين الشمالي والجنوبي في أفريقيا. فالتكرار ظاهرة واضحة على الساحل الغربي للقارة شمالي وجنوب خط الاستواء، في حين يختلف الساحل الشرقي عن ذلك تماما، فإذا أخذنا الإقليم الصحراوي مثالا نجده يمتد في شمال القارة من ساحل المحيط الأطلنطي إلى البحر الأحمر دون انقطاع، أما في النصف الجنوبي فيمتد فقط من الساحل الغربي إلى أواسط القارة، ولا يظهر على الساحل الشرقي المقابل، وهذا الاختلاف يعود إلى طبيعة التضاريس من ناحية، وطبيعة الموقع والعلاقة المكانية لآسيا مع القسم الشمالي الشرقي من أفريقيا من ناحية أخرى.
خريطة رقم (14).
من هذا المثال ومثال آخر هو امتداد الأحوال الصحراوية على الساحل الشرقي ابتداء من خط عرض 1 جنوبا، وإلى اتجاه الشمال منه؛ نستنتج أن هناك اختلافا جوهريا بين قسمي أفريقيا الشمالي والجنوبي؛ فالقسم الجنوبي ضيق عن الشمالي ويطل على مسطحين مائيين كبيرين: المحيط الهندي من الشرق، والأطلنطي من الغرب.
أما النصف الشمالي للقارة فهو عريض، ويتصل من الناحية الشرقية بكتلة آسيا، ونظر لهذا فإن الرياح الشمالية الشرقية المسماة بالرياح التجارية التي تهب على الساحل الغربي للبحر الأحمر في خطوط العرض التي تهب فيها لا تعبر مسطحات مائية كبيرة، وبذلك تكون جافة ويترتب على ذلك امتداد الظروف الصحراوية إلى شمال شرق القارة. (3-1) أقاليم العروض المعتدلة (أ) إقليم المطر الشتوي
يتوزع هذا النوع من المناخ على أطراف القارة الشمالية والجنوبية، ويشمل في: (1)
الشمال: إقليم الأطلس شمال الأطلس الكبرى وأطلس الصحراء، ويمتد على الساحل من ميناء أسفي على المحيط الأطلنطي إلى ميناء صفاقس في تونس. كما يشمل منطقتين صغيرتين، هما: (أ) منطقة الساحل حول مدينة طرابلس بين البحر وحافة جبل نفوسة. (ب) منطقة الجبل الأخضر وغرب برقة. (2)
الجنوب: الجزء الجنوبي الغربي من إقليم الكاب حول مدينة كيبتاون وجبال دراكنشتاين، والقسم الغربي من الكاروو الصغير.
شمال أفريقيا
يتمتع مناخ هذا القسم بحرارة عالية وجفاف صيفي، وهو معتدل إلى بارد شتاء مع سقوط الأمطار، وفي إقليم الأطلس تقف جبال الأطلس بمحاورها المختلفة في أوضاع متعامدة وشبه متعامدة مع اتجاه الرياح الغربية والشمالية الغربية، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في تساقط المطر شتاء.
وبتصادف فصل سقوط المطر مع موسم الحرارة الدنيا (الشتاء) فإن فاعلية كمية المطر الساقط بالنسبة للزراعة كبيرة جدا، بالمقارنة بما لو كان عليه أمر سقوط المطر مع موسم الحرارة العليا. وهذه الحالة هي عكس ما هو حاصل في إقليم المطر الصيفي المداري (السوداني) الذي يجعل هناك ضرورة لكميات أكبر من الأمطار لكي يصلح الزرع.
وفي إقليم الأطلس لا يحدث الصقيع إطلاقا في النطاق الساحلي، وإن كانت الثلوج تتساقط فيه أحيانا، لكنها سرعان ما تذوب لعدم انخفاض درجة الحرارة تحت الصفر إلا فيما ندر (راجع هذه الحقيقة من شكل رقم 16)، أما في المناطق العالية جدا من جبال الأطلس، فإن هناك مناطق جليد دائمة، كما يسقط الثلج شتاء ويحدث الصقيع في الأماكن التي تزيد عن ألف متر ارتفاعا.
خريطة رقم (15).
وربما كانت أبرد مناطق أفريقيا قاطبة منطقة «إفران» - جنوب مكناس - التي تقع في أحد الأودية العليا للأطلس الوسطى (درجة العرض 31
33° والطول 7
5°، والارتفاع 1700 متر فوق مستوى البحر)، وتدل أرصاد هذه المحطة على أن أدنى حرارة مطلقة هي 22°م تحت الصفر في يناير، و21°م تحت الصفر في فبراير، و20°م تحت الصفر في ديسمبر. وتدل أرصاد هذه المحطة أيضا على أن متوسط درجة الحرارة الدنيا في النهار هي 5°م تحت الصفر في يناير، كما يتأرجح المدى اليومي لمتوسطات الحرارة في الشهور المختلفة بين 13° و18°م، مما يقرب هذا إلى المدى الحراري اليومي في المناخ الصحراوي، ولا شك أن ارتفاع المدى اليومي في «إفران» راجع إلى وقوعها في منطقة العروض المعتدلة التي تتمتع بقدر كاف من ساعات سطوع الشمس رغم ارتفاعها الكبير فوق سطح البحر.
شكل رقم (16): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر، التظليل يساوي كمية المطر.
وعلى أي الحالات فإن محطة «إفران» لا تمثل بأي حال مناخ البحر المتوسط، إنما هي حالة شاذة نتيجة ارتفاعها وموقعها، أما متوسط حرارة الشتاء في هذا النوع المناخي، فلا تنقص كثيرا عن 10°م في أقاليم الساحل، وعن 5°م في أقاليم الجبال.
وصيف الإقليم حار جاف وسماؤه صافية، ولا تسقط أمطار إلا فيما ندر، ولا ترتفع درجات الحرارة مطلقا إلى 40°م، وإن كانت تحدث أحيانا في قائظ الأيام في الجبال، ومتوسط حرارة الصيف بين 22°م و26°م، وفي مناطق الساحل لا تنخفض درجة حرارة الليل، بينما يحدث ذلك في المناطق الداخلية والجبلية.
وكمية المطر الساقط في الشتاء أكثر من 300مم في كل أرجاء هذا الإقليم، وترتفع إلى 700 -800مم في ساحل الجزائر، وإلى 1000مم في مناطق الجبال المواجهة للرياح الممطرة. وأمطار إقليم البحر المتوسط عامة ترجع إلى الأعاصير التي تنبع من مناطق الضغوط الجوية الدائمة المرتفعة والمنخفضة فوق المحيط الأطلنطي، والتي تجذبها منطقة الضغط المنخفض فوق البحر المتوسط في الشتاء. ومن أبريل إلى سبتمبر لا تسقط أمطار في الإقليم الساحلي، بينما تزيد فترة الجفاف إلى أكتوبر في المناطق الداخلية، ومن مارس إلى أكتوبر في تونس، وتزيد عن ذلك في طرابلس وبرقة والإسكندرية.
وعلى ضوء الكلام السابق ودراسة أرصاد محطات هذا الإقليم، نخرج بنتيجة هامة هي أن هذا الإقليم المطل على البحر المتوسط يتميز بارتفاع درجة الحرارة في الصيف، وباعتدالها في الشتاء، مع حدوث انخفاضات حرارية مفاجئة نتيجة مرور الأعاصير والجبهات الباردة.
إقليم الكاب
بالرغم من أن هذا القسم من أفريقيا يتشابه مع إقليم الأطلس في الشمال من حيث نوع المناخ السائد، إلا أن ظروف هذا الإقليم وموقعه تختلف كثيرا عن الإقليم الشمالي، فهو قسم صغير مطل على مسطحات مائية كبيرة، بالإضافة إلى أن أثر التيار البحري البارد المعروف باسم «تيار بنجويلا» محسوس بدرجة أكبر من تأثير تيار كناريا على إقليم الأطلس؛ ولهذا فإن درجة حرارة الصيف في إقليم الكاب معتدلة، والمدى الحراري الفصلي أقل من مثيله في إقليم الأطلس.
شكل رقم (17): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
وهناك أيضا تأثير تيار دافئ محلي يسمى «تيار أجولهاس» الذي ينبعث كفرع صغير من تيار موزمبيق، وتأثير هذا التيار واضح في الإقليم الساحلي الجنوبي من إقليم الكاب؛ نظرا لضيق السهل الساحلي، وتحدده في الداخل بواسطة الحائط الصخري للهضبة الأفريقية «دراكنز برج» والجبال الالتوائية الجنوبية، ويؤدي هذا التيار إلى رفع درجة الحرارة للإقليم الساحلي وخاصة في الشتاء، كما يساعد على إمكانية إسقاط المطر في هذا الإقليم في الصيف اتجاه الرياح الجنوبية الشرقية الممطرة غربا على طول الساحل الجنوبي، بعد اصطدامها بحافة الهضبة الأفريقية، ولهذا فإن أمطار إقليم الكاب الصيفية، بالرغم من قلتها، تميز هذا الإقليم عن أحوال الجفاف الصيفية في إقليم الأطلس وبقية أقاليم شمال أفريقيا. (راجع شكل رقم 17) حيث تسقط الأمطار في مدينة كيبتاون في الصيف.
وبطبيعة الأحوال فإن أمطار الصيف هذه أكثر وأشد وضوحا في إقليم شرق الكاب عنه في إقليمه الغربي، وذلك راجع بدون شك إلى أن هذا القسم أقرب إلى مصدر الرياح الجنوبية الشرقية الممطرة التي يأخذ هبوبها في الضعف وأمطارها في القلة، كلما توغلت هذه الرياح غربا على ساحل الكاب الجنوبي. ويؤكد هذه الحقيقة أرقام المطر الساقط بالمليمتر في محطتين: الأولى كيبتاون في غرب إقليم الكاب، والثانية بورت إليزابث في شرقه.
1
المحطة
كيبتاون
ب. إليزابث
يناير
18
30
فبراير
15
33
مارس
23
46
أبريل
48
46
مايو
94
61
يونيو
109
46
يوليو
94
48
أغسطس
84
51
سبتمبر
58
58
أكتوبر
40
56
نوفمبر
28
56
ديسمبر
20
43
المجموع
631
574
ولهذا فإن القسم الشرقي من إقليم الكاب عبارة عن إقليم انتقالي بين إقليم المطر الشتوي في غرب الكاب والمطر الصيفي في إقليم جنوب شرق أفريقيا، ولهذا أفردنا له وضعا خاصا في أقاليم أفريقيا المناخية خريطة رقم (15).
ويتميز إقليم الكاب بدرجة حرارة معتدلة على مدار السنة؛ ففي الصيف (ديسمبر-مايو) يبلغ متوسط الحرارة 20°م، بينما تنخفض إلى 13°م في أشهر الشتاء، وعلى هذا فالمدى الحراري قليل، كما أن درجة حرارة الصيف ليست مرتفعة، وبالإضافة إلى ذلك فإن حدوث الصقيع أكثر احتمالا من شمال أفريقيا. وتنخفض معدلات الحرارة شتاء في الجبال عن السهول، كما ترتفع في المتوسط بمقدار درجة مئوية واحدة في شرق الكاب عن غربه في الشتاء، ولكنها ترتفع في الصيف كثيرا في الشرق، لدرجة أنه يحدث في أحيان كثيرة تسجيل درجة 40°م في بورت إليزابث خلال الصيف.
وفيما يلي متوسطات للحرارة والمطر في محطات مختارة لهذا الإقليم المناخي في شمال وجنوب القارة.
2
المحطة
الارتفاع بالمتر
الحرارة (درجة مئوية)
المطر (مم)
يناير
يوليو
المدى السنوي
الكمية القصوى والشهر
الكمية الدنيا والشهر
المجموع
الدار البيضاء
50
12
22
10
71 (12)
2,5 (7)
401
مراكش
456
11,5
29
17,5
33 (3)
2,5 (7)
239
الجزائر
60
12
25,5
13,5
137 (12)
2,5 (7)
760
تونس
65
10,5
26,5
16
63 (1)
2,5 (7)
418
طرابلس
21
12
26
14
94 (12)
2,5 (7)
418
كيبتاون
13
21,5
13
8,5
109 (6)
15 (2)
631
بورت إليزابث
57
21
12
9
58 (9)
30 (1)
574
16 (5)
ملاحظة:
الأرقام الموضوعة داخل القوسين أمام كمية الأمطار القصوى والدنيا تمثل الأشهر، فمثلا: أمام أمطار الدار البيضاء القصوى نجد الرقم (12) يساوي شهر ديسمبر، وأمطارها الدنيا الرقم (7) ويساوي شهر يوليو. (ب) إقليم المطر الصيفي
يظهر هذا الإقليم المناخي في سواحل وهضاب جنوب شرق أفريقيا فقط، وليس له نظير في شمال شرق القارة، وذلك نتيجة للعلاقات المكانية بين آسيا وأفريقيا في قسمها الشمالي، مما أدى إلى وقوع هذه الأجزاء داخل النطاق الصحراوي الكبير في العالم.
ونظرا لوقوع هذا النوع المناخي في كل من السهول والهضاب، فلقد اختلفت الأحوال المناخية، وخاصة الحرارية في السهول عنها في الهضاب، وترتب على ذلك ارتفاع درجة الحرارة في الإقليم الساحلي في ناتال إلى درجة تقربها من أجواء المناطق المدارية البحرية، وزاد على ذلك أن تيار موزمبيق الحار يساعد على رفع درجة الحرارة على طول الساحل. أما الهضبة فتتمتع بدرجة حرارة أكثر اعتدالا نتيجة لارتفاعها من ناحية، وبعدها عن تيار موزمبيق من ناحية ثانية. وإلى جانب اعتدال الحرارة، فإن الهضبة تتمتع بكمية أمطار كثيرة مما جعلها منطقة مرغوبة السكن من جانب الأوروبيين المستوطنين، بالإضافة - بطبيعة الحال - إلى الثروة المعدنية الهائلة في هذه الهضاب.
شكل رقم (18): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
ويبلغ متوسط حرارة الصيف بين 20°م و22 °م، بينما تبلغ حرارة الشتاء بين 10°م و15°م، أما حرارة الساحل فهي أعلى قرابة أربع درجات مئوية في الصيف، وقرابة درجتين في الشتاء عن الهضبة.
أما أمطار الإقليم فمصدرها الرياح الجنوبية الشرقية التي تهب من منطقة الضغط المرتفع فوق جنوب المحيط الهندي، متجهة إلى منطقة الضغط المنخفض الذي يسيطر على جنوب القارة في الصيف. وتسقط أمطار كثيرة على الإقليم الساحلي تتزايد عند حافة الهضبة الأفريقية، ثم تقل نسبيا على الهضبة. وتوضح الأرقام التالية هذا النوع المناخي.
3
المحطة
دربان
بريتوريا
الحرارة (م°)
المطر (مم)
الحرارة (م°)
المطر (مم)
يناير
24
109
21
127
فبراير
24
122
21
109
مارس
23
130
19
114
أبريل
22
76
16
43
مايو
19
51
13
23
يونيو
17
33
10
18
يوليو
16
28
10
7
أغسطس
17
38
13
5
سبتمبر
19
71
17
20
أكتوبر
20
109
19
56
نوفمبر
22
112
20
132
ديسمبر
23
119
21
132
المدى أو المجموع
8
1038
11
786 (3-2) أقاليم المناخ المداري الجاف
بين أقاليم العروض المعتدلة والعروض الاستوائية يمتد نطاق مناخي عريض، تحدده عروض الخيل ودورة الهواء العليا التي أدت إلى تميزه بالجفاف المستمر، وغالبية المظاهر الفيزيوجرافية لهذا الإقليم قد حددتها ظروف المناخ الجاف. ومن أهم هذه المظاهر التعرية الجوية أو التجوية، فالمدى الحراري اليومي يتزايد بشدة مع تزايد الجفاف؛ ذلك لأن الهواء الجاف المحروم من السحب يساعد على تركز شديد للإشعاع الشمسي على الأرض خلال النهار، وفي الوقت ذاته على إشعاع عكسي لحرارة سطح الأرض إلى الفضاء خلال الليل، مما يؤدي إلى حدوث ظاهرة الصقيع كثيرا في الصحراوات.
وينقسم هذا النطاق المناخي العريض إلى قسمين رئيسيين: (1)
المناخ الجاف المثالي: ويوجد في الصحراء الكبرى. (2)
المناخ الجاف الهامشي: ويوجد في المناطق الساحلية الصحراوية، أو في صورة أقاليم انتقالية بين الصحراء وإقليم المطر الشتوي أو إقليم المطر الصيفي. وأقسامه إذن كثيرة، هي على وجه التحديد: (أ)
الإقليم الانتقالي في شمال الصحراء الكبرى. (ب)
الإقليم الانتقالي في جنوب الصحراء الكبرى. (ج)
الإقليم الجاف في إريتريا والصومال. (د)
الإقليم الجاف في أفريقيا الجنوبية. (ه)
صحراء ناميب. (أ) المناخ الجاف المثالي
يتمثل هذا المناخ في الصحراء الكبرى التي تمتد في نطاق متماسك من سواحل المحيط الأطلنطي غربا إلى البحر الأحمر شرقا، وتمتد عبره إلى صحاري الجزيرة العربية، ويتراوح عرضها بين 1200كم و1400 كيلومتر، وهكذا تكون هذه الصحراء أعظم صحاري العالم على الإطلاق من حيث المساحة والامتدادات، ومن حيث مثالية مناخها الجاف؛ لوقوعها تماما في منطقة عروض الخيل، ولتباعد أجزائها عن المسطحات المائية الكبيرة، ولوقوعها في ظل كتلة آسيا القارية. ويمكن أن نحدد الصحراء الكبرى من الشمال بخط مطر مائة مليمتر، ومن الجنوب بخط مطر مائة وخمسون إلى مائتي مليمتر، ومن هذا فإن معظم الصحراء الكبرى عمليا لا تسقط بها أية أمطار منتظمة على الإطلاق، كما أن الجبال العالية داخل الصحراء في إقليمي تبستي والحجار، لا تسقط بها أمطار منتظمة أيضا؛ وذلك لبعدهما الشديد عن البحار والرياح الممطرة الشمالية الغربية التي تحتجزها سلاسل الأطلس العالية، والرياح الموسمية الجنوبية الغربية.
ولكن الصحراء الكبرى تتعرض لأمطار سيلية مفاجئة مصدرها فلول أعاصيرها هاربة من أعاصير البحر المتوسط، أو أعاصير الإقليم السوداني، وحينما تهطل هذه السيول فإنها تكون شديدة جارفة ومركزة في مناطق محدودة، زمن هطولها قصير محدود بساعات قليلة على أحسن الفروض، ولكن نتائج هذه السيول خطيرة جدا، ويكفي أن نقول إن كثيرا من الحيوان والإنسان الذي تفاجئه مسارات هذه السيول قد يغرق، ويكون ذلك من المفارقات المعجزة أن يغرق إنسان وسط الصحراء!
أما الأودية العديدة الجافة في الصحراء الكبرى، فالواقع أنها من عمل المجاري النهرية الدائمة التي كانت موجودة خلال العصور المطيرة في شمال أفريقيا، ولا يعقل إطلاقا أن تكون هذه الأودية من عمل هذه السيول الطارئة التي تتخذ من هذه الأودية، في أحيان، مسارا لمياهها العارمة الوقتية.
وإلى جانب ظاهرة الجفاف المنتظم، فإن الصحراء الكبرى تتميز بأنها أحر جهات العالم، وتشتمل على قلب الحرارة العظمى العالية، ففي مناطق كثيرة تسجل حرارة تبلغ 55°م، فما بالنا بالمناطق غير المأهولة من الصحراء التي لم يسجل فيها أحد أية أرصاد جوية، ولهذا فإنه ليس من المستبعد إطلاقا أن تكون النهاية العظمى المطلقة للحرارة 60°م في أماكن عديدة، والمدى الحراري اليومي كبير، يصل إلى ما بين 12° و20°م في يناير، وما بين 15° و22°م في يوليو ، كما أن المدى الفصلي يصل أيضا إلى 20°م. أما الرطوبة الجوية فهي قليلة وتزداد قلة مع تزايد الحرارة، وتتراوح وقت الظهيرة بين 20٪ في الشتاء و3٪ في الصيف.
ونظرا لأن الصحراء الكبرى تقع تحت طائلة ضغط مرتفع مستمر، خاصة في الشتاء، فإن الرياح غالبا محلية، بالإضافة إلى الرياح الشمالية الشرقية الجافة التي تهب بانتظام خلال الشتاء والصيف، وللرياح النابعة من الصحراء التي تهب على الأقاليم المجاورة أسماء عديدة، منها: الهارماتان التي تهب على غرب أفريقيا، والهبوب التي تهب على منطقة الخرطوم والبحر الأحمر، والخماسين التي تهب على مصر، والسيروكو التي تعبر البحر المتوسط إلى إيطاليا. وهذه الرياح - بطبيعة مصدرها واتجاه هبوبها - ساخنة متربة يخشاها الناس في أماكن هبوبها. (ب) المناخ الجاف الهامشي
الإقليم الانتقالي في شمال الصحراء الكبرى
يمتد هذا الإقليم بين جبال الأطلس ودرجة العرض 28° شمالا على ساحل الأطلنطي، فيشمل بذلك جزر كناريا، والحد الفاصل بين الصحراء وهذا الإقليم الانتقالي لا يتبع قاعدة واحدة، بل يرتبط في مساره بظروف طبيعية عدة منها الظروف التضاريسية، وظل المطر مما يؤدي إلى تداخل كبير بين الظروف الصحراوية المثالية وإقليم الانتقال، والحقيقة أن جزءا كبيرا من عدم قدرتنا من تحديد الفاصل بين الإقليمين، راجع في أصوله إلى قلة محطات الأرصاد قلة واضحة في هذا الإقليم الشاسع، كما أن عددا كبيرا من محطات الأرصاد الحالية حديثة الإنشاء، مما لا يعطينا متوسطات سنوية طويلة يمكن على أساسها تحديد الإقليم المناخي بمميزاته المختلفة تحديدا واضحا.
شكل رقم (19): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
والإقليم الانتقالي جنوب الأطلس العظمى ضيق؛ لأن ظاهرة الفون
Fohn
4
التي تحدث عبر جبال الأطلس العليا تؤدي إلى جفاف الرياح وارتفاع حرارتها في سفوح الأطلس العظمى الجنوبية الشرقية، ومنطقة الأطلس الخلفية، ولكن هذا الإقليم الانتقالي يزيد كثيرا في العرض في منطقة الشطوط العليا بين أطلس البحرية والأطلس الصحراوية، ثم يعود هذا الإقليم إلى الضيق في الشرق ويصل إلى البحر المتوسط في خليج سرت الصغير، ويمتد خلف جبل نفوسة في منطقة عريضة نسبيا فوق الحمادة الحمراء، ليضيق بشدة عند خليج سرت الكبير. ويشمل الإقليم الجزء الشرقي من برقة، تاركا الجبل الأخضر والساحل بين بنغازي ودرنة في نطاق المطر الشتوي، ويستمر الإقليم ضيقا في مرمريكا حتى تقترب الصحراء تماما من ساحل البحر عند السلوم، ويعود للاتساع القليل في مناطق محدودة من الصحراء الغربية المصرية وخاصة عند سيدي براني ومريوط، بينما تصل الصحراء إلى البحر في معظم منطقة الساحل، وتنضم الأقسام الشمالية من الدلتا إلى هذا الإقليم المناخي .
ونظرا للامتداد الكبير لهذا الإقليم الضيق من الغرب إلى الشرق، فإن ظروف القسم الغربي مختلفة عن القسم الشرقي؛ ففي القسم الغربي تتراوح درجة الحرارة بين 40°م و25°م، وإن كانت تتعدل بواسطة الارتفاع (هضبة الشطوط) أو بواسطة اتجاه الرياح، أو حسب الموقع المحلي بالنسبة للظاهرات التضاريسية. والمدى الحراري اليومي كبير وخاصة في الصيف، حيث يرتفع إلى 20°م، وفي كثير من الليالي يحدث الصقيع، وخاصة في الشتاء، وقد تهبط درجة الحرارة إلى −10°م في هضبة الشطوط، ودرجة الرطوبة الجوية منخفضة في الصيف (25٪-45٪)، ومرتفعة في الشتاء (60٪) في القسم الغربي من هذا الإقليم، أما الأمطار فقليلة جدا في الصيف (5-10مم في الشهر)، بينما ترتفع إلى 25-40مم في كل شهر من أشهر الشتاء، ومتوسط سقوط المطر السنوي يتراوح بين 350مم و200مم في هذا القسم.
ويتمتع القسم الشرقي بشتاء أقل برودة من القسم الغربي؛ نظرا لقربه المستمر من ساحل البحر المتوسط، وعلى هذا فالصقيع لا يحدث إطلاقا في المناطق القريبة من البحر، وتتراوح الحرارة المطلقة بين 45°-40°م، كحد أقصى في الفترة بين أبريل وسبتمبر، وبين 17°م في الشتاء. أما الأمطار فمعدومة تماما خلال أشهر الصيف الطويل، وتسقط فقط في أشهر الشتاء بين نوفمبر وفبراير بمتوسط شهري أكثر من 25 مم، وقد تحدث أحيانا أمطار شديدة في أكتوبر ومارس.
الإقليم الانتقالي في جنوب الصحراء الكبرى
يقع هذا الإقليم جنوب خط 16° شمالا، ويحدده على وجه التقريب مطر سنوي قدره 250مم يسقط بين أغسطس وأكتوبر ، وبالتالي فهذا الإقليم يخالف الإقليم السابق في موقعه وفي موعد سقوط أمطاره، وهذا بطبيعة الحال مرتبط بالإقليم الذي يليه؛ ففي الشمال إقليم المطر الشتوي، ومن ثم فأمطار الإقليم الانتقالي الشمالي شتوية، بينما في الجنوب إقليم المطر الموسمي الصيفي، ومن ثم فأمطار هذا الإقليم الانتقالي صيفية.
شكل رقم (20): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
ويمتد هذا الإقليم أيضا بعرض القارة من ساحل موريتانيا والسنغال إلى سفوح الهضبة الحبشية، ويتراوح اتساعه حسب ظروف طبيعية عديدة.
فهو عريض في الغرب على الساحل، بحيث يمتد حده الشمالي إلى درجة عرض 20° شمالا، ويضيق حتى عرض 17° عند ثنية النيجر، وكلما ابتعدنا عن تأثير أمطار غرب أفريقيا وتوغلنا في داخلية القارة، كلما تقهقر حده جنوبا إلى أن يصل أقصاه إلى عرض 14° شمالا عند بحيرة تشاد، ثم لا يلبث أن يتقدم الحد الشمالي صوب الشمال مرة أخرى، وببطء إلى أن يصل إلى هضبة دارفور، ثم الخرطوم عند العرض 30
15°، ثم إلى الشمال الشرقي بتأثير هضبة إريتريا حتى قرب سواحل البحر الأحمر. وهذا الإقليم - كما قلنا - عريض في الغرب ويبلغ أضيقه في المنطقة بين تشاد ودارفور، وفي شرق الخرطوم إلى الهضبة الإريترية، بحيث لا يزيد عرضه عن مائة كيلومتر، ونتيجة للامتداد العرضي الكبير لهذا الإقليم (حوالي 5000كم) فإنه ينقسم إلى أقسام عدة نتيجة الظروف المختلفة.
ففي منطقة السنغال المنخفضة ترتفع متوسطات حرارة الصيف إلى 40°م في النهار، وتنخفض إلى 25°م في الليل، ويتراوح المدى اليومي الحراري بين 10°م في موسم المطر، و15°م في موسم الجفاف، أما متوسط الحرارة الشهري للصيف فيبلغ 35°م، وفي الشتاء 23°م، وترتفع الرطوبة النسبية في خلال موسم الأمطار، وتسقط معظم الأمطار في خلال أشهر يونيو (70مم)، ويوليو (150مم)، وأغسطس (200مم)، وسبتمبر (50مم).
أما في المنطقة الداخلية من السنغال حتى دارفور فإن الإقليم يقع على متوسطات كنتورية بين 200 متر و500 متر، وفي هذا النطاق تتشابه الحرارة مع إقليم السنغال مع ملاحظة ارتفاع الحرارة القصوى المطلقة، وكذلك تسقط الأمطار من يونيو إلى سبتمبر بمجموع سنوي حول 500مم، والرطوبة النسبية أقل من السنغال.
أما القسم الشرقي من دارفور إلى إريتريا، فهو أعلى بالنسبة لسطح البحر من القسم السابق؛ فهو في المتوسط 500 متر ويرتفع إلى أكثر من ألفي متر في دارفور وإريتريا، ورغم هذا الارتفاع إلا أن متوسط الحرارة السنوي حوالي 39°م، وقبل موسم الأمطار بقليل تبلغ الحرارة ذروتها (أبريل-مايو)، ويرتفع المدى الحراري اليومي إلى ما بين 20°م و25°م، وينخفض هذا المدى إلى 15°م في خلال موسم المطر، والأمطار السنوية لهذا القسم أقل من القسم السابق، وتتراوح بين 300مم و450مم، وتزيد الأمطار كثيرا في مناطق الهضاب عن سهول شمال كردفان والنيل.
الإقليم الجاف في إريتريا والصومال
يعتبر هذا الإقليم في الحقيقة امتداد لنوع المناخ الصحراوي، ولكن ضيقه وظروف موقعه بين ساحل البحر الأحمر والهضبة الحبشية، تجعلنا نفرد له بضعة أسطر لوصف حالته الخاصة.
يرتفع هذا الإقليم من ساحل البحر الأحمر وخليج عدن إلى أقدام الهضبة الحبشية وإلإريترية بسرعة كبيرة، مما يؤدي إلى اختلافات كبيرة في المناخ في صورة أشرطة ضيقة جدا تمتد بين الهضاب والبحر، فالإقليم الساحلي صحراوي بمعنى الكلمة، ويمتد هذا النطاق إلى سواحل الصومال على المحيط الهندي حتى درجة العرض الأولى جنوب خط الاستواء، ويتميز بأن الرطوبة النسبية عالية طوال السنة (75٪)، والحرارة مرتفعة باستمرار (متوسط السنوي 30°م) ولكن الأمطار أكثر انتظاما من أمطار الصحراء الكبرى (المتوسط بين 50مم و180مم حسب الموقع) ومعظمها تسقط في الشتاء بين أكتوبر وفبراير.
أما الشريط الداخلي الملاصق لحافة الهضبة فيرتفع إلى 1000 متر، ويشمل هضبة الدناكل أيضا، وتتراوح درجة الحرارة بين 25°م إلى 17°م حسب الارتفاع، ويصل المتوسط الحراري إلى 30°م في المناطق المنخفضة الجافة، وأكثر مناطق هذا الشريط جفافا تتلقى أمطارا قدرها 200مم، أكثر من نصفها يسقط بين ديسمبر ومارس. أما المناطق المرتفعة فتتمتع بأمطار موسمية هامشية هي بقية أمطار الحبشة الصيفية، ويبلغ مجموع المطر الساقط هنا حوالي 700مم، 90٪ منه يسقط بين يونيو وسبتمبر، وأكثر الأشهر مطرا هو أغسطس الذي يسقط فيه 250مم.
ويمكننا أن نضم إلى هذا الإقليم منطقة حوض بحيرة رودلف الجافة التي تتراوح فيها درجة الحرارة بين 27° و30°م، وتصل الحرارة القصوى فيها إلى 40°م. كذلك يقل المدى الحراري اليومي إلى ما بين 10°م و12°م، والرطوبة النسبية غالبا منخفضة، وكمية المطر السنوي تتراوح بين 150 و200مم، حوالي ثلثيها يسقط في أبريل والباقي في يوليو.
الإقليم الجاف في أفريقيا الجنوبية
شكل رقم (21): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
يتركز هذا الإقليم أساسا في حوض كلهاري الذي تحيط به الهضاب الجنوبية، وإن كان الحوض ذاته يقع على ارتفاع كبير فوق سطح البحر (المتوسط 1000 متر) ويمتد هذا الإقليم المناخي إلى مناطق أخرى في الأورنج الأوسط وروديسيا ومعظم ساحل أنجولا، وعلى الرغم من وجود سلسلة طويلة نسبيا من الأرصاد الجوية في مناطق عديدة من هذا الإقليم، إلا أن قلب هذا الإقليم - صحراء كلهاري - لا يوجد به أية محطة للأرصاد، مما لا يجعلنا نتحقق تماما من نوع المناخ السائد؛ ولهذا فإنه يقتضي أن نقول إن ما سيأتي ذكره من موجز للمميزات المناخية لهذا الإقليم، إنما تنطبق في واقع الأمر على مناطق غير كلهاري.
يتميز هذا النوع المناخي بارتفاع كبير في المدى الحراري بين النهار والليل يصل 18°-22°م بين متوسط النهايات القصوى والدنيا؛ إذ تبلغ الحرارة القصوى المطلقة للنهار 25°م في يوليو و35°م في أكتوبر، والحرارة الدنيا 3°م و17°م للشهور نفسها على التوالي، ولهذا فاحتمالات حدوث الصقيع موجود باستمرار خلال أشهر السنة، أما النهايات القصوى والدنيا المطلقة فتتراوح بين 5°م إلى 8°م، وبين 40°م إلى 45°م.
وتبلغ كمية المطر الساقط بين 300 و600مم في السنة، تسقط كلها على التقريب في الفترة الصيفية بين أكتوبر ومايو، بينما لا يكاد يسقط المطر في الشتاء، ونستثني من ذلك القسم الجنوبي من هذا الإقليم، جنوب عرض 26° جنوبا، الذي تبلغ فيه حالة سقوط المطر ظروف الصحاري؛ فكمية المطر لا تزيد عن 200مم في السنة ولكنها لا تقل عن 80 مم، وأمطار الإقليم على العموم مصدرها بقايا أمطار الرياح الجنوبية الشرقية التي تتوغل في الصيف داخل القارة نتيجة انخفاض الضغط الجوي.
صحراء ناميب
هذه الصحراء التي تمتد في صورة شريط ضيق على طول الساحل الجنوبي الغربي لأفريقيا من جنوب مصب الأورنج حتى شمال مصب كونيني، إنما ترجع في ظروف تكونها إلى تأثير مشترك للموقع وتيار بنجويلا البارد، فهذا الإقليم بعيد جدا عن أمطار الرياح الجنوبية الشرقية الصادرة من منطقة الضغط المرتفع فوق جنوب المحيط الهندي، ويؤدي ذلك إلى أن هذه الرياح حين ترتفع فوق هضاب أفريقيا الجنوبية الغربية تهب على ناميب متضاغطة مرتفعة الحرارة، حينما تهبط من الهضاب إلى الساحل، وبعبارة أخرى فإن ظاهرة «الفون
Fohn » هذه - التي تماثل الإقليم الذي يقع في ظل سلسلة الأطلس العليا - تؤدي إلى عدم سقوط الأمطار، وكذلك يكون تأثير تيار بنجويلا البارد مؤديا إلى التكاثف ومانعا للتساقط.
ومتوسط الحرارة السنوي يزيد عن 15°م في الجنوب إلى 20°م في الشمال، كما أن الحرارة ترتفع في الداخل عن المنطقة الساحلية، ولكن متوسط الحرارة القصوى يرتفع من 19°م في الجنوب إلى 29°م في الشمال، ومتوسط الحرارة الدنيا 5°م و7°م في الجنوب والشمال على التوالي.
ونظرا لتأثير تيار بنجويلا، فإن الرطوبة النسبية عالية معظم السنة (70٪)، ويؤدي هذا التيار إلى ظاهرة الضباب في أغلب أيام السنة، كما هو الحال بصورة أقل في منطقة تأثير تيار كناريا البارد على ساحل موريتانيا، أما أمطار الإقليم فتسقط بين يناير وأبريل بمتوسط يتراوح بين 20مم و60م للعام.
وفيما يلي جداول إحصائية تبين الاختلافات الشاسعة في النطاق الجاف والانتقالي الجاف الأفريقي:
5
المحطة
الارتفاع بالمتر
الحرارة (درجة مئوية)
المطر (مليمتر)
يناير
يوليو
المدى السنوي
الكمية القصوى والشهر
الكمية الدنيا والشهر
المجموع (1) الصحراء الكبرى
القاهرة (حلوان)
115
13,5
28,5
15
5,1 (1) *
صفر (7 + 8)
28,0
القليعة
378
10
34,5
24,5
لا توجد أرصاد
وادي حلفا
124
16
32
16
2,5
تامنراست (فور لابرين)
1395
11,5
28,5
17
10,2 (8)
صفر (10-3)
38,0
بورت اتيين
4
19 (12)
26 (9)
7
13,0(10)
صفر (2-8)
35,0
عطبره
353
23,5
33,5
10
38,0 (8)
صفر (11-6)
63,5
بلما
355
17
33,5
15,5
13,0 (8)
23,5 (2) الإقليم الانتقالي شمال الصحراء الكبرى
الإسكندرية
31
14,5
26,5
12
56 (12)
صفر (4-9)
180
لاس بالماس (كناريا)
6
17,5
24
6,5
53 (11)
صفر (5-8)
218 (3) الإقليم الانتقالي جنوب الصحراء الكبرى
الخرطوم
388
23,5
33,5 (6)
10
71 (8)
صفر (11-4)
160
جاو
275
22
34 (5)
12
137 (8)
صفر (11-3)
295
دكار
49
22
28 (9)
6
254 (8)
صفر (1-5)
540 (4) الصومال وإريتريا
بربره
13
24,5
36,5
12
13 (4)
صفر (6-9)
50
هرر
1845
18,5 (1 + 8)
20 (4 + 10)
1,5
160 (8)
10 (12)
890 (5) النطاق الجاف في أفريقيا الجنوبية
بولاوايو
1338
22 (10)
14
8
142 (1)
صفر (7 + 8)
594
كمبرلي
1183
25
10
15
78 (3)
5 (7)
408 (6) صحراء ناميب
موساميدز
3
24,5 (3)
16
7,5
18 (3)
53
فالفيش باي
8
20 (2)
20 (8)
7 (3)
صفر (6-1)
23
بورت نولوث
8
15,5 (2)
11,5
4
7 (6)
صفر (12)
58 *
الأرقام بين القوسين أمام درجات الحرارة وكميات المطر تساوي رقم الشهر: (1)-(12) = يناير إلى ديسمبر. (3-3) أقاليم المطر الفصلي المدارية
تتميز مساحة كبيرة من الأقاليم المدارية الأفريقية بمطر يتركز سقوطه في فصل الصيف، بينما يصبح الشتاء جافا، وفيما عدا ذلك تكاد هذه المساحة الكبيرة تتشابه في ظروف الحرارة مع الأقاليم المدارية الجافة، وإن كانا يفترقان في أن النطاقات التي تتمتع بالمطر الفصلي تحتل المناطق القريبة من الإقليم الاستوائي، بينما تبعد مناطق النطاقات الجافة عن المنطقة الاستوائية.
وعلى هذا فإن نطاقات المطر الصيفي تحيط - في أفريقيا - بالمنطقة الاستوائية، فإلى الشمال من النطاق الاستوائي يظهر هذا النوع المناخي في إقليم السودان الطبيعي الذي يمتد من السنغال على المحيط الأطلنطي إلى الهضبة الحبشية مسافة 5000 كيلومتر من الشرق إلى الغرب، ومسافة متوسطها 1000 كيلومتر من الشمال إلى الجنوب. هذا النطاق هو الذي يمثل هذا النوع المناخي أصدق تمثيل، ومن ثم يطلق عليه في أحيان كثيرة مناخ السفانا، أو في أحيان أكثر المناخ السوداني.
ويتعدل هذا النوع المناخي نتيجة تأثير وتداخل عناصر طبيعية أخرى، ففي الهضبة الحبشية تتداخل عوامل الارتفاع التضاريسي مع مراكز الضغط المنخفض الأفروآسيوي في الصيف، لكي تعطي للحبشة مناخا موسميا معينا. وفي شرق أفريقيا يؤدي الارتفاع إلى نوع من المناخ يمكننا أن نطلق عليه مناخ السفانا العليا، وفي جنوب الكنغو وفي وسط أنجولا أدت ظروف الموقع وعلاقته بمصدر الرياح الممطرة إلى نوع مناخي معدل.
ومع هذه التعديلات التي تطرأ على عنصر أو أكثر من عناصر المناخ، فإن أقاليم المطر الصيفي المدارية تشترك في ظاهرة فصلية المطر، وارتفاع درجة الحرارة وخاصة قبيل بدء موسم المطر مباشرة، ولولا أن كثيرا من الأنهار الأفريقية الكبرى تنبع من المنطقة الاستوائية، لكانت مسارات الأنهار في أقاليم السفانا المناخية أودية جافة أو شبه جافة خلال موسم الجفاف المداري، والدليل على ذلك أن الأنهار الصغيرة في هذا النطاق تجف أو تكاد في موسم الجفاف. (أ) مناخ السودان المثالي
يتميز هذا الإقليم بحرارة شديدة على مدار السنة وأعلى درجات الحرارة تصل في أواخر الربيع، حيث تهيئ السماء الخالية من السحب الفرصة أمام أشعة الشمس لكي تزيد من آثارها على سطح الأرض، فالحرارة العظمى المطلقة تصل إلى 45م في مايو، وتنخفض إلى 35°م في أغسطس، بينما يبلغ متوسط الحرارة في مايو حوالي 34°م، تنخفض بعد مايو نظرا لمجيء السحب المحملة بالأمطار، ولكن السكان لا يشعرون بالفارق الكبير في درجة الحرارة؛ لأن نسبة الرطوبة تزداد ويترتب على مصاحبتها بالحرارة العالية نسبيا جوا أكثر مضايقة من الجو الحار الجاف في أواخر الربيع. وفي النطاق السوداني المثالي يتراوح مدى الحرارة السنوي بين 8 و10 درجات، ونادرا ما تنخفض درجة الحرارة عن 20°م، وفي بعض الأحيان يحدث الصقيع في الموسم البارد في الليل، ونظرا لامتداد النطاق السوداني من مصب السنغال حتى هضبة الحبشة مسافة تقترب من خمسة آلاف كيلومتر، فمن المتوقع أن نجد ظروفا مناخية مختلفة في هذا الإقليم الواسع.
وفي خلال الشهور من أكتوبر إلى أوائل مارس تهب رياح جافة شمالية شرقية مستمرة منتظمة على النطاق السوداني، من مناطق الضغط المرتفع في الصحراء إلى الضغط المنخفض الاستوائي، وتسمى هذه الرياح في النطاق السوداني والاستوائي من أفريقيا الغربية باسم هارماتان، ولكن للهارماتان في الإقليم السوداني أثر يسبب الضيق للنبات والإنسان والحيوان، فهي إلى جانب حرارتها العالية تحمل معها رمالا ناعمة، أما في الصيف إن الرياح الجنوبية الغربية تهب من المحيط الأطلنطي جنوب خط الاستواء إلى منطقة الضغط المنخفض المتركزة على الإقليم الشمالي من النطاق السوداني، وتكون هذه الرياح محملة بالأمطار، ويمتد نطاق الرياح المطيرة الجنوبية الغربية حوالي 1500كيلومتر إلى الشمال من النطاق الاستوائي، فتصل إلى حافة النطاق الصحراوي، وفي هذه المسافة نجد اختلافا في كمية المطر الساقط ونظم سقوط هذا المطر.
ففي المناطق المتاخمة للإقليم الاستوائي تسقط كمية من المطر تتراوح بين 100 و125سم، أما في الأقاليم الشمالية المتاخمة للإقليم الصحراوي فتتراوح الكمية فيها بين 10 و25سم، وإلى جانب ذلك نجد أن فصل سقوط المطر يكون طويلا في الجنوب، ويتناقص تدريجيا إلى الشمال.
ويتميز النطاق السوداني المثالي من حيث نظم سقوط المطر بانقسامه إلى جزئين الجنوبي والشمالي.
ففي الجزء الجنوبي نجد قمتين لسقوط المطر متمشيا ذلك مع حركة الشمس الظاهرة، وكلما اتجهنا شمالا تتقارب القمتان حتى تتحدا في الجزء الشمالي في قمة واحدة للمطر تتركز حول يوليو وأغسطس.
وهناك ملاحظة أخرى هي أن أمطار الإقليم السوداني كثيرة، ومع ذلك فإن الزراعة في هذا الإقليم تحتاج إلى مشاريع للري، ولا تقوم بدونها زراعة محاصيل معينة كالمحصولات التجارية، وإن كانت الأمطار كافية لزراعة المحصولات الأفريقية التقليدية غير التجارية.
وربما كان سبب هذه الظاهرة أن الأمطار السودانية تسقط في موسم الحرارة العظمى، ويترتب على هذا كثرة التبخر، وربما كان لهذا التعليل تأييد في حالة إقليم البحر المتوسط، حيث تسقط كمية من الأمطار أقل من أمطار الإقليم السوداني، ومع ذلك فهي كافية للزراعة، ويرجع ذلك إلى أن أمطار إقليم البحر المتوسط تسقط شتاء، حيث توجد أقل فترة من فترات الحرارة والتبخر في السنة، وهناك اتجاه إلى الاعتقاد بأن الإقليم السوداني يتراجع أمام المناخ الصحراوي، وبعبارة أخرى أن الجفاف يزداد باستمرار، وأن أجزاء من إقليم المناخ السوداني تتطور مع مرور الزمن إلى حالة شبه جافة، وفي النهاية ستصل إلى مرحلة الجفاف الصحراوي، وقد يكون الدليل على ذلك زيادة الجفاف في إقليم النوبة، وزيادة هجرة السكان من الشمال إلى الجنوب في السودان الشرقي. كذلك لوحظ أن الرمال التي تأتي بها الرياح الشتوية الشمالية الشرقية في السودان الأوسط والغربي، تطغى على الأطراف الشمالية لإقليم المناخ السوداني وتحولها إلى أقاليم شبه صحراوية، كما لوحظ أن بحيرة تشاد تتأثر تأثرا ملحوظا بهذه الرمال، وهناك كثيرون يؤكدون أن هذه الحالة مجرد طغيان للرمال على أطراف السودان، بالتالي ليس ثمة مجال للقول بتحول مناخي ملحوظ في العالم، أو على الأخص في منطقة التقاء الصحاري بالسودان.
شكل رقم (22): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
والواقع أنه يصعب الإجابة على مثل هذا السؤال؛ نظرا لقلة الأرصاد وقلة المحطات في هذا الإقليم، وصعوبة التكهن بأية تغيرات مناخية؛ لأنها تحدث في فترة زمنية تفوق عشرات ومئات المرات عمر الإنسان.
وفي الحقيقة نلاحظ أن المناخ السوداني المثالي لم ينشأ إلا نتيجة تفاعل حركة الرياح السطحية على المنطقة، فإن تراجع جبهة التقاء الكتل الهوائية الشمالية إلى الشمال في خلال الصيف يهيئ لكتلة الهواء الاستوائية الجنوبية التقدم إلى الشمال وتغطية الإقليم بالأمطار، ولولا ذلك لكان الإقليم السوداني مجرد تتمة جنوبية للنطاق الصحراوي. (ب) المناخ السوداني في هضبة الحبشة
تمثل الهضبة الحبشية نوعا متميزا من المناخ السوداني المثالي، وسبب الاختلاف هو الارتفاع الكبير في هذه الهضبة، ولا شك أن الارتفاع له أثر كبير على خفض درجة الحرارة بمقدار 5°-7°م عن السهول المجاورة، وزيادة كمية المطر الساقطة بالنسبة للسودان الشرقي المجاور. ولا تقتصر أهمية دراسة المطر في الحبشة على الحبشة ذاتها، بل تمتد أهمية مثل هذه الدراسة إلى أقاليم أبعد مثل أجزاء من السودان الأوسط ومصر، أي المنطقة التي يمر فيها النيل بعد التقائه بروافده الحبشية. وأكثر أمطار الحبشة ترجع إلى التقاء تيارات الكتل الهوائية القادمة من المحيطين الأطلنطي والهندي، ويتضح ذلك جليا من مراجعة جبهة التحام هاتين الكتلتين الهوائيتين في الخريطة رقم (12) ورقم (13)، وأكثر المناطق التي تتلقى أمطارا هي الأجزاء الجنوبية الغربية من الهضبة، وأقلها أمطارا الأجزاء الشمالية الشرقية، والكثرة والقلة في هذا المجال ترجعان إلى: (1)
المناطق الجنوبية الغربية هي أول المناطق المرتفعة التي تصطدم بها الرياح المحلية بالأمطار، وبذلك يكون نصيبها من المطر كبير. (2)
أن وجود هذه المنطقة في الجنوب يؤدي إلى طول فصل المطر، في حين أن المناطق الشمالية يقصر فيها فصل المطر كما سبق أن لاحظنا في أمطار الإقليم السوداني عامة.
شكل رقم (23): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر .
وتوضح الأرقام التالية الأمطار الساقطة بالشهر في محطات ممثلة لأقاليم المناخ السوداني والحبشي (الكمية بالمليمتر - والرقم الذي تحته خط يساوي قمة كمية المطر الساقط):
6
المحطة
الأبيض
بلكال
جوبا
باماكو
لوكوجا
جوس
أديس أبابا
يناير
5
10
2
13
فبراير
2
15
2
12
5
38
مارس
2
5
33
2
44
25
66
أبريل
2
30
122
15
112
99
86
مايو
18
79
150
74
152
193
87
يونيو
38
130
135
137
162
218
137
يوليو
99
175
122
280
175
321
279
أغسطس
122
200
132
348
180
286
300
سبتمبر
76
145
107
206
236
211
190
أكتوبر
15
79
94
43
135
38
20
نوفمبر
2
12
35
15
18
5
15
ديسمبر
18
5
5
المجموع
374
857
958
1122
1245
1403
1236 (ج) النوع السوداني المعدل
ويمكن القول أن هذا الإقليم يمتد من أواسط حوض الكنغو وأواسط تنجانيقا جنوبا، حتى يشمل حوض الزمبيزي وساحل موزمبيق كله ومعظم أنجولا، كما يظهر في غرب مدغشقر. والنصف الجنوبي من القارة أضيق من الشمالي، وكلما اتجهنا جنوبا كلما زاد ضيق القارة واقتربت المحيطات؛ ولهذا فلا بد من أن يتضح أثر المسطحات المائية في أفريقيا جنوب خط الاستواء عنه في أفريقيا شمال ذلك الخط، بالتالي نجد أن الإقليم السوداني جنوب خط الاستواء يتأثر بالمؤثرات البحرية أكثر من الإقليم السوداني شمال خط الاستواء، ومن ثم كانت التفرقة بينهما. إلى جانب هذا، فكما عرفنا أن نصف القارة الجنوبي أكثر ارتفاعا في المتوسط من نصفها الشمالي، وقد ترتب على ذلك أن الحرارة ليست شديدة رغم أنها عالية معظم شهور السنة، وهي لا تزيد في آخر الشهور التي تسبق شهر المطر عن 27م، ولا تهبط الحرارة في منتصف الشتاء عن 16م. ونظرا لظروف القارة في هذا الجزء من حيث الارتفاع والتضرس، نجد استثناءات من حيث المتوسطات الحرارية، فالأخدود الأفريقي أكثر حرارة من سطح الهضبة في الموسم السابق لسقوط المطر، ويتأثر نوع المطر بالرياح الموسمية؛ ففي الشتاء الجنوبي بين يونيو وأغسطس تتكون منطقة من الضغط المرتفع فوق جنوب القارة تمنع الرياح الجنوبية الشرقية من التوغل داخل القارة. ويتميز الشتاء الجنوبي في النطاق السوداني باستمرار خلو السماء من السحب، ونقص في الرطوبة الجوية، واشتراك هذين العاملين معا يجعل من مناخ الهضبة في هذا الفصل مناخا محببا.
شكل رقم (24): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
أما في الصيف الجنوبي، فإن تكون منطقة ضغط منخفض تسيطر على جنوب القارة ومندمجة مع نطاق الضغط المنخفض الاستوائي الممتد جنوبا في ذلك الفصل من السنة، يعرض المنطقة لتوغل الرياح التي تهب على الساحل الشرقي من منطقة الضغط المرتفع الدائم فوق المحيط الهندي، كما تزداد كمية سقوط المطر لوجود التضاريس المرتفعة.
ويلاحظ أن أمطار الإقليم السوداني المعدل تقل على طول محورين: الأول من الشرق إلى الغرب، والثاني من الجنوب إلى الشمال، وينتج عن ذلك توغل النطاق الجاف في الجزء الجنوبي الغربي المتاخم للنطاق السوداني؛ فعلى ساحل أنجولا يسقط من المطر ما بين 25 و50سم، هذه القلة الظاهرة تجد لها تعليلا في مرور تيار بنجويلا البارد من الجنوب إلى الشمال، وازدياد حرارة الرياح من منطقة الضغط العالي في جنوب الأطلنطي أثناء اتجاهها شمالا إلى النطاق الاستوائي، بالإضافة إلى ظاهرة «الفون» التي أسلفنا شرحها، والتي تحدث حينما تنحدر الرياح من هضبة بيهي إلى ساحل أنجولا، وهذه العوامل معا تقلل من تساقط المطر؛ لأن الرياح تزداد قبولا للتشبع ببخار الماء.
شكل رقم (25): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
أما المرتفعات غربي الساحل الشرقي فتسقط عليها أمطار تزيد عن أمطار الإقليم الساحلي، وعدم وجود إحصاءات على زمن طويل لا يجعلنا على ثقة من حقيقة الأرقام التي لدينا، ومعلوماتنا عن أنجولا مشكوك فيها. أحسن المناطق التي يتمثل فيها النطاق السوداني المعدل، وحيث توجد الإحصائيات على مدى واسع روديسيا الشمالية ونياسلاند، وموقعهما جنوب خط عرض 10 جنوبا يجعلهما بعيدين عن تأثير نطاق الركود الاستوائي؛ لذلك فإن أمطارهما ترجع إلى الرياح الجنوبية الشرقية، وخاصة في نياسلاند حيث يبلغ المتوسط السنوي 125سم، وترجع كثرة الأمطار إلى تزايد المرتفعات.
أما في ساحل موزمبيق ومنطقة الزمبيزي الأدنى، فإن انخفاضهما وتأثير تيار موزمبيق الحار يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة فيهما. ولتيار موزمبيق الساخن أثر فعال في زيادة كمية المطر على هذا الإقليم الساحلي والهضاب المتاخمة له.
وفيما يلي محطات ممثلة لمناخ السودان المعدل في أفريقيا جنوب خط الاستواء :
7
المحطة
الحرارة (مئوية)
المطر (مليمتر)
المجموع
القصوى والشهر
الدنيا والشهر
الكمية القصوى والشهر
الكمية الدنيا والشهر
طابوره
25,5° (10) *
21° (5)
172 (3)
صفر (7 و8)
889
170 (12)
إليزابث فيل
24 (10)
16 (5)
270 (12)
صفر (5-7)
1237
لوزاكا
25 (10)
16 (5)
231 (1)
صفر (5-9)
836
زومبا
24 (11)
16,5 (7)
305 (1)
5 (9)
1344
بيرا
28 (1)
20 (7)
278 (1)
20 (9)
1395 *
الأرقام بين القوسين تساوي الشهر مرتبا على أساس (1) = يناير و(12) = ديسمبر. (3-4) المناخ الاستوائي
يحتل هذا النوع المناخي قلب أفريقيا من درجة العرض 5° جنوبا إلى درجة العرض 7° شمالا، ونظرا لاتساع الإقليم وسيطرته على قلب القارة في صورة حزام عريض متصل، ونظرا لنوع الحياة النباتية الطبيعية المميزة له، فإنه قد أضفى على القارة كلها - في أذهان الناس - أن هذا النوع المناخي والنباتي الغريب القاسي هو السمة المميزة لأفريقيا، دون سواه من أنواع المناخ والنبات الذي ينتشر في مساحات أكبر، فإن امتداده ومساحته بلا شك أقل بكثير من المساحة التي يشغلها النطاق الصحراوي أو نطاق المناخ السوداني.
شكل رقم (26): متوسط كمية المطر الشهري على طول خط 20° شرقا. الأرقام من 1 إلى 12 = أشهر السنة من يناير إلى ديسمبر. الأرقام الرأسية 5 إلى 30 = خطوط العرض.
والمناخ والنبات الاستوائي الأفريقي أقل مثالية لما يجب أن يكون عليه الحال في صورته المثالية الموجودة في حوض الأمازون، والسبب في هذا راجع إلى ارتفاع السطح في صورة أحواض عالية «حوض هضبة البحيرات - حوض الكنغو»، وإلى قلة السهول الاستوائية المنخفضة - تتركز في ساحل غانا الضيق والشريط الساحلي المتناهي الضيق في شرق أفريقيا - وإلى وقوع الإقليم في معظمه في غرب القارة ووسطها بعيدا عن أثر الرياح الجنوبية الشرقية المباشرة، ولهذا تميز المناخ الاستوائي الأفريقي بعدة أنماط متغيرة، نركزها في الأنواع الثلاثة التالية: (1)
نوع يتميز بحرارة مرتفعة طول السنة، ونظام منتظم لسقوط المطر، ورطوبة عالية دائمة.
ومثل هذا النظام يسود الإقليم الشمالي في حوض الكنغو، وهو أكثر الأقاليم الاستوائية تمثيلا، وتسوده حياة نباتية غنية ممثلة في غابات استوائية كثيفة. (2)
حرارة عالية على مدار السنة مع سقوط مطر فصلي شديد في الصيف، ورطوبة جوية عالية في أغلب شهور السنة، وفصل قصير ولكنه واضح تسقط فيه أمطار قليلة تتطرف في بعض الأحيان إلى فصل جاف. وينتمي إلى هذا النوع المناخي معظم ساحل غانا وما وراءه مباشرة، والنبات السائد الغابات الاستوائية. (3)
حرارة عالية في النهار على مدار السنة مع ليل رطيب نسبيا، وأمطار متوسطة الكمية ولكنها تسقط على مدار السنة بانتظام. وهذا المناخ يسود مرتفعات شرق أفريقيا الاستوائية، والنبات عبارة عن حشائش السفانا الطويلة مع قلة في الأشجار، وسنتناول كل نوع من الأنواع الثلاثة بشيء من التفصيل.
أولا: المناخ الاستوائي نوع وسط أفريقيا:
يتمثل هذا النوع المناخي في حوض الكنغو شمال درجة العرض 5 جنوبا، في هذا الإقليم يصل متوسط الحرارة إلى أكثر من 26°م طول السنة مع رطوبة عالية جدا، ولا يزيد المدى الحراري السنوي عن درجتين إلى ثلاث درجات، أما متوسط الحرارة العظمى فتصل إلى 30°م والحرارة الدنيا 17°م، ولا يحدث إطلاقا أن تنخفض الحرارة الدنيا إلى 12°م. وعلى هذا فالمدى الحراري اليومي كبير قد يصل إلى عشر درجات، أما الرطوبة الجوية فتتراوح بين 55٪ و75٪ في السنة، والأمطار من النوع الانقلابي تسقط غالبا بعد الظهر كل يوم مصحوبة بعواصف رعدية وضغط منخفض دائم، وهذا النوع من المطر يستمر بانتظام طول السنة. وتتميز المناطق التي تقع بالقرب من خط الاستواء شمالا وجنوبا بسقوط المطر بشدة وكثرة في موسمين يعقبان المرور الظاهري للشمس فوق خط الاستواء في مارس وسبتمبر، مما يجعلنا نطلق على المطر الاستوائي المثالي اسم نظام المطر ذي القمتين. والغالب أن هاتين القمتين تقعان في شهري أبريل وأكتوبر أو نوفمبر، ويتضح ذلك جيدا من دراسة دياجرام المطر لكل من ليوبولدفيل وزنجبار ونيروبي (أشكال رقم 28 و32 و24).
شكل رقم (27): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
شكل رقم (28): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
وكلما تحركنا شمال وجنوب خط الاستواء في داخل النطاق الاستوائي، نجد أن القمتين اللتين تميزان المطر الاستوائي تبدأان في التقارب من بعضهما، وذلك مرتبط بدون شك بحركة الشمس الظاهرية أيضا ، فمثلا في منطقة الأوبانجي عند درجات العرض الخامسة شمال خط الاستواء تسقط أكثر الأمطار في مايو وأكتوبر، ويتضح ذلك من مراجعة دياجرام المطر في محطة بانجاسو، في حين أن منطقة كساي التي تقع في حوالي عروض الدرجة الثالثة جنوب خط الاستواء، تسقط فيها أكثر الأمطار في كل من شهري مارس وأكتوبر، ويوضح ذلك أن إقليم أوبنجي يتلقى أمطارا تزيد عن 100مم كل شهر من مارس إلى نوفمبر، ويعني ذلك أن أمطار الإقليم تتراوح بين 90 إلى 150سم في الفترة المذكورة، وبين 30 و65سم في الفترة بين نوفمبر إلى فبراير، وعلى العكس من ذلك تقل أمطار كساي إلى ما بين 25 و50سم بين مايو وأكتوبر، وتعظم إلى ما بين 100 و150سم بين نوفمبر وأبريل.
وبمراجعة دياجرام ونظام وكمية سقوط المطر على طول خط 20° شرقا في أفريقيا (شكل رقم 26)، نلاحظ تركيز المناخ الاستوائي المثالي حول خط عرض 3 شمال خط الاستواء ، وذلك نتيجة لتوزيع اليابس والماء، فأكثر المناطق حرارة في أفريقيا هي النصف الشمالي وحرارتها العالية تستمر معظم السنة، وبالتالي فإن امتزاج مناطق الضغط المنخفض يحدث إلى الشمال قليلا من خط الاستواء في فترة كبيرة من السنة؛ ولهذا فإن الرياح الجنوبية الشرقية تمتد معظم أشهر السنة إلى شمال خط الاستواء. ومتوسط المطر الاستوائي في أفريقيا أقل من الأقاليم المماثلة في أمريكا الجنوبية، خاصة حوض الأمازون الذي يبلغ فيه متوسط سقوط المطر من 200 إلى 300سم، بينما في الكنغو بين 150 و200سم فقط.
ويرجع انخفاض المتوسط في الكنغو إلى أن هضبة أفريقيا الشرقية تقوم بحجز كمية من أمطار الرياح الجنوبية الشرقية التي تهب من المحيط الهندي، فتسقط أمطارها على السواحل الشرقية، وتهب على حوض الكنغو وقد قلت حمولتها من المطر كثيرا.
ثانيا: المناخ الاستوائي نوع غانا:
تمتد هذه المنطقة على ساحل غانا إلى سيراليون، وإلى خط عرض 7 و8 شمالا، وبعض الجهات من هذه المنطقة، خاصة الجزء الشرقي، يسقط عليه نظام يشابه الاستوائي نوع وسط أفريقيا، وأكبر مثال على ذلك ساحل جنوب نيجيريا، حيث نجد قمتين للأمطار نتيجة لانتقال مناطق الضغط المنخفض الموسمي على السودان. وتهب على هذه المنطقة رياح جنوبية غربية معظم فترات السنة، ولو أن بعض الرياح الشمالية تهب من داخل القارة على الساحل في الشتاء من منطقة الضغط المرتفع الشتوي فوق الصحراء الكبرى.
أما بقية ساحل غانا والأجزاء الغربية منه خاصة، فيسودها المناخ الموسمي المتميز بقمة واحدة، إلى جانب فصل الجفاف القصير في الشتاء، حين تهب الرياح الشمالية الشرقية من داخلية القارة، وتسقط أكثر الأمطار في أواخر الصيف، وبعدها تهبط كمية المطر بسرعة إلى أن تصل إلى فترة الجفاف الشتوي القصير. ويشتد سقوط المطر على المناطق الساحلية التي تتعامد عليها الرياح الجنوبية الغربية، وخاصة تلك المناطق التي لها ظهير جبلي، وأوضح هذه المناطق منطقة جبل الكمرون ومنطقة فوتاجالون.
ويسقط على الأجزاء الغربية من قمة جبل الكمرون 1050سم «محطة دبونجا
Debunsha »، وهي حالة تشابه كمية المطر الساقط على تشيرابونجي الواقعة على السفوح الشرقية بجبال آسام، والتي يسقط فيها 1075سم في السنة، وباستثناء هذه الحالة الفريدة في أفريقيا، فإن الإقليم الذي يحيط برأس خليج بيافرا يتلقى أمطارا متوسطها السنوي أكبر من 400سم (انظر دياجرام المطر لميناء دوالا شكل 29).
وتمثل فريتون منطقة سقوط مطر غزير في قمة واحدة مع جفاف نسبي في الشتاء؛ فكمية المطر فيها 358سم، وبين ديسمبر وفبراير تسقط 10سم من الأمطار فقط، وهذا نتيجة لهبوب الرياح الشمالية الشرقية من داخل القارة في هذه الشهور الثلاثة.
شكل رقم (29): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
أما أكثر المناطق قلة في الأمطار على طول ساحل غانا فهي منطقة أكرا وما جاورها، فغرب هذه المنطقة تسقط كمية من المطر تبلغ حوالي 100سم، ولكنها تقل شرق رأس ثري بوينتس فتصل في أكرا 65سم، 50سم في كريستيان بورج، ضاحية أكرا، ونقص المطر في هذا الإقليم ما زال مشكلة ربما كان سببها أحد العوامل التالية: (1)
موازاة الرياح لخط الساحل شرق رأس ثري بوينتس. (2)
تيار غانا الراجع من الغرب إلى الشرق حين يمر برأس ثرى بوينتس.
شكل رقم (30): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
شكل رقم (31): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
يتجه شرقا ولا يسير بمحازاة الساحل، فيترك بذلك فراغا بينه وبين الساحل، وهذا التيار يجذب المياه السطحية الدافئة ناحيته فتظهر في هذه المنطقة مياه أكثر برودة، ولذلك تبرد الرياح الهابة على الساحل وتسقط أمطارها قبل وصولها إلى الساحل.
ودرجة الحرارة على ساحل غانا تتشابه مع درجة الحرارة في أفريقيا الوسطى، فلا يوجد شهر واحد تقل فيه درجة الحرارة عن 24م مع نسبة كبيرة من الرطوبة، وفي هذه المنطقة تهب رياح الهارمتان وهي الرياح الجافة التي سبق أن ذكرناها، والتي تهب من داخل القارة شتاء.
ونظرا لأن رياح الهارمتان تهب في الشتاء من منطقة شمالية، فهي غالبا ذات أثر ملطف لدرجة الحرارة؛ ولهذا تسمى مجازا «الطبيب» في منطقة الساحل فقط.
ثالثا: الإقليم الاستوائي نوع شرق أفريقيا:
شكل رقم (32): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
شكل رقم (33): الأشهر 1-12 = يناير (كانون 2) إلى ديسمبر (كانون 1). (أ) متوسط الحرارة القصوى بالشهر. (ب) متوسط الحرارة الدنيا بالشهر. التظليل يساوي كمية المطر.
هذا النوع المناخي قاصر على هضبة أفريقيا الشرقية، ويمتد بين عرضي 3 شمالا و5 جنوبا، ويزيد متوسط الارتفاع في هذه الهضبة عن 1000متر، إلى جانب أقاليم تزيد عن 2000 متر، وترتفع فوق هذه الأقاليم العالية القمم الأفريقية التي تغطيها الثلوج، والمناطق العالية هي الحافة الشرقية للأخدود الغربي بين ألبرت وإدوارد التي ترتفع فيها مجموعة قمم رونزوري، ثم منطقة المرتفعات التي يعلوها جبل كينيا، ومنطقة المرتفعات التي يعلوها جبل كليمانجارو. ونظرا لارتفاع الهضبة فإن درجة الحرارة تنخفض بما يعادل 4 مئوية في المتوسط عن حرارة نوع وسط أفريقيا، وقد وصف مناخ هذه المناطق الشرقية بأنه يماثل المناخ في المرتفعات المماثلة في جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية، ولكن المناخ في شرق أفريقيا مع ذلك لا يلائم الأوروبيين والمستوطنين الذين لم يتأقلموا بعد على المناخ الأفريقي؛ وذلك نظرا لعدم وجود فصلية في المناخ.
ونظام سقوط المطر استوائي ذو قمتين تظهران بعد بضع أسابيع من مرور الشمس الظاهري على خط الاستواء، وإلى جانب نظام المطر الانقلابي نجد أن منطقة الضغط المنخفض التي تتركز فوق شمال أفريقيا في الربيع والصيف، تجذب الرياح الجنوبية الشرقية الممطرة، فتمر على الهضبة وتسقط أمطارا متوسطها السنوي 115سم في العام. ومن أكثر المناطق التي يسقط عليها المطر السواحل الغربية والشمالية من بحيرة فكتوريا، حيث تبلغ كمية المطر الساقط بين 150 و200سم؛ ففي عنتبه يسقط 158سم، وفي بوكوبا (على الساحل الغربي لفكتوريا) 202سم. ويقابل ذلك مناطق أقل مطرا من معدل الهضبة في السواحل الشرقية والجنوبية من البحيرة؛ حيث تبلغ كمية المطر الساقط حوالي 75 و100سم، وهذا دليل على أن الرياح الجنوبية الشرقية ذات أثر فعال في زيادة أو نقصان كمية المطر السنوي على الهضبة؛ لأن الساحل الشمالي والساحل الغربي تكاد تتعامد عليهما اتجاهات الرياح، في حين تقع السواحل الجنوبية والشرقية في ظل المطر.
أما في الهضبة الشرقية في كينيا، فإن أكثر المناطق قلة في سقوط المطر هي بلا شك إقليم الاكامبا في شرق هضبة كينيا (30-40 سم)، وإقليم الأخدود الأفريقي الشرقي، فالأخدود يقع في ظل الحافة الشرقية، وبالتالي لا يتأثر بالرياح الجنوبية الشرقية. متوسط المطر الساقط في منطقة الأخدود حوالي 60سم، على حين يزداد المطر على السفوح المواجهة للرياح الممطرة، مثل حافة ماو إلى 100سم، أو جبل كليمانجارو وكينيا إلى 180سم و200سم على التوالي.
وفيما يلي محطات ممثلة للأنواع الثلاثة التي يتفرع إليها المناخ الاستوائي الأفريقي:
8
المحطة
الحرارة (م°)
كمية المطر (مم)
المجموع
القصوى والشهر
الدنيا والشهر
القصوى والشهر
الدنيا والشهر
أولا: نوع وسط أفريقيا
ستانلي فيل
26 (4)
24 (8)
177 (3)
35 (1)
1704
218 (10)
ليوبولد فيل (كنشاسا)
26,5 (3)
22,5 (7)
195 (4)
2 (7)
1354
221 (11)
ليبر فيل
27(3)
24,5 (7)
340 (4)
2 (7)
2510
374 (11)
ثانيا: نوع غانا
دوالا
26,5 (3)
24 (8)
742 (7)
46 (1)
4026
لاجوس
28,5 (3)
25 (8)
460 (6)
25 (12)
2000 (؟)
205 (10)
أكرا
27,5 (3)
24,5 (8)
178 (6)
15 (8)
734
64 (10)
فريتاون
27,5 (4)
23,5 (8)
900 (8)
2 (2)
3587
ثالثا: نوع شرق أفريقيا
دار السلام
27,5 (2)
23,5 (8)
290 (4)
25 (8)
1064
91 (12)
نيروبي
19,5 (3)
15,5 (8)
210 (4)
15 (7)
958
109 (11)
عنتبة
22 (2)
20,5 (8)
180 (4)
50 (7)
1532
150 (11) (4) مناخ مدغشقر
تقع هذه الجزيرة الكبيرة إلى الجنوب الشرقي من كتلة القارة، ويمر مدار الجدي بقسمها الجنوبي، بينما تمتد إلى قرب درجة العرض 12° جنوبا في طرفها الشمالي، ويتكون جزؤها الشرقي من هضبة عالية تترك سهلا ساحليا ضيقا جدا في الشرق، وسهول واسعة تطل على مضيق موزمبيق، وقد كان لهذه الظروف - الموقع والسطح - أثر كبير على التنوع المناخي في الجزيرة.
وتسيطر على الجزيرة الرياح الجنوبية الشرقية الممطرة، وتبلغ كمية المطر الساقط أقصاها على الساحل الشرقي؛ حيث تزيد الكمية عن 300سم في مواقع عدة (تامتاف 325سم) وتقل كمية الأمطار على الساحل الشمالي الشرقي إلى 150سم، والجنوبي الشرقي إلى 60سم، وعلى الهضبة تأخذ الأمطار في القلة إلى 140سم، أما السهول الغربية فإن أمطارها في الوسط والشمال تزيد عن 140سم، بينما في الجنوب تتناقص بسرعة تجاه الجنوب الغربي إلى أن تصل إلى 30سم على الساحل، والسبب في هذا راجع إلى وقوع الجنوب الغربي من الجزيرة بعيدا عن مسار كتلة الهواء الجنوبية الشرقية الممطرة.
ومتوسط الحرارة السنوية 23°م في الساحل الجنوبي يزيد إلى 27°م في الشمال، وينقص على سطح المرتفعات (فوق 1500 متر) إلى 17°م.
فارتفاع الحرارة مع ضخامة كمية المطر الساقط تجعل منطقة الساحل الشرقي منطقة مناخ شبيه بالاستوائي، وإن كان ذا قمة واحدة تسقط في الصيف، أما السهول الغربية فمناخها سوداني معدل مثلها في ذلك مثل مناخ موزمبيق المقابلة لها، والقسم الجنوبي الغربي من الجزيرة إقليم انتقالي لما يسقط فيه من أمطار قليلة.
وفيما يلي أرصاد ثلاث محطات ممثلة لكل من الساحل الشرقي «تامتاف»، والهضبة «تاناناريف»، والجنوب الغربي «توليير».
9
المحطة
الحرارة (م°)
كمية المطر (مم)
المجموع
القصوى والشهر
الدنيا والشهر
القصوى والشهر
الدنيا والشهر
تامتاف
26,5 (2)
21 (7)
451 (3)
100 (10)
3256
تاناناريف
21 (1)
15 (7)
300 (1)
8 (7)
1356
توليير
28 (1)
20 (7)
81 (2)
2 (7)
343
مراجع لمزيد من الاطلاع
Dudley Stamp, L. 1964 “Africa, A Study in Tropical Development” London.
Fitzgerald, W. 1961 “Africa” 9th. ed. London.
Hirschberg, W. 1962 “Meyers Handbuch Ueber Afrika” Mannheim.
Haurwitz, B., & J. M. Austin, 1944 “Climatology” 8th. ed. New York.
Kendrew, W. G. 1961 “The Climates of the Continents” Oxford.
Oxford Regional Economic Atlas: Africa. 1965 Oxford.
Troll. C. 1943 “Thermische Klimatypen Afrikas” in Petermanns Mitt. Gotha.
Walter, H., 1958. “Klimadiagramm-Karte von Afrika” Roehrsheid.
الفصل السابع
التربة والنبات والأقاليم الطبيعية
(1) التربة (1-1) مشكلات التربة الأفريقية
منذ فترة غير بعيدة، كانت معلومات الأخصائيين عن تربة أفريقيا محدودة جدا، وكانت العينات التي أخذت مرتبطة بأماكن محدودة من القارة، أما بقية أنواع التربة فكانت عبارة عن مجهول يحاول العلماء استنتاجه بمعرفة أنواع النبات والمناخ، وعلى هذا يمكننا أن نقول: إنه حتى عام 1922 كان عدد العينات التي درست للتربة الأفريقية لا يزيد عن 12 عينة فقط، ومما لا شك فيه أن الجهل بنوع التربة كان من الأسباب الرئيسية التي أدت إلى فشل مشروع الفول السوداني في تنجانيقا عام 1950.
وفي خلال السنوات الأخيرة قام عدد من الباحثين بدراسة مركزة عن التربة الأفريقية، وخاصة تربة المناطق المدارية، ونذكر من هؤلاء «بندلتون»
R. L. Pendleton
الذي قام بدراسات كثيرة، وترجم أيضا واحدا من أهم الكتب في موضوع التربة الاستوائية.
1
وهنالك أيضا «ميلن»
G. Milne
الذي قام بدراسة ونشر خريطة لتربة شرق أفريقيا،
2
وأوضح وجود أنواع معينة للتربة في ظاهرات معينة، نتيجة لظروف وأشكال الطبوجرافيا في سهول أوغندا الهضبة. وكذلك هناك باحثون آخرون لكل منهم منطقة تخصص مثل «ميرف»
Van der Merwe
في جنوب أفريقيا، وترابنل
Trapnell
في روديسيا، وتوتهل
Tothil
في أوغندا والسودان، وتشارتر
C. F. Charter
في غانا.
والمتعارف عليه عالميا بين أخصائيي التربة أن تنقسم من ناحية الفحص والتحليل الميكانيكي إلى جزئيات معدنية لكل منها مقياس معين، وقد صنفت المقاييس إلى الأنواع التالية:
قطر الجزء 2 مليمتر أو أكثر: تسمى تربة حجرية.
قطر الجزء 0,2مم إلى 2مم: تسمى تربة رملية خشنة.
قطر الجزء 0,02مم إلى 0,2مم: تسمى تربة رملية ناعمة.
قطر الجزء 0,002مم إلى 0,02مم: تسمى تربة طفلية.
قطر الجزء أقل من 0,002: تسمى تربة طينية.
والمعروف أن الجزء المعدني التربة راجع في تكوينه إلى نوع الصخر أو التكوين الذي يقع تحت التربة، ومعظم التربات في العالم راجعة إلى اشتقاقها من الصخور المحلية، أو المنقولة بواسطة التعرية والنقل النهري والجليدي، أو الصخور الرسوبية البحرية الأصل.
وفي أفريقيا - وخاصة أقاليمها المدارية - لا نجد أثرا لهذه العوامل الطبيعية، فالقارة كما عرفنا من قبل، هضبة عالية قديمة لم تنخفض تحت مستوى البحر في معظمها، وبالتالي فإن الصخور النارية القديمة ما زالت هي الصخور الأساسية التي تكون ما تحت التربة، والتربة ذاتها تكونت محليا نتيجة للتفتيت الذي تؤدي إليه عوامل التعرية الجوية والأمطار والتحلل النباتي؛ ولهذا فإن الدراسة المجهرية للتربة المدارية الأفريقية وما تحتها قد أدى بنا إلى التعرف على صورة خاصة في تكوين التربة؛ فالأجزاء المعدنية للتربة وصخور ما تحت التربة مباشرة عبارة عن حبات رملية خشنة وحبات حجرية ذات زوايا حادة، ولو كانت هذه التكوينات بحرية أو نقلت بواسطة الأنهار أو وقعت تحت طائلة ضغط الغطاءات الجليدية؛ لتهذبت زواياها الحادة، أو استدارت أشكالها، أو صقلت سطوحها.
وهذه الزوايا الحادة لحبات التربة الأفريقية تؤدي إلى سرعة تآكل الأسلحة في الآلات الزراعية الحديثة، مما يجعل استخدامها باهظ التكلفة، كما أن مرور الجرارات وغيرها من الآلات الزراعية المتحركة يساعد على تكوين طبقة أو قشرة صلبة للتربة الأفريقية المدارية، تماما كما تفعل مكنات بناء الطرق لعمل ال «ماكدام» قبل تغطيته بطبقة الأسفلت. وعلى هذا فإنه - حتى الآن - أصبح معروفا لدى الأخصائيين أن وسائل الزراعة الأفريقية التقليدية، في مثل هذه التربة، أصلح من استخدام آلات الزراعة الآلية.
ولكن ذلك لا يستقيم ومنطق الأمور التي تتعجل الإسراع في التنمية الاقتصادية للدول الأفريقية المستقلة؛ فلا يمكن للعلم أن يقول لدول أفريقيا إن هذه التربة لا بد من تركها تزرع بالفأس فقط، والمشكلة لم تجابه العلم حتى الآن مواجهة حقيقية، ولا بد من أن تتنبه الدول الأفريقية للمشكلة وتعرضها للبحث على نطاق علمي واسع. هذه هي المشكلة الأولى التي تعانيها التربة المدارية في أفريقيا.
والمشكلة الثانية هي زيادة نسبة الملوحة في التربة؛ ففي الجو الحار الأفريقي المداري تتسرب مياه الأمطار داخل التربة الدافئة «حوالي 27°م»، بعد أن يتحلل معها الكثير من الأحماض، وحينما يحل موسم الجفاف - طال أم قصر - فإن نسبة تبخر الماء من سطح التربة يكون كبيرا، مما يؤدي إلى ترك الأملاح في التربة، على السطح أو في الداخل. ويزيد نسبة الملوحة ارتفاعا التأكسد السريع للمركبات العضوية حينما تتعرض للهواء، فإذا استخدم المحراث في التربة المدارية الأفريقية، فإن تقليب الأرض سيؤدي إلى تعريض المواد العضوية للهواء، وبالتالي إلى تكوين أكاسيد غاز الكربون التي سرعان ما تتطاير في الهواء، وبالتالي لا يؤدي ذلك إلى نمو البكتريا التي تساعد على خصب التربة في العروض المعتدلة.
وعلى هذا فإن استخدام المحراث بكثرة - سواء كان آليا أو بلديا - يؤدي إلى فقدان خصوبة التربة، وقد يبدو أن النمو الوفير للغابات الاستوائية وكثرة المخلفات الشجرية في تلك المناطق دليل على خصب التربة وزيادة موادها العضوية، ولكن التجارب القديمة في صورة الزراعة المتنقلة داخل الغابة، قد أثبتت أنه حينما تجتث الأشجار وتتعرض التربة للهواء عدة سنوات نتيجة الزراعة، فإنها بعد بضع سنوات قد لا تزيد عن خمس تصبح تربة عاقرة تماما، فالأمطار الساقطة بشدة معظم أشهر السنة سوف تؤدي إلى إذابة العناصر المخصبة وتخللها التربة إلى أعماق بعيدة، بينما يتحول سطح التربة إلى طين سميك جدا قليل المسامية، مما يؤدي إلى ظهور المستنقعات العديدة.
والمشكلة الثالثة هي تعرية التربة أو جرفها في أفريقيا نتيجة الأمطار الشديدة، ولولا أن كثيرا من المزارع الأفريقية لا تنقى فيها الحشائش التي تنمو طبيعيا، لأدى ذلك إلى سرعة انجراف التربة، ولهذا فإن الخطر الكبير يكمن في تعرية التربة من الحشائش وحرثها وتقليبها وتنظيفها تماما استعدادا لزراعتها. وقد أخطأت عدة محطات زراعية بأن استخدمت هذه الطريقة؛ فأدى ذلك إلى جرف التربة بسرعة هائلة، فإن كل مسار من مسارات المحراث يصبح «واديا» عميقا حينما تهطل الأمطار الاستوائية.
ولقد حاول خبراء الزراعة الأوروبيون أن ينشروا بين فلاحي غرب أفريقيا زراعة نباتات بقولية لتساعد على زيادة النيتروجين في التربة، ولكن ذلك لم يلق تأييدا كبيرا بين الأفريقيين الذين اعتادوا على طريقة إعداد الحقل بحرق الأعشاب والشجيرات، والزراعة بالفأس في مساحات صغيرة تترك كل عدد معين من السنين حسب خصوبة أو ضعف التربة، وهي طريقة ناجحة ولا تؤدي إلى جرف التربة؛ لأن الأشجار لا تقطع جذورها فتظل محتفظة بالتربة دون أن تتفكك.
ولكن نجاح هذه الطريقة في مقاومة انجراف التربة لا يحقق النجاح الكامل، فكلنا نعرف أن حرق الطين يؤدي إلى تحويله إلى طوب أو ما يشبهه، ولكن الأفريقيين بالتجربة عرفوا أن الحرق يجب أن يتم قبل حلول الفصل الجاف بحرارته الشديدة التي تؤدي إلى تجفيف الأعشاب تماما، وعلى هذا فحرق الأعشاب وهي بعد غير جافة يؤدي إلى تقليل قوة النار، وبالتالي لا يساعد على تحويل التربة إلى طوب.
والحقيقة إن مشكلة انجراف التربة من المشاكل التي تهدد الإنسان بشدة، فإن التربة الصالحة لنمو المحصولات تتكون على مدى مئات السنين، ولكنها قد تفقد في ليلة واحدة إذا كان هناك فيضان خطر أو سيل جارف، وينطبق الخطر على جميع أنواع التربات في جميع القارات، ولهذا فإن الأبحاث متصلة لمواجهة الخطر. ومن النتائج القليلة التي توصل إليها البحث لدرء خطر الانجراف ما يسمى بالحرث الكنتوري؛ أي أن تسير خطوط المحراث مع خطوط الكنتور وليست عمودية عليها، فإنها إن كانت عمودية يساعد ذلك على جريان ماء المطر في مسارات خطوط المحراث فيما يشبه المسايل التي تأخذ في التعمق والاستعراض، وبالتالي يسهل معها انهيار التربة وانجرافها.
خريطة رقم (34): خريطة التربة في أفريقيا. مبسطة عن
S. J. Schokalskaja . (1) تربة بنية (تربة القسطل). (2) تربة الشرنوزم (سوداء). (3) تربة اللاتريت. (4) تربات مدارية حمراء وبنية. (5) تربة الغابات الجافة (جرفت جزئيا).
وهكذا تتعقد مشكلات التربة في أفريقيا المدارية التي يجب أن تحل على ضوء الأهمية المعلقة على أفريقيا، في سبيل إنتاج الغذاء لسكان العالم المتزايدين. وفيما يلي دراسة موجزة لنطاقات التربة الأفريقية، مع الأخذ في الاعتبار بأن الدراسة الفعلية للتربة الأفريقية ما زالت في بداياتها:
التربات المدارية:
تحتل أنواع عديدة من التربة الحمراء النطاقين المداري والاستوائي من أفريقيا، مع استثناء منطقة الهضبة الشرقية، حيث يتعدل المناخ نتيجة للارتفاع، وتغطي تربة اللاتريت قلب حوض الكنغو والمناطق الرطيبة من سهول غرب أفريقيا. وكلمة
Laterite
مشتقة أصلا من اللاتينية
Later
بمعنى مفرد طوب، ويتكون اللاتريت من التحول الكيمائي لأنواع عديدة من التركيبات الصخرية، ويتعمق في أحيان إلى بضع عشرات من الأقدام تحت سطح التربة. ولون تربة اللاتريت مشوب بالخضرة المصفرة التي تتداخل فيها أشرطة حمراء، إذ لم تكن قد تعرضت بعد للهواء، وحينما تتعرض للهواء يتغير اللون الأصفر إلى أحمر داكن وتشتد صلابته، بينما يظل الأخضر طريا يمكن للأمطار أن تذيبه وتجرفه، ويتبقى بعد ذلك تربة ذات لون أحمر داكن تقطع وتعمل منها البيوت في كثير من المناطق المدارية.
وعلى هذا يثار الجدل حول ماهية اللاتريت. هل هو صخر أم تربة؟ وجاءت نتيجة التحليل ليقول بعضها إن مكونات اللاتريت الأصلية هي أيدروكسيد الألمونيوم مع كمية طفيفة من أكاسيد الحديد، ويقول البعض الآخر إنه تجمع لأملاح الحديد تحت التربة، تتحول بعد ظهورها للهواء إلى تركيب «الطوب» بعد تحول الأملاح إلى أوكسيدات حديد، مضافا إليها أيدروكسيد الألمونيوم. والذي يهمنا في هذا المجال أن الآراء قد استقرت على أن اللاتريت تكون صخري مشتق من صخور أخرى، وليس نوعا من أنواع التربة.
ولكن تربة ما تتكون على سطح اللاتريت، وهذه هي التي نسميها تربة اللاتريت، وهي في حقيقتها لا تختلف عن تركيب اللاتريت تحتها، إلا من حيث وجود نبات عليها يكسبها إضافات تركيبية أخرى.
وبالإضافة إلى اللاتريت توجد أنواع أخرى من التربة الحمراء، مثل الطفل الأحمر والطفل الأحمر الحديدي، وتشترك مع اللاتريت في حمرتها، وتتسرب مكوناتها الجيرية مع ماء المطر إلى الداخل وترتفع نسبة ملوحتها، وفي نهاية عملية التعرية تنتج هذه التربات الحمراء طبقة صخرية صلبة فوق قمم التلال تحميها من التعرية، ولكنها طبقة جرداء تماما.
أما هضبة شرق أفريقيا فالتربة أفتح لونا، وتتراوح بين الرمادي والأصفر مع البني خالية من كربونات الكالسيوم، ولكن بها نسبة من الحجر الحديدي تحت التربة مباشرة، وتنمو على هذه التربة أنواع من الأشجار النفضية أو الغابات الجافة.
وإلى جانب مجموعة التربة الحمراء نجد التربة السوداء الجيرية وغير الجيرية، وتسمى تربات القطن السوداء، وهي طينية ثقيلة خلال مواسم الأمطار، وتتشقق شقوقا عميقة خلال موسم الجفاف، وكلما اقتربت هذه التربات من النطاق الجاف أصبحت جيدة وخاصة للرعي، وقد أطلق على أطرافها المتاخمة للصحراء تربة الكستناء أو تربة البراري.
تربة إقليم البحر المتوسط:
لم تدرس تربة أقاليم البحر المتوسط الأفريقية دراسة كافية، وكل معلوماتنا عبارة عن استنتاجات مستقاة من دراسة التربة في إقليم البحر المتوسط الأوروبي، وبما أن موسم الحرارة يتفق مع موسم الجفاف، فإن التحولات الكيميائية في الطبقات العليا للتربة محدودة الأثر، والتربة رقيقة وغير ناضجة، وفي كل من نطاق البحر المتوسط الشمالي وإقليم الكاب نجد كثيرا من المناطق عبارة عن صخور عارية، مع تراكم التربة في صورة جيوب وأودية ضيقة. وفي هذه المناطق تنمو أعشاب وشجيرات «الماكي» المقاومة لحرارة الصيف وجفافه، مما يترتب عليه ضعف القيمة الاقتصادية للتربة. وقد أدت دراسات «فان دي ميرف» في جنوب أفريقيا إلى اعتبار التربة من النوع البني مع قليل من تربة الكستناء في الداخل بعيدا عن السواحل، فالمناطق التي تتمتع بمطر كبير في سهول المغرب تظهر فيها التربة البنية، والأراضي الخصبة في الداخل تتكون تربتها من مواد تأتي بها الأنهار والفيضانات من الحواف المجاورة، مما يساعد على تكوين التربة الطميية أو الفيضية. والتربة هنا تحتوي على نسب منخفضة من الجير والبوتاس وحامض الفوسفوريك والنيتروجين، وبذلك فإنها تحتاج إلى مخصبات كثيرة لكي تصبح أراضي خصبة منتجة - مثلها في ذلك مثل وادي كاليفورنيا.
تربة الساحل الجنوبي الشرقي الدفيء:
تكونت تربة ناتال وموزمبيق من تعرية صخور الهضبة المجاورة، ونقلها بواسطة الأنهار العديدة القصيرة، بالإضافة إلى الأمطار الغزيرة، وتؤدي الأحوال المناخية المناسبة، وأهمها المطر المتوازن، إلى تكوين تربة شرنوزم السوداء، ولكن في بعض المناطق تصطحب هذه التربة تكوينات تربة حمراء مدارية.
تربة الهضبة العليا في الجنوب الشرقي:
تؤدي الأمطار المتوسطة مع غطاء العشب إلى تكوين تربة خالية من الأملاح الضارة فوق هضبة الفلد والترنسفال، والتربة هنا سوداء أو سوداء وحمراء، خصبة للزراعة وخاصة في الإقليم الذي يعرف باسم «مثلث الذرة».
تربة الصحاري:
وهذه تتكون من صخور عارية وتكوينات رملية سميكة نتيجة التعرية الهوائية، وفي بعض المناطق تتكون السبخات الملحية حيث يوجد تصريف داخلي.
التربة الفيضية:
وتتكون من طين سميك وهي غالبا صالحة للزراعة، كما هو الحال في وادي النيل الأدنى والأوسط، ولكن يعيبها أن السمك وعدم المسامية يساعدان على تكون المستنقعات، أو أن تصبح التربة مليئة بالمياه الباطنية، بحيث يحتاج إصلاحها إلى مشروعات صرف المياه. ومن الأمثلة على ذلك شمال دلتا النيل، ومستنقعات السدود في السودان الجنوبي. (2) النبات الطبيعي
النبات الطبيعي عبارة عن الكم النهائي للتفاعلات الطبيعية في إقليم معين: تفاعل أشكال التضاريس وأنواع التربة ودرجات الحرارة ونظام المطر والصقيع، وأنواع النبات الطبيعي ثلاثة: الحياة الشجرية بأشكالها المختلفة، والحياة العشبية بأشكالها المختلفة، وأخيرا نباتات الأقاليم الجافة.
وتتفاوت وتتداخل توزيعات هذه الأنواع الثلاثة الرئيسية حسب ظروف المناخ والتضاريس، مما يؤدي إلى توزيع أفقي أو رأسي (الجبال). ونظرا لموقع أفريقيا وظروفها الطبيعية، فإن نسبة هذه الأنواع إلى مسطح القارة نسبة مختلفة، فمن 30 مليون كيلومتر هي مساحة القارة، نجد 18,4٪ تغطيها الحياة الشجرية، و42,3٪ تغطيها الحياة العشبية، و39,3٪ تغطيها نباتات الصحاري.
وتتكون الحياة الشجرية الأفريقية من عدة أنواع نذكر منها ما يلي: (1)
غابات المطر المدارية بما فيها الاستوائية، وتحتل: 7,8٪ من مساحة أفريقيا. (2)
الغابات الجافة وتحتل: 7,9٪ من مساحة أفريقيا. (3)
غابات الأشجار الشوكية وتحتل: 0,7٪ من مساحة أفريقيا. (4)
غابات المطر في المناطق المعتدلة وتحتل: 0,5٪ من مساحة أفريقيا. (5)
غابات البلوط والأشجار المخروطية وتحتل: 0,2٪ من مساحة أفريقيا. (6)
غابات المنجروف وتحتل: 0,1٪ من مساحة أفريقيا.
ونلاحظ من هذا التوزيع أن أكبر نسبة تحتلها غابات المناطق الحارة، سواء كانت أقاليم مطر دائم (الاستوائي)، أو مطر غزير فصلي (الغابات الجافة) التي تنتشر بكثرة في جنوب حوض الكنغو وحوض الزمبيزي وهضاب أنجولا. ويضاف إلى ذلك نسبة ضئيلة تتكون من غابات المنجروف المستنقعية، أما غابات المناطق المعتدلة والأشجار المخروطية التي تنمو في المناطق الباردة من الجبال فمساحتها 1٪ من القارة؛ وذلك راجع إلى صغر مساحة الإقليم الأفريقي المعتدل، ولعدم امتداد القارة إطلاقا إلى النطاق البارد، وإنما يعوضها في ذلك ارتفاع الكتل الجبلية العالية في الأطلس أو الحبشة أو القمم البركانية في شرق أفريقيا.
خريطة رقم (35).
أما الحياة العشبية في أفريقيا فهي أوسع أنواع الغطاء النباتي الطبيعي مساحة؛ وذلك بحكم اتساع القارة وصفاتها القارية وموقعها من حيث نظم المطر. وتنقسم الحياة العشبية إلى أقسام عديدة نذكر منها: (1)
السفانا العالية ذات الأشجار السنطية، وتحتل 15,9٪ من مساحة أفريقيا. (2)
السفانا العالية ذات الأشجار القصيرة، وتحتل 11,6٪ من مساحة أفريقيا. (3)
السفانا القصيرة ذات الأشجار السنطية الجافة ، وتحتل 9,6٪ من مساحة أفريقيا. (4)
السفانا العالية الخالية من الأشجار، وتحتل 0,9٪ من مساحة أفريقيا. (5)
سفانا المستنقعات، وتحتل 0,4٪ من مساحة أفريقيا. (6)
أعشاب الجبال، وتحتل 3,2٪ من مساحة أفريقيا.
وكما سبق أن أوضحنا، فإن ارتفاع أجزاء كثيرة من أفريقيا في صورة هضاب عالية قد جعل نسبة أعشاب الجبال عالية، كذلك كان لطول وقصر فصل المطر أثر على انتشار أنواع السفانا. وفي المناطق القريبة من الغابات الاستوائية، حيث يطول فصل المطر، تنتشر أنواع السفانا العالية ذات الأشجار القصيرة، وكلما ابتعدنا تجاه المنطقة الجافة تتزايد نسبة مساهمة أشجار السنط في السفانا، مما يؤخذ دليلا على طول فصل الجفاف.
وأخيرا فإن الحياة النباتية في المناطق الجافة تتراوح بين العدم المطلق «الصحراء العارية الرملية»، وتحتل حوالي 8٪ من مساحة القارة، وبين أعشاب صغيرة تتلاءم مع الحياة الحارة الجافة، وتحتل مساحة 31,4٪ من مساحة القارة. ويلاحظ أنه لا وجود للصحاري الرملية العارية عن النبات إلا في أجزاء معينة من الصحراء الكبرى، خاصة مناطق بحار الرمل الواسعة في الصحراء الليبية وصحاري موريتانيا والجزائر.
وفيما يلي وصف سريع لأهم أنواع الحياة النباتية الطبيعية: (2-1) الغابات الاستوائية
من أهم ما توصف به هذه الغابات أنها أشجار دائمة الخضرة على عكس الأشجار التي تنفض أوراقها في موسم الجفاف، وتظهر الغابات الاستوائية مرتبطة بشدة في توزيعها مع توزيع نطاقات المناخ الاستوائي باستثناء هضبة شرق أفريقيا، وأكبر مساحة متصلة للغابات الاستوائية الأفريقية تظهر في حوض الكنغو ومنطقة جابون وجنوب الكمرون، وفيما عدا ذلك تتكون الغابة الاستوائية من أشرطة ساحلية تضيق وتتسع في غرب أفريقيا حسب كمية المطر وشكل التضاريس، بالإضافة إلى ذلك تظهر أشرطة ساحلية في شرق أفريقيا وموزمبيق وغابات أروقة في بحر الغزال.
وتتكون الغابة الاستوائية من أشجار ضخمة يبلغ طولها في المتوسط 50 مترا، ويعلو الغابة غطاء أو أكثر من فروع وأغصان وأوراق الشجر المتشابكة، وكل غطاء مرتبط بأطوال الأشجار، وأعلى غطاءات الغابة يتكون من الأشجار التي يتراوح ارتفاعها من 60 إلى 80 مترا، وأكثر الغطاءات انخفاضا يتكون من الأشجار التي لا تزيد عن 20 مترا، كما أن النمو الأرضي في الغابة الاستوائية قليل؛ وذلك لكثرة المخلفات النباتية الساقطة على الأرض، وهناك ميزة ثالثة هي كثرة النبات المتسلق الذي يسد الفراغات ما بين الأشجار، ويجعل الانتقال داخل الغابة أمرا شاقا ويحجب الرؤية إلى مسافات طويلة.
ومع ذلك فالغابة الاستوائية الأفريقية في معظمها ليست هي الصورة التي كانت عليها قبل ظهور الإنسان، وبالتالي فهي لا تمثل الغابة الطبيعية إلا في حدود ضيقة، على عكس معظم غابات الأمازون، والسبب في هذا راجع إلى اختراق الإنسان المزارع نطاق الغابة شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، وقطعه لمساحات عديدة منها طوال أجيال متعاقبة، مما أدى إلى وجود غابة استوائية ثانوية؛ أي نمو غابي طبيعي بعد قطع وحرق الغابة الأصلية مرة على الأقل.
ونضيف إلى ذلك أن الإنسان قد ساعد على انتشار أنواع معينة من أشجار الغابة الاستوائية، بل وزرعها في مساحات واسعة لفائدتها الاقتصادية، نذكر من أهم هذه الأشجار نخيل الزيت الذي يكاد يحتكر المظهر العام للغابة الاستوائية في جنوب نيجيريا ومنطقة الكمرون الاستوائية.
ورغم تدخل الإنسان في الغابة الاستوائية إلا أنها تضم عددا كبيرا من أنواع الأشجار، وتدل أبحاث الخبراء على أن هناك ما بين 20 و30 نوعا من الأشجار في مساحة الفدان الواحد داخل الغابة الاستوائية، وأن هناك ما بين 400 و500 نوع من الأشجار الضخمة، و800 إلى 1000 نوع من بقية أنواع الأشجار في أفريقيا الاستوائية، وهذا التنوع الضخم ربما يرجع إلى سرعة النمو وعدم فصليته، مما يؤدي إلى حدوث طفرات في النوع وظهور أنواع جديدة باستمرار. ورغم هذا التنوع، إلا أن ذلك يؤدي إلى صعوبة استغلالها اقتصاديا، ولولا وجود أنواع مرغوبة من أشجار الغابة الاستوائية لكان استغلالها قد توقف، ومن أهم الأمثلة على الأشجار المستغلة نخيل الزيت والرافيا، والمطاط وأشجار الأخشاب الراقية. (2-2) الغابات الجافة
تتكون هذه الغابات من أشجار قليلة التنوع، ولكنها ليست سميكة الجذوع، بحيث لا يزيد قطر الجذع في الغالب عن 30 سنتيمترا، وأطوالها ليست كبيرة، وتنمو أغصانها وأوراقها في القسم الأعلى من الجذع فقط، وتمتد هذه الأغصان في اتجاه عمودي على الجذع، بحيث يمكن وصفها بأنها أشجار ذات قمم مسطحة، ولا يوجد نموعشبي أرضي كبير، ولذلك فإن هناك جدلا بين النباتيين على إعطاء هذا الشكل من النمو النباتي اسم وصفة الغابة. وهناك كثيرون يحبذون أن يطلق عليها اسم «أراضي مشجرة
Wood land ». وفي خلال موسم الجفاف تسقط الأشجار أوراقها، ومن ثم كانت تسميتها بالغابات الجافة لوقوعها في نطاق جفاف فصلي ومطر قليل نسبيا، وأكثر مناطق ظهورها القسم الجنوبي من حوض الكنغو وحوض الزمبيزي وهضاب أنجولا والهضاب الغربية من تنجانيقا. (2-3) غابات الأشجار الشوكية
وهذه في الحقيقة ليست غابات بالمعنى المفهوم، بل أراض تغطيها كميات كبيرة من الأشجار ذات الأشواك يتراوح ارتفاعها بين 3 و7 أمتار، وخلال موسم الأوراق تصبح هذه الأشجار كتلا من الورق والأزهار العديدة الألوان، ولكن هذا الموسم قصير، ومعظم أشجار هذا الإقليم سنط، بعضه شوكي جدا ويتعذر عبوره، ويعد مكانا ممتازا لاختباء حيوان الصيد.
وأهم ما يميز هذا الإقليم النباتي نمو شجرة الباوباب أو «التبلدي» كما تسمى في السودان، وهي شجرة غريبة ذات جذع متناهي الضخامة - يبلغ قطره أحيانا عشرة أمتار - وأغصانها ليست عالية، وتنمو غالبا شبه عمودية على الساق، ولها ورد أبيض كبير ينمو فرادي في أماكن مختلفة من الشجرة، ويبدو أن سبب انتشارها الواسع في نطاق كبير في أفريقيا راجع إلى مقاومتها للحريق، وفي إقليم السفانا الفقيرة تستخدم جذوعها، بعد تجويفها، كخزانات كبيرة لمياه المطر. (2-4) غابات المنطقة المعتدلة
تنمو في جبال الأطلس وإقليم الكاب، ولكن أنواعا منها تنمو أيضا في الجبال العالية في داخل أفريقيا الشرقية والوسطى وهضبة الحبشة، والأشجار أقل تنوعا، وفي المناطق العالية من الجبال تسود أشجار البلوط والفلين وبعض أنواع الأشجار المخروطية. أما المناطق المنخفضة في شمال وجنوب أفريقيا فيسودها نوع «الماكي» النباتي، وهو عبارة عن شجيرات صغيرة ذات جذور طويلة لتقاوم موسم الجفاف والحرارة. (2-5) غابات المنجروف
وهذه غابات حارة مستنقعية ساحلية، تتكون من أشجار يتراوح ارتفاعها بين عشرة أمتار وعشرين مترا، وكلما تأثرت الغابات بمياه المد البحري كانت الأشجار أقصر، في حين أنها تعلو وتتكاثف إذا كانت المياه العذبة أكثر تواجدا من مياه المد البحري. (2-6) السفانا العالية
تنقسم إلى قسمين: السفانا العيلية ذات الأشجار القصيرة، والسفانا ذات أشجار السنط، والنوع الأول أقرب إلى المنطقة الاستوائية، وبذلك فإن الغابات الاستوائية تتدرج في الكثافة إلى القلة الملحوظة مع تدرج إقليم المطر ذي القمتين حتى يصبح الغطاء النباتي الرئيسي هو الحشائش لا الأشجار، ومع ذلك تظل الأشجار تظهر داخل السفانا، وتقل كثافتها تدريجيا بعيدا عن الإقليم الاستوائي.
وتنمو الحشائش بسرعة في موسم المطر حتى تصبح أعلى من الإنسان، ويصبح عبور الإقليم غير ممكن إلا إذا كان هناك ممر. وفي موسم الجفاف تذوي الحشائش وتحترق، وهذه الحشائش العالية الخشنة قليلة الأهمية كغذاء للحيوان، وتصبح موطنا للحيوانات الضخمة: الفيل، الجاموس البري، الخرتيت.
أما القسم الثاني الذي من السفانا، تنمو فيه أشجار من عائلة السنط، فيغطي أكبر مساحة من أفريقيا بالنسبة لغيره من أنواع الغطاء النباتي (حوالي 16٪)، وبالرغم من انتشاره الواسع على سطح أفريقيا - من السنغال حتى القرن الأفريقي وجنوب أفريقيا - إلا أن نمط النبات يكاد أن يتكرر دون اختلاف كبير، فالأشجار تتناثر بعيدة عن بعضها، وهي غالبا شوكية وذات قمم مسطحة، ولا يزيد ارتفاعها عن ثلاثة إلى خمسة أمتار ، أما الحشائش فإنها لا تزيد عن متر إلى متر ونصف حينما تبلغ أوجها، وبما أن موسم الأوراق واحد فإن الإقليم يزهو بخضرة ناضرة خلال موسم المطر، ولكن الإقليم يأخذ صورة كئيبة حينما تحترق الحشائش. وقيمة هذه الحشائش الغذائية ليست كبيرة، كما أنها في جنوب أفريقيا مرة المذاق، وهذا الإقليم هو أكثر أقاليم أفريقيا امتلاء بحيوان الصيد من وعول وأسود وزراف وحمار وحشي، والتربة يمكن أن تزرع، ولهذا فإنه إقليم زراعة الذرة والدخن بأنواعه العديدة والفول السوداني.
وأخيرا فإن ارتفاع الهضبات في شرق أفريقيا وجنوبها الشرقي يخلق قسما صغيرا من السفانا العالية الخالية تماما من الأشجار. ومن أمثلة هذه السهول العليا سهل الأنكولي في جنوب غرب أوغندا والفلد الأعلى. (2-7) السفانا القصيرة
تظهر في النطاق العشبي القريب من نطاق الأقاليم الصحراوية، وتتميز بحشائش قصيرة وأشجار قصيرة سنطية شوكية، وهذا النوع من السفانا هو إقليم الرعي الكبير في أفريقيا، سواء كان على حافة الصحراء الكبرى أو في أخدود شرق أفريقيا أو المناطق الهامشية الغربية، ونظرا لتركز الرعي في هذا الإقليم فإنه يعاني من مشكلة اختفاء الحشائش لكثرة الرعي وقلة مصادر الماء في الموسم الجاف. ولهذا الإقليم فضل في تعمير القارة، فقد كان هو الطريق الذي يخترق القارة من حوض النيل حتى السنغال، ومن حوض النيل إلى شرق أفريقيا وجنوبها، وعلى طوله سارت الهجرات البشرية، ومنه تغلغلت وتضاغطت القبائل والجماعات صوب نطاق السفانا العالية، ثم صوب نطاق الغابات الكثيفة. (2-8) أنواع أخرى من الحياة العشبية
تظهر هنا أنواع مختلفة مرتبطة بظروف محلية، فهناك حشائش الهضاب، والجبال العالية في السفوح العليا لجبال شرق أفريقيا وهضبة الحبشة، وهذه الأعشاب قصيرة ناعمة تشابه أعشاب المناطق الألبية الأوروبية. وهناك أعشاب قصيرة في أودية جبال الأطلس، وأخيرا فهناك أعشاب مناطق المستنقعات التي تتكون أساسا من نباتات المياه وأهمها البردي. (2-9) الأعشاب الصحراوية
وهذه بطبيعة موطنها قصيرة وتنمو متفرقة، وتزيد كثافتها في مناطق الأمطار الكثيرة نسبيا، بينما تقل وتتباعد في المناطق الأكثر جفافا. وقد يساعد على نمو النبات الصحراوي الندى الذي يحدث في أحيان كثيرة في الفجر. وفي بعض المناطق الصحراوية الهامشية، قد تنمو أشجار صغيرة من السنط الشوكي، أما داخل الصحراء الكبرى فإن النباتات تنعدم تماما، وخاصة مناطق بحار الرمال ومناطق العرق (الأرج) والرق (الرج). (3) الأقاليم الطبيعية
لا تشتمل قارة كأفريقيا، لها هذا القدم الجيولوجي، على أقسام طبيعية بالمعنى المعروف الذي نجده في القارات الأخرى، فليس في أفريقيا من الأقاليم ما يتميز بوضوح سوى إقليمي الالتواء في الأطلس والكاب، وفيما عدا ذلك لا توجد حدود واضحة تفصل بين أقسام القارة، ومع ذلك فإن التفصيلات التضاريسية الصغيرة التي تكون خطوط تقسيم المياه، أو تكون أحواضا واسعة أو هضابا عالية، تساعد بلا شك على إمكانية تقسيم القارة إلى أقاليم ليس لها حدود ظاهرة محدودة، إنما تنتقل من إقليم إلى آخر في تدرج وتشابك واضحين، ويمكننا أيضا أن نستفيد - في أحيان كثيرة - من أشكال المناخ وأقاليمه، وأشكال النبات وأقاليمه، في تحديد هذه الأقاليم.
خريطة رقم (36): الأقاليم الطبيعية الكبرى: (1) إقليم الأطلس. (2) إقليم الصحراء ومصر. (3) الإقليم السوداني وغرب أفريقيا. (4) إقليم القرن الأفريقي. (5) إقليم الهضاب الكبرى (شرق أفريقيا والهضبة الحبشية). (6) إقليم وسط أفريقيا (حوض الكنغو وغانا السفلى). (7) إقليم الهضاب الجنوبية. (8) إقليم موزمبيق. (9) إقليم الكاب. (10) مدغشقر.
ونظرا لهذه الصعوبة فإنه لم يتم اتفاق حتى الآن على أقاليم أفريقيا الطبيعية الرئيسية، ومع ذلك فإن الموضوع لا يمنع من تقديم الخريطة رقم (36) كمحاولة لهذا التقسيم.
ونلاحظ في هذه الخريطة أننا قد فصلنا بادئ ذي بدء إقليم الأطلس وإقليم الكاب وحدهما؛ نظرا لما يتميز به كل منهما عن الآخر من ناحية امتداد السلاسل الجبلية، وتاريخ كل منهما المنفصل جيولوجيا، واختلاف أشكال المناخ تفصيلا، وهما بعد ذلك بغير حاجة إلى إيضاح أكثر لتمييزهما عن بقية أفريقيا.
كذلك نلاحظ إننا استخدمنا المعيار النباتي والمناخي في تمييز إقليم الصحراء الكبرى بما فيه من اختلافات تضاريسية، وأدمجنا فيه وادي النيل الأدنى من التقاء العطبرة بالنيل حتى المصب. والحقيقة أن هذا القسم من الوادي، إنما هو حدث طارئ نتيجة اتجاه تصريف النيل إلى الشمال، ولولا ذلك لأصبحت المنطقة جزءا متمما للصحاري المحيطة، وعلى ذلك فالظروف المناخية في هذا الجزء من وادي النيل ليست في تفصيلاتها ومجموعها إلا قسما من المناخ الصحراوي.
أما إقليم غرب أفريقيا والسودان الأوسط والشرقي، فقد أدمجناها معا في إقليم طبيعي واحد، رغم اختلاف المناخ والنبات، فالإقليم الساحلي لغرب أفريقيا في معظمه استوائي المطر والنبات، ولكن هذا الإقليم الساحلي ليس إلا هامشا للإقليم الاستوائي باعتبار أن قسما منه يتميز بمطر ذي قمة واحدة (الساحل الجنوبي الغربي من ليبيريا إلى جامبيا) وإن القسم الشرقي منه (غابات جنوب نيجيريا) قد تدخل فيه الإنسان بدرجة أفقدته صبغته الاستوائية الحقة، ومعنى ذلك أن الإقليم كله يمكن أن يعتبر من الناحية المناخية إقليم مطر موسمي مع هامش استوائي انتقالي في الجنوب، وأن الحياة النباتية السائدة هي السفانا الشجرية مع هامش غابي حار في الجنوب، وإلى جانب ذلك فهو من الناحية التضاريسية إقليم متدرج الكنتور، ولا توجد فيه خطوط تضاريسية واضحة، بل هضاب غير فجائية أو بقايا تلال منعزلة ومتفرقة كما الحال في جبال النوبا في جنوب كردفان وهضبة دارفور وتلال ماندارا بين البنوي الأعلى وتشاد وهضبة جوس وهضبة فوتا جالون. وهذا الإقليم يشتمل على مجموعة كبيرة من التصريف النهري الأفريقي، تتمثل في القسم الأعظم من النيل الأوسط، وتصريف تشاد والنيجر والسنغال والفولتا بالإضافة إلى أنهار أخرى صغيرة، وحدود هذه المجموعات النهرية غير واضحة بينها وبين البعض الآخر، كما هو الحال في منابع بحر العرب ونهر لول وبحر السلامات واللوجوني والبنوي، كما أن عمليات الأسر النهري قد حدثت في الماضي، وبعضها قد يحدث في المستقبل غير البعيد - جيولوجيا طبعا.
وحدود هذا الإقليم السوداني واضحة كل الوضوح في الشرق حينما تصطدم بأقدام الهضبة الحبشية، وفي الجنوب مع خط تقسيم المياه بين النيل وشاري من جهة ونظام الكنغو من جهة أخرى، وعند خليج بيافرا يرتفع جبل الكمرون وهضبتي بامندا وأدماوا حدودا فاصلة بين الإقليم السوداني وإقليم الكنغو، أما في الشمال فإن الحد الفاصل عبارة عن إقليم انتقالي مناخي ونباتي إلى الصحراء الكبرى.
وإلى الجنوب من الإقليم السوداني يمتد إقليم طبيعي شاسع مهد له النظام النهري الكبير لحوض الكنغو، وهذا النظام النهري هو الذي يمسك بأطراف هذا الإقليم الطبيعي، الذي يتكون من حوض واسع تحده بكل وضوح خطوط تقسيم المياه في الشمال وحافة الأخدود الغربي في الشرق، ولكن الحدود الجنوبية التي تتكون من خط تقسيم المياه مع الزمبيزي غير واضحة، ولكنها تعود للوضوح في هضبة بيهي، وقد كان في الإمكان فصل إقليم ساحل غانا السفلي المتكون من جابون وجنوب الكمرون وشمال أنجولا، لولا أنه من ناحيتي المناخ والنبات جزء لا يتجزأ من مناخ ونبات الكنغو الاستوائي.
وإلى الشرق من الإقليمين السابقين؛ السودان والكنغو، ترتفع هضاب شرق أفريقيا الواسعة العالية في كل من إثيوبيا وأوغندا وكينيا وتانزانيا، وتشترك هذه المنطقة الكبيرة في عدد من الظاهرات الطبيعية، أهمها الشكل التضاريسي الهضبي والتكوين الجيولوجي الذي يتمثل في مسارات أخاديد أفريقيا الرئيسية، وتكويناتها البركانية في صورة طفوح وطبقات هائلة السمك والاتساع في الحبشة، أو صورة أقماع بركانية رائعة في شرق أفريقيا. ورغم انقسام هذا الإقليم المرتفع إلى قسمين مناخيين هما: الحبشة الموسمية وشرق أفريقيا الاستوائي المطر، فإنهما يتشابهان حرارة ونباتا، فالحرارة قد تلطفت بفعل الارتفاع، والنبات جبلي في مجمله: حشائش وأعشاب وأشجار متباعدة، أو غابات متكاثفة على الساحل الشرقي وفي أعماق الأودية النهرية الحبشية.
وإلى الشرق من هذا الإقليم يقع إقليم الصومال أو القرن الأفريقي الذي يتميز أولا وقبل كل شيء بالمناخ الجاف والنبات الصحراوي، كما يتميز بانبساط التضاريس إلا إذا استثنينا هضبة الدناكل وحافة أخدود خليج عدن.
وإلى الجنوب من إقليمي شرق أفريقيا والكنغو، يمتد إقليم شاسع يكاد أن يشمل الجزء الجنوبي من هضبة أفريقيا القديمة، وهذا الإقليم من الناحية التضاريسية عبارة عن هضاب متفاوتة الارتفاع تدور حول حوض واسع هو حوض كلهاري، وهو مناخيا إقليم شبه جاف إلى جاف باستثناء أطرافه الشمالية والشرقية الفصلية المطر، وتخترقه مجموعة أنهار عديدة أكبرها الزمبيزي والأورنج واللمبوبو، كما تتميز بوجود تصريف داخلي إلى بحيرة نجامي، وهو في كثير من عمومياته يشبه الإقليم السوداني من ناحيتي المطر والنبات، ولكنه يضم أيضا إقليما صحراويا وشبه صحراوي في ناميب وكلهاري على التوالي، ولكن الظروف الصحراوية هنا، من ناحية الامتداد والمناخ، ليست بالقسوة التي نجدها في الصحراء الكبرى.
وإلى الشرق من هذا الإقليم يمتد إقليم ساحلي ضيق في موزمبيق، له ظروفه الخاصة، فهو سهل ساحلي عريض في أحيان كثيرة، تحده من الغرب حافة الهضبة الأفريقية العالية، ويتمتع بأمطار غزيرة معظمها صيفي.
وأخيرا وعبر مضيق موزمبيق نجد جزيرة مدغشقر التي تكون بنفسها إقليما طبيعيا خاصا بحكم تكوينها كجزيرة.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Dudley Stamp, L., 1964 “Africa: A Study in Tropical Development” London.
Hirschberg, W. 1962 “Meyers Handbuch Ueber Afrika” Mannheim.
Keay, R. W. J. 1959 “Vegetation map of Africa South of the Sahara” London.
Mohr. E. C. J., & F. A. Van Baren, 1959 “Tropical Soils” The Hague.
Schokalskaja, S. Ju., 1953 “Die Boeden Afrikas” Berlin.
Shantz, H. L. & C. F. Marbut, 1923 “Vegetation and Soils of Africa” American Geog. Society.
Tothil, J. D.1948 “Agriculture in the Sudan” London.
Tothil, J. D.1952 “Agriculture in Uganda” London.
Van der Merwe, C. R., 1941 “Soil groups and Sub-groups of South Africa”
Worthington, E. B. 1960 “Connaisance Scientifique de l’Afrique” Paris.
الفصل الثامن
السلالة واللغة
(1) سلالات أفريقيا
معظم أولئك الذين نسميهم بالزنوج يسكنون أفريقيا، ولكن إلى جانب الزنوج هناك مجموعات سلالية أخرى تعيش في أفريقيا شمال وجنوب إقليم الزنوج المداري.
والزنوج بوصفهم أكبر مجموعة سلالية أفريقية ، نجدهم يسكنون مناطق كبيرة من أفريقيا تمتد من الغابات الاستوائية إلى نطاقات السفانا الأفريقية كلها، وفي هذه المنطقة الكبيرة نجد تغيرات عديدة، مما أدى إلى نشوء مجموعات سلالية زنجية مختلفة. أما الوطن الأصلي للزنوج فأمر غير معروف على وجه الدقة والتأكيد، وربما ارتبط الوطن الزنجي الأصلي بالوطن الأصلي للسلالات الإنسانية جميعا، وفي ذلك قيل إن الوطن الأول كان في غرب آسيا أو جنوبها الغربي، ولكن الكشوف العلمية الحديثة في شرق أفريقيا وجنوبها قد جعلت بعض العلماء يؤكدون أن الإنسان قد نشأ في هذه المناطق من أفريقيا، وما زال الأمر مفتوحا لآراء جديدة، كلما عثر على كشف حفري جديد.
وفي خلال الفترة الأولى من نشأة الإنسان كانت جغرافية الأرض متغيرة نسبيا عما هي عليه الآن، وأهم مظاهر التغير أنه كانت هناك معابر أرضية حيث توجد المضايق الحالية، على الأقل في جبل طارق وصقلية وتونس وباب المندب، وإلى جانب ذلك كانت الأحوال المناخية مختلفة تماما، فلم يكن هناك وجود للنطاق الصحراوي من الأطلنطي إلى أواسط آسيا، كما أن شمال أوروبا وجبال الألب كانت عبارة عن ثلاجات هائلة؛ نظرا لامتداد غطاءات الجليد السميك فوقها، وعلى هذا فلم تكن أفريقيا المدارية معزولة عن حوض البحر المتوسط بواسطة الحاجز الصحراوي في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، بل إن إقليم الصحراء كان منطقة سكنية ممتازة لوفرة الأمطار والنباتات والحياة الحيوانية.
وقد بدأت الأحوال الصحراوية في الظهور بعد انقشاع الجليد، وربما كان ذلك منذ 15 ألف سنة ق.م، وقد اقترنت الأحوال الصحراوية - أو تلتها - باكتشاف الزراعة واستئناس الحيوان، أو ما يعرف باسم إنتاج الطعام في مصر الفرعونية والعراق والسند.
ومنذ 5000 سنة ق.م على الأقل نجد الصحراء عازلا حقيقيا بين أفريقيا الزنجية وأفريقيا البيضاء أو القوقازية، ولكن الاختلاط بين السلالتين الرئيسيتين قد تم في مناطق عديدة داخل نطاق السفانا السودانية، وعلى الأخص في الشرق في جنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، إلى جانب الاختلاطات في الغرب وفي الوسط حول بحيرة تشاد. وما زال نطاق السفانا القصيرة منطقة اختلاط للشعوب واللغات القوقازية والزنجية كما يتضح ذلك جليا من الخريطة رقم (37).
والحقيقة أنه رغم وجود الصحراء فإن أفريقيا لا تشتمل على عوائق طبيعية مانعة، وبالتالي فإنه لا يمكننا أن نقول إن ثمة سلالات نقية في أفريقيا إلا في أضيق الحدود.
وإلى جانب ذلك فإن الدراسات الإنتروبولوجية في أفريقيا من النقص بحيث لا تمكننا من وضع التصنيفات اللازمة لتمييز السلالات، ومن ثم فإن معظم الأقسام السلالية التي نعرفها في أفريقيا الآن عبارة عن أقسام لغوية في معظمها، وبالتالي فإن كل ما يقال عن السلالات في أفريقيا ما هو إلا تقسيم مبدئي.
وفي مناطق العزلة الحقيقية في أفريقيا نجد مجموعتين من السلالات المتميزة هما: أقزام الكنغو وبشمن كلهاري، وكلاهما قد دفع إلى مناطق الالتجاء بواسطة شعوب أكثر تقدما، وكلاهما شعبان يعيشان على الصيد والجمع، وحضارتهما شبيهة بالحضارة الحجرية، وهما في طريقهما إلى الانقراض أو الانصهار داخل الجماعات المحيطة بهما لقلة عددهما؛ فهناك قرابة مائة ألف من الأقزام، ونصف هذا العدد من البشمن رغم أن مساحة أوطان البشمن أكبر بكثير. واختلاف العدد بينهما راجع إلى الغنى والوفرة النسبية في أوطان الأقزام، والفقر والجدب في بلاد البشمن، ولا شك لدينا في أن أعدادهما كانت أكبر قبل انكماش أوطانهما وفقدان مجموعات منهما داخل الزنوج بالتزاوج. (1-1) السلالات القديمة
الأقزام
إن الصفة التي أعطت للأقزام اسمهم المميز هي قزمية القامة التي تبلغ في المتوسط 140سم للرجال و130سم للنساء، والقزمي الأصيل يبلغ طوله حوالي 130سم، أما الذي اختلط بالزنوج فيبلغ عادة أقل من 152سم، وطول الذراعين كبير مما لا يتناسب مع القامة القزمية. والبشرة صفراء داكنة إلى بنية، والجسم مغطى بشعر خفيف، والعيون كبيرة بارزة، والأنوف مفلطحة، والفك الأعلى بارز عادة، ومن صفاتهم السلالية المميزة أن شعر الرأس مفلفل على عكس الشعر الصوفي عند الزنوج، وهم يعيشون في جماعات صغيرة العدد لا تزيد عن خمسين إلى مائة شخص، ويصطادون بالقسي والسهام المسممة، ويجمعون الجذور والثمار، ولقد أصبح الأقزام يعتمدون تماما على جيرانهم من الزنوج المزارعين، ويتبادلون معهم الصيد بالمحصول الزراعي فيما يعرف أحيانا باسم التجارة الصامتة. والحقيقة أنه ليس في استطاعتنا أن نقول إن هناك وطنا أو أوطانا للأقزام خالصة لهم، بل يشتركون دائما في أرض زعيم زنجي، وغالبا ما يكون هناك خضوع سياسي للزنوج، وقد أدى هذا إلى امتصاص عدد من الأقزام داخل الزنوج نتيجة التزاوج.
ويتكون الأقزام من اثنتي عشرة قبيلة رئيسية، تعيش كلها داخل النطاق الغابي الاستوائي في أفريقيا الوسطى، وتؤلف هذه القبائل ثلاث مجموعات متميزة هي: المجموعة الشرقية التي تعيش في شمال شرق الكنغو وحوض السمليكي وجنوب غرب أوغندا، وتسمى مجموعة البامبوتي، ثم المجموعة الوسطى التي تعيش فيما بين نهر كساي ونهر الكنغو وتسمى الباتوا، وأخيرا المجموعة الغربية بين جنوب الكمرون وجابون، وتسمى مجموعة البابنجا. وإلى الآن لا يتفق المتخصصون في شئون الأقزام عما إذا كان للأقزام لغة أو لغات خاصة أم لا؛ فهم يتكلمون لغة الزنوج المجاورين.
الخويزان «البشمن والهوتنتوت»
خريطة رقم (37).
وهم بقية أخيرة من شعب عظيم يعيش الآن في صحراء كلهاري، كان البشمن أو أسلافهم في الماضي يعيشون في نواح كثيرة من أفريقيا الشرقية، بل والشمالية أيضا، ومن أهم الدلائل أنهم تركوا بصماتهم في صورة نقوش فنية رائعة على الصخور المنتشرة من الصحراء الكبرى إلى كل أرجاء أفريقيا المدارية والشرقية والجنوبية، ومن الأدلة الدامغة على أن فناني الصحراء الكبرى هم أسلاف البشمن، أن تصوير الرجال في تلك النقوش له طابع خاص مستمد من صفات السلالة الجسدية؛ فالعمود الفقري مقعر بشدة، ثم يليه بروز العجز بشكل واضح.
والبشمن الحاليون - مع الهوتنتوت - يطلق عليهم اسم خويزان
Khoi-San
1
ويتكلمون لغة خاصة بهم تحتوي الكثير من الصوتيات، وهم قصار القامة لا يزيدون عن 150سم، والجسد نحيف مع بروز شديد للعجز، والبشرة صفراء إلى بنية، والشعر مفلفل، وعظمة الوجنات بارزة، والأنف أفطس، والجبهة عالية وعريضة، وعظمة الذقن مدببة، والعيون ضيقة لوزية الشكل ولكن ليست مغولية، كما لا تظهر بين البشمن الأنقياء ظاهرة بروز الفك الأعلى إلا إذا كان هناك اختلاط مع الزنوج.
ومن ناحية الحضارة المادية نجدهم متشابهين مع الأقزام؛ فهم يعيشون على القنص بالقسي والسهام المسممة، ولكنهم لا يختلطون بجيرانهم كالأقزام، وبالتالي فهم مستقلون في مواردهم الغذائية وحياتهم الاجتماعية والسياسية. وأهم مظاهر تميزهم الحضاري هو الدرجة العالية من الفن الذي وصلوا إليه في النقش على الصخر.
ويعيش البشمن في جماعات صغيرة جدا، غالبا الأسرة فقط، أو تجمع محلي صغير وأحيانا يزيدون، إذا ما كان هناك تجمع من أجل عملية صيد كبيرة، وعلى هذا فإنهم لم يطوروا نظام حكم رئاسي حتى الآن. وينقسمون إلى أربع مجموعات كبيرة: (1) في الشمال حول حوض نهر أوكوانجو وبحيرة نجامي ومنخفض أتوشا، وبذلك تمتد أوطانهم في أنجولا وزامبيا وأفريقيا الجنوبية الغربية وبتشوانالاند. ومن أهم قبائل هذه المجموعة الشمالية: أوين
Auen ، وكونج
Kung . (2) وتعيش المجموعة الوسطى جنوب دلتا أوكوانجو الداخلية، ومن أهم قبائلها نارون
Naron . (3) أما المجموعة الجنوبية فتمتد أوطانها من وسط بتشوانالاند إلى أواسط نهر الأورنج، وأهم قبائلها نوين
Nuen ، ومجموعات صغيرة في الترنسفال تسمى توا
Twa ، وفي الكاب وتسمى زام
Xam . (4) وأخيرا تتكون المجموعة الرابعة الرئيسية من مجموعة ناميب، التي تحتل هذه الصحراء الساحلية من مصب الأورنج شمالا حتى ميناء لودريتز.
وهناك جماعات تشابه البشمن سلاليا وتعيش في شرق أفريقيا حول بحيرة مانيارا في شمال تنجانيقا، هذه هي قبيلة الكنديجا
Kindiga .
أما الهوتنتوت فيشبهون البشمن سلاليا، ولكنهم يختلفون حضاريا في أنهم رعاة أبقار، وربما أخذ ذلك دليل على أن الهوتنتوت تكونوا نتيجة امتزاج بين سلالة البشمن والسلالات الزنجية المجاورة، ويعيشون في أكواخ مستديرة من الأغصان الشوكية، وقد كانت أوطانهم في الماضي تمتد إلى إقليم الكاب، ولكن الهولنديين أبادوهم ولم يبق من الهوتنتوت إلا أولئك الذين يعيشون في أفريقيا الجنوبية الغربية ويسمون هوتنتوت ناما، بالإضافة إلى مجموعة صغيرة تسمى كورانا تعيش عند التقاء الأورنج برافده فال. وهناك أيضا مجموعة في شرق أفريقيا تشبه الهتنتوت لغويا وسلاليا، تعيش وسط تنجانيقا وتسمى زانداوي
Sandawi
ليست بعيدة عن الكنديجا المشابهين للبشمن. (1-2) السلالات الزنجية
يكون الزنوج أكبر مجموعة سلالية أفريقية، ولكنهم نظرا لامتدادهم الشاسع جنوب الصحراء الكبرى حتى شرق أفريقيا وجنوبها الشرقي، فقد انقسموا إلى عدة أقسام سلالية ولغوية، وأكثر التقسيمات شيوعا هي تلك التي ذكرها الأستاذ سليجمان،
2
وتقسم إلى قسمين رئيسيين هما: الزنوج الحقيقيون
True Negro
في غرب أفريقيا وإقليم السودان الطبيعي، والبانتو الذين يعيشون جنوب خط يمتد من خليج بيافرا إلى شرق أفريقيا، ولكن الملاحظ أن سليجمان يستخدم في تصنيفه للسلالات الأفريقية مصطلحات ومقاييس لغوية في أغلب الأحيان، فاصطلاح «بانتو» أو «حامي» ليس إلا اصطلاحا لغويا، ورغم ذلك فلا شك أن لسليجمان فضلا كبيرا على المتخصصين في الدراسات الأفريقية، وما زال الكثيرون يأخذون بتقسيماته.
ولكن تجمع الكثير من الدراسات الإنتروبولوجية - رغم قصورها حتى الآن - قد مكن عددا من الباحثين من تقسيم سلالات أفريقيا إلى مجموعات سلالية عامة، متجنبين قدر الإمكان الزج باللغة وأقسامها في هذه التصنيفات، ومن الدراسات المجتهدة في هذا المجال دراسة العالم الألماني فون إيكشتد
Von Eiekstedt ، والعالم البولندي كليمك
Klimik ، بالإضافة إلى أبحاث العلماء أوتو ريخي
O. Reche
عن منشأ الزنوج، ومارجريتا فيننجر
M. Wininger
عن الأقزام، وشابيرا
I. Schapera
عن الخويزان.
وقد التزمنا في تقسيماتنا الحالية بمنهج فون إيكشتد،
3
رغم ما يعتريه من بعض أوجه النقص واستخدام اللغة أو المضمون الحضاري في تقسيماته. وتوضح الخريطة رقم (37) تقسيم فون إيكشتد.
وتنقسم السلالة الزنجية في أفريقيا إلى الأقسام التالية: (1)
زنوج الغابة أو الزنوج القدماء
: ويعيشون في نطاق واسع يمتد في وسط أفريقيا (حوض الكنغو) وشمال ووسط أنجولا، غانا السفلى (جابون وجنوب الكمرون) وكل الإقليم الساحلي لغرب أفريقيا حتى دكار، ولهم امتداد عبر النيجر الأدنى إلى هضبة جوس، كما أن لهم امتدادا آخر في جنوب ووسط بحر الغزال، وحدودهم الشرقية الحافة الغربية للأخدود الغربي. (2)
زنوج الجنوب أو الكافير
Kafride : وهؤلاء يعيشون في معظم أفريقيا الجنوبية والشرقية، ابتداء من جنوب بحيرة فكتوريا وساحل كينيا والصومال الكيني حتى ساحل ناتال، ومن جنوب الكنغو ووسط أنجولا حتى حدود صحراء كلهاري، كما أن القاعدة الأساسية لسكان مدغشقر تنتمي إلى هؤلاء الزنوج، ويكاد ينطبق اسم البانتو الشرقيين والجنوبيين - حسب تصنيف سليجمان - على هؤلاء الزنوج. (3)
زنوج السودان
Sudanide : وهؤلاء يمتدون في إقليم السودان الطبيعي من السنغال حتى الجزيرة في جمهورية السودان ، كما يتوغلون جنوبا في الكمرون وجمهورية أفريقيا الوسطى وشمال غرب الكنغو عند نهر الأوبنجي، وتتسع أوطان زنوج السودان في غرب أفريقيا، بحيث تكاد تشملها جميعا ما عدا الساحل وهضبة جوس وثنية النيجر، أما في السودان الأوسط والشرقي، فإن أوطانهم تضيق نتيجة ظهور أوطان مجموعة النيليين، وبهذا يكاد ينطبق تصنيف سليجمان للزنوج الحقيقيين على زنوج السودان، إذا أضفنا إليهم الزنوج القدماء على ساحل غرب أفريقيا. (4)
زنوج النيل
Nilotide : ويحتلون معظم السودان الجنوبي ويمتدون غربا إلى السودان الأوسط، فيشملون سكان جمهورية تشاد في قسمها الجنوبي، كما يمتدون شرقا إلى أقدام الهضبة الحبشية، وجنوبا إلى شمال أوغندا وشرقها، وكل الساحل الشرقي لبحيرة فكتوريا.
هذه الأقسام الرئيسية للسلالة الزنجية الأفريقية تحتل قلب وغرب وجنوب القارة، ولا تترك سوى الركن الجنوبي الغربي للخويزان، بينما تنحسر تماما عن الشمال والشمال الشرقي الذي تحتله المجموعات السلالية القوقازية.
ونظرا لهذا الموقع فإن الزنوج القدماء هم أنقى الزنوج نسبيا، بينما تعرض زنوج السودان والنيل للاختلاط بالقوقازيين بدرجة كبيرة، وزنوج الجنوب «الكافير» لبعض الاختلاط بالقوقازيين في الشمال الشرقي لأوطانهم، وبالخويزان في شرق أفريقيا وجنوبها الغربي، ويتميز الزنوج القدماء بأنهم يسكنون فعلا في نطاق الغابات الاستوائية؛ مما قد يدعونا إلى تسميتهم زنوج الغابات تمييزا لهم عن زنوج السودان الذين يمكن تسميتهم زنوج السفانا. ويتميز «الزنوج القدماء» بأن الرأس قصير والجسد كبير بالنسبة لطول الأرجل، الأنف مفلطح بشدة، والشفاه غليظة نسبيا، والحقيقة أن تسميتهم بالزنوج القدماء يثير مشكلة قدمهم على غيرهم من الزنوج، بينما بعضهم - فيما يبدو من دراسات حتى الآن - كان نتيجة اختلاط زنوج السودان وأقزام الغابات. وتدل الدراسات الاتنولوجية على أن هؤلاء الزنوج أنفسهم يؤكدون أنهم حديثو العهد بسكن الغابة، وإنهم أحدث من الأقزام بكثير في هذه المواطن، وعلى هذا فالأوفق استخدام مصطلح زنوج الغابات؛ لأنه لا يعطي دلالة زمنية لقدم أو حداثة هؤلاء الزنوج.
أما «زنوج السودان»:
فهم في الحقيقة أكثر تمثيلا لصفات الزنجي كما نعرفها؛ فالشفاه الغليظة واضحة وضوحا لا مزيد عليه، وعظمة الذقن صغيرة، والأنف عريض جدا سواء في الجذر أو الأرنبة، والشعر صوفي كثيف، والجبهة ضيقة وبارزة، والجمجمة ضيقة جدا وطويلة، والفك الأعلى بارز والقامة متوسطة (166سم) والتكوين العضلي للرقبة والصدر والساق تكوين قوي جدا، ولون البشرة أسود داكن مما يعطيه مع شعره الكثيف الصوفي مناعة ضد الحرارة والأشعة فوق البنفسجية. وتتفق ظروف التكوين الجسدي لهؤلاء الزنوج مع ما ذكره الأستاذ أتو ريخي
4
في مقاله المعنون: «أصل ونشأة السلالات الزنجية»، والذي تناول فيه بالشرح الصفات الوظيفية لعدد من أشكال التكوين البيولوجي للزنوج، ومن أهمها غدد العرق، وانتهى إلى أنهم نشئوا أصلا في منطقة شديدة الحرارة موسمية المطر، وليس منطقة رطوبة دائمة كنطاق الغابات الاستوائية؛ ولذلك فالراجح لدينا أن زنوج السودان هم في الحقيقة الزنوج الخلص، ولكنهم ليسوا الآن سلالة نقية؛ لأن موقع أوطانهم قد جعلهم عرضة للهجرات القوقازية الكثيرة التي ساعدت على إحداث تفريعات عديدة في السلالة.
و«زنوج النيل»:
عبارة عن سلالة شديدة التخصص من السلالات الزنجية، فالقامة طويلة جدا، بل هم في الحقيقة عمالقة العالم، فالمتوسطات تتراوح بين 180سم و190سم، وكثير من الأفراد يصلون إلى قرابة المترين طولا، وهذا الطول راجع إلى زيادة كبيرة في طول الأطراف، والأنف أضيق قليلا من أنف زنوج السودان، وكذلك الشفاه أرق، وبروز الفك الأعلى أقل وضوحا، وعظام الكتف عالية وذات زوايا واضحة على عكس استدارة الكتف عند السودانيين، والجسد نحيف وضيق، والسيقان طويلة ونحيفة. ويمثل زنوج النيل في السودان الجنوبي (الشلك والدنكا والنوير) هذه السلالة خير تمثيل، ولكنهم يختلفون بعض الشيء في الغرب في منطقة شاري، والجنوب في منطقة أوغندا الشمالية والشرقية. وقد قيل إن هذا التكوين الجسدي عبارة عن تأقلم لظروف البيئة المستنقعية، ولكن هذا القول - رغم منطقيته - يحتاج إلى دليل علمي.
أما «زنوج الجنوب»: (أو زنوج البانتو أو الكافير) فهم عبارة عن زنوج ظهر فيهم تأثير واضح بالقوقازيين الإثيوبيين «الحاميين» في الشمال الشرقي (هضبة البحيرات والأخدود الشرقي حتى أواسط تنجانيقا) وبالعرب «الساميين» على الساحل الشرقي حتى سفاله (قرب ميناء بيرا في موزمبيق) ونضيف إلى ذلك التأثر الزنجي بالاختلاط بسكان المنطقة الأصليين من الخويزان، وهذا يجعلنا نقول إن هؤلاء ليسوا زنوجا بقدر ما هم زنجانيين - أي متصفين بالصفات الزنجية. أما اصطلاح «الكافير» الذي يطلقه عليهم إيكشتد فهو اصطلاح سيئ الحظ؛ لأنه يستخدم لفظا هولنديا قصد به تحقير البانتو الذين حاربوهم حتى لا يسلبوا أراضيهم.
وعلى عكس الأقزام والخويزان فإن سلالات الزنوج في مجموعها تعيش في صورة قبائل كبيرة العدد، تنقسم إلى أقسام عديدة، ولها نظم حكم متطورة تتمثل في الزعامة السياسية أو الزعامة السياسية والدينية معا (النظام الملكي المقدس)، ولها نظم قانونية متطورة وأديان شديدة التعقد ما لم تكن قد تأثرت بالإسلام - وهذا كثير الحدوث في السفانا وشرق أفريقيا - وقد كونت عدة قبائل زنجية ممالك كبيرة، ربما نتيجة الاختلاط بالمؤثرات والمجموعات القوقازية، ومن أمثلة تلك الممالك الضخمة التاريخية مملكة غانا أو مملكة مالي (إسلامية)، ومملكة سنغاي (إسلامية) في السودان الغربي، ومملكة الفنج وسلطنة دافور (إسلاميتان) في السودان النيلي، ومملكة الباجندا (مؤثرات قوقازية) في أوغندا، ومملكة الباكوبا (حوض كساي)، ومملكة الباكونجو (مصب الكنغو وشمال أنجولا)، ومملكة اللوندا (كاتنجا). ونضيف إلى ذلك كثيرا من الممالك والقبائل الصغيرة ذات النظام الملكي (الشلك في جنوب السودان، الزاندي في جنوب السودان، الهوسا واليوربا في نيجيريا، الأشانتي في غانا، الواتوتسي في بوروندي ... إلخ). (1-3) السلالات القوقازية
تحتل هذه السلالات كل أفريقيا الشمالية بما فيها الصحراء الكبرى، كما تحتل الهضبة الحبشية والقرن الأفريقي، وتتوغل في شرق أفريقيا في الأخدود حتى أواسطه، وتنقسم حسب سليجمان إلى مجموعتي الحاميين (الشرقيين والشماليين) والساميين، ويكاد يتفق هذا التقسيم مع تقسيمات إيكشتد، فهو يسمي الحاميين الشرقيين السلالة الإثيوبية، والحاميين الشماليين السلالة البربرية، والساميين السلالة الشرقية، ويعود فيضيف إلى ذلك ما يسميه بسلالة البحر المتوسط أو السلالة الوسيطة.
إذن فوجه الاختلاف ليس كبيرا؛ لأننا نعتبر الحاميين والساميين سلالات فرعية من سلالة البحر المتوسط، وربما أراد إيكشتد بتخصيصه مجموعة من السلالة الوسطى أن يشير إلى مقدار النقاء في السلالة البربرية على وجه الخصوص، ويتضح ذلك إذا رأينا أنه يوضح مكان هذه السلالة في شمال غرب أفريقيا بالمناطق التي تظهر فيها الصفات البربرية واللغة البربرية، وبعض مناطق ظهور الشقرة في البربر.
والبربر: سلالة متوسطة القامة، ذات لون أبيض مشوب بسمرة خفيفة، وشعر غزير مموج بني داكن، والرأس متوسط إلى طويل، والوجه بيضاوي منتظم القسمات، والأنف طويل ضيق، والشفاه ممتلئة، وعظمة الذقن بارزة واضحة رغم صغرها، ولون العيون داكن، وفي بعض البربر تظهر الشقرة المتمثلة في شقرة الشعر وزرقة العيون وابيضاض البشرة.
أما الإثيوبيون أو الحاميون الشرقيون فيحتلون ساحل البحر الأحمر من القصير حتى سواحل المحيط الهندي في الصومال، ويحدهم النيل والحافة الغربية لهضبة الحبشة في الغرب، وهذه السلالة هي المعبر الذي تنتقل إليه السلالات إلى الزنجانية من القوقازية، فهؤلاء الحاميون قوقازيون في كثير من مظاهرهم؛ الرأس الطويل، والوجه البيضاوي، والأنف الضيق، والذقن الواضح، ولكن الشعر صوفي، ولون البشرة أسمر داكن.
ومن أهم ممثلي البربر قبائل البربر المختلفة في جبال الأطلس، وقبيلة الطوارق في هضبة الحجار، أما أهم ممثلي الإثيوبيين فهم مجموعة البجة في صحراء البحر الأحمر، والدناكل والصوماليون في القرن الأفريقي، والجالا في الهضبة الحبشية، والمازاي في الأخدود الشرقي، والتبو في الصحراء الكبرى، والفولاني أو اللبفة في غرب أفريقيا.
وأخيرا فإن السلالة الشرقية أو الساميين تمثل آخر هجرة قوقازية إلى أفريقيا - باستثناء هجرة المستوطنين الأوروبيين في جنوب أفريقيا وشرقها - وقد انتشروا مع الإسلام، وإن كانت هناك هجرات سامية قديمة في الحبشة يتكون من معظمها مسيحيو إثيوبيا. وقد امتزج الساميون بالحاميين الشرقيين والشماليين امتزاجا كبيرا، وأعطوهم اللغة العربية والإسلام، وإن كانت هناك مجموعات عربية قد استقرت في أوطان صحراوية خاصة بها، ومجموعات أخرى اختلطت بزنوج السودان وكونت مجموعات البقارة في وسط السودان النيلي إلى بحيرة تشاد. (2) اللغات الأفريقية
سكان أفريقيا، رغم عددهم القليل (حوالي 290 مليونا) منقسمون من حيث اللغة إلى أقسام كثيرة جدا؛ فإن تقدير الخبراء يتراوح بين 800 وألف لغة أفريقية، ولكن هذه اللغات العديدة جدا تتفاوت فيما بينها في عدد المتكلمين بها تفاوتا ضخما؛ ففي جمهورية الكنغو يعيش قرابة خمسة عشر مليونا من الناس ، هذا العدد الصغير يتكلم - حسب رأي الأستاذ اللغوي جاستون فان بولك
G. Van Bulck - 518 لغة من لغات البانتو! هذا فضلا عن مجموعات اللغات السودانية في شمال الكنغو! وماذا عن لغات الأقزام؟
ولكن ليست كل أفريقيا مقسمة لغويا إلى هذا العدد من اللغات المجهرية الحجم، فإن كثرة اللغات في الكنغو راجع في الحقيقة إلى عزلة القبائل المختلفة في إقليم الغابات تكون لغات من لهجات لغة واحدة.
هناك لغات يتكلم بها عدد كبير من السكان، مثلا لغة الهوسا التي يتكلم بها قرابة ثمانية ملايين شخص في شمال نيجيريا، ولغة اليوربا يتكلم بها قرابة 4,5 ملايين شخص، وأكبر اللغات المنتشرة في أفريقيا انتشارا مكانيا هائلا، ويتكلم بها عدد هائل من سكان القارة، هي بلا شك اللغة العربية التي يتكلم بها كل سكان أفريقيا الشمالية وأفريقيا الصحراء، وهي تنتشر في نطاق السفانا السوداني انتشارا كبيرا، ويتكلم بها قرابة 85 مليونا،
5
أي إن لغة واحدة يتكلم بها قرابة ثلث سكان القارة، والثلثين الباقيين موزعين على مئات اللغات الأخرى.
ولكن هناك لغات أفريقية تصبح مألوفة لدى مجموعات لغوية أخرى كلغة تخاطب أو ما يسمى
Lingua Franca ، ومن أمثلة ذلك لغة السواحلي التي تتكون أساسا من لغة بانتو شرق أفريقيا أضيفت إليها اللغة العربية، وامتزجت بها امتزاجا شديدا وأصبحت لغة التخاطب في كل شرق أفريقيا وشرق الكنغو وموزمبيق. كذلك هناك لغة الهوسا في شمال نيجيريا التي أصبحت لغة التخاطب في كل القسم الشرقي من غرب أفريقيا: من ساحل العاج حتى الكمرون وجابون. وهناك لغة الماندي بلهجاتها الثلاثة «المالينكة - البامبارا - الجولا» التي يتخاطب بها الناس في القسم الغربي من غرب أفريقيا، من ساحل العاج حتى السنغال وتمبكتو. ولا شك أن هذه اللغات الثلاثة: السواحلي والهوسا والماندي قد استمدت انتشارها من انتشار الإسلام والتجارة في داخلية أفريقيا، أما العربية فيرجع انتشارها إلى هجرة القبائل العربية واستقرارها في معظم مناطق أفريقيا الشمالية والصحراوية، وانتقال السكان السابقين في هذه المناطق إلى الإسلام وإلى العربية حضارة وثقافة.
ويتفق علماء اللغات فيما بينهم على أن الأقسام الرئيسية للغات الأفريقية هي : (1)
مجموعة اللغات الأفروآسيوية: وتشتمل على اللغات الحامية (الكوشية)، وتشمل لغات الصوماليين والجالا والبجة، ثم اللغة المصرية القديمة، ثم لغات البربر في شمال أفريقيا ومجموعة تشاد والهوسا اللغوية. كذلك تشتمل على اللغات السامية التي دخلت أفريقيا قبل وبعد الإسلام، وأهم ممثل للغات السامية قبل الإسلام اللغة الأمهرية التي يتكلم بها مسيحيو الحبشة، أما اللغة العربية فهي اللغة السامية التي انتشرت بعد ظهور الإسلام في أفريقيا، وتشتمل هذه المجموعة على لغة مالاجاسي في مدغشقر، وهي لغة ماليزية. (2)
مجموعة لغات الخويزان أو لغة الحركات الصوتية، وتشتمل على لغات ولهجات البشمن والهوتنتوت. (3)
مجموعة اللغات الأنجية: تنقسم إلى اللغات السودانية ولغات البانتو، وفيما يختص بهذه اللغات فإن الاتفاق غير تام بين الأخصائيين، وإن كان التقسيم المتعارف عليه هو تقسيمها إلى مجموعات السودانية والبانتولية. ولغات البانتو ليست مشكلة في حد ذاتها، بل إن اللغويين قد وضعوا لها حدودا شمالية بين رأس خليج بيافرا وساحل كينيا، ولكن هناك بعض التضارب في مدى انتماء مجموعات لغوية غير مصنفة في وسط نيجيريا ومناطق أخرى في غرب أفريقيا إلى اللغات السودانية أو البانتولية، مما حدا إلى إفراد تصنيف خاص بها فسميت هذه اللغات بمقتضاه اللغات الشبيهة بالبانتولية. وفي التقسيم المتعارف عليه تقسم اللغات السودانية تقسيمات عديدة من أشهرها لغات غانة التي تشمل المجموعات اللغوية الممتدة على ساحل خليج غانة من نيجيريا حتى داهومي، وتسمى أحيانا مجموعة «كوا
Kwa » اللغوية، ثم هناك في غرب أفريقيا مجموعة لغات «الماندي»، أما في نطاق السفانا فهناك مجموعة لغات السودان الغربي.
ومجموعة السودان الأوسط والصحراء الوسطى التي تشمل مجموعات عديدة بين تشاد وبحر الغزال، كما تشمل لغة التبو، وأخيرا هناك اللغات السودانية الشرقية أو النيلية التي تنتشر في جنوب السودان حتى بحيرة فكتوريا.
ولكن أحد العلماء المشهورين، وهو الأستاذ جرينبرج
6
الذي أوردنا تصنيفه في الخريطة رقم (38)، يدمج مجموعة اللغات البانتوية ومجموعة لغات ساحل غانا وغرب أفريقيا بصفة عامة في مجموعة لغوية واحدة، يسميها مجموعة «النيجر والكنغو»، متخلصا بذلك من تصنيف البانتو وشبه البانتو وكوا ولغات السودان الغربي والماندي، وبذلك يضع جرينبرج عائلة لغوية لمعظم زنوج أفريقيا، باستثناء النيليين وحوض تشاد، ولكن هذه العائلة اللغوية لا تنفي وجود المجموعات اللغوية السابق ذكرها، وعلى هذا فإن محاولة جرينبرج الجريئة تذكرنا بمحاولات غيره من اللغويين الذين أمكنهم إنشاء عائلة لغوية قوقازية كبيرة أسموها «الهندوأوروبية»، لتشمل مجموعات لغوية متباينة ومختلفة ومنتشرة جغرافيا على مساحة هائلة من الهند إلى أوروبا.
أما النطاق السوداني اللغوي فإن جرينبرج لم يجد مناصا من تركه على حاله، مقسما بين السوداني الشرقي (النيلي)، والسوداني الأوسط (بحر الغزال - حوض شاري)، والصحراوي الأوسط (التبو والنوبيون)، ومجموعات لغوية أخرى غير مصنفة منتشرة في داخل هذا النطاق، ولكن في مناطق العزلة فيه (الباريا والكوناما في جنوب غرب إريتريا، لغات دار فنج في أعالي النيل الأزرق، لغات النوبا في جنوب كردفان، لغات الداجو في جنوب دارفور ودار صليح ... إلخ.) والسبب في توزع اللغات السودانية فرقا ولغات صغيرة الانتشار راجع إلى أحد السببين التاليين أو إليهما معا: (1)
إن هذا النطاق السوداني كان عرضة للغزو والهجرات من الشمال منذ أقدم العصور، وبالتالي حدث فيه هذا الخليط من اللغات، وخاصة في مناطق الالتجاء والعزلة التي تحتمي فيها الأقوام المستضعفة وتترك بذلك المناطق السهلية أو مناطق الثروة للغزاة الأقوياء ، وبذلك فإنه لو كانت هناك لغات مشتركة سابقة، فإنها ستتطور داخل تلك المعازل إلى لغات خاصة. وعلى الباحثين إثبات وجود قواعد لغوية عامة سابقة على التطور اللغوي في مناطق العزلة هذه.
خريطة رقم (38). (2)
إن الدراسات اللغوية في هذه المنطقة محدودة وغير كاملة، ولو أن هناك أبحاثا جديدة يقوم بها الألمان والنمساويون والأمريكيون، ولكنها لم تبلغ بعد حد النضج الذي يساعد على إلقاء النور على الأصول اللغوية، ومن ثم فإن هذا التقسيم اللغوي المتعدد راجع إلى قصور البحث العلمي عن الشمول حتى الآن.
مراجع لمزيد من الاطلاع
محمد عوض محمد: السلالات والشعوب الأفريقية، القاهرة 1966.
Eickstedt, E. Frhr. von, 43 “Voelkerbilogische Probleme der Sahara” in “Koloniale Voelkerkunde”, Berlin.
Eickstedt, E. Frhr, von, 1947, “Die Traeger der afrikanischen Kulturen” in Bernatzik, “Afrika, Handbuch der angewandten Voelkerkunde”, Innsbruck.
Greenberg, J. H., 1963 “The Languages of Africa” The Hague.
Murdock, G. P., 1959 “Africa: Its Peoples and their Culture History” New York.
Roche, O., 1943 “Herkunft und Entstehung der Negerrassen” “Koloniale Voelkerkunde” Berlin.
Schapera, 1., 1930 “The Khoisan Peoples of South Africa” London.
Seligman, C. G., 1939 “Races of Africa” London.
Weninger, M., 1956 “Zwergwuchs und Zwergvoelker” n Die Umschau Stuttgart.
Westermann, D., & H. Baumann & R. Thurnwald, 1940 “Voelkerkunde von Africa” Essen.
الفصل التاسع
السكان والأمراض
(1) شكوك حول مصادر الإحصاء الأفريقية
إن المتتبع لتقديرات المكتب الديموجرافي التابع للأمم المتحدة لسكان أفريقيا في سنوات مختلفة، يجد أن عدد السكان يتزايد بنسب كبيرة، ففي تقديرات 1950 كان سكان القارة 222 مليونا، وفي تقديرات 1964 ارتفع العدد إلى قرابة 295 مليونا، وفي تقديرات 1971 بلغ عدد السكان نحو من 358 مليونا من الأشخاص (انظر جداول
9-4 ،
9-1 ).
ولا شك أن هذه التقديرات خاضعة لنسب من الخطأ قد تبلغ درجة كبيرة في بعض الحالات، ومن الأدلة التي تؤكد ارتفاع نسبة الخطأ أن عهد أفريقيا بالإحصاءات حديث، وأن تكنيك الإحصاء على مستوى أقل مما يطمأن إليه، هذا بالإضافة إلى أن الكثير من الإحصاءات ليست سوى نتاج دراسات بالعينة - أي لا تشمل كافة السكان. وفضلا عن ذلك فإن هناك احتمالات التحيز التي تظهر من خلال الولاء القبلي أو السياسي أو الديني، والتي قد تتدخل في عملية جمع البيانات من ناحية، أو في عملية نشر البيانات الإحصائية من ناحية أخرى.
وبناء على ذلك فإنه يمكننا أن ننظر بعين الشك إلى أرقام دولة كجنوب أفريقيا؛ حيث تسود العنصرية القحة وتتحكم في البيانات المنشورة، فضلا عن تحكمها في كل شيء آخر بالنسبة للسواد الأعظم من السكان الزنوج والزنجانيين، وكذلك يمكننا أن ننظر بارتياب إلى عدد سكان إثيوبيا، إما بالنقص أو بالزيادة؛ لأنه لم تجر في هذه الدولة إحصاءات على الأخلاق، والأرقام المذكورة ما هي إلا تقديرات لا يؤيدها دليل، وتمثل أرقام نيجيريا أيضا مثارا كبيرا للجدل؛ فقد قفزت تقديراتها من 35 مليونا عام 1961 إلى 55 مليونا عام 1963 - وهو أول إحصاء تقوم به نيجيريا المستقلة - وارتفعت التقديرات إلى 62,5 مليونا عام 1968 (أرقام الكتاب السنوي الديموجرافي 1969)، ثم هبطت التقديرات إلى 56,5 مليونا عام 1971 (أرقام الكتاب السنوي الديموجرافي 1971)، وربما كان تقدير سكان نيجيريا لعام 1971 أقرب إلى الصواب من التقديرات والإحصاءات السابقة، فلا الموارد الطبيعية ولا طرق وتكنيك الأنشطة الاقتصادية تسمح بكثافة سكانية عالية ولا ازدحام سكاني، بالقدر الذي تشير إليه أرقام الستينيات.
وإلى جانب ذلك فإن هناك قصورا آخر يعرض الكثير من أرقام السكان والإحصاءات الحيوية للشك؛ وذلك هو أن نسبة عالية من الأفريقيين عامة، وسكان المناطق المدارية خاصة، ليس عندهم وعي إحصائي، ومرد ذلك النقص يعود إلى عدة أسباب من أهمها: (1)
انخفاض نسبة التعليم وقلة الوعي الثقافي. (2)
الخوف الناجم من فرض ضرائب على الرءوس أو على مصادر الثروة والدخل - وخاصة الماشية - وهذا الخوف يعود إلى عهود الحكم الاستعمارية التي كانت تفرض ضرائب الرءوس، أو التي كانت تصادر الماشية في حالات الثورة أو الإخلال بالأمن الداخلي نتيجة النزاعات الدائمة بين القبائل. (3)
حركة التجوال المستمر للقبائل الرعوية الكثيرة في أفريقيا، تزيد من مصاعب القيام بالعمليات الإحصائية أو التقدير السكاني. (4)
هجرات العمل من الريف إلى المدن ومراكز التعدين المدارية تقيم عراقيل أخرى أمام الإحصاء السكاني؛ لأن الكثير من هذه الهجرات لا تسجل، فضلا عن كونها غير منتظمة، وتعتمد على مدى ما يعتقده الفرد المهاجر كافيا لاحتياجاته المباشرة من نقود - ومن ثم تجعله يترك العمل ويعود إلى قريته فجأة، أو العكس. (5)
هجرات العمل شبه الدائمة من مناطق الازدحام السكاني - مثل رواندا وبورندي وموزمبيق ... إلخ - أو هجرات العمل الموسمية في مناطق زراعة المحاصيل النقدية، كلها تؤدي إلى تضارب كبير في أرقام الدول المصدرة والمستوردة للأيدي العاملة. (6)
نقص واضح في أعداد النساء عند بعض المجتمعات المحافظة المتشددة في الفصل بين النساء والرجال في الحياة العامة، وكذلك نقص في أعداد الشبان عند المجتمعات التي تخشى الخدمة العسكرية الإجبارية.
وبالرغم من هذه النقائص فإن التقديرات المختلفة لأعداد السكان في أفريقيا تكون أساسا طيبا للدراسة لسببين:
أولا:
أنه لا يوجد لدينا سوى هذه التقديرات، ومن ثم لا مفر من الاعتماد عليها إلى أن تظهر تدريجيا تقديرات أو إحصاءات أفضل، وفضلا عن ذلك فإن هناك بعض الدول التي توجد لديها إحصاءات سكانية يمكن الركون إلى صحتها بنسبة عالية، مثال ذلك دول شمال القارة.
ثانيا:
أن الدراسة الاستقرائية لأعداد السكان وأنواع النشاطات الاقتصادية مقارنة بالموارد الطبيعية المتاحة وتكنيك الإنتاج، والخلفية التاريخية للأقاليم المختلفة، تنعكس كلها في صورة الخرائط العامة للكثافة السكانية، وتعطينا هذه الخرائط معامل ارتباط كبير مع الصفات والمقومات العامة لأقاليم أفريقيا الطبيعية، ويمكننا أن نتخذ من ظهور هذا الارتباط دليلا يشير إلى صحة وسلامة التقديرات السكانية بدرجة لا بأس بها.
جدول 9-1: تطور سكان أفريقيا منذ القرن السابع عشر. *
السنة
تقديرات كارسوندرز
السنة
تقديرات الأمم المتحدة
معامل الزيادة
Index
1650
100 مليون شخص
1930
164 مليون شخص
100
1750
95 مليون شخص
1940
191 مليون شخص
116
1800
90 مليون شخص
1950
222 مليون شخص
135
1850
95 مليون شخص
1960
273 مليون شخص
166
1900
120 مليون شخص
1970
344 مليون شخص
209 *
المصدر: تقديرات كارسوندرز وويلكوكس عن الكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة لعام 1953، وتقديرات الأمم المتحدة الأخرى عن الكتب السنوية المتعددة للهيئة نفسها، ومعامل الزيادة من حساب المؤلف. (2) تطور سكان أفريقيا
يلاحظ من هذا الجدول أن السكان قد تدهور عددهم الإجمالي في القرون 17، 18، 19، ولا شك أن ذلك راجع إلى تجارة الرقيق الأوروبية إلى الأمريكتين، وخاصة إلى الولايات المتحدة، التي بلغت ذروتها خلال القرن الثامن عشر، وبعد أن هدأت هذه الهجرة الجبرية خلال القرن التاسع عشر أخذت أفريقيا تعوض خسارتها تدريجيا، ومنذ بداية هذا القرن نلحظ نموا سريعا في أعداد السكان، مرده إلى ما سبق أن ذكرناه بالإضافة إلى: (1)
استقرار الأوضاع السياسية بتقسيم أفريقيا وفرض «السلام» الاستعماري، وهو الذي أدى إلى إيقاف حروب ومشاحنات القبائل في معظم الأماكن. (2)
تنمية اقتصادية حديثة في مناطق محدودة من القارة كلها تدخل نطاق النشاطات الاقتصادية الأولية: زراعة محاصيل نقدية ونمو إنتاج الثروة المعدنية، وقد خلقت هذه الأشكال الاقتصادية الحديثة نماذج جديدة من الحياة المستقرة في المدن، أو ما شابهها من معسكرات السكن عند أماكن التعدين. (3)
ساعدت حياة «الأمن» و«المدن» على نمو سكاني معقول، مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الأشكال الجديدة من السكن قد ساعدت على نمو الخدمات الصحية الحديثة، والوقاية من كثير من أمراض وأوبئة أفريقيا المتوطنة، وأخطرها مرض النوم والملاريا، ولا نغفل أيضا أن ظهور بعض أنواع المواصلات الحديثة قد ساعد على تغلغل النشاط الطبي في أماكن كثيرة من القارة.
وعلى هذا فإن عدة عوامل قد تفاعلت معا في خفض نسبة الوفيات وزيادة النمو الطبيعي للسكان، وليس أدل على ذلك من أن نسبة الوفيات قد انخفضت من 27 في الألف كمتوسط للقارة في أول الستينيات، إلى 21 في الألف عام 1971، في الوقت الذي احتفظت فيه المواليد بنسبة تتراوح بين 45 و50 في الألف للفترة ذاتها. (3) الموقف السكاني في أفريقيا والعالم
يعطينا جدول (
9-2 ) وشكل (38) نظرة عامة على توزيع السكان على قارات العالم وأقاليمه الكبري، ونصيب كل قارة من سكان العالم بالنسب المئوية ومعامل الزيادة السكانية
index
في السنوات الأربعين الماضية بحساب أن سنة 1930 هي سنة الأساس = (100)، وتتضح من الجدول عدة حقائق نجملها فيما يلي:
أولا:
فيما يختص بنصيب أفريقيا من سكان العالم نلاحظ زيادة مستمرة في هذا النصيب من قرابة 8٪ عام 1930 إلى نحو 10٪ عام 1970، وهي بهذا تشابه قارات العالم النامية: أمريكا الجنوبية وآسيا بالترتيب. ويعطينا شكل (38) تأكيدا لهذه الصورة، حيث نلحظ وجود أفريقيا وآسيا في مربع العالم القديم النامي، وأمريكا الجنوبية في مربع العالم الجديد النامي أيضا، وفي هذا المربع الأخير تتواجد قارتي أوشينيا (أستراليا وجزر الباسيفيك) وأمريكا الشمالية، لكنهما عامة تقعان على حافة المتوسط العالمي للزيادة السكانية، أي إن النمو السكاني فيهما خلال الستينيات كان يشير إلى استقرار نسبي واتجاه إلى نمط العالم القديم المتقدم (أوروبا والاتحاد السوفييتي)، حيث تهبط نسبة النمو السكاني كثيرا عن المتوسط العالمي.
جدول 9-2: أفريقيا بين سكان العالم. *
السنة
1930
1940
1950
1960
1970
العالم
عدد السكان بالملايين
2070
2295
2517
3005
3500
معامل الزيادة
100
111
121
145
169
أفريقيا
عدد السكان
164
191
222
273
344 ٪ من سكان العالم
7,9
8,3
8,8
9,1
9,8
معامل الزيادة
100
116
135
166
209
أمريكا الجنوبية
عدد السكان
74
89
111
145
200 ٪ من سكان العالم
3,6
3,8
4,4
4,8
5,7
معامل الزيادة
100
120
150
196
265
آسيا
عدد السكان
1120
1244
1381
1660
2000 ٪ من سكان العالم
54
54,2
54,8
55,2
57,1
معامل الزيادة
100
111
123
148
178
أوروبا
عدد السكان
355
380
392
425
470 ٪ من سكان العالم
17,1
16,5
15,5
14,1
13,4
معامل الزيادة
100
107
110
120
131
أمريكا الشمالية
عدد السكان
168
185
218
267
320 ٪ من سكان العالم
8,1
8
8,6
8,9
9,1
معامل الزيادة
100
110
130
159
185
أوشينيا
عدد السكان
10
11,1
12,7
15,8
20 ٪ من سكان العالم
0,48
0,48
0,50
0,53
0,57
معامل الزيادة
100
111
127
158
200
الاتحاد السوفييتي
عدد السكان
179
195
180
214
240 ٪ من سكان العالم
8,6
8,5
7,1
7,1
6,8
معامل الزيادة
100
109
100,5
119,5
135 *
ملاحظة: أعداد السكان عن الكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة 1971، النسبة المئوية ومعامل الزيادة من حساب المؤلف.
وفي (شكل 38) أيضا تتأكد العلاقة بين معاملين: النمو السكاني والسكن المدني الصغير - المشار إليه في الشكل بالمحلات السكنية التي يقل فيها عدد السكان عن عشرين ألفا من الأشخاص، وهي بذلك تضم في أساسها السكن الريفي في العالم عامة، وفي القارات النامية بوجه خاص - وتتخذ هذه العلاقة الصورة التالية: (مج = أمريكا الجنوبية، ف = أفريقيا، س = آسيا، أوش = أوشينيا، مش = أمريكا الشمالية، ر = الاتحاد السوفييتي، و = أوروبا.)
وبما أن أفريقيا تمثل أكبر نسبة من السكن الريفي والمدن الصغيرة، فهي في أعلى القائمة في مربع الزيادة المطلقة التي تترابط فيها مؤشرات الزيادة السكانية والسكن الريفي، وهي بذلك تختلف عن نمط أمريكا الجنوبية؛ حيث يشتد تأثير النمو السكاني بصورة أكثر فاعلية عن السكن الريفي، وربما أخذنا هذا مؤشرا على أن سكان أفريقيا سيستمرون في النمو السكاني بفعالية أكثر من أمريكا الجنوبية، إذا ظلت نسبة سكن المدن الكبيرة قليلة في أفريقيا في المستقبل.
شكل (38): علاقة الزيادة السكانية والسكن الريفي للعالم.
ثانيا:
يوضح معامل الزيادة السكانية 1930-1970 أن أفريقيا تأتي في المرتبة الثانية بعد أمريكا الجنوبية، ويؤكد هذا (شكل 39). ويمكننا أن نقول إحصائيا: إن أفريقيا على عتبة نمو سكاني كبير، فحسب توقعات ديموجرافيو الأمم المتحدة يتوقع أن يصل عدد سكان أفريقيا عام 1980 إلى 449 مليونا، وبذلك يكون معامل الزيادة 273 (بحساب سنة الأساس 1930 = 100)، بينما يكون معامل الزيادة للعالم 208.
ولا شك في أن عددا من العوامل التي كانت تؤدي إلى قلة الزيادة السكانية في أفريقيا خلال النصف الأول من هذا القرن، قد زالت أو كادت تزول، فإلى جانب انتهاء الأثر التخريبي الذي أحدثه الرق طوال القرنين السابع عشر والثامن عشر، فإن العوامل التي أعاقت النمو السكاني الأفريقي السريع كانت عديدة خلال أواخر القرن التاسع عشر ومعظم النصف الأول من هذا القرن. وأهم هذه العوامل هي: (1)
الحروب والنزاعات القبلية، وهذه قضى عليها الاستعمار الأوروبي طوال فترة تثبيت أقدامه التي امتدت إلى حوالي بداية الحرب العالمية الأولى. (2)
التوسع الاستعماري لمختلف الدول من شواطئ القارة إلى داخليتها، صحبه أنواع عديدة من القمع العنيف لكافة المجتمعات التي قاومت التوسع الاستعماري داخل أراضيها، وقد تراوح القمع بين حروب فعلية وحملات تأديبية واضطهاد ومصادرة لمصادر حياة المتمردين على السلطة الاستعمارية، ومن بين الحروب الاستعمارية الطويلة الحرب الإسبانية ضد إقليم الريف (شمال المغرب حاليا) والحرب الإيطالية ضد الليبيين، والحروب الإنجليزية ضد إمبراطورية الفولاني في شمال نيجيريا، وضد مملكة الأشانتي في وسط غانا، وحروب البوير ضد الزولو وغيرهم من قبائل البانتو في جنوب أفريقيا، وغيرها كثير في أنجولا (البرتغال)، وزائيري (الكنغو البلجيكي سابقا)، وتنجانيقا (ألمانيا)، وقد أدت هذه الحروب والحملات التأديبية إلى قتل وتشريد وتجويع ونقل عدد كبير من السكان، مما أدى إلى إعاقة النمو السكاني لفترة طويلة، وقد استمرت هذه العمليات حتى نهاية الربع الأول من هذا القرن.
شكل (39): نمط معامل الزيادة السكانية في الأربعين سنة الماضية. (3)
العمل الإجباري والسخرة التي أسس بهما الاستعمار الأوروبي قواعد استغلال الثروات الطبيعية الأفريقية في المناجم، وجمع المطاط الطبيعي، وأشكال أخرى من الثروة النباتية الطبيعية والزراعية وشق الطرق، وقد أدى تجنيد العمال لمثل هذه الأعمال إلى اختلال في التركيب الأسري السلفي، وظهور حياة العزوبة بين الرجال في معسكرات العمل المختلفة بصورة مؤقتة أو دائمة، وقد أدى ذلك إما إلى تأخير سن الزواج كثيرا، أو عدم الزواج والالتجاء إلى البغايا الذين ظهروا كعنصر مكمل لحياة المعسكرات أو المدن الغريبة عن التركيب الاجتماعي الأفريقي السلفي، ولا شك أن نتيجة هذا قلة واضحة في النمو السكاني. (4)
أدت حياة المدن والعمالة الأجيرة، وظهور فكرة النقود والاحتكاك الثقافي والحضاري المادي والسطحي مع الحضارة الأوروبية الصناعية، إلى ظهور عدد كبير من المشكلات والأمراض الاجتماعية، على رأسها الأمراض التناسلية، والإسراف في تعاطي الخمور، والأنفلونزا والسل، وتفكك الأسرة، وتداخل غير متناسق لأفكار وممارسات اجتماعية وجنسية أوروبية على خلفية من التقاليد والممارسات السلفية، ونتيجة هذا بطبيعة الحال قلة واضحة في المواليد. (5)
وإلى جانب الأمراض الأفريقية المتوطنة، فإن حياة المدن ومعسكرات التعدين والعمل الإجباري، قد أدخل عنصرا جديدا أدى إلى مزيد من التدهور الصحي نتيجة انخفاض أعمال الصحة العامة كالمجارير، وتكدس الناس في مساحات سكنية شديدة الضيق بالقياس إلى أنواع المساكن القديمة. (6)
قلة الأجور وتدني مستوى الغذاء وعدم تنوعه وقلة أنواع منه كاللحوم أو أنواع من الحبوب، قد ساعدت على تدهور الأوضاع الصحية العامة، وأدى إلى نسبة مرتفعة من الوفيات بين الأطفال والبالغين على حد سواء. ويقول بعض الخبراء إن هذا الضعف العام في بناء الجسم والأحوال الصحية السكنية العامة، وشيوع أمراض تناسلية لا تؤهل السكان إلى زيادة طبيعية عالية، بل وتؤدي إلى حالات كثيرة من الإجهاض في أشهر الحمل نتيجة ضعف الأمهات. كما يقول بعض الخبراء إن نقص فيتامين «ه
E » الذي يساعد على الخصوبة والموجود في الحبوب والأسماك، ربما كان من أسباب قلة مواليد الزنوج في أفريقيا المدارية.
1
وأيا كانت العوامل الباقية في أفريقيا، والتي ما زالت تعمل على الحد من الزيادة الطبيعية - وخاصة العوامل 4، 5، 6 المذكورة آنفا - فإنها لم تعد تؤثر بنفس القوة التي كانت لها قبل منتصف هذا القرن، فمنذ منتصف القرن عامة، ومنذ استقلال معظم الدول الأفريقية في أول الستينيات بصفة خاصة، أخذت الحكومات تعطي اهتمامات واضحة للخدمات الصحية والتعليمية، وتخطط مشروعات سكنية وعمرانية بدلا من النمو العمراني التلقائي الذي كان يرتبط في الماضي بمصالح الشركات الخاصة، كما ارتفع مستوى الأجور بصورة ملحوظة، وكل هذا علامات على طريق الخروج من مرحلة اقتصادية اجتماعية انتقالية إلى مرحلة أخرى أكثر ثباتا. ويتضح ذلك من المؤشرات التالية (جدول
9-3 )، ويظهر فيها زيادة واضحة في عدد التلاميذ المسجلين بالمدارس عن أمريكا الجنوبية وعن المتوسط العالمي، كما أن النمو السكاني الذي يرتفع إلى أعلى من المتوسط العالمي في حد ذاته دليل على نمو قطاع السكان كعنصر وكمؤشر ومؤثر في التركيب الاجتماعي الاقتصادي الأفريقي، أما بقية المؤشرات فهي أدنى من المتوسط العالمي لكل من أفريقيا وأمريكا الجنوبية - وهي الصفة الأساسية في مجموعة الدول النامية.
جدول 9-3: مؤشرات النمو في أفريقيا مقارنة بالعالم وأمريكا الجنوبية لعام 1970. *
أفريقيا
أمريكا الجنوبية
المتوسط العالمي
سنة الأساس = 100
1950
1960
1950
1960
1950
1960
النمو السكاني
155
125
170
130
145
120
السكان العاملين
140
120
160
130
130
115
التلاميذ المسجلين بالمدارس
351
154
272
151
200
137
جملة الإنتاج الزراعي
160
120
165
130
165
130
إنتاج الغذاء
160
120
170
135
170
130
الصادرات
305
185
195
140
385
210
الواردات
235
135
195
145
385
210
مجموعة المؤشرات بالنسبة للفرد
الإنتاج الزراعي
105
100
105
100
115
105
إنتاج الغذاء
105
100
105
100
120
110
الصادرات
195
145
115
105
270
170
الواردات
150
110
115
110
270
170 *
المصدر: الكتاب الإحصائي السنوي للأمم المتحدة 1969.
وخلاصة القول: إن النمو السكاني في أفريقيا - برغم العوائق العديدة التي وقفت في وجهه خلال الجزء الأكبر من القرون الثلاثة الماضية - قد بدأ يدخل مرحلة جديدة يمكن أن تؤدي إلى ضغط سكاني عال على الموارد المتاحة الحالية، ما لم تلتزم القارة بتخطيط وتكنولوجية جديدة في شتى أشكال الإنتاج، وما لم تنشئ شبكات طرق واتصال أرضية أكثر كفاءة وأكثر شمولا لنواحي القارة المختلفة. (4) نمط التوزيع السكاني في أقسام أفريقيا
تنقسم أفريقيا إلى عدة أقسام طبيعية وبشرية، بعضها شديد الوضوح وبعضها متداخل ويصعب تحديده، وسوف نأخذ إلى حد كبير بتقسيم الأمم المتحدة لأقسام أفريقيا الكبرى - ارتباطا منا بالأرقام السكانية المتاحة. (انظر الخرائط 40، 41، 42)، وهذه هي أقسام أفريقيا حسب تقسيم الأمم المتحدة (الشعبة الديموجرافية واللجنة الاقتصادية لأفريقيا): (1)
أفريقيا الشمالية: ومجموع سكانها 87,4 مليونا من الأشخاص، وتشتمل على مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والمغرب والصحراء الإسبانية. (2)
أفريقيا الغربية: ومجموع سكانها 103,6 ملايين من الأشخاص، وتشتمل على موريتانيا ومالي والنيجر ونيجيريا وداهومي وتوجو وفولتا العليا وغانا وساحل العاج وليبيريا وسيراليون وغينيا وغينيا بيساو وغمبيا والسنغال. (3)
أفريقيا الوسطى: ومجموع سكانها 40,9 مليونا من الأشخاص، وتشتمل على تشاد وأفريقيا الوسطى والكمرون وغينيا الاستوائية وجابون والكنغو وزائيري وأنجولا. (4)
أفريقيا الشرقية: ومجموع سكانها 99,5 مليونا من الأشخاص، وتشتمل على إثيوبيا والصومال الفرنسي والصومال وكينيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وبورندي وملاوي وزامبيا وروديسيا وموزمبيق ومدغشقر. (5)
أفريقيا الجنوبية: ومجموع سكانها 24,7 مليونا من الأشخاص، وتشتمل على جمهورية أفريقيا الجنوبية وليسوتو وسوازي وبوتسوانا وناميبيا.
وبناء على الأرقام الواردة في جدول
9-4 ، فإننا نجد أن النمو السكاني ومسبباته من مواليد ووفيات تختلف كثيرا في أقسام أفريقيا الكبرى على النحو التالي: (4-1) أفريقيا الشمالية
تتميز هذه المنطقة من القارة بأنها أكثر المناطق نموا، خاصة في الفترة الأخيرة، حيث يبلغ المتوسط العام للنمو السكاني للفترة 1963-1971 حوالي 3٪، وهو أعلى متوسط للنمو السكاني في أفريقيا، وقد سجل السودان أعلى نسبة نمو سكاني في مجموعة دول أفريقيا الشمالية، وهي النسبة الثانية في أفريقيا بعد روديسيا. وفي الوقت الذي ترتفع فيه نسبة النمو السكاني في السودان وليبيا والجزائر عن 3٪ سنويا، نجدها تقل عن ذلك في المغرب ومصر،
2
وتصل أدناها في تونس (2,1٪). انظر الخريطة رقم (41).
جدول 9-4: تقديرات سكان أفريقيا 1971 *
الدولة وتاريخ آخر إحصاء
المساحة ألف كم
2
تقدير عدد السكان بالمليون 1971
الكثافة شخص/كم
2
النمو السكاني ٪
السكن المدني ٪ من مجموع السكان
إثيوبيا (ت)
1222
25,25
21
1,8
10
أفريقيا الوسطى (60)
623
1,64
3
2,2
الجزائر (66)
2381
14,77
6
3,5
39
السنغال (61)
196
4,02
21
2,4
السودان (56)
2506
16,09
6
2,8
12,1
الصومال (ت)
637
2,86
4
2,3
الصومال الفرنسي (61)
22
0,10
4
2
الكمرون (65)
475
5,84 (1970)
12
2,2
20,3
الكنغو (61)
342
0,96
3
2,2
المغرب (60)
445
15,23
34
2,7
35,2
النيجر (60)
1267
4,13
3
2,7
أنجولا (60)
1247
5,43
4
2,5
أوغندا (59)
236
10,13
43
2,7
7,7
بوتسوانا (64)
570
0,67
1
2,8
6,8
بوروندي (65)
28
3,62
130
2
2,2
تشاد (64)
1284
3,80
3
2,3
6,9
تنزانيا (67)
940
13,63
14
2,6
5,5
توجو (60)
67
2,02
36
2,5
13
تونس (66)
164
5,14
31
2,3
40,1
جابون (61)
268
0,50
2
1,4
32
جنوب أفريقيا (60)
1221
22,09
18
3,1
47,9
داهومي (61)
113
2,76
25
2,5
رواندا (52)
26
3,83
145
2,9
3,5
روديسيا (زمبابوي) (62)
389
5,50
14
3,4
17,8
ريودورو (الصحراء الإسبانية) (60)
266
0,05
4,2 (؟)
زائيري (58)
2345
22,48
10
4,2 (؟)
15,7
زامبيا (63)
753
4,28
6
2,9
30,4
ساحل العاج (58)
322
4,42
14
2,4
سوازيلاند (66)
17
0,42
24
2,9
7,1
الدولة وسنه الإحصاء
المساحة ألف كم
2
تقدير عدد السكان بالمليون 1971
الكثافة شخص/كم
2
النمو السكاني ٪
السكن المدني ٪ من مجموع السكان
سيراليون (63)
72
2,60
36
1,6
غانا (60)
238
8,86
37
3
غمبيا (63)
10
0,37
33
2,1
8,8
غينيا (55)
246
4,01
16
2,2
غينيا الاستوائية (60)
28
0,29
10
1,4
غينيا بيساو (البرتغالية) (60)
36
0,56
16
0,9
فولتا العليا (61)
274
5,49
20
2,1
كينيا (62)
583
11,69
20
3,1
9,9
ليبيا (64)
1759
2,01
1
3,7
24,6
ليبيريا (62)
111
1,57
14
1,9
26,2
ليسوتو (66)
30
0,93
31
2,2
مالي (61)
1203
5,14
4
2,1
مالاوي (66)
119
4,55
38
3 (؟)
5
مصر (60)
1000
34,13
34
2,5
42,1
موريتانيا (65)
1085
1,20
1
2,2
6,7
موزمبيق (60)
783
7,36
10
1,4
ملاجاشي(66)
590
6,75
11
3 (؟)
14,1
ناهيبيا (ج. غ. أفريقيا) (60)
824
0,65
1
2
نيجيريا (63)
924
56,51
61
2,5
16,1
الجزر الأفريقية
الجزيرة وسنه الإحصاء
المساحة ألف كم
2
تقدير عدد السكان بالمليون 1971
الكثافة شخص/كم
2
النمو السكاني ٪
السكن المدني ٪ من مجموع السكان
روينيون (67)
2510
460
183
2,6
سانت هيلينا وأسنشن وترتستان داكونها (66)
300
6
30
31,7
ساوتومي وبرنسيب (60)
964
70
73
1,7
سيشل (60)
380
50
131
2
26,2
فرناندويو، أنوبون (60)
2034
80
39
2,1
كومورو (66)
2700
270
100
كيب فرد (60)
4000
260
65
2,6
موريشس (62)
1800
830
461
2
43,9
مجموع ومتوسط أفريقيا
30313000
358000000
12,7
2,4 *
المصدر: الكتاب الديموجرافي السنوي للأمم المتحدة 1971.
ت = تقدير بمعنى لا يوجد إحصاء حتى الآن، (60) = 1960 تاريخ الإحصاء.
ولعل سبب ارتفاع متوسط النمو السكاني في هذا القسم من أفريقيا راجع إلى أن هذا القسم هو أكثر مناطق أفريقيا تقدما - باستثناء السكان البيض في جنوب أفريقيا - وأخذا بأسباب العلاج والوقاية الصحية منذ فترة طويلة، هذا فضلا عن أن التنمية الاقتصادية عامة آخذة بأسباب التقدم تكنولوجيا ومساحيا، بحيث تغطي أجزاء لا بأس بها من مساحات الإقليم، ويضاف إلى هذا كله نمو الثروة البترولية والغاز الأرضي في كل من ليبيا والجزائر، والصناعة في مصر، والثروة التعدينية في تونس والمغرب، والتنمية الزراعية عامة في غالبية دول أفريقيا الشمالية، وعلى الأخص التوسع المساحي الكبير في السودان.
ومن الملاحظ أن عدد سكان أفريقيا الشمالية يكاد أن يتناسب في نسبته إلى مجموع سكان القارة مع نسبة مساحتها إلى مساحة القارة، فسكان هذا القسم يكونون ربع سكان أفريقيا، ومساحته تبلغ 28٪ من مساحة القارة، وبرغم هذا التناسب الواضح، إلا أن مساحات كبيرة جدا من هذا القسم نادرة السكان، ويرتبط ذلك بالتكوين الطبيعي لشمال القارة التي تحتوي على القدر الأكبر من الصحاري الأفريقية. وفي الحقيقة نجد أن سكان شمال القارة يتركزون في شريطين ضيقين هما: (أ)
الشريط الساحلي الشمالي المرتبط بساحل الأطلنطي والبحر المتوسط من المغرب إلى برقة في ليبيا، ويتسع هذا الشريط السكاني اتساعا نسبيا في دول شمال غرب أفريقيا وخاصة في المغرب، حيث تكثر السهول وترتفع جبال الأطلس، وتكون مصادر جيدة لمياه الأنهار والينابيع، ويضيق الشريط كثيرا في ليبيا ويقفر الساحل من السكان أو يكاد في منطقة خليج سرت. (ب)
الشريط السكاني النيلي الممتد من الدلتا جنوبا إلى إقليم الجزيرة بالسودان، وفي هذا الشريط المتناهي الضيق في معظمه يشتد تركز السكان بصورة لا يكاد أن يكون لها نظير في العالم، وقد حلت موارد النيل المائية محل الأمطار في دول المغرب العربي، كدعامة الحياة الأساسية في وادي النيل، لكن تنظيم استخدام هذا المورد المائي من جانب السكان على صور وأشكال مختلفة على مر التاريخ هو العامل الحاسم الذي أدى إلى تكثيف فعالية المياه، ومن ثم تكثيف السكان إلى هذا القدر الهائل.
3
خريطة رقم (41).
وإلى جانب هذين الشريطين، فإننا نجد السكان ينتشرون بعدالة لا بأس بها في مساحات السودان الجنوبي، ويتركزون بكثافات عالية في الواحات المتناثرة في الصحراء الكبرى.
وينتمي سكان أفريقيا الشمالية إلى المجموعة العربية باستثناء الزنجانيين في السودان الجنوبي، وعدد آخر من المجتمعات غير العربية يمثلهم بربر شمال أفريقيا، لكن الصفة الحضارية السائدة عند البربر هي العربية، كما يرتبط زنجانيو جنوب السودان بالحضارة العربية كمعبر ثقافي وحضاري عام. وفي خارج إطار أفريقيا الشمالية، كما رسمته الأمم المتحدة، نجد عددا آخر من سكان غرب أفريقيا مرتبط بالعروبة سلالة أو حضارة وثقافة، خاصة في تشاد ومالي وموريتانيا، وعلى هذا فإن أفريقيا العربية تمتد أكثر من أفريقيا الشمالية، وتشمل - بصفة عامة - كل الصحراء الكبرى وأجزاء واسعة من نطاق السفانا السودانية من السنغال إلى بحيرة تشاد وبحر العرب في السودان، فضلا عن مناطق أخرى محدودة في إثيوبيا والساحل الشرقي للقارة. ويمكننا أن نعتبر التقدير الإجمالي لسكان أفريقيا العربية هو حوالي 95 مليون شخص.
جدول 9-5: أقسام أفريقيا الرئيسية سكانا وكثافة ونموا. *
أقسام القارة
المساحة
أعداد السكان بالمليون
سكان 971٪ من مجموع القارة
الكثافة شخص/كم
2
موليد
وفيات
نمو السكان متوسط 963-971 في المائة
الف كم
2 ٪ من مساحة القارة
1950
1960
1971
متوسط 965-1971 في الألف
مجمل القارة
30320
100
217
257
356
100
11,7
47
21
2,6
إفريقيا الشمالية
8525
28,1
51
65
87
24,5
10,2
47
17
3,0
إفريقيا الغربية
6142
20,2
64
71
103
29
16,8
49
24
2,5
إفريقيا الوسطى
6613
21,8
25
29
41
11,5
6,2
45
24
2,1
إفريقيا الشرقية
6338
20,9
62
77
99
27,9
15,7
46
22
2,4
إفريقيا الجنوبية
2701
8,9
14
18
25
6,9
9,1
41
17
2,4 *
ملاحظة: لم تضف الجزر - ما عدا مدغشقر - إلى جملة سكان أفريقيا. (4-2) أفريقيا الغربية
تمثل هذه المنطقة أكبر تجمع سكاني في القارة بالقياس إلى مساحتها، فهي تحتوي على 29٪ من سكان أفريقيا في مساحة تساوي خمس مساحة القارة، وتتمثل في هذه المنطقة عدة مراكز للنشاط الاقتصادي الحديث منذ بضع عشرات السنين، ومن ثم نلحظ نمطا في توزيع الكثافة السكانية المرتفعة مرتبطا بتوزيع مناطق النشاط الاقتصادي الحديث، مثل إنتاج فول السوداني في شمال نيجيريا والسنغال، أو زراعات الكاكاو والبن في جنوب غانا وساحل العاج، وقد ارتفع النمو السكاني عامة تدريجيا في السنوات العشرين الماضية نتيجة انخفاض ملحوظ في نسبة الوفيات، وإن كانت هذه النسبة لا تزال مرتفعة، بالقياس إلى أفريقيا الشمالية، ومع ذلك فإن منطقة غرب أفريقيا تمثل ثاني مناطق أفريقيا من حيث النمو السكاني بعد القسم الشمالي من القارة، وهذا يفسر لنا كيف تزايد سكان أفريقيا الغربية عن أفريقيا الشرقية خلال الستينيات (راجع جدول
9-5 ).
وتركز سكان هذه المنطقة في نطاقين: أولهما النطاق الساحلي من السنغال إلى نيجيريا، مع زيادة كبيرة في الكثافة في مناطق نيجيريا وداهومي وتوجو وغانا الجنوبية، والمنطقة الجنوبية الشرقية من ساحل العاج، وهذه هي بعينها مناطق إنتاج الخامات النقدية الزراعية (زيت النخيل والكاكاو والبن) بالإضافة إلى نمو المصادر البترولية في جنوب نيجيريا، وهناك أيضا منطقة كثيفة السكان في غينيا وسيراليون، حيث أدت الظروف الطبيعية إلى كثرة السكان في هضاب فوتا جالون والساحل الموسمي الزراعي، بالإضافة إلى الموارد التعدينية الرئيسية (الحديد والبوكسايت في غينيا والماس في سيراليون) وفي سهول سنجامبيا توجد منطقة ثالثة للتكاثف السكاني مرتبطة بزراعة فول السوداني كمحصول نقدي حديث.
أما النطاق الثاني فيتمثل عامة في صورة شريط متقطع من مناطق الكثافة السكانية المرتفعة، يمتد من الشرق إلى الغرب، ابتداء من شمال نيجيريا إلى جنوب غرب مالي، ويشتمل هذا الشريط على منطقة الكثافة العالية حول كانو وإقليم الفول السوداني والقطن في شمال نيجيريا، بالإضافة إلى التركز السكاني القديم في منطقة هضبة جوس وباوتشي - التي تمثل منطقة التجاء للقبائل الوثنية وسط محيط الهوسا الإسلامي - وقد زاد عليها حديثا استغلال الثروة المعدنية في تلك الهضبة. وفي الفولتا العليا نجد منطقة كثافة سكانية عالية ذات جذور تاريخية، حيث يزاوج السكان بين نشاطين قديمين: الزراعة والرعي، ونظرا للضغط السكاني وفقر الموارد الزراعية والرعوية وتعرضها للجفاف في سنوات، فإن منطقة الفولتا العليا تمثل مركزا من مراكز الهجرة الداخلية الرئيسية في غرب أفريقيا - خاصة الهجرة الموسمية للعمل في موسم الكاكاو والبن في غانا وساحل العاج. وأخيرا نجد منطقة كثافة سكانية عالية في مالي حول مسار النيجر الأعلى وروافده، وخاصة حول باماكو - العاصمة - وعلى طول الخط الحديدي الممتد إلى السنغال، والطريق البري الممتد عبر الهضاب إلى غينيا.
خريطة رقم (42).
خريطة رقم (43).
وقد أسهمت الظروف الطبيعية عامة في إيجاد هذا النمط من التوزيع السكاني في أفريقيا الغربية، فالأقسام الشمالية من النيجر ومالي ومعظم موريتانيا كلها تقع ضمن النطاق الصحراوي الجاف قليل السكان، وإلى الجنوب منه تمتد السفانا السودانية القصيرة والمتوسطة في نطاق عرضي يمتد من بحيرة تشاد إلى مصب السنغال، وهذا النطاق هو مجال الحركة القديمة للقبائل المختلفة، خاصة القبائل الرعوية، كما أنه مجال طيب للإقامة الدائمة للمجتمعات الزراعية التي تعيش على محاصيل الحبوب وعلى رأسها الدخن، وهذا هو النطاق الذي استخدم بعض أجزائه لإنتاج المحاصيل النقدية في شمال نيجيريا وجنوب النيجر ومالي والسنغال؛ ومن ثم فإنه بصورة عامة نطاق متوسط الكثافة السكانية، توجد داخله مناطق كثافة أعلى، مثل شمال نيجيريا ومالي كما أسلفنا.
وإلى الجنوب من هذا النطاق تمتد السفانا العالية بأحراشها وإيكولوجيتها التي لم تساعد كثيرا على السكن الكثيف إلا في مناطق محدودة جدا، مثل نطاق السكن الدائم حول النيجر الأوسط في نيجيريا (صيد الأسماك والزراعة المتنقلة)، ولهذا فإن نطاق السفانا العالية يمثل منطقة كثافة سكانية منخفضة بصورة عامة، تمتد من حوض البنوي في نيجيريا إلى كل النطاقات الوسطى من نيجيريا وداهومي وتوجو وغانا وجنوب الفولتا وشمال ساحل العاج، وتنتهي في داخلية ليبيريا وسيراليون، وأخيرا يأتي نطاق الغابات الجنوبية الممتد بحذاء الساحل، وهو في مجموعه إقليم مرتفع الكثافة السكانية في الوقت الحاضر، كما كان كذلك في الماضي، خاصة في القسم الشرقي منه بين أواسط غانا (إقليم الأشانتي)، وجنوب توجو (إقليم الإيوي)، وجنوب داهومي (إقليم الداهومي)، وجنوب نيجيريا (أقاليم اليوريا والبنين والأيبو)، وهذه تاريخيا أقاليم الحضارة الزنجية العليا المعتمدة على حياة مستقرة قوامها زراعة الدرنيات المتعددة المحصول، وأشجار مثمرة أخرى منها نخيل الزيت ونخيل الرافيا، وقد أدت هذه الظروف التاريخية والظروف الاقتصادية الحالية إلى ارتفاع الكثافة كثيرا في مناطق من غرب أفريقيا، خاصة في نيجيريا، إلى درجة لا نظير لها في أفريقيا المدارية العامة، فالكثافة السكانية في مناطق زراعة الدرنيات المتنقلة في جنوب نيجيريا تصل إلى قرابة 90 شخصا للكيلومتر المربع، بينما تبلغ نحو 55 شخصا/كم
2
في مناطق زراعة الحبوب المتنقلة في شمال نيجيريا، وترتفع الكثافة العامة (زراعية ومدنية) إلى ما بين مائة ومائتي شخص/كم
2
في جنوب نيجيريا، وإلى ما بين 50 ومائة شخص/كم في منطقة كانو بشمال نيجيريا، وهذا يدل على تفاعل الخلفية التاريخية مع الظروف الحديثة في رفع تركز السكان في مناطق معينة من أفريقيا الغربية، كما يدل على غنى مساحات كبيرة من أفريقيا الغربية، وإمكانية التنمية الاقتصادية السريعة فيها نتيجة إمكان الحصول على الأيدي العاملة. (4-3) أفريقيا الوسطى
تمثل هذه المنطقة الشاسعة التي تزيد مساحتها قليلا عن أفريقيا الغربية، منطقة مغايرة تماما؛ فعدد السكان في أفريقيا الغربية يبلغ مرتين ونصف قدر عدد سكان أفريقيا الوسطى، والكثافة العامة قرابة ثلث الكثافة العامة في أفريقيا الغربية، ويرجع ذلك إلى عدة أسباب طبيعية وبشرية.
ومن الأسباب الطبيعية العامة أن وسط أفريقيا - حسب تحديد الأمم المتحدة الممتد من تشاد إلى أنجولا - يشتمل على ثلاثة أقاليم طبيعية رئيسية، اثنين منها معاديين للسكن البشري بدرجات متفاوتة؛ ففي القسم الشمالي من تشاد والحافات الجنوبية من أنجولا تمتد مناطق جافة صحراوية وعشبية فقيرة، ويمتد نطاق الغابات الاستوائية الكثيفة في صورة مستطيل كبير من رأس خليج بيافرا إلى بحيرات النيل الأخدودية، ومن قرابة مصب الكنغو إلى بحيرة تنجانيقا، وبذلك يشتمل هذا النطاق على القسم الشمالي من جمهورية زائيري، وعلى كل جابون وغينيا الاستوائية وغالبية سطح جمهوريتي الكنغو وأفريقيا الوسطى، والجزء الجنوبي من الكمرون. وفيما بين النطاق الجاف والاستوائي تمتد مناطق السفانا بأقسامها العديدة، أحسنها للسكن السفانا القصيرة في جنوب زائيري ومعظم غرب أنجولا، وجنوب تشاد وجنوب الكنغو وشمال الكمرون.
وقد ترتب على هذا التوزيع الإقليمي للأقسام الطبيعية ضعف شديد في نسبة الكثافة السكانية، فهناك مناطق داخل الغابة الاستوائية أو أقاليم السفانا العالية تكاد أن تكون مهجورة من السكان، ومناطق أخرى ترتفع فيها الكثافة إلى نحو 5-10 أشخاص للكيلومتر المربع، ومناطق عشبية غنية ترتفع فيها الكثافة إلى أكثر من عشرين شخصا/كم
2 ، مثل السفوح الغربية للأخدود الغربي المواجهة والمكملة لنطاق رعاة الهيما في هضبة البحيرات، وكذلك الحال في تلال ماندارا المعشبة في شمال الكمرون، والأجزاء الدنيا من حوض نهر شاري في تشاد، وهضبة بيهي في غرب أنجولا.
ولا شك أن الكثافة السكانية ترتفع بصورة ملحوظة في مناطق المدن الرئيسية، مثل كنشاسا وبرازافيل وياوندي وفورلامي ولواندا، كما أنها ترتفع أيضا في مناطق النشاط الاقتصادي الحديث، خاصة مناطق التعدين الرئيسية في كاتنجا حول مدن لوبمباشي (اليزابثفيل) وجادوتفيل وكولويزي، ومناطق الاستيطان الأوروبي في أنجولا الغربية والجنوبية الغربية.
وبرغم ذلك فإن المنطقة ككل هي أقل مناطق القارة في درجة النمو السكاني السنوي، وقد كانت الزيادة السنوية في أواخر الخمسينيات لا تزيد عن 1,5٪، ولكنها ارتفعت مؤخرا إلى حدود 2٪، وهناك تضارب كبير في الإحصاءات الحيوية في دول أفريقيا الوسطى.
ويدل على ذلك الاختلافات بين أرقام الزيادة السنوية في خريطة رقم (41) وجدول
9-4 . ومن الأمثلة الصارخة على هذا التضارب أن النمو السكاني في جمهورية زائيري بلغ 4,2٪ لسنة 1971، بينما كان 2,3٪ لسنة 1969، وليس من المتوقع أن ترتفع الزيادة السنوية فجأة مثل هذا الارتفاع المفاجئ، ومن ثم فإننا أميل إلى التحفظ والأخذ بأرقام 1969؛ لأنها منسجمة مع المتوسط العام لأفريقيا الوسطى عامة لسنوات 1963-1971 (انظر جدول
9-5 ). (4-4) أفريقيا الشرقية
يمتد هذا القسم من أفريقيا امتدادا كبيرا من درجات العرض شمال وجنوب خط الاستواء (15° شمالا إلى حوالي مدار الجدي جنوبا)، وتكاد أن تشتمل على كل أفريقيا العليا باستثناء جنوب القارة. وقد أدى هذا التنوع في الموقع الفلكي وعلاقات السكان واتجاهات الرياح الممطرة والتنوع التضاريسي السريع في معظم المناطق؛ إلى إيجاد بيئات وإيكولوجيات للحياة كثيرة الاختلاف، سريعة التتابع، وقد انعكس كل هذا على الصورة العامة لتوزيع السكان بين تركيز واضح في مناطق محابية وفقر، أو ندرة سكانية في المناطق المعادية للسكن.
وهناك أمثلة كثيرة على هذا التغاير والتتابع المستمر لمناطق تحبذ أو تعرقل التكاثف السكاني، ومن هذه الأمثلة ذلك التتابع السريع في الهضبة الحبشية بين سهول البحر الأحمر الضيقة المأهولة بالسكان في إريتريا، وتلك السهول الواسعة الداخلية المسماة سهول الآفار المقفرة من السكان، يلي ذلك الهضبة العالية خصبة التربة الوفيرة المطر الكثيفة السكان، ثم مناطق الغابات والأحراش الغربية المقفرة من السكان المطلة على سهول السودان.
والصورة نفسها تتكرر بوضوح أيضا في دول شرق أفريقيا الثلاث: كينيا وتنزانيا وأوغندا؛ فساحل كينيا الجنوبية ومعظم سواحل تنزانيا يمثل منطقة كثيفة السكان خاصة فيما بين ممبسة وتنجا، وتمتد وراءه هضبة قليلة السكان فيما عدا المنطقة الجبلية الممتدة من كتلة كليمانجارو وميرو في اتجاه ميناء تنجا التنزاني عبر كتلة جبال أوزامبورا، وكذلك منطقة جبل كينيا وحافات ماو وأبرديري، ثم تليها منطقة أخرى قليلة السكان حتى سواحل بحيرة فيكتوريا التي ترتفع نسبة الكثافة السكانية حولها، وخاصة في أوغندا، ارتفاعا كبيرا. وإلى الغرب من فيكتوريا تظهر منطقة سهول ومستنقعات فقيرة في السكان، تليها حول بحيرات الأخدود الغربي في أوغندا وزائيري ورواندا وبورندي مناطق ذات كثافة سكانية عالية، هي في الواقع من أكثف مناطق السكن الزراعي الرعوي الأولي في كل شرق القارة، وعلى هذا النحو نجد تركز السكان أو ندرتهم على طول محاور عريضة من الساحل في موزمبيق إلى ما حول بحيرة نياسا المكتظة بالسكان، إلى مناطق زامبيا المقفرة في الشرق والغرب والمزدحمة بالسكان في النطاق الأوسط عند حزام النحاس، وعلى طول مسار الخط الحديدي العابر إلى روديسيا. وفي مدغشقر نجد تكاثف سكاني واضح على الساحل الشرقي والهضبة، بينما يقل التكاثف في القسم الغربي من الجزيرة.
وقد ساهمت أشكال النشاط الاقتصادي السلفي والحديث في مضاعفة التركز السكاني، ورفع كثافة السكان في المناطق التي تحبوها البيئات الطبيعية بمقومات الحياة المستقرة. ومن أنماط المناطق المتكاثفة سكانيا نتيجة تضافر الظروف الطبيعية والنشاطات الاقتصادية، غالبية المناطق المرتفعة ذات التربات البركانية والأمطار الوفيرة والحرارة المعتدلة؛ فحول مخروط جبل كينيا أو كليمانجارو تكاثف السكان قديما نتيجة ممارسة الزراعة الأولية، بينما انتشر الرعاة من أنصاف الحاميين في كثافة سكانية منخفضة فوق الهضاب الداخلية أو الأخدود الشرقي في تنزانيا وكينيا. ومن الظاهرات التي تستحق التسجيل، أن مناطق الجبال والحافات البركانية غنية التربة في باطن الأخدود الغربي، وعلى حافاته فيما بين بحيرة تنجانيقا وبحيرة إدوارد، مرورا بمنطقة بحيرة كيفو وإقليم بوكافو في زائيري، وإقليمي رواندا وبوروندي؛ تعد أكثف مناطق السكن الريفي الأفريقي قاطبة - باستثناء وادي النيل في مصر، والسبب في هذا راجع إلى عدة عوامل عملت معا في اتجاه الزيادة السكانية واضطرادها في هذا الإقليم، فالمنطقة أولا مهيأة بحكم مجمل ظروفها لقيام نشاط زراعي يدعم مجتمعات قروية مستقرة، وفي الوقت ذاته فإن المناطق الأقل خصبا على منحدرات الأودية وسفوح الجبال العديدة في هذه المنطقة المعقدة تضاريسيا، شديدة التغاير إيكولوجيا في تتابع مستمر، قد ساعدت على وجود مراع طبيعية تقيم أود مجتمعات رعوية، وعلى هذا فإن التداخل المستمر بين الراعي والمزارع قد ساعد على تداخل آخر بين مجمع الرعاة والزراع، وهكذا تعايش الهيما الرعاة مع الهيرو الزراع، ولما كان الرعاة مجتمعا له تنظيماته العسكرية القوية، فقد تولى الرعاة الزعامة والسيادة، فيما يشبه طبقة أرستوقراطية إقطاعية، بينما خضع الهيرو الزراع لهذا الحكم. وفي ظل دول الرعاة قام استقرار نسبي ساعد على الرخاء وحسن استغلال ما تقدمه البيئة ، وتكثيف هذا الاستغلال مما ساعد على الزيادة السكانية، ومن ثم ارتفاع كثافة السكن والسكان.
وإذا كانت هذه هي الحالة الفريدة، فإن بقية شرق القارة يخضع لنظام التكاثف السكني الزراعي، أو قلة هذا التكاثف في مناطق الرعي شبه الجافة، ويتكرر هذا النمط كثيرا: الهضبة الحبشية كثيفة السكان بالمقارنة بسهول وهضاب الصومال والجالا الرعوية، وسط وجنوب أوغندا الزراعي بالمقارنة بالشمال الرعوي، سهول تنزانيا الشرقية وجبالها وهضابها الغربية الزراعية بالمقارنة بوسطها الرعوي القليل السكان، هضاب ووديان مالاوي حول بحيرة نياسا بالمقارنة بمناطق زامبيا الشرقية شبه الجافة، أو داخلية موزمبيق بالقياس إلى السهول الغنية الساحلية، أو هضاب روديسيا الشرقية بالمقارنة بمنحدراتها الغربية الجافة، وأخيرا شرق مدغشقر السهلي والهضبي الزراعي بالمقارنة بغربها الرعوي شبه الجاف.
وقد دخل عنصر الاستغلال الحديث الزراعي مناطق من مرتفعات شرق أفريقيا الصورة بعد الاستعمار الأوروبي واستيطان الجاليات الأوروبية، خاصة في مرتفعات كينيا على حافة الأخدود، وفي سفوح كليمانجارو وأوزمبورا في تنزانيا، وفي روديسيا الشرقية ومدغشقر الشرقية ومناطق مختلفة من موزمبيق البرتغالية، ويضاف إلى تكثيف إنتاج القرنفل، الذي بدأه العرب في زنجبار منذ قرون، إنتاج الكثير من المحاصيل النقدية في أوغندا وتنزانيا ورواندا ومدغشقر، والإنتاج المعدني المتعدد في مناطق محددة في أوغندا وتنزانيا وموزمبيق، وبصورة هائلة في حزام النحاس في زامبيا.
وأخيرا فإن نمو المدن وظهور كثير من أشكال الحياة المدنية، وأنواع من الإنتاج الحديث المعدني والزراعي على طول خطوط المواصلات الحديثة، وخاصة الطرق الحديدية؛ قد أدى إلى مضاعفة التكاثف السكاني في مناطق أخرى، وعلى هذا تتعقد وتتداخل مناطق الكثافة العالية والمنخفضة كثيرا في هذا القسم الشرقي من القارة، بحيث إنه يصعب علينا أن نجد نطاقات مستمرة متميزة بالكثافة العالية أو المنخفضة، كما سبق أن لاحظنا في شمال وغرب القارة، ومع ذلك فإنه يمكن القول إن أجزاء من مناطق حافات الأخدود الغربي والشرقي تكون أشرطة كثافة سكانية عالية، وإن القول ينطبق أيضا على الساحل الشرقي في كينيا وتنزانيا، ولولا نقص البيانات لأمكن التعرف على مناطق كثيفة السكان في الهضبة الحبشية.
وعلى وجه العموم فإن سكان أفريقيا الشرقية يمثلون ثاني أقسام أفريقيا من حيث الكثافة العامة للسكان، وتنافس غرب أفريقيا في نصيبها من سكان القارة، وهي بظروفها الإيكولوجية المتنوعة ومناخها الأكثر اعتدالا من غرب أفريقيا، يمكن أن تصبح منطقة سكنية جيدة متنوعة النشاط في أشكال النشاط الزراعي العام، بما في ذلك الثروة الغابية والحيوانية والسمكية. (4-5) أفريقيا الجنوبية
تنقسم أفريقيا الجنوبية إلى قسمين واضحين، بواسطة خط يبدأ في الشمال الشرقي عند التقاء حدود جمهورية جنوب أفريقيا وروديسيا وبوتسوانا، ويمتد جنوبا بغرب إلى مصب نهر أوليفانتس الشمالي (شمال كيبتاون بقليل) ويمثل القسم الذي يقع شرقي هذا الخط امتدادا لظروف أفريقيا الشرقية العامة، لكنه أكثر انتظاما من حيث تتابع أقاليم فيزيوجرافية واسعة وواضحة، فهناك السهل الساحلي الشرقي الذي يمتد دون انقطاع من موزمبيق إلى شرق إقليم الكاب عند إيست لندن، لكنه يتسع في الشمال ويضيق إلى أن يتلاشى في الجنوب.
وإلى الغرب من هذا السهل الخصيب الموسمي المناخ ترتفع الهضبة الأفريقية بسرعة في صورة حافات دراكنزبرج، وتستوي بعد ذلك لتكون هضابا واسعة غير معقدة في إقليم الأورنج وترنسفال، وهضبة معقدة في دولة ليسوتو وشرقي الأورنج، وتنحدر هذه الهضبات في مجموعها صوب الغرب مع تصريف حوض الأورنج، إلى إقليم الحشائش القصيرة تمهيدا للدخول في نطاق كلهاري الجاف.
وفي جنوب الهضبة الأفريقية تحتل السلاسل الالتوائية المتعددة والمتعاقبة مع الوديان الطولية، كل جنوب وشرق إقليم الكاب، وتترك هذه الجبال جيوبا ساحلية سهلة صغيرة عند مصبات الأنهار القصيرة التي تخترق محاور الجبال، وفي هذه الوديان والجيوب السهلية الساحلية نشأ تركز سكاني كبير، أوضح ما يكون في مناطق بورت إليزابث وموزل باي في الجنوب، وكيپتاون وما حولها وشمالها إلى خليج سانت هيلانة.
أما القسم الذي يقع غربي الخط الذي يقسم أفريقيا الجنوبية، فإنه يتكون في معظمه من حوض كلهاري والأورنج الغربي في الداخل، ومجموعة من الهضاب الأفريقية القديمة التي تشمل معظم ناميبيا، وأخيرا سهل ساحلي ضيق إلى متسع في أحيان كثيرة هو عبارة عن صحراء ناميب الساحلية، وهذا القسم كله يكون الإقليم الجاف وشبه الجاف في أفريقيا الجنوبية، وبذلك فهو إقليم فقير في السكان إلا مناطق التعدين، أو حول مصادر المياه الجوفية، أو هوامش الإقليم الشمالية حيث يوجد بعض التصريف النهري المرتبط بتصريف حوض الزمبيزي في أحيان.
وعلى هذا فإن مجموعة الظروف الطبيعية قد ساعدت على تقسيم أفريقيا الجنوبية إلى عدة أقسام سكانية واضحة، وقد أسهمت أشكال النشاطات الاقتصادية السلفية والحديثة في مضاعفة أثر الظروف الطبيعية، فنجم عن ذلك كثافة سكانية عالية في ناتال الساحلية وفوق الهضاب الشرقية في الأورنج وترنسفال، وفي الجيوب الساحلية والأودية الجبلية المطيرة في جنوب وشرق إقليم الكاب.
وأعلى الكثافات السكانية تتمثل في المناطق التالية: (1)
السهل الساحلي في ناتال: حيث تمارس الزراعة النقدية بتركيز شديد، وخاصة بواسطة المجتمع الهندي المهاجر، وتمتد الكثافة العالية إلى بقية السهل حتى إيست لندن في الجنوب، لكنها تقل في الشمال صوب حدود موزمبيق، وذلك لامتداد نطاق من المستنقعات. وترتفع الكثافة السكانية في إقليمين صغيرين يمكن أن نلحقهما بهذا النطاق الساحلي: الإقليم الأول هو الذي تحتله دولة سوازي التي يتجمع فيها عدد كبير من البانتو المزارعين والرعاة، يمارسون نشاطهم في سهول حارة ترتفع تدريجيا إلى هضبة الترنسفال. والإقليم الثاني هو المنطقة الجبلية والهضبة الممتدة غربي السهل الساحلي في ليسوتو وشرق الكاب، حيث يتركز عدد كبير من البانتو في معازل عديدة يمارسون الرعي والزراعة، ويهاجر شبابهم بأعداد متزايدة للعمل في مختلف أنواع النشاط المديني في موانئ شرق الكاب، وخاصة إيست لندن القريبة. (2)
منطقة الراند التعدينية والجزء المحيط بها من الهضاب في صورة نطاق يضم مجمع جوهانسبرج المديني، ويمتد شمالا إلى بريتوريا، وتساهم الحياة المدينية والثروة المعدنية والصناعية والنشاط الزراعي الكثيف في المنطقة على رفع كثافة السكان في المنطقة كثيرا. (3)
منطقة كيبتاون ومنطقة الجبال في سيروس-ورستر، حيث تشترك المدينة الكبيرة ومناطق زراعة محاصيل البحر المتوسط في رفع الكثافة السكانية في هذه المنطقة.
وعلى العموم فإن أفريقيا الجنوبية ما زالت تكون منطقة قليلة السكان، وذلك راجع إلى انخفاض المواليد نسبيا عن بقية القارة، وإن كان انخفاض الوفيات أيضا يؤدي إلى نسبة نمو معقولة، وهنا يجب ألا نغفل أثر حياة المعازل التي تفرض على البانتو، مما يؤدي إلى فقرهم اقتصاديا، وإلى انخفاض نسبة نموهم السكاني. (5) الهجرة الداخلية في أفريقيا
لا يسعنا إلا أن نختم موضوع السكان في أفريقيا بكلمة موجزة عن حركات الهجرة الداخلية في القارة، والحركات الداخلية ليست أمرا غريبا على القارة، بل إن تحركات القبائل الأفريقية الرعوية، وخاصة في نطاقات السفانا السودانية، وتلك التي تميز أجزاء كثيرة من شرق القارة وجنوبها، أمر يكاد يكون مسجلا في التاريخ غير المكتوب لهذه الشعوب، لكن هذه التحركات قد توقفت إلى أبعد الحدود منذ بداية القرن الحالي، نتيجة فرض الحدود في عهد الاستقلال.
وبرغم هذه الحدود فإن هناك تحركات صغيرة المدى للأفراد وبعض العشائر مسموح بها من قبل الحكومات في حدود مكانية وزمنية ضيقة، وقد اتخذت هذه الإجراءات كنوع من تصحيح الأخطاء التي نجمت عن خطوط الحدود التي رسمها الاستعمار رسما تعسفيا، وكان من شأنها اقتطاع أراضي الكثير من القبائل بين دول مختلفة، أو فصل بعض القبائل عن أراض تعد مجالها الحيوي.
خريطة رقم (44).
ومن الأمثلة على ذلك الحدود السياسية بين مصر والسودان التي لم تراع المجال الحيوي لقبائل البشارية والعبابدة، مما أدى إلى السماح بحركة البشارية شمالا في بعض الأراضي المصرية، وحركة العبابدة جنوبا في بعض الأراضي السودانية، وأدى في النهاية إلى ابتكار فكرة الحدود الإدارية المتعرجة بين الدولتين. ومثال آخر هو حدود غانا الشمالية التي لم تراع تحركات قبائل جنوب جمهورية الفولتا أو قبائل شمال غانا حسب المواسم المختلفة داخل أراضي كل من الدولتين، وكذلك حدود غانا وتوجو التي فصلت شعب الإيوي إلى قسمين. وفي الحقيقة نجد غالبية الحدود السياسية في أفريقيا قد قسمت شعوبا وقبائل لا حصر لها، مما يؤدي أو قد يكون في المستقبل مدعاة لإجراء تسويات إقليمية بين الدول المتجاورة.
وإلى جانب هذه الحركات المستمرة عبر الحدود السياسية الراهنة، فإن هناك هجرات العمل التي تشتمل أفراد أو جماعات قليلة من الشبان والرجال من مناطق الفقر الاقتصادي أو مناطق الازدحام السكاني، إلى المناطق التي تجتذب إليها الأيدي العاملة، وخاصة أنشطة الخدمات والنقل والصناعة في المدن، والنشاط التعديني في مناطق الثروة المعدنية الرئيسية: زائيري وزامبيا وجنوب أفريقيا، ولولا هذه الهجرات لما استطاعت الشركات أن تحقق ما تحققه من إنتاج معدني وأرباح وفيرة. ونظرا لأن هذا النوع من هجرات العمل لا ينتهي - نظريا - بالإقامة الدائمة في مكان العمل، فإن هذه الهجرة تشتمل في معظم حجمها على الرجال عامة والشبان بصفة خاصة؛ إذ إن القصد منها توفير بعض المال من أجل إرسال الحوالات البريدية النقدية لأسرة المهاجر، ولكننا نجد أن الجانب الأكبر من هذه الهجرة قد استقر في أماكن العمل وتزاوج محليا أو من أقاربه.
ومعظم هجرات العمل هذه تحدث في القسم الجنوبي من القارة، حيث نجد أكبر مصادر للثروة التعدينية المستغلة والمعروفة حاليا في أفريقيا، وخاصة في جنوب أفريقيا وزامبيا وزائيري، ولكن هذه الدول تتميز بكثافة سكانية منخفضة، فضلا عن وجود مناطق كثيفة السكان فقيرة الموارد إلى جوارها، ولهذا نجد أن هجرات العمل قد تخطت شكل الهجرة الداخلية إلى هجرة العمل الدولية، وأكبر مصدر للعمال المهاجرين هي المستعمرات البرتغالية، وخاصة موزمبيق. وتصدر حكومات الاستعمار البرتغالي في موزمبيق وأنجولا تصاريح هجرة لعدد يتراوح سنويا بين مائة ومائتي ألف شخص، وتتكسب الحكومة البرتغالية من وراء إصدار هذه التصاريح، بالإضافة إلى عمولة تتقاضاها من شركات التعدين في جنوب أفريقيا. وهناك مصادر أخرى للأيدي العاملة المهاجرة من مالاوي وليسوتو وبوتسوانا ورواندا وبوروندي، وتتجه العمالة المهاجرة من مالاوي إلى زامبيا، ومن ليسوتو وبوتسوانا إلى جنوب أفريقيا، ومن رواندا وبوروندي إلى زائيري ومناطق التعدين في غرب أوغندا، وفي الحقيقة كان ضم رواندا وبوروندي إلى الكنغو (انتداب بلجيكي) بعد الحرب العالمية الأولى، نوعا من الإنقاذ لمشكلة الأيدي العاملة للشركات البلجيكية في كاتنجا ومناطق التعدين الأخرى في بقية زائيري، الذي كان يعاني بشدة من نقص السكان؛ فقد كانت الكثافة السكانية في أواخر الخسمينيات نحو 6 أشخاص/كم
2 ، وبالرغم من ارتفاعها إلى 10 في الوقت الحاضر إلا أنها لا تقارن بكثافة السكان في رواندا (145 شخصا/كم
2 )، وبوروندي (130 شخصا/كم
2 ).
وإلى جانب ذلك فإن هناك هجرات عمل موسمية للمساهمة في جمع بعض المحاصيل في المزارع الواسعة أو مزارع المحاصيل النقدية، كما هو الحال في مزارع السيزال في تنزانيا والكاكاو في غانا، وهنا نجد هجرات موسمية في المناطق الداخلية من تنزانيا، أو من جمهورية الفولتا، ومثل ذلك يحدث أيضا في نيجيريا وساحل العاج والسنغالي.
وأغرب أنواع هجرات العمل تلك التي تحدث بسبب الحج على طول طريق السفانا السودانية، فكثير من مسلمي غرب أفريقيا كانوا يقومون برحلة طويلة إلى مكة المكرمة سائرين على أقدامهم عبر السفانا إلى السودان، ومن ثم عبر البحر الأحمر إلى الحجاز، ولما كان غالبية هؤلاء الحجاج فقراء، فقد كانوا يقطعون هذه الرحلة في عدة سنوات يقومون فيها أثناء انتقالهم بالمساعدة في الأعمال الزراعية أو غيرها من الأعمال لسكان القرى والمدن التي يمرون عبرها، وقد تطول إقامتهم فترات طويلة في قرية أو مدينة معينة خلال رحلة الذهاب أو الإياب، وقد ترتب على مثل هذه الرحلات انتشار كثير من سكان غرب أفريقيا على طول السفانا في «حلات» تسمى في جمهورية السودان باسم «حلة الفولاني» أو «الفلاته» كاسم جماعي يطلق على سكان غرب أفريقيا، وقد ساهم هؤلاء كثيرا في إقامة بعض الحرف اليدوية والعمل في مشروعات السودان الزراعية انظر خريطة رقم (44). (6) الأمراض في أفريقيا
لا شك أن لكل قارة أمراضا خاصة بها تتكون نتيجة لظروفها الخاصة، وهذه الأمراض كانت إحدى العوائق الرئيسية التي تقف أمام نمو أعداد السكان في الماضي، وأمام بذل المزيد من النشاط من أجل التقدم الاقتصادي في الوقت الحاضر، وهذا الوضع ينطبق تماما على أفريقيا؛ لأن أمراضها ومكافحة هذه الأمراض والوقاية منها جاءت متأخرة نتيجة تأخر كشفها كشفا علميا، وفي أفريقيا أمراض عالمية معروفة، عرفها الأوروبيون حينما وصلوا القارة، ولكن أمراض أفريقيا المدارية أمراض خاصة لم تعرف على الفور. وفي الوقت الحاضر نستطيع أن نقول إن معظم أمراض أفريقيا قد عرف، ولكن الذي لا يوجد في معظم الأحيان للقضاء عليها عامل هام هو رأس المال، والخبرة الطبية الضرورية في العلاج والوقاية واستمرار البحث عن وسائل أجدى للعلاج وملاحقة تطور الأمراض بعد حصولها على مناعة ضد الدواء.
خريطة رقم (45).
ومن أهم أمراض القارة التي تؤثر على الماشية والإنسان معا، مرض النوم
Trypanosomiasis ، الذي ما يزال منتشرا في مساحة كبيرة من أفريقيا، وأضرار مرض النوم معروفة: فالوفاة أمر يكاد أن يكون محتوما، والذي ينجو منه من الإنسان يظل قليل النشاط، وأكثر أخطاره المعروفة أنه يقضي على أعداد الماشية بحيث يتعذر مع وجوده وجود الماشية في أفريقيا الاستوائية، ولا شك أن الماشية والخيل كانت في الماضي عماد الغذاء والنقل، ولا شك أن الانتقال السريع بواسطة الخيل كان له أثره في نمو فتوحات المغول في آسيا، وفتوحات الأوروبيين في الأمريكتين اللتين لم تعرفا الخيول قبل وصول الأوروبيين، ورغم وجود الخيل والماشية بأعداد كبيرة في أفريقيا، إلا أنها لم تكن منتشرة في كل أرجاء القارة، بل مركزة في المناطق الخالية من مرض النوم، ولذلك فإن هذه المناطق هي التي تكونت فيها الإمارات الأفريقية في السفانا السودانية على وجه الخصوص. ورغم دخول الخيل إلى مناطق أخرى من نطاق الغابات - جنوب نيجيريا على سبيل المثال - إلا أن الحيوان الموجود لم يكن من الكفاية والنشاط والقوة الجسمانية، كما هو الحال في غير مناطق مرض النوم.
ولقد أصبح في الإمكان مكافحة مرض النوم بواسطة تطعيم الإنسان والحيوان، وبواسطة تطهير الأحراش وقطع الأشجار، وهي مناطق توالد هذا المرض؛ لأن ذبابة تسي تسي لا تستطيع أن تعيش في منطقة مكشوفة خالية من الأشجار، كما أن الغابات الكثيفة ليست منطقة تسي تسي الحقيقية، ولكن تطهير الأحراش وتحصين الإنسان والحيوان بالتطعيم أمر مكلف جدا، ونجاح أفريقيا في التخلص من مرض النوم مترتب على الأرصدة التي تخصص لهذا العمل.
ويمكننا أن نقسم أمراض أفريقيا حسب عدة قواعد تبعا لانتشارها وتوزيعها، أو تبعا للتصنيف البيولوجي لمسببات الأمراض، أو تبعا لتأثيرها على المصابين. وإذا أخذنا القاعدة الثالثة فإننا نستطيع أن نقسم أمراض أفريقيا إلى أربع مجموعات رئيسية:
المجموعة الأولى:
تحتوي على كل الأمراض المرتبطة بالحياة الريفية الأفريقية، وبالتالي تشمل معظم الأفريقيين، وهذه عبارة عن أمراض تنقل أساسا بواسطة الحشرات وغيرها من ناقلات المرض، ولا يمكن مكافحة هذه المجموعة أو وضعها تحت سيطرة الطب، إلا إذا أمكننا تحسين المساكن الأفريقية ومياه الشرب وتحسين الصحة العامة، وهذه المجموعة تشتمل على الملاريا ومرض النوم والحمى والصفراء والالتهاب الرئوي.
المجموعة الثانية:
هي الأمراض التي ترتبط بالظروف غير الصحية والعادات غير الصحية التي تنشأ عن سكن الأحياء المكتظة في المدن الحديثة، واختلاط الناس من مختلف البيئات، ولبس الملابس الإفرنجية، وبما أن هذه الملابس في الواقع أغلى من الملابس الوطنية، فإن الأفريقي غير قادر على أن يمتلك أكثر من ثوب، وبالتالي تظل الملابس قذرة فترة طويلة، كما أنها تكون في أحيان غير صحية بالنسبة للظروف المناخية، ولقد عبر عن ذلك الأستاذ ورزنجتون فقال: «الملابس القذرة بديل بائس للعري النظيف.»
4
وتشتمل هذه المجموعة على الطاعون والتيفوس والجذام والبلهارسيا ... إلخ.
المجموعة الثالثة:
تنتشر بسبب الجهل مثل الأمراض التناسلية.
المجموعة الرابعة:
أمراض سوء التغذية، ومن أهم هذه الأمراض التي لقيت عناية شديدة في الآونة الأخيرة، ما يسمى باسم «كواشيوركر
Kwashiorkor »، ويؤدي إلى عدة مظاهر مرتبطة بسوء التغذية ، وخاصة النقص الشديد في البروتين، ويؤثر ذلك بشدة على الأطفال، خصوصا بعد الفطام؛ فإنهم يتركون لغذاء من النشويات فقط، وقد أدت أبحاث بعض المختصين في هيئة الصحة العالمية إلى القول بأن مظاهر الإصابة بمرض الكواشيوركر تبدأ في الظهور على الأطفال الأفريقيين في سنتهم الثالثة.
5
ومظاهر هذا المرض تأخر النمو، البطون البارزة، وإصابة الكبد إصابة دائمة، وربما غيره من أعضاء الجسم، كما أنه يسبب 30٪ من الوفيات من بين المصابين به، وتعزى عدة أمراض أهمها سرطان الكبد للكبار إلى الإصابة بالكواشيوركر في الطفولة. ويقال في أوروبا إن الإنسان يعد عمره بمدى جودة الشرايين، وفي أفريقيا بمدى سلامة الكبد.
6
وإذا أخذنا بوجهة النظر العامة، فإنه يمكن أن نقول: إن غالبية أمراض أفريقيا يمكن أن يرتبط بالمجموعة الرابعة من الأمراض؛ لأن المجموعات الثلاثة السابقة عبارة عن تدهور حالة هي من قبل متدهورة بواسطة أمراض سوء التغذية.
ومن أبرز الدراسات الطلائعية في هذا الحقل تلك التي كتبها «أور» وزميله «جيلكس»
Orr & Gilks
عام 1931 عن الماساي والكيكويو في كينيا؛
7
فالماساي يعيشون على اللبن واللحم والدم الخام، وهو يتميز بنسبة ضخمة من البروتين والدهن والكلسيوم، أما الكيكويو فيعيشون أساسا على الحبوب والجذور والفاكهة، وهو غذاء يكاد يمثل معظم أنماط الغذاء الأفريقي، ولقد وجدت الدراسة أن رجال الماساي عادة أطول بخمسة بوصات (13سم)، وأثقل بمقدار 23 رطلا (10 كيلوجرامات) عن رجل الكيكويو، وبالإضافة إلى ذلك فقوته العضلية 50٪ أكبر من الكيكويو، كذلك لوحظ أن أمراض الكيكويو أكثر وأوسع انتشارا، وخاصة تشوه العظام والأنيميا وأمراض الأسنان والقرحة المدارية، بينما كانت أكثر الأمراض شيوعا بين الماساي، التهاب المفاصل
rheumatoid arthritis ، وأمراض الأمعاء
intestinal stasis ،
8
وتدل هذه الدراسة بلا شك أن معظم أمراض أفريقيا مرتبط بسوء التغذية.
ولا تعني أمراض أفريقيا أنه لا يمكن التغلب عليها، ولكن لذلك شروط سبق أن ذكرنا منها المال والخبرة، ونضيف إليها ضرورة تحسين المواصلات؛ لأن العزلة في أماكن مبعثرة يتعذر الوصول إليها كانت من أهم أسباب التخلف في الماضي، ومن أهم أسباب انتشار الأمراض في الوقت الحاضر، والحقيقة أن الغزو الأوروبي لأفريقيا لم ينجح في القضاء على أمراض القارة، إنما في الحقيقة زاد من أمراضها نتيجة التجمع السكني غير الصحي في المدن التي أنشأها كعواصم إدارية، أو مراكز تجارية، أو مدن التعدين والصناعات التحويلية، ولم يعد أمام أفريقيا المستقلة في الوقت الحاضر إلا ضرورة مواجهة تركتها الماضية مواجهة صريحة جدية بمساعدة الخبرة العالمية.
وفيما يلي عرض موجز لأمراض أفريقيا حسب المجموعات السابقة، متضمنا كشفا بأهم أمراض كل مجموعة على حدة:
المجموعة الأولى من الأمراض: أمراض الريف
الملاريا:
يحتمل أن تزول من أفريقيا؛ لأن منظمة الصحة العالمية تقوم بحملة منظمة ضد بعوضة الملاريا.
الحمى الصفراء:
مرض للقرود قد يظهر في صورة وباء عند الإنسان وينقله إليه البعوض، وفي أحد هذه الأوبئة الأخيرة (1951) في نيجيريا مات 600 شخص من إصابات عددها 5500 حالة .
مرض النوم:
ينتشر بين الإنسان والحيوان بواسطة ذبابة تسي تسي من أنواع عديدة، ومن أهم وسائل مقاومته قطع الشجيرات والأحراش، وقتل الحيوانات البرية للتخلص من تلك الذبابة التي تحمل المرض وتستطيع مواصلة الحياة، وبالتالي ينتقل منها المرض. وتحصين الحيوانات المنزلية والإنسان، علما بأنه يجب تجديد التحصين كل ستة أشهر.
عمى الأنهار
Onchocersiasis :
ينقل بواسطة أنواع من الذباب من ديدان معينة قرب الأنهار إلى الإنسان، وتنتهي بالعمى؛ ولذا سمي بهذا الاسم «عمى الأنهار».
الالتهاب الرئوي والسل:
من بين أسباب الوفيات المرتفعة في أفريقيا.
المجموعة الثانية: الأحوال والعادات غير الصحية (1)
التراكوما: نسبة الإصابة عالية جدا وتؤدي إلى عمى كلي وجزئي، تكافح بواسطة المضادات الحيوية. (2)
التيفوس: أنواعه عديدة في أفريقيا. (3)
التيفود: منتشر في الأحياء الفقيرة من المدن وهو مرض معدي. (4)
الديدان: تعيش في الأمعاء الدقيقة، وتمتص الدم، وتسبب الأنيميا أو فقر الدم والضعف العام. من السهل معالجتها منها، ولكن يمكن عودة الإصابة بها. (5)
الطاعون: تنقله الحشرات الصغيرة (البراغيث والبق)، ويمكن مكافحته بسهولة. (6)
الجزام: يمكن أن يدخل ضمن هذه المجموعة أو التالية من الأمراض. ما زال مشكلة، وليس من السهل معرفته في أوائل الإصابة، والحل الحالي هو العزل.
المجموعة الثالثة: أمراض الجهل (1)
الأمراض التناسلية: السيلان (أفريقي الأصل)، والزهري (مستورد). (2)
يوز
Yaus :
9
قريب من الزهري، ولكنه ليس مرضا تناسليا، ويمكن أن ينجم عن الجروح التي لا تطهر. (3)
البلهارسيا: تسببها ديدان خاصة تعيش دورتها بين قواقع نهرية والإنسان، يؤدي إلى ضعف الجسم، خاصة إذا ارتبط بسوء الغذاء.
المجموعة الرابعة
أمراض سوء التغذية: وأهمها كواشيوركر الذي سبق الكلام عنه وتوضيح أخطاره.
جدول 9-6: موجز الخدمات الصحية في أفريقيا. *
الدولة وسنة الأرقام
عدد الأسرة في المستشفيات
عدد الأفراد لكل سرير
عدد الأطباء
عدد الأفراد لكل طبيب
عدد الصيادلة
إثيوبيا (66-69)
9300
2485
345
71797
51
أفريقيا الوسطى (70)
3400
471
42
38333
4
الجزائر (69)
39000
356
1698
8142
265
السنغال (69-70)
5100
740
263
14943
64
السودان (67-69)
13800
1056
806
18995
207
الصومال (64-67)
4400
566
72
36250
الصومال الفرنسي (70)
900
106
44
2273
5
الكمرون (69)
19100
300
225
25956
61
الكنغو (67)
5005
176
127
7244
16
المغرب (69)
22100
680
1144
13156
349
النيجر (69)
2000
1903
69
56667
5
أنجولا (69)
13400
405
524
10363
74
أوغندا (69)
15500
614
1099
8690
117
بوتسوانا (69)
1700
376
27
23333
2
بوروندي (70)
4500
787
59
60000
5
تشاد (70)
5300
700
58
63966
3
تنزانيا
تنجانيقا (69)
18000
697
542
23173
52
زنجبار (67)
900
400
43
8140
3
توجو(67-68)
2100
817
68
26029
19
تونس (69-67)
12500
405
656
7348
129
جابون (69)
5000
98
96
5104
12
جنوب أفريقيا (62-67)
87905
189
12473
1502
3639
داهوامي (70)
2900
920
84
32024
24
رواندا (70)
4700
768
62
57903
روديسيا (زمبابوي) (70)
18000
292
833
6327
310
ريودورو (70-69)
300
174
49
1020
4
زائيري (68-69)
61500
323
614
33713
103
زامبيا (67)
11700
338
245
16122
76
ساحل العاج (66-69)
7672
511
207
20338
11
سوازيلاند (70)
1500
290
52
7885
7
سيراليون (70-69)
2500
1021
154
16249
7
غانا (70-69)
11400
793
575
15200
376
غمبيا (66-69)
500
697
19
18947
2
غينيا (68-69)
4600
806
77
49740
8
غينيا الاستوائية (67-66)
1635
171
53
5094
غينيا بيساو (69)
900
596
30
17667
3
فولتا العليا (69-70)
3200
1640
58
92759
13
كينيا (67-69)
13608
750
1248
8718
167
ليبيا (70)
7600
256
731
2654
167
ليبيريا (67-66)
2200
509
118
9237
ليسوتو (69-70)
1900
474
35
29714
2
مالي (68-69)
3000
1572
80
61000
11
مالاوي (65-67)
5000
794
95
43368
6
مصر (68-69)
68800
472
16219
2004
5359
موريتانيا (70-69)
200
5247
44
25909
8
موزمبيق (67)
13100
549
443
16230
104
ملاجاشي (69)
19100
345
662
9970
80
ناميبيا؟ (ربما أدمجت أرقامها مع جنوب أفريقيا)
نيجيريا (66-67)
28000
1867
2180
24032
808
الجزر الأفريقية:
روينيون (69)
3400
131
173
2543
65
سانت هيلانة وتوابعها (66)
68
70
3
1670
ساوتومي وبرنسيب (66)
2162
30
20
3150
سيشل (66)
348
140
12
4000
كومورو (67)
550
425
14
17143
1
كيب فرد (69)
376
665
13
19230
8
موريشس (70)
3300
248
198
4091
51
متوسط أفريقيا
760
24067 *
المصدر: الكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة 1971.
ملاحظة: في حالة وجود تاريخين أمام الدولة، فالرقم الأول خاص بالمستشفيات، والثاني يعود على الأطباء والصيادلة.
خريطة رقم (46).
خريطة رقم (47).
ويتضح من جدول
9-6 ، وخريطتي رقم(44 و45)، أن معظم أفريقيا تعاني بشدة من نقص الأطباء والصيادلة، وإن كانت الحكومات تسعى جاهدة لتحسين الأحوال الصحية بافتتاح المستشفيات وتزويدها بالأطباء والمساعدين الطبيين، ويمكن أن نقسم النتائج التي يعطيها الجدول على النحو التالي:
أولا: المناطق المتخلفة في الخدمات الطبية:
بحساب متوسط أفريقيا في عدد الأفراد لكل سرير أو كل طبيب، نجد أن أكثر الدول تخلفا في هذا المجال هي تلك التي توجد في نطاق السفانا السودانية من إثيوبيا إلى موريتانيا، وهي في غالبيتها دول فقيرة في مواردها المستخدمة حاليا، وتتصف باتساع مساحاتها مع ضعف بارز في وسائل النقل الحديث. والواقع أن غالبية هذه الدول تتميز بوجود منطقة مركزية واحدة يتكاثف فيها النشاط الاقتصادي والسكان والسكن، بينما بقية مسطح الدولة عبارة عن مناطق شاسعة من الصحاري أو السفانا أو الجبال الوعرة الفقيرة السكان، الذين يمارسون أشكالا بدائية من الاقتصاد الاستهلاكي المباشر.
وأعلى دول تتميز باشتراك مؤثرات ضعف الخدمات الصحية هي إثيوبيا والفولتا ومالي، بينما تنخفض تجهيزات المستشفيات كثيرا عن معدل أفريقيا في نيجيريا وموريتانيا والسودان وسيراليون على التوالي، وينخفض عدد الأطباء عن المتوسط في تشاد والنيجر وغينيا وداهومي في أفريقيا الغربية، وفي أفريقيا الوسطى وزائيري في وسط أفريقيا، وفي الصومال في شرق القارة.
ويمكن أن نلخص الموقف على النحو التالي: (أ)
دول تنخفض فيها كل الخدمات الصحية عن متوسط أفريقيا: إثيوبيا - فولتا العليا - مالي - النيجر - داهومي - غينيا. (ب)
دول تنخفض فيها خدمات المستشفيات: نيجيريا - موريتانيا - سيراليون - توجو - السودان. (ج)
دول ينخفض فيها عدد الأطباء: تشاد - أفريقيا الوسطى - زائيري - رواندا - بوروندي - مالاوي - الصومال.
ثانيا : دول عند متوسط أفريقيا للخدمات الطبية:
تتركز هذه الدول في منطقتين مكملتين للنطاق المداري الذي يحتوي مجموعة الدول السابقة الذكر؛ ففي غرب أفريقيا خدمات المستشفيات عند المتوسط في المنطقة الممتدة من السنغال إلى غانا باستثناء غينيا وسيراليون، وفي دول هذه المنطقة نجد عدد الأطباء يفوق المتوسط الأفريقي باستثناء ساحل العاج وغينيا وسيراليون، ويمكن أن نلحق الكمرون بهذه المجموعة من الدول، ولكن الخدمات الصحية التي تقدمها المستشفيات فيها أعلى بكثير من متوسط أفريقيا.
أما مجموعة الدول الثانية فتقع في شرق أفريقيا؛ كينيا وأوغندا وتنزانيا وموزمبيق، وتتشابه حالة هذه الدول مع دول المنطقة الغربية من غرب أفريقيا في أن خدمات المستشفيات عند المتوسط العام الأفريقي، بينما يرتفع عدد الأطباء كثيرا عن المتوسط إلا في حالة تنزانيا، ولعل اشتراك عدة ظروف كانت سببا في ارتفاع مستوى الخدمات الصحية عامة عن بقية أفريقيا المدارية، فهذه الدول معظمها متقدم في نشاطه الاقتصادي - غالبا محاصيل نقدية في غرب أفريقيا - أو نتيجة لوجود جاليات أجنبية أوروبية وهندية مستوطنة في شرق أفريقيا. ويضاف إلى ذلك أن معظمها دول صغيرة المساحة ذات كثافات سكانية منخفضة إلى متوسطة، مع جودة لا بأس بها في خطوط المواصلات في أقاليم الدولة المنتجة المزدحمة بالسكان، ووجود حياة مدينية متطورة الخدمات (دكار، وإيبجان، وأكرا، وكوماسي، وتاكورادي، ومنروفيا، ونيروبي، وممبسة، وكمبالا، ودار السلام، وتنجا، ولورنز، وماركيز).
ثالثا: دول فوق المتوسط في الخدمات الصحية:
توجد هذه الدول في منطقتين رئيسيتين هما: أفريقيا الجنوبية، وأفريقيا الشمالية أو العربية، بالإضافة إلى منطقة صغيرة في أفريقيا الاستوائية تشمل الكنغو وجابون وغينيا الاستوائية.
وتوجد أعلى النسب في كافة الخدمات الطبية في جمهورية جنوب أفريقيا، وهي أقرب النسب إلى متوسط أوروبا، ولكن تتفوق عليها جابون والكنغو وغينيا الاستوائية في خدمات المستشفيات للأفراد، أما دول أفريقيا الشمالية فمعدلاتها عالية وتترأسها في المجموع مصر وليبيا، وأقلها المغرب، وتنخفض الخدمات الصحية عامة في زامبيا وروديسيا وأنجولا عن جنوب أفريقيا وشمالها، وإن كانت فوق المتوسط الأفريقي بكثير.
ولا شك أن تفوق جنوب أفريقيا يرجع إلى زيادة نسبة المستوطنين البيض عن أي دولة أخرى في القارة، وإلى غنى الدولة وكثرة الحياة المدينية وجودة المواصلات الحديثة - خاصة الحديدية - وفي هذا تتشابه روديسيا مع جنوب أفريقيا مع فوارق الحجم والثروة وعدد المستوطنين الأوروبيين.
أما نطاق شمال أفريقيا فإن تحسن الخدمات الصحية فيه راجع إلى التقدم العام لدول هذه المنطقة، وكثرة التعليم، وانتشار التعليم الجامعي في مجال الطب وخاصة في مصر. والحقيقة أن تناسب الخدمات الصحية العامة والخاصة في مصر مع مستوى دخول الأفراد، بالقياس إلى مثيل ذلك في جنوب أفريقيا، يجعل مصر في واقع الأمر الدولة الأفريقية المتصدرة في الخدمات الصحية، هذا فضلا عن أن مصر تصدر جانبا هاما من الخبرة الصحية - أطباء، صيادلة، وغير ذلك من الخدمات الطبية - إلى كثير من الدول الأفريقية من الصومال إلى نيجيريا، ومن الجزائر إلى زامبيا.
وأخيرا، فإن ارتفاع الخدمات الصحية بصورة مدهشة في الكنغو وجابون، إنما يرجع إلى كثرة ما أنشئ من مستشفيات ومراكز أبحاث لطب المناطق الحارة منذ فترة الاحتلال الفرنسي، وكثرة ما يرصد لهذه المراكز من اعتمادات وأموال، وما يجلب لها من أطباء وباحثين. أما في غينيا الاستوائية فإن ارتفاع الخدمة الصحية راجع إلى كثرة الخدمة الصحية في جزيرة فرناندوبو - مثلها في ذلك مثل ارتفاع الخدمات في كافة الجزر الأفريقية (راجع جدول
9-6 ).
والخلاصة أن معظم أفريقيا تتشابه مع نمط الدول المتخلفة في العالم في قلة الخدمات الصحية بالنسبة للسكان، فعلى سبيل المثال نجد في إندونيسيا طبيبا واحدا إلى كل 27 ألفا من السكان، أما في الهند فإن النسبة حسنة جدا (طبيب لكل 4600 شخص) بالنسبة لكافة الدول المتخلفة. أما النسب العالية للأطباء في بعض دول أفريقيا الجنوبية والشمالية، فإنها لا تضاهى بمثيلاتها في دول العالم المتقدم؛ ففي مصر وجنوب أفريقيا طبيب لكل 2004، 1502 شخص على التوالي، بينما نجد النسب التالية عند بعض الدول المتقدمة: بريطانيا طبيب لكل 855 شخصا، وفي الولايات المتحدة طبيب لكل 669 شخصا، وفي ألمانيا الغربية طبيب لكل 568 شخصا، وفي إيطاليا طبيب لكل 553 شخصا، وفي المجر طبيب لكل 521 شخصا - وهي أحسن نسبة في العالم حسب إحصاءات 1971.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Barbour, K. M., & R. M.
London.
Dudley Stamp, 1964. “Africa: A Study in Tropical Development” London.
Fordham, P., 1965. “The Geography of African affairs” London.
Lorimer, F., & M. Karp, 1960. “Population in Africa” Boston.
Orr, J. Boyd & J. D. Gilk, 1931. “The Physique and Health of two African Tribes” London.
U. N. Demographic Year book. 1971 New York.
U. N. Statistical Year book. 1971. New York.
الفصل العاشر
أنماط الحياة والاقتصاد في أفريقيا
على الرغم من ضخامة القارة وإمكانياتها الاقتصادية، إلا أن أفريقيا ما زالت بعيدة كثيرا عن المشاركة في الاقتصاد العالمي التجاري، بالمقارنة بقارات العالم الأخرى، وما زالت مشاركتها معتمدة أساسا على هدم الثروة الأفريقية (التعدين) دون الإنتاج والتصنيع إلا في حدود ضيقة، ولا شك أن ذلك راجع إلى حداثة المعرفة العلمية بأفريقيا من ناحية، وإلى تأخر الدول في القيام بالمشروعات الإنشائية الإنتاجية، الزراعية منها والصناعية، لقلة رأس مال الدول المستعمرة، واكتفائها بالحصول على الثروة من أقرب مصادرها: المعادن أو الحاصلات الغابية وبعض الحاصلات الحيوانية.
إذن قصور رأس المال الإنجليزي والفرنسي والبلجيكي الذي تقاسم القارة في 95٪ من تاريخها الحديث - بعد مؤتمر برلين سنة 1895 وسباق الاستعمار - قد أدى إلى بقاء أنماط الحياة الأفريقية على حالها دون مساس كبير بها، فأصبحت أفريقيا في القرن العشرين عبارة عن متحف إنتروبولوجي حي، وبالتالي فرصة عظيمة للدراسة الإنتروبولوجية والاجتماعية، ولكن نتيجة ذلك كانت سيئة بالنسبة لأفريقيا المستقلة التي ظهرت فيها الدول الحديثة في ظل أوضاع اجتماعية متخلفة عن فكرة الدولة عدة قرون، وربما كان هذا هو أحد الأسباب الجوهرية لتضعضع أسس الدول الأفريقية وتعرضها للتيارات السياسية الجارفة، فالقائمون بفكرة الدولة وإدارتها في هذه الدول ليس كل الشعب وإنما أقسام صغيرة منه، هي غالبا فئات المثقفين المعتمدين على تأييد أو ولاء شعبي، هو في حقيقته قبلي أكثر منه ولاء شعبي فوق مستوى القبائل والحواجز اللغوية والحضارية داخل الشعوب.
ويمكن أن نستثني من ذلك مجموعتين من الدول، أولا: مجموعة الدول العربية التي ترتبط بتاريخ طويل مشارك لتطورات الفكر السياسي الدولي، وبالتالي فإن قوام الدولة في غالبية هذه المجموعة من دول أفريقيا موجود ومبني على أسس متينة من الفهم الصحيح لمعنى الأمة. وثانيا: بعض الدول في أفريقيا جنوب الصحراء حيث وضع تخطيط سياسي موجه، كما هو الحال في صوماليا أو غينيا أو تنزانيا بغرض عبور الهوة بين القبيلة والأمة.
ويمكننا أن نقسم موضوع أنماط الحياة على الأساس الاقتصادي كعامل حاسم في تفريق تلك الأنماط وتمييزها، وفي هذا المجال سوف نقسم الكلام على أساس مبدأ تقسيم النظم الاقتصادية إلى الاقتصاد الهدمي والاقتصاد الإنتاجي، ويشمل الأول حياة جمع النبات والصيد البري والنهري والبحري والتعدين، ويشمل الثاني الزراعة والرعي والصناعة. (1) الاقتصاد الهدمي (1-1) الصيد والجمع
هذه هي أقدم حرفة عرفها الإنسان من العصر الحجري حتى الثورة الزراعية، وكانت هذه الحرفة سائدة إلى فترة حديثة نسبيا، في شرق وجنوب القارة حينما لم يكن يسكن هذه المنطقة سوى البشمن والأقزام، ومع تقهقر أوطان هاتين المجموعتين - الأولى إلى صحراء كلهاري، والثانية إلى الغابة الاستوائية الكثيفة - انكمشت المساحة التي تمارس فيها هذه الحرفة إلى حد كبير، وأصبحت تنحصر في مواطن البشمن والأقزام من ناحية، وفي مناطق متفرقة محدودة من شرق القارة تحتلها جماعات صغيرة تعيش في ظل حماية القبائل الرعوية أو الزراعية المجاورة. ومن أمثلة هذه القبائل القديمة: الدروبو وزاني
Sanye
في كينيا، والكنديجا والزانداوي في تنجانيقا، والديم
Dime
والماجو في جنوب الحبشة، والويتو
Woito
في منطقة بحيرة تانا، وطبقة من الصيادين تعرف بأسماء عديدة داخل القبائل الصومالية، وأشهر أسمائها الميدجان
Midgan .
وينقسم العمل عند البشمن والأقزام وغيرهم إلى قسمين كبيرين على أساس الجنس؛ فعلى النساء، إلى جانب رعاية الأطفال وإعداد الطعام، البحث عن الثمار والجذور النباتية التي تدخل في الطعام، إلى جانب اللحم الذي يأتي به الرجال من حيوان الصيد، ولكن الرجل ليس محظوظا في الصيد كل يوم، ومن ثم فإن الغذاء النباتي الذي تجمعه النساء هو في الواقع الغذاء اليومي، أما الرجال فإنهم يجهدون أنفسهم إلى حد التعرض للموت، خاصة إذا كان حيوان الصيد كبيرا؛ فالبشمن قد تخصصوا في صيد الزراف والوعول والنعام، وهم يصيدونها بطرق أبسط ما يقال وصفا لها: إنها قديمة قدم تاريخ الإنسان! فالطريقة المتبعة هي أن يلبس أحد مهرة الصيادين قناعا من جلد الوعل أو ريشا من النعام، ويتسلل بهدوء داخل قطيع الحيوانات، ثم يطعن أحدها برمح، ويهرب الحيوان، وعلى الأثر تبدأ مطاردة عنيفة يتفوق فيها الحيوان، ولكن عصبة الصيد تتبع أثره يوما أو أكثر على أمل اللحاق به بعد أن أنهكه نزيف الدماء الذي أحدثه الرمح، ولكن قد يحدث أن يسبق حيوان مفترس الصيادين إلى فريستهم!
أما الأقزام فرغم أنهم يصطادون بالشباك الوعول، وبالحراب الفيلة، إلا أن هناك آراء جديدة تؤكد أن الصيد بهذه الوسائل ليس اختراع الأقزام، إنما نقل حضاري من الزنوج المجاورين. ورغم براعتهم في الصيد إلا أنهم قد أصبحوا يعتمدون كثيرا على الزنوج من جيرانهم، عن طريق ما يعرف باسم التجارة الصامتة.
ولقد كانت حياة الصيادين تقوم على أساس اصطياد الحيوان الذي يؤكل بالقدر الذي يكفي، وبعبارة أخرى عدم الإسراف في الصيد، ولكن استخدام الوسائل الحديثة في الصيد في الوقت الحاضر، ودخول جماعات الصيادين المحترفين الأفريقيين والأوروبيين لصيد أنواع مرغوبة من الحيوان، قد أدى إلى اختلال التوازن في الظروف الطبيعية، وأحدث تغيرا كبيرا في إيكولوجية الحياة الحيوانية والنباتية، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك: أن كثرة اصطياد التماسيح من أعالي النيل من أجل الجلد قد أدى إلى ازدياد أنواع السمك السفاح، وهو غذاء التمساح المستطاب، وترتب على ذلك ازدياد استهلاك السمك السفاح للأسماك الأخرى، وبالتالي اختل ميزان التعادل وقل السمك الذي كان الناس يعيشون على صيده. ومثل آخر: صيد الفهد بكثرة قد أدى إلى ازدياد أنواع الحيوان الذي كان يعيش عليه الفهد كالبابون والخنزير البري، وقد أصبح تزايد أعداد الخنازير البرية والبابون من منغصات الحياة للزراع الذين يجدون حقولهم وقد تعرضت للتخريب بواسطة هذه الحيوانات.
وكما تأثرت إيكولوجية الحياة الحيوانية بعد تدخل عناصر غريبة في الصيد، نجد أيضا أن الحياة النباتية قد تأثرت بواسطة الإنسان المزارع؛ ففي الوقت الذي يحافظ فيه جامع الغذاء على ظروف الحياة النباتية كما هي دون تغيير، نجد أن المزارعين من البانتو الذين غزوا إقليم الغابات الاستوائية في وسط أفريقيا قد قطعوا مساحات لا بأس بها من الغابة ليخلقوا متسعا للحقول، وعلى هذا فإن معظم مساحة الغابات الاستوائية الأفريقية التي تقدر بحوالي خمسة ملايين كيلومتر مربع لا تستغل الآن فيما تستغل فيه الثروة الغابية (أخشاب وثمار) إلا في أضيق الحدود، بينما تهدم الثروة كل يوم لتحل الزراعة محلها.
ولقد تنبه الباحثون المسئولون حديثا إلى أن اجتثاث الغابات يحتوي على أخطار بالغة؛ فالقضاء على الغابة يعني القضاء على: (1) ثروة خشبية هائلة. (2) صمغ ومواد أخرى من عصارة الشجر. (3) الثمار. (4) أنسجة. (5) زيوت بذرة. (6) أصباغ ومواد دباغة. (7) زيت النخيل. (8) النحل وشمع النحل والعسل. (9) خامات عقاقير طبية. (10) تعرية التربة. (11) تغير ظروف المناخ بقلة الرطوبة المحتجزة في الشجر. وعلى ضوء هذه الخسائر بدأت السلطات سياسات من أجل المحافظة على الغابات وزيادة المساحات المزروعة أشجارا، ولكن نقص الخبرة الفنية ما زال عائقا أمام حسن تنفيذ هذه السياسات.
ونظرا لقلة وسائل المواصلات الحديثة، فإن استغلال الغابات في الوقت الحاضر كمصدر للأخشاب ما زال متأخرا، إلا في بعض مناطق الغابات في غرب أفريقيا لمجاورتها للساحل، كما أن الطلب المحلي على الأخشاب محدود إلا فيما يختص بخشب المناجم وفلنكات السكك الحديدية.
وأكثر أنواع الأشجار استغلالا: الماهوجني، والخشب الأحمر
Makoré ، والخشب الأبيض
Avodiré ، وكلها موجودة في غابات غرب أفريقيا من ساحل العاج (4٪ من صادرات الأخشاب والقشرة) إلى نيجيريا (4٪ من الإنتاج العالمي للأخشاب الصلبة)، وجابون (6٪ من مجموع الصادرات العالمية للأخشاب والألواح والقشرة)، وإثيوبيا (4٪ من إنتاج الأخشاب الصلبة)، كما توجد أيضا مساحات كبيرة من الماهوجني في حوض الكنغو.
وخلاصة القول أن هناك ما يقرب من 15 نوعا من الأشجار الأفريقية التي تقطع وتدخل التجارة المنتظمة، ومعظم صادرات هذه الأخشاب تتجه إلى أوروبا وجنوب أفريقيا وأمريكا، إلى جانب أنواع خشب المناجم، والسكك الحديدية التي زاد عليها الطلب في مناطق التعدين داخل السفانا، كما هو الحال في نطاق النحاس في زامبيا وكاتنجا ومناجم هضبة جوس في نيجيريا.
وإلى جانب الأخشاب، فإن الزيوت النباتية تشكل أكبر مظهر من مظاهر استخدام الغابات الاستوائية الأفريقية؛ فمن مجموع الإنتاج العالمي لزيت النخيل (1970) كان إنتاج أفريقيا يساوي 59٪ منه، ونصيب نيجيريا 27,2٪، وزائيري 11٪ من إنتاج العالم، يلي ذلك إنتاج محدود في دول غرب القارة، على رأسها الكمرون وساحل العاج وداهومي. (1-2) صيد الأسماك
بالرغم من أطوال الساحل الأفريقي الكبيرة وكثرة المياه الداخلية النهرية والبحيرية، إلا أن أفريقيا لا تساهم كثيرا في إنتاج السمك العالمي، ومن أهم أسباب قلة المصايد البحرية ضيق الرصيف القاري الأفريقي، باستثناء أقصى شمال غرب القارة وأقصى جنوبها. وفيما يختص بقلة إنتاج المياه العذبة الداخلية، فالسبب راجع إلى تنوع كبير في نوع الأسماك، مما يتعذر معه الصيد التجاري الذي يستلزم أعدادا كبيرة وأنواعا محدودة. وأخيرا فإن عدم وجود أساطيل صيد أفريقية تتوغل داخل المحيط هو سبب حاسم في قلة إنتاج الأسماك في أفريقيا.
والملاحظ أن الكثير من الأفريقيين يقومون بالصيد البحري والنهري، ولكن ذلك يتم دون أن يكون الصيد هو الحرفة الأساسية، بل حرفة ثانوية تهيئ مصدرا ثانويا للغذاء، ويمكن أن نستثني من ذلك بعض المناطق التي يعتمد فيها السكان على الأسماك كغذاء أولي، ومن هذه المناطق سكان بعض ضفاف النيجر والكنغو، ولاجونات داهومي وتوجو ونيجيريا، وسكان سواحل موريتانيا وأنجولا.
ولكن الأفريقيين يقومون بالصيد بوسائل قديمة، بينما يقوم الأوروبيون بالصيد تبعا للوسائل الحديثة في البحار المجاورة لأفريقيا.
وأهم ما نلحظه بالنسبة لتنمية موارد الصيد، مشروع بدأه البلجيكيون في الكنغو، هو مشروع مزارع السمك، الذي أصبح الآن يتكون من 122 ألف حوض تربى فيها الأسماك، مساحاتها جميعا أكثر قليلا من عشرة آلاف فدان، ومعظم هذه المزارع تربى فيها أسماك البلطي، ويعطي الفدان الواحد من هذه المزارع قرابة طن من السمك سنويا. وأهمية نمو الثروة السمكية أنها تعطي مصدرا جديدا للغذاء يعوض نقص اللحوم الملحوظ في الغذاء الأفريقي.
مساهمة أفريقيا في الصيد البحري العالمي لا تزال محدودة؛ إذ بلغت 6٪ عام 1970، وتنتج مصايد سواحل الأطلنطي 62٪ من إنتاج القارة؛ حيث تحتكر جنوب أفريقيا وناميبيا وأنجولا 47٪ منه، تليها منطقة سواحل المغرب والسنغال وغانا، وأهم الأنواع المصادة: السردين والماكرل والتونة، إلى جانب القشريات في السواحل الشرقية، والحيتان في سواحل ناميبيا وجنوب أفريقيا. (1-3) التعدين
رغم أن المصريين القدماء قد عرفوا المعادن منذ عصر ما قبل الأسرات (حوالي 5000ق.م)، وعدنوا النحاس والذهب من صحراء سيناء والصحراء الشرقية، ورغم أن معرفة الحديد قد دخلت أفريقيا أيضا مبكرا عن طريق مصر من آسيا، ثم انتشرت في العصر السابق للمسيحية في نطاق السفانا (حوالي 700ق.م) في شمال السودان، فإن استغلال الثروة المعدنية الأفريقية في صورته الراهنة الواسعة قد بدأ بعد الاستعمار الأوروبي لأفريقيا، ويستغل الجزء الأكبر من مصادر هذه الثروة بواسطة الوسائل الآلية الحديثة، وتحت إشراف أو ملكية الاحتكارات الأوروبية والأمريكية.
وباستثناء مصر التي يتم فيها استغلال معظم الثروة المعدنية باستمرار منذ أقدم العهود، فإن أول استثمار تعديني حديث بدأ بعد الغزو الفرنسي للجزائر وشمال أفريقيا، وكان أول معدن ينتج من شمال أفريقيا هو الحديد والفوسفات عامي 1865 و1866 على التوالي.
وقد تم الكشف الجيولوجي عن ثروة أفريقيا المعدنية ببطء شديد في أوائل القرن العشرين؛ نتيجة لقلة وسائل المواصلات ولبطء الدراسة الجيولوجية. والحقيقة أن معظم مناطق التعدين الأولى في أوائل هذا القرن قد تمت في المناطق التي عرف عنها أن الأفريقيين يستغلونها منذ القدم، كما أن رءوس الأموال اللازمة للاستغلال كانت قليلة، ولكن الدفعة الحقيقية الكبرى في استخراج المعادن الأفريقية قد تمت بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك نتيجة لعدد من العوامل نذكر منها حاجة رءوس أموال جديدة وخاصة الأمريكية، إلى التوظيف والاستثمار، وساعد على ذلك تحسن وسائل المواصلات، وإتمام دراسات كثيرة عن جيولوجية أفريقيا، وتقدم وسائل الإنتاج .
وأخيرا فإن رغبة الدول الأفريقية المستقلة في زيادة دخولها من مصادر ثروتها قد جعلها تهتم في الآونة الأخيرة بالتعدين، بل وبمحاولة تصنيع بعض الخامات المعدنية.
وعلى الرغم من ذلك فإن غالبية رءوس الأموال المستغلة والخبراء والمديرين وكبار الموظفين في شركات التعدين الأفريقية، معظمهم من غير الأفريقيين، ويكون التعدين مصدرا للرزق لأكثر من مليون أفريقي، نصفهم يعملون في اتحاد جنوب أفريقيا.
وأفريقيا غنية بالثروة المعدنية على وجه العموم، وبعدد من المعادن الثمينة والاستراتيجية على وجه الخصوص، ولكنها تتميز بنقص واضح في مصادر الحرارة: الفحم، وإلى حد كبير البترول، ولكنها عوضا عن ذلك تتميز بوجود نسبة كبيرة جدا من الطاقة المائية (23,1٪ من إمكانيات العالم أجمع)، ولا يفوقها في ذلك سوى آسيا (23,4٪).
وفيما يلي عرض سريع لأهم معادن أفريقيا وتوزيعها:
1
الحديد
أكبر مصادر الحديد في جنوب أفريقيا توجد في مناجم منطقة سيشن
Sichen
وبوستماسبورج وتابازيمبي، التي تظهر في تكوينات الترنسفال الأعلى في غرب إقليم جريكالاند، ونسبة الحديد فيه 65٪. وفي غرب أفريقيا يظهر الحديد في تلال بومي في ليبيريا (69٪)، ومارمبا في سيراليون (50٪)، وكميات صغيرة في كوناكري. وفي شمال أفريقيا نجد كميات كبيرة من الحديد في فورجورو في موريتانيا (62٪)، وفي خنيفرا وأوكسان (61٪)، في المغرب وجبل ونزا وبوخضرا في شرق الجزائر (50٪) وجريسا في تونس، وفي أسوان (50٪) في الجمهورية العربية المتحدة.
وإلى جانب هذه المناطق فإن هناك مصادر أخرى للحديد لم تستغل في شرقي بحيرة نياسا، ومناجم قليلة الأهمية في روديسيا (كيو كيو)، وفي أنجولا (كيليسو
Chilesso ).
وعلى الرغم من كثرة إنتاج الحديد الأفريقي، فإن الكمية المنتجة منذ عام 1937 إلى عام 1960 تساوي 4٪ سنويا من إنتاج العالم للحديد، وفي عام 1970 ارتفع الإنتاج الأفريقي إلى 35 مليون طن (8,4٪ من العالم، نصيب ليبيريا منه 43,7٪، وجنوب أفريقيا 16,7٪، وموريتانيا 8,3٪، والجزائر 4,4٪).
البوكسايت
البوكسايت هو الخام الذي يعمل منه الألمينيوم، وهو يلي الحديد في كثرة انتشاره في أفريقيا، وأكبر مصدر له في أفريقيا والعالم هو مناجم جمهورية غينيا في فريا وكينديا وبوكي وكوناكري، ويعتبر بوكسايت سيراليون امتدادا لمناجمه في غينيا، كما يظهر أيضا في غانا وتوجو والكمرون وشمال زائيري ومالاوي وموزمبيق، ويتضح من هذا التوزيع أن البوكسايت مرتبط في وجوده بالمناطق المدارية، وبرغم كثرة ما تملكه القارة من مصادر لهذا المعدن، إلا أن المنتج منه قليل بالقياس إلى الإنتاج العالمي، وهو ما يؤكد الأهمية المستقبلية للبوكسايت في اقتصاديات الدول التي تملكه.
وقد ارتفع إنتاج أفريقيا من 1,6٪ مليون طن عام 1960، إلى 3,4٪ مليون طن عام 1970، وبرغم ذلك فإن مساهمة أفريقيا من المنتج العالمي هبطت من 7٪ إلى 5,8٪ على التوالي نتيجة ارتفاع الإنتاج في مناطق أخرى، وتحتكر غينيا 77٪ من الإنتاج الأفريقي، مقابل 13٪ لسيراليون، و9٪ لغانا (1970). ويرتبط استخراج البوكسايت وتصنيعه بتطوير مصادر الطاقة الكهرومائية؛ نظرا لأنه يستهلك قدرا كبيرا من الطاقة، ومن ثم كان مشروع سد الفولتا في غانا موجها أساسا لخدمة البوكسايت، وكذلك مشروعات الطاقة في غينيا والكمرون، وإلى أواسط الستينيات كانت غينيا تمتلك في «فريا» المصنع الوحيد في أفريقيا لتحويل البوكسايت إلى ألومينا، ثم يصدر الناتج إلى الكمرون حيث يوجد مصنع تحويل الألومينا إلى ألومينيوم في «إيديا».
الكروم
توجد أكبر مصادر الكروم في العالم في مناجم جريت دايك
Great Dyke
شمال غربي سالسبوري في روديسيا، وتحتوي على نسبة من المعدن قدرها 48٪، وتظهر مناجم أخرى للكروم في الترنسفال (جنوب أفريقيا)، وتنزانيا وتوجو وسيراليون ومصر والسودان ومدغشقر. وفي 1970 بلغ المنتج الأفريقي من الكروم 969 ألف طن = (34٪ من الإنتاج العالمي)، كان نصيب جنوب أفريقيا منه 66٪، وروديسيا 29٪.
النحاس
تطور إنتاج أفريقيا من النحاس من كمية قليلة قبل الحرب العالمية إلى 27٪ من الإنتاج العالمي عام 1954، لكنه هبط في 1964 إلى 24٪، ثم إلى 20,6٪ عام 1970، ويرجع ذلك إلى زيادة إنتاج النحاس في الأمريكتين وغيرهما، بالإضافة إلى الاضطرابات السياسية التي أثرت كثيرا في إنتاج زائيري.
في عام 1970 كان الإنتاج الأفريقي حوالي 1,3 مليون طن، تكاد أن تتركز كلها في نصف القارة الجنوبي؛ إذ تنتج زامبيا 52٪ من الإنتاج الأفريقي وحدها، تليها زائيري بحوالي 30٪، ثم جنوب أفريقيا 11,4٪، ويوجد إلى جانب ذلك إنتاج محدود في ناميبيا وروديسيا وأوغندا بترتيب أهميتها، ويظهر النحاس في الإنتاج المعدني في بعض دول شمال أفريقيا (المغرب والجزائر ومصر)، ولكن كلها كميات ضئيلة .
الرصاص والزنك
يتركز إنتاج الرصاص في منطقتين رئيسيتين هما شمال غرب أفريقيا وناميبيا، بينما يتركز إنتاج الزنك في النصف الجنوبي من القارة، مع إنتاج قليل في شمال غرب أفريقيا. وقد بلغ إنتاج الرصاص في أفريقيا عام 1970 قرابة 213 ألف طن، أي ما يساوي 6,3٪ من الإنتاج العالمي، وبذلك سجل ارتفاعا ملحوظا على إنتاج أواسط الستينيات، الذي كان يبلغ 5٪ من إنتاج العالم، وقد احتلت المغرب المرتبة الأولى في الإنتاج (نحو 40٪ من مجمل أفريقيا)، تليها ناميبيا (24٪)، ثم زامبيا وتونس والجزائر، بينما توقف إنتاج نيجيريا عن الظهور في تلك السنة، ويعدن الرصاص من مناجم أبو ضهر وشيكر في المغرب، وتسوميب في ناميبيا، وبروكن هيل في زامبيا.
وفي عام 1970 أيضا ارتفع إنتاج أفريقيا من الزنك إلى 289 ألف طن، وهو ما يساوي 5,2٪ من الإنتاج العالمي، وبرغم زيادة الإنتاج عن أواسط الستينيات، إلا أن الإنتاج العالمي تزايد بنسبة أكبر من الإنتاج الأفريقي، مما أدى إلى هبوط نصيب أفريقيا من 8٪ من إنتاج العالم إلى نحو 5٪ فقط، ويرجع ذلك في الدرجة الأولى إلى تأثر إنتاج زائيري بأحداثها السياسية، وهي المنتج الأفريقي الأول من الزنك، وقد بلغ إنتاج زائيري عام 1970 نحو 105 آلاف طن ويساوي 36,3٪ من إنتاج أفريقيا، تليها ناميبيا (24٪)، وزامبيا (22٪)، ثم الجزائر فالمغرب فتونس بكميات ضئيلة.
القصدير
تزايد إنتاج أفريقيا ببطء من 11٪ من الإنتاج العالمي قبل الحرب الثانية إلى 15٪ عام 1958، ثم هبط إلى 12,5٪ خلال معظم الستينيات، وإلى 10,4٪ عام 1970، حيث بلغ الإنتاج 19,4٪ ألف طن.
وينتج القصدير من مناطق متفرقة في أفريقيا، لكن أكثر إنتاجه يظهر في عدد من الدول تمتد بين نيجيريا وجنوب أفريقيا وأوغندا، وقد كانت زائيري أكبر منتج للقصدير الأفريقي حتى عام 1960، لكن نيجيريا تفوقت عليها وأصبحت المنتج الأول بكمية قدرها 7959 طنا عام 1970، وهو ما يعادل 41٪ من إنتاج القارة، وفي السنة ذاتها بلغ إنتاج زائيري ما يعادل 33٪ من إنتاج أفريقيا، تليها جنوب أفريقيا بنسبة 10٪، وبذلك تحتكر الدول الثلاث 84٪ من إنتاج القارة، وإذا أضفنا إلى ذلك إنتاج رواندا (7٪)، فإننا نجد بقية المنتجين الأفريقيين يساهمون بنسب ضئيلة مثل ناميبيا (3,7٪)، وأوغندا (0,6٪)، ويصدر غالبية القصدير خاما إلى دول السوق الأوروبية، وأهم مناطق التعدين هي: جوس في نيجيريا، ومانيما ومانونو في زائيري، وروبرج في جنوب أفريقيا.
الذهب
ارتفعت مساهمة أفريقيا في إنتاج الذهب من 47٪ عام 1957، إلى 75٪ عام 1963، إلى 81,6٪ عام 1970 - وذلك كله باستثناء إنتاج الاتحاد السوفييتي - وسبب هذه الزيادة راجع أساسا إلى تناقص الإنتاج العالمي، وذلك برغم تذبذب الإنتاج الأفريقي قليلا، وخروج عدد من الدول الأفريقية المنتجة فيما عدا جنوب أفريقيا، وقد أدى هذا إلى تركيز الإنتاج في عدد محدود من دول القارة.
وقد ارتفع الإنتاج من 913 ألف كيلوجرام عام 1963، إلى 1046508 كيلوجرامات عام 1970، كان نصيب جنوب أفريقيا 95,6٪ من الإنتاج الأفريقي - وهو يساوي أيضا 78,1٪ من مجموع إنتاج العالم عدا الاتحاد السوفييتي - تليها غانا (2٪)، وروديسيا (1,3٪)، ثم زائيري وإثيوبيا ودول أخرى بكميات ضئيلة.
الماس
انخفضت مساهمة أفريقيا في الإنتاج العالمي للماس من 97٪ عام 1937 إلى 84٪ عام 1967، وإلى 82٪ عام 1970. والحقيقة أن الإنتاج أكبر من الأرقام المنشورة؛ لكثرة تهريب الماس بطرق غير مشروعة في عدد من الدول المنتجة مثل سيراليون.
وقد بلغ الإنتاج الأفريقي 38,9 مليون قيراط متري عام 1970، كان منه 21,5 مليون قيراط من الماس الصناعي - المستخدم في الأغراض الصناعية - و17,4 مليونا من أحجار الزينة الكريمة. وتتصدر زائيري الدول المنتجة لنوعي الماس بنسبة قدرها 36٪ من الإنتاج الأفريقي (1,7 مليون قيراط من الأحجار، و12,3 مليون قيراط من الماس الصناعي)، تليها جنوب أفريقيا بنسبة 20,8٪ (3,7 ملايين قيراط من الأحجار، 4,4 ملايين قيراط من الماس الصناعي)، ثم الكنغو بنسبة 13,6٪ من الإنتاج الأفريقي (مليون قيراط أحجار، و4,3 ملايين قيراط من الماس الصناعي)، ثم غانا بنسبة 6,5٪ (2,5 مليون قيراط من الأحجار)، وأنجولا (6٪)، وناميبيا 5,6٪ (2,1 مليون قيراط من الأحجار، 0,1 مليون قيراط ماس صناعي)، يلي ذلك سيراليون وليبيريا وتنزانيا بنسبة أصغر على التوالي.
وإلى جانب ذلك فهناك معادن كثيرة تساهم فيها أفريقيا بنسب كبيرة من الإنتاج العالمي، فهناك الكوبالت (75٪): وأكبر منتجيه في زائيري وزامبيا، والأنتيموني (29٪): معظمه من جنوب أفريقيا، والفاناديوم (28٪): ومعظم إنتاجه أيضا من جنوب أفريقيا، والمنجنيز (20٪): 81٪ من إنتاجه من جنوب أفريقيا، والفوسفات (23,6٪): وغالبية إنتاجه من المغرب وتونس والجزائر، والاسبستوس (10,6٪)، والفضة (3٪): ومعظم إنتاجهما من جنوب أفريقيا، وأخيرا هناك المواد المشعة التي توجد بكميات صغيرة في تنزانيا وموزمبيق وملاجاشي، وبكميات متوسطة إلى كبيرة في زائيري وجنوب أفريقيا وناميبيا. (2) الاقتصاد الإنتاجي
المقصود به المشاركة الإنسانية في الإنتاج بدلا من استغلال الموارد على صورتها الطبيعية، والحقيقة أن التفريق بين الاقتصاد الهدمي والإنتاجي أصبح في الوقت الحاضر أقل وضوحا مما كان عليه في الماضي؛ وذلك لتدخل الإنسان في كثير من عمليات الإنتاج الطبيعي بقصد تجديد الثروة الطبيعية، ويتضح ذلك في عالم النبات بإعادة تشجير الغابات، وعالم الحيوان بتحديد معازل الحيوان ومنع الصيد، وفي الأسماك بتحديد كمية المصاد أو بالمشاركة في الإنتاج بواسطة أسلوب مزارع الأسماك.
وفي المعادن ما زال الأمر بعيدا عن اشتراك الإنسان في إنتاج المعادن، وكل ما يفعله إعادة صهر بعض المعادن كالحديد أو النحاس. أما الاقتصاد الإنتاجي فيشمل أساسا الرعي والزراعة والصناعة. (2-1) الرعي
رغم أن الرعي قد ظهر بصورته الواسعة في أفريقيا منذ قرابة ألف سنة، إلا أنه يبدو أن مصيره إلى الانكماش والزوال، كما هو الحال بالنسبة للجمع والصيد، ويرتبط ذلك بلا شك باتجاه الدول والتشريعات الاقتصادية الحديثة من أجل استقرار الرعاة المتنقلين، وتحسين سلالات حيوان الرعي وغير ذلك مما يؤدي إلى تدخل متزايد من جانب الهيئات الحكومية في حرية الرعي التقليدي، ويفرض عليه القيود التي سوف تؤدي في النهاية إلى زواله، وحلول أنواع أخرى من النشاط الاقتصادي مرتبطة بالزراعة وتربية الحيوان على النظم والأساليب الحديثة.
ومن الأدلة على هذا الاتجاه أن كثيرا من الرعاة التقليديين الذين استقروا قد بدءوا يقيمون دعائم حياتهم الاقتصادية على الزراعة، أو غيرها من أنواع العمالة، ويقللون اعتمادهم على الحيوان، أو نجدهم يقومون بما يسمى الزراعة المختلطة التي تخدم فيها الزراعة تربية الحيوان أو العكس، أو هما معا.
والرعي المتنقل في الوقت الحاضر يسود مساحات ضخمة من القارة، وأكبر مركز له السفانا السودانية من الهضبة الحبشية إلى السنغال، ومن نطاق الصحراء الكبرى إلى حدود السفانا الشجرية، والمركز الثاني يشمل سفانا هضبة البحيرات والسفانا الجنوبية ومدغشقر. وهناك دول عماد حياتها الاقتصادية في الوقت الحاضر الحيوانات، وغالبية سكانها رعاة، ومن أهم نماذج هذه الدول: النيجر وتشاد والفولتا العليا وموريتانيا، وكلها في نطاق السفانا السودانية.
وأهم حيوانات أفريقيا هي الأبقار تليها الإبل، ولكل منهما مجال انتشار خاص؛ فالإبل في المناطق الصحراوية، والأبقار في نطاقات الحشائش في السهول والجبال، وإلى جانبهما نجد أعدادا وفيرة من الماعز والأغنام، وفي بعض المناطق الخنازير أيضا.
وأبقار أفريقيا من أنواع عديدة بعضها أفريقي وبعضها هندي الأصل، ولكنها في غالبيتها ذات قيمة اقتصادية قليلة؛ لأن أوزانها صغيرة وألبانها قليلة. وهناك بعض الجماعات لا تحلب البقر كما هو الحال في بعض قبائل غرب أفريقيا وشمال أنجولا، ومنتجات الألبان تكاد تكون غير موجودة إلا في مناطق محدودة من القارة، وبعض القبائل تعيش على لبن ودم الأبقار كالمازاي والفولاني، وسبب قلة الأهمية الاقتصادية أن للماشية دورا اجتماعيا خطيرا يطغى على كثير من صور استغلال الحيوان، ومن أهم أدوارها الاجتماعية أنها رأسمال، وبالتالي فالعدد وليس النوع هو مصدر الأهمية في تربية الماشية الأفريقية.
2
وكان لتكاثر أعداد الماشية آثار سيئة، فالغذاء محدود وموارد الماء محدودة، مما يؤدي إلى هزال الماشية من ناحية، وتجمعها في مواسم الجفاف في نقط السقاية بأعداد كبيرة، ويسهل هذا الوضع انتقال أمراض وأوبئة البقر، ويقضي على جانب كبير منها؛ ولهذا كان أول ما يعمل لتحسين الثروة الحيوانية انتشار مراكز بيطرية عديدة لعلاج الحيوان ومكافحة مصادر الأمراض، ومن أهمها: القضاء على ذباب تسي تسي، وحفر الكثير من الآبار لمنع تركز الماشية في نقط محدودة. (2-2) الزراعة
تنقسم الزراعة الأفريقية المعاصرة إلى ثلاث أقسام رئيسية: الزارعة المتنقلة أو البدائية، والزراعة الكثيفة، والزراعة الواسعة الأوروبية، ولكل من هذه الأقسام مناطق انتشار محددة؛ فالزراعة البدائية تنتشر في نطاق الغابات والسفانا، والزراعة الكثيفة في الجمهورية العربية المتحدة وحوض البحر المتوسط، ومشروعات الزراعة الحديثة في السودان ومالي والسنغال وأوغندا، وأخيرا فالزراعة الواسعة الأوروبية تنتشر في مناطق استيطان الأوروبيين الحالية والسابقة في جنوب وشرق القارة.
ولكل من هذه الزراعات ارتباطات تاريخية وضوابط طبيعية وحضارية؛ فالزراعة البدائية قد انتشرت كنمط متوازن مع الظروف الطبيعية للتربة الأفريقية المدارية، فمعظم هذه التربة من النوع المعروف باسم لاتريت أو التربة الحمراء، وهي قليلة السمك ويسهل جرفها وتعريتها بواسطة الأمطار والرياح، إذا ما تعرت من الغطاء الشجري الذي يحميها من الأمطار ويغذيها بما يسقط من الأشجار من أوراق ومخلفات تتحلل، وتكسب هذه التربة الضعيفة المواد العضوية التي تمكن من تغذية الأشجار الاستوائية الفخمة.
ولهذا فإن الملكية الزراعية الفردية تكاد ألا تظهر ويحل محلها الملكية الجماعية للعشائر والقبائل التي تسيطر على مساحات كبيرة؛ لكي يكون هناك احتياطي كبير تنقل إليه الزراعات بعد فقدان خصوبة المزارع السابقة.
أما الزراعة الكثيفة فتظهر في منطقة البحر المتوسط ووادي النيل الأدنى؛ لخصب التربة وتجددها، ولاستخدام المحراث والمخصبات العضوية واستقرار المزارعين في ملكيات فردية متوارثة.
وأخيرا فإن المزارع الأوروبية الواسعة ما هي إلا نتيجة للاستعمار والاستيطان ونزع ملكيات الأفريقيين من أجل تأمين حياة ثابتة للمستوطنين البيض، وتؤكد الأرقام التالية هذه الحقيقة التي أدت إلى كوارث اقتصادية واجتماعية للأفريقيين أصحاب الأرض التي تركت لهم مساحات صغيرة من بلادهم، أو مساحات كبيرة غير منتجة حتى ضاقت بهم مواردها، وكان عليهم إذن العمل في صور قريبة من صورة رقيق الأرض في مزارع الأوروبيين.
جدول 10-1: نسبة الأرض المنزوعة لصالح الأوروبيين (1950).
جنوب أفريقيا
89٪
روديسيا
49٪
سوازي
49٪
كينيا
7٪
مالاوي
5٪
الكنغو
9٪
الجزائر
13٪
تونس
6٪
زامبيا
3٪
المغرب
2٪
ج. غ. أفريقيا
5٪
بتشوانا
6٪
ويتميز كل نوع من أنواع الزراعات الأفريقية المعاصرة بإنتاج معين؛ «فالزراعة البدائية» تقدم الغذاء للسكان، أو على الأقل تحاول أن تكفي القبائل حاجتهم، وقد يتعذر ذلك في أحيان لضعف التربة وقلة المال السائل لدى الفلاحين، الذي يمكن أن يؤدي إلى شراء الأسمدة والمخصبات واستخدام وسائل أنجع في الزراعة من عصا الحفر أو الفأس، ونقص الخبرة الفنية والتجارب التي يمكن أن تؤدي إلى إنتاج أنوع من الزراعة أكثر غلة من المحاصيل الحالية.
وأهم محاصيل الزراعة البدائية هي الذرة الرفيعة بأنواعها العديدة، التي يمكن تسميتها جميعا بالدخن، يلي ذلك في الأهمية والانتشار الأرز والمحاصيل الدرنية كالبطاطا والقلقاس وأمثالهما (يام - كاسافا - مانيوق)، يلي ذلك محاصيل أخرى من أهمها: الذرة والموز والفول والبسلة والفاصوليا والقرع والخيار والشمام.
3
ويلاحظ أن معظم هذه المحصولات فقيرة جدا في البروتين، ويتضاعف نقص البروتين ويشتد خطره لنقص اللحم في الغذاء؛ إما لعدم توافر الماشية (مناطق الغابات وتسي تسي)، وإما للدور الاجتماعي للماشية الذي يؤدي إلى تحديد أعداد الماشية المذبوحة بشدة، إلا في الحفلات والطقوس الدينية والاجتماعية.
ويمكننا أن نقسم مناطق الزراعة البدائية إلى أقسام جغرافية يسود في كل منها محصول أو أكثر على النحو التالي: (1)
نطاق الغابات الاستوائية في غرب ووسط أفريقيا، ويتميز بسيادة المحصولات الدرنية (الكاسافا - المانيوق - اليام - القلقاس - البطاطا الحلوة). (2)
نطاق الغابات الاستوائية في غرب ساحل العاج حتى الجامبيا، ويتميز هذا النطاق الموسمي المطر بأن الأرز يسيطر على المحاصيل الزراعية الأخرى؛ وذلك لكثرة الأنهار والأمطار والمستنقعات واللاجونات واستواء الأرض في الأقاليم الساحلية. (3)
الإقليم السوداني من السنغال إلى هضبة الحبشة، يتميز بسيطرة الحبوب على الزراعة، وأهم هذه الحبوب بلا شك أنواع الدخن العديدة، وإلى جانب ذلك تظهر محاصيل أخرى في مناطق معينة؛ ففي المناطق شبه الجافة يظهر الفول السوداني، وفي المناطق الأكثر مطرا تظهر الذرة أو البطاطا. (4)
منطقة هضبة البحيرات، وتتميز بسيطرة مزارع الموز على المحاصيل الزراعية الأخرى، ويلاحظ أن لكل من الشعوب والمجموعات الأفريقية في هضبة البحيرات محصول مميز؛ فالبانتو يتميزون بزراعة الموز، بينما يتميز النيليون بزراعة الدخن. (5)
نطاق السفانا جنوب هضبة البحيرات والغابات الاستوائية في وسط أفريقيا، ويتميز بكثرة ظهور الذرة كمحصول أساسي بدلا من الدخن في نطاق السفانا السودانية.
أما «الزراعة الكثيفة»: فأهم محاصيلها القمح والذرة والشعير وغير ذلك من محاصيل الحبوب والبقول والدرنيات وقصب السكر، ومعظمها أيضا محصولات غذائية، ولكن الظروف التي تزرع فيها - خصب التربة، استخدام المخصبات العضوية، استخدام المحراث، نظم الري المختلفة - جعلت كمية الإنتاج أكبر من الكفاية الذاتية في أحوال كثيرة، وخاصة في وادي النيل الأدنى وشمال غرب أفريقيا، قبل الزيادة السكانية الكبيرة في هذا القرن، وقبل اتجاه جزء هام من الإنتاج الزراعي إلى المحصولات النقدية.
وإلى جانب ذلك فقد كان هناك محاصيل شجرية عديدة، منها الزيتون والكروم والنخيل، بحيث إن هذه الزراعة كانت تكمن فيها عدة خصائص نذكر منها: التخصص الإنتاجي، والزراعة المختلطة مع الحيوان، ووجود فائض إنتاج جعل في المنطقة خدمات تجارية على نطاق محدود، ولكنه آخذ في التناقص بشدة نتيجة للنمو السريع الملحوظ للسكان في أفريقيا الشمالية.
وقد تميز إقليمي الزراعة البدائية والكثيفة بدخول عنصر جديد في الفترة الحديثة، وإن كانت هذه الفترة تمتد إلى أكثر من مائة عام في الجمهورية العربية المتحدة، هذا العنصر هو المحاصيل النقدية التي تمثلت في القطن والأرز وفول السوداني والقرنفل والكاكاو والبن، بالإضافة إلى تنمية محاصيل طبيعية من أجل تجارة الصادر كنخيل الزيت وجوز الهند، وقد أدت هذه المحاصيل النقدية إلى دخول بعض مناطق هاتين الزراعتين في سوق الإنتاج الدولي بقصد التبادل التجاري، ولكن الطفرة التي أدت إليها هذه المحاصيل في ميزانيات الدول والمستعمرات كانت سلاحا ذا حدين؛ فإن المال الذي توفر فجأة في أيدي المزارعين لم يعتن برصد أجزاء منه لمشروعات المستقبل، ومواجهة تطورات الموقف الدولي من حيث أسعار الخامات؛ ولهذا تعرضت هذه الدول لذبذبة شديدة في الدخول، أدت إلى نشوء وتخطيط اقتصادي جديد، يشتمل على تدخل الحكومات لتثبيت الأسعار، وإنشاء هيئات للمنتجين، وأرصدة خاصة للتوسع أو سد العجز، وأخيرا محاولة إيجاد بديل أو محصول آخر زراعي أو معدني، أو التصنيع من أجل تخفيف أخطار الاعتماد على محصول واحد.
ومن أهم نتائج دخول المحصول النقدي ظهور المشروعات الزراعية الكبرى، ومشروعات الري الدائم على النيل في الجمهورية العربية المتحدة (القناطر وسد أسوان والسد العالي)، والسودان (أرض الجزيرة ودلتا الجاش ومشروع الزاندي والبطانة)، ومالي (مشروع دلتا النيجر الداخلية)، والسنغال (مشروعات الفول السوداني)، ونيجيريا (القطن والفول السوداني في الشمال، والكاكاو والزيوت النباتية في الجنوب)، وغانا (الكاكاو وسد الفولتا)، وأوغندا (مشروعات القطن والبن)، وتنجانيقا (السيسال).
أما «المزارع الأوروبية الواسعة» فتتركز في شرق وجنوب القارة، ومن أهم مناطق المزارع الأوروبية: حقول السيسال في تنجانيقا، ومزارع البن والشاي والسكر والتبغ في مناطق المرتفعات في دول شرق أفريقيا، والمطاط في ليبيريا، ومزارع البرتغاليين المنتجة للكاكاو، وفي ساوتومي وبرنسيب، والمنتجة للسيسال في أنجولا وموزمبيق، ومزارع البلجيكيين في الكنغو، والبريطانيين في روديسيا وجنوب أفريقيا.
وتتميز مزارع الأوروبيين بانقسامها إلى قسمين: الأول مخصص للمحصولات النقدية، وهو أوضح ما يكون في شرق القارة والمستعمرات البرتغالية والكنغو وليبيريا، والثاني زراعة احتياجات الأوروبيين من محصولات غذائية، بالإضافة إلى محصولات تجارية، كما هو الحال في روديسيا وجنوب أفريقيا.
وتتميز مزارع الأوروبيين عامة بأنها تشتمل على مساحات كبيرة وخاصة تلك المنتجة للمحصولات النقدية، ومن الأمثلة على ذلك: مزارع ليبيريا التي يملكها المليونير الأمريكي فايرستون، والتي تبلغ مليون فدان يستغل عشرها فقط، ومساحة ممتلكات الشركة البلجيكية المسماة شركة زيوت الكنغو البلجيكي، والتي تبلغ 1,8 مليون فدان، وممتلكات المستوطنين البيض في جنوب القارة وشرقها ومتوسطها ألف فدان، وهناك مزارع أكبر وبعضها يستغل في إنتاج الحبوب (القمح أو الذرة) للأكل وعلفا للماشية الكثيرة التي يقتنيها البوير، ويعيشون عليها كمصدر أساسي للرزق.
ولا شك أن حركات التحرر الوطنية واستقلال عدة دول في شرق أفريقيا قد أدى إلى خوف كثير من المستوطنين وتصفية أملاكهم والرحيل، كما حدث في حالات عديدة بين مزارعي كينيا من الإنجليز. (2-3) إنتاج الطاقة والصناعة
الصناعة في أفريقيا بمفهومها الحديث جديدة، ولكن هناك صناعات قديمة في القارة يمكن تدخل في مفهوم الحرف كالحدادة، وصهر الحديد، والنسيج، وعمل السكر، وعصر الزيوت النباتية والدباغة، وعمل الملابس، وتشغيل الجلود، والتجارة ... إلخ.
أما الصناعة المرتبطة بالمصنع والإنتاج الآلي، فهي قاصرة على مناطق محدودة من العالم الأفريقي، ولا شك أن مصدرها أو المحرك لوجودها هو التأثر الأفريقي بالعالم الخارجي، وعلى الأخص بأوروبا الصناعية.
وعلى هذا فالصناعة قاصرة على مناطق معينة تتمثل في مدن شمال أفريقيا، وعلى وجه الخصوص بعض مدن الجمهورية العربية المتحدة، وفي اتحاد جنوب أفريقيا، ومناطق متفرقة من روديسيا والكنغو.
وحتى هذه المناطق؛ باستثناء الجمهورية العربية المتحدة وجنوب أفريقيا، تتميز بصناعات محدودة، غالبا ما ترتبط بالتعدين، كما هو الحال مثلا في تصنيع النحاس في كاتنجا وزامبيا، أو محاولة تصنيع البوكسايت في غانا.
وهناك أسباب عديدة لتأخر الصناعة في أفريقيا، نذكر منها: قلة الخبرة، وعدم وجود رأس المال، وتفضيل حكومات المستعمرات الاتجاه إلى استغلال الخامات الأفريقية وتصنيعها في أوروبا، وفوق كل هذا نقص خطير في أفريقيا في موارد الطاقة المحركة وتشريعات العمالة؛ ذلك أن الأوروبيين قد انتهزوا فرصة الزعامات القبلية الأفريقية لكي يجبروا الزعماء على إمدادهم بالقوة بعدد من الأيدي العاملة نظير أجور ضئيلة، وقد بدأت هذه المعاملة الجائرة في التحسن، إلا في مناطق المستعمرات البرتغالية التي تؤمن العمالة الرخيصة لمناجم النحاس في الكنغو وزامبيا، ومناجم الفحم والحديد والماس في روديسيا وجنوب أفريقيا راجع خريطة رقم (40).
وفي مجال الطاقة تعاني القارة الأفريقية نقصا كبيرا، وإن كانت المصادر الحالية تكاد تكفي ، أو ربما في بعض البلاد تزيد عن حاجة الاستهلاك المباشر. وفيما يختص بالفحم، فإن أفريقيا تنتج حاليا ما يوازي 3٪ فقط من الإنتاج العالمي، ومعظمه متركز في النصف الجنوبي من القارة، كما يتضح من الأرقام التالية:
4
جدول 10-2: إنتاج الفحم بآلاف الأطنان المترية.
الدولة
1948
1958
1968
1970
جنوب أفريقيا
24017
3785
51655
45612
روديسيا
1696
3535
2969
3332
زامبيا
399
623
المغرب
290
510
451
433
موزمبيق
9
248
314
351
نيجيريا
615
940
203
102
زائيري
117
294
71
58
الجزائر
226
153
17
15
مجموع أفريقيا
56015
50526
إنتاج الفحم الأفريقي ضئيل بالنسبة للإنتاج العالمي؛ فقد كان 2,8٪ عام 1968، ويمثل أقل من 2,5٪ عام 1970، والملاحظ أن الإنتاج الأفريقي متذبذب وهو يتجه في مجموعه إلى الانخفاض، وهناك دول تختفي من قائمة المنتجين مثل تنزانيا وملاجاشي اللتين كانتا تنتجان قرابة عشرين ألف طن في أوائل الستينيات، وانخفض إنتاجهما إلى أرقام لا تذكر، وواضح من الجدول أيضا اتجاه نيجيريا وزائيري والجزائر إلى الهبوط الشديد، وعلى هذا فإن الفحم في حقيقته يقتصر على ثلاث دول في جنوب القارة، وبرغم هذا فإنه يمثل احتكارا حقيقيا لدولة جنوب أفريقيا (90,3٪ من إنتاج القارة).
ويقدر احتياطي الفحم في جنوب أفريقيا ب 72,4 مليار طن، وهو ما يكفي هذه الدولة عدة مئات من السنين، مع افتراض ازدياد الاستهلاك عن الإنتاج الحالي، أما احتياطي روديسيا فيبلغ 6,6 مليارات من الأطنان، مركزة في حقل وانكي، وهو بذلك أقل بكثير من احتياطي جنوب أفريقيا، ويمثل احتياطي فحم نيجيريا أصغر احتياطي معروف في أفريقيا؛ إذ قدر عام 1970 بنحو ثلث مليار طن، كما أنه ليس نوعا جيدا، وقد تناقص إنتاجه كثيرا بسبب ثورة الإيبو التي عرفت باسم ثورة «بيافرا»، التي توجد فيها حقول الفحم الرئيسية قرب مدينة إينوجو، وقد ظهرت زامبيا أخيرا في قائمة إنتاج الفحم الأفريقي، ولا تزال المغرب تمثل الدولة الوحيدة في نصف أفريقيا الشمالي ذات الإنتاج المعقول.
وعلى عكس الفحم فإن «البترول» يكاد أن يتركز وجوده في النصف الشمالي من أفريقيا، وهو يمثل أكبر مصدر للطاقة المعدنية في القارة، كما كان يمثل حوالي 11,5٪ من الإنتاج العالمي للبترول لعام 1972، وحتى عام 1957 كانت مصر تنتج نحو 90٪ من بترول أفريقيا، ثم أخذت أهميتها في التناقص السريع بعد ذلك التاريخ بدخول الجزائر مجال الإنتاج التجاري، ثم ليبيا بعد عام 1960.
جدول 10-3: إنتاج البترول في أفريقيا (ألف طن متري). *
الدولة
1957
1963
1968
1970
1972
ليبيا
22039
125539
161708
116278
نيجيريا
3772
21000
54203
93857
الجزائر
21
23887
42168
47281
55323
مصر
2397
5598
9000
16410
11836
أنجولا
10
800
750
5055
7039
جابون
173
890
4642
5423
6517 *
المصادر: الكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة (عدة سنوات آخرها 1971).
مجلة النفط عدد 20 يناير 1973 (عن أرقام 1972).
ويضاف إلى هذه القائمة من المنتجين في السنوات الأخيرة تونس (4,2 ملايين طن)، والكنغو (0,4 مليون طن)، والمغرب (15 ألف طن)، ويلاحظ من الجدول السابق أن إنتاج البترول يتذبذب في عدد من الدول نتيجة للأحداث السياسية، أو يخضع لسياسات الدولة المنتجة؛ فقد تأثر بترول نيجيريا كثيرا نتيجة لحرب بيافرا في أواخر الستينيات، وتناقص الإنتاج الليبي بمقدار الربع.
جدول 10-4: احتياطي البترول في أفريقيا (مليون طن).
السنة
ليبيا
نيجيريا
الجزائر
مصر
أنجولا
جابون
الكنغو
1970
3959
757
1056
137
106
67
1972
4342
2142
6714
742
171
157
714
وأيا كانت الاختلافات فإن احتياطي البترول الأفريقي - الذي يمثل حوالي 15٪ من الاحتياطي العالمي - يكاد أن يتركز في ليبيا والجزائر بنسبة قد تصل إلى 80٪ من مجموع الاحتياطي الأفريقي.
وبرغم أن الإنتاج يمثل حوالي 10٪ من العالم، إلا أن طاقة التكرير في أفريقيا - نحو 43 مليون طن سنويا - لا تمثل سوى 1,6٪ منها في العالم غير الشيوعي، ويؤكد هذا أن غالبية البترول الأفريقي يستخدم في التصدير كمادة خام. وتمتلك جنوب أفريقيا نحو 30٪ من طاقة التكرير في أفريقيا، تليها مصر (12٪)، ثم الجزائر ونيجيريا وليبيا (7,3٪، 7,2٪، 7,1٪ على التوالي).
وإلى جانب البترول فإن «الغاز الأرضي» يمثل مصدرا آخر من مصادر الطاقة المنتجة في أفريقيا، ويشكل الاحتياطي 10٪ من مصادر الغاز العالمية، وتمتلك الجزائر 55٪ من احتياطي الغاز الأفريقي، تليها نيجيريا (21٪)، وليبيا (14,5٪)، وفي الجزائر عدة مشروعات ضخمة - تم جانب كبير منها - لنقل الغاز إلى أوروبا.
وفي مجال «الطاقة الكهربائية» فإن إنتاج أفريقيا من هذه الطاقة - سواء من مصادر حرارية (فحم وديزل) أو مصادر مائية - قد تزايد من 13,5 مليار كيلووات/ساعة عام 1948، إلى 50 مليارا عام 1963، إلى قرابة 70 مليارا عام 1970، لكن هذا الإنتاج ما زال صغيرا بالمقارنة بالقارات المماثلة.
جدول 10-5: إنتاج الطاقة واستهلاكها (1968).
الدولة
الطاقة الكهربائية (مليون ك س)
مصادر الطاقة معادلة بملايين الأطنان من الفحم
مجموعة الطاقة
الطاقة المائية
إنتاج
استهلاك
جنوب أفريقيا
49048
50
51,76
59,03
مصر
6735
2951
12
9,43
روديسيا
5576
4833
3,57
2,75
زائيري
2756
2607
0,40
1,43
المغرب
1538
1076
0,72
2,64
الجزائر
1305
563
60
5,37
نيجيريا
1105
126
9,70
1,82
الكمرون
1016
982
0,12
0,46
أوغندا
731
729
0,09
0,50
زامبيا
659
276
0,61
2,25
ومعظم إنتاج الطاقة في أفريقيا حراري، وليس أدل على ذلك من أن جنوب أفريقيا، وهي أكبر دولة منتجة للطاقة الكهربائية، تعتمد اعتمادا كليا على الفحم المحلي والبترول المستورد في توليد الكهرباء.
وعلى الرغم من أن في أفريقيا - حسب تقديرات 1965 - حوالي 23٪ من إمكانيات توليد الطاقة المائية العالمية كلها، إلا أن الطاقة المنتجة تساوي 1٪ من إنتاج العالم من هذا النوع عام 1954، وقد تزايد إنتاج الطاقة المائية في أفريقيا منذ ذلك التاريخ نتيجة إنشاء سد كاريبا على الزمبيزي، وسد إيديا في الكمرون، وكهربة سد أسوان، وسد الفولتا، وستزيد بإنشاء السد العالي وتنفيذ مشروعات الطاقة الأخرى في أفريقيا، وخاصة في غينيا والكنغو.
وفيما يلي بيان بأهم المحطات التي أنشئت، والمشروعات التي في قيد التنفيذ أو التي لم تبدأ بعد:
جدول 10-6: محطات الطاقة الرئيسية في أفريقيا.
المحطات الحالية
ألف كيلووات
المشروعات
ألف كيلووات
السد العالي (مصر)
2200
إنجا (زائيري)
30000
كاريبا (روديسيا)
715
كابوراباسا (موزمبيق)
2500
الفولتا (غانا)
600
كونكورية (غينيا)
800؟
أسوان (مصر)
300
كاريبا (زامبيا)
900؟
كاينجي (نيجيريا)
320
كافوي (زامبيا)
500
كولويزي (زائيري)
240
كويلو (الكنغو)
450
إيديا (الكمرون)
180
كيندا روما (كينيا)
250
أون (أوغندا)
150
مرشيزون (أوغندا)
180
جادوتفيل (زائيري)
108
بوجالي (أوغندا)
120
ومع تزايد الحصول على الطاقة تزيد إمكانيات التصنيع والصناعة، ومتوسط العمالة الصناعية الحديثة في الدول الأفريقية قرابة 25 ألف عامل، بينما هي في الجمهورية العربية المتحدة 396 ألف (1960)، وفي جنوب أفريقيا 650 ألفا (1960)، ولقد زاد الإنتاج الصناعي في الدول الأفريقية بنسب مختلفة، فإذا قارنا مستوى الإنتاج الصناعي عام 1959 بالنسبة لمستواه عام 1953، نجد أن أكبر زيادة حدثت في الجزائر بمقدار 168٪، والجمهورية العربية المتحدة 147٪، وجنوب أفريقيا 127٪.
ويمكننا أن نقسم نمو الصناعة في أفريقيا إلى ثلاثة أقسام: يشتمل القسم الأول على الصناعة في جمهورية جنوب أفريقيا التي تمثل الصناعة بالمفهوم الأوروبي، من حيث تواجد رأسمال كبير، وخبرة كبيرة، إلى جانب خامات عديدة. والقسم الثاني يشتمل على الصناعة في الجمهورية العربية المتحدة التي تمثل أقدم الصناعات الأفريقية الحديثة، وتتوفر فيها الخبرة ورأس مال وطني في غالبه، وتنقصها خامات عديدة.
والقسم الثالث يمثل الصناعات الحديثة في الدول التي ظلت فترة طويلة تحت السيطرة الأوروبية، أو التي تتسم بحكم عنصري أوروبي، ومن الأمثلة على ذلك: الجزائر والكنغو وروديسيا والمغرب. (2-4) المشروعات الاقتصادية الكبرى 1966-1970
فيما يلي نورد مختصرا لأهم المشروعات الاقتصادية الكبرى في القارة، والتي بدأت بعض الدول بتنفيذها، وقد يكون بعضها قارب الانتهاء، أو انتهي منه: (1)
الجزائر:
في أكتوبر 1968، تم بدء العمل في إنشاء خط أنابيب للغاز الطبيعي من مصادر الغاز الأرضية الغنية في حاسي بورمل إلى ميناء سكيكدا (فيليب فيل سابقا) شرقي الجزائر، وبذلك يكون هذا هو الخط الثاني لتصدير الغاز؛ فالخط الأول يبدأ أيضا من حاسي بورمل وينتهي إلى ميناء أرزيف القريب من وهران، والذي يعمل منذ 1961. والخط الجديد سيبلغ طوله عند الانتهاء 575كم، وقطر الأنابيب 40 بوصة، وحمولته 12500 مليون متر مكعب في السنة، وتقوم ببنائه شركة إيطالية (مجموعة إني
Eni )، وتشرف على الأعمال الهندسية شركة فرنسية
Sofrgaz .
ويشتمل المشروع على إجراء تحسينات كثيرة في ميناء سكيكدا، وبناء معملين لغاز الميثان أحدهما تابع للحكومة الجزائرية، وبناء معمل للغاز السائل، والتكاليف المرتقبة قدرت بحوالي 156 مليون جنيه إسترليني.
وهناك مشروع آخر حيوي، وإن كان التفكير فيه يعود إلى العصر الاستعماري الفرنسي، ذلك هو طريق عابر للصحراء يصل منطقة نهر النيجر وغرب أفريقيا بالبحر المتوسط، ومنذ 1963 كان التفكير يدور حول تحسين الطرق الصحراوية الحالية، واختيار واحد منها ليصبح الطريق الرئيسي الممهد، وكانت هناك أوليات في بدء الطريق من وهران أو الجزائر، أي طريق غربي أم أوسط، وانتهى الأمر بتفضيل الطريق الأوسط الذي يبدأ من الجزائر ويمر بالأغواط وغاردايا والقليعة وعين صلاح وتامنراست، ثم يتفرع جنوبها إلى طريقين: الأول إلى جاو على ثنية النيجر في مالي، والثاني إلى تاهو في دولة النيجر. ويخدم هذا الطريق عدة أهداف حيوية لتعمير منطقة هضبة الهكار (الحجار) ومالي والنيجر معا، ويبلغ طول الطريق 1900كم في الأرض الجزائرية، و670كم في مالي، و600كم في النيجر، (مجموع 3180كم). الهدف النهائي جعل عرض الطريق 19 مترا، ولكنه سيبدأ بعرض ثمانية أمتار، وتبلغ التكاليف 61 ألف دولار للكيلومتر في الأراضي الصعبة، و22 ألفا في الأراضي السهلة، وتبلغ تكاليف الصيانة سنويا بين 3 و4,5 ملايين دولار، وتكاليف الإنشاء الإجمالية مائة مليون دولار، والمرتقب أن تنخفض أسعار نقل البترول إلى ما بين 40 و50٪ من تكلفة النقل الحالي، كما أنه سيجعل النيجر على بعد 2800كم من البحر المتوسط، ومالي على بعد 3000كم فقط، بتوفير حوالي 1100-1600كم بالنسبة للطرق الحالية. وتقوم بإعداد الطريق شركتان فرنسيتان. (2)
السنغال:
تنفذ دولة السنغال منذ عام 1964 مشروعا لاستصلاح الأراضي المملحة في المجرى الأدنى لنهر السنغال والدلتا، وقد قامت بإنشاء جسور على الضفة اليسرى للنهر فيما بين رتشاردتول وسان لوي عند المصب؛ لمنع مياه الفيضان من الركود في الأراضي المنخفضة، ورفع نسبة الملوحة. والهدف النهائي للمشروع يتضمن استصلاح 30 ألف هكتار تخصص لزراعة الأرز، وإنشاء خمس قرى سكنية داخل مشروع زراعي تعاوني، وقد بلغت الأراضي المستصلحة 6,5 آلاف هكتار بين عامي 1965 و1969، وتساهم فرنسا في استثمارات هذا المشروع منذ عام 1965؛ فقدمت حوالي 22 مليون جنيه إسترليني، والغرض الأساسي من المشروع يتضمن شقين: أولهما استصلاح وتنمية النشاط الاقتصادي في دلتا السنغال، وثانيهما خفض واردات السنغال من الأرز، والتي تكون عبأ على ميزانية الدولة.
نهر السنغال: يكون هذا النهر محورا هاما من محاور التنمية الاقتصادية للدول الأربع التي يمر بها النهر: غينيا (المنابع) - مالي - السنغال (المصب) - موريتانيا (80كم من الحدود المشتركة مع السنغال يكونها نهر السنغال). ونظرا لهذه الأهمية الدولية، فقد أنشأت عام 1964 منظمة خاصة بالنهر من الدول الأربع، ونصب أعينها أربعة أهداف: (1) ضبط الفيضان من أجل تحسين الملاحة في النهر. (2) تحسين الموانئ النهرية. (3) توليد الطاقة. (4) التنمية الزراعية بالري وحفر القنوات. والمشروعات الكبيرة على النهر في الوقت الحاضر تتكلف ما يقرب من 44 مليونا إسترلينيا، قدمت الدول الأربع ربعها، والباقي من برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة. وتقوم ثلاث شركات سويسرية وشركة أمريكية بدراسة هذه المشروعات، ولكنها تركز على ضبط الفيضان وبحيرة التخزين المقترحة، والمفروض أن تكون الدراسة قد انتهت عام 1970 أو 1971.
ومفتاح المشروعات الكبرى للسنغال هو إقامة سد عن جوينا - مشروع يعود إلى 1906 - فهو يتحكم في مياه الفيضان ومستوى ماء النهر، مما يسمح بالري والملاحة المنتظمة وإنتاج ألف مليون كيلووات/ساعة من الكهرباء، وطول السد المقترح 700 متر، وارتفاعه 50 مترا، ويحجز ثمانية ملايين من الأمتار المكعبة من المياه في بحيرة الخزن، ويمثل المشروع أمرا حيويا بالنسبة لدولة مالي على وجه خاص؛ حيث سيمدها بالطاقة اللازمة لتشغيل مناجم البوكسايت، كما سيسمح لأول مرة بملاحة نهرية منتظمة من كاييز إلى البحر، ويقلل بذلك نفقات النقل البري الحالية. (3)
الكمرون:
مشروع مد الخط الحديدي الحالي (دوالا-ياوندي) من نهايته في ياوندي إلى بلدة نجاونديري (626كم) في وسط الكاميرون، وقد بدئ فعلا في إنشاء الجزء من ياوندي إلى بلابو (296كم) الذي بدأ العمل فيه في نهاية 1964، والمتوقع أن ينتهي في أوائل عام 1970، وتقوم بتنفيذه مجموعة شركات إيطالية، والهدف النهائي من هذا الطريق الحديدي الذي يخترق غابات كثيفة، هو جلب المنطقة الوسطى والشمالية من الكمرون إلى الاستغلال الاقتصادي الحديث، وربما فكر في مد الخط الحديدي، أو طريق بري حديث من نجانديري إلى فورلامي (عاصمة تشاد) أو الإقليم الجنوبي الغني من تشاد، وبذلك يقدم لهذه الدولة البعيدة عن البحر مواصلات رخيصة إلى المحيط بطريق ميناء دوالا. (4)
الكنغو برازافيل:
في أبريل 1969 صدرت الكنغو أول شحنة من بوتاس مناجم
Holle-st
- 40كم شمال شرقي ميناء بوان نوار - وهي المنطقة التي بدأ التنقيب فيها منذ عام 1960، ويقدر احتياطي البوتاس بحوالي 135 مليون طن تنتج خاماتها 35٪-40٪ من كلوريد البوتاسيوم، وهذه المناجم تعد أكبر مصادر البوتاس في العالم، وقد قام بالعمل شركات فرنسية، وعلى إثر دخول البوتاس زادت صادرات الدولة إلى الضعف، وتقدر زيادة الإنتاج القومي ب 15٪ نتيجة لهذا الاستغلال الجديد للمصادر الطبيعية.
خريطة رقم (48). (5)
النيجر:
اكتشفت في 1969 مناجم كبيرة لليورانيوم في منطقة آرليت في إقليم آير، وقد بدأ العمل من أجل استغلال هذا المصدر العظيم من مصادر الطاقة النووية، خاصة بعد أن توقف العمل في مناجم اليورانيوم في زائيري (الكنغو كنشاسا)، بعد أن كانت أحد أهم مصادر اليورانيوم للعالم الغربي - سبب التوقف فني: تداخل الأملاح والأكاسيد يجعل استخلاص اليورانيوم مشكلة. قدر احتياطي النيجر من مناجم آير بحوالي 20000 طن (نسبة المعدن للخام = 2,5 في الألف)، في مقابل 380000 طنا في جنوب أفريقيا، وثمانية آلاف في الكنغو، وأربعة آلاف في جابون (نسبة المعدن للخام في جنوب أفريقيا تتراوح بين 0,2 و0,3 في الألف)، وهذه النتائج تضيف كثيرا إلى قيمة اليورانيوم المكتشف في النيجر، وقد تكونت شركة جديدة لاستغلال هذا المعدن النادر باسم
Somair = شركة آير للتعدين، تتكون من مساهمة قدرها 20٪ لحكومة النيجر، 40٪ للجنة الطاقة الذرية الفرنسية، و20٪ لشركة مقطع الحديد الفرنسية - التي تحتكر إنتاج اليورانيوم في جابون - و20٪ للشركة الفرنسية لمناجم اليورانيوم، وكان من المتوقع أن تنتج الشركة الجديدة 200 طن يورانيوم ابتداء من 970 / 971، ولكن الخطط تغيرت من أجل بناء مصنع ينتج في 1973 حوالي 1500 طن سنويا.
وترمي الخطة إلى بناء مدينة جديدة عند المناجم تتسع لنحو ستة آلاف شخص، وتأمين المياه في هذه المنطقة الجافة تصبح مشكلة حادة، وقد عثر على خزان مياه أرضي على عمق 400 متر، لكنه يحتاج إلى محطة كهربائية لضخه إلى أعلى بتكاليف عالية، ومن بين المشكلات الأخرى النقل؛ لأن آرليت تقع على بعد 2000كم من البحر (خليج غانا)، فمواد البناء المختلفة سوف تنقل إلى ميناء كوتونو في داهومي، ثم بالسكة الحديدية إلى باراكو في شمال الداهومي (438كم)، ثم بالطريق البري لمسافة 1500كم، وهي مسافة ليست كلها معبدة، وخاصة ال 500كم الأخيرة، وقد قدرت الحمولة اللازم نقلها سنويا من المواد والكيميائيات والوقود وقطع الغيار والأغذية ... إلخ بحوالي 30000 طن، أما نقل اليورانيوم المنتج (1500 طن سنويا)، فيمكن أن يشحن بعضه بالطريق البري إلى كوتونو، وبعضه بالطائرات، وبرغم هذه المصاعب فإن أرباح اليورانيوم تحتمل كل هذه التكلفات العالية، ويقدر أن هذا اليورانيوم سيؤدي إلى تغير جذري في الإنتاج القومي في النيجر، فبدلا من الاعتماد على الزيوت النباتية والثروة الحيوانية فقط، فإن النسب المرتقبة سوف تكون 40٪ للتعدين، 30٪ للزيوت النباتية، 20٪ للثروة الحيوانية، 10٪ من المنتجات الزراعية الأخرى. (6)
أنجولا:
هناك ثلاث اتجاهات في التنمية الاقتصادية للموارد الطبيعية: الحديد والبترول وتوليد الطاقة، وتقوم عدة شركات كبرى (منها كروب الألمانية وجرج-أوروبا البلجيكية) بالأعمال اللازمة لتطوير استغلال خام الحديد من مناجم كاسنجا التي تبعد 500كم عن ميناء موزاميدس في جنوب أنجولا، وكان المتوقع أن تعطي هذه المناجم سبعة ملايين طن سنويا من الخام الجيد في أوائل 1971، ويرتبط بذلك مد خط حديدي إلى الميناء، وإنشاء رصيف أو ميناء خاص بتصدير خام الحديد.
أما البترول فيقع في الرصيف القاري على بعد بضعة كيلومترات من شاطئ كابندا - التي توجد شمال مصب نهر الكنغو - وعلى عمق 10-12 مترا فقط، وكان المتوقع أن تعطي هذه الحقول 7,5 ملايين طن سنويا ابتداء من أوائل السبعينيات.
وتقتضي مشروعات توليد الطاقة مد السد الحالي عند متالا على نهر كونيني - الذي يكون الحد السياسي بين أنجولا وناميبيا - وإنشاء سد آخر عند راوكانا ومحطة طاقة، والنتائج المتوقعة هي إنتاج حوالي 1500-2000 مليون كيلووات من الطاقة، وري حوالي 150 ألف هكتار من أراضي المراعي، وتقدر التكلفة بحوالي 85 مليونا استرلينيا. (7)
توجو:
يبلغ طول ساحل توجو خمسين كيلومترا من الشواطئ الرملية غير الصالحة للملاحة البحرية، وكان في ميناء لومي (العاصمة) رصيف واحد قدرته 190 ألف طن سنويا من البضائع المصدرة والمستوردة، وقد أنشئ ميناء جديد على بعد تسعة كيلومترات من المدينة، افتتح عام 1968، وقد بني الميناء الجديد بواسطة شركات ألمانية، وله حاجز أمواج طوله 1702 متر، وحاجز ثانوي 300 متر، والميناء الجديد قادر على خدمة أربع سفن مرة واحدة، وعلى العموم فإن الميناء الجديد قادر على التعامل في نصف مليون طن من البضائع سنويا، وهو ميناء حر (بدون جمارك)، ويتوقع بناء عدة صناعات قرب الميناء - أسمنت وكبريت ومصنع بطاريات - ومن بين المشروعات الأخرى بناء ميناء ثان للتعامل في الزيوت والبترول والمنتجات المعدنية وإصلاح السفن. (8)
تونس:
نظرا لأهمية صادرات الفوسفات - تونس رابع دولة في العالم في الإنتاج - ولعدم كفاية ميناء صفاقس فقد كان التفكير منذ 1962 في بناء مصنع لتحويل الفوسفات إلى حامض فوسفور؛ لخفض تكلفة النقل قرب مصادر جفصة، وغير بعيد عن البحر، وبذلك وقع الاختيار على ميناء قابس مكانا للمصنع المقترح، وقد ترتب على ذلك مشروعات أخرى تشتمل على إنشاء محطة توليد الكهرباء اللازمة لمصنع حامض الفوسفور، وإقامة مخازن للبترول المنتج من حقل البورما، وتمول العملية وتنفذها شركات فرنسية ودولية، إلى جانب تمويل تونسي قدره 45٪ من التكاليف، وكان المتوقع أن يبدأ العمل في أواخر 1970، وإلى جانب ذلك فإن المشروع يشتمل على تحسين ميناء قابس بحيث يستقبل ناقلات البترول إلى حمولة 50 ألف طن في المرحلة الأولى، ثم مائة ألف طن في المرحلة النهائية، وتحسين الصيد الصغير الحالي، وتدعيم خط الحديد بين صفاقس وقابس، وكذلك إنشاء مصنع طاقته نصف مليون طن من جبس مكناسي لتحويله إلى حامض كبريتيك (300 ألف طن) تستخدم محليا، وفي صناعة الأسمنت للتصدير وخاصة إلى ليبيا. وفي الوقت نفسه هناك مشروعات لم تدرس بعد لاستغلال بوتاس شط الجريد المجاور لقابس لإنتاج 25 ألف طن من فوسفات الصوديوم. (9)
جابون:
بدئ في 1969 بإنشاء ميناء جديد عند رأس أويندو (15كم جنوب ليبرفيل)، ومد طرق برية لاستيعاب حركة الملاحة البحرية المتزايدة. (10)
زائيري:
بدئ في أول 1968 العمل في بناء سد أنجا عند نقطة تبعد 40كم من ميناء متادي، وهذه هي أولى مراحل استخدام مجموعة مساقط نهر الكنغو في مجراه الأدنى لإنتاج طاقة كهربائية هائلة قد تصل إلى 30 مليون كيلووات، وتتضمن المرحلة الأولى محطة طاقة قوتها 300 ألف كيلووات، بينما ينتظر أن يتم المشروع بأكمله خلال ربع قرن من الآن، وتقوم مجموعة شركات إيطالية بالمرحلة الأولى التي كان متوقعا أن تنتهي في أوائل 1973. وتهدف حكومة زائيري إلى استخدام الطاقة من إنجا لإقامة مصنع للصلب في كمبوكو قرب كنشاسا طاقته 220 ألف طن سنويا في مراحله الأولى. (11)
زامبيا:
كانت زامبيا تعتمد على الخط الحديدي الذي يمتد إما عبر أراضي أنجولا البرتغالية أو روديسيا، ثم موزمبيق البرتغالية، لنقل تجارة صادراتها المعدنية ووارداتها المصنعة إلى موانئ الأطلنطي والهندي، ولكن نظرا للموقف الوطني الأفريقي الذي اتخذته زامبيا ضد القوى الاستعمارية البرتغالية، وضد حكم الأقلية البيضاء في روديسيا، فكان على زامبيا أن تبحث عن ميناء بديل للموانئ التي تسيطر عليها البرتغال، وقد كان هناك أحد احتمالين: إما ميناء متادي عبر أراضي زائيري، وإما ميناء دار السلام التنزاني، وبرغم ارتباط شبكة الخطوط الحديدية في زامبيا وزائيري ، إلا أن الخطوط الحديدية في زائيري غير مكتملة من كاتنحا إلى متادي، مما يرفع تكلفة النقل نتيجة إعادة الشحن عدة مرات (نقل حديدي ونهري وبري وحديدي)، وفضلا عن ذلك فإن النقل الحديدي في زائيري لا يكفي احتياجات تلك الدولة، وميناء متادي أقل من أن يخدم - بظروفه الحالية - تجارة زائيري وحدها، ولهذا اتجه التفكير إلى ميناء دار السلام، برغم أن المسافة طويلة بين نطاق النحاس في زامبيا وبين هذا الميناء، وبرغم أن الطريق يمر في مناطق غير مأهولة أو بدائية أو ذات طبيعة غير خيرة، ولكن هذه الظروف في حد ذاتها كانت - برغم سلبيتها - حافزا لأن تتفق زامبيا وتنزانيا على بناء طريق بري جيد صالح للمرور في خلال أشهر السنة كلها، ثم بناء خط أنابيب للبترول، وأخيرا خط حديدي، فهذه الطرق كلها ستكون حافزا ودافعا لتنمية المناطق الشمالية الشرقية من زامبيا، والمناطق الجنوبية الغربية من تنزانيا - وكلها ذات إمكانات اقتصادية طيبة وتحتاج إلى الطرق لتعميرها وتنميتها.
وإلى أن يتم الخط الحديدي فإن الطريق البري هو الذي تجري عليه حركة النقل لجزء بسيط من إنتاج زامبيا من النحاس (عشرة آلاف طن شهريا) بواسطة شاحنات إيطالية زنتها 20 طنا، وكانت هذه الشاحنات ذاتها تستخدم في نقل البترول من دار السلام إلى زامبيا في طريق عودتها. أما الخط الحديدي فقد تم توقيع الاتفاق بإنشائه في سبتمبر 1967 بين الصين وزامبيا (قرض صيني مائة مليون جنيه إسترليني بدون فائدة)، وقد بدأ العمل في إقامة الخط الحديدي بواسطة الفنيين الصينيين ابتداء من 1970، ويتوقع أن ينتهي العمل منه في أواخر 1973 أو أوائل 1974. وبرغم اختلاف مقياس الخط الحديدي في زامبيا عنه في تنزانيا، وضرورة إنشاءات جديدة في ميناء دار السلام - مما ستكلف كثيرا - إلا أن هذا الخط سيكون له أهمية كبيرة اقتصادية وسياسية، مما جعل المسئولون يطلقون عليه اسم «طريق الحرية»، أما نقل البترول الذي تحتاجه زامبيا فقد أصبح يعتمد على خط الأنابيب الذي خلص العمل فيه في أواخر 1968.
ولا يمثل طريق الحرية الخطوة الوحيدة التي تقطعها زامبيا لدعم موقفها السياسي من حكومة الأقلية البيضاء في روديسيا؛ إذ إن هناك مشروعا آخر للتخلص من الاعتماد على القوة الكهربائية التي تحصل عليها حتى الآن من مولدات سد كاريبا التي تسيطر عليها روديسيا. ويستدعي المشروع إقامة سد على نهر كافوي (أحد روافد الزمبيزي) داخل أراضي زامبيا لتوليد طاقة قدرها نصف مليون كيلووات، ولما كانت هذه الطاقة غير كافية، فإن هناك أيضا مشروعا مكملا، يستدعي إقامة محطة توليد للطاقة من سد كاريبا على الضفة التابعة لزامبيا من نهر الزمبيزي ذات طاقة مرتقبة قدرها 900 ألف كيلووات، وقد وقعت زامبيا في 1968 عقد بناء سد كافوي مع شركة يوجسلافية، أما محطة كاريبا الثانية فتقوم بدراستها شركة إنجليزية. (12)
ساحل العاج:
يكون القسم الغربي من ساحل العاج أرض عذراء غنية بالثروة الخشبية الجيدة، لهذا بدأت السلطات في التفكير الجدي في استغلال المنطقة، وأولى خطواتها إنشاء مدينة وميناء جديد عند سان بدرو (300كم غرب أبيجان)، ينتظر أن ينتهي العمل منه في أوائل السبعينيات، وخط حديدي من الميناء إلى أوديين في شمال غربي البلاد لفتح المنطقة لتجارة التصدير التي يتوقع أن تبلغ 965 ألف طن من الأخشاب، و57 ألف طن من البن، وكميات صغيرة من الموز والكاكاو. (13)
غينيا:
تمتلك غينيا ربع احتياطي العالم من البوكسايت الجيد، لكنها تحتل المرتبة الخامسة في الإنتاج (7٪)، والمشروع الكبير الذي بدأ العمل فيه في أواخر الستينيات هو استغلال مناجم منطقة بوكي في الشمال الغربي من البلاد، ويتضمن المشروع إقامة مدينة تعدين في سانجاردي، وميناء جديد باسم كامزار على المصب الخليجي لنهر نوميز، وربط مدينة التعدين والميناء بخط حديدي طوله 137كم، وتساهم شركة غينيا للبوكسايت ب 20٪ من الاستثمارات التي قدرت لهذا المشروع بنحو مائة مليون دولار، وتقدم بقية الاستثمارات عدة شركات أمريكية وفرنسية وألمانية، وعند الانتهاء من المشروع سيرتفع الإنتاج إلى 8 ملايين طن من البوكسايت سنويا - بدلا من المتوسط الحالي الذي يقترب من مليوني طن - أما الميناء فيسمح عند انتهاء العمل فيه باستقبال السفن التي تصل حمولتها إلى 65 ألف طن، وتنظر غينيا إلى المشروع باعتباره مورد هام يمكن أن يحسن ميزان المدفوعات. (14)
الفولتا العليا:
تفتقر هذه الجمهورية إلى أية موارد تعدينية مهمة، ولكن في 1960 اكتشفت مصادر جيدة للمنجنيز في «تامباو» قرب الحدود المشتركة بين مالي والنيجر والفولتا، قدر مخزونها بنحو عشرة ملايين طن، ويقتضي استغلالها مد خط الحديد من واجا دوجو إلى منطقة التعدين (353كم)، وفي المنطقة ذاتها مصادر جيدة للحجر الجيري الذي يمكن أن يستخدم في عمل الأسمنت البورتلاندي. ولا شك أن هناك مزايا أخرى يقوم بها الخط الحديدي المقترح نحو إنماء المنطقة الشمالية الشرقية من الدولة، وخدمة النقل من مناطق مالي والنيجر القريبة من الفولتا. (15)
ليبيا:
في 1968 افتتح المرفأ الخامس في ليبيا لتصدير البترول، وذلك في الزيتونة (على بعد 60كم جنوب بنغازي، بعدما مد إليها خط أنابيب طوله 217كم، وقطره 40 بوصة، وحمولته مليون برميل يوميا - حوالي 133 ألف طن يوميا)، وبذلك أصبحت هناك خمسة موانئ بترولية في ليبيا، هي: مرسى حريقة قرب طبرق وتخدم حقل سرير (شركة ب ب البريطانية)، الزيتونة تخدم حقل جالو (شركة أوكسدنتال)، مرسى البريجة تخدم حقل زلطن (شركة أسو)، رأس الأنوف تخدم حقل الأمل (شركة موبيل وغيرها)، وأخيرا ميناء سدر ويخدم حقل حفره وغيره (شركة أوازيس «الواحة»). (16)
مصر:
في يناير 1968 ركبت أول ثلاث توربينات لتوليد الطاقة من السد العالي، وفي آخر 1969 ركبت بقية توربينات الكهرباء في السد العالي، بحيث أصبحت محطة الطاقة هذه أكبر محطة طاقة هيدرولوجية في العالم؛ حيث إنها تعطي عشرة ملايين كيلووات/ساعة في السنة، وبذلك تكون مصر قد نجحت في إنشاء تكنولوجي كان يعد مغامرة اقتصادية من جانب معارضي المشروع، وقد مدت خطوط تحميل الكهرباء من غرب أسوان عبر الصحراء إلى القاهرة والدلتا، وتستغل الطاقة في أغراض صناعية عديدة منها في أسوان «الصناعات الكيميائية والحديد»، ونجع حمادي «الألمينيوم». (17)
موريتانيا:
تمتلك موريتانيا ثروة معدنية كبيرة تتكون أساسا من الحديد والنحاس، ولقد بدأ استغلال مناجم فورجورو قرب حدود ريو دورو منذ 1963، وارتفع الصادر من 1,7 مليون طن في تلك السنة إلى 7,7 ملايين طن 1968، وذلك بعد أن تم إنشاء خط حديدي (675كم ) من فورجورو إلى بورت إتيين، (تستورد بريطانيا 1,7 مليون طن، وفرنسا 1,6 مليون، وألمانيا 1,3، وإيطاليا 1,2، ودول البنلوكس 1,1 مليون)، وتستغل مناجم الحديد الجيد شركة دولية تمتلك فرنسا نسبة كبيرة منها، و5٪ لحكومة موريتانيا، وقد بلغت الاستثمارات حوالي مائتي مليون دولار، أما النحاس فيوجد في أكشوشط (240كم شمال شرقي نواكشوط العاصمة)، ولقد بدأ الاستغلال عام 1970، برغم أن الكشف قد تم عام 1945، وأن شركة استغلال المناجم تكونت في 1953، وخطط الاستغلال قد وضعت في 1965، وأخيرا تم الاتفاق المالي للشركة عام 1968، ويقدر احتياطي أكشوشط بحوالي 28 مليون طن، والمتوقع أن يصدر سنويا 25 ألف طن من النحاس، ويحتاج استغلال النحاس إلى تحسين الطريق البري وميناء نواكشوط. ونظرا لغنى خامي الحديد والنحاس وجودتهما، وقرب موريتانيا من سوق الاستهلال الأوروبي، ورخص النقل البحري، فالمتوقع أن يحدث انتعاش كبير في هذه الدولة الصحراوية، وأن يرتفع الدخل الفردي لقلة السكان وارتفاع عوائد التصدير. (18)
موزمبيق:
يعد مشروع السد الذي يقترح إقامته على الزمبيزي في خانق ومندفعات كابوراباسا - على بعد 300كم بعد أن يدخل الزمبيزي مستعمرة موزمبيق - ثاني أضخم مشروع لتوليد الطاقة في أفريقيا بعد مشروع شلالات إنجا في زائيري، فالمتوقع أن تعطي محطة الطاقة المقترحة طاقة قدرها 2500 ميجا وات، بينما مشروع إنجا يعطي 30000 ميجا وات، والسد العالي يعطي 2200 ميجا وات، وسد كاريبا 715 ميجا وات، وإذا كان السد العالي يعطي 10000 مليون كيلووات/ساعة في السنة، وكاريبا يعطي نحو 7000 مليون ك. و. س، فإن كابوراباس سوف يعطي 17 ألف مليون ك. و. س، ونظرا لأن مكان السد المقترح يقع في منطقة أخدودية، فإن طول جسم السد سيكون 300 متر فقط، كما أن بحيرة التخزين ستمتد 250كم فقط (السد العالي طوله 3600 متر، وبحيرة التخزين 500كم). وإلى جانب الطاقة فإن المشروع يخدم ري مساحة ضخمة قد تصل إلى نحو نصف مليون هكتار (1,25مليون فدان تقريبا)، منها النصف تخصص لزراعة الغابات وتنمية الثروة الخشبية، ومساحات أخرى لزراعة قصب السكر والموالح والقطن والجوت وحبوب غذائية أفريقية.
ولكن أحد أهم المشكلات التي تعترض المشروع الذي وافقت البرتغال في 1966 على دراسته، وتكوين رأسمال استثماري لإقامته من مجموعة من الدول (فرنسا، ألمانيا، السويد، بريطانيا، الولايات المتحدة، اليابان، جنوب أفريقيا)، هو تصريف هذه الطاقة الهائلة، فسوق موزمبيق الضيق لا يسمح باستخدامها، ومن ثم فإن أكبر عميل منتظر هو جنوب أفريقيا، ويقتضي ذلك مد شبكة تحميل عالية للتيار لمسافة 1300كم ... لكن أهم العقبات التي تقف أمام البدء بتنفيذ المشروع هي انسحاب اليابان - حكومة ومؤسسات خاصة - من التمويل؛ خوفا من أن يؤدي اشتراكها إلى رد فعل عنيف ضدها من جانب الدول الأفريقية التي تقاطع المتعاملين مع الاستعمار البرتغالي، وقد أضيف إلى ذلك عقبة أخرى هي أن جنوب أفريقيا قد طلبت ضمانات من الحكومة البرتغالية لصيانة المشروع ضد أعمال التخريب التي قد يلجأ إليها الوطنيون في موزمبيق، وعلى هذا فإن العقد النهائي لتكوين الشركة لم يوقع بعد نظرا لهذه الأسباب السياسية. (19)
ملاجاشي:
تقوم ملاجاشي بإنشاءات هندسية على نهر مانجوكي في الجنوب الغربي من أجل توسيع رقعة الزراعة، وبرغم أن المشروع لا يتعدى استصلاح عشرة آلاف هكتار، إلا أن عائد الاستثمار قدر بنحو 6,7٪ حينما تبلغ الحقول مرحلة النضوج. (20)
نيجيريا:
انتهى العمل في سد كاينجي في 1969، الذي يقع على مبعدة مائة كم شمالي جبا على نهر النيجر، وتقدر طاقة الكهرباء المنتجة ب 320 ألف كيلووات، سترتفع في النهاية إلى 880 ألفا، ويخدم المشروع أيضا تحسين مصايد الأسماك النهرية، واستمرار الملاحة طول السنة في النيجر، وقد بلغت تكاليف المشروع 245 مليون دولار (طول السد 200 متر، وارتفاعه 25 مترا)، وقد استغرق إنشاؤه خمس سنوات.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Ady, P. H., 1965. “Oxford Regional Economic Atlas: Africa” Oxford.
Baumann, H. & Thurnwald, R., & D. Westermann 1940. “Voelkerkunde von Afrika” Essen.
Buell, R. L., 1928 “The Native
F. A. O., 1964 “Production Year book” Rome.
Hance, W. A., 1958 “African Economic Development” New York.
Harrison Church, R. J., 1964 “Africa and the Islands” London.
Herskovitz, M, J., & W. R. Bascom, 1959. “Continuity and change in African Cultures” Chicago.
International African Institute, 1956 “Social Implications of Industrialization and Urbanization in Africa South of the Sahara” UNESCO.
Kimble, G. H. T., 1960 “Tropical Africa” New York.
Murdock, G. P., 1959. “Africa: Its
York.
Oxford, World Economic Atlas. 1965. Oxford.
U. N. Statistical Year book 1970. New York.
محمد رياض وكوثر عبد الرسول: «الاقتصاد الأفريقي»، القاهرة 1963.
محمد رياض: «الزراعة والتغيير الاقتصادي والاجتماعي في أفريقيا»، القاهرة 1971.
الفصل الحادي عشر
النقل ومشكلاته في أفريقيا
(1) مشكلات النقل الأفريقي
حتى منتصف القرن الماضي، لم تكن في أفريقيا أية وسيلة من وسائل المواصلات الحديثة، باستثناء الخط الحديدي من الإسكندرية إلى القاهرة الذي بدأ إنشاؤه عام 1851، وتم في عام 1855. وقد ظلت وسائل النقل التقليدية على ما هي عليه فترة طويلة، ولا تزال تلعب دورا هاما في النقل المحلي، وعلى الرغم من مد طرق برية عديدة في أفريقيا، إلا أن الإبل لا تزال لها أهميتها في النقل الداخلي في الواحات، وكذلك ما زال الإنسان وسيلة هامة من وسائل النقل في نطاق الغابات الكثيفة المدارية، ولا تزال عربات الثيران تلعب دورا في النقل في أفريقيا الجنوبية. وبالمثل لا يزال النقل النهري يمارس بواسطة القوارب التقليدية الأفريقية، التي تتراوح بين القوارب المحفورة من جذع الشجرة أو من البوص والقصب في الأنهار المدارية، وبين القوارب الشراعية الكبيرة التي تبلغ حمولتها بضع عشرات من الأطنان في النيل.
وغني عن البيان أهمية طرق المواصلات في الحياة الاقتصادية، منذ أن استقرت المجموعات البشرية في الأرض الزراعية ومارست نظم إنتاج الغذاء. وبرغم التأكيد البالغ الذي يعطيه الجغرافيون للطرق كضرورة حتمية لنمو المجتمعات الإنسانية المختلفة من طور العصبيات والقبائل إلى طور الأمم، فإن هذه الحقيقة لم تكن سوى أحد العوامل الحاسمة في نشوء الدول منذ حضارات النيل والشرق الأدنى القديم.
ولقد اختلفت نظم النقل ووسائله من عصر إلى عصر، ومن حضارة إلى حضارة، ولا شك أن وسائل النقل في عالم ما قبل الحضارة الصناعية المعاصرة قد استمدت أصولها من الظروف البيئية في كل حضارة على حدة؛ فالملاحة النهرية كانت عماد النقل في الحضارة المصرية القديمة، والعجلة كانت وسيلة النقل في غرب آسيا، والملاحة البحرية كانت وسيلة النقل الأساسية في حضارات البحر المتوسط كلها، أما النقل بواسطة الحيوان فهو بدون جدال عبارة عن ارتباط وثيق بين الإقليم الجغرافي وحيوانه الرئيسي: الجمل في الصحاري الحارة، الخيل في السهوب والجبال، البقر في أقاليم الحشائش المدارية، الرنة في التندرا الجليدية ، والياك وفصائل اللاما في الهضاب العالية (التبت والأنديز).
وحينما انتقل الإنسان إلى العصر الصناعي كانت بدايته التي اعتمد عليها في النقل هو البحر، ولكن ما لبث أن أخذ يفكر في وسائل أخرى للنقل الداخلي على إثر اشتداد الحاجة إليه لجلب الخامات إلى المصنع، ونقل المنتجات المصنعة إلى سوق الاستهلاك؛ ولهذا نلاحظ أن بدايات الصناعة قد نشأت أولا في مناطق الموانئ. وحالة بريطانيا دليل واضح على ذلك ؛ فالبحر كان وسيلة النقل الرئيسية في بداية العصر الصناعي، ولكن ما إن انتقلت الصناعة إلى مراكز الخامات الداخلية في فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة، حتى تطورت وسائل النقل أولا إلى الاهتمام بالملاحة النهرية وحفر القنوات الداخلية (عصر سيادة القنوات 1800-1870)، ثم أخذ الاهتمام يتركز حول السكك الحديدية (عصر السكك الحديدية الذهبي ابتداء من 1880)، وأخيرا فإن اكتمال العصر الصناعي وبلوغه أوجه في أوروبا والولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي، قد جعل الاهتمام يوجه إلى كل وسائل النقل مرة واحدة: البحر والنهر والقنوات والطرق الحديدية والبرية والجوية معا.
ورغم أن تاريخ المواصلات الحديثة لا يعدو قرنا من الزمان، إلا أن تقدم هذه الوسائل من المواصلات في أفريقيا ما زال في بداياته، حقيقة توجد مجموعة كبيرة من المجاري النهرية الصالحة للملاحة، إلا أنها تكاد أن تقتصر على القسم الغربي والأوسط من أفريقيا، بالإضافة إلى مجرى النيل في الجمهورية العربية المتحدة والسودان، وبقية أفريقيا محرومة تماما من هذه الوسيلة من وسائل النقل؛ فالصحراء محرومة من الجريان النهري، وكذلك هضاب أفريقيا الشرقية والجنوبية رغم ما فيهما من أنهار، إلا أنها أنهار قصيرة سريعة الانحدار مليئة بالشلالات، كذلك لم تمر أفريقيا حتى الآن بأي مرحلة من مراحل بناء القنوات الملاحية الداخلية.
أما السكة الحديدية والطرق البرية، فهي لا تكون شبكة بالمعنى المعروف في أوروبا أو أمريكا الشمالية أو الاتحاد السوفييتي، وهي في الحقيقة عبارة عن خطوط منعزلة تمتد من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير، ونستثني من ذلك بضع مناطق من أفريقيا تقترب فيها الطرق الحديدية والبرية من مرحلة الشبكة المتشعبة، وعلى رأس هذه المناطق جنوب أفريقيا والجمهورية العربية المتحدة ونيجيريا.
ولقد ألقى كثير من الكتاب الغربيين اللوم على طبيعة أفريقيا الجغرافية كسبب أساسي في تأخر وسائل النقل وتأخر تقدم القارة، ولسنا نريد أن نمضي في مناقشة هذه الأقوال إلا في أضيق الحدود، وخلاصة القول أن طبيعة أفريقيا قد شكلت عقبات كثيرة أمام النقل؛ فكل الأنهار - على وجه التعميم - تنتهي إلى البحر بمساقط عديدة نتيجة قرب حافة الهضبة من البحر، وعدم وجود سهول ساحلية عريضة، كما هو الحال في غيرها من القارات، وكذلك يكون نطاق الصحراء الكبرى عائقا كبيرا أمام تقدم الطرق الحديدية والبرية، وتكون المستنقعات في داخلية الأحواض النهرية الكبرى عوائق ملاحية هامة (منطقة السدود في النيل، مستنقعات النيجر الأوسط والكنغو على سبيل المثال).
ولكن هذه العقبات الطبيعية الأفريقية ليست خاصة بأفريقيا وحدها، بل هناك مثيل لها في مناطق عديدة من العالم؛ فالصحاري منتشرة في غرب ووسط آسيا ومعظم أستراليا، والمستنقعات موجودة في الأحواض النهرية الأخرى في العالم (سيبيريا، كندا، الولايات المتحدة، أمريكا الجنوبية، جنوب آسيا ... إلخ)، والهضاب والجبال والشلالات موجودة في معظم أنهار العالم، ويكفي أن نذكر أن نهر سانت لورنس وبحيراته العظمى، الذي يكون الآن المحور الأساسي للصناعات الأمريكية والكندية، كان نهرا مليئا بالعوائق الملاحية ابتداء من منتريال إلى منابعه، فضلا عن تعرض الجزء الأدنى من منتريال حتى البحر إلى الانغلاق بواسطة الجليد خلال الشتاء - وهذه عقبة لا تعرفها أنهار أفريقيا - ومع ذلك فلقد بذل سكان الولايات المتحدة وكندا جهودا جبارة لتذليل الملاحة في سانت لورنس؛ فشقوا القنوات وأقاموا السدود والأهوسة لتجنب عقبات الملاحة في مسار النهر وبين البحيرات، ولما لم يتغلبوا على جليد الشتاء شقوا قناة طويلة من بفلو إلى نيويورك لتحويل الملاحة إلى المياه الخالية من جليد الشتاء.
وعلى هذا النحو كانت جهود السوفيت لتحويل مياه الفولجا من بحر قزوين المغلق إلى البحر الأسود، بواسطة قناة الدون-الفولجا، وغير ذلك الكثير من الإنشاءات الهندسية الإنسانية لتصحيح «أخطاء الطبيعة»، التي لا تتفق ومصلحة الاقتصاد الحديث.
وعلى هذا فإن الطبيعة لم تكن جانية على أفريقيا وحانية على غيرها، ولكن لنا أن نتساءل: لماذا لم يفعل الإنسان في أفريقيا ما فعله في غيره لتذليل المصاعب أمام النقل الحديث؟ والإجابة تقتضي بحث العلاقة بين أنماط الاقتصاد والنقل، فكلما كان النظام الاقتصادي الصناعي سائدا ومسيطرا، كانت شبكة النقل الحديث كثيفة، وهذه حالة غير موجودة في أفريقيا، فالعلاقة بين المصنع والسوق علاقة ذات نسيج شديد التشابك في مناطق الحضارة الصناعية الأوروبية والأمريكية ، مما يقتضي تجاوبا مماثلا لشبكة النقل، بل إن شبكة النقل في هذه المناطق - على كثافتها - تعاني من ضغط متزايد نتيجة التوسع المستمر في العلاقات التجارية، ونمو قطاع الخدمات فوق علاقة السوق والمصنع. وتتضح هذه الحقيقة من الجدول التالي:
جدول 11-1: حمولة البضائع للسكك الحديدية وأعداد السيارات في العالم. *
القارة
حمولة البضائع للكيلومتر من السكك الحديدية (طن/كم)
سيارات الشحن (العدد بالآلاف)
سيارات الركوب (العدد بالآلاف)
1950
1970
1953
1970
1953
1970
العالم
1995
5026
19630
51350
62710
192570
أفريقيا
35
99
470
1360
1060
3440
آسيا
115
500
1040
10680
760
13250
أمريكا الجنوبية
27
44
820
2330
1050
4590
أوشينيا
12
27
720
1190
1580
4880
أوروبا
248
564
4140
10640
8690
67930
أمريكا الشمالية
955
1297
10480
20650
49360
97870
الاتحاد السوفييتي
602
2495 *
المصدر: الكتاب الاحصائي السنوي للأمم المتحدة 1971.
ويتضح من هذه الأرقام أن السكك الحديدية أو الطرق البرية تتحمل أعباء متزايدة في العالم كله، ولكن بصفة خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، ولا يزال النقل في أفريقيا متخلفا؛ إذ يكون 2٪ من الحمولة الصافية للبضائع للكيلومتر من مجموع هذه الحمولة في العالم، كما أن سيارات الشحن تكون 2,6٪ من مجموعها في العالم، بينما تكون سيارات الركوب 1,8٪ من المجموع العالمي (النسب لأرقام 1970)، ويرجع ذلك إلى أن أعباء النقل الحديث في أفريقيا لا تزال محدودة بمناطق صغيرة من القارة، هي مناطق إنتاج الخامات الزراعية والمعدنية التي تشحن للتصدير.
وتختلف أعباء النقل على السكك الحديدية من دولة لأخرى في القارة، وذلك حسب مساهمتها في الإنتاج المحتاج إلى التسويق والتصدير، فإذا كان مجموع الحمولة الصافية للبضائع للكيلومتر من أطوال السكك الحديدية في أفريقيا ككل عام 1970 هو 99,3 طنا/كم، فإن مشاركة الدول الأفريقية تختلف كثيرا في تكوين هذا المجموع. وأكبر مشاركة تأتي من جنوب أفريقيا حيث نجدها تساهم بأكثر من نصف هذا المجموع (57,1 طنا/كم)، تليها روديسيا (6,5)، ثم أنجولا (5,2)، ثم مصر (3,3)، وتنخفض إلى 2,7 طن/كم في السودان، و1,9 في زائيري، و1,6 في نيجيريا.
ويدل ذلك دلالة واضحة على أن أحد الأسباب الرئيسية في تخلف النقل الحديث في أفريقيا هو أن الصناعة في هذه القارة لم تتجاوز بعد الخطوات الأولى، وأن معظم عمليات النقل تتم في صورة نقل الخام المعدني والزراعي من مناطق الإنتاج إلى موانئ التصدير.
إذن ليست طبيعة أفريقيا وحدها المسئولة عن تأخر وسائل النقل الحديث، ولكن ذلك راجع - إلى حد كبير - للتخطيط الاقتصادي وسياسات النقل في خلال حكم الاستعمار في أفريقيا، فإن تقطيع أوصال القارة في مستعمرات تابعة لدول مختلفة، قد جعل خطوط النقل في هذه المستعمرات تبدأ داخلها وتنتهي على سواحلها، لكي ينقل الخام المعدني والزراعي مباشرة على سفن الدولة صاحبة المستعمرة إلى أوروبا.
والأدلة على هذه الحالة كثيرة وليست في حاجة لتوضيح، إذا ما نظرنا إلى خريطة السكك الحديدة (رقم 49). والحالة المثالية على ذلك الوضع خطوط السكك الحديدية في دول غرب أفريقيا ووسطها وشرقها، حيث لا تنتهي الخطوط الحديدية بالاتصال بخطوط الدول المجاورة إطلاقا، ويمكن أن نستثني من ذلك شبكة خطوط شمال غرب أفريقيا، وخط «السنغال-مالي»، وخط «ساحل العاج-الفولتا العليا»؛ وذلك لأنها كلها كانت مستعمرات فرنسية، وفي هذه الدول لم تكن هناك حواجز سياسية، بل كان أمل فرنسا ربط كل مستعمراتها في غرب أفريقيا وشمالها بشبكة كبيرة عمودها الفقري خط حديد الصحراء، وهذه الحالة ذاتها تظهر في شرق أفريقيا، حيث مدت بريطانيا خطا يربط كينيا وأوغندا وشمال تنزانيا، وفي الجنوب ربطت بريطانيا جنوب أفريقيا بروديسيا وزامبيا وتسوانا (بتشوانالاند)، وأفريقيا الجنوبية الغربية بشبكة نقل حديدية هائلة، تعد الأولى في أفريقيا كلها من حيث التعدد والأطوال وكثافة النقل من ناحية، ومن حيث عبورها عدة حدود دولية من ناحية أخرى، وفي الوقت ذاته اتصلت هذه الشبكة الضخمة بموانئ التصدير في مستعمرتي البرتغال «موزمبيق وأنجولا»، وبنظام النقل الحديدي الكنغولي.
وفي الوقت الذي ترتبط فيه خطوط أفريقيا جنوب خط الاستواء، وخطوط شرق أفريقيا، وشمالها الغربي، تنقطع خطوط حوض النيل انقطاعا يضر بمصلحة المنطقة أضرارا بليغة، وهو تقطع يشبه التقطع المشين لخطوط السكك الحديدية في غرب أفريقيا؛ فشبكة الخطوط الحديدية في الجمهورية العربية المتحدة، تنقطع في أسوان دون مبرر ثم تكملها مواصلة نهرية أسبوعية بطيئة لتصل بها إلى بداية الخطوط الحديدية السودانية في وادي حلفا، وتقترب خطوط السودان الحديدية اقترابا كبيرا من الحدود الإثيوبية، ولكنها لا تمسها إلا في نقطة واحدة؛ من كسلا إلى تسناي على خور الجاش، بينما في الإمكان مد الخط السوداني والإثيوبي من تسناي إلى أجوردات، وبذلك تتصل الخطوط السودانية الشرقية بأسمرة ومصوع، ويصبح للسودان ميناء آخر في مصوع بدلا من اعتماده على بور سودان فقط، وبهذا تؤدي مصوع بالنسبة للسودان الوظيفة التي تؤديها موانئ موزمبيق بالنسبة لروديسيا وزامبيا. كذلك ما زال الخط الحديدي «جيبوتي-أديس أبابا» خطا مفردا بطيئا، ومع ذلك لا يمكن أن يمتد هذا الخط من أديس أبابا صوب السودان ليتصل بخط الرصيرص على النيل الأزرق، فيؤدي إلى فتح آفاق غرب إثيوبيا أمام التقدم الاقتصادي؟
إن جهود كل دولة صاحبة مستعمرات في أفريقيا كانت تتجه فقط إلى ربط مستعمراتها بالساحل داخل نطاق المستعمرة، دون الالتجاء إلى موانئ مستعمرة ثانية، ومن الحالات المثالية على ذلك بلجيكا في الكنغو؛ فرغم وجود سكة حديدية لا بأس بها تنقل إنتاج كاتنجا المعدني إلى ميناء لوبيتو في أنجولا، إلا أن بلجيكا كانت في النهاية تهدف إلى جعل ميناء الكنغو الأساسي داخل الكنغو؛ ولهذا فإننا نجد بلجيكا تستبدل مع البرتغال قطعتين من الأرض غير متكافئتين في المساحة عام 1927؛ فقد تنازلت بلجيكا عن مساحة قدرها 3496,5 كيلومترا مربعا من أراضي الكنغو عند منطقة كساي، مقابل 3,1كم
2
من أراضي أنجولا خلف ميناء متادي الكنغولي، ولقد أصبحت المنطقة التي أخذتها أنجولا هي منطقة إنتاجها من الماس الذي يكون الآن ثاني صادرات أنجولا، أما بلجيكا فلقد أقدمت على هذه الصفقة، التي يبدو أنها غير رابحة، بغرض توسيع ميناء متادي، رغم أن ضفة النهر في هذه المنطقة شديدة الانحدار، مما جعل بلجيكا تتكلف كثيرا في بناء المخازن اللازمة لتوسيع الميناء؛ لتتجنب عقبة ملاحية هائلة هي «دوامة الشيطان» التي تتوسط مجرى النهر على بعد كيلومترين من ميناء متادي القديم؛ وعلى هذا فإن إنشاء ميناء جديد قبل دوامة الشيطان هذه، قد ساعد على وصول السفن البحرية (حمولة 8 آلاف طن) إلى متادي، وبذلك أصبح لدى الكنغو ميناء كنغولي صرف، بعد بذل مال وجهد كبيرين، ولم يكن ميناء لوبيتو الأنجولي هو الحل الوحيد لتجارة الكنغو الخارجية، بل كان أمام بلجيكا أن تستفيد من وجود الخط الحديدي من برازافيل على نهر الكنغو أمام كينشاسا (ليوبولدفيل) إلى ميناء «بوان نوار» في الكنغو الفرنسي سابقا، ولكن بلجيكا رفضت أيضا الاعتماد على هذا الخط الحديدي الممتاز وميناء بوان نوار الواقع على المحيط مباشرة.
وهناك حالة أخرى من حالات التأخر الاقتصادي نتيجة الارتباط بالدول صاحبة المستعمرات؛ ففي مستعمرة ريوموني الإسبانية إمكانيات واسعة للاستغلال الغابي والزراعي، ولكن إصرار إسبانيا على أن تنقل هذه المنتجات على سفنها فقط قد أدى إلى بطء الاستغلال الاقتصادي، وتأخر حالة المستعمرة وسكانها تأخرا كبيرا.
ومن بين دول أفريقيا الاستوائية الفرنسية سابقا، تتمتع جمهورية الكنغو برازافيل بمواصلات حديدية ونهرية ممتازة بالقياس إلى بقية دول المنطقة، ولكن جابون التي تتميز بغنى ووفرة في المعادن (المنجنيز الذي يقدر بأنه أكبر احتياطي في العالم الغربي)، والثروة الخشبية المتنوعة (أخشاب راقية استوائية أهمها الماهوجني والأبنوس) تنقصها وسائل النقل الحديدية والنهرية الحديثة، مما يجعلها تعتمد على فرع من خط حديد «بوان نوار-برازافيل»، يمتد من دوليزي إلى الحدود الجنوبية لجابون، وتبدي جابون امتعاضها من اعتمادها على هذا الخط، وتود أن تبني لنفسها وسائل نقل خاصة.
ويضرب المثل بخط حديد بوان نوار-برازافيل كدليل على مدى صعوبة مد الخطوط الحديدية في أفريقيا؛ فهو يمر فوق 92 جسرا، ويخترق 12 نفقا، في مسافة طولها 515 كيلومترا (أنشئ عام 1932)، وكذلك يقال عن خط حديد متادي-كينشاسا (ليوبولدفيل) الذي أنشئ عام 1898، ويمر خلال 17 نفقا.
ولكن معظم الخطوط الحديدية في العالم، وفي أوروبا وأمريكا، تتعرض لعبور الجسور والأنفاق، فليس بمستغرب إذن أن تعبر خطوط أفريقيا الحديدية الجسور والأنفاق، وعلى هذا فالمغالاة في إبراز مثل هذه الحقائق لا يجب أن تؤخذ كتبرير يحمل طبيعة أفريقيا نقص المواصلات الحديثة، غير أن التبرير الأساسي هو قصور رأس المال الأوروبي عن الاستجابة إلى ضرورات التقدم الأفريقي، واكتفاؤه باستثمار محدود في النقل يخدم استثماراته في المناجم وفي مناطق إنتاج الخامات الزراعية فقط.
ولا أدل على ذلك من أن الدول صاحبة المستعمرات لم تشأ أن تمد الخطوط الحديدية في مناطق يمكن أن تستخدم فيها الملاحة النهرية. صحيح أن الملاحة النهرية أرخص كلفة وتشغيلا، ولكن بطأها المتناهي وعبورها مسافات طويلة مع حنيات الأنهار، أصبح غير متكافئ مع متطلبات التقدم الحديث؛ فأنهار أوروبا، رغم قصرها المتناهي بالقياس إلى الأنهار الأفريقية الملاحية، ورغم صلاحيتها للملاحة معظم فصول السنة بالقياس إلى ذبذبة مناسيب الأنهار الأفريقية المدارية، ورغم تغلغلها داخل أوروبا وموازاتها بعضها للبعض، وخاصة في السهل الأوروبي العظيم، ورغم استخدام أوروبا لهذه الأنهار بشدة في الملاحة والنقل؛ فإن ذلك لم يمنع مد خطوط حديدية موازية للأنهار، كما هو الحال في نهر الألب والراين والسين والتيمز والرون والدانوب.
ولكن الحال في أفريقيا اختلف؛ فرغم المسافات الشاسعة للأنهار الأفريقية وذبذبة مناسيبها، إلا أن كل جزء صالح للملاحة من مساراتها أصبح يستخدم كشريان النقل الوحيد، والمثالان التقليديان على ذلك هما: النيل والكنغو، ففي السودان لا تمتد السكة الحديدية من كريمة إلى كرمة، بل تترك هذه المسافة للباخرة النهرية، رغم كثافة السكن في إقليم دنقلة، واشتداد الحاجة إلى وسيلة نقل سريعة، وفيما بين كوستي وجنوب السودان يعتمد النقل على النهر فقط (أخيرا مد خط حديدي إلى واو).
وفي الكنغو تمتد السكة الحديدية من متادي إلى كينشاسا لتجنب شلالات لفنجستون، كما تمتد بين ستانلي فيل وبونتير فيل لتجنب شلالات ستانلي، وبذلك يصبح نهر الكنغو وسيلة المواصلات الوحيد بين كينشاسا وستانلي فيل، وهي مسافة تصل 1700 كيلومتر، تقطعها الباخرة النهرية بين ثمانية أيام واثني عشر يوما، وفي شمال شرق الكنغو منطقة إنتاج معدني وزراعي، ولهذا نجد البلجيكيين يبنون خطا حديديا بين مونجبيرو وباوليس وبوتا وبوندو، وينتهي هذا الخط إلى إكيتي من نهر إيتيمبيري، وبعد ذلك يكمل النهر عمليات النقل حتى كينشاسا، كذلك تكمل الملاحة النهرية عمليات النقل من بونتيرفيل إلى كندو على نهر لوالابا، ومن بورت فرانكي إلى نهر الكنغو على نهر كساي، بينما يمتد من كندو وبورت فرانكي خطان حديديان يلتقيان في كامينا، ومنها إلى إليزابث فيل، حيث يلتقي الخط بشبكة أفريقيا الجنوبية. كذلك يقوم نهر الأوبانجي (رافد الكنغو الشمالي) بعملية النقل الرئيسية للقسم الشمالي الغربي من الكنغو، ولجمهورية أفريقيا الوسطى وكنغو برازافيل، كما يمر فيه قسم كبير من تجارة جمهورية تشاد. (2) وسائل المواصلات (2-1) النقل المائي الداخلي
يتكون هذا النقل من نوعين هما النقل النهري والبحري، ولقد سبق أن تكلمنا بشيء من التفصيل عن بعض المجاري المائية وأهميتها الملاحية. وتوضح الخريطة رقم (11) انظر [القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا - الفصل الخامس: التصريف النهري] أجزاء الأنهار الصالحة للملاحة، ويتركز معظمها في غرب ووسط أفريقيا، بالإضافة إلى النيل وأجزاء من الزمبيزي. وفيما يلي مناطق الملاحة النهرية في الأحواض الكبرى: (1)
حوض النيل: يشتمل على قرابة ثمانية آلاف كيلومتر من المجاري النهرية الصالحة للملاحة، بالإضافة إلى الترع الملاحية في الجمهورية العربية المتحدة، وأهم مناطقه الملاحية هي: أسوان-المصب، أسوان-وادي حلفا، كرمة-كريمة، الخرطوم-ملكال، ملكال جمبيلة (السوباط)، ملكال واو (بحر الغزال)، ملكال-جوبا (بحر الجبل). (2)
حوض الكنغو: يشتمل على قرابة 25 ألف كيلومتر من المجاري المائية الصالحة للملاحة، وأهم مناطق الملاحة هي: كينشاسا-ستانلي فيل، بونتير فيل-كندو، الكنغو-كساي حتي بورت فرانكي، الأوبانجي حتى بانجي وكثير من الروافد الأخرى. (3)
حوض النيجر: يشتمل على مسافات ملاحية طويلة تنقسم إلى قسمين: القسم الأول في أعالي النهر: بين باماكو-كوروسا، وكوليكورو-أنسونجو، وبين موبتي-تمبكتو (من يوليو إلى يناير فقط)، وكذلك 650 كيلومترا من مجرى نهر باني، أهم الروافد العليا للنيجر، وقسم من نهر ميلو حتى كانكان، وهو الآخر أحد روافد النيجر العليا. أما القسم الثاني من النيجر فهو القسم الأدنى، وتصلح فيه الملاحة من بارو حتى المصب طول السنة، وكذلك الملاحة مستمرة في البنوي طول السنة حتى ماكوردي، وفي فصل الفيضان حتى يولا على حدود الكمرون. (4)
نهر الزمبيزي: صالح للملاحة لمسافة 650 كيلومترا من المصب، ويصلح للملاحة للقوارب والسفن الخفيفة بعد شلال جونج، وقد أثرت سكة حديد بيرا على الملاحة في هذا الجزء. (5)
الجامبيا: صالح للملاحة للسفن البحرية حتى 240كم من المصب. (6)
السنغال: صالح للملاحة الخفيفة حتى كاييز. (7)
شاري: 870كم من مساره الأدنى ملاحي ، بالإضافة إلى 600كم من نهر اللوجوني (رافد شاري الأساسي). (8)
نهر كروس: صالح للملاحة في مصبه الخليجي الواسع مسافة 50 كيلومترا حتى ميناء كلابار. (9)
نهر اللمبوبو: صالح للملاحة لمسافة 50 كيلومترا فقط ابتداء من المصب.
أما النقل في البحيرات الأفريقية فيتركز في بحيرات شرق أفريقيا الكبرى على النحو التالي: (1)
بحيرة فيكتوريا: توجد ست بواخر في البحيرة لها خطوط ملاحية منتظمة بالإضافة إلى القوارب الصغيرة، وقد بلغ عدد المسافرين على هذه السفن 365 ألف شخص عام 1960، كما بلغت حمولة البضائع في السنة ذاتها 245 ألف طن، وأهم موانئ البحيرة كيسومو (كينيا)، بورت بل (أوغندا)، وموانزا (تانزانيا)، بالإضافة إلى بوكوبا (تانزانيا) كميناء لتصدير البن. (2)
بحيرة تنجانيقا: هناك عدة سفن تقوم برحلات منتظمة بين كيجوما (تانزانيا)، وألبرت فيل (الكنغو)، وأزمبورا (بوراندي)، بالإضافة إلى رحلات القوارب التقليدية بين الموانئ العديدة على بحيرة تنجانيقا. (3)
بحيرة نياسا: توجد سفينتان على البحيرة، إحداهما للبضائع والأشخاص، والثانية للبضائع فقط. (4)
بحيرة ألبرت: توجد ثلاث بواخر في هذه البحيرة تقوم برحلات منتظمة بين بوتيابا (أوغندا) وكاساني (الكنغو)، وبين بوتيابا وماهاجي (الكنغو) وباكواش على نيل ألبرت (أوغندا). (5)
بحيرة كيوجا: توجد ثلاث بواخر تقوم برحلات منتظمة بين ناماساجالي-أتورا، وناماساجالي-كاشونج، وناماساجالي-بوجوندو. (2-2) الملاحة البحرية
تمتلك دول أفريقيا عددا قليلا من السفن بالنسبة للأسطول التجاري العالمي؛ ففي العالم من السفن التجارية وناقلات البترول ما حمولته 247 مليون طن (1969)، نصيب أفريقيا منه حوالي 40,5 مليون طن موزعة على الدول التالية:
جدول 11-2: الأسطول التجاري الأفريقي (1969).
الدولة
الحمولة بآلاف الأطنان
ليبيريا
38552
الصومال
593
جنوب أفريقيا
538
مصر
241
غانا
166
نيجيريا
96
المغرب
56
ويجب ملاحظة أن ارتفاع حمولة الأسطول الليبيري إلى هذا الحد الضخم لا يعبر عن وجود أسطول تجاري أفريقي؛ لأنه في واقع الأمر سفنا وناقلات أمريكية في غالبيتها مسجلة في ليبيريا تهربا من الضرائب العالية في أمريكا، وكذلك تمنح الصومال رايتها لسفن متعددة الجنسية، وبهذا فإن أكبر الأساطيل التجارية الأفريقية هي تلك التي تملكها جنوب أفريقيا ومصر.
ونظرا لطبيعة السواحل الأفريقية فإن القليل من الموانئ هي تلك التي تقع على مرافئ طبيعية، مثل كيبتاون وفريتاون ، ومن ثم فإن غالبية الموانئ الأفريقية تستدعي ضرورة إنشاءات صناعية باهظة التكاليف، ولبعض الموانئ أهمية بحرية دولية خاصة مستمدة من وقوعها على طرق الملاحة العالمية: «بور سعيد والسويس» تقعان على مداخل قناة السويس، «دكار» تقع على طريق الأطلنطي الأوسط من أوروبا إلى أمريكا الجنوبية وبقية أفريقيا الغربية، «كيبتاون» تقع على طريق الأطلنطي الجنوبي من أوروبا وأمريكا إلى أستراليا والمحيط الهندي، وباستثناء هذه الموانئ فإن غالبية الموانئ الأفريقية الأخرى تتعامل في تجارة شحن وتفريغ في حدود مليون إلى مليوني طن سنويا، ولكن موانئ الدول النشطة في أفريقيا (جنوب أفريقيا ومصر)، أو موانئ الدول المصدرة أساسا للخامات المعدنية وعلى رأسها البترول (ليبيا والجزائر ونيجيريا)، أو موانئ الترانزيت للخامات المنتجة من الدول الداخلية (كموانئ أنجولا وموزمبيق بالنسبة لروديسيا ومالاوي وكاتنجا، أو موانئ تنزانيا بالنسبة لزامبيا ورواندا وبورندي، أو موانئ كينيا بالنسبة لأوغندا)؛ كل هذه المجموعات من الموانئ تتعامل في تجارة شحن وتفريغ كبيرة الحجم بالقياس إلى بقية الموانئ الأفريقية. ويوضح الجدول التالي بعضا من أنماط الحركة في مثل هذه الدول:
جدول 11-3: حركة النقل البحري في بعض دول أفريقيا (بآلاف الأطنان).
الدولة
بضائع مشحونة
بضائع مفرغة
ليبيا (1970)
161133
2600
نيجيريا (1970)
53551
3693
الجزائر (1970)
44261
3640
مصر (1969)
12775
6385
ج. أفريقيا (1969)
12071
6605
أنجولا (1970)
12188
1375
تنزانيا (1970)
1399
2290
الملاحة في قناة السويس 1966
سفن متجهة جنوبا
سفن متجهة شمالا
Net R. T.
حمولة السفن (ألف طن)
106119
95476
وزن البضائع (ألف طن)
47725
194168
ويتضح من هذه الأرقام أنه إذا تركنا البترول جانبا - وهو المسئول عن ارتفاع وزن البضائع المشحونة من ليبيا ونيجيريا والجزائر - فإننا نجد موانئ مصر وجنوب أفريقيا تتصدر الموانئ الأفريقية في حجم التعامل، وقد كانت أرقام التعامل في الموانئ المصرية حتى أواسط الستينيات تشير إلى ارتفاع وزن البضائع المفرغة عن المشحونة (9,2 مليون طن مقابل 7,1 لعام 1963)، وقد ارتبط ذلك باستيراد الآلات لبناء الصناعة في مصر، وقد أدت حرب 1967 إلى نقص ملحوظ في كمية البضائع المفرغة، بحيث بلغت حوالي نصف البضائع المصدرة، كما هو واضح من أرقام 1969.
ومن الملاحظ أن البضائع المفرغة في موانئ تنزانيا قد ارتفعت نتيجة سياسة زامبيا في الابتعاد عن الموانئ البرتغالية في موزمبيق وأنجولا، واتجاهها إلى تنزانيا كواجهة بحرية بعد إنشاء الطريق البري بينهما، كما أن العمل جار على إتمام خط حديدي بين الدولتين. وتمثل البضائع المفرغة الآلات التي يقتضيها إنشاء هذه الطرق، كما يمثل أيضا سد بعض احتياجات زامبيا من موارد الطاقة المستوردة وخاصة البترول. (2-3) السكك الحديدية
سبق أن ذكرنا أن أول خط حديدي أنشئ في أفريقيا كان خط الإسكندرية القاهرة الذي تم بناؤه عام 1855، وبعد ذلك أنشئ خط القاهرة أسيوط (1879) الذي مد إلى أسوان في 1897، وبذلك اكتملت الخطوط الحديدية الأساسية في مصر. أما الجزائر فهي ثانية الدول الأفريقية في إنشاء ومد الخطوط الحديدية؛ ففي 1862 مد خط صغير يربط بين مدينة الجزائر ومدينة بليدا (حوالي 70كم).
خريطة رقم (49): السكك الحديدية في أفريقيا.
وكانت جنوب أفريقيا من الدول السباقة أيضا في بناء الخطوط الحديدية - عام 1873 كان فيها 500كم من أطوال السكك الحديدية - ففي عام 1871 بدأ خطان حديديان من كيبتاون وبورت إليزابث في اتجاه كمبرلي، حيث مناجم الماس العالمية، وقد وصل الخطان إلى هدفهما عام 1885، وفي 1886 بعد اكتشاف الذهب في إقليم الراند، بدأ مد خط حديد بورت إليزابث-كمبرلي إلى الراند (تم عام 1892)، ومد خط حديدي جديد من دربان إلى جوهانسبرج الذي تم عام 1895، وفي الوقت ذاته أنشئ خط من جوهانسبرج إلى ميناء لورنز وماركيز في موزمبيق، وكان الهدف منه إيجاد اتصال بحري لجمهورية البوير في الترنسفال بعيدا عن ناتال والكاب الإنجليزيتين.
ومن الخطوط القديمة الأخرى في أفريقيا خط دكار-سان لوي الذي أنشئ عام 1885، بينما بدأ خط دكار-باماكو عام 1881، ولكنه لم يتم سوى عام 1905، وكذلك بدأ خط متادي-كينشاسا (ليوبولدفيل) عام 1889، ولكن العمل فيه لم ينته قبل 1898.
والملاحظ أن الفترة ما بين 1895 و1914 هي الفترة التي شهدت أكبر توسع في مد الخطوط الحديدية في أفريقيا، وظلت حركة بناء الخطوط الحديدية في أفريقيا راكدة بعد ذلك إلى أن بدأت تنشط تدريجيا في الخمسينيات من هذا القرن، وما زالت هناك دول أفريقية تعمل لزيادة خطوطها الحديدية باستمرار، ومن أمثلة هذه الدول السودان الذي مد خطوطا جديدة في الخمسينيات وأوائل الستينيات إلى الرصيرص ونيالا وواو.
والملاحظ أيضا أن الخطوط الحديدية الأفريقية قد أنشئت في غالبيتها لتحقيق أغراض اقتصادية؛ فمد الخطوط في ج. ع. م. أو جنوب أفريقيا أو نيجيريا أو الكنغو، وغير ذلك كثير، مرتبط بمناطق الإنتاج الزراعية والمعدنية، ولكن خط حديد القاهرة الإسكندرية أنشئ أساسا لتجارة المحيط الهندي من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، للاستعاضة به عن شق قناة السويس، وهناك خطوط أخرى قامت به من أجل خدمة المستوطنين الأوروبيين، ومعظمها تركز في شرق أفريقيا وأقاليم الزمبيزي واللمبوبو في كينيا وروديسيا والترنسفال، بالإضافة إلى الكاب وأفريقيا الجنوبية الغربية.
ومعظم الخطوط التي أنشأها الفرنسيون، في غرب أفريقيا على وجه الخصوص، كانت تمد بغرض عسكري، فإن المواصلات السريعة كانت تشدد قبضة الحكم الفرنسي على المناطق الشاسعة في داخلية أفريقيا. ومن أكبر الأمثلة على ذلك خط دكار-باماكو الذي دعم حكم فرنسا على أقاليم النيجر، وكذلك خط «أبيجان-وجدوجو» في الفولتا العليا، وخط «كوتونو-باراكو» في شمال داهومي، وخط «كوناكري-كانكان»، داخل غينيا في وسط هضبة فوتا جالون. وفي شمال أفريقيا ربط الفرنسيون أقاليم الساحل في تونس والجزائر والمغرب بخط حديدي عظيم، الغرض منه خدمة الاقتصاد وتنمية مصالح الاستيطان الأوروبي، ولكنهم مدوا من هذا الخط خطوطا أخرى إلى أطراف الصحراء الكبرى بغرض مد نفوذهم العسكري في الصحراء، وهذه الخطوط هي: خط عنابة-بسكرة-توغرت، وخط وهران-كولمبشار-عبادلا، وخط وجدة-كلمبشار.
وقد بدأت السكك الحديدية في أفريقيا عام 1855، وقد بلغت أطوالها عام 1895 قرابة 12,400كم، ثم زادت بسرعة إلى 48 ألف كيلومتر عام 1917 - أي بزيادة قدرها أربعة أمثال، خلال عشرين سنة على وجه التقريب. وتبلغ أطوال السكك الحديدية الحالية في أفريقيا (1960) قرابة 74 ألف كيلومتر، وفيما يلي بيانات إحصائية عن أطوال السكك الحديدية في الدول الأفريقية:
الدولة
أطوال السكك الحديدية (كم)
إثيوبيا
1090
الجزائر
4350
السنغال
1033
الصومال الفرنسي
110
الكنغو (برازافيل)
795
المغرب
1891
أوغندا
1120
تانزانينا
2532
تونس
2106
داهومي
594
زامبيا
1200
سيراليون
500
غينيا
662
كينيا
2200
مالاوي
430
موزمبيق
2361
ليبيا
361
أفريقيا ج. غ.
2355
ج. ع. م.
5670
السودان
4800
الكمرون
520
الكنغو (كينشاسا)
5174
أنجولا
3110
بتشوانا (تسوانا)
650
توجو
444
جنوب أفريقيا
19267
روديسيا
3600
ساحل العاج
625
غانا
1021
فولتا العليا
520
مالاجاشي
864
مالي
716
ليبيريا
69
نيجيريا
2849
وأهم الخطوط الدولية في أفريقيا ما يلي: (1)
خط شمال غرب أفريقيا: الذي يبدأ من مدينة تونس، وينتهي في الدار البيضاء مارا بالجزائر. (2)
خط شرق أفريقيا: الذي يبدأ من ممبسا، وينتهي في كاسيزي (حدود أوغندا والكنغو)، مارا بنيروبي وكمبالا، ويبلغ طوله 1470كم. (3)
خط دكار-النيجر: الذي يبدأ من دكار، وينتهي في كوليكورو، مارا بكاييز وباماكو، ويبلغ طوله 1296كم. (4)
خط أبيجان-الفولتا: ويبدأ من أبيجان، وينتهي في وجدوجو عاصمة الفولتا العليا، ويبلغ طوله 1192كم. (5)
خطا الكنغو-المحيط: والشمالي منهما يبدأ من بوان نوار، وينتهي في برازافيل، وطوله 515كم. أما الجنوبي فيبدأ من متادي، وينتهي في كينشاسا، وطوله 386كم. (6)
خط المحيطين الهندي والأطلنطي: ويبدأ من لوبيتو في أنجولا على ساحل الأطلنطي، وينتهي في بيرا في موزمبيق على ساحل المحيط الهندي، وطوله 4712كم، ويمر بكاتنجا وزامبيا وروديسيا، وهو الخط الوحيد الذي يصل بين المحيطين في أفريقيا كلها. (7)
الخط الشمالي-الجنوبي: الذي يبدأ من كيبتاون، وينتهي في سالسبوري في روديسيا، وهذا الخط هو قسم من الحلم الكبير الذي يسمى خط القاهرة-كيبتاون، والذي لم يكتمل، وإن كان هناك طريق بري بديل لهذا الخط.
ويلاحظ من توزيع هذه الخطوط أنها في مجموعها تشترك في صفة أساسية واحدة، هي أنها تبدأ من الشاطئ متجهة إلى الداخل، ولذلك فهي عبارة عن خطوط ذات محاور شرقية غربية في شرق ووسط أفريقيا، وذات محاور شمالية جنوبية في غرب وجنوب أفريقيا، أما في حوض النيل فالخطوط ذات محاور شمالية جنوبية مرتبطة في ذلك باتجاه النيل، ولكنها حيث تبلغ نطاق السفانا السوداني تأخذ محورا شرقيا غربيا (كسلا - سنار - الأبيض - نيالا). وفي شمال أفريقيا الغربي يسير الخط الأساسي موازيا للساحل - أي من الشرق للغرب، بينما تتعامد عليه الخطوط الحديدية الاستراتيجية المتجهة إلى الصحراء.
ولا يسعنا، قبل أن نختم الكلام عن السكك الحديدية الأفريقية إلا أن نذكر بعض مشروعات الخطوط الحديدية المستقبلة: (1)
خط حديد الصحراء: والكلام عنه قديم، ولكن التفكير فيه متصل، وهناك أحد احتمالين لمد هذا الخط، الأول: من كولمبشار إلى تمبكتو في خط شبه مستقيم يخترق الصحراء في أقصر نقاطها (حوالي ألف كيلومتر)، والثاني: من توغرت إلى تمبكتو مارا بواحة ورقلة وحاسي مسعود وفلاترز وهضبة الحجار، وهو طريق أطول ولكنه يمر بمناطق واحات عديدة، وبالتالي يمر بمصادر للماء كثيرة، كما أنه يفتح آفاق الاستغلال الزراعي والمعدني في هذه الواحات وهضبة الحجار، ويمكن أن يمد منه خط حديدي من الحجار إلى واحة أغاديس، ومنها إلى بحيرة تشاد. (2)
خط نجورو-بحيرة تشاد: ويكمل الطريق من لاجوس وكنو إلى بحيرة تشاد، ويربطها بساحل المحيط عن طريق نيجيريا. (3)
خط ياوندين-ماروا-فورلامي: الذي يربط أيضا بحيرة تشاد بالمحيط بطريق الكمرون. (4)
خط كوماسي-تاملي: في شمال غانا. (5)
خط لوزاكا-سالسبوري: لتقصير المواصلة بين كاتنجا وزامبيا من ناحية، وميناء بيرا من ناحية أخرى، بدلا من الوصول إلى سالسبوري بطريق لفنجستون وبولاوايو. (2-4) الطرق البرية
من المعروف أن مرحلة الطرق البرية أحدث من مرحلة الطرق الحديدية في العالم، ولكنها مع حداثتها قد أصبحت منافسا قويا للنقل الحديدي في حدود النقاط التالية: (1)
إن الطرق البرية أقل كلفة في إنشائها من الطرق الحديدية. (2)
إن للطرق الحديدية اتجاها محدودا، بينما يمكن للسيارات والشاحنات أن تختار طرقا عديدة داخل شبكة الطرق البرية؛ وبهذا فإن النقل البري يتمتع بحرية أكبر في الانتقال إلى أعماق بعيدة يصعب على السكك الحديدية الدخول إليها إلا بكلفة أكبر. (3)
إن النقل البري أسرع من الحديدي من حيث إن حمولة الشاحنة صغيرة بالقياس إلى حمولة قطار البضاعة، ومن ثم يمكن تحميل البضائع بسرعة ومن مناطق بعيدة عن مجال الخط الحديدي، ثم نقل الحمولة إلى الهدف المطلوب مباشرة. (4)
في الغالب يحدث شحن وتفريغ مزدوج للبضائع المنقولة بالسكك الحديدية، أولا: من مكان الإرسال إلى محطة السكة الحديدية، وثانيا: من محطة الوصول إلى مكان تسليم البضائع، وهذا الازدواج غير موجود في النقل البري.
هذه النقاط تجعل النقل البري أفضل من الحديدي، لولا أن الشحن بواسطة القطارات أرخص من السيارات في مجموعه، ومع ذلك تستفيد هيئات وشركات السكك الحديدية استفادة متزايدة من النقل البري بإضافة شاحنات تابعة لها؛ لكي تقوم بتجميع البضائع من المناطق التي لا تمر فيها السكك الحديدية إلى المحطات القريبة، وإعادة نقلها من محطات الوصول إلى مكان التسليم.
وفي أفريقيا تقوم الشاحنات بهذه العملية بكثرة، مشتركة في ذلك مع النقل الحديدي، وعلى هذا فالنقل البري في أفريقيا في معظمه مكمل للنقل الحديدي وغير متعارض معه؛ وذلك لقلة الخطوط الحديدية في أفريقيا عامة، ولكن في الدول التي تتمتع بشبكة حديدية لا بأس بها (الجمهورية العربية المتحدة، وجنوب أفريقيا، وروديسيا)، قد ينافس النقل البري النقل الحديدي ما لم تكن هناك سياسات تنسق بين هذين النوعين من النقل.
ولقد بدأ بناء الطرق البرية في أفريقيا خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي، وأخذت تنمو بعد ذلك بسرعة، وفي 1923 اخترقت الشاحنات الصحراء الجزائرية إلى النيجر لأول مرة، وقد سهلت طبيعة أفريقيا ذات الهضاب المسطحة، إنشاء الطرق دون رصف الكثير منها إلا في حالات معينة، كما أن الجسور لم تشيد بكثرة اعتمادا على إمكانية عبور الأنهار في قوارب خاصة، ولكن الطرق غير المعبدة - وإن كانت صالحة لسير السيارات بوجه عام - تتصف بصفتين تعودان بالضرر على النقل البري؛ الأولى أنه خلال مواسم المطر يصبح السير في هذه الطرق مستحيلا؛ لأنها تتحول إلى طين سميك، والصفة الثانية أنه في خلال الموسم الجاف يتكون على سطح الطريق طبقة جامدة متشققة في أحيان كثيرة، مما يجعل السيارات تسير على سرعات بطيئة - يستخدم السائق في ذلك السرعة الثانية في غالب الأحيان بدلا من الثالثة أو الرابعة - مما يؤدي إلى زيادة استهلاك الوقود بنسبة قد تبلغ 25٪ عما لو كان الطريق ممهدا بالأسفلت.
وأمام هذه العقبات أخذت الدول الأفريقية تزيد من اهتمامها بالطرق فتعبدها وترصفها باستمرار، ومع ذلك فإن نسبة هذه الطرق إلى الطرق غير المعبدة ضئيلة جدا؛ ففي الجمهورية العربية المتحدة 3313كم فقط من الطرق الممهدة بالأسفلت، من مجموع الطرق البالغ 20228كم، وفي جنوب أفريقيا 6471كم من الطرق الممهدة مقابل 151000كم من أطوال الطرق، وفي موزمبيق 4103كم طرق ممهدة مقابل 37564كم من أطوال الطرق، وفي نيجيريا 6493كم من الطرق الممهدة مقابل 60904كم من أطوال الطرق، وفي معظم أفريقيا لا تكاد توجد طرق ممهدة إلا بأطوال محدودة، خاصة حول العواصم والموانئ.
أعداد السيارات في بعض دول أفريقيا (1970). *
الدولة
سيارات الركوب
الشاحنات ٪ شاحنات لسيارات الركوب
أفريقيا
3440
1360
39,5
ج. أفريقيا
1653
428
25,9
المغرب
220,8
83,4
37,7
الجزائر
137,2
106
77,2
مصر
130,7
22,3
17
روديسيا
126,6
52
41
كينيا
100,5
18,9
18,8
ليبيا
100,1
45,4
45,2
ساح العاج
56,4
40,1
71,1
زائيري
55,8
43,1
77,2
ملاجاشي
45,5
42,3
92,9
نيجيريا
39,3
23,7
60,3
غانا
36,5
27
73,9
تنزانيا
33,3
33,7
101,2
السودان
27,4
16,5
60,2
جابون
5,2
4,8
92,3
تشاد
3,2
5,1
159,3 *
المصدر: الكتاب السنوي للإحصاء - الأمم المتحدة 1971.
ويوضح الجدول السابق أن أعداد السيارات في القارة قد بلغت في 1970 قرابة 3,5 ملايين، وأن عدد الشاحنات حوالي مليون وثلث المليون، وهذا يمثل زيادة 152٪ على أعداد سيارات الركوب لعام 1963، وزيادة قدرها 162٪ بالنسبة للشاحنات، ويدل هذا النمو على زيادة الاهتمام بالطرق البرية وازدياد الإقبال على السيارة والشاحنة لتعويض النقص في السكك الحديدية داخل الدول الأفريقية، وداخل المدن الكبرى أيضا - فضلا عن مرونة النقل البري.
وتمتلك خمس دول أفريقية هي: جنوب أفريقيا، وروديسيا، والمغرب، والجزائر، ومصر 65,7٪ من مجموع سيارات الركوب في القارة، 52,5٪ من مجموع الشاحنات، ولكن الفارق كبير جدا بين جنوب أفريقيا وحدها وبين الدول الأربع الأخرى، بل وكل الدول الأفريقية مجتمعة؛ ففي جنوب أفريقيا 48٪ من سيارات الركوب في القارة، و31,5٪ من الشاحنات، وقد زادت ما تملكه هذه الدولة عما كانت عليه عام 1963 بنسبة 155٪ و162٪ للسيارات والشاحنات على التوالي، وتؤكد هذه الأرقام، بالإضافة إلى أطوال السكك الحديدية في هذه الدولة، التطور الاقتصادي الحديث، وما يستدعيه ذلك من نمو في خطوط الحركة والاتصال. ويزيد من اعتماد جنوب أفريقيا على هاتين الوسيلتين من وسائل النقل - بالإضافة إلى النقل الجوي الداخلي - أن النقل النهري معدوم داخل الدولة.
ومن الجدير بالملاحظة أن أعداد السيارات الخاصة ، قد انخفضت في الجزائر عما كانت عليه عام 1963، بحيث تكون أعداد 1970 حوالي 70٪ فقط من أرقام 1963، وقد يرجع ذلك إلى هجرة المستوطنين الفرنسيين بعد استقلال الجزائر، وعلى وجه العموم فإننا نرى ارتفاعا في أعداد السيارات الخاصة في الدول التي يوجد بها مستوطنون من الأوروبيين - جنوب أفريقيا وروديسيا من بين مناطق أخرى - نظرا لارتفاع دخولهم عن بقية الأفريقيين.
وأخيرا فإننا نلاحظ أن نسبة الشاحنات إلى سيارات الركوب ترتفع كثيرا في معظم الدول الأفريقية عن المعدل العام للقارة، وأنه يصل أقصاه في عدد من الدول مثل تشاد وتنزانيا وملاجاشي وجابون، وقد لوحظ نفس هذه النسب العالية في أرقام 1963 أيضا، بل زادت في بعض الحالات مثل ملاجاشي وغانا وزائيري، ولا شك أن ارتفاع أعداد الشاحنات إنما يعكس احتياجات النقل المتزايدة في غالبية دول أفريقيا المدارية، وخاصة تلك التي تنقصها شبكة جيدة من الخطوط الحديدية أو النقل النهري، ويدل ذلك دلالة واضحة على سيادة النقل البري في المناطق التي يصعب فيها مد الخطوط الحديدية - سواء في صحاري ليبيا والجزائر، أو مناطق الغابات والسفانا في بقية القارة.
وفيما يلي بيانات إحصائية عن أهم الطرق البرية العابرة للقارة الأفريقية راجع ذلك مع الخريطة رقم (50): (1)
طريق القاهرة الكاب: وطوله 10200كم، ويبدأ من القاهرة ويمر بالأقصر (707كم)، أسوان (233كم)، وادي حلفا (410كم)، أبو حمد (370كم)، الخرطوم (570كم)، ملكال (893كم)، جوبا (612كم)، تورورو (أوغندا 713كم)، نيروبي (448كم)، أروشا (تانزانيا 290كم)، أيرنجا (تانزانيا 692كم)، تندوما (حدود تانزانيا مع زامبيا 510كم)، لوزاكا (1090كم)، بايت بريدج (حدود روديسيا مع جنوب أفريقيا 1094كم)، جوهانسبرج (560كم)، بوفور وست (الكاروو الكبير 974كم)، وأخيرا كيبتاون (481كم). (2)
طريق القاهرة-الدار البيضاء: وطوله 5359كم، ويبدأ من القاهرة ويمر بالإسكندرية (211كم)، مرسى مطروح (299كم)، بنغازي (849كم)، سيرت (562كم)، طرابلس (470كم)، صفاقس (492كم)، تونس (270كم)، الجزائر (899كم)، وهران (454كم)، مكناس (623كم)، وأخيرا الدار البيضاء (230كم). (3)
طريق السفانا السودانية: دكار-بور سودان وطوله 7673كم، أو كوناكري-بور سودان وطوله 7253كم، ويبدأ من دكار إلى باماكو (مالي 1257كم)، أو من كوناكري إلى باماكو (837كم)، ثم نيامي (النيجر 1426كم)، ثم كنو (948كم)، ثم فورلامي (839كم)، ثم الفاشر (1311كم)، ثم الأبيض (620كم)، ثم الخرطوم (410كم)، ثم عطبرة (323كم)، وأخيرا بور سودان (539كم). (4)
الطريق الاستوائي الشمالي: أكرا ممبسه، وطوله 6963كم، يبدأ من أكرا إلى لاجوس (528كم )، ثم أينوجو (753كم)، ثم ياوندي (الكمرون 887كم)، ثم بانجي (وسط أفريقيا 1103كم)، ثم بانزيفيل (422كم)، ثم مونجا (214كم)، ثم ستانلي فيل (657كم)، ثم مبارارا (غرب أوغندا 948كم)، ثم تورورو (شرق أوغندا 507كم)، ثم نيروبي (448كم)، وأخيرا ممبسة (496كم).
خريطة رقم (50): الطرق البرية العابرة للقارة. (5)
الطريق الاستوائي الجنوبي: متادي-ممبسة، وطوله 4961كم، ويبدأ من متادي إلى كينشاسا (390كم)، ثم كيكويت (436كم)، ثم لولوابورج (613كم)، ثم لوبيفو (393كم)، ثم كونجولو (على لوالابا 317كم)، ثم روتشورو (على الحدود الكنغولية الأوغندية 806كم)، ثم كامبالا (558كم)، ثم تورورو (217كم)، ثم نيروبي (448كم)، ثم ممبسة (496كم). (6)
طريق السفانا الجنوبية: بنجويلا-بيرا، وببلغ طوله 3627كم، ويبدأ من بنجويلا إلى سيلفا بورتو (515كم)، ثم ديلولو (على حدود الكنغو وأنجولا 735كم)، ثم كولويزي (كاتنجا 439كم)، ثم إليزابث فيل (340كم)، ثم لوزاكا (600كم)، ثم سالسبوري (400كم)، ثم أومتالي (حدود روديسيا وموزمبيق 253كم)، ثم بيرا (303كم). (7)
طريق الصحراء الكبرى: الجزائر-كنو، ويبلغ طوله 3800كم، ويبدأ من الجزائر إلى القليعة (958كم)، ثم عين صلاح (427كم)، ثم تامنراست (هضبة الحجار 700كم)، ثم أغاديس (911كم)، ثم زندر (275كم)، ثم كنو (320كم). (8)
طريق الصحراء الكبرى: طنجة-نيامي، ويبلغ طوله 3494كم، ويبدأ من طنجة إلى كولمبشار (900كم)، ثم زاورة ريجانا (واحة توات 780كم)، ثم جاو (على نهر النيجر 1365كم)، ثم نيامي (449كم). (9)
طريق ساحل المحيط الهندي: دار السلام-كيبتاون، وطوله 6381كم، ويبدأ من دار السلام إلى بالما على حدود موزمبيق وتانزانيا (687كم)، ثم بورتو إميليا (343كم)، ثم نامبولا (423كم، ومنها طريق إلى الشرق يؤدي إلى ميناء موزمبيق 240كم)، ثم بيرا (1211كم)، ثم لورنزو ماركيز (1189كم)، ثم دربان (760كم)، ثم بورت إليزابث (1007كم)، ثم موسل باي (391كم)، ثم كيبتاون (396كم). (10)
طريق كيبتاون متادي: وطوله 4485كم، يبدأ من كيبتاون إلى وندهوك (1579كم)، ثم تسوميب (490كم)، ثم سادا بانديرا (862كم)، ثم نوفاليزبوا (لشبونة الجديدة 452كم)، ثم لواندا (739كم)، ثم متادي (541كم). (2-5) الطرق الجوية
بدأ الاهتمام بإقامة خطوط جوية فوق أفريقيا حديثا، وأقدم خط جوي في أفريقيا يرجع إلى عام 1920 بين ليوبولد فيل «كينشاسا»، وستانلي فيل بواسطة طائرة مائية، ولكن أقدم خط جوي ربط أفريقيا بأوروبا هو الخط الأسبوعي الذي أنشئ عام 1932 بين لندن وكيبتاون، بطريق الإسكندرية - القاهرة - الخرطوم - جوبا - ممبسة، ثم مع ساحل المحيط الهندي حتى كيبتاون، وكانت هذه الرحلة تستغرق أحد عشر يوما تقطعها طائرات مائية. وفي 1933 استخدمت طائرات برية، فاستغنت عن الدوران مع الساحل، وأصبحت تمضي من جوبا - نيروبي - سالسبوري - جوهانسبرج - كمبرلي، ثم كيبتاون. كذلك أنشأ الفرنسيون الخط الجوي الثاني في أفريقيا من طنجة إلى الدار البيضاء ثم دكار.
وفي عام 1936 أنشأت شركة سابينا البجليكية 15 مطارا في الكنغو، وقد تأسست في الثلاثينيات أيضا شركة مصر للطيران، وجاءت الحرب العالمية الثانية فأوقفت نمو الملاحة الجوية المدنية، ثم عادت تدريجيا إلى النمو بعد انتهاء الحرب. وفي عام 1952 بدأت شركة الخطوط الجوية البريطانية في استخدام الطائرات النفاثة في أفريقيا، وأصبحت معظم خطوط الملاحة الجوية الدولية في أفريقيا الآن تستخدم الطائرات النفاثة في رحلاتها، بينما تستخدم طائرات المحركات في الخطوط الداخلية للدول.
وفضلا عن الخطوط الجوية للشركات الأوروبية والأمريكية التي تخترق أجواء أفريقيا، هناك خطوط جوية أفريقية عديدة نذكر منها الخطوط الجوية العربية، والخطوط الجوية السودانية، والخطوط الجوية الإثيوبية، والخطوط الجوية الجزائرية، ثم الشريفية (المغربية)، والتونسية، وخطوط غانا الجوية، وخطوط نيجيريا الجوية، وخطوط شرق أفريقيا الجوية، وخطوط أفريقيا الوسطى الجوية، وخطوط ديتا (موزمبيق) الجوية، وخطوط أفريقيا الجنوبية، وأخيرا تآلفت مجموعة من الخطوط لدول معاهدة ياوندي سميت خطوط أفريقيا الجوية (تشمل: الكمرون، جمهورية أفريقيا الوسطى، تشاد، كنغو برازافيل، داهومي، جابون، ساحل العاج، السنغال، موريتانيا، الفولتا العليا، النيجر)، وبدأت خطوطها عام 1961.
ومن حيث الأطوال التي تخدمها هذه الشركات الجوية نجد أكبرها هي خطوط أفريقيا الجنوبية
S. A. A.
التي بلغت خطوطها 19257كم في داخل وخارج جمهورية جنوب أفريقيا معا، يليها في ذلك الخطوط الجوية العربية
U. A. A.
بأطوال بلغت 12861كم، ثم خطوط أفريقيا الجوية
Air Afrique
وبلغت أطوالها 11536كم. أما الشركات الأخرى فأطوال خطوطها هي: ثمانية آلاف كم (الجزائرية)، وستة آلاف كم (الإثيوبية)، وخمسة آلاف كم (الروديسية والنيجيرية)، وأربعة آلاف كم (السودانية والشريفية والغانية)، وثلاثة آلاف (ملاجاشي)، وألفا كيلومتر (التونسية).
وتستخدم شركات جنوب أفريقيا والعربية والسودانية والإثيوبية والغانية طائرات نفاثة إنجليزية (كوميت)، وأمريكية (بوينج) في خطوطها الدولية.
خريطة رقم (51): شبكة الخطوط الجوية الرئيسية.
أما الشركات الأخرى فتستخدم طائرات المحركات الصغيرة، ومعظمها فايكونت أو دوجلاس 3 إلى 7، وبعضها كالخطوط العربية والغانية تستخدم أيضا الطائرات الروسية إيليوشن.
ومن حيث أعداد الركاب نجد أن خطوط أفريقيا الجنوبية تتصدر الشركات الأفريقية جميعا ؛ فقد بلغ عدد ركابها 860 ألفا عام 1963، كما بلغت البضائع المشحونة عليها 22 ألف طن لكل كيلومتر من أطوال رحلاتها الجوية، ويليها في ذلك الشركة العربية بعدد ركاب 385 ألفا، وبضائع 6,3 آلاف طن/كم.
ويمكننا أن نعرف ما يؤديه النقل الجوي الداخلي في الدول الأفريقية من دور هام في حياة كل دولة على حدة، من أطوال الخطوط المحلية لكل شركة. ومرة أخرى تظهر الخطوط الجوية لجنوب أفريقيا على رأس القائمة، ففي الوقت الذي تبلغ أطوال خطوطها الدولية ثمانية آلاف كيلومتر، نجد أطوال خطوطها المحلية 11000كم، ولا شك أن ذلك مرتبط بضخامة المساحة المسكونة من جنوب أفريقيا وتباعد أطرافها، مما يدعو إلى كثرة السفر بالجو داخل الدولة. وعلى هذا النحو نجد في نيجيريا شبكة طيران محلية طولها 6200كم، وفي ج. ع. م. ألفا كيلومتر (وهي شبكة لا بأس بها بالقياس إلى مساحة المناطق المأهولة من الدولة)، وفي السودان 1900كم (وهي شبكة صغيرة بالقياس إلى مساحة السودان الشاسعة).
وتوضح الخريطة رقم (44) شبكة الخطوط الجوية الدولية في أفريقيا، ويتبين من دراستها أن هناك موانئ جوية على جانب كبير من الأهمية للملاحة الجوية الأفريقية وعلاقاتها بالعالم الخارجي، وأهم نقط التجمع هي: القاهرة والجزائر في الشمال، الخرطوم وكنو ودكار في نطاق السفانا، ونيروبي وكينشاسا وأكرا في النطاق الاستوائي، وجوهانسبرج في الجنوب.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Clozier, R., 1963 “Geographie de la Circulation” Paris.
Oxford Regional Economic Atlas: Africa. 1965.
U. N. Statistical Year book 1971, New York.
صلاح الشامي: «النقل في أفريقيا» القاهرة 1961.
وكذلك راجع خرائط أفريقيا التفصيلة 1 : 2000000، 1 : 4000000.
والفصول الخاصة بالنقل في الكتب التي تعالج جغرافية أفريقيا.
القسم الثاني
دراسة لبعض الدول الأفريقية
مقدمة
فيما يلي دراسة غير مطولة لبعض الوحدات السياسية التي تتكون منها أفريقيا في الوقت الراهن، وقد راعينا في اختيار هذه الدول أن تكون في الوقت ذاته ممثلة للأقاليم الطبيعية في أفريقيا، فضلا عن تمثيلها أنماطا حضارية واقتصادية مختلفة.
فدولة «المغرب» تمثل إحدى الوحدات السياسية التي يتكون منها إقليم الأطلس الجبلي، وتمثل جمهورية «السودان» إقليمين متداخلين هما: أولا حوض النيل بظروفه الطبيعية المرتبطة ارتباطا وثيقا بجريان النهر العظيم، وثانيا إقليم السودان الطبيعي الممتد من الهضبة الحبشية إلى السنغال. أما «إثيوبيا » فيمكن أن نعدها مثالا طيبا لهضاب شرق أفريقيا التي تتعقد فيها ظروف التضاريس نتيجة لحركة الأخدود الأفريقي والثوران البركاني والطفوح البازلتية الواسعة، بالإضافة إلى أمطارها الموسمية. أما «نيجيريا» فهي عبارة عن قطاع عرضي لإقليم غرب أفريقيا بأقاليمه المناخية والنباتية المتعددة، ومجموعاته السكانية المختلفة الأصول والحضارات والعقيدة. ويمثل «الكنغو» إقليم وسط أفريقيا خير تمثيل بنظامه النهري الواسع ومناخه الاستوائي في الشمال والوسط، ومناخه السوداني في الجنوب. وأخيرا فإن دولة «جنوب أفريقيا» تمثل الهضبة الأفريقية الجنوبية بالإضافة إلى الالتواء الجبلي الجنوبي، وتمثل أنواعا مختلفة من المناخ والنبات، كما أنها المثال الرئيسي للدولة الأفريقية العنصرية سياسيا واجتماعيا.
الفصل الأول
دولة المغرب
(1) المغرب العربي
تمثل دولة المغرب إحدى الوحدات السياسية في شمال غرب أفريقيا، أو ما نعرفه في العالم العربي باسم «المغرب العربي»، الذي يشتمل على تونس والجزائر بالإضافة للمغرب، وهي في ذات الوقت تمثل قسما من الإقليم الطبيعي الأطلسي، ويتميز هذا الإقليم بوقوعه في العروض المعتدلة، وبنظام جبلي التوائي معقد، وبأمطار شتوية وجفاف صيفي، كما أنه من ناحية النشاط الاقتصادي يمثل إقليما تشترك فيه زراعة الحبوب التقليدية لنطاق البحر المتوسط وفواكهه المعروفة مع تربية الحيوان، في صورة تقليدية تتراوح بين البداوة الكاملة في الأطراف الصحراوية والرعي المتنقل بين الوادي والجبل في الهضاب الداخلية. ومن الناحية البشرية يمثل المغرب العربي اشتراك مجموعتين لغويتين وحضارتين في بيئتين مختلفتين تشتركان معا في إطار الحضارة والديانة الإسلامية، هاتان المجموعتان هما: البربر سكان شمال أفريقيا القدامى، والعرب الذين وفدوا إلى الإقليم بعد الفتوح الإسلامية، وفي المجموع يسكن البربر المناطق الجبلية، ويسكن العرب مناطق السهول الساحلية، بالإضافة إلى عدد لا بأس به من العرب البادية في الإقليم الصحراوي.
وفي مجال التقدم الاقتصادي الحديث نجد المغرب العربي يسعى سعيا حثيثا لتطوير موارده الطبيعية، وإن كان لا يزال الجزء الأكبر من صادراته المعدنية عبارة عن خامات غير مصنعة، وأكثر الخامات المعدنية استغلالا هي الفوسفات فالحديد والبترول، ومصادر الطاقة الكهربائية من القوى المائية كثيرة وغير مستغلة استغلالا كاملا، والصناعات الموجودة عبارة عن صناعات تحويلية فقط، وتمثل فرنسا القاسم المشترك في التاريخ الحديث لدول المغرب العربي الثلاث، ولا تزال آثار الارتباط الاقتصادي واضحة مع فرنسا، ولكن دور هذه الدول في مجموعة الدول العربية والأفريقية قد بدأ يتشكل ويأخذ صورة توجه هذه الدول داخل إطارات سياسية جديدة. (2) دولة المغرب
تحتل دولة المغرب 445,050 كيلومترا مربعا في الركن الشمالي الغربي الأقصى من أفريقيا، وبذلك فهي تطل على البحر بواجهتين بحريتين، الطويلة منهما هي الواجهة الغربية المطلة على المحيط الأطلنطي، والثانية أقصر وتطل على البحر المتوسط، وتحدها شرقا الجزائر، وجنوبا الصحراء الإسبانية المسماة ريو دورو، وهناك أجزاء من الحدود المغربية ما زالت مثار نزاع مع الجزائر، وعلى وجه الخصوص منطقة الحدود الجنوبية الشرقية قرب كولمبشار وعبادلا ومنطقة وادي درعة وتندف، وهذه المناطق المتنازع عليها عبارة عن ممر عريض يؤدي إلى اشتراك المغرب في حدود برية مع دولة موريتانيا التي تدعي المغرب عليها حق السيادة، هذا بالإضافة إلى أن ما في منطقة كولمبشار من ثروة معدنية قد ساعد على الاحتكاك بين الجارتين المغرب والجزائر.
وهناك أيضا نزاع بين المغرب وإسبانيا حول ملكية المغرب - وهذا حقها المشروع - لإقليم إفني الذي يكون جيبا إسبانيا على الساحل الأطلنطي من المغرب، وفي الوقت الحاضر جمدت كل أشكال النزاع على الحدود.
وتاريخ المغرب طويل جدا، ولا يسعنا تتبعه إلا في صورة مقتضبة على النحو التالي:
التاريخ
ملاحظات
قبائل البربر المختلفة تحتل شعاب الجبال وسهول المغرب منذ تاريخ لا يعرف.
800ق.م (؟)
الفينيقيون يؤسسون مراكز ساحلية أهمها طينجي (طنجة)، وروسدير (الرأس الكبير وهي مليلية ) وغيرها.
500ق.م (؟)
استيلاء قرطاجة على الأملاك الفينيقية في شمال أفريقيا.
200ق.م (؟)
ملوك البرابرة.
40ق.م (؟)
الرومان في شمال أفريقيا.
429م
عبور الفاندال جبل طارق إلى شمال أفريقيا، وسيادة ملوك القوط على طنجة وسبتة.
683م
عقبة بن نافع يفتح المغرب الأقصى وينهي حكم البيزنطيين، ويصبح المغرب جزءا من ولاية المغرب. حاكم المغرب في تلك الفترة مقره طنجة.
789
تأسيس مدينة فاس، واتخاذها عاصمة لدولة الأدارسة.
1060
تأسيس دولة المرابطين وتأسيس مدينة مراكش عاصمة الدولة الجديدة.
1145
سقوط فاس في أيدي الموحدين وتأسيس دولة الموحدين 1147م.
1269
سقوط دولة الموحدين وتأسيس الدولة المرينية، وتأسيس فاس الجديدة في عهدهم، استمرت حوالي 350 عاما.
1415
احتلال البرتغاليين مدينة سبتة، ومدينة طنجة 1471م.
1510
تأسيس الدولة السعدية - حكمت قرابة قرن ونصف قرن.
1578
الدولة السعدية تهزم حملة البرتغاليين الصليبية في وادي المخازن، ويقتل فيها ملك البرتغال.
1659
قيام الدولة العلوية (الشريفية نسبة إلى الأشراف الحسينيين)، وتنتمي إليها الأسرة الحاكمة الحالية.
1844
هجوم فرنسا على المغرب لمساندتها الزعيم الجزائري عبد القادر.
1904
الاتفاق الودي بين بريطانيا وفرنسا، المغرب تدخل حوزة النفوذ الفرنسي.
1905
قيصر ألمانيا ينادي بتأييد استقلال سلطان المغرب في زيارة له لطنجة.
1907
فرنسا تحتل الدار البيضاء.
1912
فرنسا تحتل فاس وتعلن الحماية على المغرب.
1921
بداية ثورة الريف ضد الإسبان بقيادة عبد الكريم حتى 1926.
1927
السلطان محمد بن يوسف (محمد الخامس) يعتلي العرش.
1953
نفي السلطان وقلاقل دامية.
1955
عودة محمد الخامس.
1956
استقلال المغرب الفرنسي ثم الإسباني (أبريل 1956م)، وطنجة (أكتوبر من العام نفسه).
1957
محاولة الحصول على مستعمرة إفني.
1958
إسبانيا تخلي القسم الشمالي من ريو دورو وتسلمها لمملكة المغرب.
1961
الحسن الثاني ملكا. (3) الدراسة الطبيعية
على الرغم من وقوع المغرب على ساحل الأطلنطي والبحر المتوسط، إلا أن مساحة السهول الساحلية قليلة جدا بالمقارنة بالمساحة الكبيرة التي تحتلها الهضاب وسلاسل الجبال العالية.
وأهم المظاهر التضاريسية بلا جدال سلاسل الأطلس العديدة، وقد تكونت هذه السلاسل على فترات جيولوجية مختلفة، أولها سلسلة الأطلس الخلفية التي نشأت في عصر ما قبل الكمبري، كما ظهرت في تلك الفترة نواة الالتواء الذي تأكد نسبيا في حركة التواء هرسينية، ثم ظهر في صورته العظيمة الراهنة في التواءات الزمن الثالث الألبية - ولم يبق من مظاهر الحركة الهرسينية إلا هضبة الميزيتا المغربية.
وأعلى وأكبر السلاسل الأطلسية هي الأطلس الكبرى أو العليا، التي تمتد في محور شمالي شرقي جنوبي غربي في الجزء الجنوبي والأوسط من دولة المغرب، وترتفع هذه السلسلة بشدة من الهضبة المراكشية إلى ارتفاعات عالية فوق 3500 متر، وأعلى نقطة في السلسلة جبل توبكال (4180 مترا)، الذي يقع على بعد 65كم جنوب مدينة مراكش، ثم كتلة جبل إيغيل مجون (3985 مترا )، ويقع على بعد 160كم شرقي مدينة مراكش، وكتلة جبل عياشي (3770 مترا) إلى الشمال الشرقي من إيغيل مجون. وتمتد الأطلس الكبرى من ساحل الأطلنطي عند أغادير (بمعنى الجدار؟) وبين كتلة جبل عياشي مسافة 650 كيلومترا، وتغطي الثلوج معظم قمم هذه السلسلة في الشتاء حتى ارتفاع 2400 متر، وتنقشع كلها في الصيف. وعلى الرغم من وعورة هذه السلسلة إلا أن هناك طريقين بريين جيدين يخترقانها من مدينة مراكش إلى تارودانت ثم أغادير عبر القسم الجنوبي غرب كتلة جبل توبكال (وتسمى السلسلة تيزنتست)، والآخر شرقي توبكال إلى إقليم وارزازات ومنابع وادي درعة.
خريطة رقم (52): دولة المغرب.
وتكون الأطلس الكبرى خط تقسيم مناخي وتصريف نهري على جانب كبير من الأهمية والوضوح، فالسفوح الغربية ممطرة وغابية بينما السفوح الشرقية جافة صحراوية، ومن هذه الكتلة تنبع عدة أودية نهرية دائمة وموسمية الجريان، فمن السفوح الغربية ينحدر أطول أنهار المغرب، وهو نهر أم الربيع الذي يبلغ طوله 500 كيلومتر، وينبع من كتلة إيغيل مجون، ويصب في المحيط الأطلنطي جنوب غربي الدار البيضاء عند مدينة أزمور، ولأم الربيع روافد عديدة منها وادي العبد ووادي تاساوت. ويقسم سكان المغرب السهل الساحلي إلى قسمين: القسم الذي يقع إلى الشمال من نهر أم الربيع ويسمى المغرب، والقسم الواقع جنوب أم الربيع ويسمى الحوز، وإقليم الحوز تسيطر عليه مدينة مراكش، وتخترقه أنهار قليلة نذكر منها نهر تانسيفت الذي ينبع من كتلة توبكال، ويمر بمدينة مراكش ويتجه غربا إلى المحيط، ولولا الثلوج التي تغطي الكتلة الجبلية لانقطع جريان النهر في الصيف.
وهناك وادي سوس الذي ينبع من جنوب توبكال وينتهي إلى المحيط قرب أغادير، ويفيض ماؤه صيفا، ومن السفوح الشرقية للأطلس الكبرى ينبع وادي درعة الذي يتجه جنوبا بشرق، ثم جنوبا بغرب مع الحدود المغربية حتى يصب في المحيط جنوب إفني. وهذا الوادي الذي يجف صيفا يعد فعلا أطول أنهار المغرب؛ إذ يبلغ طوله قرابة 1200 كيلومتر، وهو يدور جنوب سلسلة الأطلس الخلفية، ويرسم حدودها الجنوبية فاصلا بينها وبين حمادة درعة.
وسلسلة الأطلس الخلفية - التي تسمى جبل باني - تمتد جنوب الأطلس الكبرى، وتنفصل عنها بواسطة وادي سوس ونهر ماسة اللذين يكونان معا سهلا ساحليا لا بأس باتساعه صوب الداخل، وجنوب هذا السهل ومن منطقة إفني يمتد جبل باني في اتجاه الشمال الشرقي حتى إقليم وارزازات. ويتصل جبل باني بالأطلس الكبرى بواسطة كتلة جبلية بركانية (3500 متر) تسمى جبل سيروة، ومتوسط ارتفاع جبل باني 1200 متر فقط، وهو صحراوي المنظر باستثناء السفوح الشمالية التي تتلقى بعض الأمطار.
وإلى الشرق من الأطلس الكبرى تمتد هضاب وسلاسل جبلية أقل ارتفاعا هي بداية الأطلس الصحراوية، وتسمى بأسماء عديدة نذكر منها جبال كسور التي توجد في منطقة الحدود عند فجيج وكولمبشار، وفيما بين كسور والأطلس الكبرى يوجد إقليم تافلات الذي كان يسمى في الماضي إقليم سجلماسة، وهو عبارة عن هضبة شبه صحراوية تتخللها أودية تنبع من الأطلس الكبرى، وتخترقها في اتجاه الجنوب، ومن أهمها وادي غريس ووادي زيز ومنابع وادي ساؤرا، وهو الطريق الرئيسي الممتد إلى واحات توات.
وإلى الشمال من الأطلس الكبرى تمتد الأطلس الوسطى في اتجاه الشمال، وتبدأ من منطقة جبل عياشي، وتنتهي عند ممر تازة الذي يفصل بينها وبين سلسلة أطلس الريف، وهذه السلسلة عبارة عن عدة سلاسل متوازية أقل في ارتفاعها من الأطلس الكبرى؛ إذ إن متوسط ارتفاعها 1800 متر، وأعلى نقاطها يصل إلى 3300 متر في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من ممر تاز. وللأطلس الوسطى أهمية عظمى؛ إذ إنها تفصل بين القسم الأطلنطي من دولة المغرب والقسم الشرقي منها، كما أن أمطارها الغزيرة قد جعلتها مليئة بالحياة والنبات في صورة أغنى وأكثر من الأطلس الكبرى، كما أنها تعد في الحقيقة همزة الوصل بين المغرب الحقيقي والجزائر.
ويحد هذه السلسلة شرقا نهر مولوية الذي ينبع من السفوح الشمالية لجبل عياشي، ويتجه شمالا بشرق، ثم شمالا حتى يصب في البحر المتوسط بين الحدود الجزائرية ومليلية، وإلى الشرق من وادي مولوية إقليم «وجدة»، وهو عبارة عن هضبة عالية من هضاب الشطوط العليا التي تستكمل مساراتها في الجزائر بين الأطلس البحرية والصحراوية.
وتنبع من السفوح الغربية للأطلس الوسطى عدة أنهار أهمها نهر سبو الذي ينبع جنوب شرق فاس، ويتجه شمالا ثم غربا حتى يصب في المحيط عند مدينة القنيطرة - سميت مينا حسن الثاني حاليا - ولنهر سبو روافد عديدة أهمها وادي فاس الذي يخترق مدينة فاس، بالإضافة إلى أودية الرمان وأناون وورغة.
وقد ساعد وادي سبو على تكوين سهل ساحلي كبير، هو في الواقع أكبر سهول المغرب من حيث امتدده واتساعه وتعمقه في الداخل، ولذلك كان من أهم مراكز العمران والتركز السكني، ويكون وادي سبو مع ممر تازة ووادي مولوية منطقة عرضية منخفضة، وبذلك يصبح ممر تازة ووادي سبو الرابطة الحقيقية بين الجزائر وسهول البحر المتوسط من ناحية، والمغرب وسهول المحيط الأطلنطي من ناحية ثانية، ويحكم هذا الطريق الشرقي الغربي عبر المغرب تازة في الشرق وفاس في الوسط، ومن ثم كانت أهمية فاس التقليدية التي تعد من أقدم مدن المغرب، ومركزا من مراكز العلم والدين والثقافة في المغرب.
ويفصل وادي سبو وممر تازة بين الأطلس الوسطى باتجاهاتها الشمالية الجنوبية، وبين سلسلة أطلس الريف التي تمتد في محور عام من الغرب إلى الشرق بحذاء الساحل، في صورة قوس كبير يبدأ من سبتة ويكمل مساره عبر وادي مولوية في شمال الجزائر وتونس، وأطلس الريف ليست عالية - أعلى قمة فيها جبل تدغين 2475 مترا - ومع ذلك فهي وعرة المسالك جدا، ويشهد بذلك إمكانية ثورة الأمير عبد الكريم على الإسبان ست سنوات كاملة. وتمتد من هذه السلسلة ألسنة جبلية إلى البحر ، مما يقطع السهل الساحلي الضيق على البحر المتوسط، وتتعذر معه وسائل الانتقال من الشرق إلى الغرب، ولكن هذه السلسلة لا تصل إلى شاطئ المحيط، وبذلك تركت سهلا ساحليا متسعا يتصل بسهل سبو ويكونان معا أكبر سهول المغرب، وتنبع من السلسلة أنهار قصيرة سريعة الجريان إلى البحر المتوسط وأنهار أطول تصب في المحيط الأطلنطي.
وفيما بين فاس ومكناس في الشمال، ومراكش في الجنوب، تمتد الهضبة المغربية المسماة الميزيتا المراكشية، والتي ترتكز قاعدتها الشرقية على المنحدرات الغربية للأطلس الكبرى والوسطى، وتتدرج في الهبوط إلى السهل الساحلي غربا، وهذه الهضبة أقدم من التواءات الأطلس. ويعزى اتجاه الأطلس إلى الشمال الشرقي إلى مقاومة صخورها الصلبة لعملية الالتواء، وتغطي الصخور الأركية فيها طبقات رسوبية أحدث، ولكن الصخور الأركية تعود للظهور كلما كانت عوامل النحت والتعرية النهرية نشيطة. وتخترق الهضبة عدة أنهار سبق أن ذكرنا منها وادي تنسيف في الجنوب، وأم الربيع في الوسط، وأبي رقراق في الشمال الذي يصب شمال الرباط بقليل. (4) مناخ المغرب
يمثل المغرب مناخ البحر المتوسط خير تمثيل، ولكن وقوعه على الحافة الغربية لهذا الإقليم، وارتفاع الكثير من السطح، ومرور تيار كناريا البارد على سواحله الأطلنطية، قد جعل للمغرب ظروفا مناخية مختلفة في أرجائه المختلفة.
وحرارة الإقليم الساحلي الغربي متوسطة في الصيف بتأثير مرور تيار كناريا، ومنخفضة نسبيا في الشتاء، وأقل درجة حرارة على الساحل (الدار البيضاء) تحدث في يناير (12 درجة مئوية)، وأعلى درجة حرارة تقع في أغسطس (23°مئوية)، أما في الداخل فإن للارتفاع شأنا في خفض درجات الحرارة نسبيا؛ في مدينة مراكش تبلغ أدنى درجة في يناير 11,5 مئوية، وأعلاها في أغسطس 29 درجة مئوية، وفي فاس تنخفض حرارة يناير إلى 10 درجات مئوية، وترتفع حرارة أغسطس إلى 27 درجة مئوية، وبهذا يتضح لنا أن المدى الحراري الفصلي أقل ما يكون في الإقليم الساحلي، بينما يزيد في الداخل كثيرا نظرا لانخفاض حرارة الشتاء وارتفاع حرارة الصيف، وفي المناطق الداخلية كإقليم وارزازات أو تافلالت يزداد هذا المدى الفصلي بشدة لارتفاع حرارة الصيف، وقلة غطاء السحاب، بينما يقل المدى نسبيا في إقليم الريف.
وموسم الأمطار هو الشتاء، وتسقط على السواحل كمية مطر متوسطة تزداد في القسم الشمالي من الساحل الأطلنطي، وتقل تدريجيا في الجنوب، ومجموع مطر الدار البيضاء 400مم سنويا، تتساقط أغلبها في شهور الشتاء وأوائل الربيع من أكتوبر حتى أبريل، ولكن قمة المطر تحدث في ديسمبر، وأمطار فاس 635مم، وأمطار مراكش 238مم، ويدل ذلك على التدرج السريع في قلة المطر من الشمال إلى الجنوب.
ويحدد المطر أقاليم مناخية متميزة في المغرب هي: (1)
إقليم الريف وسهول الغرب (سبو) والأطلس الوسطى: أمطارها أكثر من 500مم. (2)
إقليم وجدة: شبه جاف إذ يقع في ظل الإقليم الأول وأمطاره أقل من 300مم. (3)
إقليم الميزيتا الوسطى والشمالية وساحل الأطلنطي من الرباط إلى الصويرة والأطلس الكبرى: أمطار متوسطة بين 300مم و500مم في السنة. (4)
الميزيتا الجنوبية والساحل الجنوبي وجبل باني: أقل من 200مم سنويا.
وقد أدت هذه الاختلافات في كمية المطر إلى تنوع نباتي كبير؛ فالإقليم الجاف وشبه الجاف أصبح موطنا لرعاة البادية، ومناطق الجبال العالية تسودها أيضا حركة التنقل الرعوي الموسمي، بينما استقر المزارعون في مناطق الارتفاعات الوسطى وأقاليم السهول الساحلية.
وقد أدت غزارة المطر نسبيا مع ارتفاع الجبال في الريف والأطلس الوسطى على وجه الخصوص، وفي بعض مناطق الأطلس العليا على وجه العموم، إلى نمو مساحات كبيرة من الغابات، من أشهر أشجارها الأرز الذي ينمو في مساحات كبيرة في الريف وأطلس الوسطى قدرت بمائة ألف هكتار، وهناك أيضا غابات العرعر ذات الأخشاب الجيدة لأعمال البناء، والزان الأخضر الذي يحول إلى فحم نباتي، والبلوط الذي يستخرج من لحائه الفلين، والصنوبر وغير ذلك من أنواع الأشجار التي تنمو في العروض المعتدلة. (5) الدراسة البشرية
يتكون سكان المغرب أساسا من مجموعتين لغويتين وسلالتين هما: البربر والعرب، ويسكن البربر معظم المناطق الجبلية، بينما يسكن العرب السهول الساحلية والمناطق شبه الجافة والجافة في وجدة وتافيلالت ووادي درعة، وفيما يلي أهم القبائل البربرية والعربية.
القبائل البربرية (1)
قبائل الريف: وعددهم حوالي ثلاثة أرباع مليون شخص، مزارعون في غالبيتهم. (2)
بني واريان : شرقي فاس في الأطلس الوسطى، وهم رعاة شبه متنقلين، وعددهم مائة ألف.
خريطة رقم (53): توزيع البربر والعرب في المغرب: اللون الفاتح يمثل توزيع الجماعات والقبائل العربية الأصول، واللون الداكن يمثل توزيع الجماعات والقبائل البربرية الأصول. (3)
البرابر: في الأطلس الوسطى وشمال الأطلس الكبرى وهضبة الميزيتا بين مكناس ووادي أم الربيع، رعاة يمارسون التنقل بين الهضبة والأودية والجبل. (4)
فيلالا: يسكنون واحات درعة الأعلى وإقليم وزازات وبعض مناطق تافيلالت، وهم مزارعون مستقرون في الواحات، عددهم قرابة مائة ألف. (5)
عايط عطا: أقرباء البرابر، يسكنون في وازازات ودرعة الأعلى. رعاة متنقلون، عددهم خمسون ألفا . (6)
الدرعوة: في وادي درعة الأعلى، مزارعون في ما يشبه الواحات على طول الوادي، يبلغ عددهم قرابة 150 ألفا. (7)
شلوح: في الأطلس الكبرى وجبل باني، عددهم أكثر من مليون شخص، وغالبيتهم مزارعون. (8)
تكنا: في أقصى جنوب غرب الدولة، ومعظمهم يمتد في الصحراء الإسبانية. أقرباء الشلوح لغويا وجيرانهم من الجنوب، ويختلفون عنهم فقط في أنهم بدو رحل.
القبائل العربية (1)
الجبالة: يسكنون القسم الغربي السهلي من إقليم الريف (الإسباني سابقا)، وهم مزارعون مستقرون، وعددهم مع سكان تطوان وسبتة العربيتين حوالي ثلثي مليون شخص. (2)
المغاربة: يسكنون معظم السهل الساحلي على الأطلنطي من طنجة حتى الصويرة، بما في ذلك سهل نهر سبو ومدينة فاس ومكناس والميزيتا الجنوبية ومراكش ومعظم المدن الساحلية، وهؤلاء عرب سلالة ولغة، وإن كان بعضهم من البربر المستعربين منذ فترة طويلة، وهؤلاء يكونون الجانب الكبير من سكان المغرب. (3)
بني بويحي: يحتلون القسم الأوسط من وادي مولوية في منطقة تازة، مزارعون. (4)
بني جيل: قبائل بدوية في شرق المغرب. (5)
دوي مينيا: قبائل مستقرة في الواحات المنتشرة في إقليم تافيلايت.
وقد جاء في آخر إحصاء عام (1960) أن مجموع سكان المغرب، قد بلغ 11626000 نسمة، ارتفع إلى 12,9 مليونا في تقديرات 1964، وإلى 15,3 مليونا عام 1971، وإن نسبة النمو السنوي كانت 2,7٪، مما يجعلها من الدول التي تزيد فيها أعداد السكان بدرجة عالية، إذا ما قورنت بدول أوروبا أو أمريكا الشمالية.
1
وتبلغ الكثافة السكانية العامة 34 شخصا للكيلومتر المربع، ولكن هذه النسبة تزيد وتقل طبقا لظروف المناطق المغربية المختلفة؛ ففي السهل الساحلي والريف والميزيتا ترتفع الكثافة، بينما تقل في الجبال العالية ومناطق الشرق والجنوب شبه الجافة والجافة، وترتبط الكثافة السكانية أيضا بمدى السكن الزراعي والمدني؛ ففي الإقليم الساحلي والأودية الخصبة (أم الربيع - سبو)، يظهر تركز مدني كبير مما يؤدي إلى مضاعفة الكثافة السكانية في الإقليم الساحلي والسهول الداخلية والوديان.
ويقسم إحصاء عام 1969 السكان من حيث سكن المدن ومناطق الزراعة على النحو التالي:
2
عدد سكان الريف
عدد سكان المدن
9969534
5409725
وعلى كثرة المدن المغربية، إلا أن أيا منها لم تبلغ المليون حتى أواسط الستينيات، لكن الدار البيضاء ارتفعت إلى مليون ونصف، كما شهدت مدنا أخرى نموا سريعا وخاصة مدينة الرباط.
جدول 1-1: تطور سكان المدن المغربية (العدد بالآلاف). *
المدينة
1963
1971
الدار البيضاء
965
1506
الرباط
227
530
مراكش
243
332
فاس
216
325
مكناس
176
248
طنجة
141
188
وجدة
128
175
القنيطرة
139
تطوان
101
139
صافي
129 *
المصدر السابق لعام 1971. (6) النشاط الاقتصادي
يتضح من كتاب الإنتاج السنوي 1970 لهيئة الأغذية والزراعة، ومن الكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة 1971، أن القوة العاملة في المغرب قد ارتفعت من 3,1 ملايين عام 1963 إلى نحو 3,8 ملايين عام 1970، وتتوزع هذه القوة على أوجه النشاط الاقتصادي بنسب متفاوتة، وأكبر عدد يشتغل بالقطاع الزراعي حيث تبلغ أكثر قليلا من مليوني شخص، بينما يعمل 23,7 ألفا في قطاع التعدين، 90,8 ألفا في قطاع الصناعة، والباقي يعملون في قطاع النقل والتجارة والخدمات، ويتضح من هذا أن حوالي 54٪ من القوة العاملة تشتغل في الإنتاج الزراعي العام (زراعة وسماكة ونشاط غابي ورعوي) هذا وقد بلغت مساحة الراضي الزراعية 51 ألف كم
2 (11,5٪ من مجموع مساحة الدولة).
ولا تتميز الزراعة المغربية بظهور محصول نقدي، وإنما غالبية المحاصيل للاستهلاك الذاتي، وأهم مناطق الإنتاج الزراعي هي بلا شك السهول الساحلية ووادي سبو التي تزرع حبوبا، ومنطقة الميزيتا الجنوبية التي تنتشر بها زراعة الزيتون، وكذلك في وادي سوس حول أغادير، أما الكروم فمنتشرة في مناطق محدودة غالبا حول المدن الكبرى.
وإلى جانب إنتاج الحبوب والكروم والزيتون التي يقوم بها المغاربة، فإن بعض المستوطنين الأوروبيين كانوا يزرعون - في مساحات صغيرة - عدة محصولات نقدية نذكر منها الموالح والتبغ ، وقد أمكن لهذه المزارع أن تنتج كميات لا بأس بها نتيجة الاستثمار في ري هذه الملكيات، ولذلك تسعى الحكومة في الوقت الحاضر إلى زيادة مساحات الري وإقامة مشروعات هندسية لحجز وموازنة المياه على بعض الأنهار، بالإضافة إلى ما هو موجود الآن على نهر سبو ومولوية وأم الربيع من مشروعات صغيرة.
وفيما يلي جدول لأهم المحاصيل التقليدية وغيرها في المغرب:
جدول 1-2: إنتاج المحاصيل المغربية. *
المحصول (المساحة ألف هكتار)
الإنتاج (ألف طن)
الإنتاجية
1963
1970
1963
1970
كجم/هكتار
القمح
1653
1940
1196
1700
880
الشعير
1935
2050
1168
2032
990
الذرة
462
470
320
456
970
البطاطس
25
28
225
300
الكروم
70
60
417
310
كروم النبيذ
260
216
الموالح
626
816
البلح
79
90
الزيتون (8 ملايين شجرة)
20
34 *
المصدر: كتاب الإنتاج السنوي لهيئة الأغذية والزراعة 1964، 1971.
ونظرا لوجود مساحات كبيرة صالحة للرعي (76,5 ألف كم
2
حسب تقديرات هيئة الأغذية والزراعة 1971)، فإن المغرب تمتلك ثروة لا بأس بها كما توضحه الأرقام التالية:
3
ماشية
أغنام
ماعز
إبل
خيول
بغال
حمير
العدد بالآلاف
3600
14500
7800
200
320
220
960
خريطة رقم (54).
والبداوة الكاملة لا توجد في المغرب؛ نظرا لأنه لا توجد مساحات ضخمة جافة، كما هو الحال في الإقليم الصحراوي، ولذلك فإن تربية الحيوان تتم غالبا في صورة من التنقل المحدود مكانيا بين الوادي والجبل، أو في مناطق الواحات العديدة في جنوب الدولة، ويمكن بذلك أن نصف هذه الحياة عامة بأنها نصف بدوية؛ لأن الرعاة غالبا ما يمضون عدة أشهر من السنة في قرى ثابتة حول مصادر الماء، ثم ينتقلون مع المطر إلى السفوح العالية أو المناطق التي نبت بها العشب.
ومن أهم المصادر التي تستغل الثروة الغابية (53307كم
2 )، وأهم شكل لاستغلال هذا المورد هو قطع لحاء أشجار الفلين. وفي المغرب حوالي 350 ألف هكتار من أشجار البلوط المنتج للفلين، وبذلك فإن المغرب تحتل المركز الثالث عالميا من حيث مساحة غابات الفلين وإنتاجه، بعد البرتغال وإسبانيا.
وصيد السمك من الشاطئ المغربي الطويل، رغم قدمه، لا يزال حرفة تمارس فيها الوسائل التقليدية في الصيد، أما الصيد بواسطة السفن والأدوات الحديثة فمعظمه احتكار للأوروبيين، ويعمل في الحرفة حوالي تسعة آلاف شخص منهم قرابة ألف أوروبي، وأهم مراكز الصيد أسفي وأغادير.
وتحتل الثروة المعدنية مكانا مرموقا في الاقتصاد المغربي؛ إذ تبلغ قيمة المعادن المصدرة إلى جملة صادرات المغرب 52,6٪ (1969)، وتمتلك الدولة مناجم الفوسفات، أما مناجم الفحم وحقول البترول الصغيرة فملك لشركات تساهم فيها الحكومة، وبقية المعادن الأخرى تعدن لحساب شركات خاصة، ويتصدر الفوسفات قائمة المعادن المغربية من حيث الوزن والقيمة؛ فقد بلغت قيمة الصادرات منه (1969) 25٪ من قيمة صادرات الدولة، يليه الحديد والمنجنيز والرصاص والكوبالت.
ويوجد الفوسفات في مناطق عديدة منها خريبقة وكشكاط ووادي زور البروج وبن جرير، وكلها في الميزيتا الوسطى، وأهمها جميعا مناجم خريبقة التي تأتي منها أربعة أخماس الفوسفات المنتج في المغرب، ويساعد على ذلك الخط الحديدي إلى الدار البيضاء، أما مناجم بن جرير - التي ينتظر أن تصبح الأولى في المغرب في الثمانينيات، فتصدر إنتاجها بواسطة الخط الحديدي المنتهي عند ميناء أسفي، وقد بلغ الإنتاج عام 1971: 11,4 مليونا من الأطنان، وبذلك فإن الإنتاج المغربي يربو على ثلاثة أضعاف الفوسفات المنتج من تونس والجزائر معا.
وتأتي المغرب في المرتبة الثانية بين دول العالم في إنتاج الفوسفات، وذلك بعد الولايات المتحدة، وقد بلغ المنتج المغربي 13٪ من مجموع الإنتاج العالمي لسنة 1971.
وينتشر الحديد في مناطق كثيرة بعضها في الهضبة والبعض الآخر قرب السواحل، وأهم المناجم الداخلية المستغلة توجد في خنيفرة، بينما توجد مناجم بو أفرور قرب مليلة، وفي منطقة تافيلالت مصادر كبيرة لم تستغل بعد. وفي عام 1971 بلغ الإنتاج 523 ألف طن بعد أن كان نحو 600 ألف في الستينيات، ويعدن الفحم في منطقة جرادة قرب وجدة، وهو من نوع جيد وبلغ إنتاجه 433 ألف طن (1971)، ويكون البترول المصدر الثاني للطاقة، وقد وجدت حقول صغيرة في مثلث تازة-طنجة-الرباط، والمنطقة الرئيسية هي حقل سيدي قاسم قرب مكناس، وقد هبط الإنتاج من 150 ألف طن عام 1963 إلى 46 ألفا عام 1971، وإلى جانب ذلك تنتج المغرب كميات قليلة من بعض المعادن أهمها الزنك (16 ألف طن)، والنحاس (3200 طن)، والنيكل (مائة طن)، وعدد من المعادن الهامة على رأسها المنجنيز والكوبالت.
ولا تزال نسبة كبيرة من العمالة الصناعية تشتغل في الصناعات والحرف التقليدية أو الصناعات التحويلية لمواد الغذاء، وهناك عدد من الصناعات الحديثة التي سجلت في عام 1968 نموا ملحوظا على أرقام 1963، فإذا اعتبرنا أرقام 1963 = 100 فإن النمو الصناعي العام لسنة 1968 قد وصل إلى 117، وقد سجلت صناعة الكيمياء وتكرير البترول أعلى نمو (134)، تليها إنتاج الكهرباء (130)، والمنسوجات (121)، والأغذية والمشروبات والتبغ (120)، والمعادن الأساسية (120)، والصناعات غير المعدنية (106). (7) المواصلات والتجارة
وفي عام 1914 كانت أطوال السكك الحديدية 460 كيلومترا، زادت إلى 1791 كيلومترا في عام 1960، وأهم الخطوط الحديدية هي: (1)
خط الجزائر - وهران - وجدة - تازة - فاس - كناس - سيدي قاسم - الرباط - الدار البيضاء، ويقطع هذا المغرب من الشرق إلى الغرب، ويربط الجزائر بساحل الأطلنطي عبر ممر تازة. (2)
خط الشمال: من طنجة إلى سيدي قاسم، ويخدم السهول الشمالية الغربية للدولة، ويتصل بالخط الرئيسي عند سيدي قاسم. (3)
خط الجنوب: من الدار البيضاء إلى مراكش، ويربط القسم الجنوبي من الدولة بالساحل.
ومن هذه الخطوط الثلاثة الرئيسية تتفرع عدة خطوط ثانوية الغرض، منها خدمة الموارد التعدينية المغربية، وهذه الخطوط الفرعية هي: (4)
خط بن جرير إلى ميناء أسفي (تصدير الفوسفات)، ويتفرع من خط الجنوب. (5)
خط سيدي العايدي (جنوب الدار البيضاء) إلى ودزم وعايط عمار (قريبة من مصادر الفوسفات في خنيفرة)، ويتفرع هذا الخط أيضا من خط الجنوب. (6)
خط وجدة إلى كولمبشار (في الجزائر)، ويخدم هذا الخط القسم الشرقي من المغرب فيما وراء الأطلس، وأهم مركز يخدمه قبل عبوره الحدود إلى الجزائر هو مدينة «بوعرفة»، ويتفرع هذا الخط من الخط الرئيسي. (7)
خط القصر الكبير-العرايش: ويتفرع من خط الشمال عند القصر الكبير ليربط بينها وبين الساحل عند العرايش، ويبلغ طوله 40 كيلومترا. (8)
خط سبتة-تطوان: وهو خط قائم بذاته طوله 40,5 كيلومترا.
وإلى جانب الطرق الحديدية فهناك 10972كم من الطرق المرصوفة والممهدة، بالإضافة إلى 35200كم من الطرق غير الممهدة، معظمها في جنوب المغرب.
وتخدم الدار البيضاء 80٪ من مجموع تجارة المغرب الخارجية؛ وبذلك فهي الميناء الرئيسي للدولة دون منازع، وإلى جانبها يوجد ميناء أسفي الذي يشتغل أساسا في تصدير الفوسفات، وفي مجال الخدمة الجوية؛ فهناك مطارات في كل من: الدار البيضاء، الرباط، طنجة، وجدة، وأغادير، ومراكش، ولكن أكبرها وأهمها مطار الدار البيضاء، يليه الرباط، ثم طنجة.
جدول 1-3: التجارة الخارجية للمغرب. *
الواردات
القيمة بملايين الدولارات
الصادرات
القيمة بملايين الدولارات
1960
1967
1960
1967
أغذية ومشروبات وتبغ
88,9
124,7
أغذية ومشروبات وتبغ
162,7
209,4
مواد أولية
41,7
57,6
خامات أولية
157,1
177
مواد الطاقة
30,5
25
مواد الطاقة
3
2,1
مواد كيميائية
30,9
43,5
منتجات أخرى
31,1
35,5
آلات مصنعة
76,6
125,9
منتجات شبه مصنعة
133,6
119,7
الجملة
402,4
514,8
الجملة
354
424 *
أرقام التجارة الخارجية مأخوذة عن المصادر التالية:
U. N. statistical Year book, 1964, 1971.
Economic Commission for Africa, Statistical Year book Part, II Foreign Trade, 1970, Addis Ababa.
أهم الواردات:
السكر والتبغ والوقود والسيارات والمصنوعات الحديدية والخشبية.
أهم الصادرات:
الفوسفات والموالح وزيت الزيتون والنبيذ والحديد والمنجنيز.
ويلاحظ أن تجارة المغرب الخارجية آخذة في الزيادة بصورة توضحها المعدلات القياسية الواردة في جدول 1-4 كما يلي:
جدول 1-4: معدلات التجارة الخارجية للمغرب.
1960
1963
1966 ٪ من مجموع تجارة الدول الأفريقية
1960
1966
حجم الواردات
94
100
99
قيمة الواردات
96
100
109
4,95
4,90
حجم الصادرات
101
100
101
قيمة الصادرات
92
100
108
5,57
4,33
وتتجه معظم صادرات وواردات المغرب إلى دول أوروبا الغربية، وعلى رأسها فرنسا، بينما تشكل تجارتها مع الدول الأفريقية نسبة ضئيلة.
جدول 1-5: اتجاه التجارة المغربية.
إجمالي 1968
الواردات 557 مليون دولار
الصادرات 455 مليون دولار
فرنسا
31,5٪
فرنسا
38,4٪
الولايات المتحدة
13,6٪
ألمانيا
8,3٪
ألمانيا
7,7٪
بريطانيا
5,9٪
إيطاليا
5٪
إيطاليا
5,9٪
بريطانيا
4,4٪
هولندا
3,5٪
الاتحاد السوفييتي
3,6٪
الاتحاد السوفييتي
3,5٪
ويتضح من هذا أن تركيب التجارة المغربية ما زال مرتبطا بأوروبا، وبفرنسا بوجه خاص، أما العلاقة مع أفريقيا فهي ما زالت ضعيفة نتيجة لضعف المواصلات وطولها، وبحكم الخلفية الاقتصادية النامية لكافة أفريقيا، ويلعب الجوار المكاني دورا هاما في التبادل التجاري بين المغرب ودول أفريقيا على نحو ما يصوره الجدول
1-6 :
جدول 1-6: تجارة واردات المغرب من أفريقيا (1969).
مصدر الواردات
القيمة (م. دولار) ٪ من جملة التجارة مع أفريقيا
أهم الدول ٪ من المصدر ٪ من إجمالي التجارة مع أفريقيا
كل أفريقيا
22,78
100
شمال أفريقيا
13,34
58,5
الجزائر
94,8
55,5
غرب أفريقيا
7,56
33,2
ساحل العاج
85
28,2
وسط أفريقيا
1,66
7,3
جابون
53
3,9
مراجع لمزيد من الاطلاع
Barbour, N., 1959. “A Survey of North-West Africa” London.
Bernard, A., 1937 “Afrique Septentrionale et occidentale” dans. “Geographic Universelle”,
Célérier, J. 1948 “Le Maroc”
Despois J. 1949 “l’afrique du Nord”
Feiland, R., 1958 “Marroko” Bonn.
Menshing, H., 1957 “Marroko” Stuttgart.
Oxford Regional Economic Atlas-Africa. Oxford 1965.
U. N. Statistical Year book 1964, 1971. New York.
U. N. Economic Commission for Africa: “Economic Bulletin for Africa” 1961-1969 Addis Ababa.
U. N. Ecomomic Commission for Africa: “Statistical Year book” 1970, Addis Ababa.
حسان عوض: المدن المغربية.
حسان عوض: الأشجار المثمرة في المغرب.
الفصل الثاني
جمهورية السودان
(1) إقليم السودان الطبيعي
يمثل السودان قطاعا هاما في إقليمين أفريقيين هما: حوض النيل والإقليم السوداني الطبيعي، وهو في الإقليم الأول يحتل القلب من حوض النيل؛ ففيه تنصرف مياه الهضبة الحبشية من الشرق، ومياه هضبة البحيرات من الجنوب، ثم يلتقيان معا وينصرفان في نهر النيل الرئيسي صوب الشمال ، وهو في الإقليم الثاني يحتل الركن الشرقي من الإقليم السوداني الطبيعي الممتد من السنغال حتى الحبشة. ونظرا للامتداد الطولي الكبير (قرابة ألفي كيلومتر من الحدود المصرية إلى الحدود المشتركة مع أوغندا)، فإن جمهورية السودان تمتد في الحقيقة عبر عدة أقاليم طبيعية؛ فهي في الشمال تشتمل على قسم من الإقليم الصحراوي، وفي معظم القسم الباقي تشتمل على قسم من إقليم السودان الطبيعي ذي المطر الفصلي وحشائش السفانا بجميع درجاتها، وفي الأطراف الجنوبية ينتمي السودان إلى الإقليم الاستوائي.
وبذلك فإن دراسة السودان توضح لنا عدة أنماط طبيعية، كما أن دراسته توضح إمكانات إقليم السودان الطبيعي من ناحية استثمار موارده الزراعية والرعوية استثمارا حديثا وعلميا، وكذلك توضح دراسته فقر إقليمي السودان الطبيعي وحوض النيل من الناحية المعدنية، وإن كان هذا الفقر رهنا بزيادة البحث الجيولوجي الذي قد يكشف عن مصادر معدنية غير معروفة الآن.
وعلى هذا فإن النمط السكني المستقر في إقليم السودان مرتبط بمصادر الماء الجاري في صورة النيل أو شاري أو النيجر أو السنغال، حيث تمارس الزراعة في صورة مختلفة؛ من زراعة الفأس إلى المحراث البلدي إلى المحراث الآلي. أما النمط السكني غير المستقر فينتشر مع الرعاة في هجراتهم المتصلة بين الانكماش حول مراكز الماء الدائمة - الآبار والأنهار والخيران - وبين الانتشار مع الأمطار الصيفية في اتجاهات عديدة تملأ إقليم السودان الطبيعي بمظاهر الحياة.
ومشكلة الإقليم السوداني الأساسية في الوقت الراهن تتلخص في ضبط مياه الأنهار من أجل التقدم الزراعي، والعناية بصورة أكثر بمشكلات الرعي من حيث حفر آبار عديدة لسقاية الحيوان، وخلق وعي جديد في تربية الحيوان لزيادة وزنه، وتحويل الحيوان إلى ثروة قومية بدلا من كونه رأسمال مجمد داخل إطار نظام الرعي التقليدي السائد حاليا. (2) جمهورية السودان
تكون جمهورية السودان أكبر دولة أفريقية بمساحتها الواسعة التي تبلغ 2505820 كيلومترا مربعا، ولكنها من حيث أعداد السكان لا تكون الدولة الأولى؛ فإن عدد السكان حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 1970، قد بلغ 16090000 شخص فقط، وبذلك تحتل المركز السادس من حيث السكان بعد نيجيريا والجمهورية العربية المتحدة وإثيوبيا وجنوب أفريقيا والكنغو، ومعظم سكان السودان مركزين حول النيل وروافده.
ولقد كان السودان جزءا من مصر منذ عام 1820، ثم أصبح بعد الثورة المهدية (1881-1898) خاضعا للحكم الثنائي المصري الإنجليزي من عام 1899، ثم استقل عام 1956. ولا شك أن ارتباط السودان في تاريخه الحديث بمصر حتى حصوله على الاستقلال كان له عدة فوائد، أهمها عدم إمكان نزع أية مساحة تخصص للأوروبيين؛ لأن الطرف المصري في الحكم ما كان له أن يوافق على ذلك، وبالتالي لم يتمكن أي أوروبي من الاستيطان الدائم إلا في حدود محدودة، وجذوره في هذه الحالة قامت على التجارة فقط - المثال على ذلك اليونانيون - وبهذا اختلف مصير السودان عن مصير عدد من الدول الأفريقية التي استعمرتها الدول الأوروبية منفردة، كذلك من الفوائد التي جناها السودان الاستفادة من خبرات ومشروعات الري المصرية التي أدت إلى دخول المحاصيل النقدية وخاصة القطن إلى السودان، ولا زال السودان يستفيد من مشروعات الري المصرية في أعالي النيل، وكذلك من مشروع السد العالي.
ويقسم السودان إداريا إلى تسع مديريات معظمها ذات مساحات شاسعة، لكنها إما مناطق صحراوية جافة في الشمال، وإما مناطق من السفانا غير المأهولة إلا في أوقات محدودة من السنة، حينما ينتقل إليها الرعاة في تجوالهم الموسمي، ويوضح الجدول التالي مساحات المديريات وأعداد سكانها حسب تقديرات 1969، الذي بلغ فيه مجموع سكان السودان 14791000 شخص.
خريطة رقم (55).
جدول 2-1: أقسام السودان الإدارية (1969).
المديرية
المساحة كم
2
عدد السكان
عاصمة المديرية
الشمالية
477060
1068000
الدامر
كسلا
340655
1573000
كسلا
الخرطوم
20971
905000
الخرطوم
النيل الأزرق
142105
3166000
ودمدني
كردفان
380534
2338000
الأبيض
دارفور
509058
1706000
الفاشر
أعالي النيل
236201
1290000
ملكال
بحر الغزال
201041
1438000
واو
الاستوائية
198114
1311000
جوبا (3) الدراسة الطبيعية (3-1) التضاريس
يتكون السودان أساسا من سهل تحاتي كبير أرسبت عليه في أجزاء كثيرة منه إرسابات طميية سميكة، مما أدى إلى انحدار النيل وروافده - وخاصة في الجنوب - انحدارا بطيئا جدا. وتتخلل هذا السهل عدة جبال منعزلة يمكن أن يطلق عليها «إنسلبرج» عبارة عن بقايا الصخور المقاومة للتعرية وغالبها من الجرانيت، كما هو الحال في جبال النوبا في كردفان أو تلال الداجو في جنوب دارفور، ويرتفع السهل تدريجيا إلى الغرب حتى يصل إلى كتلة جبال «مرة» البركانية الأصل في دارفور، كما يرتفع السهل تدريجيا صوب الجنوب حتى يصل إلى هضبة الزاندي أو خط تقسيم المياه بين النيل والكنغو وتشاد، ولكن السهل ينتهي فجأة، أو يكاد، في اتجاه الجنوب الشرقي، حيث يصل إلى الحافة الشمالية لهضبة البحيرات، وينتهي أيضا فجأة في اتجاه الشرق حيث يصل إلى حافة الهضبة الحبشية. وتتوغل ألسنة من المرتفعات من كل هضبتي البحيرات والحبشة إلى داخل السودان لمسافات قصيرة، كما هو الحال بالنسبة لجبال إيماتونج في الجنوب الشرقي التي ترتفع في نقط عديدة منها إلى 1900 متر، وتصل أعلى نقطة فيها إلى 3350 مترا في جبل كنيتي
Kinyeti
قرب حدود أوغندا.
أما هضبة الزاندي فلا تبلغ هذه الارتفاعات، ومتوسط ارتفاعها بين 500 متر وألف متر، وأعلى نقاطها تصل إلى 1300 متر فقط، وتتدرج هضبة الزاندي وحافة هضبة البحيرات في الهبوط إلى أن تصل إلى حوض السودان الجنوبي الذي يقع على ارتفاع تتراوح بين 300 متر، و500 متر، وهذا الحوض مثلث الشكل رأسه في الجنوب عند مدينة جوبا (455 مترا)، وقاعدته في الشمال ترتكز على حافة هضبتي دارفور وكردفان، وينفتح الحوض في الشمال الشرقي عند مدينة ملكال (385 مترا). ويتميز هذا الحوض باستواء شديد في السطح مما أدى إلى ضعف الانحدار، وعدم استطاعة الماء في النيل وروافد بحر الغزال الجريان إلا تحت تأثير المياه المتدافعة فقط، وقد أدت هذه الحالة إلى تكوين مستنقعات شاسعة في حوض بحر الجبل وبحر الغزال تعرف باسم منطقة السدود، تبدأ من بور (419 مترا)، وتنتهي قرب ملكال. وأصل التسمية راجع إلى أن النباتات كثيرا ما تنمو في مجرى الأنهار في صورة جزر نباتية تمنع الملاحة وتسدها، ومن هنا كانت التسمية. ويخترق هذا الحوض عدة مجاري أو مجموعات من المجاري النهرية هي: (1)
مجرى النيل الذي ينحدر على شلالات فولا ويتجه شمالا حتى بحيرة «نو»، ومن منطقة مستنقعات وسدود شامبي ينبع رافد صغير هو بحر الزراف الذي يتجه إلى شمال الشمال الشرقي، مبتعدا عن مجرى بحر الجبل وملتقيا مع مجرى النيل شرقي بحيرة «نو»، ويظهر بحرا الجبل الأدنى والزراف على الخرائط غير التفصيلية كما لو كانا يكونان دلتا داخلية للنهر الكبير في السودان الجنوبي. ومن بحيرة «نو» يتجه مجرى النيل الأبيض إلى الشرق حتى التقائه برافده الحبشي الأول «السوباط»، ثم ينحرف في زاوية شبه قائمة إلى الشمال. (2)
مجموعة بحر الغزال: وهذه تتكون من عدة أنهار تنبع من هضبة الزاندي، نذكر منها أنهار تونج وواو وسويح وبونجو ولول وبحر العرب - الذي ينبع من دارفرتيت وجنوب دارفور - وتجتمع مياه هذه الأنهار في مجرى واحد يسمى بحر الغزال يصب في بحيرة «نو». (3)
مجموعة السوباط : وهذه المجموعة هي أولى روافد الحبشة التي تتصل بالنيل، وتتكون من التقاء عدة روافد من أهمها: البيبور (ينبع من مستنقعات جنوب شرق السودان)، وأكوبو (ينبع من جنوب غرب الحبشة)، وبارو (ينبع من منطقة كافا)، وتلتقي هذه الأنهار في نقطة على الحدود السودانية الإثيوبية، وتتجه باسم السوباط إلى الشمال الغربي داخل السودان حتى تتصل بالنيل الأبيض جنوبي مدينة ملكال بقليل.
وهكذا تتحد مياه هضبة البحيرات وهضبة الزاندي ومياه جنوب غرب الحبشة لتنتقل في مجرى نهري واحد، هو النيل الأبيض الذي يجري في حوض سهلي منبسط قليل الانحدار جدا (ملكال 385 مترا - الخرطوم 376 مترا)، وهذا الحوض السهلي الكثير المستنقعات والجزر النهرية الطولية - من أهمها جزيرة أبا شمالي كوستي - يقع بين منطقتين من المرتفعات، وبذلك أصبح هو الممر الطبيعي الذي يصل حوض السودان الجنوبي ببقية حوض النيل.
إلى الشرق من حوض النيل الأبيض يوجد خط من المرتفعات هو في الحقيقة لسان جبلي منخفض، يمتد من الهضبة الحبشية في اتجاه الشمال، وينحصر بين مجرى النيل الأزرق في الشرق ومجرى النيل الأبيض في الغرب، ومن الطبيعي أن تقع أعلى نقطة في هذا اللسان الجبلي في الجنوب قرب حدود الهضبة الحبشية، ويقل الارتفاع كلما اتجهنا شمالا. ويبدأ هذا اللسان الجبلي بمجموعة من التلال القديمة تعرف باسم تلال الفنج، وتنتهي بما يسمى خط المناقل داخل أرض الجزيرة.
وإلى الغرب من حوض النيل الأبيض تمتد هضبة كردفان التي ترتفع فوق كنتور 500 متر، وتعلوها عدة جبال منفردة تتجمع في الجنوب باسم جبال النوبا، ومن أشهر هذه الجبال: رشاد 1500 متر، والليري 1300 متر، وتالودي 1056 مترا، ودلنج وأوتورو وهيبان ... إلخ.
وتنحدر مياه هذه الجبال في اتجاهين: الأول صوب الجنوب إلى حوض السودان الجنوبي، والثاني صوب الشمال الشرقي إلى النيل الأبيض، ومن أهمها خور أبو حبل. وترتفع هضبة كردفان تدريجيا إلى الغرب حتى تصل إلى هضبة دارفور التي تسيطر عليها كتلة جبل «مرة» البركانية، وترتفع هضبة دارفور فوق كنتور ألف متر، أما كتلة جبل «مرة» فترتفع فوق كنتور ألفي متر، وأعلى قمة فيها تصل إلى 3150 مترا، وتنحدر هضبة دارفور جنوبا إلى حوض السودان الجنوبي في منطقة تعرف باسم تلال الداجو، وغربا إلى حوض تشاد في إقليم المساليت، وشمالا إلى هضبتي إندي وإدري، وشمالا بشرق إلى هضبة تايجا وجبال ميدوب وتجابو، وتنحدر الهضبة تدريجيا في هذا الاتجاه حتى النيل النوبي، وتقع فوقها عدة كتل جبلية صغيرة منعزلة تسمى تلال النوبا، وأشهرها: كاتول وكاجا وحرازة (1110 أمتار)، وتنصرف مياه شمال شرق دارفور وشمال كردفان في صورة أودية سيلية أهمها: وادي الملك (أو المك)، ووادي مقدم.
وإلى الشرق من النيل الأزرق يمتد سهل البطانة الذي يقع فيما بين النيل الأزرق والعطبرة، وهو عبارة عن لسان هضبي عريض منبسط ممتد من الهضبة الحبشية في اتجاه الشمال الشرقي، ويقع فوق كنتور 500 متر، ويحتوي على عدة نقط مرتفعة أعلاها يصل إلى 860 مترا، بالقرب من قلعة النحل، جنوب غربي القضارف. وإلى الشرق من مجرى نهر العطبرة تمتد الهضبة الصحراوية الشرقية التي ترتفع تدريجيا كلما اتجهنا إلى الشرق، حتى تصل إلى أعلاها في الحافة الانكسارية الكبيرة المطلة على البحر الأحمر، والتي تعرف باسم جبال البحر الأحمر، وتعلو عدة نقط في هذه الجبال إلى أكثر من ألفي متر من أهمها: جبل أودا 2223 مترا، وجبل أسوتريبا 2180 مترا، ويقع قرب الحدود المصرية. وتنحدر جبال الأحمر بشدة صوب الشرق إلى سهل ساحلي ضيق على البحر الأحمر، وتنحدر مياه السهول المفاجئة بسرعة وشدة إلى الشرق في عدة أودية أهمها: خور أربعات الذي يصب في البحر الأحمر شمالي بور سودان، وخور بركة الذي ينبع من شمال إريتريا، ويصب في دلتا داخلية عند طوكر. أما مياه المنحدرات الغربية لجبال البحر الأحمر فتسير في أودية طويلة إلى النيل، من أهمها: وادي عامور الذي ينتهي إلى النيل شمالي بربر، ووادي قبقبة الذي ينبع من صحراء العطمور شمالي أبو حمد ويتجه شمالا عبر الحدود المصرية، ليلتحق بوادي العلاقي، ويصبان معا في النوبة المصرية جنوب أسوان. وللهضبة الصحراوية لسان يمتد داخل ثنية النيل النوبي، والغالب أن هذا اللسان هو الذي جعل النهر ينثني عند أبو حمد عن اتجاهه الشمالي إلى الجنوب الغربي حتى إقليم دنقلة، الذي يعاود فيه اتجاهه الشمالي، ويسمى هذا الجزء الهضبي صحراء العطمور.
عند الخرطوم يلتقي النيل الأبيض بأهم رافد حبشي، هذا هو النيل الأزرق الذي ينبع من هضبة جوجام وبحيرة تانا، ويدخل السودان قرب الرصيرص، ويتجه إلى الشمال الغربي حتى الخرطوم، وقبل التقائه بالنيل الأبيض يلتقي الأزرق برافدين هامين هما: الدندر الذي يصب في الأزرق جنوب واد مدني، والرهد الذي يصب شمالها، ويتشابه الرافدان في أنهما ينبعان من المنحدرات الشمالية الغربية للحبشة، ويتخذان اتجاها عاما إلى الشمالي الغربي. وبعد التقاء النيلين الأبيض والأزرق، يتجه النيل شمالا باسم النيل النوبي، ولكنه سرعان ما يمر في عدة عقبات نهرية تعرف باسم الجنادل النوبية الستة التي تبدأ بخانق سبلوقة شمالي الخرطوم، وتنتهي بجندل أسوان.
والنيل النوبي يجري في منطقة صحراوية داخل واد ضيق تحف به الهضبات الصحراوية من الشرق والغرب، وعند مدينة عطبرة يلتقي النيل بآخر رافد حبشي، وفي الوقت ذاته آخر رافد له حتى المصب، ذلك هو العطبرة الذي ينبع من شمال الحبشة، إلى الشمال قليلا من بحيرة تانا، ويلتقي برافد عظيم قرب الحدود السودانية هو تكازي، ويسير بعد ذلك إلى الشمال الغربي حتى يلتحق بالنيل. وإلى الشرق منه مجرى نهري صغير يسمى خور القاش يمكن أن يلحق طبيعيا بحوض العطبرة، ولو أنه في غالب الأحيان كان يصب في الصحراء بدلتا مروحية. وبعد التقاء العطبرة يواصل النيل مساره إلى الشمال حتى أبو حمد، ثم ينحرف في زاوية حادة إلى الجنوب الغربي حتى الدبة، ويعود بعدها إلى الاتجاه شمالا حتى الحدود المصرية. (3-2) المناخ
وعلى الرغم من اتساع السودان مساحة إلا أن التنوع التضاريسي هامشي، وبذلك فإن التنوع في المظهر العام للأقاليم يعود في أساسه إلى الاختلاف المناخي؛ فالسودان يقع بين خطوط العرض 22 في الشمال و3,30 في الجنوب من ناحية، وفي شرق القارة من ناحية ثانية، مما يجعله في غالبيته بعيدا عن آثار المحيط. والامتداد الكبير في درجات العرض قد جعل السودان يتدرج في الأقاليم المناخية بين الصحراوي في الشمال، والسوداني في الوسط والجنوب، وشبه الاستوائي في أقصى الجنوب. ودرجة الحرارة عالية طول السنة في كل هذه الأقاليم؛ فهي في متوسطها السنوي أكثر من 25 درجة مئوية. وبلا جدال فإن الإقليم الصحراوي هو أحر هذه الأقاليم جميعا، ويرتفع المتوسط السنوي للحرارة إلى 29 درجة مئوية، بينما يقل المتوسط تدريجيا إلى 27 في دارفور، وإلى 25 في إقليم الزاندي.
والعامل الفاصل في توزيع الأقاليم المناخية هو المطر، وخط المطر الرئيسي الذي يفصل الصحراء عن منطقة الانتقال إلى الإقليم السوداني هو خط 100 مليمتر الذي يمر بشمال دارفور وصحراء بايوضة ومدينة العطبرة ومدينة بور سودان، إلى الشمال من هذا الخط تمتد الصحراء، وإلى الجنوب تبدأ الأمطار في الزيادة التدريجية: خط مطر 500مم يمتد من وسط دارفور إلى القسم الأوسط من إقليم الجزيرة ووسط البطانة، بينما خط مطر ألف مليمتر يقع في بحر الغزال، ويمتد من جنوب بحر العرب إلى جوبا وجبال إيماتونج، ويقع إقليم الزاندي داخل خط مطر 1300مم.
وأمطار السودان موسمية وتسقط كلها في فصل الصيف، وتتركز الأمطار في الشمال في ثلاثة أشهر الصيف: يونيو ويوليو وأغسطس، بينما في الجنوب يمتد موسم المطر إلى قرابة ستة أشهر في الصيف أيضا.
أما إقليم الزاندي فالواقع أنه إقليم أمطار شبه استوائية، بمعنى أن المطر يمتد في معظم شهور السنة (8 إلى 9 أشهر).
وتقسم السنة في السودان إلى قسمين متميزين: الأول صيف حار وأمطار راعدة وهو الفصل الممطر، والثاني شتاء حار إلى دافئ مع الجفاف. وتبعا لذلك فإن السودان يعاني من قارية حرارية يومية في الشتاء لعدم وجود غطاء السحاب، بينما تقل الفروق الحرارية اليومية في الصيف لتكاثر السحب،
1
كما أن السحب تقلل من درجة الحرارة عامة في فصل المطر. (3-3) النبات الطبيعي
يرتبط النبات الطبيعي بدون شك بالظروف المناخية؛ فالإقليم المناخي الصحراوي إقليم قد خلا من الحياة النباتية إلا في مناطق الآبار أو بعد السيول، وتتدرج أعشاب السفانا من حدود الإقليم الصحراوي إلى حدود الغابات الاستوائية في جنوب بحر الغزال، فهي في إقليم الانتقال أعشاب شوكية قصيرة ومتفرقة تزيد ارتفاعا وكثافة كلما اتجهنا جنوبا حتى نصل إلى السفانا الطويلة في السودان الجنوبي.
وفي عروض شمال كردفان تتميز السفانا بوجود أشجار السنط والباوباب، وتتزايد كثافة السنط كلما اتجهنا إلى الجنوب. وفي السودان الجنوبي تنمو أشجار أخرى نفضية تزداد كثافة حتى غابات الأروقة في بحر الغزال، أو غابات ونباتات الجبال العالية، على المنحدرات الشمالية لهضبة البحيرات. وعلينا أن نلاحظ أن لإقليم السدود، نباتات خاصة به عبارة عن أعشاب مستنقعية متكاثفة وطويلة، ونباتات مائية عديدة الأنواع. (4) الدراسة البشرية (4-1) السكان
تعيش في السودان عدة مجموعات سلالية لغوية، يمكن أن نقسمها إلى قسمين رئيسيين هما: مجموعة القوقازيين في الشمال والوسط، ومجموعة الزنوج في الجنوب راجع الخريطة رقم (45). وتنقسم المجموعة الأولى إلى قسمين لغويين هما: الحاميون (البجة والنوبة والليبيون) في الشمال، والساميون والمختلطون بالساميين في الوسط والغرب. وتتكون مجموعة البجة من عدة قبائل من رعاة الإبل، هم من الشمال إلى الجنوب: البشارية والأمرار والهدندوة وبني عامر، أما مجموعة النوبيين فزراع يعيشون على النيل النوبي فيما بين الدبة وأسوان، وهم في السودان ينقسمون إلى عدة مجموعات ترتيبها من الشمال إلى الجنوب: الفديجا والسكوت والمحس والدناقلة.
أما المجموعة السامية اللغة فتتكون من سلالة القبائل العربية ومن اختلط بهم حينما فتحوا السودان في القرن الخامس عشر، وهم ينقسمون من حيث الأصل إلى ثلاث مجموعات رئيسية هي: الكواهلة والجعليون أو العباسيون ومجموعة جهينة، ولكنهم من حيث الحضارة ينقسمون إلى مزارعين على النيل فيما بين الدبة وسنار، ورعاة إبل في البطانة وبايوضة وشمال كردفان ودارفور، ثم رعاة البقر في وسط وجنوب الجزيرة وكردفان ودارفور. ومن أهم القبائل العربية التي استقرت على ضفاف النيل النوبي الشايقية والجعليين، والتي استقرت في أرض الجزيرة والنيل الأبيض الأدنى الكواهلة والحسانية ورفاعة، أما أكبر مجموعة من القبائل الرعوية التي تعيش على الإبل فهي الكبابيش في شمال كردفان، والشكرية في سهل البطانة، أما الرزيقات والمسيرية والحبانية، فتكون أكبر القبائل العربية التي تعيش على رعي الأبقار في جنوب دارفور وكردفان.
خريطة رقم (56): المجموعات اللغوية والسلالية في السودان: (أ) الجماعات الحامية: (1) الليبيون والهواوير. (2) النوبيون على النيل وشمال دارفور. (3) البجة. (ب) المجموعات الزنجية والزنجانية: (4) الفنج - النوبا - الفور. (5) زنوج الجنوب الغربي. (6) النيليون. (7) النيليون الحاميون (أنصاف الحاميين). (ج) المجموعات القبلية العربية: (8) الكواهلة. (9) جهينة. (10) الجعليون. (11) البرتي وجماعات صغيرة أخرى في شرق دارفور (أصولها غير مؤكدة لقلة الدراسات).
ملاحظة:
هذه خريطة مبسطة عن الخريطة التي وضعها ورسمها محمد رياض بإشراف الأستاذ الدكتور محمد عوض محمد (عام 1950)، والأصل بمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة.
وتسكن المجموعتان الزنجية والزنجانية السودان الجنوبي، وأكثر أوطانها تطرفا إلى الشمال توجد في مجموعة دارفنج في جنوب الجزيرة، والدنكا على النيل الأبيض، ويتجه الخط الفاصل بين اللغة العربية ولغات السودان الزنجية مع النيل الأبيض جنوبا حتى قرب بحيرة «نو»، ومع بحر العرب، ثم لول إلى دار فرتيت. وتشتمل المجموعة الزنجانية على مجموعة النيليين ويسكنون إقليم السدود، والنيليين الحاميين في جنوب شرق السودان، بينما تشتمل المجموعة الزنجية على سكان الهضبة الحديدية وهضبة الزاندي في جنوب وجنوب غرب بحر الغزال، بالإضافة إلى مجموعات زنجية صغيرة العدد تعيش داخل نطاق اللغة العربية في جنوب السودان، نذكر منها دار فنج ودار نوبا في مناطق التلال المنعزلة في جنوب الجزيرة وجنوب شرق كردفان على التوالي، ومجموعة الفور في دارفور.
ويعيش النيليون أساسا على رعي الأبقار مع زراعة الدخن، وأهم تجمعاتهم: الشلك والدنكا على النيل الأبيض الجنوبي، والدنكا في بحر الغزال ووسط بحر الجبل، والنوير في بحر الجبل الأدنى وبحر الزراف والسوباط، وتمثل قبائل الباري واللاتوكا والددنجا على بحر الجبل الجنوبي وجنوب شرق السودان أهم مجموعات النيليين الحاميين، ويختلف هؤلاء عن النيليين بعض الشيء في صفاتهم السلالية، ولكن أهم مظاهر الاختلاف بينهم لغوي وحضاري.
أما الزنوج فيعيشون أساسا على الزراعة مع بعض الحيوانات القليلة إلا عند الزاندي الذي يخلو إقليمه من الحيوان، وأهم قبائلهم وأكبرها هو الزاندي في جنوب بحر الغزال، والبونجو في وسط بحر الغزال، والمورو والكوكو في جنوب شرق بحر الغزال، بالإضافة إلى مجموعات الفنج والنوبا والفور في جنوب الجزيرة وكردفان ودارفور على التوالي.
ويتضح من هذا العرض أن سكان السودان جميعا - باستثناء المدن - يمكن أن نقسمهم من حيث النشاط الاقتصادي إلى رعاة ومزارعين، والرعاة ينقسمون إلى رعاة الإبل في الشمال الشرقي والشرق والشمال الغربي والوسط، ورعاة البقر في الوسط والجنوب والجنوب الشرقي. أما المزارعون فيعيشون على ضفاف النيل النوبي والجزيرة ودلتا القاش والتلال المنعزلة والجنوب الغربي.
في 1955-1956 تم أول إحصاء رسمي لسكان السودان، وقد بلغ عدد السكان 10255000 شخص، وفي تقديرات الأمم المتحدة لعام 1963،
2
بلغ عدد السكان 12831000 شخص، ولا شك أننا نتوقع اختلافا كبيرا في الكثافة السكانية نظرا لتباين الظروف الطبيعية، وفي معظم السودان تقل الكثافة عن 20 شخصا للكيلومتر المربع، ولكن هناك مناطق لا تكاد تكون مسكونة كالصحراء الليبية، ومناطق أقل من شخصين للكيلومتر المربع كشمال كردفان ودارفور أو الصحراء الشرقية، وفي نطاق بحر العرب ودارفرتيت، ومناطق السدود وجنوب الجزيرة والبطانة والجنوب الشرقي.
وفي الإقليم الأوسط من دارفور وكردفان والجزيرة وشمال البطانة وجنوب بحر الغزال تتراوح الكثافة بين 2 و10 أشخاص، وتتمتع مناطق الزراعة الحديثة في الجزيرة وكسلا وطوكر وبعض مناطق دارفور الغربية والوسطى ووسط كردفان بكثافة بين 10 و50 شخصا. وهناك مناطق محدودة من إقليم الجزيرة ومحطات الطلمبات على النيل الأبيض، ومنطقة دنكا مالوال على نهر لول وبعض جبال النوبا تزيد فيها الكثافة عن 50 شخصا، ولكنها تقل عن مائة شخص، أما منطقة الخرطوم ونطاق الزراعة على النيل النوبي فتتميز بكثافة أكثر من مائة شخص للكيلومتر المربع، ويرتبط هذا التوزيع ارتباطا كبيرا بنمط الحياة الاقتصادية؛ فإن قلة الكثافة السكانية في مناطق الرعاة أمر معروف، كما أن ارتفاع الكثافة في مناطق الزراعة والمدن مرتبط بالإنتاج المستمر وضمانات العمالة والغذاء.
والمدن في السودان قليلة وصغيرة ومتباعدة، وأكبرها قاطبة العاصمة المثلثة: الخرطوم، أم درمان، خرطوم بحري، التي قدر سكانها بنحو645 ألفا في 1971، ولكل من المدن الثلاث صفات ووظائف خاصة؛ ففي الخرطوم مركز الحكم والتجارة الحديثة، وفي أم درمان التجارة التقليدية والحرف اليدوية، بينما تتمركز الورش والصناعة في خرطوم بحري.
جدول 2-2: سكان المدن السودانية الرئيسية (بآلاف الأشخاص) 1971.
الخرطوم
261
بورسودان
110
أم درمان
258
ودمدني
80
خرطوم بحري
127
الأبيض
80
أما المدن الأخرى فلكل منها ظروف خاصة، وأولى دوافع النمو في المدن السودانية اتخاذها مراكز للإدارة كعواصم المديريات، ولكن أغلب هذه العواصم نشأت في الماضي على أنها قرى زراعية تجارية كالأبيض أو واد مدني أو دنقلة، أو محطات نهائية لنوع من أنواع المواصلات كالفاشر التي كان ينتهي إليها درب الأربعين الصحراوي، أو جوبا التي تنتهي عندها الملاحة النهرية في بحر الجبل، أو «واو» نهاية الملاحة في بحر الغزال، أو كوستي التي نشأت نتيجة إقامة جسر السكة الحديد على النيل، أو عطبرة التي تمثل مركز التقاء سكك حديد. (4-2) النشاط الاقتصادي
يدل تصنيف الأراضي السودانية
3
على أن هناك مساحة شاسعة من الدولة عبارة عن أراض صحراوية غير منتجة، تكاد تبلغ ثلث المساحة الكلية للسودان (899 ألف كم
2
مساحة الصحاري)، ويتركز نشاط السكان في الثلثين الباقيين، ومن هذين الثلثين (حوالي 1,6 مليون كم
2 ) نجد الربع غير مستغل حاليا (380 ألف كم
2 )، ولكن يمكن استغلاله في المستقبل في نواح شتى من أنواع النشاط الاقتصادي. وتنقسم المساحة المستغلة فعلا (قرابة 1,2 مليون كم
2 ) على النحو التالي: (1)
الغابات (915 ألف كم
2 ): وتكون ثلاثة أرباع المساحة المستغلة، وتتكون من غابات استوائية في الجنوب (غابات الأروقة)، ومساحات أخرى من السفانا الشجرية وغابات السنط. (2)
المراعي (240 ألف كم
2 ): وتشتمل على مساحات كبيرة من السفانا. (3)
الزراعة (71 ألف كم
2 ): وتشمل أنواع الزراعات المختلفة.
ورغم كبر مساحة المراعي وضخامة أعداد الحيوان في السودان، إلا أن الزراعة هي الصفة المميزة للنشاط الاقتصادي السوداني؛ لسبب بسيط هو عدم مشاركة الحيوان في النشاط إلا في صورة محدودة لظروف العقائد التي تسيطر على الرعاة، وخاصة الوثنيين من ناحية، ولأن غالبية الرعاة يقومون بزراعة محصول أو آخر كعماد حياتهم الاقتصادية من ناحية ثانية.
وأهم محصول غذائي في السودان هو الدخن (الفصيلة السائدة هي السرغم المسماة «درة» بالعربية)، وفي مناطق الري الصناعي تزرع مجموعة من الحبوب كالقمح والشعير والذرة، كما تزرع بعض هذه الحبوب على المطر في منحدرات جبل مرة.
ومن المحصولات الزراعية الأخرى الفول السوداني والسمسم والبن وقصب السكر والأرز ، والمحصولات الثلاثة الأخيرة حديثة الدخول إلى الزراعة السودانية، وربما كتب لها نمو كبير.
وأخيرا فإن أهم الفواكه المنتجة في السودان هي البلح في الشمال، والموالح في الوسط، والمانجو في الجنوب، ولكن أهم محصول زراعي بالنسبة لتجارة السودان الدولية هو القطن، الذي نشأ بعد إقامة المنشآت الهندسية الضخمة على النيل الأزرق وخور الجاش، بالإضافة إلى الصمغ العربي الذي يجمع من سنط الهاشاب في كردفان.
الرعي والزراعة المطرية
يختلط هذان النوعان معا عند غالبية القبائل الرعوية، ولكن الزراعة المطرية أوسع انتشارا من الرعي، حيث تنتشر في مناطق الجنوب الغربي الخالي من الحيوان نتيجة وجود ذبابة تسي تسي وانتشار مرض النوم.
خريطة رقم (57): نطاقات السكن وخطوط المواصلات في السودان: (1) نطاق السكن الشمالي (نطاق النيل). (2) نطاق السكن الأوسط (نطاق المطر والمشروعات الحديثة). (3) نطاق السكن الجنوبي (نطاق الزنجاني الرعوي والزنجي الزراعي). (4) خطوط السكك الحديدية. (5) خطوط الملاحة النهرية الرئيسية.
وفي السودان 13,5 مليونا من رءوس الماشية، و13 مليونا من الأغنام، وعشرة ملايين رأس من الماعز، وثلاثة ملايين رأس من الإبل، و620 ألفا من الحمير، وبذلك فإن السودان يمتلك أكبر ثروة حيوانية بين مجموعة الدول العربية عامة، والأفريقية بوجه خاص، حيث لا يتفوق عليه سوى المغرب في أعداد الأغنام وحيوان الجر والركوب (الخيل والبغال والحمير).
4
وتنتشر الأغنام والماعز بأنواع مختلفة في السودان، وتكون الحيوان الأساسي الذي يستخدم في الغذاء ، على الرغم من أن الجمل أو البقرة هو الحيوان الرئيسي للجماعات الرعوية المختلفة. وكما سبق أن ذكرنا، فإن الجمل ينتشر في السودان الشمالي والأوسط حتى خط عرض 12 على وجه التعميم، وإلى الجنوب من ذلك تظهر الأبقار.
ولكل مجموعة من القبائل الرعوية هجرة موسمية في اتجاهات معينة تكاد تحتكرها؛ فالبشارية تنتقل في هجرة موسمية من الجبال إلى ساحل البحر الأحمر أو إلى النيل في مواسم الجفاف، وتنقل إلى الصحاري والجبال في موسم المطر. والكبابيش وغيرهم من قبائل شمال كردفان ينتقلون مع المطر إلى الشمال في الفترة بين أغسطس وأكتوبر، ويتجهون جنوبا حيث مصادر الماء الدائم في شمال كردفان في الفترة ما بين ديسمبر ومايو. ويرعى الرزيقات أبقارهم على ضفاف نهر العرب، حيث المصدر الدائم للمياه في الفترة ما بين يناير ومايو، ثم ينتقلون شمالا من مراعي دارفور الجنوبية والشرقية حتى يصلون إلى قرب الفاشر في أغسطس ويعسكرون حتى منتصف سبتمبر، ثم يبدءون رحلة العودة إلى الجنوب. أما قبائل النيليين فإنهم يهاجرون صوب النهر في موسم الجفاف، وينطلقون إلى المناطق العالية في موسم المطر بعيدا عن المستنقعات والذباب، وخاصة في بحر الغزال، حيث ينتشر ذباب تسي تسي في القسم الجنوبي والأوسط من بحر الغزال، متقدما إلى الشمال مع الأمطار.
ويكون اللبن الغذاء الأساسي لرعاة الإبل الشماليين بالإضافة إلى محصول الدخن إذا صحت زراعته، أما إذا لم تصح، فإن الرعاة يشترون ما يحتاجون إليه من دقيق من الأسواق، ويمكن للزراعة المطرية أن تصح إذا وافتها ظروف حسنة، حتى درجة العرض 15 شمالا، ولكن الزراعة المطرية الحقيقية التي لا تتعرض للخسارة تقع جنوب درجة العرض 15 شمالا أي على وجه التقريب مع خط مطر متساو 150مم، وفيما بين درجتي العرض 15 و10,3 شمالا، أي بين خطي المطر 150 و600مم يوجد ما يسمى إقليم المطر الأوسط، وفي هذا الإقليم الذي يشتمل على وسط وشمال دارفور وكردفان وإقليمي الجزيرة والبطانة، نجد نمط استغلال الأرض متشابها: فالأراضي القريبة من القرى تستغل استغلالا كثيفا وفترات الراحة قليلة، بينما الأرض البعيدة عن القرى تستغل مرة كل ثلاث سنوات، وتخدم أراضي الزراعة كمراعي للحيوان بعد جني المحصول وخاصة تلك المجاورة للقرى، وربما كان ذلك سبب خصبها وكثافة استغلالها لاستفادة التربة من مخلفات الحيوان، أما الأراضي البعيدة فتستغلها القبائل الرعوية كمراعي حيواناتها، وهناك أراض زراعية لا تستخدم كمرعى للحيوان، وفي هذه الحالة يتم تطهير الأرض من الأعشاب بواسطة نظام حرق العشب، وهو ما يسمى بزراعة الحريق في السودان. وتبذر بذور السرغم بعد أوائل المطر في يوليو، ويحصد المحصول في ديسمبر.
وإلى جانب الزراعة والرعي في هذا الإقليم الواسع توجد ثروة أخرى هي جمع الصمغ العربي من أشجار السنط، وأهم مركز لانتشارها كردفان الأوسط، وتعد السودان أكبر مصدر في العالم لهذا النوع من الإنتاج.
ونظرا لسيادة الجفاف فترة طويلة في هذا الإقليم الأوسط (سبعة أشهر إلى عشرة أشهر في الجنوب والشمال على التوالي)، فإن توفير الماء هو أهم مشكلة في الإقليم، ومن الوسائل المعروفة تجويف أشجار الباوباب الضخمة في شمال ووسط كردفان، وجعلها بمثابة خزان للماء يمتلئ في موسم سقوط المطر، ولكن تلك الوسيلة غير مجدية للحصول على الماء الكافي لحاجة الناس والحيوان، والوسيلة الثانية الآبار والخزانات، ولكن فصول الجفاف الشديدة كانت تقتضي هجرة الرعاة وبعض المزارعين إلى ضفاف النيل، إلا حول الآبار العميقة التي حفرت حديثا بالقرب من مسار الخطوط الحديدية والمدن، وعلى الحافة الشمالية لجبال النوبا، وكان لبناء بحيرات صناعية، في صورة حفر كبيرة تستقبل ماء المطر أو الماء الجاري خلال موسم الأمطار التي تسمى «الحفير»، كان لهذه آثار حسنة على الاقتصاد وتوفير الماء المطلوب للزراعة، وفكرة الحفير ليست جديدة ولكن الحفر في الوقت الراهن يتم بواسطة الآلات، مما يساعد على إقامة «حفير» كبير وعميق.
وأخيرا فإن إقامة المشروعات الكبرى للري في إقليم الجزيرة ودلتا الجاش (كسلا)، ودلتا خور بركة (طوكر) كان من بين دواعي التقدم الزراعي الكبير في السودان، خاصة وإن معظم أراضي هذه المشروعات يزرع قطنا.
وعلى هذا فإن إقليم المطر الأوسط في الحقيقة هو أهم إقليم جغرافي في جمهورية السودان، فإن معظم المدن تقع فيه (الخرطوم - ودمدني - سنار - كوستي - الأبيض - الفاشر - كسلا - القضارف - طوكر - عطبرة)، وتخدمه الآن شبكة مواصلات حديدية لا بأس بها، ولكنها في الواقع أحسن شبكات النقل الحديدي في السودان كله (من عطبرة إلى بور سودان 1905، ومن الخرطوم إلى سنار والأبيض 1911، ومن سنار إلى كسلا ثم بورسودان 1923، ومن سنار إلى الرصيرص 1954، ومن كردفان إلى نيالا في جنوب دارفور 1959، ومن كردفان إلى واو في بحر الغزال 1962)، وتتضح هذه الحقيقة بجلاء لا مزيد عليه من دراسة الخريطة رقم (49).
وإلى الشمال من إقليم المطر الأوسط تظهر الصحراء الليبية وصحراء البحر الأحمر، وتوجد بعض الآبار والواحات في الصحراء الليبية، كما توجد بعض الينابيع ومسارات الأودية الجافة في الصحراء الشرقية، وهذا الإقليم فقير ودوره الاقتصادي محدود جدا إلا إذا اكتشفت فيه مصادر للمعدن. ويتلخص دوره الاقتصادي في نطاق الاستقرار السكني الدائم حول مسار النيل من مدينة عطبرة حتى حدود السودان الشمالية عند حلفا، وفي هذا الشريط، الذي يشابه شريط الاستقرار فيما بين أسوان وإدفو في الجمهورية العربية المتحدة من حيث الضيق، نجد السكان يقومون أساسا بالزراعة، ونظرا لقلة مساحات الأرض وتركز السكان؛ فإن الهجرة تلعب دورا خطيرا في الحياة الاقتصادية، وخاصة بالنسبة للنوبيين، وهجرة النوبيين على نوعين: النوع الأول هجرة دائمة تقوم بها بعض الأسر إلى مدن الإقليم المطير الأوسط، وعماد حياتها الاقتصادي النشاط التجاري. والنوع الثاني هو هجرة الشباب والرجال للعمل في مدن السودان والجمهورية العربية المتحدة، تاركين أسرهم في النوبة يعيشون على النقود التي يرسلونها لهم، بالإضافة إلى ممارسة الزراعة في الشريط الفيضي الضيق.
5
والزراعة في هذا الإقليم تعتمد على مياه النيل التي ترفع بواسطة السواقي أو الطلمبات (المضخات) في الأرض العالية أو الأرض التي تغرق في صورة أحواض طبيعية قريبة من مسار النهر خلال موسم الفيضان، كما هو الحال في أحواض شندي ودنقلة، وتزرع في هذه المناطق الحبوب، وأهمها: الدخن وبعض القمح ومحاصيل أخرى كاللوبيا. وقد دخلت زراعة القطن في منطقة شندي، ولكن لم تنتشر إلى مناطق أخرى لعدم الحصول على الربح الوفير نتيجة قلة المواصلات من ناحية، ولضرورة منع زراعة محصول مهم كالباميا - الذي يعتمد عليه المزارعون في الغذاء - ولكنه يؤدي إلى وجود آفات القطن.
أما الإقليم الذي يقع إلى الجنوب من إقليم المطر الأوسط، فهو أساسا إقليم السهول الطينية الشديدة التماسك المعرضة لتكوين المستنقعات والسدود، والزراعة هنا تقوم في الأراضي العالية فقط فيما بين الروافد العديدة أو في الهضبة الحديدية، وهذه الأراضي هي في الوقت ذاته أماكن القرى السكنية الدائمة للنيليين. والزراعة في المناطق التي يمكن زراعتها تتم بواسطة الحريق الذي يؤدي إلى ضعف في التربة إذا حدث سنويا.
والصفة الأساسية للزراعة في هذا الإقليم هي التنقل، وأهم المحصولات هو الدخن الذي يكون الغذاء الرئيسي للنيليين مع اللبن، وفي إقليم الزاندي تم تنفيذ مشروع الزاندي، بدأ عام 1945، وهو أول وأهم مشروع زراعي على المطر في جنوب السودان، ويقوم على زراعة قطن مطري قصير التيلة، وقد استدعى هذا المشروع إعادة تخطيط المزارع والمساكن لكي يمكن زراعة القطن، وإلى جانب القطن فالمنطقة تزرع أو بدأت تزرع التبغ والسمسم وقصب السكر كمحصولات تجارية، والبطاطا والذرة والموز كمحصولات غذائية، ولكن العقبة الكبرى تتمثل في النقص الشديد للمواصلات، وبطء المواصلات الحالية.
الزراعة الحديثة
تقوم الزراعة السودانية الحديثة على القطن الذي بدأ بمحاولات من جانب مصر قبل الثورة المهدية، وظهر إلى حيز الوجود في صورة مشروع مدروس علميا عام 1925 بإنشاء سد سنار أو مكوار، وزراعة أرض الجزيرة، وهذه الأرض عبارة عن سهل طمي ثقيل ينحدر ببطء في اتجاه النيل الأبيض إلى الغرب، والخرطوم إلى الشمال، وقد بدأ المشروع بزراعة مليون فدان. وفي عام 1961 حدث التوسع المعروف باسم امتداد المناقل، مما جعل المساحة المزروعة 1,8 مليون فدان، ولم يتم امتداد المناقل إلا على أربعة مراحل، وإنشاء سد الرصيرص الذي بدأ العمل فيه 1961، والذي يؤمل أن ينتهي العمل منه العام القادم (1967). ومن جراء بناء سد الرصيرص سوف يمكن التوسع أيضا في أرض الجزيرة في إقليم كنانة الذي يشتمل على مساحة قدرها 1,2 مليون فدان، وبذلك تكون أرض الجزيرة قد استكملت زراعتها تماما.
ولمشروع الجزيرة أهمية في أنه ضرب المثل فيما يكون عليه الحال لو استغلت ثروة أفريقيا وتربتها الزراعية على الأسس العلمية، فقد خصص المشروع ملكية قدرها أربعون فدانا للمالك الواحد، وهذه مساحة كبيرة في أرض تروى صناعيا، وتستخدم في الجزيرة دورة زراعية رباعية، بحيث تقسم الأرض إلى أربعة أقسام، وكل قسم منها يزرع القطن مرة كل أربع سنوات، والطمي الثقيل ليس شديد الخصوبة ويحتفظ بالماء فترة طويلة، ولهذا فإن نصف الملكية يجب أن يترك بورا كل سنة حتى لا تجهد الأرض، ويزرع القطن في أغسطس ويروى مرة كل أسبوعين لمدة 28 أسبوعا، ويجنى بين يناير وأوائل مايو. والمشروع يدار على أساس شركة بين حكومة السودان 42٪، والمالك 42٪، وإدارة المشروع 10٪، وصندوق احتياطي المستأجر 2٪، والحكومة المحلية 2٪، وإدارة التنمية الاجتماعية 2٪.
وفي مشروع المناقل أصبحت الملكية الزراعية أصغر، فبدلا من 40 فدانا أصبحت 15 فدانا، كما أصبحت الدورة ثلاثية، وإلى جانب القطن الذي يكون ربع المساحة في الجزيرة وثلث المساحة في المناقل، فإن المحاصيل الأخرى تشتمل على اللوبيا (غذاء الحيوان) والدخن والفاصوليا والفول.
ومن المشروعات الزراعية الحديثة التي تمت مشروعا دلتا الجاش ودلتا بركة، وقد بدأ هذين المشروعين أحمد باشا ممتاز حاكم سواكن فيما بين 1865 و1872، وأفكار أحمد ممتاز للنمو الزراعي في السودان هي بعينها التي نفذت فيما بعد، وكانت أنجح مقترحاته زراعة القطن في دلتا الجاش. وقد وزع أحمد ممتاز بذور القطن على رجال قبيلة الحلنجة التي تعيش بالقرب من كسلا، وأمكن جني محصول من القطن لأول مرة في السودان، وظل الأمر كذلك حتى شبت الثورة المهدية وتوقف العمل حتى 1924، حينما شقت قناة كسلا ومدت السكة الحديد من كسلا إلى هايا على خط بور سودان العطبرة، وقد قسمت الأرض بين عدد من الوكلاء أو المشايخ، وعليهم أن يوزعوا الأرض للزراعة للمؤاجرين بمتوسط قدره خمسة أفدنة للمزارع الواحد، وتزرع أربعة أفدنة قطنا والفدان الباقي دخنا، والأرض المؤجرة قد لا تؤجر للفلاح الواحد كل سنة؛ إذ إن توزيع الأراضي يتم سنويا بواسطة القرعة، وبذلك لا تقع أرض جيدة في حوزة شخص واحد، أو أرض سيئة في يد آخر طوال الوقت.
ونمط الزراعة المتبع في دلتا الجاش هو زراعة الأرض سنة وتركها بورا سنتين، حتى لا يؤدي ريها باستمرار إلى تكاثر الأعشاب والحشائش. وللمزارع الحق في محصول الدخن، بينما توزع أرباح القطن بين الحكومة وإدارة المشروع والمزارع بنسبة 30٪، 20٪، 50٪ على التوالي.
ونظرا لأن المشروع قائم على أساس مائية خور صغير ذي حوض صغير، فإن كمية المياه التي يمكن الإفادة منها في ري الأرض تتذبذب من سنة لأخرى، ويتضح ذلك من دراسة أرقام مساحات الأرض المزروعة سنويا، وأكبر رقم كان 68 ألف فدان عام 1957، هبط إلى 37 ألف فدان عام 1960.
ويشبه بعض الكتاب مشروعات الزراعة الحديثة في السودان على النحو التالي:
مشروع الجزيرة:
يشبه بالحمار المطيع لسهولة ضبط المياه والتحكم فيها.
مشروع الجاش:
يشبه بالجمل الذي لا يمكن ضبطه وقيادته بالسهولة التي يقاد بها الحمار لصغر المساحة وعدم سهولة ضبط المياه.
مشروع طوكر أو بركة:
يشبه بالغزال الذي يمكن صيده ولا يمكن استئناسه لصغر الحوض، وتذبذب المطر والانحدار الشديد.
والحقيقة أن مشروع طوكر هو أصغر مشروعات الزراعة الحديثة في السودان، وقد بدأ أحمد ممتاز العمل فيه عام 1867، ثم توقف العمل خلال الثورة المهدية، وعاد العمل سريعا في المنطقة في نهاية القرن الماضي. وتتم الزراعة على أساس الفيضان السنوي دون إمكان ضبط مياه الخور بإقامة منشآت هندسية؛ وذلك لسرعة طمرها نتيجة تعرض المنطقة سنويا لعواصف رملية جامحة، وتتذبذب المساحة المزروعة من صفر عام 1956 إلى 90 ألف فدان عام 1960.
وإلى جانب الجزيرة والجاش وطوكر فهناك زراعات حديثة تتم بواسطة الري بالطلمبات، وهناك طلمبات في منطقة الخرطوم تقوم عليها زراعات الحدائق التي تمد العاصمة المثلثة بالخضرورات والفاكهة، ولكن أكبر منطقة طلمبات توجد على النيل الأبيض والأزرق، والنيل الرئيسي شمال الخرطوم، وعلى كل محطة تقوم زراعة مساحات متراوحة من الأرض حدها الأدنى ألف فدان، ومعظم أراضي الطلمبات على النيل الأبيض مخصصة لزراعة القطن، بينما في النيل الأزرق تزرع الفواكه إلى جانب القطن، وتأمل مشروعات التنمية في إمكان زراعة 2,5 مليون فدان بالطلمبات (المضخات)، على النيل وعلى الدندر والرهد، وقد سبقت الإشارة إلى محطات الطلمبات على النيل النوبي، ومعظمها متمركزة في إقليم شندي.
وعلى ضوء مشروع السد العالي وتهجير النوبيين، بدأت حكومة السودان مشروعا زراعيا يستهدف زراعة نصف مليون فدان في منطقة خشم القربة على أساس إنشاء سد على العطبرة بدأ العمل فيه عام 1961، أوشكت المرحلة الأولى من بنائه على الانتهاء.
والسودان ثانية دول أفريقيا في إنتاج القطن بعد مصر، وقد بلغ الإنتاج 217 ألف طن متري عام 1961، تناقص إلى 157 ألفا وإلى 102 ألف عامي 1962 و1963، ثم ارتفع إلى 225 ألفا عام 1970. وبرغم هبوطه أوائل الستينيات إلا أنه كان فوق متوسط الإنتاج لسنوات 1948-1952 الذي كان يبلغ 74 ألف طن . ولقد تزايدت المساحة المزروعة قطنا من 512 ألف فدان كمتوسط سنوات 1948-1952، فوصلت 1,17 مليون فدان 1961، ثم هبطت قليلا إلى 1,08 مليون عام 1963، وعادت للارتفاع إلى 1,22 مليون عام 1970.
وذبذبة المساحة لا تفسر هبوط جملة الإنتاج، لكن يفسرها هبوط عائد الفدان من المحصول، الذي تناقص من 184 كيلوجرام للفدان عام 1961 إلى 140كجم/فدان 1962، وسجل أدنى هبوط عام 1963، حين وصل إلى 92 كجم/فدان، ولعل الهبوط في عائد الفدان كان سببه التوسع السريع في المساحة في منطقة المناقل لقلة الخبرة بالأرض الجديدة، وضعف المحصول في بدايات استغلالها، وقد عاد مردود الفدان إلى الارتفاع فوصل عام 1970 إلى 184كجم/فدان، وهو نفس رقم الإنتاجية لعام 1961.
6
وقد أدت ذبذبة إنتاج القطن إلى اهتمام الحكومة بمحاولة تنمية محاصيل تجارية لكي تقلل من الاضطراب الذي يحدث في ميزانية الدولة نتيجة ذبذبة الإنتاج والسعر العالمي معا.
ولكي تتغلب الحكومة على ذلك فإنها تشجع زراعة قصب السكر في منطقة جنيد على النيل الأزرق، وزيت الخروع في إقليم كسلا، والقمح في إقليم شندي، والتبغ في المديرية الاستوائية.
النقل في السودان
تطورت أطوال السكك الحديدية في السودان بسرعة في السنوات العشر الماضية، فقد كانت الأطوال 2354 كيلومترا عام 1914، زادت إلى 3244كم عام 1937، وظلت فترة طويلة كذلك حتى قفزت عام 1958 إلى 4549كم، وعام 1962 إلى 5021 كيلومترا، ويدل ذلك دلالة واضحة على ضرورة ربط أجزاء الدولة الشاسعة بشبكة حديدية تخدم أغراضا عديدة منها التقدم الاقتصادي والوحدة السياسية.
وتتكون الشبكة الحالية من الخطوط التالية راجع الخريطة رقم (45): (1)
خط الشمال: وادي حلفا-الخرطوم وطوله 924كم، ويربط هذا الخط قلب السودان بمصر، وظلت له أهمية كبيرة في مجال التبادل التجاري بين الدولتين، ولا يتصل هذا الخط بالشبكة الحديدية المصرية، وإن كان مقررا أن يتم ذلك الاتصال في المستقبل غير البعيد. والرابطة الراهنة بين الشبكتين الحديديتين في مصر والسودان هي الباخرة النيلية بين حلفا وأسوان. (2)
خط الشمال الشرقي: يمتد من عطبرة على النيل إلى بور سودان، ميناء السودان الرئيسي، ويبلغ طوله قرابة 300كم. (3)
خط الجزيرة-كردفان: ويمتد من الخرطوم إلى سنار إلى كوستي إلى الرهد ثم الأبيض، ويبلغ طوله 689 كيلومترا، وهذا هو أهم الخطوط الحديدية من الوجهة الاقتصادية؛ إذ إنه يربط إقليم الإنتاج الزراعي الرئيسي في الجزيرة، وإقليم الصمغ العربي في كردفان بالخرطوم، ومن ثم بور سودان، أو من سنار إلى كسلا وبور سودان. (4)
خط النيل الأزرق: من سنار إلى الرصيرص، ويبلغ طوله 220كم. (5)
خط الشرق: ويمتد من سنار إلى كسلا، ثم هايا، وأخيرا بور سودان، ويبلغ طوله ألف كيلومتر، وهو أطول الخطوط السودانية، وأصبح من أهمها لأنه يربط مناطق الإنتاج في كردفان والجزيرة ودلتا الجاش بميناء التصدير. (6)
خط الغرب: ويمتد من الرهد (على خط كوستي-الأبيض) إلى نيالا في جنوب دارفور، ويبلغ طوله 648كم، ويربط هذا الخط مناطق البقارة في جنوب كردفان ودارفور ببقية السودان، كما سهل الاتصال بين دارفور والسودان النيلي. (7)
خط الجنوب: ويبدأ من مجلد (على خط الغرب) وينتهي في «واو» عاصمة بحر الغزال، وطوله 472كم، وهو آخر الخطوط التي أنشئت في السودان، ويسهل عملية ربط الجنوب لأول مرة بالسكك الحديدية ببقية السودان. (8)
خط أبو حمد-كريمة (248كم) على النيل النوبي للربط بين دنقلة والخرطوم، (دنقلة-كريمة ملاحة نهرية).
أما الطرق البرية فالعناية بها تكاد تكون معدومة؛ ففي الشمال لا تكاد توجد طرق بالمعنى المفهوم، إنما خطوط ممهدة لا تصلح للسيارات إطلاقا حين تسقط الأمطار، وكذلك الحال في معظم أنحاء السودان، باستثناء منطقة المديرية الاستوائية التي توجد بها طرق ممهدة صالحة للسير طوال السنة.
ويعوض نقص الطرق في السودان وجود النيل وروافده العديدة التي أدت إلى تكوين عدد من خطوط المواصلات النهرية الجيدة على طول محور السودان من الشمال إلى الجنوب - باستثناء مناطق العقبات الطبيعية. وتمتلك هيئة السكك الحديدية السودانية مجموعة من البواخر والصنادل النهرية تسيرها على الخطوط التالية:
السد العالي-وادي حلفا
وطوله 338كم
كريمة-دنقلة-كرمة
وطوله 335كم
الخرطوم-كوستي (النيل الأبيض)
وطوله 375كم
كوست-جمبيلة (السوباط)
وطوله 1069كم
كوستي-واو (بحر الغزال)
وطوله 1127كم
كوستي-جوبا (بحر الجبل)
وطوله 1435كم
وتمثل بور سودان الميناء الرئيسي والوحيد في الوقت الراهن، بعد أن أصبح ميناء سواكن غير صالح لاستقبال السفن - وقد كان في الماضي ميناء السودان الهام . ويحتل النقل الجوي دورا لا بأس به في السودان المترامي الأطراف، والمركز الرئيسي للنقل الجوي هو مطار الخرطوم الدولي الذي تمتد منه شبكة نحيفة للنقل الداخلي إلى عواصم المديريات السودانية، وتمتلك الحكومة - شركة الخطوط الجوية السودانية التي تسير إلى جانب الخطوط الداخلية - عددا من الرحلات على خطوط منتظمة إلى القاهرة وأسمرة وأديس أبابا وعنتبة ونيروبي، وعدن وجدة وبيروت، وأثينا وروما وفرانكفورت ولندن.
التجارة الخارجية
7
تتكون تجارة السودان الخارجية - شأنها في ذلك شأن دول العالم الثالث - من صادرات زراعية وخامات طبيعية على رأسها القطن، وواردات من السلع المصنعة على رأسها الآلات والسيارات. ويعطي جدول
2-3
صورة عن تطور تجارة السودان الخارجية في السنوات 1966-1970.
جدول 2-3: مجمل قيمة تجارة السودان الخارجية (ملايين الجنيهات الإسترلينية).
1966
1967
1968
1969
1970
الواردات
77,4
74,3
89,7
92,4
108,3
الصادرات
69,7
74
80,8
85,6
101,6
ويوضح الجدول أن الميزان التجاري وإن كان في غير صالح السودان، إلا أن السودان لا تعاني كثيرا من فقدان التوازن في التبادل التجاري.
وتتكون الواردات السودانية من السلع المصنعة، وعلى رأسها الآلات والسيارات والمنسوجات، تليها الأغذية. أما الصادرات فمعظمها خامات أولية على رأسها القطن المحلوج والصمغ العربي والسمسم. ويوضح جدول (
2-4 ) نمط السلع الداخلة في تجارة الواردات والصادرات السودانية.
جدول 2-4: قيمة الواردات والصادرات السودانية لعام 1969.
الواردات
الصادرات
السلعة
القيمة (ألف إسترليني) ٪ من الواردات
السلعة
القيمة (ألف إسترليني) ٪ من الصادرات
الآلات
15744
17
قطن محلوج
64722
66,6
السيارات
9137
9,8
صمغ عربي
8972
9,2
منسوجات قطنية
8208
8,8
سمسم
6722
6,9
سكر
5303
5,7
أعلاف حيوانية
5556
5,7
شاي
4955
5,3
فول السوداني
5477
5,6
بن
1907
2
بذرة القطن
1729
1,7
مخصبات زراعية
1657
1,8
جلود
1590
1,6
وقود محركات
1274
1,3
أغنام حية
1548
1,6
سجاير
1138
1,2
زيوت نباتية خام
779
0,8
دقيق قمح
657
0,7
دخن
61
0,06
ومن دراسة أرقام التجارة في الفترة بين 1960 و1968 لوحظ ما ياتي:
أولا:
ارتفاع قيمة الواردات عامة برغم انخفاض حجمها، فإذا افترضنا أرقام عام 1963 = 100، فإننا نجد أن قيمة الواردات لعام 1968 أصبحت 105، وحجمها 86، وفي الوقت ذاته لا نجد مثل هذا في الصادرات التي أصبحت قيمتها 106 وحجمها 99 للسنوات ذاتها، ومعنى ذلك أن على السودان أن ينتج أكثر لكي يحصل على احتياجاته من السلع المصنعة والأغذية.
ثانيا:
في مجال الواردات ارتفعت القيمة الإجمالية لعام 1968 على مثيلها لعام 1960 بما يساوي 150٪، وقد سجلت المواد الكيميائية أكبر ارتفاع في السنوات المذكورة؛ فأصبحت تعادل 211٪ عام 1968، مما كانت تعادله عام 1960، ويلي ذلك واردات الأغذية (189٪)، ثم السلع شبه المصنعة (134٪)، والآلات (114٪).
ثالثا:
في مجال الصادرات ارتفعت القيمة الإجمالية لعام 1968 على مثيلها لعام 1960 بما يساوي 134٪ فقط، وقد سجل تصدير الخامات الزراعية (القطن والصمغ ... إلخ) أكبر ارتفاع (134٪)، بينما كانت صادرات الأغذية (السمسم وفول السوداني والحيوانات ... إلخ)، أقل بكثير من النمو العام لقيمة الصادرات؛ إذ سجلت نموا قدره 125٪ فقط.
وتتجه تجارة السودان أساسا إلى أوروبا الغربية ومنطقة الإسترليني والكمنولث، والقليل يتجه إلى دول أفريقيا والكتلة الشرقية. وفي عام 1967 كانت بريطانيا تتصدر الدول المصدرة إلى السودان (29,7٪ من قيمة واردات السودان)، تليها الهند (14,2٪)، والولايات المتحدة (11,7٪)، بينما كانت أهم الدول التي تستورد من السودان إيطاليا (15,9٪)، وألمانيا (15,9٪)، والهند (12,3٪).
وفي عام 1968 كانت تجارة الدول الأفريقية مع السودان تمثل نسبا ضئيلة للغاية؛ 2,1٪ من واردات السودان ومثلها من الصادرات، ولا شك أن هذا يمثل أصدق تمثيل ضعف العلائق بين دول العالم النامية، وارتباطها الوثيق بأسواق الدول المتقدمة عامة. وفي عام 1968 بلغت قيمة واردات السودان من الدول الأفريقية كلها 15,5٪ مليون دولار، كان نصيب مصر منها عشرة ملايين دولار (65٪)، تليها أوغندا (16,4٪)، وكينيا (13,2٪). وبرغم ضآلة قيمة التبادل التجاري هذا إلا أنه يؤخذ مؤشرا على إمكانية توثيق أواصر التعاون التجاري داخل نطاق جغرافي واضح، تحدده علاقات الجوار المكانية بين السودان وشقيقاته دول النيل الأخرى. (5) خاتمة
لا يظهر السودان في قائمة الدول المنتجة للمعادن إلا حينما ندر بكميات إنتاج ضئيلة، وذلك على الرغم من أن قائمة طويلة من المعادن معروف وجودها في السودان، وتشتمل هذه القائمة على الذهب، الجرافيت، الكرومايت (20500 طن متري 1965)، خام الحديد، المنجنيز، النحاس، الزنك، النطرون، الجبس، الإسبستوس، الميكا، الرمال السوداء، ... إلخ. ويستغل الذهب على نطاق ضيق في منجم دويشات (جنوبي وادي حلفا، وبير كاتب في مديرية كسلا) كما ينتج الذهب من الترسبات الفيضية أحيانا من النيل الأزرق (منطقة الفنج الجنوبية) وفي المديرية الاستوائية. وقد انخفض إنتاج الذهب من 29كجم عام 1962 إلى 6كجم 1968 نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج.
وكان الحديد يصهر بالوسائل البدائية منذ القدم في المديريات الشرقية والجنوبية، أما الاستغلال الحديث للحديد فقد بدأ عام 1965 من مناجم جبال الأحمر الشمالية، وصدر منه في السنة الأولى 30 ألف طن إلى أوروبا. أما النحاس فقد كان يعدن منذ ق. 19 من حفرة النحاس في غرب بحر الغزال، وتشحن كميات صغيرة من المنجنيز سنويا منذ 1956، وبدأ تعدين الكرومايت من تلال الأنجسنا (جنوب النيل الأزرق) منذ 1962، ويعدن الحجر الجيري من أجل صناعة الأسمنت في عطبرة وربك على النيل الأبيض، ولم يعرف بعد وجود لمصادر الطاقة المعدنية إلا أنه يقال بوجود الفحم في السودان.
والصناعة في السودان ما تزال في أولى مراحلها، وتعتمد على الطاقة المستوردة، والقطن هو أساس الصناعة في السودان، كما يكون أساس الإنتاج الزراعي الحديث.
وتنتشر معامل حلج القطن في مناطق مختلفة من السودان الأوسط والجنوبي إلى جانب بعض المغازل والمناسج، وفي الخرطوم تتركز معامل التحويل البسيط لإعداد الأغذية، وهناك معامل الملح في بورسودان، ومعملي الأسمنت في عطبرة وربك، ومعمل تعليب اللحوم في كوستي، وتشجع الدولة قيام مصانع أخرى؛ كمعمل للسجائر في واد مدني، ومصنع للورق في ملكال، ومعمل السكر في جنيد وخشم القربة.
ومشكلة السودان في الوقت الحاضر مماثلة لمشاكل العالم النامي: تزايد السكان وقلة التنمية الاقتصادية، وبالإضافة إلى ذلك فإن للسودان مشكلات خاصة أهمها تركز السكان، والنشاط الاقتصادي حول النيل على وجه التعميم، وفي السودان الأوسط حول النيل وروافده على وجه التخصيص، ولكن امتداد الخط الحديدي إلى بحر الغزال ربما ساعد على مشروعات التنمية ونشرها في أرجاء مختلفة من السودان بدلا من تركيزها في مناطق معينة. ولا شك أن للمواصلات دورا حيويا في تعمير السودان وتنميته، إذا أخذنا بعين الاعتبار ضخامة المساحة وتنوع البيئة الطبيعية من صحاري إلى غابات ومستنقعات، وربما كان نقص أحجار البناء من الدوافع التي تقلل وجود الطرق البرية الصالحة للسير في كل مواسم السنة، ولهذا اتجهت الدولة إلى مد الخطوط الحديدية لتعويض النقص في الطرق، ولربط أجزاء الدولة، ولكن علينا أن نعرف أنه مهما كانت نسبة التزايد السكاني، إلا أنها ظاهرة كمشكلة في مناطق محدودة من الدولة التي تتسع لأضعاف عدد السكان الحالي.
مراجع لمزيد من الاطلاع
محمد عوض محمد: «السودان الشمالي، سكانه وقبائله» القاهرة 1951.
محمد عوض محمد: «نهر النيل» القاهرة 1952 (الطبعة الرابعة).
محمد محمود الصياد: «اقتصاديات السودان» القاهرة 1961.
Barbour, K. M., 1961 “The Republic of the Sudan” London.
Gaitskell, A., 1959 “Gezira: a story development in the Sudan” London.
Gleichen, C. V., 1905 “The Anglo-Egyptian Sudan” London.
Hamdan, G., 1960 “The Growth and Funtional Structure of Khartoum” Bul. Geog. Society. Cairo.
Herzog, R., 1961 “Sudan” Bonn.
Krotki, K. J., 1958 “21 Facts about the Sudanese” Khartoum.
Lebon, J. H. G. 1959 “Land-use mapping in the Sudan” in Econ. Geog. London.
Riad, M., 1963 “An Introduction to Nubia” In Africa Quarterly. New Delhi.
Seligman, C. G. 1932 “Pagan Tribes of the Sudan” London.
Tothill, J. D., 1948, “Agriculture in the Sudan” London.
Trimingham, J. S., 1949 “Islam in the Sudan” London.
الفصل الثالث
إثيوبيا
(1) هضاب شرق أفريقيا
تمتد هذه الهضاب من القرن الأفريقي إلى أخدود نياسا، وتتراوح بين الانبساط في السطح، كما هو الحال في وسط تانزانيا، وبين الوعورة الشديدة في نطاقات معينة كما هو الحال في حافات الأخدود الغربي والشرقي، وفي هضبة الحبشة أيضا. ويسيطر الأخدود على منطقة الهضاب جميعا، كما تسيطر الظاهرات البركانية على النمط الجبلي والهضبي معا، ونظرا لقلة السهول الساحلية وضيقها، فإن الأنهار في الغالب قصيرة سريعة الانحدار تكتنفها المساقط بكثرة.
وتمتد هضاب شرق أفريقيا إلى الشمال والجنوب من خط الاستواء، بحيث أصبحت تشتمل على أقسام مناخية متعددة داخل النطاق الاستوائي والمداري، ولهذا تتميز هضاب شرق أفريقيا في كينيا وأوغندا وشمال تانزانيا بسيادة المناخ الاستوائي، بينما يسود المناخ المداري ذو المطر الفصلي جنوب تانزانيا وشمال موزمبيق في الجنوب، وهضبتي الحبشة والصومال في الشمال. وقد عدل الارتفاع التضاريسي درجة الحرارة، كما أدى إلى زيادة الأمطار في مناطق المرتفعات العالية زيادة كبيرة. ونظرا لصغر معظم الأحواض النهرية فإنها تتميز بجريان مائي متذبذب إلى موسمي، حسب أمطار المنطقة، ونستثني من ذلك ارتباط قسم كبير من التصريف النهري في الهضبة الحبشية وهضبة أوغندا بالنظام الحوضي النيلي.
ونتيجة لهذه الظروف، فإن النبات الطبيعي السائد هو السفانا الطويلة، مع نطاقات محدودة من الغابات الاستوائية في المناطق المنخفضة، ونباتات الجبال العالية في مناطق الجبال المرتفعة.
ومن الناحية البشرية تحتل هضاب شرق أفريقيا مكانا مرموقا بالنسبة لتاريخ تعمير القارة، وقد أدت أبحاث الأستاذ ليكي إلى اكتشاف حفريات قديمة للإنسان العاقل - جمجمة كانجارا على وجه الخصوص. ونظرا لعلاقات الموقع فإن هضاب شرق أفريقيا يتمثل فيها الوطن الأساسي للحاميين الشرقيين (الصومالي والجالا والبجة)، وفي المنطقة أيضا يسود البانتو، وخاصة في كينيا وتانزانيا وأوغندا، وقد أصبحت هضاب شرق أفريقيا بذلك منطقة التقاء هامة للسلالات القوقازية والزنجية، مما أدى إلى وجود عناصر ومجموعات خليطة كثيرة، مثل أنصاف الحاميين والنيليين، فضلا عن وجود جيوب لسلالات قديمة أهمها: الزنداوي والكنديجا في شمال تانزانيا، والدروبو وغيرهم في إقليم المازاي في كينيا، وقد ازداد هذا الخليط السلالي نتيجة استيطان عرب جنوب الجزيرة العربية لسواحل الصومال وكينيا وتنجانيقا وموزمبيق وجزيرتي زنجبار وبمبا، وتوغلهم من هذه القواعد الساحلية إلى داخلية شرق أفريقيا. وفي أوائل هذا القرن زاد الخليط بوصول المستوطنين الأوروبيين إلى هضاب شرق أفريقيا، وقد أدى كل هذا إلى أن تصبح شرق أفريقيا بوتقة كبيرة انصهرت فيها في الماضي المجموعات البشرية المختلفة، وربما انصهرت فيها المجموعات الجديدة الحالية في المستقبل البعيد.
ولقد أدى هذا التدخل والتمازج البشري إلى تعدد أشكال الحضارات من البدائية إلى المتقدمة، وتعدد أشكال الاقتصاد من زراعة الفأس إلى الزراعة بواسطة المحاريث الآلية، وتعدد أشكال السكن من القرى التقليدية إلى المدن الحديثة.
وتمثل إثيوبيا هذه الظاهرات الطبيعية والبشرية تمثيلا جيدا، ولكن تطرف موقعها إلى الشمال قد جعلها أكثر ارتباطا بالمحيط العربي الذي يحدها شرقا عبر البحر الأحمر، وغربا في سهول السودان، وجنوبا في سواحل الصومال، كما أن تاريخ هذه الدولة الطويل قد جعل لها شخصية ثابتة راسخة، على عكس بقية المناطق في شرق أفريقيا. وأخيرا فإن التغلغل الأوروبي في إثيوبيا، وإن كان قديما، إلا أنه كان بطيئا جدا ومتقطعا زمانيا، ولم تقع الدولة في حوزة استعمار أوروبي طويل بالرغم من وقوعها ضمن دائرة النفوذ الاستعماري الإنجليزي والفرنسي والإيطالي منذ النصف الثاني من القرن الماضي؛ ولهذا فإن التطور الاقتصادي الحديث في إثيوبيا بطيء بالقياس إلى بعض مناطق كينيا وأوغندا وتانزانيا، فلا توجد محاصيل زراعية تجارية كالشاي والبن والقطن والسيسال. ورغم أن إثيوبيا موطن البن الأساسي إلا أن محصول البن لا يساهم بما يجب أن يكون عليه الحال في اقتصاديات إثيوبيا الحديثة. (2) إثيوبيا
تتميز إثيوبيا في أفريقيا الشرقية - بل وفي أفريقيا عامة - بارتفاعاتها العالية، وبتاريخها الطويل الذي لا يدانيه تاريخ آخر باستثناء مصر وشواطئ البحر المتوسط الأفريقية ، وأقدم ما نعرفه عن تاريخ «إثيوبيا» نشوء دولة أكسوم في الشمال، قرب إريتريا، في حوالي القرن الأول الميلادي وانتقالها إلى المسيحية في أواخر القرن الرابع الميلادي. وإلى وقت قريب كانت إثيوبيا تسمى الحبشة، ولكن اسم الدولة تغير بعد الاتحاد بين الحبشة والمستعمرة الإيطالية السابقة إريتريا، وأصبح للدولة اسم إثيوبيا، وهذا الاسم قديم ولكنه لم يطلق على هذه المنطقة الجغرافية، فقد عرف اليونان إثيوبيا على أنها شمال السودان، وأطلقوا الاسم على المملكتين المتمصرتين «نباتا» و«مروي» في خلال العهد الفرعوني.
ولقد دخلت المسيحية إلى الحبشة عن طريق إثيوبيا القديمة (الديانة القبطية)، وربما كان هذا أحد الدوافع التي حدت بإمبراطور الحبشة إلى تحويل اسم بلاده بوضعها الجديد إلى اسم المصدر الذي أخذت عنه المسيحية.
ولقد كان للحبشة في خلال العصور الوسطى تاريخ أشبه بالأساطير، وسميت في أوروبا باسم ممكلة القديس حنا، وكانت إحدى دوافع البرتغال الظاهرية في الكشف عن أفريقيا محاولة الوصول إلى هذه المملكة المسيحية لتطويق العالم الإسلامي، ورغم وصول بعض المبعوثين البرتغاليين وغيرهم إلى الحبشة في الفترة التي سبقت مباشرة الدوران حول أفريقيا، إلا أن هذه المملكة الغامضة ظلت تتحدى المعرفة فترة طويلة، رغم امتداد حكم الدولة العثمانية على سواحل البحر الأحمر، وامتداد الحكم المصري فيما بعد ذلك في السودان وساحل البحر الأحمر، واستطاعت الحبشة مقاومة الغزاة في أرضها الوعرة الداخلية، وذلك على الرغم من تقسيم ساحل القرن الأفريقي بين إيطاليا (إريتريا والصومال الإيطالي)، وفرنسا (الصومال الفرنسي)، وبريطانيا (الصومال الإنجليزي) في أواخر القرن 19.
1
ورغم العزلة التي فرضتها الحبشة على نفسها، إلا أن هذه العزلة ما لبثت أن تبددت نتيجة التسرب الأوروبي البطيء من السواحل والسهول المجاورة، وخاصة بعد الامتياز الفرنسي الذي منحه الإمبراطور منليك الثاني عام 1894 لمد خط حديد «جيبوتي-أديس أبابا»، الذي يبلغ طوله 783 كيلومترا، وقد تم بناؤه عام 1926. هذا وقد نقل منليك عاصمة الحبشة إلى أديس أبابا (الزهرة الجديدة) عام 1890، وفيما بين 1897 و1908 وسع حدود مملكته في اتجاه الجنوب والجنوب الشرقي.
وتولى هايلا سيلاسي الملك عام 1930، واتخذ خطوات عديدة من أجل التقدم، ولكن إيطاليا احتلت الحبشة عام 1936 بعد معارك طاحنة، وظلت الحبشة جزءا من إمبراطورية إيطاليا في أفريقيا حتى تحريرها عام 1941، وفي عام 1952 ضمت إريتريا إلى الحبشة على أساس أنها دولة ذات حكم ذاتي، ولكن الحبشة ضمتها نهائيا إليها عام 1962، ومنذ ذلك التاريخ وإثيوبيا تأخذ دورا إيجابيا في الحياة الأفريقية ومؤتمرات الدول الأفريقية المستقلة، وبذلك لم تعد إثيوبيا منعزلة عن العالم.
وتبلغ مساحة إثيوبيا 1184320 كيلومترا مربعا، تمتد من درجة عرض 4 شمالا إلى درجة عرض 18 شمالا، وبين درجة طول 43 شرقا و47 شرقا، أي أنها تمتد تقريبا 14 درجة عرضية و14 درجة طولية. (3) الدراسة الطبيعية
تتكون إثيوبيا من هضبة ضخمة أساسها من الصخور الأركية القديمة، تعلوها صخور رسوبية من الجير والرمل، ثم طبقات ذات سمك كبير من اللافا، ولا شك أن النشاط البركاني وغطاءات اللافا الواسعة التي شملت الهضبة قد صاحبت حدوث الأخدود الأفريقي والهضبة الصومالية في الجنوب الشرقي. ومن الأدلة على حداثة التكوين في المنطقة: أن النشاط البركاني والهزات الأرضية والينابيع الحارة في صور محدودة لا تزال موجودة في المنطقة.
وفي خلال البلويستوسين والعصر المطير كانت كثير من بحيرات إثيوبيا أوسع مما هي عليه الآن ، وقد أدى استمرار حركة الرفع خلال ذلك العصر الجيولوجي إلى أن أصبح هو المسئول عن جميع مظاهر الحداثة في الأنهار الحبشية من خوانق وشلالات وانحدارات شديدة.
وترتفع أرض الأخدود الأفريقي في إثيوبيا حوالي 1500 متر فوق سطح البحر، وتنتشر في قسمه الجنوبي عدة بحيرات منها: ستيفاني وأبايا وشالا وزفاي، بينما يحتوي القسم الشمالي منه على حوض نهر هواش الداخلي التصريف - ينتهي في بحيرة أبه
Abbé - وإلى الشمال ينفتح الأخدود على سهل الدناكل ومنخفض كوبار (حوض انكسار تحت مستوى سطح البحر)، وهضبة الدناكل أو ما يسمى أحيانا باسم جبال آفار.
وكتلتا الهضبتان الصومالية والحبشية قد انتابتهما انكسارات كثيرة من أعمار مختلفة أدت إلى أشكال متباينة وتضاريس شديدة الوعورة، مما يقف عقبة كبيرة أمام المواصلات والسكن البشري والزراعة.
وترتفع الهضبة الحبشية من الأخدود بشدة إلى ارتفاعات كبيرة تعلوها كتل جبلية كبيرة، أكثرها ارتفاعا كتلة سيمين التي تصل أعلى نقطة فيها إلى 4608 أمتار في قمة رأس داشان، ولقد قطع سطح الهضبة إلى عدة هضبات كبيرة بواسطة المجاري النهرية الخانقية، ومن أكبرها وأعمقها خانق النيل الأزرق الأعلى، الذي يسمى في إثيوبيا نهر أباي، والذي استطاع تعميق مجراه إلى أكثر من 1500 متر تحت سطح الهضبة، وكذلك خانق تكازي وإن لم يصل إلى هذا العمق الكبير.
وفيما بين هذه الخوانق الكبيرة تنقسم الهضبة إلى عدة هضبات عالية، أهمها وأوضحها كتلة جوجام التي يحف بها النيل الأزرق من الشرق والجنوب، وبحيرة تانا من الشمال الشرقي، وتنحدر هذه الكتلة تدريجيا إلى سهول السودان، وتصرف هذه المنحدرات روافد نهري الدندر والرهد. وأعلى كتلة في جوجا تقع في الشرق باسم جبال شوكي
Choke
التي ترتفع أكثر من 3000 متر، وأعلى نقطة فيها جبل بيرهان 4078 مترا، ومن هذه الكتلة تنحدر السفوح بشدة إلى خانق الأباي.
وإلى الشمال والشرق من بحيرة تانا تظهر كتلة أمهار التي يحدها التكازي من الشمال الشرقي، وتنحدر ببطء في اتجاه سهل البطانة، وتنصرف مياه هذه المنحدرات بواسطة العطبرة الأعلى وروافده العديدة. وفي شمال شرق هذه الكتلة ترتفع كتلة سيمين إلى أعلى ما تصل إليه القمم الحبشية، وإلى الشمال من نهر تكازي توجد كتلة تيجرا التي تنحدر ببطء إلى سهول إريتريا الغربية، وتضيق هذه الكتلة شمالا، ثم تتحد مع جبال البحر الأحمر، ويصرف هذه المنحدرات خور الجاش غربا إلى السودان، وخور بركة ورافده عنصيبا شمالا إلى طوكر، أما المنحدرات الشرقية فشديدة الوعورة، وتهبط في صورة حائط كبير صوب ساحل البحر الأحمر وسهل الدناكل ومنخفض كوبار. ومن الأمثلة على ذلك الانحدار الشديد أن هذه الهضبة عند أسمرة تنحدر إلى ميناء مصوع 2000 متر في مسافة تقل عن 80 كيلومترا.
وإلى الشرق والجنوب الشرقي من كتلة جوجام تظهر كتلة شوا التي تنحدر بشدة في صورة حائط كبير من 3000 متر إلى 1500 متر عند سطح الأخدود الأفريقي، وفي وسط هذه الكتلة تقع العاصمة الإثيوبية، وإلى الغرب من شوا وإلى الجنوب من جوجام تظهر كتلة جبلية عالية هي كافا التي تصرف مياهها روافد السوباط (بارو وجيلا) في الغرب، وروافد النيل الأزرق (نهر ديديسا) في الشمال، ونهر أومو وروافده في الجنوب.
أما الهضبة الصومالية فتتميز بحافة عالية مواجهة للأخدود، وتنحدر ببطء إلى ساحل المحيط الهندي، وبشدة إلى ساحل خليج عدن، وفي هذه الهضبة نجد أوسع الكتل الجبلية العالية في إثيوبيا قاطبة؛ تلك هي كتلة بالي التي تقع فوقها جبال أورجوما، وترتفع الكتلة فوق 3000 متر، وتحتوي أورجوما على قمم كثيرة أعلاها يصل إلى 4296 مترا، وتنصرف مياه جزء كبير من الهضبة الصومالية في نهر ويبي شيبلي الذي ينتهي إلى المحيط قرب مقديشو، بينما تنصرف مياه القسم الجنوبي منها بواسطة نهر جوبا الذي يصب عند ميناء كيسامايو.
خريطة رقم (58): النبات الطبيعي في القرن الأفريقي: (أ) نبات الإقليم الجاف: (1) الصحاري. (2) حشائش شبه صحراوية. (ب) السفانا: (1) سفانا ساحلية مختلطة بالغابات. (2) سفانا شجرية (حشائش وأشجار كثيرة من السنط والكافور). (ج) الأحراش: (1) سفانا وأحراش مدارية. (2) أحراش كثيفة دائمة الخضرة. (د) نباتات الجبال: (1) حشائش الجبال. (2) مجموعات نباتية مختلفة في الجبال المنخفضة. (3) غابات الجبال العالية (دائمة الخضرة).
ولا شك أن للارتفاعات الكبيرة التي تتميز بها إثيوبيا أثرا بالغا على المناخ والنبات، وقد قسم السكان بلادهم إلى ثلاثة أقسام تضاريسية ومناخية ونباتية هي:
2 (1)
إقليم قلة: ويرتفع حتى 1800 متر، ويتميز بحرارة عالية متوسطها 25°م، وأحر الشهور مايو وأكتوبر، أما المطر فهو أقل من 500مم، وينتج هذا المناخ مناطق شبه جافة (سهول الدناكل ووادي هواش)، ونباتات وحشائش السفانا (الجنوب الغربي)، وغابات وأحراش (الوديان العميقة للسوباط والنيل الأزرق). (2)
إقليم وينا ديجا: معناه مرتفعات النبيذ، ويظهر بين 1800 متر و2400 متر، وهو إقليم شبه مداري وحرارته في المتوسط 17°م، وأحر الشهور مارس قبل الأمطار (18°م)، وأبرد الشهور يوليو (14°م)، وكمية المطر في المتوسط ألف مليمتر، ويشتمل هذا الإقليم على معظم الهضبة، وتربته بركانية جيدة، وبالتالي فهو أكثر الأقاليم سكنا وزراعة. (3)
إقليم ديجا: أعلى من 2400 متر، ومتوسط حرارته 15°م، وأمطاره بين ألف و1750مم، وتزرع الحبوب فيه حتى ارتفاع 3500 متر، وتنمو فيه الحشائش الجبلية، كما تتناثر فيه مساحات لا بأس بها من الغابات الجبلية دائمة الخضرة.
وتوضح الأرقام التالية الحرارة والمطر في هرر (الشرق)، وأديس أبابا (الوسط)، ومصوع (الساحل)، وجمبيلة (الجنوب الغربي):
جدول 3-1: درجات الحرارة والمطر. *
المحطة
الارتفاع بالمتر
درجة الحرارة (م)
كمية المطر (مم)
أعلى شهر
أدنى شهر
أعلى شهر
المجموع
هرر
1820
21 (أبريل)
18 (أغسطس)
150 (أغسطس)
880
أديس أبابا
2410
17 (أبريل)
14 (ديسمبر)
290 (أغسطس)
1250
مصوع
40 (ديسمبر)
190
جمبيلة
400
230 (أغسطس)
1250 *
الأرقام من
Kendrew 1961 ، ومجموع الأمطار (حسب
Oxford: Africa ) هي 897مم، 1237مم، 193مم، 1240مم للمحطات المذكورة على التوالي.
ونلاحظ من هذا الجدول أن أمطار مصوع على الساحل قليلة وشتوية، وهي أمطار محلية خاصة بساحل البحر الأحمر الغربي، ناجمة عن مرور الرياح الشمالية عبر البحر في الشتاء، بينما تجف المنطقة الساحلية في الصيف.
ويجب عليناأن نوضح أن هناك في كل الهضبة موسمين مناخيين متميزين: الأول الفصل الممطر الذي يمتد عادة في القسم الشمالي من يونيو إلى سبتمبر، وفي القسم الجنوبي من أبريل إلى أكتوبر، وهذا هو فصل المطر الكبير. يليه الفصل الجاف الذي يسقط في بعض شهور منه (فبراير أو مارس) بعض الأمطار، مما يجعل اسمه فصل المطر الصغير. وأمطار الصيف الموسمية تهطل بغزارة كبيرة، مما يؤدي إلى آثار سيئة على الزراعة والتربة ويزيد من حمضيتها، وبالتالي تقل الخصوبة في أراضي الصخور البلورية، ولكن التربة البركانية خصبة على العموم، والنوع السائد من التربة على الهضبة الحبشية تربات حديدية كاولينية مختلطة بتربة الصخر الأصلي المتحولة محليا، وخاصة الصخور الجيرية والرملية والأركية، وتقل جودة التربة في مناطق التعرية النهرية الخانقية، أما في سهل الدناكل فالتربة صحراوية في مجموعها وتضاف إليها الأملاح في منخفض كوبار، وفي إقليم أوجادين في جنوب شرق إثيوبيا تربة صحراوية وتربة بنية طينية. (4) سكان إثيوبيا
يبلغ عدد سكان إثيوبيا 25,2 مليونا حسب تقديرات الأمم المتحدة لعام 1971، وتبلغ الكثافة حوالي 21 شخصا للكيلومتر المربع، ولكن الكثافة السكانية تختلف من مكان لآخر حسب الظروف الطبيعية والنشاط الاقتصادي، وأعلى كثافة توجد في إقليم وينا ديجا.
ومن ناحية التكوين فإن سكان إثيوبيا مجموعة خليطة من السلالات واللغات والديانات، يكاد ألا يكون لها نظير، ولكن ذلك ليس بمستغرب على منطقة جبلية تقع عند نقطة اتصال هامة بين قارتين عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر الضيق، فهناك آراء كثيرة تؤكد أن الجماعات الحامية قد تكونت في جنوب غرب آسيا، وعبرت البحر الأحمر إلى القرن الأفريقي، وآراء أخرى تعتبر أن الوطن الزنجي الأصلي كان في منطقة ما من جنوب آسيا، ثم عبر الزنوج القرن الأفريقي إلى أفريقيا، ولكن المؤكد أن الجماعات السامية التي تسكن هضبة الحبشة قد تكونت أصلا في الجزيرة العربية، ثم عبرت البحر وسكنت المنطقة الجبلية.
ويمكن أن نقسم سكان إثيوبيا إلى قسمين: القسم الأول يشمل غالبية سكان إثيوبيا وهو مجموعات القوقازيين، والقسم الثاني صغير ويتكون من الزنوج والزنجانيين.
وتسكن مجموعات الزنوج والزنجانيين أطراف إثيوبيا الغربية، وأكبر هذه المجموعات النيليون الذين يعيشون في أعالي السوباط وروافده، ومنهم النوير والأنواك، ثم مجموعات من النيليين الحاميين في الجنوب الغربي حول بحيرة رودلف وحوض نهر أومو الأدنى، وأخيرا فهناك مجموعة زنجية منفصلة في جيب منعزل بين التكازي وخور الجاش في غرب إريتريا، تتكون من قبيلتي الباريا والكوتاما.
خريطة رقم (59): الديانات في إثيوبيا: (1) الإسلام. (2) أقليات إسلامية. (3) المسيحية . (4) أقليات مسيحية. (5) اليهودية. (6) الوثنية.
أما القسم الكبير المتكون من القوقازيين فينقسم إلى قسمين أساسيين هما: الساميون والحاميون، وتتركز المجموعة السامية في كتلة الهضبة الحبشية وتحتل هضاب تيجرا وأمهارا وجوجام ومعظم شوا، وتنقسم لغويا إلى التيجرينية والتجرا في الشمال، والأمهارا في الوسط والجنوب، ولا شك أن توسع الأمهارا جنوبا إلى شوا راجع إلى التوسع الحبشي في أواخر القرن الماضي في عهد منليك، ونقله العاصمة إلى قلب شوا.
خريطة رقم (60): المجموعات اللغوية في إثيوبيا؛ (أ) مجموعة الحاميين: (1) الصومالية. (2) الجالا. (3) السيداما. (4) الدناكل. (5) الساهو. (6) البجة. (7) الفالاشا (اليهودية). (ب) مجموعة الساميين: (1) الأمهارا والتجرينية والتجرة. (2) عرب السودان. (ج) مجموعة الزنجانيين: الباريا الكوتاما - الفتج - النيليون - النيليون الحاميون.
وقد كون الساميون عدة ممالك في الحبشة؛ أقدمها مملكة أكسوم التي كانت ترتكز على هضبة تيجرة، وامتد نفوذها إلى خور الجاش، وعاشت من القرن الأول الميلادي إلى القرن السابع، وفي القرن الرابع تقبلت الديانة المسيحية القبطية وانعزلت عن العالم، بعد انتشار الإسلام في مصر ثم السودان وسواحل البحر الأحمر الغربية كلها، بالإضافة إلى توغل الإسلام في كافا وجنوب شوا وهرر والصومال.
وتنقسم مجموعة الحاميين إلى عدة أقسام؛ أكبرها عددا الجالا الذين يعيشون في القسم الأوسط والغربي من هضبة الصومال، وفي إقليم كافا، وفي جنوب جوجام وشرق شوا وشمالها الشرقي وشرق أمهارا. والجالا رعاة بقر محاربون أشداء، ولكن سكناهم في شوا وأمهارا وكافا قد جعلهم ينتقلون إلى الزراعة مع رعاية الأبقار، بينما ظل الجالا في الجنوب رعاة متنقلين معظمهم ما زال على وثنيته، وهم يمتدون أيضا جنوبا حتى كينيا. وأما الجالا الذين يعيشون في الهضاب، فقد أسلم منهم الكثير من مجموعة كافا وكونوا عدة إمارات إسلامية، وكذلك أسلم منهم سكان القسم الأوسط من الهضبة الصومالية، وبعض الذين يعيشون في شرق أمهارا، وتنصر منهم مجموعة كبيرة من سكان شوا.
والمجموعة الحامية الثانية عددا هي الصوماليون الذين يعيشون معظمهم خارج إثيوبيا، ولكن منهم جماعات عديدة تعيش في إقليم أوجادين وهرر في جنوب شرق إثيوبيا، وهذا هو الذي يؤدي إلى الاحتكاك بين صوماليا وإثيوبيا . والمجموعة الثالثة هي الدناكل أو الآفار، ويسكنون السهل المعروف باسمهم كما يسكنون أيضا ساحل إريتريا الجنوبي، وهم كالصوماليين رعاة إبل مسلمون. وإلى الشمال من الدناكل توجد مجموعات حامية صغيرة في جنوب إريتريا مثل الساهو، وفيما بين مصوع وطوكر ينقطع ظهور الحاميين على الساحل، وتحتل المنطقة مجموعة من الساميين المختلطين بالحاميين تسمى الحباب، وفي شمال غرب إريتريا يعود الحاميون للظهور في مجموعة بني عامر التي ترتبط ارتباطا كبيرا بالبجة في السودان. وأخيرا فهناك مجموعات حامية صغيرة مثل الفلاشا أو اليهود السود شمال بحيرة تانا، والسيداما في غرب الجالا الجنوبيين.
ويمكننا أن نلخص الموقف السكاني الذي تتعدد فيه المجموعات اللغوية إلى 48 لغة، منها ثمانية في إريتريا، بأن أهم المجموعات هي الجالا الذين يكونون قرابة نصف سكان الدولة، والأمهارا الذين يبلغ عددهم مليونين فقط، ولكنهم أصبحوا - بحكم توسع منليك - طائفة حكام إثيوبيا، وأصبحت اللغة الأمهرية هي اللغة الرسمية للدولة، وديانتهم القبطية الديانة الرسمية للدولة رغم قلة عددهم الواضح.
خريطة رقم (61).
والحقيقة أن الكنيسة والنظام الملكي هما وحدهما القوة الدافعة وراء الوحدة الراهنة لهذه الدولة الكبيرة، التي ما زالت النظم الإقطاعية والقبلية تلعب دورا كبيرا في بقائها. ولأمراء الإقطاع وكبار الملاك سلطة هائلة على الزارعين والمستأجرين، لدرجة أنهم يعيدون إلى الأذهان صورة رقيق الأرض، وما زالت الملكية الفردية للأرض نادرة، ومعظم الملكيات خاصة بالإمبراطور وأسرته والدولة والكنيسة وكبار الملاك، ومن الأدلة على ذلك أن نظام الطبقات يسمي الفلاحين «جبر»، والنظام يسمى «الجبر». وفي السنوات الأخيرة حدث تحسن على نظام الجبر، وأعلنت الدولة عزمها على إلغائه نهائيا، أما العبودية فقد ألغيت تماما عام 1942.
وعدد المدن الإثيوبية قليل، وعدد سكانها أيضا قليل، فكل من جندار وهرر ودبرا مرقص وديرا داوا وأكسوم يقل سكانها عن 50 ألفا، وما زالت هذه المدن عبارة عن أسواق للمناطق المجاورة، تحيطها الأسوار، أما المدن الكبيرة: فهي أسمرة عاصمة إريتريا وسكانها 178 ألفا، وأديس أبابا وسكانها 796 ألفا، وتتميز كل منهما بالمباني الحديثة وخاصة أديس أبابا التي تقع في وسط منطقة زراعية غنية، وقد زاد من سرعة نموها تركز طرق المواصلات فيها، والإدارة والحياة الثقافية والسياسية. (5) النقل في إثيوبيا (5-1) السكة الحديدية (1)
الخط بين جيبوتي وأديس أبابا (783كم) اكتمل في عام 1926، وهو خط منفرد ضيق (عرض متر واحد)، حمولته لا تزيد عن 250 طنا في اليوم، وهو بهذه الحالة غير قادر على تحمل أعباء النمو الاقتصادي. والتفكير في ازدواج الخط تفكير قديم، ولكن لم ينفذ بعد، ويسير الخط ثلاث مرات في الأسبوع، ويقطع القطار المسافة في ليلتين ونهار واحد. (2)
خط «مصوع-أسمرة-كيرين-أجوردات»، ويعد معجزة هندسية؛ إذ إنه يصعد قرابة 2000 متر في مسافة لا تتجاوز 80 كيلومترا من مصوع إلى أسمرة، وطول الخط 307كم، وعرضه 95سم فقط. (5-2) الطرق البرية
الجزء الأكبر من هذه الطرق يعود إلى أيام الاحتلال الإيطالي الذي دام خمس سنوات فقط، وتبلغ أطوالها جميعا قرابة ستة آلاف كيلومتر: (1)
طريق أديس أبابا-أسمرة-مصوع-بطريق ديسة. (2)
طريق أديس أبابا-جيما في إقليم كافا ، ثم جوري وجمبيلة في حوض السوباط الأعلى. (3)
طريق أديس أبابا-نجيلي في إقليم سيداما، ثم دولا (أو دولو) على الحدود المشتركة مع كينيا في الجنوب. (4)
طريق أديس أبابا-ديراداوا-هرر-هرجيسا-بربرة في الشرق. (5)
طريق أديس أبابا-عصب بطريق ديسة، وعصب هي ميناء إثيوبيا الرئيسي حاليا. (6)
طريق أديس أبابا-لكميتي في إقليم وليجا. (7)
طريق أديس أبابا-دانجيلا في وسط إقليم جوجام مارا بدبرا مرقص. (8)
طريق مصوع-أسمرة-غندار-بحيرة تانا. (9)
طريق هرر الجنوبي عبر إقليم أوجادين إلى مقديشو عاصمة الصومال.
ويتضح من هذا أن أديس أبابا قد أصبحت مركزا للمواصلات في الدولة، وبالتالي يمكن للحكومة أن تحكم إشرافها على الأجزاء المتناثرة للدولة ذات الظروف الطبيعية الوعرة، ومع ذلك فإن إثيوبيا ما زالت تحتاج إلى أضعاف أطوال الطرق البرية والحديدية الراهنة، لكي يتم اتصال إثيوبيا بالسودان والصومال من ناحية، وكشرط أساسي لنجاح المشروعات الرامية إلى التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنهوض بالقبائل الشديدة التخلف في الجنوب والجنوب الغربي. (6) النشاط الاقتصادي
يعتمد ما يقرب من 90٪ من سكان إثيوبيا على الزراعة بأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى رعاية الحيوان ، ونظرا لموقع إثيوبيا وكمية أمطارها فإن نسبة الأراضي التي لا يمكن استغلالها لا تزيد عن 30٪، ويتوزع الباقي على أساس 56٪ أراضي الرعي، 10٪ أراضي الزراعة، وأخيرا 4٪ أراضي الغابات.
وتسود الزارعة والزراعة المختلطة برعي الحيوان الهضاب، بينما تعتمد الزراعة في السهول الجافة على الأمطار القليلة، ولكن الرعي هو الحرفة الأساسية في الهضبة الصومالية وسهل الدناكل، والزراعة الحبشية على العموم بدائية وهدفها الكفاية الذاتية، والنقل في الريف لا يكاد يعرف العربات، بل يتم على ظهور الحيوان، ومشروعات التنمية واستحداث طرق الزراعة تستدعي في الواقع ضرورة نشر التعليم أولا.
والحبوب المنتجة في إثيوبيا تشتمل على عدد محدود، أهمها: نوع من الدخن يسمى تف
Teff ، ثم السرغم - نوع من أنواع الدخن - وحبوب أخرى مقاومة لظروف الجفاف، وأخيرا القمح والشعير. وتتجمع المساكن قريبا من بعضها البعض وسط المزارع، يحيط بها نطاق من الأراضي المخصصة لرعي الحيوان، وبعده تأتي حقول الحبوب المختلفة.
ومن بين المحصولات الزراعية نجد البن وحده كمحصول تجاري، ويكون ما بين 75٪ و65٪ من مجموع صادرات إثيوبيا، ومعظمه يتجه إلى الولايات المتحدة، ومعظم مزارع البن مركزة في الجنوب الغربي - ربما كان هناك ارتباط بين البن واسم إقليم كافا - كذلك توجد مساحات كبيرة مخصصة لإنتاج البن في إقليم هرر، وهناك أشجار كثيرة للبن تنمو في صورة برية غير معتنى بها. ولا غرابة في أهمية البن هنا؛ فإن الهضبة الحبشية هي الموطن الأساسي للبن في العالم كله - النوع المعروف باسم البن العربي - ولكنها لا تنتج منه إلا قرابة 5٪ من الإنتاج العالمي (موسم 1969-1970).
3
وفي الوقت الحديث بدأت زراعة القطن في مناطق التربة السوداء الطينية، ولكن المساحات قليلة والإنتاج ضئيل، بحيث يستدعي الأمر استيراد قطن لتشغيل مصانع النسيج في أسمرة، وديرداوا وأديس أبابا.
ولم تعد إثيوبيا تستورد السكر بعد أن أصبح قصب السكر يزرع وينتج ما يكفي تصنيع السكر في «ونجي» التي تبعد 80كم جنوب أديس أبابا. وإنتاج الفواكه والخضروات على نطاق تجاري ما زال في البداية، وأكثر الإنتاج الحالي في مزارع إريتريا التي تزرع بوسائل الري الصناعي، وأهم هذه المحاصيل الكروم، كذلك تنتج بذور الزيت بكثرة، وأصبحت تكون المحصول الثاني في قائمة الصادرات، ويمكن أن يتزايد الإنتاج والصادر أكثر مما هو الآن، أهم هذه البذور السمسم وعباد الشمس والقطن والقرع والخروع والفول السوداني، وإلى جانب ذلك فهناك محصول آخر هو الكوبا الذي تستخدم خيوطه في عمل الحبال والقات وهو نوع من المغيبات.
وفيما يلي أرقام الإنتاج لأهم محاصيل إثيوبيا لسنة 1971:
جدول 3-2: الإنتاج الزراعي لموسم 1970-1971.
المحصول
الكمية بألف طن
الدخن
2700
الشعير
1540
الذرة
895
القمح
780
البن
220
قصب السكر
1000
سمسم
40
بذر عباد الشمس
30
وبالرغم من أن إثيوبيا لم تستغل بعد مواردها الطبيعية في الزراعة، إلا أن هذه الأرقام تشير إلى تقدم كبير في محصول البن والقمح والشعير، فإذا كان محصول 1963 = 100، فإن هذه المحاصيل الثلاثة كانت 241، 293، 199 على التوالي لسنة 1971، ولهذا أيضا نجد أن البن أصبح يساهم بنحو 5٪ من الإنتاج العالمي بعد أن كان قرابة 2٪ فقط عام 1963. وبرغم هبوط محصول الدخن في إثيوبيا، إلا أنها لا تزال تحتفظ بالمرتبة الثانية في أفريقيا بعد نيجيريا، وإلى جانب ذلك فإن إثيوبيا تحتل المرتبة الثالثة بين الدول الأفريقية في إنتاج الشعير بعد المغرب والجزائر، والخامسة في الذرة بعد جنوب أفريقيا والجمهورية العربية المتحدة ومالاوي وكينيا، والسادسة في إنتاج القمح بعد الجمهورية العربية المتحدة والجزائر والمغرب وجنوب أفريقيا وتونس. وغلة الحقل ضئيلة جدا، فبالنسبة إلى الهكتار نجد الأرقام المقارنة التالية في عدد من الدول الأفريقية، في غير حاجة إلى مزيد من التعليق:
جدول 3-3: مقارنة غلة الهكتار لعدد من المحاصيل في بعض دول أفريقيا. *
المحصول
غلة الهكتار بالكيلوجرام (موسم 1962-1963)
إثيوبيا
السودان
ج. ع. م.
جنوب أفريقيا
الدخن
620
650
3450
880
الشعير
800
680
2650
590
الذرة
900
770
2600
1500
القمح
700
1350
2610
690 *
اخترنا للمقارنة السودان التي تتشابه فيها ظروف المناخ والزراعة الأفريقية مع إثيوبيا، وكذلك اخترنا الجمهورية العربية كنموذج للزراعة الأفريقية الجيدة، وجنوب أفريقيا كنموذج للزراعة الأوروبية الحديثة في أفريقيا، الأرقام مستقاة من الكتاب السنوي 1964 لهيئة الأغذية والزراعة.
وفيما يختص بالمحصولات التجارية، فإن أهمها البن وهو يكون أقل من عشر الإنتاج الأفريقي للبن، ومعنى ذلك أنه لا بد من العناية بالبن لكي تصبح إثيوبيا من الدول الأفريقية الكبيرة المنتجة له، خاصة وإن الظروف الطبيعية مواتية لمثل هذا المحصول.
أما الثروة الحيوانية فضخمة في إثيوبيا، فهي من الدول القليلة في العالم التي تمتلك أكثر من مليون حصان، وتأتي في المرتبة السابعة بعد الاتحاد السوفييتي والبرازيل والأرجنتين وبولندا والهند وفرنسا، كما أنها أكثر الدول الأفريقية امتلاكا للحمير والبغال والماشية والأغنام، وثالثة دول العالم في عدد الماعز بعد الهند وتركيا، وثالثة دول أفريقيا في عدد الإبل بعد الصومال والسودان. وتوضح الأرقام التالية هذه الثروة الكبيرة:
جدول 3-4: الثروة الحيوانية. *
ماشية
26 مليون رأس
أغنام
12,7 مليون رأس
ماعز
12,2 مليون رأس
خيل
1400000 رأس
بغال
1400000 رأس
حمير
3900000 رأس
إبل
960000 رأس *
F. A. O. Production Year book 1964. Rome 1965 .
وعلى الرغم من كثرة الأعداد إلا أن النوع غير جيد؛ وذلك لأن تربية الحيوان تأخذ في حسابها أولا العدد ثم النوع، والراعي ما زال بدائيا متنقلا، والأمراض متفشية، مما يجعل كمية إنتاج اللحم واللبن ضئيلة. ويقدر الخبراء أن أمراض الماشية تسبب موت مليون ونصف مليون رأس سنويا في إثيوبيا، ولكثرة الأمراض ولإمكانية نقل العدوى، فإنه لا توجد سوق خارجية ترضى بشراء اللحم الإثيوبي. ولا شك أن الثروة الزراعية والرعوية محتاجة إلى جهود كثيرة من جانب الخبراء، ورأس مال كبير وإرشاد وتعليم، بالإضافة إلى ضرورة نشر التعليم بين الناس كي يمكنهم متابعة الإرشادات الواجبة، وأخيرا هيئة إدارية لتنفيذ خطوات الإصلاح.
وعلى الرغم من وجود بعض المعادن في إثيوبيا، إلا أن الدراسة الحالية لا تعطينا فكرة يمكن الاتفاق عليها مبدئيا بين الخبراء لتقدير الثروة المعدنية، والمعروف أن المستغل حاليا هو بعض مناجم الذهب في الجنوب ومناجم البوتاس والبلاتين والملح، ولم يعرف بعد هل تحتوى إثيوبيا على فحم أو بترول، ولكن مصادر الطاقة المائية عظيمة وإن لم تدرس بعد الدراسة الكافية. وفي الوقت الحالي لا يوجد سوى سد كوكا على أعالي نهر هواش، الذي تستخرج منه طاقة قدرها ما بين عشرة آلاف كيلووات و50 ألف كيلووات، وقد أنشئ بواسطة أموال التعويضات الإيطالية.
أما الصناعات فمعظمها تحويلي، ومركزة في أسمرة وأديس أبابا، وربما بلغ عدد العاملين في الصناعة 30 ألفا فقط.
لكي تتقدم التنمية في إثيوبيا فإن الأمر يحتاج إلى معونات مالية خارجية، وإلى تدريب الخبراء لكي يمكن: أولا النهوض بمقدرة الزراعة الإثيوبية والثروة الحيوانية، وثانيا الدراسة الجيولوجية للكشف عن المعادن، وفوق كل هذا يحتاج الأمر إلى تدعيم وسائل النقل داخل الدولة بشبكة طرق برية وحديدية أوسع مما هي عليه في الوقت الراهن. (6-1) التجارة الخارجية
4
لا تزال قيمة التجارة الخارجية لإثيوبيا ضئيلة؛ ففي 1968 بلغت قيمة الصادرات 107,3 ملايين دولار، وقيمة الواردات 173 مليونا، وبرغم ذلك فإن الأرقام تشير إلى نمو مضطرد في قيمة التبادل التجاري الإثيوبي كما يوضحه جدول
3-5 :
جدول 3-5: مجمل قيمة التجارة الخارجية لإثيوبيا (مليون دولار).
1960
1966 ٪ من عام 1960
1968 ٪ من عام 1960
الواردات
88,2
161,7
183٪
173
196٪
الصادرات
78,9
107,6
137٪
103,2
132٪
والملاحظ أن الميزان التجاري ليس في صالح إثيوبيا، وأن الفروق بين الوارد والصادر تتزايد بصفة مستمرة، مما يدعو إلى مزيد التنمية لزيادة الصادرات. ويوضح الجدول
3-6
أهم السلع الداخلة في تجارة الدولة.
جدول 3-6: النسب المئوية لقيمة السلع الرئيسية في تجارة الواردات والصادرات من الجملة.
الواردات
الصادرات
1960
1968
1960
1968
آلات
24,4٪
41
أغذية
69,7٪
77,3٪
سلع شبه
مواد أولية
29,7٪
21,8٪
مصنعة
46,5٪
32,2٪
كيميائيات
3,3٪
9,4٪
طاقة ووقود
11,2٪
6,2٪
أغذية
9,8٪
5,7٪
خامات
4,5٪
5,3٪
ويوضح الجدول ارتفاع قيمة الآلات والأغذية والخامات المستوردة تدريجيا، كما يوضح ارتفاع قيمة الأغذية المصدرة وعلى رأسهما البن (59,5٪ من قيمة صادرات إثيوبيا لسنة 1969)، ثم الجلود والفواكه وبذور الزيت على الترتيب (لكل حوالي 10٪ من قيمة صادرات 1969).
وتتجه معظم تجارة الوارد والصادر الإثيوبية إلى الدول الغربية، ويعطي جدول
3-7
صورة لذلك:
جدول 3-7: اتجاه الواردات والصادرات لسنة 1969.
الواردات
الصادرات
الدولة
القيمة (مليون دولار) ٪ من جملة الواردات
الدولة
القيمة (مليون دولار) ٪ من جملة الصادرات
إجمالي الواردات
155
100
إجمالي الصادرات
117
100
إيطاليا
34
15,4
الولايات المتحدة
50
42,6
ألمانيا الغربية
22
14,1
ألمانيا الغربية
10,8
9,2
اليابان
16,8
10,8
الصومال الفرنسي
7,6
6,5
الولايات المتحدة
16
10,3
السعودية
6,8
5,8
بريطانيا
15,6
10
اليابان
5,6
4,8
فرنسا
8
5,1
أما التجارة مع الدول الأفريقية فهي ضعيفة؛ إذ لا تتجاوز 1,5٪ من الواردات و1,2٪ من الصادرات، وكانت كينيا أكثر الدول الأفريقية التي صدرت إلى إثيوبيا عام 1968 (ما قيمته مليون دولار)، تليها السودان (نصف مليون دولار)، وملاوي (0,3 مليون دولار).
وتوضح هذه الأرقام في مجملها حقيقتين: ضعف التجارة الخارجية لإثيوبيا على وجه العموم، مما يؤكد ضرورة التنمية الاقتصادية، وضعف العلاقات التجارية مع الدول الأفريقية، ولا شك أن ذلك راجع إلى قلة وسائل المواصلات بين الدول الأفريقية، وتتأكد هذه الحقيقة من أن السودان هو عميل إثيوبيا الأول من بين الدول الأفريقية نتيجة للجوار المكاني وسهولة النقل البري بينهما.
مراجع لمزيد من الاطلاع
هناك كتب وأبحاث كثيرة عن إثيوبيا والقرن الأفريقي عامة، ولكن غالبيتها بالإيطالية.
Abul-Hagag, Y., 1960, “Physiographical Aspects of Northern Ethiopia” London.
Ewert, K., 1959, “Athiopiens” Bonn.
Lewis, I. M., 1955 “Peoples of the Horn of Africa” London.
Luther, E. W., 1958, “Ethiopia To-day” London.
Government of Ethiopia” London.
moderna nelle sue relazioni Internzionali”
Sander, E., 1949, “Das Hochland von Abessinien: eine lander kundliche Monographie” Heldeiberg.
Trimingham, J. S., 1952, “Islam in Ethiopia” Oxford.
الفصل الرابع
نيجيريا
(1) غرب أفريقيا
يكون هذا الإقليم وحدة جغرافية واضحة في أفريقيا، يحده شمالا الصحراء الكبرى، وشرقا مجموعة الهضاب التي تبدأ ببركان الكمرون على رأس خليج بيافرا، وتنتهي إلى بحيرة تشاد، وجنوبا وغربا المحيط، وفي داخل هذا الإقليم تتدرج التضاريس من سهول الساحل المتوسطة الاتساع، إلى هضبة متوسطة الارتفاع في الداخل، ترتفع فوقها عدة مناطق هضبية عالية نسبيا - جوس وبارتشي في الشرق، وفوتا جالون في الجنوب الغربي - ويشتمل الإقليم على تدرج مناخي ونباتي من النوع الاستوائي المعدل على السواحل الجنوبية ، إلى أنواع السفانا المختلفة في الداخل، وتنتهي في الشمال بالوصول إلى أطراف الإقليم الصحراوي الانتقالي.
ويسكن الإقليم سلالات زنجية هي زنوج الغابات في الإقليم الساحلي الجنوبي، وزنوج السودان في الداخل، أما الأطراف الشمالية فقد أصبحت مجالا لتوسع السلالات القوقازية من الحاميين والساميين، وقد أدى ذلك إلى تكوين مجموعات قبلية ولغوية خليطة في القسم الشمالي من غرب أفريقيا. كما تؤكد تواريخ كثير من القبائل الجنوبية - اليوربا والأشانتي على وجه الخصوص - أن أصول حكامهم التقليدين قد وفدوا إليها من الشمال.
ولما كان الجزء الشمالي من غرب أفريقيا عبارة عن جزء من الطريق الأساسي الذي يعبر القارة من حوض النيل إلى السنغال جنوب الصحراء الكبرى، فلقد كانت حركات القبائل والجماعات على طول هذه الطريق مؤدية إلى زيادة الاختلاط البشري، وكذلك ارتبط الجزء الشمالي من غرب أفريقيا بالطرق العديدة العابرة للصحراء الكبرى، وبذلك كان هذا الإقليم الشمالي مرتبطا ارتباطا مستمرا بوادي النيل وشمال أفريقيا، ومن ثم تأثر كثيرا بهما في نظمه الحضارية وأفكاره الدينية والسياسية؛ ولذلك تكونت في هذا القسم من غرب أفريقيا ممالك قديمة، كان لها شأن كبير في خلال العصر الإسلامي، نذكر منها مملكة غانا التي نشأت فيما بين السنغال والنيجر الأعلى قبل دخول الإسلام بقليل، ونمت خلال العهد الإسلامي في القرن الثاني عشر الميلادي، وأصبح اسمها هو الاسم الشامل لكل ساحل غرب أفريقيا فيما بعد، كما أن ساحل الذهب - المستعمرة الإنجليزية السابقة - قد أطلقت على نفسها اسم جمهورية غانا؛ تيمنا بأمجاد مقبلة على غرار أمجاد غانا السالفة. كذلك كانت هناك مملكة مالي التي نشأت في النيجر الأعلى، وامتد نفوذها من السنغال إلى تشاد في خلال القرون 13 و14 و15م، وأطلق السودان الفرنسي على نفسه اسم جمهورية مالي على نحو ما فعلت غانا. وإلى جانب مملكتي غانا ومالي كانت هناك أيضا مملكة سنغاي، وممالك الفولاني في النيجر الأوسط (ماسينا) وشمال نيجيريا، ومملكة الكانم على بحيرة تشاد، وإمارات الهوسا في شمال نيجيريا، وكونت الجماعات المتغلغلة من نطاق السفانا ممالك زنجية كبيرة في داخل نطاق الغابات الاستوائية من غرب أفريقيا، نذكر منها ممالك اليوربا والداهومي والأشانتي.
ولقد تعرض غرب أفريقيا للنفوذ والاستعمار الأوروبي منذ أوائل حركة الكشوف الجغرافية، وذلك بحكم قرب سواحل غانا من البرتغال، ومع كشف هذه السواحل عانت غرب أفريقيا من تجارة الرقيق الأوروبية ما لم تعانه منطقة أخرى من أفريقيا باستثناء غانا السفلى (أنجولا والكنغو)، وقد كان لهذا تأثير شديد على إحداث فوضى سكانية كبيرة في غرب أفريقيا، وتدهور لأعداد السكان وتفكك لقبائل كثيرة، ولكن سيادة النظام في نطاق السفانا من غرب أفريقيا نتيجة وجود الإمارات والممالك الإسلامية قد ساعد على بقاء الأحوال هادئة بالمقارنة بأقاليم الساحل، كذلك بدأ تقطيع غرب أفريقيا إلى مستعمرات تشبه لوحة الشطرنج، من أقاليم الساحل أيضا، وتحركت منها صوب الشمال إلى نطاق السفانا، فدخله متأخرا جدا (أوائل هذا القرن).
ولقد أدت ظروف عديدة طبيعية وبشرية إلى تركز إنتاج المحاصيل النقدية (الكاكاو والبن ونخيل الزيت) في النطاق الاستوائي من غرب أفريقيا، بينما تركت أقاليم السفانا دون عناية كبيرة بتطوير أنظمة الاقتصاد فيها إلا متأخرا جدا (الأربعينيات والخمسينيات من هذا القرن)، وقد ارتبط التقدم في الجنوب باشتداد وتغلغل النفوذ الاستعماري في الأقاليم الاستوائية، وتركز جهود المبشرين في هذا الإقليم، بينما تركت الأقاليم الشمالية تحت ظل الحكم غير المباشر (خاصة في نيجيريا وغانا وسيراليون، حيث ظل الأمراء التقليديون يتولون أعباء الإدارة تحت إشراف الإنجليز)؛ ولهذا تأخر التقدم الاقتصادي في أقاليم السفانا، بينما تطور بسرعة في الأقاليم الاستوائية من غرب أفريقيا. ومن الأدلة التي تشير إلى ذلك تركز الجامعات ومعاهد الدراسات العليا في الجنوب (جامعة أبيدان بالنسبة لنيجيريا، وجامعة أكرا بالنسبة لغانا، وكلية فورا باي
Fourah bay
في سيراليون، وجامعة دكار في السنغال، وجامعة منروفيا في ليبيريا)، بينما حرمت المناطق الداخلية كلها من الجامعات، واقتصر التعليم العالي فيها على مدارس فنية مثل المدارس التكنولوجية في زاريا (نيجيريا)، وكوماسي (غانا).
وتمثل نيجيريا أصدق تمثيل دول أفريقيا الغربية؛ فهي الوحيدة التي تكون قطاعا طوليا لكل أقاليم غرب أفريقيا المناخية والنباتية، نظرا لامتدادها من البحر إلى قرب الهامش الصحراوي، كما أنها من أكبر دول أفريقيا الغربية مساحة ولكنها أكبرها سكانا، ويمثل تقسيمها إلى أقاليم ثلاثة (الشمال من ناحية، والشرق والغرب من ناحية أخرى)، انعكاسا لعدة ظروف طبيعية وبشرية تلخصها النقاط التالية: (1)
الإقليم الشمالي: بمساحته الضخمة هو ممثل لإقليم السفانا في نيجيريا، وممثل لمناطق الحكم التقليدي غير المباشر في عهد الاستعمار، وممثل للإقليم الذي يسوده الإسلام والقبائل المتأثرة بالحاميين، وهو أخيرا ممثل للتأخر الاقتصادي بالنسبة لبقية نيجيريا، إذا استثنينا بعض مناطقه التي بدأت تدخل حقل الزراعة النقدية (الفول السوداني والقطن). (2)
الإقليمان الشرقي والغربي: يمثلان النطاق الاستوائي في نيجيريا، ولذلك تركز فيهما الحكم الأجنبي فترة طويلة، ودخلتهما جهود المبشرين بحماس بالغ، وتطور إنتاجهما إلى السلع النقدية (الكاكاو ونخيل الزيت وقطع الأخشاب والمطاط) منذ فترة طويلة. (3)
الإقليم الشرقي: هو الإقليم الذي تسيطر عليه قبيلة الإيبو التي انتشرت فيها المسيحية أكثر من غيرها من قبائل الجنوب قاطبة، أما الإقليم الغربي فهو إقليم قبيلة اليوربا التي تقاسمتها المسيحية والإسلام، وهناك تنافس شديد بين الإيبو واليوربا حول الزعامة، ولقد ساعد وجود العاصمة لاجوس في إقليم اليوربا على اشتداد حدة النزاع بين القبيلتين إلى حد مجاهرة بعض الإيبو بالانفصال عن نيجيريا، مما يهدد تكامل نيجيريا الاقتصادي. (2) نيجيريا
نيجيريا هي أكبر الدول الأفريقية من حيث عدد السكان، وقد كان ذلك شيئا معروفا من فترة طويلة، تحقق في إحصاء 1952 الذي أثبت أن تعدادها حوالي 30,5 مليونا، ولكن إحصاء 1963 أعلن أن في نيجيريا 55 مليونا، وعلى قدر ما يتعرض له هذا الرقم من خطأ (تقدير الأمم المتحدة 56 مليونا لسنة 1970)، فإن الحقيقة تظل ثابتة، وهي أن نيجيريا أكثر دول أفريقيا سكانا.
وتبلغ مساحة نيجيريا 923773 كيلومترا مربعا، فهي بذلك أقل قليلا من مساحة الجمهورية العربية المتحدة، وحوالي ثلث مساحة السودان، وتأخذ الدولة صورة شبه منحرف يقع في الركن الشرقي من خليج غانا، وقاعدته الجنوبية المطلة على الساحل أصغر من القاعدة الشمالية المرتكزة على حدود دولة النيجر إلى الشمال منها، أما حدها الشرقي فتحتل غالبيته دولة الكمرون، وتشترك في حدود قصيرة مع دولة تشاد عبر بحيرة تشاد، والحد الغربي يفصل بينها وبين دولة داهومي في معظمه، وبينها وبين دولة النيجر في قسمه الشمالي. (3) الدراسة الطبيعية (3-1) التضاريس
تتكون نيجيريا من أنواع عديدة من الصخور والتركيبات الجيولوجية، يسودها ظهور الكثير من التكوينات التي تنتمي إلى ما قبل الكمبري في الداخل - وخاصة هضبة جوس - والصخر الكريتاسي الإرسابي في حوض نهر بنوي وفي الشمال الغربي، وصخور إرسابية حديثة ترجع إلى عصور الزمن الثالث في الشمال الشرقي وفي الجنوب، وتتكون منطقة حوض بحيرة تشاد من التكوينات الإرسابية التي ترجع إلى الزمن الرابع، وكذلك ترجع المنطقة الساحلية ودلتا النيجر إلى تكوينات الزمن الرابع.
ومن ناحية المظهر التضاريسي تتكون الدولة من سهول ساحلية عريضة نسبيا تبلغ أقصى عرض لها في دلتا النيجر (300 كيلومتر)، ولولا حافة الهضبة الأفريقية لاتصلت هذه السهول بسهل البنوي العريض. وتضيق سهول الساحل شرق الدلتا بسرعة، بعد وادي ومصب نهر كروس بتأثير كتلة جبل الكمرون، وإلى الغرب من الدلتا تضيق السهول أيضا فيبلغ عرضها في منطقة «لاجوس-إيبادان» قرابة مائة كيلومتر. وسبب اتساع سهول دلتا النيجر أنها تتعمق في الواقع إلى الجنوب من خط الساحل عند لاجوس مسافة تزيد عن 200 كيلومتر نتيجة للإرسابات الضخمة التي يأتي بها النهر ورافده البنوي، بالإضافة إلى نمو الساحل بواسطة اللاجونات العذبة، نتيجة للأمطار الاستوائية الغزيرة التي تسقط على المنطقة.
ووراء السهل الساحلي تظهر حافة الهضبة الأفريقية واضحة في القسم الغربي عند إيبادان، فترتفع إلى قرابة 200 متر فيما بين إيبادان ووادي النيجر الأوسط، وتظهر فوق الهضبة هنا حافات جبلية تعلو إلى 450 مترا، وتصل في بعض نقاطها إلى 600 متر.
وتكون هذه المرتفعات الحد الطبيعي الفاصل بين إقليم اليوربا الذي ينحدر إلى الساحل جنوبا، وإقليم إيللورين الذي ينحدر إلى النيجر الأوسط شمالا، ويجري خط الحدود الإداري بين الإقليمين الشمالي والغربي على هذه الحافة تمشيا مع الظروف الطبيعية والحضارية؛ فإقليم إيللورين كان جزءا من ممتلكات دولة الفولاني الإسلامية في نيجيريا، وسكانه غالبيتهم الساحقة من المسلمين.
أما حافة الهضبة الأفريقية فأقل وضوحا في شرق نيجيريا إلى الشرق من دلتا النيجر، ولا تظهر إلا في صور ضعيفة كما هو الحال في منطقة إينوجو، حيث ترتفع بين 200 و400 متر، وتسمى هنا هضبة أودي، وإلى الشرق من نهر كروس تعود حافة الهضبة إلى الظهور والاقتراب من البحر في صورة تلال أوبان التي تبلغ أعلى نقطة فيها 1050 مترا.
وإلى الشمال من حافة الهضبة يجري نهرا النيجر الأوسط والبنوي في مجار تكاد تتوازى مع خط الساحل، مما أدى إلى خلق أودية وسهول عريضة نسبيا في مجموعها تظهر إلى الشمال من حافة الهضبة وموازية للسهول الساحلية، وأعظم هذه السهول الداخلية سهل البنوي الذي يمتد بعرض يقرب من مائة كيلومتر - في منطقة ماكوردي - لمسافة أكثر من 500 كيلومتر في اتجاه الشرق، أما وادي النيجر الأوسط فأضيق كثيرا من سهل البنوي العريض. وإلى الشمال من واديي النهرين تظهر الهضبة الأفريقية فوق مستوي 300 متر، وتتزايد في الارتفاع إلى فوق مستوى 500 متر، فتشمل معظم شمال نيجيريا بين كنو وسوكوتو في الشمال، وكادونا وجوس في الجنوب، وتنحدر تدريجيا في الشمال الشرقي صوب بحيرة تشاد . وتسيطر هضبة جوس على القسم الشرقي من هذه الهضبة، وتعلو معظم أجزائها عن ألف متر، وفوق هذه الهضبة تظهر قمم كثيرة فوق 1300 متر تسمى تلالا، أهمها ما يلي:
تل وادي في الجنوب الشرقي، ويبلغ ارتفاعه 1693 مترا.
تل شيريه في الوسط، ويبلغ ارتفاعه 1776 مترا.
تل زارندة في الشمال الشرقي، ويبلغ ارتفاعه 1451 مترا.
تل سايا في وسط الشمال، ويبلغ ارتفاعه 1589 مترا.
تل جينشي في الشمال، ويبلغ ارتفاعه 1228 مترا.
وفضلا عن الارتفاعات التي تميز الهضبة تضاريسيا ومناخيا ونباتيا، تمييزا نسبيا عن المحيط الذي يدور حولها، فإن الهضبة من الناحية الهيدرولوجية تكون أهم خط تقسيم مياه في داخل نيجيريا؛ فهي تفصل بين تصريف النيجر والبنوي إلى المحيط من جهة، وبين تصريف بحيرة تشاد من جهة أخرى.
وتنحدر مياه كل من أنهار جماري وكامادوجوجانا إلى الشمال الشرقي ليكونا معا، بالإضافة إلى نهر حاجيا الذي ينبع بالقرب من كنو، نهر كامادوجويوبي الذي يصب في الساحل الغربي لبحيرة تشاد.
خريطة رقم (62).
وعلى السفوح الشمالية الغربية للهضبة ينحدر نهر جالما، وعلى السفوح الغربية نهر كادونا، ويتصلان معا ويتجهان جنوبا إلى النيجر الأوسط باسم نهر كادونا، ومن الشرق ينحدر نهر جونجلا الذي ينتهي إلى البنوي غربي يولا، ومن الجنوب أنهار شمنكار وإنكوي ومادا، وكلها تنتهي إلى البنوي قبل وبعد ماكوردي.
وأعلى نقطة في نيجيريا هي قمة فوجل في الشرق قرب حدود الكمرون، وتبلغ ارتفاعها 2306 أمتار.
ويدخل نهر النيجر نيجيريا من الشمال الغربي، ويكون عند دخوله نقطة التقاء حدود كل من داهومي والنيجر ونيجيريا، ويتجه النيجر صوب الجنوب الشرقي، ويلتقي بعد قليل بأول رافد نيجيري هو نهر سوكوتو الذي ينبع بالقرب من زاريا، ويتجه شمالا بغرب حتى سوكوتو، ثم يرسم قوسا ويتجه إلى الجنوب الغربي ثم الجنوب، وقبل التقائه بالنيجر يتلقى مياه رافد صغير هو نهر زامفارا الذي ينبع قريبا من منابع سوكوتو.
وبعد التقاء سوكوتو والنيجر بقليل ينحرف النيجر إلى الجنوب، ثم ينحدر فوق شلالات بوسا، وعند جبا ينحرف إلى الشرق، ثم الجنوب الشرقي بعد أن تتصل به مياه نهر كادونا، وعندما ينحرف إلى الجنوب تمهيدا لدخوله في مجراه الأدنى يلتقي بأهم رافد له؛ ذلك هو نهر البنوي.
وينبع البنوي من شمال الكمرون، ويتجه شمالا ثم غربا، وعند الحدود بين نيجيريا والكمرون يلتقي بأطول روافده العليا، وهو نهر فارو المتكون من فارو وديو، وينبعان من هضبة بامندا في غرب الكمرون، وبعد دخوله الحدود بقليل يمر عند مدينة يولا التي تكون نهاية الملاحة في البنوي، ثم يتجه جنوبا بغرب ويتصل بروافده النابعة من هضبة جوس التي سبق ذكرها، كما يتلقى روافد أخرى من الجنوب من أهمها كتسينا الذي ينبع من هضبة بامندا في الكمرون، ويتصل بالبنوي من الجنوب قبل ماكوردي، وسبب تسميته كتسينا غير مرتبط بمدينة كتسينا في الشمال - إحدى المدن الهامة للهوسا - بل بتأسيس الفولاني مدينة «كتسينا علا» أو «كتسينا علي» التي يمر بها هذا النهر.
وبعد التقاء البنوي والنيجر يتجه النهر جنوبا في مجرى واسع نسبيا، قبل أن يتفرع إلى دلتاه العديدة الفروع على بعد 120 كيلومترا من البحر، وتقع على الفروع العديدة عدة موانئ أهمها: بورت هاركورت وبوني في الشرق، وواري وسابليه وبوروتو في الغرب، وخير ووصف للدلتا يتضح من الخريطة رقم (55). (3-2) المناخ والنبات
يمكننا أن نميز ثلاثة أقاليم مناخية في نيجيريا؛ فالنطاق الشمالي يقع إلى شمال الإقليم الهضبي (شمال عرض 11)، وهو أكثر أقاليم نيجيريا جفافا وتمثله كنو خير تمثيل، ومناخ هذا الإقليم موسمي المطر، أبرد الشهور من ديسمبر إلى فبراير، ولكن درجة الحرارة على العموم في هذا الفصل عالية 21م (يناير)، ولا يسقط مطر خلال هذا الفصل إطلاقا، والرياح المميزة له هي الهارمتان، وهي هنا رياح شديدة الجفاف كثيرة الأتربة مما يؤدي إلى ندرة ظهور السماء الزرقاء والهواء النقي. وفي مارس ترتفع الحرارة بسرعة وتصبح شهور أبريل ومايو ويونيو أحر شهور السنة؛ وذلك لأن الشمس تتعامد أشعتها على المنطقة في تلك الفترة، والسماء لا تغطيها السحب، ولهذا تصل الحرارة أقصاها في مايو 32,5م، والرياح ما زالت شمالية شرقية جافة، وتنخفض الحرارة نسبيا في الليل. وفي يونيو يحدث تغير مفاجئ؛ فالسحب تتكاثر وتبدأ الأمطار وتسود الجو أعاصير عديدة، وتنخفض درجة الحرارة من جراء غطاء السحاب، ومعه ينخفض المدى الحراري اليومي، ويكاد يتشبع الهواء ببخار الماء. وكتل الهواء السائدة في فصل المطر محيطية تجلبها الرياح الجنوبية الغربية، وتفيض الأنهار الشمالية التي جفت مياهها خلال الربيع وأوائل الصيف، وتزداد مساحة بحيرة تشاد ومستنقعاتها، وتقل كمية المطر تدريجيا نحو الشمال، ولكن منطقة الحدود تتلقى أمطارا لا تقل عن 500م في السنة (نجورو 549مم) تسقط كلها في موسم الأمطار القصير. وتتلقى كنو 833مم في السنة، بينما تبلغ أمطار سوكوتو 721مم، وأمطار مايدوجورو 643مم، وتنتهي الأمطار في سبتمبر-أكتوبر، وتعود الحرارة إلى الارتفاع تدريجيا نتيجة قلة الغطاء السحابي، وتقلص كتل الهواء المحيطية التي تتراجع أمام كتل الهواء الصحراوية التي تجلبها الرياح الشمالية الشرقية. ومن أكتوبر إلى مايو في الشمال، ومن نوفمبر إلى أبريل في عروض كنو، تسيطر الرياح الشمالية الجافة على المنطقة من جديد سيطرة كاملة.
خريطة رقم (63): دلتا النيجر.
أما النطاق الجنوبي فيشمل أساسا السهل الساحلي والحافة الأفريقية جنوب وادي البنوي والنيجر الأوسط، وأهم ميزة مناخية هو المطر الغزير طول السنة على وجه التقريب، ومدى حراري صغير بين الفصول، والمناخ في غالبيته في داخل دلتا النيجر غير صحي؛ لارتفاع الحرارة، وكثرة الرطوبة والمطر، ووجود المستنقعات العديدة واللاجونات الساحلية والغابات الكثيفة، والتربة التي تتكون أساسا من الطين وبقايا عفن النبات.
والرياح في هذا الإقليم المناخي جنوبية غربية ممطرة طول السنة، وتصل رياح الهارماتان إلى هذا الإقليم في فترات متقطعة من يناير وفبراير، والعواصف الراعدة أمر عادي في الإقليم (75 يوما في السنة)، وتزيد كمية المطر الساقط سنويا عن 3000مم على ساحل الدلتا، وتقل كلما توغلنا في الداخل فتصل إلى 2769مم في واري، و2497مم في بورت هاركورت، و1800مم في إينوجو، وإلى 1200مم قرب الحافة الهضبية. وتتميز الحافات بأمطار كثيرة، ولكن بقلة الحرارة نسبيا وبفترة صغيرة يمتنع فيها المطر (أغسطس)، وتصبح شهور مارس وأبريل وديسمبر أحر الشهور، وأغسطس أبردها، ولكن المدى الحراري لا يتعدى خمس درجات .
والإقليم الأوسط يكون مزيجا بين الإقليمين السابقين، أو هو على تعبير أصح إقليم انتقالي بين المناخ الاستوائي في الجنوب، والمناخ المداري في الشمال، ويشتمل هذا الإقليم على وادي البنوي والنيجر الأوسط والقسم الجنوبي من الهضبة الشمالية، بما في ذلك هضبة جوس - تقريبا بين درجات عرض 7 و11 شمالا.
وتختلف الظروف المناخية في هذا الإقليم باختلاف الارتفاع؛ فالوديان تقل أمطارها عن الهضاب وترتفع درجة حرارتها، وبعض أجزاء حوض البنوي تسيطر عليها الأشجار المتكاثفة، أما هضبة جوس فأصح كثيرا، وهي أبرد نسبيا ومتوسط المطر السنوي 1000مم، وفصل سقوط المطر أطول من مثيله في الإقليم الشمالي، كما يطول فصل المطر في القسم الجنوبي من هذا الإقليم ويأخذ في القصر شمالا، ويمتد فصل المطر بين أبريل وأكتوبر عند التقاء النيجر والبنوي (لوكوجا)، ويقصر إلى الفترة بين مايو وسبتمبر في هضبة جوس. وفيما يلي جدول يوضح الحرارة والمطر في عدد من المحطات الممثلة لنيجيريا:
جدول 4-1: الحرارة والمطر في بعض المحطات.
المحطة
درجة الحرارة (مئوية)
المطر (مليمتر)
القصوى
الدنيا
المتوسط
أعلى شهر
المجموع
كنو (465 مترا)
31 (أبريل )
22 (يناير)
26
310 (أغسطس)
833
جوس (1219 مترا)
26 (أبريل)
21 (يناير)
22
322 (يوليو)
1407
لوكوجا (97 مترا)
30 (مارس)
26 (أغسطس)
27
236 (سبتمبر)
1242
لاجوس *
28 (مارس)
26 (أغسطس)
27
460 (يونيو)
1885 (؟)
205 (أكتوبر)
كالابار
27 (مارس)
25 (أغسطس)
26
455 (يوليو)
3058 *
مجموع أمطار لاجوس حسب
Oxford: Africa
هي 48,9مم، وهو رقم غير معقول، ولذلك اعتمدنا على حساب كمية المطر الشهري في لاجوس لبيان كمية المطر السنوي.
ويتدرج النبات الطبيعي في نيجيريا - بحكم موقعها في خطوط العرض وبالنسبة للبحر - من الغابات الاستوائية في الجنوب إلى السفانا الصحراوية في الشمال، ويتخذ هذا التدرج صورة نطاقات عرضية تخترق الدولة من الشرق إلى الغرب.
وتظهر الغابات الاستوائية وغابات المنجروف في الجنوب في الإقليم الساحلي والسهول الساحلية حتى حافة الهضبة الأفريقية على وجه التقريب، وتتسع الغابات في الشرق وفي دلتا النيجر، ثم تبدأ في الضيق والاقتراب من الساحل في الغرب. ونظرا لقرب هذا النطاق الاستوائي من مراكز استهلاك الأخشاب والمنتجات الغابية الاستوائية في أوروبا، فإن غابات نيجيريا الاستوائية - وأيضا غابات غانا وساحل العاج - تستغل استغلالا طيبا أكثر من نطاق الغابات المماثل في حوض الكنغو، وقد سهل لذلك وقوع هذه الغابات على الساحل مباشرة. ومن أهم المنتجات المستغلة نخيل الزيت في جنوب شرق نيجيريا، والكاكاو والمطاط في جنوب غرب نيجيريا، وقطع الأخشاب حرفة أساسية في الجنوب الغربي والدلتا، ويستهلك بعض الخشب محليا للبناء والأثاث والوقود، والبعض - خاصة الأنواع الجيدة - تصدر للخارج، وتنقل الأشجار المقطوعة بواسطة الأنهار الصغيرة أو روافد الدلتا إلى موانئ التصدير، حيث توجد محطات نشر الخشب المجهزة تجهيزا حديثا.
ويلي النطاق الاستوائي مباشرة الغابات الاستوائية الثانوية، وهي أقل كثافة من النطاق الجنوبي، وتختلط الأشجار بالنمو العشبي، والحد الشمالي لهذا النوع النباتي يقع إلى الجنوب قليلا من التقاء البنوي والنيجر، مع ميل إلى الاقتراب من الساحل في الشرق والغرب على حد سواء، وإلى الشمال من هذا الحد تسود السفانا الشجرية الإقليم الشمالي بدرجات مختلفة؛ فهي في الجنوب أكثر أشجارا، وفي الوسط أطول حشائش، وفي الشمال تقل الأشجار كثيرا وتقصر الحشائش، وفي أقصى الشمال الشرقي - خاصة حول بحيرة تشاد - تسود السفانا القصيرة والنباتات شبه الصحراوية، مع ظهور أشجار السنط والسنط الشوكي، ولا يكسر هذا التدرج سوى نمو شجري كثيف نسبيا في منطقة جوس وخاصة المناطق العالية، وذلك بتأثير الارتفاع.
وتتميز التربة في غرب أفريقيا بسيادة اللاتريت وارتفاع نسبة الحديد في التربة على وجه العموم، إلا في مناطق التربة الفيضية وخاصة في دلتا النيجر.
ومن أخطر المشاكل التي تعانيها التربة في نيجيريا الجنوبية استخدام الآلات الحديثة في الزراعة، وتؤدي إلى قلقلة التربة القليلة السمك وتعرضها للجرف بواسطة الأمطار، بينما نجحت هذه الوسيلة في الزراعة في إقليم السفانا. (4) الدراسة البشرية (4-1) السكان
في التقديرات والإحصاءات القديمة لسكان نيجيريا كان عدد السكان في حدود 30 مليونا، حتى كان إحصاء 1961 الذي قدر عدد السكان ب 35,7 مليونا، ولكن أول إحصاء نيجيري شامل تم عام 1963، وفيه كان عدد السكان 55,6 مليونا. وقد سبق أن ذكرنا أنه مهما كانت الدقة غير مراعاة في إحصاء 1963، إلا أن الحقيقة الثابتة أن عدد سكان نيجيريا كبير، بل هو أكبر عدد سكان بالنسبة لدول أفريقيا قاطبة، ولا شك أن ذلك يؤيده كثرة السكن المدني والتجمع القروي الكثيف، وهما من علامات كثرة السكان.
1
وبالإضافة إلى ذلك التقدم الصحي والاقتصادي في شرق وغرب نيجيريا، وعلى وجه الخصوص في شمال نيجيريا التي أخذ الناس استصلاح آلاف الأفدنة فيها من أجل الزراعة، وتحول الكثير من أراضي المرعى إلى الزراعة، مع القضاء على مرض النوم وإزالة الأحراش، وامتداد السكن البشري إلى مناطق لم تكن مأهولة من قبل، وعلى الأخص في إقليم برنو في الشمال الشرقي، ويرمز إلى بداية استغلال تلك المنطقة الكبيرة من نيجيريا مد خط حديدي من وسط نيجيريا إلى مايدوجوري عاصمة برنو.
وإلى وقت قريب كانت نيجيريا مقسمة إلى عدة أقسام إدارية هي الشمال والشرق والغرب، ثم منطقة الكمرون - البريطانية الأصل - في أقصى الشرق، ومنطقة إدارية أخرى غرب دلتا النيجر مباشرة سميت الغرب الأوسط، وقد انقسمت منطقة الكمرون إلى قسمين: الشمالي انضم إلى نيجيريا وأدمج في الإقليم الشمالي من الدولة، والكمرون الجنوبي الذي انفصل تماما عن نيجيريا وانضم إلى جمهورية الكمرون. والتقسيم السياسي للدولة في الوقت الحاضر يفرق بين ثلاثة أقاليم هي: الشمال والشرق والغرب، وقسم فدرالي هو منطقة لاجوس - عاصمة الاتحاد.
2
ولكل قسم من الأقسام الثلاثة حكومة خاصة به.
ويشتمل الإقليم الشمالي على 55٪ من مجموع السكان، بينما يشتمل الإقليم الشرقي على 25٪، والغربي على 20٪ من السكان، والكثافة السكانية متوسطة إلى قليلة في الشمال، وتقوم حياة السكان على الرعي أو الزراعة أو عليهما معا مع بعض التعدين في مناطق متفرقة أهمها هضبة جوس. والرعي في المناطق الشمالية والشرقية من الإقليم الشمالي هو الحرفة الأساسية مع بعض الزارعات في النطاق الأوسط وحول المدن، أما الزراعة فأشيع ما تكون في جوس وفي وادي البنوي والنيجر الأوسط، ويضاف إلى ذلك صيد السمك النهري في مناطق عديدة من النيجر الأوسط (إقليم النبه)، وحول مراكز المدن في الإقليم الشمالي قامت أخيرا زراعة مختلطة بين تربية الحيوان وزراعة المحاصيل النقدية؛ وذلك لتوفر سوق المدينة من ناحية وللرعاية البيطرية للحيوان من ناحية أخرى.
جدول 4-2: المدن النيجيرية الكبرى. *
الإقليم الغربي
الإقليم الشرقي
الإقليم الشمالي
المدينة
عدد السكان بالآلاف
المدينة
عدد السكان بالآلاف
المدينة
عدد السكان بالآلاف
إيبادن
758
بورت هاركوت
217
كانو
347
أوجبوموشو
386
أونيتشا
197
إيلورين
252
أوشوجبو
252
إينوجو
167
زاريا
200
أبيكوتا
226
أبا
Aba
158
كادونا
181
إيليشا
200
مايدجوري
169
إيو
Iwo
191
كاتسنا
109
أدو
Ado
190
موشين
167
إدي
Ede
162
إيلا
138
أويو
Oyo
135
إيكيري
Ikirre
129
بنين
121
سكان مدن مائة ألف وما يزيد إلى سكان نيجيريا
إسيين
Iseyin
115 (تقديرات 1970) = 11٪ *
الأرقام عن الكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة عام 1970.
العاصمة الاتحادية (لاجوس): مليون شخص
أما في الإقليمين الشرقي والغربي، فإن الزراعة هي عماد الحياة الاقتصادية، وتبلغ الكثافة السكانية الزراعية في شرق نيجيريا حدا لا مثيل له في أفريقيا - باستثناء الكثافة السكانية الزراعية في ج. ع. م. وفي رواند بورندي، وعلى الشواطئ الكينية والأوغندية من بحيرة فكتوريا. أما في غرب نيجيريا فالكثافة السكانية العالية ترجع إلى السكن المدني الذي يكاد ألا يكون له نظير آخر في أفريقيا. ويوضح الجدول
4-2
المدن التي يزيد عدد سكانها في نيجيريا عن مائة ألف شخص موزعة على الأقاليم الثلاثة لكي تتضح لنا كثافة السكن المدني في الغرب.
ومعنى هذه الأرقام أن حوالي 25٪ من سكان الإقليم الغربي سكان مدن كبيرة، بينما تقل هذه النسبة إلى 7٪ في الشرق، وحوالي 5٪ في الشمال، ولكن يعوض ذلك التجمع السكني في قرى عديدة في الشرق ومدن صغيرة في الشمال.
وحسب إحصاء 1963 كان سكان نيجيريا يتوزعون على الديانات التالية:
26,2 مليونا مسلمون، ويكونون حوالي نصف سكان الدولة، 19,2 مليونا مسيحيون، 10,1 ملايين ديانات أخرى (وثنيون).
ويسود المسلمون في شمال نيجيريا ووسطها، ويمتدون إلى جنوب غرب نيجيريا، بينما يتمركز المسيحيون في الجنوب وينشط التبشير المسيحي بين وثنيي هضبة جوس في الشمال، وتدعو الكنيستان البروتستانتية والكاثوليكية أتباعا يقدر عددهم بمليونين ونصف المليون لكل منهما، وإلى جانب ذلك فإن هناك كنائس أفريقية أخرى كثيرة يتبعها بقية المسيحيين في الشمال - مثل كنيسة السودان الداخلي، وكنيسة السودان المتحدة - والملاحظ أن الإسلام ينتشر بكثرة وسرعة تجاه الجنوب، رغم بعض العقبات التي وضعتها حكومة الاستعمار والهيئات التبشيرية. (أ) اللغات في نيجيريا
ينقسم سكان نيجيريا لغويا إلى عدة مجموعات تنتمي إلى العائلات اللغوية الرئيسية التالية:
عائلة كوا
kwa :
وهي فرع مجموعة عائلات اللغات الزنجية الغربية، وتشتمل على لغات القبائل الزنجية في الجنوب والوسط، ويمثلها الأيبو في الشرق، واليوربا في الغرب، والجواري والنبه والإيجبيرا على النيجر الأوسط وجنوب كادونا.
عائلة تشاد الحامية:
وهي جزء من مجموعة اللغات الحامية، وأهم ممثلين لها الهوسا في الشمال.
عائلة اللغات الأفريقية الوسطى:
وتمثلها لغة الكانوري والكانمبو في برنو في الشمال الشرقي.
خريطة رقم (64): اللغات والجماعات في نيجيريا.
مجموعة اللغات الحامية والسامية: (أ) لغات تشاد الحامية «الهوسا». (ب) اللغة العربية «قبيلة الشاوية».
مجموعة لغات أفريقيا الغربية : (ج) الأطلنطية الغربية «الفولاني أو الفولبة». (د) لغات تشاد. (ه) لغات منعزلة (غير مصنفة): مجموعات قبلية منعزلة في هضبة جوس: (1) جاراوه. (2) جيراوه. (3) أفوصار (جاراوه الجبل). (4) البيروم. مجموعات البنوي: (5) الجوكون. (6) شامبا. (7) تيف. مجموعات الجنوب: (8) أيبيبيو. (9) إيديو
Idio . مجموعات الغرب: (10) كمبيري ودكاكيري. (و) مجموعة كوا
Kwe
اللغوية: (1) الأيبو. (2) الإيدو. (3) اليوربا. (4) إيجالا. (5) إيجبيريا. (6) نيه أو نيوب. (7) جواري.
مجموعة اللغات الأفريقية الوسطى: (1) الكانوري - موبر.
عائلة اللغة العربية:
وتمثلها مجموعة صغيرة من العرب تسمى الشاوية في جنوب برنو.
لغة الفولاني:
غير متفق تماما على تصنيفها، وتنتشر حيث انتشر الفولاني الرعويون في شمال نيجيريا وجنوب شرق الإقليم الشمالي (حول سوكوتو - كنو - جوس - جنوب شرق البنوي).
لغات منعزلة:
غير متفق على تصنيفها أيضا - في الماضي أطلق عليها شبه البانتويه - وتنتشر أساسا في حوض البنوي (التيف - الجوكون - الشامبا)، ومناطق من هضبة جوس (بيروم - جاراوا - أنجاس)، وفي جنوب شرق نيجيريا (الإيبيبيو)، وفي دلتا النيجر (الأيديو
Idio )، ومناطق أخرى شرق شلالات بوسا (كمبيري ودكاكيري). (ب) المجموعات والقبائل النيجيرية الرئيسية
أكبر مجموعة لغوية وحضارية من سكان نيجيريا قاطبة: هي مجموعة الهوسا الذين يبلغ تعدادها حسب تقدير 1952 قرابة ستة ملايين شخص، ويتركزون في الشمال فيما يعرف باسم دول أو إمارات الهوسا السبع الأصلية (جوبير وكاتسينا وكنو ورنو ودواره وبيرام)، ودول الهوسا السبع الإضافية (كبي، نبه، جواري، جلوة، إيللورين، زامفارا، كورورفا أو الجوكون).
ويعد الأستاذ سلجمان الهوسا من مجموع زنوج غرب أفريقيا، وإن كنا لا نعفيهم من اختلاط كبير بالحاميين نتيجة تطرف موقعهم إلى الشمال بالقرب من الصحراء، ولا أدل على ذلك من أن لغتهم أساسا حامية، وهم متوسطو القامة، سود البشرة، وملامح الوجه أنعم وأدق من ملامح الزنوج الأصليين الذين يعيشون في النطاق الجنوبي، وهم مزارعون ممتازون وتجار نشيطون ومحاربون أشداء، وعندهم حب للمغامرة والهجرة؛ ولذلك انتشرت لغتهم كلغة تخاطب أفريقية في القسم الشرقي من غرب أفريقيا، وفي الكمرون حتى الكنغو الغربي، ونتيجة لذلك نجدهم منتشرين في مجموعات عديدة في هذه الأقاليم الواسعة، بل تمتد مجموعات منهم أيضا في الشمال حتى طرابلس، وفي الشرق حتى السودان، وهم يعيشون في أحياء خاصة بهم في المدن، ولقد دخل الإسلام إقليم الهوسا في القرن الرابع عشر الميلادي، وأسهموا كثيرا في نشر الإسلام في معظم نيجيريا، خاصة بعد هجرة الفولاني إلى نيجيريا في أواخر القرن الثامن عشر وسيطرتهم على الهوسا.
و«الفولاني» هي المجموعة القوية الثانية في الإقليم الشمالي، ويبلغ عددهم 2,5 مليون على وجه التقريب (تقدير 1952)، ويتركزون في مناطق معينة من الإقليم الشمالي، وخاصة في منطقة سوكوتو وكنو وجوس والضفة الجنوبية للبنوي والهضاب الشرقية المؤدية إلى الكمرون، حيث تمتد مجموعات عديدة أخرى من الفولاني، ويظهر اسم الفولاني في صور عديدة حسب نطق بعض اللهجات الأفريقية والأوروبية، وهو يظهر دائما في مجموعة اللغات الأفريقية الغربية وفي الفرنسية باسم فولبة أو فول أو بيل، ويسمون أيضا في وادي النيل باسم الفلاتة، ويبدو أن الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم - وخاصة في غرب أفريقيا هو فولبة - ويظهرون في غير نيجيريا في السنغال ومالي وغينيا في الغرب، وفي جمهورية النيجر والكمرون وتشاد ودارفور في الشرق، ويقال إنهم أصلا هجرة من صعيد مصر استمرت في طريقها في السودان ونطاق السفانا حتى السنغال وفوتا جالون في غينيا، ثم ارتدت منهم هجرة أخرى من الغرب إلى الشرق وصلت شمال نيجيريا والكمرون في أواخر القرن الثامن عشر.
وأحدث ظاهرة تاريخية في حياة الفولاني الحديثة تجمعهم بقيادة أحد أتقيائهم، ويسمى عثمان دن فوديو، وتمكنهم من هزيمة إمارات الهوسا وتكوين إمبراطورية الفولاني في شمال نيجيريا وهضاب الكمرون عام 1802، وأحد أحفاد هذا الزعيم هو أحمدو بلو رئيس وزراء نيجيريا الشمالية الذي قتل في انقلاب أوائل 1966. والفولاني في رأي الباحثين جميعا حاميون اختلطوا بالزنوج، ولغتهم ما زالت غير مصنفة، وهناك في الوقت الحاضر دراسات لغوية يقوم بها الباحثون من النمساويين والألمان بين الفولاني، ولهم صفات مميزة في مظهرهم الجسدي؛ فهم نحاف طوال القامة، وبشرتهم فاتحة بالنسبة للهوسا وغيرهم من الشعوب المحيطة، وهم على خلق قويم وجانب كبير من الأمانة، كما أنهم متحفظون ومحافظون على التقاليد.
ولا يزال بعض الفولاني يمارسون الرعي، وهؤلاء هم أنقى مجموعات الفولاني من ناحية تمثيلهم للصفات السلالية الأصلية غير المختلطة بالزنوج، وبعضهم استفلح الأرض واستقر، وهؤلاء بدأت تظهر فيهم الصفات الزنجية نظرا للتزاوج المستمر مع الزنوج.
ويلي الهوسا والفولاني مجموعات قبلية أصغر عددا، أكبرهم الكانوري - سكان برنو - في الشمال الشرقي، ويزيد عددهم عن 1,3 مليون، ثم التيف
Tiv
في حوض البنوي الأدنى، وعدده ثلاثة أرباع المليون، ثم ثلث مليون من النبه، ثم عشرات الآلاف من الإيجبيرا على النيجر الأوسط والجوكون في أواسط البنوي، وغيرهم كثير في جوس والأماكن المتطرفة شرقا وغربا.
وفي الإقليم الشرقي نجد مجموعتين قبليتين رئيسيتين هما: «الأيبيبيو» في الشرق (نهر كروس)، و«الأيبو» فيما بين النيجر ودلتاه غربا والأيبيبيو في الشرق، والأيبو هم أكبر مجموعة في شرق نيجيريا، وثاني مجموعة من ناحية العدد في نيجيريا كلها، ويبلغ عددهم (تقدير 1952) حوالي خمسة ملايين شخص، وهم من الزنوج الخلص ويعيشون على الزراعة (اليام والكسافا للغذا المحلي)، وعلى زيت النخيل كمحصول تجاري، ويسكنون قرى عديدة داخل الغابات والأحراش، ويتنافسون بشدة مع اليوربا على زعامة النصف الجنوبي من نيجيريا.
أما الإقليم الغربي فهو موطن مجموعة «اليوربا-بنين» التي يبلغ عددها قرابة خمسة ملايين، واليوربا سلالة خليطة من الزنوج ومهاجرين من الشمال. وتقول تواريخ اليوربا الشفاهية إنهم قد وفدوا من حوض النيل - من مصر غالبا - منذ قرابة ألف سنة، وتذكر هذه التواريخ أن مدينة إيفي قد غزتها جماعات قادمة من الشمال، وانتقلت عاصمة اليوربا بعد ذلك إلى أويو. وكانت مملكة اليوربا عسكرية النزعة والنظام، ولكن القسم الشمالي سقط في أيدي الفولاني واستقل عن القسم الجنوبي بعد حروب أهلية عديدة. واليوربا مزارعون ولكنهم - على عكس الأيبو - يفضلون حياة المدن، ومن ثم سهل تغلغل الإسلام والمسيحية بينهم، وسهل نموهم السكاني نتيجة الرعاية الصحية وانتشار التعليم، وحدود الإسلام في منطقة اليوربا قد وصل إلى إيبدان التي يتكون قسم كبير من سكانها من المسلمين، ولليوربا والبنين تاريخ مشهود في الفنون التشكيلية الأفريقية من الخشب المطعم أو الأبنوس المطعم بالذهب، والتماثيل الذهبية والنحاسية والأقنعة وما إلى ذلك من منتجات لها أهميتها العظيمة في تاريخ الفن الزنجي الأفريقي. (4-2) النشاط الاقتصادي
نظرا لضخامة نيجيريا وتنوع أقاليمها الطبيعية ووقوعها داخل المنطقة الاستوائية والسودانية معا، فإن النشاط الاقتصادي في هذه الدولة متنوع وعديد، وسنعالج موضوع النشاط الاقتصادي على حسب نوع النشاط وأقاليمه. (أ) اقتصاديات النطاق الاستوائي
تعد نيجيريا - رغم قلة مساحات الغابات الاستوائية فيها بالمقارنة بالكنغو وغيرها
3 - أكبر دولة أفريقية مصدرة للأخشاب، ومع ذلك فإن كمية الأخشاب التي تستهلكها محليا أكبر من الكمية التي تصدرها للخارج، وهذا يدل على مدى التوسع في استغلال موارد الغابات النيجيرية، ولولا أن نيجيريا تنتهج سياسة جيدة في استغلال الغابات، لما أمكن لها أن تستمر في استغلال هذا المورد الهام. وتنص هذه السياسة على أن تقطع الأشجار في منطقة ما، ثم تترك دون استغلال حتى تنمو فيها الأشجار طبيعيا مرة أخرى، وهذه السياسة تسعى للمحافظة على مساحات الغابات في حدود الإمكان، ولكنها لا تسعى إلى زيادة المساحة بزراعة الأشجار، أو تشجير مناطق أخرى بأنواع من الأخشاب المطلوبة، وكما أنه في قطع الأشجار لا تتبع سياسة اختيار النوع، بل تقطع الأشجار على اختلاف أنواعها؛ وذلك ليتسنى للغابة أن تنمو طبيعيا على صورة مشابهة لما كانت عليه من قبل.
وتبلغ مساحة الغابات في نيجيريا 319 ألف كيلومتر مربع؛ ويعني ذلك أن حوالي ثلث نيجيريا مغطى بالغابات، وليست كل هذه المساحة غابات استوائية بالمعنى المفهوم، فهناك أحراش كثيرة تحتل مساحات كبيرة من الدولة وخاصة في الإقليم الشمالي، ومساحة الأراضي التي يمكن أن تعد غابات تستغل فقط في شتى نواحي الاستغلال الغابي قرابة 67 ألف كيلومتر مربع، أي قرابة 7,5٪ فقط من المساحة الكلية للدولة، وتتوزع هذه المساحة بنسب مختلفة في أقاليم الدولة؛ فهناك سبعة آلاف كم
2
في الإقليم الشرقي، و18 ألفا في الإقليم الغربي، و41 ألفا في الإقليم الشمالي، وبعبارة أخرى فإنه إذا كان نصيب الغابات 7٪ في الدولة، فهو في الإقليم الشمالي 5٪ فقط من مساحته؛ نظرا لضخامة المساحة (729000كم
2 )، ولتوغل هذا الإقليم في الداخل بعيدا عن المناخ الاستوائي، و10٪ من مساحة الإقليم الشرقي، و16٪ من مساحة الإقليم الغربي.
والسبب في قلة مساحات الغابات الاستوائية في الإقليم الشرقي راجع إلى كثافة السكن الريفي للأيبو واستغلالهم الأراضي داخل الغابة للزراعة.
قطع الأخشاب
نظرا لظروف الموقع، فإن الإقليم الغربي يأتي في مقدمة أقاليم نيجيريا في استغلال المورد الغابي، فهنا مجموعة عديدة من الأنهار الصغيرة التي تنحدر من حافة الهضبة إلى الساحل، بالإضافة إلى فروع دلتا النيجر العديدة والأنهار الصغيرة التي تجري في إقليم بنين والملحقة أيضا بدلتا النهر الكبير، وهذه الأنهار من أهم الشروط في إمكانية استغلال الغابات دون تكلفة نقل كبيرة، ولهذا نجد أن قرابة 80٪ من أخشاب نيجيريا يأتي من الإقليم الغربي.
وأهم مراكز قطع الأشجار توجد في إيجييوا وأوندا وجنوب إقليم بنين. وإلى جانب ذلك تستغل بعض مصادر الغابات في الإقليم الشرقي وخاصة حول نهر كروس.
ويبلغ مجموع صادرات نيجيريا من الأخشاب قرابة نصف مليون متر مكعب، يتجه قرابة 80٪ منه إلى بريطانيا، ويصدر الخشب في صورة كتل أو ألواح، وقد أنشأت شركة الأخشاب والأبلكاش الأفريقية مصنعا لتقطيع الخشب إلى ألواح في ميناء سابليه في إقليم بنين، يعد من المصانع الحديثة في العالم، ولا نظير له في بقية أفريقيا، ويصدر معظم إنتاجه إلى الولايات المتحدة. وإلى جانب مينائي لاجوس وكلابار، توجد موانئ أخرى صغيرة في دلتا النيجر تتعامل في تجارة الأخشاب نذكر منها: واري
Warri ، وبوني
Bonny ، وبوروتو، وكوكو.
نخيل الزيت
ليست الأخشاب هي كل أوجه الاستغلال الاقتصادي لنطاق الغابات الاستوائية في نيجيريا، فهناك العديد من أوجه الاستغلال، ولكننا لن نناقش منها سوي أهمها وهي نخيل الزيت والمطاط والكاكاو، فالنخيل الذي ينمو بأعداد هائلة يستغل في نواح كثيرة، منها الأخشاب الخاصة ببناء الأكواخ، والخوص الذي تعمل منه الجدائل بشتى الأشكال من الحصر إلى الحبال، ولكن أهم فوائد هذا النخيل هو الثمر الذي تستخرج منه الزيوت التي يستفاد بها محليا منذ قديم الزمن في طهي الطعام كبديل للدهون الحيوانية القليلة - نظرا لوجود ذبابة تسي تسي - ويماثل بذلك سكان البحر المتوسط الذين يستخدمون زيت الزيتون بكثرة لقلة الحيوانات في الإقليم، وتحويل مساحات الأراضي إلى الزراعة في هذا الإقليم نظرا للكثافة السكانية العالية، وإلى جانب استخدام زيت النخيل في غرب أفريقيا في الطعام، فهو يستخدم أيضا في الإضاءة.
وحينما دخلت نيجيريا مجال الاقتصاد الحديث تحول محصول زيت النخيل إلى سلعة تجارية على جانب كبير من الأهمية بالنسبة لتجارة الدولة؛ إذ تقدر صادراته بثلث قيمة مجموع صادرات نيجيريا.
ويستهلك نصف إنتاج الزيت محليا والباقي يصدر، ولكن نواة الثمرة تصدر كلها، ولا تزال نيجيريا تتصدر العالم في صادرات زيت النخيل ونواة النخيل، ويبلغ نصيبها حوالي 50٪ من مجموع ما يدخل في التجارة العالمية من هذا الإنتاج.
وفي عام 1970 بلغ الإنتاج العالمي لزيت النخيل 1,79 مليون طن، كان نصيب أفريقيا منه 59٪، وقد كان إنتاج نيجيريا في تلك السنة 488 ألف طن (27,2٪ من الإنتاج العالمي)، وينافسها في الإنتاج من الدول الأفريقية زائيري = (11٪ من الإنتاج العالمي). وتدل هذه الأرقام على صدارة نيجيريا، خاصة وأن زائيري قد هبط إنتاجها من مائتي ألف طن عام 1963، إلى 197 ألفا عام 1970، وكذلك تتصدر نيجيريا الدول الأفريقية في صادرات نواة النخيل، وغالبية صادرات الزيت والنواة تتجه إلى بريطانيا.
وفي الوقت الذي تتركز فيه أهم مصادر الأخشاب في الإقليم الغربي، فإن أهم منطقة تركز لنخيل الزيت تقع في الإقليم الشرقي بالإضافة إلى إقليم بنين، فظروف المطر والحرارة في هذين الإقليمين أصلح لنمو نخيل الزيت من الإقليم الغربي، وإلى جانب النخيل الذي ينمو طبيعيا، فإن هناك مزارع حديثة خاصة بنخيل الزيت تتركز في سابيليه وكلابار، وهي تعطي أنواعا ممتازة من الزيت.
المطاط
في القرن التاسع عشر كان المطاط الطبيعي يجمع من غابات نيجيريا، وفي السنوات السابقة للحرب العالمية الأولى بدأت زراعة المطاط، وخاصة في إقليم بنين وحول سابيليه وفي بعض مناطق الإقليم الشرقي، ومعظم الإنتاج في أيدي الأفريقيين. وقد أنشأت حكومة غرب نيجيريا مصنعا ضخما لتصنيع الكريب وألواح المطاط من النوع الممتاز، ولا نظير لهذا المصنع حتى في الملايو، رغم أنها أكبر مراكز إنتاج المطاط في العالم، وتبلغ مساحة مزارع المطاط حوالي ثمانية آلاف هكتار مركزة في سابيليه وكلابار وأوبان. ويلقى هذا المحصول اهتماما متزايدا، ويدل على ذلك أن الإنتاج عام 1952 كان 13 ألف طن متري، بينما كان إنتاج ليبيريا 31 ألف طن، وفي عام 1970 ارتفع إنتاج نيجيريا إلى 65 ألفا، وأصبح بذلك أعلى قليلا من ليبيريا (64,7 ألف طن)، وأصبحت نيجيريا تتصدر قائمة منتجي المطاط الأفريقي الذي يساوي 6,5٪ من الإنتاج العالمي.
الكاكاو
في الإقليم الغربي الذي تميز بكثرة مصادر الخشب والمطاط وقلة مصادره من نخيل الزيت، نجد أكبر مزارع الكاكاو، وذلك لملائمة الظروف الطبيعية لنمو هذا النبات الحساس (من أهم الشروط قلة محسوسة في المطر الاستوائي في الغرب عنه في شرق نيجيريا راجع [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية - الفصل الرابع: نيجيريا - المناخ والنبات].)
ولقد كان لارتفاع أسعار الكاكاو فيما بعد الحرب العالمية الثانية أثر واضح في زيادة التوسع في إنتاج الكاكاو الذي بدأت زراعته في نيجيريا عام 1874، وعلى الرغم من أن دخول الكاكاو نيجيريا قد سبق دخوله في غانا بحوالي خمس سنوات، إلا أن غانا قد فاقت نيجيريا في الإنتاج، وربما كان من بين أسباب ذلك ملائمة المطر والتربة في غانا عن نيجيريا.
ويتركز إنتاج الكاكاو حول إيبدان وأويو وأوندو، وكلها تقع إلى الشمال من لاجوس، وتقدر المساحة المزروعة كاكاوا حوالي مائتي ألف هكتار، وعدد المنتجين 175 ألفا. وفي عام 1953 كان الإنتاج 105 آلاف طن متري، ارتفع إلى 218 ألف طن عام 1970، وفي كلتا السنتين كان هذا الإنتاج يساوي حوالي نصف إنتاج غانا، وعلى هذا تصبح نيجيريا الدولة الثانية بعد غانا من بين دول العالم المنتجة للكاكاو، ويحتل الكاكاو مركزا ممتازا في تجارة الصادرات النيجيرية؛ إذ تبلغ قيمة صادرات الكاكاو حوالي ربع قيمة الصادرات النيجيرية كلها. (ب) الثروة الحيوانية
جدول 4-3: الثروة الحيوانية في نيجيريا (بالآلاف) 1959 و1970. *
النوع
الجملة 1970
الجملة 1959
الإقليم الشمالي 1959
الإقليم الشرقي 1959
الإقليم الغربي 1959
الماشية
11550
3445
3350
125
70
الأغنام
8000
4520
3200
700
620
الماعز
23400
12920
10300
1300
1320
الخنازير
820
502
240
22
240 *
الأرقام عن الكتاب السنوي للإنتاج: هيئة الأغذية والزراعة، سنوات 1964 و1970.
ويوضح هذا الجدول كيف تتفاوت تقديرات الثروة الحيوانية كثيرا، برغم أن المصدر الذي قدر أعداد الحيوان واحد - هو هيئة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة. ومهما تكن حقيقة الأرقام، فإن المؤكد أن الإقليم الشمالي يستأثر بأكبر عدد من الحيوان على اختلاف نوعه، كما يتضح ذلك من دراسة الخريطة رقم (65)، وذلك أمر طبيعي ومفهوم، فالإقليمان الشرقي والغربي يظهر فيهما ذباب تسي تسي بكثرة، كما أن الغابات تغطي مساحات كبيرة منهما، وبالإضافة إلى ذلك فإن سكانهما يعيشون على الزراعة أساسا، أما الإقليم الشمالي فهو خال إلى حد كبير من ذبابة تسي تسي، ومعظم أراضيه سفانا شجرية أو سفانا خالية من الأشجار ، ويضاف إلى ذلك أن الكثير من سكانه - وعلى رأسهم الفولاني - رعاة أساسا، وعلى الرغم من سيادة الإسلام في الإقليم الشمالي، إلا أن ظهور أعداد الخنازير مرتبط بالقبائل الوثنية التي تتركز غالبا في هضبة جوس وفي بعض مناطق وادي البنوي.
ويكون الماعز أكبر ثروة حيوانية في نيجيريا؛ لانتشاره في كل الأقاليم ولتحمله ظروفا مختلفة من الحياة، وهناك نوع من الماعز النيجيري له أهمية خاصة، ذلك هو الماعز ذو الجلد الأحمر المعروف بماعز سوكوتو، ولجلده شهرة في عمل المصنوعات الجلدية الغالية الثمن، وتجارة الجلد الأحمر قديمة عرفتها قوافل الإبل من شمال نيجيريا والنيجر عبر الصحراء الكبرى إلى مراكز تشغيل الجلود التقليدية في مدن المغرب، وما زال لمصنوعات هذا الجلد أهمية خاصة في أسواق أوروبا وأمريكا، لما لها من طابع سياحي، وقد حاولت بريطانيا تهجين ماعز سوكوتو بماعز جبلي بريطاني، ولكن التجربة فشلت؛ لأن الجلود الناجمة عن هذا التهجين قد أصبحت ضعيفة.
وتنتشر أنواع من أبقار الفولاني في شمال نيجيريا، ولكن قيمة الماشية النيجيرية في الإقليم الشمالي قيمة قليلة فيما يختص باللحم واللبن؛ فوزن رأس الماشية حيا لا يزيد عن 250 كيلوجراما، بينما يصل إلى 400كجم في المتوسط في أبقار أوروبا وأمريكا، ووزن اللحم الصافي 110كجم أو أقل في نيجيريا بالنسبة للبقرة، بينما هو في حدود مائتي كجم في أوروبا. ورغم ضعف هذه الماشية بالنسبة لمثيلاتها الأوروبية، إلا أنها لا تفترق كثيرا عن بقية الماشية الأفريقية من ناحية، وتصبح من ناحية أخرى، في وضع أفضل بالنسبة لماشية الإقليمين الشرقي والغربي من نيجيريا، اللذين تنتشر فيهما ماشية صغيرة تسمى ماشية غرب أفريقيا قصيرة القرن.
خريطة رقم (65): خريطة نيجيريا الاقتصادية. (أ) اقتصاديات الحقل التجارية: (1) مناطق زراعة التبغ. (2) نطاق الفول السوداني. (3) مناطق الإنتاج الرئيسية للفول السوداني والقطن. (4) نطاق القطن في الإقليمين الشمالي والغربي. (5) نطاق إنتاج سمسم بني (حوض البنوي). (6) نطاق نخيل الزيت. (7) نطاق الكاكاو. (8) مزارع المطاط. (9) النطاق الرئيسي لقطع الأشجار. (ب) إنتاج الغذاء للاستهلاك المحلي: (1) نطاق الدخن والدخن كبير الحب، والأرز (مستنقعات بيدا في حوض نهر كادونا الأوسط والأدنى ). (2) نطاق اليام والذرة، والأرز (سهل النيجر وشمال شرق الإقليم الشرقي)، بالإضافة إلى الدخن في القسم الشمالي من هذا النطاق. (3) مناطق تربية الحيوان الرئيسية. (ج) إنتاج المعادن: (1) مناطق التعدين الرئيسية (جوس وإينوجو). (2) منطقة إنتاج البترول. (د) المدن: (1) نباتات المستنقعات الدولتاوية والساحلية.
ونظرا لضخامة أعداد سكان نيجيريا وللتركز المدني في بعض الأقاليم، فإن استهلاك نيجيريا من اللحم كبير نسبيا، ويقدر ما يذبح سنويا بأكثر من مليون رأس من الأبقار، وثلاثة ملايين رأس من الماعز والأغنام؛ ولذلك فتجارة اللحم الداخلية على جانب كبير من الأهمية في نيجيريا، بالإضافة إلى تجارة الجلود الهامة. ومعظم تجارة اللحم تتجه من الإقليم الشمالي في اتجاه مدن اليوربا ومراكز التعدين في الإقليم الشرقي، وأهم مركز لتجمع تجارة اللحم والماشية الحية في الشمال هي كنو، حيث يتم النقل بواسطة السكة الحديدية أو بواسطة سيارات التبريد الخاصة، ولو أنها لا تستطيع منافسة السكة الحديدية لرخص أسعارها. ويضاف إلى ذلك كثير من الماشية التي تنتقل على الأقدام في «طرق ماشية» معروفة من الشمال إلى الجنوب، ولكن هذه الطريقة تؤدي إلى هزال الحيوان الذي يسير ما بين عشرين وستين يوما، ليصل إلى سوق الاستهلاك في الجنوب.
ولا شك أن تحسين سلالة الحيوان مرتبط بانتشار الخدمة البيطرية، ومكافحة ذباب تسي تسي، وتحسين غذاء الماشية، وزراعة برسيم أو غيره من هذه الأغذية، وبالتالي انتهاج سياسة الزراعة المختلطة مما قد يساعد على تثبيت أقدام الرعاة المتنقلين. ولقد أظهر الفولاني استعدادا طيبا في هذا المجال، إذا ما خصصت لهؤلاء الرعاة ملكيات ثابتة مشروعة محمية بواسطة القانون، كما يشترط أيضا أن تتوافر في هذه الأراضي مصادر للماء والغذاء للماشية وللسكان معا.
وفيما يختص بمنتجات الألبان، فإنها ما زالت متأخرة في نيجيريا على العموم، ويسعى الفولاني إلى زيادة مكاسبهم عن طريق إجادتهم لهذه السلع، ولكن الأمر يحتاج إلى جهد وتعليم ورأسمال، وهناك بعض مراكز حديثة لتصنيع منتجات الألبان من أهمها ما هو موجود في كنو وجوس وفوم. (ج) الإنتاج الزراعي
على الرغم من أن حكومة نيجيريا في خلال عهد الاستعمار البريطاني، قد خصصت مساحات صغيرة من نيجيريا للأوروبيين لكي يمتلكوا مزارع داخل المستعمرة، إلا أن عددهم كان قليلا ولم تزد ملكياتهم عن 16 ألف فدان، ولهذا فإن النمو الزراعي في نيجيريا قد قام حقا على أكتاف الملاك النيجيريين أو هيئات وشركات زراعية حكومية.
محاصيل الغذاء
كما هو الحال في معظم أفريقيا فإن الإنتاج الزراعي في غالبه موجه إلى الكفاية الذاتية، وعلى رأس هذه المحاصيل المدارية تأتي الدرنيات، ومن أهمها: اليام والكاسافا وكوكويام، بالإضافة إلى الدخن والذرة والأرز. ويوضح الجدول التالي إنتاج بعض هذه المحاصيل:
جدول 4-4: إنتاج المحاصيل الغذائية التقليدية 1970. *
المحصول
المساحة ألف هكتار
الإنتاج ألف طن
مردود الهكتار بالكيلوجرام
السرغم
4000
3500
880
الدخن
3400
2800
820
اليام والبطاطا
1700
12500
740
الذرة
1100
1220
1110
الكاسافا
1000
6800
680
الأرز
250
400
1600 *
الأرقام عن كتاب الإنتاج السنوي لهيئة الأغذية والزراعة 1970.
ولكن من هذه المحصولات توزيع جغرافي مرتبط بالشروط الطبيعية لنمو المحصول؛ ففي النطاق الاستوائي الجنوبي يزرع اليام والكاسافا والذرة، وينمو اليام أساسا في الأقسام الشمالية من إقليمي نيجيريا الشرقي والغربي - وبعبارة أخرى حافة الهضبة الأفريقية وهضبة أودي وجنوب إيللورين. أما الكاسافا فتزرع أساسا في السهول التي تقع جنوب هذه الهضاب الصغيرة داخل نطاق الغابة الاستوائية في منطقة كلابار وشرقي دلتا النيجر وإقليم بنين، ويضيق نطاقها شرقا في اتجاه لاجوس، وتزرع الكاسافا في هذا النطاق جنبا إلى جنب مع نخيل الزيت، وفي مناطق معينة من هذا النطاق - مناطق المستنقعات على وجه التخصيص - تتركز زراعة الأرز.
ولا يرجع ضيق نطاق الكاسافا في إقليم اليوربا إلى ظروف طبيعية بقدر ما يرجع إلى انتشار زراعة الكاكاو في المنطقة الممتدة شمال لاجوس وشمالها الشرقي، كما هو واضح من الخريطة (64)، وقد كانت منطقة الكاكاو هذه من قبل منطقة إنتاج كاسافا، ولكن الكاسافا كمحصول غذائي للاستهلاك المحلي لا يمكن أن يقف متحديا الكاكاو كمحصول نقدي هام يساعد على تمويل سكان اليوربا الذين يتكاثفون في المدن العديدة في هذه المنطقة، وربما كان للكاكاو أثر في إمكان اليوربا التكاثف في مدنهم الكبيرة؛ لأنه يعطيهم دخلا كبيرا لا وجود له بالنسبة للأيبو المتكاثفين في قراهم الزراعية. وإلى الغرب من خط حديد لاجوس إيبدان يعود محصول اليام والكاسافا إلى الظهور حتى الحدود مع داهومي.
أما دلتا النيجر والمستنقعات الساحلية من بورت هاركورت حتى لاجوس فلا تزرع فيها محاصيل غذائية؛ لسيادة غابات المنجروف ونباتات المستنقعات الدلتاوية، وإن كانت بعض المناطق هنا قد أخذت بزراعة الأرز مؤخرا.
وفي الإقليم الشمالي تتدرج المحاصيل الغذائية على النحو التالي: (1)
في القسم الجنوبي وحوضي البنوي والنيجر: تسود زراعة اليام مع حبوب الدخن الكبيرة
Guinea Corn
في الجنوب، والدخن العادي في الشمال، وفي هذا القسم أيضا يزرع الأرز في حوض النيجر وفي أوجوجا جنوب البنوي، والسمسم في أراضي قبيلة تيف في حوض البنوي. (2)
القسم الأوسط الممتد من هضبة جوس حتى كادونا وحدود داهومي: وهذا هو إقليم الدخن بأنواعه مع الأرز في بعض المناطق المستنقعية (إقليم بيدا في نهر كادونا الأسفل). (3)
القسم الشمالي: ويزرع أيضا أنواع الدخن المختلفة مع بعض الفواكه، ولكن السكان في هذا القسم يزرعون أيضا محصولات نقدية أهمها القطن وفول السوداني، وفي القسم الشمالي الأقصى يسود الدخن العادي فقط، ونظرا لاتساع هذا الإقليم، فإن له خصائص محلية في مناطقه المختلفة، وحول مدينة كنو نشأت زراعات خاصة باستهلاك المدينة كالخضر والفواكه، وكلها تقوم على أساس الري الصناعي من أجل الزراعة الدائمة، وإمداد سوق كنو باحتياجه على مدار السنة.
4
المحاصيل التجارية
وإلى جانب المحاصيل الغذائية فإن نيجيريا تنتج عدة محاصيل نقدية سبق أن عالجنا بعضها داخل إنتاج الموارد الغابية، وهي زيت النخيل ونواة النخيل والكاكاو - وهذه محصولات شجرية استوائية - وغير ذلك من المحاصيل النقدية يظهر القطن والفول السوداني وأخيرا التبغ والسمسم:
القطن:
يزرع القطن في مناطق عديدة من نيجيريا نظرا للحاجة الشديدة إليه لصناعات النسيج المحلية، ولذلك فهناك أنواع عديدة من القطن لكل من مواطنها الجغرافية الخاصة المتلائمة مع الظروف الطبيعية. وأهم مراكز زراعة القطن ما يلي:
أولا: نطاق القطن في الإقليم الشمالي:
ويمتد هذا النطاق في وسط الشمال من الإقليم الشمالي، فيما بين شمال شرق هضبة جوس وجنوب شرق سوكوتو، ومركز هذا الإقليم زاريا ، وحدوده الشمالية الوسطى كنو، والجنوبية كادونا، وبذلك فإن أهم أقاليم القطن حول زاريا وكاتسنا وجنوب شرق سوكوتو، يليها في ذلك إقليم باوتشي شمال شرق جوس. ومن أهم شروط نمو القطن في هذا الإقليم مطر متوسط بين 800مم و1000مم، ولكن بعض المناطق يسقط فيها كمية مطر أقل من ذلك أو أكثر، ومع ذلك يمكن نمو القطن فيها، والحد الأدنى هو 500مم والأعلى 1300مم.
والنوع الرئيسي الذي ينمو في هذا الإقليم هو قطن «الن
Allen » الذي دخل في أوائل القرن الحالي، ثم انتشرت زراعته بسرعة بعد عام 1912، حينما وصل خط السكة الحديدية من لاجوس إلى كنو، فاتحا بذلك آفاق المنطقة الوسطى، وقد بدأت زراعة القطن في هذه المنطقة شركة بريطانية اسمها الرابطة الإنجليزية لمنتجي القطن، وتشرف حكومة نيجيريا الشمالية على زراعة القطن وتدقق في اختيار البذور، وقطن الن متوسط التيلة (طول التيلة بوصة
بوصة )، ومحصوله جيد.
ثانيا: نطاق القطن في الإقليم الغربي:
وينمو القطن في قسم محدود من الإقليم الغربي، هو المحصور بين أبيكوتا وأوشوجبو وأطراف بنين، ويزرع هنا نوعان هما: قطن إيشان وقطن ميكو، وقد أدخل الإسبانيون النوع الأول في إقليم بنين (منطقة إيشان)، بينما أدخل البرتغاليون قطن ميكو في منطقة إبيكوتا.
وكلا النوعين خشن قصير التيلة، وكل إنتاجهما يستخدم محليا داخل نيجيريا، وينمو قطن ميكو في المناطق الجافة داخل النطاق الاستوائي، أما قطن إيشان فينمو داخل إقليم الكاكاو، وقد كان لهذا تأثير عليه؛ فالكاكاو كمحصول نقدي أوفر ربحا من القطن، مما يؤدي إلى تقلص مساحة القطن أمام الكاكاو باستمرار.
وتحتل نيجيريا المرتبة الخامسة بين دول أفريقيا المنتجة للقطن بعد مصر والسودان وأوغندا وتنزانيا، ولكنها تحتل المرتبة الثالثة إذا استثنينا الإنتاج المصري والسوداني من الأقطان الطويلة التيلة، بينما أقطان أفريقيا الأخرى متوسطة إلى قصيرة التيلة. وقد تطور إنتاج نيجيريا من متوسط قدره 25 ألف طن متري في فترة 1952-1956 إلى 42 ألف طن متري في فترة 1960-1967.
وقد بلغ الإنتاج 87 ألف طن عام 1970، وكانت المساحة المزروعة قطنا في تلك السنة 420 ألف هكتار، وبذلك فإن عائد الهكتار يساوي نصف مثيله في السودان وسبع مثيله في مصر، ولكنه يساوي ضعف مثيله في أوغندا. وفي 1969 كانت قيمة صادرات القطن تساوي 10٪ من قيمة الصادرات النيجيرية.
الفول السوداني:
يتركز إنتاج الفول السوداني في القسم الشمالي الأقصى من الإقليم الشمالي وحدوده الجنوبية عرض مدينة كنو على وجه التقريب، مع امتداد جنوبي في الشرق في إقليم برنو، ويمتد في هذا الإقليم جنوبا حتى مدينة يولا على أعالي البنوي.
وتعتبر نيجيريا أولى دول العالم المصدرة للفول السوداني، رغم إنها ليست أولى الدول المنتجة له؛ إذ يسبقها في ذلك الهند، ومع ذلك فهي أولى دول أفريقيا في إنتاج هذا المحصول التجاري الهام، تليها في ذلك السنغال. وقد بلغ متوسط الإنتاج في السنوات 1960-1968 حوالي 1,4 مليون طن، مقابل متوسط إنتاجي للسنغال قدره 0,95 مليون طن، ومتوسط إنتاجي للهند قدره 4,98 مليون طن للفترة ذاتها (1960-1968). وقد كانت قيمة صادرات فول السوداني حوالي ربع مجموع الصادرات النيجيرية في الخمسينيات، مماثلا بذلك الكاكاو، لكن القيمة هبطت في عام 1969 إلى ما قيمته مائة مليون دولار (صادرات) مقابل 147 مليونا للكاكاو، و380 مليونا للبترول الذي أصبح يتصدر قائمة صادرات نيجيريا.
وقد دخل إنتاج الفول السوداني في شمال نيجيريا مرحلة المحصول النقدي ابتداء من أوائل القرن الحالي، واتسع نطاق زراعته بشدة بعد وصول السكة الحديدة إلى كنو عام 1912. وفي عام 1911 كان الصادر لا يزيد عن ألفي طن، زاد عام 1913 - أي السنة التالية لوصول الخط الحديدي - إلى عشرة أضعاف ما قبل الخط الحديدي، وظلت الزيادة مستمرة حتى اليوم باستثناء انخفاض ملحوظ خلال الحرب العالمية الثانية.
والفول السوداني محصول أراضي رملية أو شبه رملية إذا ما توفر الماء اللازم لنمو النبات، والحد الأدنى لاحتياجات النبات من المطر هو 500م، وفي نيجيريا عدة مصانع لعصر الفول السوداني واستخلاص الزيت منه، ولكن كلها معاصر متوسطة الحجم، أهم مركز لها كنو.
التبغ:
ينمو في مناطق عديدة من نيجيريا، ولكن أهم مناطق إنتاجه في الشمال (زاريا سوكوتو، وكانو، وكاتسنا، وبرنو)، وفي الغرب (أوجبو موشو وأيو). وقد بدأ إنتاج التبغ في نيجيريا عام 1940، وأصبحت خلال كل الستينيات في المرتبة الرابعة بين الدول الأفريقية المنتجة. في 1970 كان الإنتاج في روديسيا 62 ألف طن، في جنوب أفريقيا 33,9 ألف طن، وفي مالاوي 19 ألفا، ونيجيريا 16,4 ألف طن، ويستهلك الإنتاج في صنع السجائر محليا.
سمسم بني
Benniseed :
وهذا المحصول احتكار إنتاجي لقبيلة تيف في القسم الأوسط والأدنى من حوض البنوي، وهو المحصول النقدي الوحيد لهذا الحوض الفقير نسبيا في التربة، ونيجيريا أولى دول أفريقيا في إنتاجه، ولكنها الثانية في العالم بعد الهند، ورغم ذلك فإن صادرات نيجيريا من هذا السمسم أكبر من صادرات الهند.
ويمكننا أن نلخص موقف أقاليم نيجيريا الثلاثة من حيث الإنتاج الغابي والرعوي والزراعي على النحو التالي:
أولا: الإقليم الشمالي:
يتميز بقلة واضحة في مصارده الغابية القابلة للاستغلال التجاري، ولكن يعوضه عن ذلك تركز الثروة الحيوانية فيه من ناحية، وتركز إنتاج القطن والفول السوداني وسمسم بني والتبغ من ناحية أخرى كمحاصيل نقدية، ومن ناحية إنتاج الأغذية يتركز فيه اللحم والألبان والدخن بأنواعه، مع خضروات وفواكه عديدة.
ثانيا: الإقليم الغربي:
يوجد فيه أهم مصدر للثروة الغابية من حيث حرفة قطع الأشجار وتصديرها، كما يتركز فيه إنتاج الكاكاو (مقابل الفول السوداني في الشمال)، والقطن قصير التيلة (مقابل متوسط التيلة في الشمال)، والتبغ والمطاط، أما أهم إنتاجه الغذائي فهو اليام والكاسافا.
ثالثا: الإقليم الشرقي:
لا يشارك في محصول تجاري كبير سوى بنوع واحد هو نخيل الزيت، الذي كان يشكل أولى صادرات نيجيريا من حيث القيمة، والإنتاج الغذائي في هذا الإقليم يتكون أساسا من الكاسافا واليام والأرز والذرة. (د) إنتاج المعادن
على قدر ما رأينا من تنوع إنتاجي كبير في الحاصلات الزراعية، فإن هذا التنوع غير موجود بالصورة نفسها في الإنتاج المعدني، وقد كانت قيمة المنتج الزراعي وصادراته تفوق بمراحل قيمة المنتج المعدني وصادراته إلى فترة زمنية حديثة جدا؛ فقد كانت قيمة الصادرات المعدنية تشكل 5٪ فقط من قيمة الصادرات النيجيرية عام 1958، ولكن اكتشاف البترول والنمو السريع في كميات البترول المنتجة من دلتا النيجر، قد قلب الوضع رأسا على عقب، ومما يؤكد ذلك أن صادرات البترول النيجيرية كانت تساوي 45٪ من قيمة صادرات نيجيريا كلها عام 1969، ولا شك أن هذه النسبة في ارتفاع مستمر نظرا لزيادة الإنتاج النيجيري من البترول، وإلى جانب البترول فإن الإنتاج المعدني في نيجيريا يتميز بالفحم الذي يكاد ألا يوجد في أفريقيا شمال خط الاستواء، ومعنى ذلك أن في نيجيريا الآن مصدرين من مصادر الطاقة الجيدة، وإلى جانب ذلك فإن المعادن الأخرى المنتجة هي القصدير والكولمبيت، وكلاهما ذو كمية ثابتة الإنتاج؛ نظرا لظروف السوق العالمية وهبوط أسعار المعادن. ويلخص الجدول التالي إنتاج أهم المعادن في نيجيريا:
جدول 4-5: إنتاج المعادن في نيجيريا. *
المعدن
1955
1963
1970
البترول ... طن
3272000 طن
54200000 طن
الفحم
761000 طن
577000 طن
102000 طن
القصدير
8289 طنا
8869 طنا
9804 أطنان
الكولمبيت
3047 طنا
2112 طنا
الذهب
21كجم
10كجم
9كجم *
U. N. Statistical Year book 1969, 1970 .
الفحم
وجد لأول مرة في نيجيريا في وادي نهر أوفام في هضبة أودي في الإقليم الشرقي عام 1909، ولكن لم يبدأ الإنتاج إلا عام 1915، بعد مد الخط الحديدي بين بورت هاركورت وإينوجو عاصمة الإقليم الشرقي، ويوجد أيضا في مناطق متفرقة من نيجيريا الشمالية وفي منطقة بنين، ولكنه لا يعدن إلا في منطقة إينوجو، وأهم مراكز التعدين هي هايس وإيفا وأوبوتي، وكلها حول وبالقرب من إينوجو، وهذه المناجم ملك للحكومة، وينتج الفحم المستخرج كثيرا من الغاز وزيوت القطران حينما يقطر، وأكبر مستهلك لفحم نيجيريا هو السكك الحديدية النيجيرية ومحطات الكهرباء، ونظرا لأن الفحم يحتوي على نسبة عالية من الغاز، وبالتالي تزداد قابليته للاشتعال، فقد أصبح من الصعب والخطر شحنه على السفن، كذلك فإن اختزاله إلى فحم الكوك أمر صعب، وبالتالي من الصعب استخدامه في الصناعات المعدنية.
وربما كان من الصواب التفكير في إنشاء محطة كهرباء ضخمة قرب إينوجو، واستغلال الفحم في توليد الكهرباء التي يسهل نقلها على شبكة تحميل عالية إلى مناطق عديدة من نيجيريا بأرخص التكاليف، وفي الوقت ذاته سوف يمكن استخلاص المنتجات الثانوية للفحم بكميات كبيرة في مكان واحد، بالإضافة إلى الإفادة من الفحم في إقامة مصانع للأسمنت والزجاج والقرميد والطوب والفخار.
البترول
بدأت البحوث للتنقيب عن البترول في نيجيريا منذ عام 1937، ولا تزال هذه البحوث مستمرة ، وقد وفقت البحوث إلى كشف مصادر للبترول في أفام (41 كيلومترا شرقي بورت هاركورت)، وأولويبيري (داخل دلتا النيجر على بعد 75كم غربي بورت هاركورت)، وسوكو (50كم جنوب بورت هاركورت)، وبوني وإيبوبو جنوب وشمال بورت هاركورت مباشرة، وتصل بورت هاركورت أنابيب البترول من هذه الحقول المجاورة، وأنشئ فيها معمل لتكرير البترول، وبدأ الإنتاج الفعلي عام 1957 من أفام وأولويبيري، تلاه إنتاج الحقول الأخرى. وقد تميز إنتاج البترول النيجيري بسرعة نمو هائلة، وإن كان الاحتياطي أقل من خمس احتياطي ليبيا.
القصدير
عرف الأفريقيون تعدين وصهر القصدير قبل وصول الأوروبيين بفترة طويلة، وخاصة في منطقة البنوي وجوس، وكان أهم مركز لتصنيع القصدير وبيعه في صورة قضبان رفيعة قبل مجيء الأوروبيين هو ناراجوتو (مركز التعدين)، وليروين (مركز الصهر)، وهما في هضبة جوس. وفي عام 1884 عرف الأوروبيون بأمر هذه الحرفة الأفريقية، وعرفت مناجم القصدير عام 1909، ولكن الاهتمام باستخراج القصدير لم يتم إلا بعد إنشاء خط حديد من زاريا إلى بوكورو في هضبة جوس عام 1914، وجاء ذلك في الفترة الحرجة التي احتاج العالم فيها مزيدا من القصدير خلال الحرب العالمية الأولى، ثم انخفضت الأسعار بعد 1918، واستمر انخفاضها حتى الأزمة العالمية 1929، ولكن إكمال الخط الحديدي من بوكورو إلى جوس عام 1927 كان له أثر في خفض نفقات النقل، مما ساعد على عدم ترك مناجم القصدير مهملة كلية. وفي عام 1931 حددت الحكومة صادرات القصدير ب 7750 طنا سنويا بناء على اتفاقية دولية، مما كان له أثره في رفع أسعار القصدير في السوق الدولية.
وفي خلال الحرب العالمية الثانية، وبعد أن احتلت اليابان الملايو، أصبحت نيجيريا وبوليفيا المصدرين الأساسيين للدول الغربية في إنتاج القصدير، وقد ارتفع إنتاج نيجيريا في تلك الفترة إلى 17 ألف طن، ثم هبط إلى ثمانية آلاف طن بعد الحرب، وما زال على هذا الرقم مع ذبذبة بسيطة حتى اليوم. ويساوي إنتاج نيجيريا الآن حوالي 4٪ من الإنتاج العالمي، وبذلك يصبح من حيث الكمية والقيمة من أهم صادرات نيجيريا المعدنية.
ويظهر القصدير في عروق نتيجة التعرية داخل تكوينات الجرانيت الحديث في منطقة الصخور السابقة على الكمبري، وقد تركز المعدن في قاع الأنهار القديمة والمعاصرة في مناطق عديدة، تغطيه تكوينات بركانية من الزمن الثالث والرابع.
ولكن معظم قصدير نيجيريا ينتج من الطبقات الفيضية في أودية الأنهار الحالية، وقد بدأ الاهتمام يتجه منذ فترة الحرب الثانية إلى أودية الأنهار القديمة، خاصة بعد أن هدد الاستغلال الحالي احتياطي القصدير في أودية الأنهار الحالية، ولا شك أن الالتجاء إلى التكوينات القديمة وإزالة الغطاءات البركانية سيؤدي إلى رفع تكلفة الإنتاج، وهو أمر لا يمكن الإقدام عليه إلا إذا كان السعر العالمي مناسبا. ونظرا لاحتياج التعدين إلى مياه كثيرة، فقد بنيت في المنطقة خزانات مياه كثيرة.
ويأتي أربعة أخماس القصدير النيجيري من هضبة جوس، وخاصة القسم الجنوبي منها، ويأتي الباقي من هضبة باوتشي إلى الشمال الشرقي من جوس.
وعلى عكس ملكية الدولة لحقول الفحم، فإن استخراج القصدير تقوم به عدة شركات، منها شركة واحدة كبيرة تنتج نصف قصدير نيجيريا، والباقي موزع على الشركات الصغيرة - أفريقية ولبنانية وأوروبية - بالإضافة إلى أفراد من الأفريقيين يعملون لحسابهم الخاص، عددهم حوالي 12500 شخص، ويبلغ عدد العاملين في تعدين القصدير 35 ألفا من الأفريقيين.
الكولمبيت
هذا الخام هو المصدر الأساسي للمعدن الذي يعرف باسم كولمبيوم
Columbium
ويعرف أيضا باسم نيوبيوم
Niobium ، ولهذا المعدن أهمية خاصة ظهرت خلال الحرب العالمية الثانية، من حيث إنه بإضافته إلى صلب الكروم يصبح هذا الصلب أقوى احتمالا، ومن ثم يستخدم في صناعة أفران الصهر العالية الحرارة، وفي صناعة الصواريخ والمحركات النفاثة وغير ذلك من أجهزة الاحتراق العالية الحرارة.
والإنتاج العالمي من هذا المعدن النادر محدود جدا، يبلغ - بدون الاتحاد السوفييتي - 3300 طن (1960)، وتحتكر منه نيجيريا 64٪، وكانت هذه النسبة أعلى من ذلك في عام 1952 (71٪)، ولكن ظهور مناطق إنتاج جديدة في الكنغو وتانزانيا وموزمبيق والبرتغال بالإضافة إلى الولايات المتحدة من ناحية، وبالإضافة إلى تناقص إنتاج نيجيريا من ناحية أخرى، قد جعل حصة نيجيريا تهبط بالنسبة للإنتاج العالمي المعروف - في الاتحاد السوفييتي مناجم عظيمة للكولمبيت في الأورال وشبه جزيرة كولا وبايكال.
وقبل معرفة أهمية الكولمبيت كان يعثر عليه مع خام القصدير في جوس ويفصل ويترك مهملا، ولكن بعد أن ظهرت أهميته خلال الحرب عاد البحث عنه وعن البقايا التي تركت كنفايات قبل معرفة دوره الاستراتيجي.
وأكثر من ثلاثة أرباع الكولمبيت النيجيري يعدن من هضبة جوس، والباقي من باوتشي وكنو، ويوجد إلى جانب الكولمبيت الولفرام
Wolfram ، والتانتليت (خام ال
Tantlum ) بكميات صغيرة في جوس.
وبعد هذه المعالجة للثروة المعدنية في نيجيريا، يمكننا أن نضيف إلى ما سبق أن ذكرناه من الخصائص الاقتصادية لأقاليم نيجيريا الثلاثة ما يلي:
أولا:
بالإضافة إلى ما في نيجيريا الشمالية من ثروة حيوانية ومحصولات نقدية، ففيها يعدن أهم معدنين في الدولة، وهما القصدير والكولمبيت، وعلى هذا يجمع الإقليم الشمالي أهميات عدة داخل دولة نيجيريا الاتحادية: كثرة السكان، وإنتاج زراعي كبير، وإنتاج معدني هام.
ثانيا:
لا يوجد بالإقليم الغربي من المعدن ثروة تذكر - بعض الفحم في إقليم بنين لم يستغل، وكمية ذهب صغيرة في أويو.
ثالثا:
إن النقص الذي كان سائدا في الإقليم الشرقي من حيث مشاركته في تجارة نيجيريا الخارجية، إذا استثنينا زيت النخيل، قد عوضه تركز موارد الطاقة المعدنية النيجيرية فيه: الفحم والبترول. (ه) طرق المواصلات
وضح لنا في أثناء الكلام عن الإنتاج الزراعي والتعديني كيف كان لامتدادات السكك الحديدية في نيجيريا أثر حاسم في فتح آفاق محاصيل، أو معادن جديدة؛ لأن كلفة النقل تصبح عبئا على الإنتاج، ما لم تخفض هذه الكلفة إلى الحد الأدنى بواسطة تسهيل سبل النقل.
وتتمتع نيجيريا بوسائل عديدة من شبكات النقل، ترتيبها حسب الأهمية كما يلي: السكة الحديدية، والطرق البرية، وأخيرا المواصلات النهرية.
السكك الحديدية
أولا:
سكة حديد لاجوس-كنو، وقد بدأ هذا الخط عام 1901 بين لاجوس وإيبدان، ولما كانت لاجوس في تلك الفترة ميناء ضحلا لم تقم به الإنشاءات التي جعلت منه فيما بعد الميناء الأول، فقد كان التفكير مشتتا بين مد الخط من لاجوس وإيبدان إلى الداخل، أو ترك الخط على ما هو عليه والتفكير في ميناء جديد، وقد نفذت حكومة المستعمر رأي اللورد لوجارد - الحاكم العام - الذي يرى مد خط حديدي من نقطة ملاحية على النيجر الأوسط إلى الداخل، وعلى هذا أنشئ عام 1907 الخط الحديدي بين بارو - على نهر النيجر الأوسط قبل اتصال البنوي بالنيجر بقليل - ومدينة كنو، وبعد ذلك كانت النية متجهة إلى وصل بارو وإيبدان، ولكن التفكير أدى إلى وصل الخط الحديدي من بلدة مينا شمال بارو إلى إيبدان، وبذلك عبر النيجر في نقطة أبعد بكثير من بارو؛ تلك هي جبا، وقد تم الاتصال بين لاجوس وكنو لأول مرة عام 1912، وظلت السكة الحديدية بين مينا وبارو على جانب كبير من الأهمية؛ لأن بارو ميناء نهري هام، وقد تفرع من هذا الخط الطرق الحديدية التالية: (أ)
خط كنو-نجورو: تم إنشاء هذا الخط عام 1927، وبذلك وصلت السكة الحديدية إلى الشمال الشرقي من كنو في مناطق قريبة من حدود دولة النيجر، وفتح بذلك أراضي جديدة لزراعة الفول السوداني. (ب)
خط حديد زاريا-كاروا نامودا: في عام 1929 مد هذا الخط كفرع ثان من الخط الرئيسي، وبدلا من أن يبدأ من كنو اختيرت زاريا (مركز القطن)، ومد منها الخط في اتجاه الشمال الغربي، وبذلك فتحت أراضي جديدة للقطن والفول السوداني معا، وأصبح الخط وسيلة سهلة لعبور ثلثي المسافة إلى سوكوتو - عاصمة سلطنة الفولاني القديمة. (ج)
خط زاريا-بوكورو: أنشئ هذا الخط عام 1914 كسكة حديد ضيقة بغرض الوصول إلى مركز تعدين القصدير في هضبة جوس، وقد أغلق هذا الخط عام 1957 بعدما حل محله خط آخر.
ثانيا:
بورت هاركورت-كادونا: وهذا هو الخط الثاني الذي يخترق نيجيريا من الساحل إلى الداخل، وقد بدئ في بناء الخط ووصل إلى إينوجو عام 1916 من أجل استغلال مناجم الفحم، وفي عام 1927 مد هذا الخط إلى هضبة جوس، ومنها إلى مدينة كادونا عاصمة الإقليم الشمالي، وبذلك ارتبطت مناجم القصدير بخطين رئيسيين؛ أولهما: جنوبا إلى بورت هاركورت، والثاني: غربا إلى كادونا، ثم جنوبا مع الخط الرئيسي الأول إلى لاجوس.
ثالثا:
خط الشمال الشرقي: ويبدأ من جوس إلى باوتشي وجومبي، والهدف منه الوصول إلى مايدوجوري عاصمة إقليم برنو ، ولم يصل بعد هذا الخط إلى مايدوجوري، وإن كان قد قطع أكثر من ثلاثة أرباع المسافة اليها، ويخدم هذا الخط زراعة القطن والفول السوداني في باوتشي وجومبي وبرنو.
الطرق البرية
ما زالت محدودة، وقد أنشئ أول طريق عام 1906 بين إيبدان وأويو، وتغطي الآن نيجيريا شبكة طرق أطوالها 65 ألف كيلومتر، منها 35 ألفا طرق صالحة للسير في كل فصول السنة، ولكن المرصوف منها والمغطى بالزفت قرابة ستة آلاف كيلومتر فقط، وأهم شبكة طرق برية توجد في إقليم الكاكاو وزيت النخيل في الجنوب، وفي منطقة التعدين في جوس وحول المدن الكبرى: لاجوس، كنو، كاتسينا، وبين مدن النطاق السوداني وخاصة كنو ومايدوجوري، وما زال الأمر محتاجا إلى طرق أجود بين لاجوس والإقليم الشرقي والشمالي.
الملاحة النهرية
تكون الملاحة النهرية وسيلة جيدة من وسائل النقل في نيجيريا، وبذلك تفضل بقية دول غرب أفريقيا، ويوجد منها ما يبلغ من الأطوال الملاحية قرابة خمسة آلاف كيلومتر.
وأهم المجاري الصالحة للملاحة هي نهر النيجر، وتشتد الكثافة في الملاحة النهرية حتى ميناء بارو، وبعد ذلك يقل استخدام النهر في الملاحة في اتجاه الشمال إلا في حدود ضيقة. ونهر البنوي هو الآخر طريق عظيم يخترق الدولة من الغرب إلى الشرق والشمال الشرقي، ونهر كروس ملاحي في موسم المطر فقط، وإلى جانب هذه الأنهار توجد بحيرة شاطئية (لاجونة) هادئة المياه، تمتد فيما بين لاجوس إلى مصبات النيجر، وتغذيها الأنهار الصغيرة العديدة، وهي تساعد على التنقل بمحاذاة الشاطئ من الدلتا إلى لاجوس.
وإلى جانب المواصلات الأرضية، فإن هناك شبكة طرق جوية تربط قرابة 15 مدينة برحلات عديدة أو على الأقل رحلة واحدة أسبوعيا. (و) الصناعة
تتميز نيجيريا بأن كثيرا من صناعاتها التقليدية ما زالت موجودة وعلى درجة كبيرة من الإتقان، وإلى جانب هذه الصناعات التقليدية نشأت صناعات أخرى حديثة.
ومن بين الصناعات التقليدية النسيج الأفريقي على الأنوال الضيقة في الإقليمين الشمالي والغربي، وفي الإقليم الغربي يضاف إلى النسيج كثير من الأحجار والأخشاب قبل الصباغة، ثم تزال تلك الإضافات فيخرج القماش من الصباغة وعليه الرسوم التي تركتها الإضافات، وأهم مواد الصباغة مادة النيلة التي تعطي لهذه الأقمشة اللون الأزرق التقليدي في غرب نيجيريا، وفي شرق نيجيريا تسود الألوان المبهجة أكثر من النيلة.
ومن الصناعات الأخرى الجيدة صناعة خيوط نخيل الرافيا في عمل جدائل شتى - سلال وحصر - معظمها في الإقليم الشرقي، وبعضها في كنو. وفي بنين ما زال تشكيل الخشب والأبنوس في تماثيل فنية أمرا شائعا.
أما صناعة الجلود فهي من الحرف التقليدية الهامة في الإقليم الشمالي، ومركزها الأساسي كنو، وصياغة الذهب والفضة منتشرة في معظم المدن، ولكن أشهرها في كنو وبيدا، أما تشكيل النحاس فأحسن مناطقه بنين، وتشتهر كنو وبيدا وبنين وغيرها بحرف عديدة، ومنها يأخذ تجار الهوسا بضائعهم ويسافرون بها مسافات طويلة في غرب القارة ووسطها.
أما الصناعات الحديثة فغالبها متركز في لاجوس وأبيكوتا وإيبدان وسابيليه وإينوجو وكادونا وكنو، ومعظمها مرتبط بالنسيج والأغذية والمطاط والأخشاب وورش التصليح الميكانيكية. (ز) التجارة الخارجية
تبلغ قيمة التجارة الخارجية لنيجيريا قرابة ألف مليون دولار، موزعة على 535 مليونا قيمة الواردات، و591 مليونا قيمة الصادرات لعام 1968، وتمثل هذه الأرقام نموا لا بأس به بالقياس إلى أرقام التجارة لعام 1957، حيث بلغت الواردات 427 مليون دولار، والصادرات 357 مليونا.
وفي مجال الواردات نجد أن الآلات والسيارات قد بلغت قيمتها ما يوازي 31,5٪ من القيمة الكلية للواردات، والسلع شبه المصنعة 38٪، والكيميائيات 11,7٪، والأغذية والمشروبات 8٪، والبترول والزيوت المعدنية 7,6٪، وأخيرا الخامات الأخرى 3٪.
وتترتب صادرات نيجيريا الهامة على النحو التالي:
جدول 4-6: صادرات نيجيريا. *
السلعة
القيمة بملايين الدولارات
النسبة المئوية من الصادرات
1957
1959
1969
1959
1969
نواة نخيل الزيت
50
72
48
24,7
10
زيت النخيل
38
38
28
الكاكاو
73
107
147
23,8
17,6
فول السوداني
56
77
100
20
15,5
زيت فول السوداني
13
13
30
المطاط
19
32
31
7,2
3,7
القطن
18
20
10
4,5
1,1
الأخشاب
12
17
12
3,7
1,4
القصدير
22
15
34
3,4
4
البترول
381
45 *
U.N. Economic Commission for Africa, a (Economic Bulletin, June 1961. b) Statistical Year book 1970.
وأكبر عميل لتجارة الواردات والصادرات النيجيرية هي بريطانيا، التي بلغت مساهمتها في الواردات النيجيرية (1969) 34,8٪، ونصيبها من الصادرات النيجيرية 28,4٪ في السنة ذاتها، يلي ذلك الولايات المتحدة بنسبة 11,4٪ من واردات نيجيريا و12,5٪ من صادراتها، وتحتل دول السوق الأوروبية مكانة ملحوظة في تجارة نيجيريا الخارجية؛ فنسبة مساهمتها تزيد على 20٪ من واردات نيجيريا، وحصتها تزيد على 35٪ من صادرات نيجيريا، وأكبر عميل في الواردات النيجيرية من دول السوق هي ألمانيا (10,1٪)، بينما أكبر عميل في الصادرات النيجيرية من هذه المجموعة الأوروبية هي هولندا (13,2٪)، ويرجع هذا إلى كثرة استيراد هولندا للزيوت وحبوب الزيوت من نيجيريا لعمل الدهون النباتية.
وقد ارتفعت قيمة الواردات النيجيرية من الدول الأفريقية بدرجة محسوسة من 3,4 ملايين دولار في أواخر الخمسينيات إلى 11,4 مليونا عام 1968. وكان ترتيب الدول الأفريقية في واردات نيجيريا على النحو التالي: غانا بنسبة 27,2٪، مصر 23,7٪، الجزائر 13,1٪، ساحل العاج 9,6٪، والمغرب 8٪، وتأتي بعد ذلك سيراليون وليبيريا والسنغال وداهومي، وحتى أواخر الخمسينيات كانت جنوب أفريقيا تتصدر الدول الأفريقية المتعاملة في الواردات النيجيرية، لكنها لم تعد تظهر في قائمة الدول خلال أواخر الستينيات - ولعل ذلك مرجعه المقاطعة السياسية من جانب الدول الأفريقية لحكومة جنوب أفريقيا العنصرية.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Buchanan, K. M. & J. C. Pugh, 1958 “Land and People in Nigeria” London.
Fage, J. D., 1959 “Introduction to the History of West Africa” London. Harrison Church, R. J., 1960 “West Africa” London.
International Bank for Reconstruction and Developments “The Economic Development of Nigeria 1955. Baltimore.
Kaufmann, H. 1959, “Nigeria” Bonn.
Manshard, W. 1959 “Die Landwirtschaftsraeume Nigerias” in Geographisches Taschenbuch. Wiesbaden.
Niven, C. R., 1958, “The Land and
African City” London.
Trimingham, J. S., 1959 “Islam in West Africa” London.
Westermann, D., 1952. “Geschichte Afrikas” Koeln.
هذا فضلا عن الكتب السنوية لهيئة الأغذية والزراعة ، والكتاب السنوي الديموجرافي للأمم المتحدة، والكتاب السنوي الإحصائي للأمم المتحدة، وتقارير اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة.
الفصل الخامس
زائيري
جمهورية الكنغو سابقا (1) وسط أفريقيا
يمتد هذا الإقليم الطبيعي على ساحل الأطلنطي فيما بين جبل الكمرون على رأس خليج بيافرا، إلى ميناء لواندا - عاصمة أنجولا - ويتوغل في الداخل بحيث يكون الأخدود الغربي حدوده الشرقية، أما حدوده الشمالية فتتكون من خط تقسيم المياه بين حوض الكنغو من ناحية والنيل وشاري من ناحية أخرى، ولا يوجد هذا الوضوح في الحدود الجنوبية، التي تتكون في الواقع من إقليم انتقالي يتدرج إلى إقليم الهضاب المدارية الجنوبية، وعلى هذا يمكن أن نتخذ خط تقسيم مياه الكنغو والزمبيزي حدا فاصلا بين الإقليمين.
ويحتل حوض الكنغو ونظامه النهري الجزء الأعظم من وسط أفريقيا، بالإضافة إلى الأحواض النهرية الصغيرة التي تنبع من الهضبة القديمة وتنصرف إلى المحيط مباشرة، ومن أهمها ساناجا ونيونج في جمهورية الكمرون، وكومو والأجوي في جابون، وكويلو في كنغو برازافيل، ولوكونجا وكوانزا في أنجولا، ويمكن أن نقسم إقليم وسط أفريقيا إلى قسمين: القسم الكبير الداخلي هو ما نسميه إقليم الكنغو، ويتميز بانخفاض السطح وسيطرة نظام الكنغو النهري عليه، وتشغله جمهورية الكنغو، أما القسم الثاني فأصغر مساحة ونسميه إقليم غانا السفلي، ويتكون من الهضبة الأفريقية وسهل ساحلي ضيق، وتتقاسمه جمهوريات الكمرون وجابون وكنغو برازافيل، والقسم الشمالي الغربي من مستعمرة أنجولا، بالإضافة إلى القسم الأدنى من الكنغو وإقليم كابندا البرتغالي.
والإقليم في مجموعه استوائي المناخ والنبات، ويتدرج في الجنوب إلى نطاق الغابات الجافة والسفانا، ويسكن الإقليم كله زنوج الغابات الذين يتكلمون لغات كثيرة جدا من عائلة البانتو اللغوية، ويستثنى من ذلك أولا الطرف الشمالي من الإقليم، حيث توجد مجموعات عديدة من زنوج السودان بلغاتهم المختلفة، وثانيا الأطراف الهضبية والجبلية الشرقية التي تمتد فيها مجموعات من الرعاة الحاميي اللغة الذين ينتشرون أصلا في أوغندا ورواندا بوراندي.
وبالرغم من أن البرتغال كانت أول دولة أوروبية تتصل بهذا الإقليم، إلا أنها لانشغالها ببناء إمبراطوريتها في المحيط الهندي وفي البرازيل، قد انصرفت عن هذا الإقليم فترة طويلة، وحينما اتجهت إليه كانت علاقاتها بالإقليم علاقة تدمير الطاقة البشرية الأفريقية في صورة الاستغلال البشع لتجارة الرقيق، وحينما ولت مرحلة الرقيق كانت فرنسا وإسبانيا قد وضعت يدها على جزء كبير شمالي مصب الكنغو، وأخذت أطماع ليوبولد - ملك بلجيكا - تشمل الحوض الهائل الداخلي بواسطة تشجيع الكشف الجغرافي من جانب، وتحريك الدول الأوروبية لتثبيت ادعاءاته على الكنغو من جانب آخر (مؤتمر برلين). وحينما أطل القرن العشرون كان إقليم وسط أفريقيا قد تقاسمته بلجيكا (نصيب الأسد) وفرنسا والبرتغال وإسبانيا وأخيرا ألمانيا، وقد استقلت كل الأقسام السياسية لوسط أفريقيا (آخرها الكنغو عام 1960)، فيما عدا مستعمرات البرتغال وإسبانيا.
وقد اختلف النمط الاستغلالي لموارد هذا الإقليم الواسع، ففيه أقدم الحرف الأفريقية التقليدية (جمع الغذاء وصيده عند الأقزام، والزارعة المتنقلة عند البانتو)، وفيه أحدث الحرف الصناعية (صهر المعادن في كاتنجا)، وتجتمع في هذا الإقليم أيضا أضداد من وسائل الاستغلال: جمع المطاط البري وزراعته علميا، جمع وعصر ثمار نخيل الزيت كما تنمو طبيعيا، وكما تزرع في مزارع علمية واسعة، زراعة محاصيل الغذاء للاستهلاك المحلي وزراعة محاصيل نقدية للتجارة الخارجية، تربية الحيوان بالأساليب الأفريقية التقليدية وتربيته بالأساليب الحديثة في مزارع المستوطنين الأوروبيين، وبعبارة أخرى يجمع هذا الإقليم صورتين متباينتين تماما في أنماط ووسائل الاستغلال الاقتصادي الأفريقية القديمة والأوروبية الحديثة. وإذا كانت هذه الأنماط المتباينة هي الطابع المميز لغالبية أشكال الاقتصاد في كل الدول الأفريقية، فإنها في جمهورية الكنغو تتخذ صورة أشد وضوحا وتختلف في تركيبها عن الدول التي سبقت دراستها (المغرب، السودان، إثيوبيا، نيجيريا)، ففي تلك الدول يمارس هذان النمطان في الاقتصاد بواسطة السكان الأفريقيين، أما في الكنغو فإن الأفريقيين يقتصرون على ممارسة أنماط ووسائل الاستغلال التقليدية، بينما تقتصر الوسائل والأنماط الحديثة على المستوطنين الأوروبيين، ونشاط المستوطنين الأوروبيين يتمثل في نوعين:
النوع الأول:
وهو عبارة عن النشاط الاستيطاني الزراعي للأفراد والأسر، وهو في حقيقته أقل أهمية من النوع الثاني.
النوع الثاني:
يتمثل في صورة احتكارات هائلة، لا نظير لها، لمجموعة من الهيئات والشركات الضخمة المتشابكة والمتشعبة عن التمويل المالي لبنوك عديدة بلجيكية وأمريكية وفرنسية وبريطانية ... إلخ.
وقد أمسكت هذه الاحتكارات بزمام أنواع الاقتصاد الحديث في إحكام غير مألوف؛ فربطت التعدين والزراعة واستغلال الغابات والنقل برباط لا تعرف أعتى الائتلافات الرأسمالية أقوى منه، ولهذا كانت هذه الاحتكارات هي حكومة الكنغو الحقيقية، وحينما تنازلت بلجيكا عن سيادتها السياسية في الكنغو كان الظن الغالب أن الكنغو ستظل كما كانت، خاضعة لهذا الاحتكار مع تغير طفيف في شكل السيادة الاسمي، ولكن ذلك لم يتحقق؛ إذ سرعان ما وضح تماما أن حكومة الكنغوليين - سواء حكومة باتريس لومومبا، أو حكومة سيريل أدولا أو حكومة مويس تشومبي، أو حكومة الجنرال موبتو - لا يمكن أن تتعايش سلميا مع الاحتكار الأوروبي للشركات الكبرى؛ وذلك لأن تاريخ نمو هذه الشركات وطريقة تكوينها وتركيبها ووظيفتها، تتعدى حدود الاستغلال الاقتصادي إلى الهيمنة على أشكال الإدارة والحكم.
وفضلا عن الصراع بين حكومة كينشاسا الكنغولية والاحتكار الاقتصادي، فإن خروج عدد كبير من المستوطنين الأوروبيين وموظفي الشركات وخبرائها، قد ساعد على إحداث التدهور الاقتصادي الذي تعيشه الكنغو منذ ست سنوات، بالإضافة إلى النزاع السياسي الذي حدث بين الزعامات الكنغولية المختلفة - التي ساعدت الشركات على حدته.
وفي ديسمبر عام 1966 صادرت حكومة كينشاسا شركات التعدين البلجيكية في الكنغو، بعد أن تبين للحكومة أن الشركات ترفض نقل مقارها الرئيسية إلى الكنغو، وأنها تحتجز أرباحها في الخارج، ولا تسوق الإنتاج إلا لحسابها الخاص، وحاولت الكنغو بالاتفاق مع بنك لامبير البلجيكي إنشاء ائتلاف دولي (كونسورتيوم) للمساهمة مع «شركة اتحاد المناجم الكنغولية» - التي أنشأتها حكومة الكنغو كشركة وطنية تحل محل الشركات القديمة التي صودرت - في استغلال معادن الدولة، وكانت مساعي بنك لامبير متجهة إلى إشراك مؤسسة بينورايا الفرنسية ونيومونت الأمريكية في الائتلاف الجديد، ولكن المساعي فشلت في فبراير 1967، بعد أن هددت الشركة العامة وشركة اتحاد مناجم كاتنجا (المصادرتين) باتخاذ إجراءات قانونية ضد الائتلاف الجديد، بالإضافة إلى الإيعاز إلى الخبراء الأوروبيين بمغادرة الكنغو على الفور لخلق فراغ يصعب سده.
ولا يمثل الكنغو قمة هذا الشكل من أشكال الاقتصاد في أفريقيا، بل إن له مثيلا بصورة مصغرة في المستعمرات البرتغالية وفي كينيا، وبصورة مماثلة في روديسيا، ولكن القمة تظهر في جنوب أفريقيا، حيث تضيف الاحتكارات الاقتصادية الكبرى إلى نفسها دعامة لا توجد في غيرها من دول أفريقيا، تلك الدعامة هي العدد الكبير من المستوطنين الأوروبيين الذي يزيد عن عشرين ضعفا عما كان في الكنغو من أوروبيين قبل عام 1960 - كان في الكنغو قرابة تسعة أوروبيين لكل ألف من الأفريقيين، وفي جمهورية جنوب أفريقيا تبلغ النسبة الآن 210 أوروبي لكل ألف أفريقي.
ومهما كانت صورة التخلص من الاحتكارات الأوروبية في هذا الجزء من العالم قاتمة، إلا أن الجهود الخالصة لن تعدم حلا لها ينبني في الغالب على التعايش المثمر بين كل فئات السكان، في ظل نظم ديموقراطية حقة وحكومات ممثلة للغالبية الأفريقية. (2) جمهورية زائيري
تقع هذه الدولة بين خطي عرض 20
5° شمال خط الاستواء، وعرض 28
13° جنوب خط الاستواء، وبين خطي الطول 10
12° شرقا، و15
31° شرقا، وبذلك فإن الجمهورية تمتد فيما بين 48
18° درجة عرضية، و5
19° درجة طولية، ولولا أنها تقع كلها داخل العروض الاستوائية والمدارية لكان في الكنغو تنوع طبيعي كبير. وتشتمل هذه الجمهورية - التي كانت تعرف إلى وقت قريب (1960) باسم الكنغو البلجيكية - على معظم حوض الكنغو الطبيعي.
وتبلغ مساحة الدولة 2344932 كيلومترا مربعا، وهي بذلك ثالث دولة أفريقية من حيث المساحة بعد السودان والجزائر، ومما يدل على عشوائية التخطيط السياسي لحدود المستعمرات؛ أن الكنغو رغم هذه المساحة الكبيرة، لا يتمتع إلا بواجهة بحرية صغيرة جدا على المحيط الأطلنطي يبلغ طولها 35 كيلومترا فقط؛ وذلك لأن الضفة الجنوبية للمصب الخليجي لنهر الكنغو ملك لأنجولا من متادي حتى البحر.
1 (3) الدراسة الطبيعية (3-1) التكوين والتضاريس
يتكون القسم الأوسط من حوض الكنغو من صخور بحرية النشأة ترجع إلى الزمن الثالث، وبدراسة الخريطة رقم (58) نجد أن معظم المساحة التي تقع تحت خط كنتور 500 متر، كانت تكون قاع بحيرة عظيمة احتلت هذا الجزء ثم انصرفت مياهها في أواخر الزمن الثالث، بعد أن تمكن النحت التراجعي لنهر ساحلي صغير (الكنغو الأدنى حاليا) من شق طريق مليء بالشلالات (شلالات لفنجستون الحالية) عبر الحافة البلورية الأفريقية والوصول إلى مياه البحيرة الداخلية. ولا تزال بقايا البحيرة القديمة واضحة في: (1) وجود بحيرتي تومبا وليوبولد الثاني الضحلتين. (2) وجود منطقة مستنقعات هائلة في الإقليم الاستوائي عند التقاء الأوبانجي والكنغو وجيري وتشوابا وبحيرة تومبا. (3) بطء جريان الأنهار في القسم الأول من الحوض، مما يدل على أن المجاري المائية هنا تسير فوق قاع شديد الاستواء، ومثل هذا الاستواء لا يحدث غالبا إلا في قاع البحيرات الضحلة.
وتظهر تحت التكوينات البحيرية في هذا الإقليم تكوينات جنداونا القديمة، وهذه التكوينات تظهر على سطح الأرض في النطاقات الهضبية التي تحيط بالحوض الأوسط في كل الاتجاهات. وتظهر تكوينات كندولونجو وتكوينات لوالابا-لوبلياش في أقسام معينة من الحوض الداخلي، وخاصة في أطرافه الجنوبية الشرقية، كما يظهران بكثرة في كاتنجا، وتتكون من طبقات أفقية سميكة ومتعاقبة من الشيست والحجر الرملي. وفي القسم الجنوبي من إقليم كينشاسا تظهر تكوينات رملية عديدة، وكذلك في حوض زانكورو وكساي، بينما يظهر الشيست الطيني في منطقة لومامي ولوالابا الأدنى. وقد تأثر شرق الكنغو بحركة الانكسارات الكبرى التي أدت إلى تكوين الأخدود الأفريقي الغربي، الذي تحتل أجزاء من باطنه بحيرات تنجانيقا وكيفو وإدوارد وألبرت.
خريطة رقم (66): التضاريس والتصريف في وسط أفريقيا.
ويرتفع سطح الحوض الداخلي للكنغو - مساحته حوالي 800000 كيلومتر مربع؛ ويساوي حوالي ثلث مساحة جمهورية الكنغو - ما بين 259 مترا و500 متر عن سطح البحر، ويحيط بالحوض الهضاب التي يختلف ارتفاعها من 500 متر إلى ألفي متر.
ففي الشمال تظهر هضبة الزاندي التي تكون خط تقسيم الماء مع النيل وشاري، ومتوسط ارتفاعها 500 متر، ولكنها تعلو عن ذلك كثيرا في عدة مناطق، أعلاها جبال بوندو
Bondo (1500 متر شمال نهر الأويلي)، وفي الغرب تظهر الجبال البلورية الصخر بين الحوض والمحيط الأطلنطي، ومتوسط ارتفاعها قرابة 750 مترا، وأعلى نقاطها تبلغ ألف متر (جبال ليكيتي على حدود جابون الجنوبية الشرقية).
وفي الجنوب الغربي ترتفع الأرض تدريجيا إلى هضبة بيهي (2620 مترا)، ولكنها تنخفض نسبيا في اتجاه الجنوب، حيث نجد الهضاب التي تكون أراضي اللوندا جنوب إقليم كساي، ومن بيهي ولوندا تنبع روافد الكساي العديدة فضلا عن كساي ذاته، مما يجعل معظم هذه الأنهار كثيرة الشلالات، سريعة الانحدار. وإلى الشرق من هضبة لوندا وجنوبها الشرقي ترتفع الأرض في زامبيا وكاتنجا ارتفاعا لا بأس به، وقد قطع مسار نهر لوالابا وروافده العديدة العليا هضبة كاتنجا تقطيعا شديدا أدى إلى ظهور حواف جبلية وتلال عديدة، ومن أشهر هذه المرتفعات جبال ميتومبا بين المسارات العليا لأنهار لوالابا ولوفيرا وروافدهما، ويتراوح ارتفاع ميتومبا بين 1500 و1700 متر، وتنتهي في الشمال عند سهل كامولوندو بما فيه من مستنقعات وبحيرات - أشهرها بحيرتي أوبمبا وكيزالي - بينما تمتد جنوبا عبر حدود الكنغو وزامبيا، وإلى الشرق من مسار نهر لوفيرا ترتفع جبال كوندولونجو بين هذا النهر ونهر لوابولا وبحيرة مويرو، ويبلغ أقصى ارتفاع في هذه الجبال قرابة 1700 متر، وتمتد جبال مارونجا المرتفعة بمحاذاة الساحل الجنوبي الغربي لبحيرة تنجانيقا، ويبلغ متوسط ارتفاعها ألفي متر، وأعلى قممها يصل إلى 2500 متر، ويعرف القسم الشمالي من هذه الجبال باسم جبال ماليمبا.
وترتفع الأرض بسرعة من قاع حوض الكنغو صوب الشرق إلى حافة الأخدود الغربي - متوسط الارتفاع بين ألفين وثلاثة آلاف متر - وتعتبر جبال مارونجا وماليمبا القسم الجنوبي من حافة الأخدود داخل حدود الكنغو، وتنتهي هذه الجبال عند الوادي الضيق لنهر لوكوجا - الذي يصرف مياه بحيرة تنجانيقا إلى الكنغو. وإلى الشمال من مسار لوكوجا تعود الحافة الجبلية إلى الظهور بمحاذاة ساحل بحيرة تنجانيقا، وتزيد في الارتفاع بمحاذاة ساحل بحيرة كيفو الغربي حيث تصل قرابة 2400 متر، ثم ترتفع إلى الشمال من كيفو إلى 4000 متر عند براكين فيرونجا، وتنخفض الحافة تدريجيا إلى الشمال، ولكنها تعود إلى الارتفاع إلى متوسط ألفي متر بمحاذاة الساحل الغربي لبحيرة ألبرت، تعود بعدها إلى الانخفاض التدريجي صوب الشمال حتى تلتحق بهضبة الزاندي.
وأعلى نقطة في الكنغو هي قمة مرجريتا (5127)، وهي أعلى قمة في كتلة روينزوري الجبلية، وتقسم حدود أوغندا والكنغو هذه الكتلة الجبلية العالية الواقعة فيما بين بحيرتي ألبرت وإدوارد، شرقي مسار نهر السمليكي، ويغطي الجليد الدائم كل ما يزيد ارتفاعه عن 4500 متر في كتلة روينزوري - وبعبارة أخرى فإنه يغطي قرابة 600 متر في منطقة قمة مرجريتا - وفوق ذلك فإن كتلة روينزوري تمثل منطقة من أجمل مناطق أفريقيا، إن لم تكن أجملها قاطبة؛ فالتدرج المناخي والنباتي قلما كان له نظير: النوع الاستوائي ذو الغابات الكثيفة التي يسكنها الأقزام يملأ السفوح الدنيا من الكتلة، يتلوه حشائش السفانا، ثم غابات الجبال، ثم أعشاب المنطقة الباردة، وأخيرا ثلاجات هائلة. وعلى هذا النحو من الجمال الطبيعي، ولكن بدرجات أقل، كل الحافة الغربية للأخدود الغربي، وخاصة حول بحيرة كيفو، وفي إقليم رواندا، مما أكسب المنطقة طابعها السياحي الممتاز.
ويربط النظام النهري لحوض الكنغو هذه المناطق الشاسعة بعضها بالبعض الآخر؛
2
فهناك النهر ذاته الذي ينبع من جبال ميتومبا باسم نهر لوالابا، ويتجه شمالا حتى ستانلي فيل وهو يحمل هذا الاسم، ويجمع لوالابا مياه روافد الجنوب الشرقي كلها: لوفيرا ولوابولا (الذي يصل بين بحيرتي بنجويلو ومويرو)، ولوفوا (الذي يصل بحيرة مويرو بلوالابا)، ولوكوجا (الذي يصرف مياه الأخدود الغربي وبحيرتي كيفو وتنجانيقا)، وأنهار عديدة صغيرة تنبع من المنحدرات الغربية للحافة الغربية للأخدود الغربي، بالإضافة إلى نهر لومامي.
ومن ستانلي فيل حتى المصب يحمل النهر اسم الكنغو، وهو نهر عريض جدا - خاصة في مساره داخل الإقليم الاستوائي - كثير الجزر والمستنقعات، ويجمع الكنغو في مساره الاستوائي أنهارا عديدة تنبع من المنحدرات الغربية لحافة الأخدود الغربي (أكبرها أرويمي ووايتمبيري والأويلي)، ومن هضبة الزاندي وخط تقسيم المياه بين النيل وشاري والكنغو (أعظمها نهر الأوبانجي وروافده العديدة)، ومن داخل المنطقة الاستوائية الكنغولية (مثل مونجالا وجيري ولولونجا وتشوابا وسالونجا)، ومن الجبال البلورية في جابون وكنغو برازافيل (أكبرها نهر سانجا).
وقبل موقع كينشاسا (ليوبولد فيل سابقا) يلتقي الكنغو بأهم روافده الجنوبية ذلك هو نهر كساي، وهذا النهر في حد ذاته عبارة عن شبكة نهرية ضخمة تصرف هضاب كاتنجا الشمالية (نهر زانكورو ولوبلياش)، وهضبتي لوندا وبيهي (كساي ولولوا ولويبو وتشيكابا وكويلو وكوانجو)، كما يصرف أيضا مياه القسم الحوضي الأوسط بواسطة عدة أنهار أكبرها نهر لوكيني (الذي يصرف أيضا بحيرة ليوبولد الثاني).
ويضيق مجرى الكنغو بعد مدينة كينشاسا مباشرة لينحدر فوق مجموعة كبيرة من الشلالات التي تسمى إجمالا شلالات لفنجستون، وبعدها يصب في المحيط بخليج ضيق. وليست شلالات لفنجستون هي الوحيدة التي يتعرض لها النهر في مساره الطويل، بل هناك أيضا شلالات ستانلي جنوبي ستانلي فيل، وشلالات كندو وشلالات بوابة الجحيم
Hoellentor ، إلى الشمال من كونجولو. (3-2) المناخ
يسيطر المناخ الاستوائي على معظم جمهورية الكنغو، بينما تبدأ أحوال المناخ المداري ذي المطر الفصلي في الظهور في جنوب كساي وإقليم كاتنجا.
ومتوسط درجة الحرارة يتراوح بين 25°م في النطاق الاستوائي، وبين 20°م في إقليم المرتفعات الشرقية وكاتنجا. أما المدى الحراري السنوي فصغير في النطاق الاستوائي؛ فأحر الشهور مارس (25,6°م)، وأبردها أغسطس (24,2°م)، ومتوسط سقوط المطر في هذا الإقليم بين 1500 و2000مم في السنة، وتقل كمية المطر إلى الشمال والجنوب من النطاق الاستوائي؛ فمتوسط المطر في إقليم الأوبانجي حوالي 1600مم، وفي إقليم كساي وشمال كاتنجا بين 1000 و1500مم، وتقل الأمطار إلى ألف مليمتر في سواحل بحيرة تنجانيقا، وإلى 800مم في منطقة مصب الكنغو، بينما يسقط أغزر المطر في منطقة مرتفعات كيفو (بين 2200 و2600مم).
خريطة رقم (67).
وفي المنطقة الاستوائية الوسطى يسقط المطر كل شهر على مدار السنة مقدار أكثر من مائة مليمتر، بينما إلى الشمال من مسار نهر الكنغو بين ستانلي فيل وكوكلهاتفيل يسقط المطر بمقدار أكثر من مائة مليمتر شهريا طول السنة، فيما عدا الأشهر بين ديسمبر وفبراير، وفي منطقة عروض بحيرة ليوبولد ومدينة كندو يسقط المطر بمقدار أكثر من مائة مليمتر خلال الأشهر من سبتمبر إلى مايو، وفي بقية الجمهورية (حوض كساي كله ولوالابا الأوسط)، تسقط أمطار أكثر من مائة مليمتر في الأشهر التسعة من أكتوبر إلى يونيو، وفي الجنوب الشرقي (كاتنجا حتى نهر لوكوجا) تسقط أمطار أكثر من مائة مليمتر من نوفمبر إلى أبريل فقط.
وبما أن درجة الحرارة لا تكاد تتغير طوال السنة، فإن المطر وحده هو الذي يحدد فصول السنة؛ فالأمطار الاستوائية - كما عرفنا من دراسة المناخ (راجع الفصل: السادس - بالجزء الأول) - أمطار ذات موسمين للسقوط، يتخللها موسم جاف يطول ويقصر حسب موقع الإقليم من درجات العرض (راجع شكل رقم، 26 بالجزء الأول)، وبمراجعة الخريطة رقم (59) تتضح لنا الفصول المناخية في الأقاليم التالية: (1)
القسم الشمالي من الجمهورية (شمال خط الاستواء): تسقط الأمطار من منتصف مارس إلى آخر يونيو، يتلو ذلك فصل جاف قصير في يوليو، ثم تعود الأمطار في أغسطس إلى منتصف نوفمبر، ويحل الفصل الجاف الطويل من منتصف نوفمبر إلى منتصف مارس. (2)
بقية الجمهورية عدا الجنوب الشرقي (جنوب كساي وكاتنجا): تسقط الأمطار في مواسم مغايرة للقسم الشمالي، يبدأ موسم المطر الطويل من منتصف سبتمبر إلى نهاية ديسمبر، يلي ذلك فصل جفاف قصير خلال شهر يناير والنصف الأول من فبراير، ويعقب ذلك فصل مطير من منتصف فبراير إلى منتصف مايو، يعقبه فصل الجفاف الطويل من منتصف مايو إلى منتصف سبتمبر. (3)
الجنوب الشرقي (جنوب كساي وكاتنجا): يبدأ فصل المطر ببداية أكتوبر وينتهي في أوائل يناير، ثم يعقب ذلك فصل جاف قصير في يناير، وتعود الأمطار من فبراير إلى نهاية أبريل، ثم يأتي فصل جفاف طويل من مايو إلى آخر السنة. (3-3) النبات الطبيعي
تغطي الغابات الاستوائية الدائمة الخضرة حوض الكنغو بين درجات العرض 4 شمالا وجنوبا، وإذا أضفنا المناطق التي قطع منها الإنسان الأشجار، فإن المساحة التي كانت تحتلها الغابات الاستوائية تقدر بحوالي 1,7 مليون كيلومتر مربع من مجموع مساحة الدولة (2,3 مليون كيلومتر مربع)؛ أي قرابة 60٪ من المساحة الكلية.
3
وتمتد هذه الغابات بلا انقطاع بين الأوبانجي وكساي، وتتوغل مع شبكة أنهار كساي الهائلة جنوبا إلى هضبة لوندا، ولكن الغابة الكثيفة حقا توجد أساسا في القسم الشمالي الغربي بين بحيرة تومبا والأوبانجي في الغرب والأخدود في الشرق. وينمو في الغابات الاستوائية قرابة ألف نوع من الأشجار والمتسلقات، أما الغابات التي نمت طبيعيا بعد أن اجتث الإنسان الأشجار الأصلية، فإنها تتميز بقلة الكثافة والتنوع الشجري، وتظهر فيها أعداد أكبر من أشجار نخيل الزيت الذي يحافظ عليها الإنسان فلا يقطعها لقيمتها الغذائية، وتتميز الغابات الاستوائية عامة بنمو العديد من الأشجار ذات الأخشاب الراقية، ولكن استغلالها لا يتم إلا إذا كانت قريبة من طرق المواصلات، وأهم الطرق الطبيعية داخل الغابة الاستوائية هي الأنهار، وهي التي استخدمها الإنسان للتوغل في أعماق هذه الغابات الصعبة الاختراق.
خريطة رقم (68).
ويحيط بالغابة الاستوائية نطاق من السفانا الشجرية التي تظهر في هضبة الزاندي وإقليم الأويلي والأوبانجي حتى مدينة بانجي في شمال الكنغو، كما تظهر في لوالابا الأوسط وكساي ومنطقة كينشاسا ومصب الكنغو في الغرب.
وفي جنوب كساي وكاتنجا تظهر الغابات الجافة والسفانا القصيرة، أما في الهضاب والجبال الشرقية، فتظهر نباتات الجبال التي تبدأ بالغابات والحشائش الحارة حتى ارتفاع 2500 متر، فغابات البامبو، ثم نطاق النباتات الألبية الذي يظهر فوق 3500 متر.
ونظرا لضخامة مساحة الكنغو وقلة سكانه، ووقوعه في قلب الغابات الاستوائية، ووقوع بعض الجبال العالية في داخل المنطقة الاستوائية؛ فقد خصصت بلجيكا عدة مناطق أسمتها الحدائق الوطنية
National Parks ، وأكبر هذه الحدائق هي حديقة ألبرت التي تمتد من بحيرة ألبرت إلى إدوارد بما فيها نهر السمليكي وجبل روينزوري، وتبلغ مساحتها ثمانية آلاف كيلومتر مربع، وتضم نطاقا جميلا من الغابات الاستوائية في حوض السمليكي (غابة إيتوري) وبراكين فيرونجا وبحيرتي إدوارد وجورج ومستنقعاتهما الشمالية، وجبل روينزوري الذي تكلل قمته الثلوج، وتتدرج على سفوحه أنواع النباتات المختلفة، وتشتمل سفوح روينزوري وبراكين فيرونجا على أهم مواطن الغوريلا الضخمة. والحديقة الثانية: هي جارامبا التي توجد على حدود السودان والكنغو، وتبلغ مساحتها قرابة خمسة آلاف كيلومتر مربع، وتتميز بوجود عدد كبير من وحيد القرن. أما الحديقة الثالثة: فهي حديثة أوبمبا في أعالي لوالابا، وتبلغ مساحتها 11 ألف كيلومتر مربع، وهي بذلك أكبر الحدائق الوطنية في الكنغو. (4) الدراسة البشرية (4-1) المجموعات القبلية واللغوية
ينتمي سكان الكنغو، من ناحية الأصول السلالية إلى مجموعة متباينة غالبيتها الساحقة من زنوج الغابات (البانتو)، والباقي موزع على مجموعات عديدة صغيرة، هي زنوج السودان والنيليين والأقزام وبعض الحاميين والقليل جدا من الساميين.
ويبلغ عدد البانتو قرابة عشرة ملايين شخص، ويسكنون في معظم أرجاء الدولة إلا الأطراف الشمالية وبعض المناطق الوسطى والشرقية، وينقسمون إلى قبائل عديدة أهمها ما يلي: (1)
الباكونجو: يسكنون القسم الأدنى من الكنغو (ابتداء من كينشاسا وبرازافيل حتى المحيط)، وقسم كبير منهم يسكنون شمال غرب أنجولا، حيث توجد عاصمتهم القديمة التي تسمى سان سلفادور، وقد كان للباكونجو مملكة قديمة قبل وصول البرتغاليين عام 1482. وعلى الرغم من اعتناق ملك الباكونجو - المسمى ماني كونجو
4 - المسيحية ودخوله في معاهدة أخوة مع ملك البرتغال، إلا أن معظم الشعب رفض التعاون مع البرتغال، ورفض المسيحية (فيما يبدو بسبب منع المسيحية لتعدد الزوجات).
5
ولم تمنع معاهدة الصداقة من أن يصبح الباكونجو هدفا رئيسيا لغارات تجار الرقيق، وقد انهارت مملكة الباكونجو نتيجة الصراع الديني داخلها وغزوات القبائل المجاورة (الياكو) وتجارة الرقيق. والباكونجو قبائل عديدة منها الباكونجو على مسار النهر، والموشيكونجو والموزيرونجو وبابمبا في شمال غرب أنجولا، والكونجي والكامبا في كنغو برازافيل. (2)
الباكوبا (البوشونجو): يحتلون المنطقة بين نهري زانكورو وكساي، وهم قليلو العدد، ولكن لهم أهمية خاصة من حيث تكوينهم السياسي كمملكة ائتلافية من عدة قبائل نواتها الكوبا، ولهم أهمية خاصة من ناحية الفنون التشكيلية، بحيث يذكروننا بمهارة قبيلة البنين الفنية في نيجيريا. (3)
البالوبا: يسكنون معظم كاتنجا، ومركزهم الرئيسي لوالابا الأوسط، وقسم كبير من لوالابا الأعلى، ولهم امتداد كبير في شرق إقليم كساي ، وانتشرت لغتهم بين قبائل كاتنجا وكساي كلغة تخاطب - من سواحل بحيرة تنجانيقا إلى وسط أنجولا - وقد كون البالوبا مملكة واسعة في جنوب الكنغو في القرن الخامس عشر، ونظموا مملكتهم تنظيما لا مثيل له في ممالك هذا القسم من أفريقيا؛ فقد كان هناك دواوين حكومية، وجيش دائم لحماية الحدود الواسعة، ومعاهدات مع القبائل المجاورة، وكان للملك كونجولو، مؤسس المملكة، قدسية كبيرة لدى البالوبا، ولكن الخلافات على العرش قد أدت إلى تدهور المملكة. (4)
البالوندا: إلى الجنوب من البالوبا، موطنهم الأساسي هضبة لوندا في أنجولا حاليا، وقد كون البالوندا مملكة واسعة في القرن السابع عشر بمساعدة البرتغاليين، وكان للنساء شأن كبير في وظائف وزعامات المملكة؛ فإلى جانب الملك تأتي أخته في ترتيب الأهمية.
وإلى جانب هذه المجموعات الأربع نجد مجموعات قبلية بانتوية عديدة، نذكر منها: مجموعة «كوانجو-كويلو» بين كساي وكينشاسا، ومجموعة «مونجو-كوندو» بين بحيرة ليوبولد ومسار الكنغو، وتشمل أراضيها معظم أحواض الأنهار الصغيرة في هذه المنطقة (مثل تشوابا ولوكولو ولولونجا)، ومجموعة «نجالا» على نهر الكنغو بين مستنقعات جيري ونهر إيتمبيري، و«بواكا» على الأوبانجي (مركزهم ليبنجي)، و«الباتيتله» في المنطقة بين زانكورو ولومامي، و«الباليجا» بين لوالابا وبحيرة كيفو، وغير ذلك كثير جدا من القبائل المتفرقة.
ويسكن «زنوج السودان» حوض الأوبانجي الأعلى وحوض الأويلي - أي إن القسم الشمالي من الدولة هو وطنهم الرئيسي، ويبلغ عددهم قرابة أربعة ملايين، وأهم تجمعاتهم القبلية هي المانجبتو والزاندي من حوض الأويلي إلى حدود السودان، ونجباندي وبوندو في حوض الأوبانجي.
خريطة رقم (69): المجموعات القبلية واللغوية في زائيري.
ويسكن «المانجبتو» حوض الأويلي، وخاصة الضفة الجنوبية منه، ولقد اكتشفهم شفاينفورت في رحلته إلى شمال الكنغو، ووصف دولتهم وصفا دقيقا، وأشهر ما يعرف عن المانجبتو إطالة الرأس إلى الخلف بطريقة متعمدة منذ الصغر، كذلك نظام الدولة، ودرجة الفن العالية.
6
وقد بلغت مملكة المانجبتو أوجها في القرنين 18 و19م، ولكنها تفككت بعد ذلك إلى ممالك صغيرة، على رأس كل مملكة واحد من أعضاء الأسرة الحاكمة القديمة.
أما «الزاندي» فيسكنون إلى الشمال من المانجبتو، ويتوغلون إلى القسم الجنوبي من بحر الغزال في جمهورية السودان. ولقد تكونت دولة الزاندي نتيجة ترؤس مجموعة غريبة (ربما حامية) لهذه القبائل تسمي نفسها الأفونجارا، وقد توزع أعضاء من الأفونجارا في رئاسات القبائل المختلفة التي تنتمي إلى مجموعة الزاندي السياسية. ولأخت الملك عند الزاندي أهمية كبيرة - كما كان الحال عند الباكوبا والبالوندا.
7
ويلاحظ من توزيع الممالك القديمة في حوض الكنغو - سواء كانت ممالك بانتوية أو سودانية - أنها نشأت كلها على أطراف الغابة الاستوائية في الجنوب والشمال، بينما ظلت المناطق الوسطى ذات النمو النباتي الكثيف مناطق قبائل صغيرة متفرقة، لم تستطع أن تكون وحدات سياسية كبيرة، ولا أدل على ذلك من انتشار مجموعات «الأقزام» داخل النطاق الاستوائي. ويتركز الأقزام في مجموعتين داخل جمهورية الكنغو، هما: أقزام الشرق أو البامبوتي والأكاوالايفي، ويعيشون داخل أوطان المانجبتو والزاندي، ويمتدون جنوبا حتى نهر السمليكي. والمجموعة الثانية هي مجموعة الباتوا التي تسكن مناطق متفرقة من الأوبانجي إلى تشوابا، وإلى لوالابا الأوسط.
أما مجموعات «النيليين» فتسكن أساسا في أوغندا، وتمتد منهم مجموعات داخل الكنغو فيما بين بحيرة ألبرت والسودان، وأهم قبائلهم في الكنغو هم الألور. ويظهر «الحاميون» في صورة الطبقة الحاكمة لشعب متكون من البانتو المزارعين في رواندا بوراندي، ويمتدون أيضا إلى إقليم كيفو، ويعرف هؤلاء باسم الواتوتسي الذين يشتهرون في العالم بطول القامة والبأس في القتال. وأخيرا فإن «الساميين» الموجودين في الكنغو هم بقايا الأسر العربية التي استقرت في شرق الكنغو، حينما كانت هذه المنطقة مجالا لنفوذ التجار العرب القادمين من زنجبار والساحل الشرقي، ويتركزون الآن في ستانلي فيل وكاسونجو - على لوالابا قرب التقائه بنهر لوكوجا - ويبلغ عددهم قرابة مائة ألف شخص.
ويتكلم هذا العدد الكبير من المجموعات القبلية عدة لغات، نلخصها في مجموعتين رئيسيتين: هما مجموعة لغات البانتو، ومجموعة اللغات السودانية، أما المجموعات الصغيرة فهامشية (المورو-مادي، ثم الألور النيلية الشلكاوية ... إلخ). وفي داخل المجموعتين الرئيسيتين لغات ولهجات عديدة جدا، ولكن «لغات التخاطب» هي: (1)
الكيكونجو: في إقليم كينشاسا (لغة الباكونجو). (2)
اللنجالا: في الإقليم الاستوائي (لغة قبيلة نجالا). (3)
البانجالا: في الإقليم الشرقي (خليط سواحلي وكنغولي شرقي). (4)
تشيلوبا: في الجنوب الشرقي (كاتنجا وكساي)، وهي لغة البالوبا. (5)
السواحلية: في إقليم كيفو وأجزاء من كاتنجا.
ومن ناحية «الديانة» فإن الغالبية الساحقة من الكنغوليين ما زالوا على دياناتهم القديمة، ولكن الاتصال بالبرتغاليين منذ فترة طويلة، ثم بالأوروبيين عامة ابتداء من أواخر القرن الماضي، قد أدى إلى تزايد حركة التبشير في الكنغو بشدة. ويبلغ عدد المسيحيين عموما قرابة أربعة ملايين ونصف موزعين على النحو التالي: 3,8 ملايين يتبعون الكنيسة الكاثوليكية، و700 ألف يتبعون الكنيسة البروتستانتية، وتبلغ أعداد المراكز التبشيرية الكاثوليكية (عام 1959) 525 مركزا تضم 2984 من القساوسة، و2499 من الراهبات، بالإضافة إلى عدد من غير الأوروبيين هم 304 من رجال الدين الزنوج ، وهناك أيضا أربعة معاهد عليا، و23 معهدا متوسطا، و45 معهدا ابتدائيا لتخريج رجال الدين الكاثوليك، أما المراكز التبشيرية البروتستانتية، فقد بلغ عددها (عام 1956) 255 مركزا، تضم 587 من القساوسة، و952 من الراهبات - كلهم من الأوروبيين - وألف مساعد زنجي، وهناك 38 معهدا لإعداد رجال الدين من الزنوج، وأهم الهيئات الكاثوليكية في الكنغو هي آباء ميل هيل
Mill Hill ، والآباء البيض، والآباء الأوغسطين، والبندكتيين والجزويت والفرنسسكان والدومنكان والكابوشان والقلب المقدس، أما أهم الهيئات البروتستانتية فهي هيئة المعمدانيين الأمريكيين، والإرسالية السبتية الأمريكية.
وقد أدى انتشار التبشير إلى نشوء بعض الاتجاهات الدينية المتطرفة، ومن أشهرها في الكنغو حركة «سيمون كيبانجو» التي اشتهرت باسم الكيبانجوية.
وقد دعا مؤسسها إلى منع تعدد الزوجات، وأعلن تأسيس طائفته الدينية وأسمى قريته «أورشلييم»، وأحرق كنيسة كاثوليكية في تيزفيل بالقرب من كينشاسا، وقد سجن ومات في السجن عام 1951.
وإلى جانب المسيحية نجد أقلية إسلامية تقدر بحوالي ربع مليون ومعظمهم في الشرق، ولهم مدارس إسلامية في كجوما على بحيرة كيفو. (4-2) أعداد السكان
بلغ عدد سكان زائيري حسب آخر إحصائية (1957) 12,8 مليونا، وتدل تقديرات الأمم المتحدة على أنهم تزايدوا إلى نحو 15 مليونا في منتصف عام 1963، حيث كانت نسبة النمو السكاني 2,2٪ سنويا، ثم ارتفعت هذه التقديرات إلى قرابة 22,5 مليونا عام 1971 بنسبة نمو سنوي قدرها 4,2٪، ومن الطبيعي ألا يتضاعف عدد سكان دولة ما - مهما كانت نسبة الخصوبة عالية - في فترة قصيرة كهذه الفترة الممتدة 15 عاما من 1957 إلى 1971، ولهذا فالمفترض أن هناك أخطاء واضحة إما في إحصاء عام 1957، وإما في تقديرات 1971، خاصة وأن نسبة النمو السنوية قد رفعتها تقديرات القسم الديموجرافي بالأمم المتحدة إلى نحو الضعف في نحو ثمان سنوات، وليس ثمة من سبب يدعو إلى أن ترتفع الزيادة السنوية كثيرا عما يوجد في الدول المجاورة لزائيري راجع خريطة رقم (41)، ومن ثم فلعل تقديرات عام 1971 أعلى من الواقع بعض الشيء. وعلى كل حال فإن أرقام السكان في أفريقيا عامة ما زالت في حاجة إلى مزيد من الوقت لكي تقترب من الواقع.
وتختلف كثافة السكان داخل الكنغو من منطقة إلى أخرى؛ فهناك مناطق تشتد فيها الكثافة مثل مصب الكنغو ومنطقة كينشاسا، ومنطقة كوانجو كويلو، وكساي وزانكورو، ومنطقة ستانلي فيل ولوالابا الأوسط وجنوب كاتنجا، وأخيرا منطقة ثنية الأوبانجي الكبيرة، ولكن أكثف المناطق توجد غربي بحيرات ألبرت وإدوار وكيفو، وهي امتداد طبيعي للكثافة العالية في أوغندا ورواندا بوراندي، كذلك يتكاثف السكان في عدد من المدن الكبيرة ومراكز التعدين الرئيسية في كاتنجا (كولويزي، ليكاسي «جادو تفيل»، كبوشي، لوبومباشي)، وفي كساي (كاتنجا وباكوانجو)، وفي الإقليم الشرقي (أكيتي، وإيزيرو «باوليس»).
وقد ارتفع عدد المدن التي يزيد سكانها عن مائة ألف شخص من أربع عام 1963، إلى عشر مدن عام 1971، هي: كنشاسا 1,3 مليون، كاتنجا 428 ألفا، لوبومباشي 318 ألفا، مبوجي مايي 256 ألفا، كيزانجاني 229 ألفا، ليكاسي 146 ألفا، بوكافو 134 ألفا، كيكويت 112 ألفا، متادي 110 آلاف، مبنداكا 107 آلاف، ولكن هناك مدنا أخرى يزيد عدد سكانها عن 50 ألفا، مثل كاليمي (ألبرت فيل)، ومدن التعدين الأخرى في كاتنجا.
وإلى جانب هذه الأعداد من الأفريقيين كان في الكنغو، حسب إحصاء 1959، 115 ألفا من المستوطنين الأوروبيين، 80٪ منهم بلجيكيون والباقي موزعون على عدد كبير من الجنسيات الأوروبية، أهمهم: اليونانيون ثم الألمان والهولنديون.
وكان هذا العدد يكون قرابة 8٪ من المجموع الكلي لسكان الكنغو، وكانت أكبر نسبة من الأوروبيين تستوطن إقليم كينشاسا، حيث كان فيها 34 ألفا، ثم كاتنجا 33 ألفا، ثم الإقليم الشرقي 18 ألفا، وكيفو 14، وكساي تسعة آلاف، وأخيرا سبعة آلاف أوروبي في الإقليم الاستوائي، وهناك عدة أسباب لتركز المستوطنين في إقليمي كينشاسا وكاتنجا؛ فإن إقليم كينشاسا يضم عدة مدن هامة يعمل فيها الأوروبيون في المزارع وتربية الحيوان، نذكر منها: شيلا وبوما وتيزفيل وكيزانتو، وإلى جانب ذلك فالإقليم يضم العاصمة التي يتركز فيها مقر الحكم والإدارات المركزية للشركات، كما أنها المركز الرئيسي للنقل النهري في الكنغو، وأخيرا فإن الموانئ الكنغولية وعلى رأسها متادي، تقع داخل هذا الإقليم، أما إقليم كاتنجا فهو أهم مركز تعديني في الكنغو، وأغنى إقليم به.
وقد لا تعبر الأعداد وحدها عن أهمية الأوروبيين في الكنغو، بل تزداد هذه الأهمية وضوحا إذا عرفنا نسبة أعداد الأوروبيين إلى أعداد الأفريقيين؛ ففي كاتنجا يكون الأوروبيون قرابة 20٪ من مجموع السكان الأفريقيين، وفي كينشاسا يكونون 10٪، بينما يكونون 7٪ في الإقليم الشرقي، و6٪ في كيفو، و4٪ في كل من كساي والاستوائية.
وإلى جانب تقسيم الكنغو إداريا إلى ستة أقاليم (كينشاسا، الاستوائي، الشرقي، كيفو، كساي، كاتنجا - راجع الخريطة رقم 68)، فإن الإدارة البلجيكية قد قسمت أراضي هذه الأقاليم إلى قسمين: أولا المناطق التقليدية
milieu coutumier ، وثانيا المناطق غير التقليدية
milieu extra coutumier ، والمناطق التقليدية تركت الحكم للزعماء القبليين والعادات القبلية الاجتماعية والنظم القبلية أو التقليدية الأفريقية في الإنتاج، بحيث إن معظم الإنتاج في هذه المناطق (محاصيل زراعية أفريقية، وصيد أسماك وحيوان) كان يذهب إلى الاستهلاك داخل هذه المناطق، والباقي (35٪ على وجه التقريب من الإنتاج)، كان يذهب إلى التجارة الداخلية (مراكز التعدين والمدن). أما المناطق غير التقليدية فإنها كانت تحكم مباشرة بواسطة الأوروبيين، ويمارس فيها الإنتاج التجاري والزراعي المعدني.
وفي عام 1967 أعيد تقسيم الدولة إلى تسعة أقاليم كانت عواصمها وسكانها (تقديرات 1967) على النحو التالي:
الإقليم
العاصمة
السكان بالمليون
كنشاسا
كنشاسا
1,2
باندوندو
كيكويت
2,1
كساي الغربية
كاتنجا
1,6
الشرقية
كيزانجاني
2,4
كاتنجا
لوبومباشي
1,8
الكنغو الأوسط
متادي
1
الاستوائية
مبنداكا
1,7
كساي الشرقية
مبوجي مويي
1,7
كيفو
بوكافو
2,1
جدول 5-1: الموقف السكاني في الكنغو. *
المجموع
كينشاسا
كاتنجا
كساي
الاستوائي
الشرقي
كيفو
السكان (مليون)
13,9
3,3
1,7
2,2
1,8
2,5
2,3
الكثافة (شخص/كم)
5,9
9,1
3,4
6,8
4,6
5
9
الأوروبيون (ألف)
115
34
33
9
7
18
14
نسبة الأوروبيين للأفريقيين
8٪
10٪
20٪
4٪
4٪
7٪
6٪
سكان المناطق التقليدية (مليون)
10,8
2,4
1,1
1,9
1,5
1,9
1,9
نسبة سكان المناطق التقليدية الأفريقيين
78٪
73٪
67٪
87٪
80٪
77٪
83٪ *
La Situation Economique du congo Belge et du Ruanda-Urandi 1959 Bruxelles . (4-3) القوة العاملة والتركيب الاقتصادي الكنغولي
تدل أرقام الأمم المتحدة على أن عدد الأشخاص الذين يعملون في الكنغو هو 6309941 شخصا منهم 3162612 من الذكور، والباقي من الإناث - وهم أكبر قليلا في العدد من العاملين من الذكور - ويتوزع هؤلاء على الحرف الرئيسية كما يلي (الأرقام بالآلاف):
جدول 5-2: القوة العاملة موزعة على الحرف الأساسية. *
الزراعة والغابات والصيد
التعدين
الصناعة
البناء
الاجارة
النقل
الخدمات
الذكور
2210
76
190
160
82
101
1920
الإناث
3239
0,2
1
0,3
0,7
0,7
4 *
U. N. Demographic Year book 1964. P P. 240-241 .
وتدل هذه الأرقام على أن أعداد العاملين في حقل الزراعة يكون قرابة 80٪ من مجموع العاملين، وأن الباقي - ومعظمه يتكون من الذكور - يعمل في مختلف أنواع القطاعات الأخرى، وعلى هذا فإنه رغم ما يعرف عن ثروة الكنغو المعدنية، إلا أن الغالبية الساحقة من العمالة زراعية، ومعظمها متجهة إلى الزراعات التقليدية، والقليل هو الذي يعمل في زراعة المحصولات النقدية.
وتختلف مساهمة القوة العاملة الأفريقية في كل إقليم من أقاليم الكنغو في الحرف الأساسية، ويتضح ذلك جليا من الجدول التالي (ديسمبر 1957):
8
جدول 5-3: العمالة الأفريقية بالحرفة والإقليم.
الحرفة
عددالعاملين
النسبة المئوية من مجموع العاملين في كل حرفة
بالآلاف ٪
كينشاسا
كاتنجا
كساي
الاستوائي
الشرقي
كيفو
الزراعة
295
26
12
6
4
22
28
28
التعدين
101
9
31
20
14
35
الصناعة
121
11
34
24
3
10
19
11
التجارة
71
6
23
22
13
10
18
13
النقل
86
7
33
25
9
8
14
11
أعمال مكتبية
42
4
34
22
10
8
13
14
البناء
118
10
30
17
10
11
16
17
غير ذلك
314
27
43
10
11
8
14
14
المجموع
1148
100
27
15
9
12
19
19
ويتبين من ذلك أن: (1)
العمالة الزراعية عالية في الأقاليم الاستوائي والشرقي وكيفو، ويؤكد هذه الحقيقة أن الذين يعملون بالزراعة في هذه الأقاليم على التوالي: 50٪ و39٪ و38٪ من مجموع القوة العاملة بكل إقليم، ويرجع ارتفاع مساهمة الزراعة إلى أن هذه هي الأقاليم الاستوائية الحقة من الكنغو، بحيث إن نسبة كبيرة من الأرض عبارة عن أرض تقليدية تسودها الحياة التقليدية الاقتصادية (الزراعة والصيد). أما نسبة العاملين بالزراعة إلى مجموع القوة العاملة في الأقاليم الأخرى فهي: 9٪ في كاتنجا، و12٪ في كل من كينشاسا وكساي. (2)
ترتفع نسبة العمالة في التعدين في القسم الشرقي من الدولة (كاتنجا وكساي، وكيفو والشرقي)، بينما ينعدم التعدين في القسم الغربي من الدولة. (3)
تكاد تقتصر العمالة في الصناعة على أقاليم كينشاسا وكاتنجا والشرقي، حيث توجد المدن الكبرى، وما يؤدي إليه ذلك من احتياج للصناعات، وخاصة الغذائية. كذلك توجد في كاتنجا بعض الصناعات الخاصة بتحويل الخامات المعدنية إلى معادن. (4)
ونتيجة للأسباب التي أوضحناها في توزيع الصناعة، نجد أيضا أن توزيع حرف التجارة والنقل والأعمال المكتبية (إدارات الحكومة والشركات) والبناء يتركز في إقليم كينشاسا وكاتنجا والشرقي.
أما العمالة الأوروبية فتختلف جدا في تركيبها وأنواعها عن العمالة الأفريقية؛ فهناك 55٪ لا يعملون (زوجات وأطفال وكبار السن)، والباقي وعددهم قرابة أربعين ألف يعملون على النحو التالي:
جدول 5-4: العمالة الأوروبية في الكنغو بالحرفة والإقليم. *
الحرفة
المجموع
موظفو الحكومة
أعمال حرة
مبشرون
مستوطنون زراعيون
كينشاسا
11900
2300
6300
1600
1700
كاتنجا
11600
2000
5900
1000
2600
كساي
3200
700
1100
900
400
الاستوائي
2800
700
800
900
400
الشرقي
6000
1000
2300
1200
1600
كيفو
4500
900
1600
600
1300
المجموع
40000
7700
18000
6300
8000 * “La Stuation Economique du Congo Belge et du Ruanda-Unandi; 1959” Bruxelles .
ويوضح هذا الجدول اتجاه العمالة الأوروبية في الكنغو إلى الأعمال الحرة (التعدينية والصناعية والتجارية)، بالإضافة إلى الاستيطان الزراعي ، وتكون هاتان المجموعتان من الأعمال الحرة 65٪ من مجموع القوة العاملة الأوروبية، بينما يرتبط الباقي بالوظائف الحكومية والتبشير بنسب تكاد تكون متساوية.
وعلى الرغم من صغر القوة العاملة الأوروبية بالقياس إلى مثيلتها الأفريقية، فإن مساهمة كل منهما في مجموع الإنتاج التجاري لدولة الكنغو (القطاع الخاص وشبه الحكومي) غير متكافئة إطلاقا؛ فنسبة الإنتاج الأوروبي ضخمة جدا (86٪)، ويرجع ذلك بدون شك إلى توافر رأس المال والخبرة ومستوى التعليم العالي عند الأوروبيين، فضلا عن تملكهم زمام الأمور الإدارية والسياسية، وتشغيلهم القوة العاملة الأفريقية نظير أجور ضئيلة.
جدول 5-5: النسبة المئوية لمساهمة الأفريقيين والأوروبيين في الإنتاج التجاري (القطاع الخاص وشبه الحكومي) بسعر التكلفة. *
لعام 1957.
نوع الإنتاج ٪ للحرفة من جملة الإنتاج ٪ لإنتاج الإقليم من الحرفة بالنسبة لإنتاج الإقليم عامة
كينشاسا
كاتنجا
كساي
الاستوائي
الشرقي
كيفو
الإنتاج الأفريقي
الزراعة والثروة الحيوانية والأسماك
11
12
4
20
22
18
16
التجارة والحرف اليدوية
2
4
2
3
1
3
2
مجموع الإنتاج الأفريقي
13
16
6
23
23
21
18
الإنتاج الأوروبي
الزراعة والثروة الحيوانية
15
15
3
15
46
30
17
التعدين
27
55
36
8
23
الصناعة وإنتاج الكهرباء والغاز
14
23
15
7
5
10
9
البناء
5
6
4
4
6
7
10
النقل
14
18
15
12
13
11
9
التجارة والإسكان
16
23
12
11
14
15
17
خدمات أخرى (بنوك وتأمين وفنادق)
7
11
5
5
5
9
9
98
95
110
90
88
90
93
إنتاج مستورد −12 −10 −15 −12 −11 −11 −11
مجموع الإنتاج الأوروبي
86
85
94
78
77
79
82
المجموع الكلي
100
100
100
100
100
100
100 * “La Situation Economique du Congo Belge et du Ruanda-Urandi 1959” Bruxelles.
ويؤكد هذا الجدول الدور الرئيسي المسيطر الذي يلعبه الأوروبيون في إنتاج الكنغو قبل الاستقلال، وهذه السيطرة تأتت لهم عن طريق ملكية وإدارة كل وجوه النشاط الاقتصادي أو معظمه؛ فالدور الذي يلعبه الأفريقيون في الإنتاج ضئيل جدا، إذا استثنينا إنتاج المحاصيل التقليدية للكفاية الذاتية، وبعض أشكال تجارة القطاعي. ومهما قيل عن عدم دقة أرقام الجدول
5-5 ، فإن الحقيقة تظل ثابتة: إن اقتصاد الكنغو كان واقعا تحت سيطرة الأوروبيين تماما، ولهذا حدثت الفوضى الاقتصادية والسياسية في الكنغو بعد أن نالت استقلالها عام 1960، وهذه السيطرة الاقتصادية لم تكن وليدة الصدفة، بل جاءت نتيجة الشكل الاحتكاري الذي بني عليه اقتصاد الكنغو منذ دخوله دائرة الاستعمار البلجيكي، فلقد منح الملك ليوبولد امتيازات هائلة من الأراضي لشركات عديدة، اندمجت كلها في عدة شركات كبرى هي:
9
أولا: شركات حكومية: (1) الشركة الدولية للغابات والمعادن. (2) شركة الأسماك البحرية. (3) الشركة الزراعية. (4) الشركة العقارية. (5) هيئة استغلال النقل. (6) سكة حديد كاتنجا-ديلولو-ليوبولدفيل. (7) هيئة احتكار الماء والطاقة الكهربائية في شرق الكنغو. (9) شركة الطاقة الكهربائية في الكنغو الأسفل. (10) شركة مناجم ذهب «كيلو-موتو». (11) شركة التسليف للاستيطان والصناعة. (12) البنك المركزي.
ثانيا: الشركات شبه الحكومية: (1) شركة كاتنجا واللجنة الخاصة لكاتنجا. (2) اللجنة الوطنية لكيفو. (3) شركة سكك حديد الكنغو الأعلى-البحيرات العظمى الأفريقية. (4) شركة سكك حديد الكنغو الأسفل-كاتنجا. (5) شركة السكك الحديدية المحلية.
ثالثا: شركات القطاع الخاصة وائتلاف الشركات: (1) «مجموعة شركات الشركة العامة»: وتمتلك أربع شركات لأعمال البنوك والتمويل، وتسع شركات معدنية وكهربائية وصناعية في كاتنجا، وست شركات تعمل في كساي والإقليم الشرقي، وأربع شركات زراعية في مختلف أنحاء الكنغو، وشركات أخرى للغابات وتربية الحيوان والتعدين والبترول والأسمنت، وشركات إنتاج الأغذية والسكر والبيرة ومعامل أدوية، وشركات نقل نهرية وبحرية وحديدية. والشركة العامة هذه هي أكبر احتكار موجود في الكنغو، ورأسمالها يساوي ثلاثة أضعاف جميع الشركات الأخرى العاملة في الكنغو.
10 (2) «مجموعة شركات البارون أمبان»: ومعظمها مرتبط بالتعدين وصناعة الأغذية والاستثمار العقاري في الإقليم الشرقي، وتتكون من 14 شركة. (3) «مجموعة شركات ديو لونوا»: التي يمولها بنك بروكسل، وتضم سبع شركات مالية وعقارية وتجارية وتعدينية. (4) «مجموعة شركات لامبير»: وتضم تسع شركات مختلفة التخصص بين صناعات الأغذية والبيرة، إلى تعدين الذهب وتربية الحيوان. (5) «مجموعة شركات كومينيير»: المتكونة من سبع شركات معظمها يعمل في إنتاج الغابات والأخشاب والعقارات، ثم مجموعات فان رونزه وفان جيزل للنسيج والمطاط. (5) دراسة الإنتاج (5-1) الإنتاج الغذائي والتجاري
في تقسيم هيئة الأغذية والزراعة (الكتاب السنوي 1964) لأنماط استغلال الأراضي في الكنغو، نجد أن مساحة الغابات تساوي مائة مليون هكتار، ومساحة أراضي الزراعة التي يمكن زراعتها 49 مليون هكتار، إلى جانب مليوني هكتار ونصف المليون منه أراضي الرعي، و83 مليون هكتار أراضي غير مستغلة.
ومن هذه المساحات الهائلة يحتل الأفريقيون الجانب الأكبر، ولكن نظم الاقتصاد التقليدية تؤدي إلى الكثير من الضياع الاقتصادي إذا ما قورنت بنظم الإنتاج الحديثة؛ ففي مساحة الغابات الهائلة نجد أن الاستغلال التقليدي يتخذ أحد شكلين: الأول الصيد والجمع كما يفعل الأقزام، والثاني قطع الأشجار في مناطق صغيرة، ثم زراعة الأرض فترة قصيرة بمحصولات الغذاء الشائعة، وأهمها الدرنيات، بالإضافة إلى جمع الثمار الطبيعية (الموز والأنانس وثمرة نخيل الزيت من بين أشياء أخرى)، والنتيجة الوحيدة لهذا النوع من الاستغلال الاقتصادي هو إنتاج الغذاء من أجل الكفاية الذاتية للقبائل والعشائر المختلفة.
ولذلك فمن الصعب دراسة هذا النوع من الإنتاج إلا في صورة أرقام تقريبية، مع العلم بأن نوع التربة والمناخ السائدين يجعلان التفاوت الإقليمي داخل الكنغو طفيفا، بحيث لا يسمح بظهور تخصص إقليمي في إنتاج المحاصيل إلا في أضيق الحدود.
ومن أمثلة هذا التخصص الإنتاجي أن الماشية تتركز في إقليم كيفو المرتفع، حيث تلائم ظروف النبات (السفانا) رعي الحيوان، ويكون إقليم كيفو في هذا المجال امتدادا للرعي السائد في المناطق التي تجاوره شرقا: أوغندا ورواندا بوراندي.
كذلك نجد القمح - على صغر مساحته المزروعة - يتركز في جنوب كاتنجا، حيث تتيح الظروف الخاصة بهذا القسم من كاتنجا زراعة القمح (فصل جفاف طويل مع شمس ساطعة). ويتوزع القطن في نطاقين: الشمالي ومركزه الأويلي وأعالي الأوبانجي، والجنوبي ومركزه شرق كساي حتى نهر لوالا بالأوسط.
وفيما عدا ذلك فإن الذرة والدخن ينتشران أساسا في نطاق السفانا في كساي وهضاب الإقليم الشرقي، ويتركز الأرز في مناطق المستنقعات وحول ضفاف شبكة الأنهار في الإقليمين الشرقي والاستوائي، وبعض مناطق إقليم كساي. ويتوزع نخيل الزيت في مناطق أوسع بكثير من نطاقات الأرز داخل الإقليمين الاستوائي والشرقي (الأويلي وروافده، الكنغو وروافده، لوالابا الأسفل، كساي وكوانجو كويلو حتى أطراف مدينة كينشاسا)، ويتداخل إنتاج المطاط مع نطاق نخيل الزيت في أكثر الأحيان. وأخيرا فإن الفول السوداني يتوزع في المناطق المرتفعة البعيدة عن الغابات الحارة في كل أقاليم الكنغو ما عدا الإقليم الاستوائي (مناطق زراعته الأساسية كساي وكاتنجا والشمال الشرقي من الإقليم الشرقي)، ولا يكاد يخلو حقل في الكنغو من أنواع الدرنيات المختلفة (يام وكسافا وبطاطا)، كما أن مزارع الموز الكبير الذي يستخدم في عمل الطحين للخبز (غير الموز الحلو الذي نعرفه) تنتشر بكثرة في النطاقين الأوسط والشمالي من الكنغو.
أما الإنتاج الزراعي التجاري فيتكون من البن والشاي والكاكاو والقطن وقصب السكر، وتكاد المزارع الأوروبية تحتكر هذه الأنواع من الإنتاج الزراعي باستثناء القطن الذي يزرعه الأفريقيون فقط، وكذلك يشارك الأوروبيون بنسبة كبيرة في إنتاج زيت النخيل والمطاط. وفيما يلي جدول يوضح الإنتاج الزراعي عامة في الكنغو:
جدول 5-6: الإنتاج الزراعي في زائيري. *
المحصول
المساحة (ألف هكتار)
الإنتاج (ألف طن)
الصادرات † (ألف طن)
1953
1970
1953
1970
1967
القمح
4
4
3
4
الذرة
337
330
324
350
الدخن
91
40
56
38
الأرز
151
135
102
140
50
الكاسافا
655
700
5935
10000
البطاطا واليام
57
50
353
350
الموز
8
15
16
50
زيت النخيل
223
220
179
نواة النخيل
101 ؟
فول السوداني
200
320
120
200
28
السمسم
18
6
بذرة القطن
121
100
26
34
القطن
13
17
8
المطاط
40
18
36
32,3
قصب السكر ؟
13
135
400
البن
21
20
51
96
38,9
الشاي
3,2
6
3,1
الكاكاو
8
8
2
4,7
5,3
التبغ
3
2,5
2 *
الأرقام مجمعة عن:
F. A. O.,
1964-1970 .
Statistical Year book, U. N. 1964-1971 . †
أرقام الصادرات عن:
Europa Year book 1970, Vol. 2 .
ونستطيع أن نلخص الموقف الإنتاجي الأفريقي من المحصولات الزراعية على النحو التالي، معتمدين في ذلك على دراسة أنواع المحاصيل وتوجيهها للغذاء أو السوق، (أرقام 1957): (أ) محاصيل الغذاء (استهلاك محلي) (1)
القمح والأرز والبقول محاصيل يتركز إنتاجها كلها في مزارع الأفريقيين. (2)
90 إلى 99٪ من إنتاج الذرة والبطاطس والبطاطا واليام والكسافا وموز الدقيق والخضروات يتركز في المزارع الأفريقية، والباقي ينتج في المزارع الأوروبية، ربما لسد احتياجات الغذاء للأفريقيين العاملين في المزارع الأوروبية، أو بالإضافة إلى ذلك تسويق هذا الإنتاج محليا. (3)
حوالي 20٪ أو أقل من إنتاج موز الفاكهة وقصب السكر ينتج في المزارع الأفريقية لسد الحاجة من ناحية، ولإعطاء المزارع الأفريقي مصدرا للمال ببيع المحصول من ناحية أخرى. (ب) محاصيل الزيت (محاصيل نقدية) (1)
يتركز إنتاج السمسم في أيدي الأفريقيين تماما، وحوالي 98٪ من إنتاج الفول السوداني ينتج أيضا من مزارع الأفريقيين، وهذان محصولان تجاريان يعودان بالفائدة على المزارع الأفريقي. (2)
حوالي ثلث مساحة نخيل الزيت تدخل ضمن المزارع الأفريقية، والباقي في مزارع أوروبية واسعة، ولكن إنتاج المزارع الأفريقية ضئيل بالقياس إلى المساحة؛ فالإنتاج الأفريقي من الزيت يساوي 9٪ من الإنتاج الأوروبي، أما إنتاج نواة نخيل الزيت فيتركز 55٪ منه في المزارع الأفريقية، وسبب ارتفاع المساهمة الأفريقية ليس راجعا إلى تفوق إنتاجي، بل هو نتيجة لأن معظم النواة في المزارع الأوروبية تعصر في المصانع الحديثة التي أنشأها الأوروبيون داخل المزارع، بينما لا تتوفر سوى الوسائل البدائية غير المجدية مع النواة في المزارع الأفريقية، مما يجعلهم يصدرونها للسوق كما هي. وللانخفاض الكبير في إنتاج زيت النخيل من المزارع الأفريقية سبب مزدوج، الأول: هو عدم وجود المصانع الحديثة التي يمكنها أن تستخرج كل محتويات الزيت من لحم الثمرة، والثاني: هو أن نخيل الزيت في المزارع الأفريقية ينمو في صورة طبيعية أو شبه طبيعية، مما يؤدي أولا إلى طول النخلة فيتعذر الحصول على الثمار، ويؤدي ثانيا إلى كبر حجم النواة وصغر كمية اللحم الحامل للزيت، أما في المزارع الأوروبية فإن نخيل الزيت قد زرع في مساحات واسعة في صورة مزارع كبيرة، مما يؤدي أولا إلى سهولة جمع الثمار من الحقل ونقله، ويؤدي ثانيا إلى قصر النخلة باستمرار معالجتها حتى لا تنمو عالية، ويؤدي ثالثا إلى صغر حجم النواة وكبر كمية اللحم؛ مما ينجم عنه زيادة كبيرة في كمية الزيت المستخرجة.
خريطة رقم (70) و(71): الإنتاج الزراعي التجاري في زائيري: (1) نخيل الزيت. (2) البن (روبستا). (3) البن (عربي). (4) الشاي. (5) الكاكاو. (6) قصب السكر. (7) الفول السوداني. (8) القطن. (9) الأرز. (10) المطاط. (11) التبغ. (ج) محاصيل الألياف (محاصيل تجارية) (1)
يتركز إنتاج القطن تماما في المزارع الأفريقية؛ وذلك لأن حكومة الكنغو البلجيكية قد أدخلت القطن عام 1917، وفرضته بقوة القانون على المزارعين الأفريقيين لكي يصبح لديهم مصدر دخل نقدي من ناحية، ولتغطية احتياج السوق المحلية من الأقطان من ناحية أخرى، وقد أثمرت هذه السياسة ثمرة طيبة، وظل إنتاج القطن ينمو بحيث كان يغطي كل الاحتياجات المحلية ، ويصدر 18٪ منه للمناسج البلجيكية. وقد كان محصول القطن الكنغولي الرابع في أفريقيا بين 1948 و1953، ثم تناقص الإنتاج إلى أن أصبح ترتيب الكنغو السابعة بين الدول الأفريقية في موسم 1961-1962 الزراعي، وظل يتناقص أيضا بعد ذلك بدرجات محسوسة، والغالب أن الاضطراب السياسي الذي نجم عن الاستقلال والحروب في إقليمي كساي والشرقي قد أديا إلى تناقص التصدير إلى بلجيكا بسبب الأحوال السياسية. (2)
حوالي 15٪ فقط من إنتاج السيسال يتم في المزارع الأفريقية، ولكن إنتاجية هذه المزارع عالية جدا بالمقارنة بإنتاجية المساحة الضخمة للسيسال في المزارع الأوروبية، ورغم ذلك فإن إنتاج السيسال في الكنغو قليل جدا بالنسبة للإنتاج الأفريقي. (د) محاصيل تجارية بحتة (1)
البن: هو المحصول التجاري الكبير في الكنغو، وينقسم إلى نوعين: البن العربي في المناطق المرتفعة الشرقية، وبن «روبستا» في المناطق الاستوائية المنخفضة، وفي الحالتين يساهم الأفريقيون بإنتاج 20٪ فقط، بينما تصبح المساحة الباقية خاصة بالمزارع الأوروبية. (2)
الشاي والكاكاو: يقتصر إنتاجهما على المزارع الأوروبية فقط. (3)
التبغ: يتساوى إنتاج التبغ من المزارع الأوروبية والأفريقية على السواء، مع العلم بأن مساحة التبغ في مزارع الأفريقيين ضعف مساحته في المزارع الأوروبية. (4)
المطاط: تحتكر المزارع الأوروبية المطاط بحيث يوجد بها 85٪ من مساحة المطاط، و92٪ من إنتاجه.
ونستخلص من هذا أن إنتاج الغذاء يكاد يتركز في أيدي الأفريقيين، وأن المحاصيل النقدية الأساسية هي: نخيل الزيت (مشاركة أوروبية في الإنتاج أكبر من المشاركة الأفريقية)، والقطن (احتكار للمزارع الأفريقية)، والبن والمطاط والكاكاو (احتكار أو شبه احتكار للمزارع الأوروبية).
وبدراسة خرائط الإنتاج للمحصولات التجارية رقم 62 و63، نجد أن توزيع هذه المحصولات مرتبط في غالبيته بالظروف الطبيعية من حرارة عالية وأمطار كافية (بن روبستا في الغابات)، وحرارة منخفضة نسبيا وأمطار جيدة (البن العربي في الهضاب الشرقية)، وانحدارات تصرف المياه بسرعة (الشاي في مرتفعات إقليم كيفو)، أو تصريف بطيء (الأرز في الحوض الأوسط)، أو حرارة عالية وأمطار جيدة وحماية من الرياح (الكاكاو في وسط الغابات الاستوائية)، أو ظروف طبيعية استوائية محضة (المطاط ونخيل الزيت)، أما القطن فهو بأنواعه القصيرة الأمريكية صالح للإنتاج في ظروف مختلفة مدارية (نطاق الغابات الاستوائية في الشمال، وإقليم السفانا في الجنوب).
وعلى هذا يمكننا أن نلخص الموقف الإنتاجي للمحصولات التجارية حسب الأقاليم على النحو التالي: (1)
ضعف ملحوظ في إنتاج المحاصيل النقدية في كل من كاتنجا وكينشاسا، ولكن يعوضه كثير من زراعة الخضروات والبقول من أجل السوق الكبيرة في مدن التعدين في كاتنجا والمدن الرئيسية في إقليم كينشاسا، وخاصة العاصمة ومتادي، ويتركز إنتاج المحاصيل الغذائية والخضروات في كاتنجا حول الخط الحديدي من كولويزي إلى ديلولو في جنوب غربي كاتنجا، وكذلك يتركز هذا الإنتاج حول الخط الحديدي «متادي-كينشاسا»، وأهم مراكز هذه الزراعة يتركز حول مدينة تيزفيل. ويتميز إقليم كينشاسا أيضا ببعض الإنتاج التجاري المتمثل أساسا في البن والكاكاو في الكنغو الأدنى شمال النهر (إقليم مايومبي)، وقصب السكر في إقليم كوانجو وشمال مدينة كينشاسا، وبعض إنتاج زيت النخيل شمالي بوما وحول ضفاف أنهار كساي الأدنى وكوانجو-كويلو، وفي شمال كاتنجا يزرع بعض القطن، كما يزرع التبغ في شمالها الغربي. (2)
الإقليم الاستوائي من الأقاليم الغنية زراعيا؛ ففيه يتركز إنتاج كبير من زيت النخيل والأرز والمطاط والكاكاو والقطن. (3)
يتمتع الإقليم الشرقي أيضا بنسبة كبيرة من إنتاج المحاصيل التجارية، وعلى رأسها البن والقطن والأرز وبعض زيت النخيل. (4)
يكاد يحتكر إقليم كيفو إنتاج البن العربي - مع مساحة صغيرة من الإقليم الشرقي. (5)
يكاد أن يكون القطن ونخيل الزيت المحصولين الأساسيين في كساي، مع مساهمة في إنتاج المطاط والأرز والتبغ والفول السوداني.
ومن هنا نستطيع أن نؤكد الاعتماد المتبادل لكل الأقاليم في مضمار الإنتاج الزراعي على وجه العموم، ولكن نلاحظ أن الضعف الشديد في الإنتاج التجاري في كاتنجا على وجه الخصوص قد جعلها سوقا رائجة للمحصولات الزراعية الغذائية وغيرها، وبالمثل وبدرجة أقل نجد أن الوضع في إقليم كينشاسا مرتبط بالإنتاج الزراعي ببقية أقاليم الكنغو، ولكن يعوض ذلك النقص أن التعدين مصدر الدخل الأساسي في كاتنجا، والصناعة والنقل هما أهم مصادر الدخل في كينشاسا. وأهم ما تشتريه كاتنجا من الإنتاج الزراعي هو الذرة والفول السوداني والتبغ من إقليم كساي، واليام والأرز من إقليمي كيفو وكساي، وزيت النخيل من كساي والشرقي، والسكر من كيفو، والأخشاب من كساي وكيفو، والبن والقطن من كيفو والشرقي والاستوائي، وفي مقابل ذلك نجد أن التقدم الصناعي في كاتنجا كان يؤدي إلى أن تبيع السجائر والحلوى والبسكويت والبيرة والمنسوجات والمعادن المصنعة إلى بقية أقاليم الكنغو، وبالإضافة إلى ذلك فإن تقدم الإنتاج الزراعي والحيواني في المزارع الأوروبية كان من نتائجه أن تبيع كاتنجا إلى إقليمي كينشاسا وكساي الزبد والبيض والخضروات.
وعلى هذا النحو ارتبطت أقاليم الكنغو باعتماد متبادل شديد التماسك، وحينما حدثت الفوضى السياسية عقب الاستقلال لم يكن بمقدور الحكومة المركزية أن تترك كاتنجا تنسلخ عن الدولة، فإليها ينصب جانب كبير من تجارة الكنغو الداخلية، ومنها يستمد الكنغو أكبر دخل له نتيجة صادرات كاتنجا المعدنية للخارج. ونلاحظ أيضا أن إقليم كاتنجا قد عانى كثيرا من مشكلة توفير الغذاء خلال الحرب الداخلية بين حكومة تشومبي وحكومة الكنغو المركزية في عهد لومومبا، والقتال الذي نشب في تلك الآونة أيضا بين قبيلة البالوبا (التي كان زعماؤها يؤيدون لومومبا، والتي تكون جزءا كبيرا من سكان كاتنجا)، وبين حكومة تشومبي التي استندت إلى قبيلة البالوندا (التي تسكن أطراف كاتنجا الجنوبية وينتمي إليها تشومبي)، وقد أدى هذا إلى حدوث مجاعة أو ما يشبهها بين أفراد البالوبا؛ لتوقف عمالتهم في المناجم وتوقف نقل الغذاء إليهم من بقية أنحاء الكنغو. (5-2) الثروة الحيوانية
بالنظر إلى ظروف زائيري الإيكولوجية والبشرية، فإن الثروة الحيوانية قليلة، وقد كان تقدير هيئة الأغذية والزراعة لأعداد الحيوان عام 1970 على النحو التالي: الماشية 900 ألف، الماعز 1,6 مليون، الأغنام 570 ألفا، والخنازير 442 ألفا.
وحسب أرقام 1957 كان توزيع الثروة الحيوانية على أقاليم الكنغو على النحو التالي:
جدول 5-7: الثروة الحيوانية موزعة على الأفريقيين والأوروبيين * (الأرقام بالآلاف).
الحيوان
المجموع
كينشاسا
كاتنجا
كساي
الاستوائي
الشرقي
كيفو
الماشية
966
114,5
173,4
79,4
27,3
364,6
206,7
الأفريقيون
517
13,1
7
3,4
2,4
299,9
191,3
الأوروبيون
449
101,4
166,4
76
24,9
64,7
15,4
الماعز
1799,1
306,8
179,8
440,1
187,9
376
317
الأفريقيون
1793,7
305,2
178,4
439,8
177,9
375,4
316,8
الأوروبيون
5,4
1,6
1,4
0,3
1
0,6
0,2
الأغنام
636,4
74,1
137,2
160,2
7,4
98,6
155,1
الأفريقيون
614,2
72,5
130,4
155,4
6,4
95,7
153,7
الأوروبيون
22,2
1,6
6,8
4,8
1
2,9
1,4
الخنازير
349,9
129,9
23,1
105,4
11,3
30,2
49,4
الأفريقيون
307,5
117,6
11
103,5
45
24,4
46,6
الأوروبيون
42
12,3
12,1
1,9
6,8
5,8
2,8 *
Kaufmann, H., 1959. “Kongo”
.
ويتضح من هذه الأرقام ما يلي: (أ) من حيث التوزيع الإقليمي (1)
الإقليمان الشرقي وكيفو هما أغنى أقاليم الدولة في الثروة الحيوانية؛ ففيهما 60٪ من الماشية، و40٪ من الماعز والأغنام، ولكنهما يفتقران إلى الخنازير. هذا الغنى في الثروة الحيوانية ما هو إلا امتداد طبيعي لمناطق الرعي الكبيرة في أوغندا ورواندا بوراندي التي تجاور كيفو والشرقي من الشرق، كما أن الهضاب العالية في هذين الإقليمين تجعل المنطقة طبيعيا صالحة للرعي نتيجة وجود حشائش السفانا في بعض أقسامها. (2)
يمتلك إقليمي كينشاسا وكاتنجا ثروة حيوانية لا بأس بها، نتيجة وجود عدد كبير من المستوطنين فيهما. (3)
الإقليم الاستوائي أفقر الأقاليم من ناحية الثروة الحيوانية، لسيادة الغابات الاستوائية، وعدم ملائمتها للحيوان، وخاصة الحيوان الكبير. (ب) من حيث توزيع ملكية الحيوان (1)
يكاد الأوروبيون أن يتناصفوا أعداد الماشية مع الأفريقيين، ويتركز أكثر من 50٪ من ماشية الأوروبيين في إقليمي كينشاسا وكاتنجا؛ لكثرة المستوطنين الأوروبيين، ولوجود سوق رائجة في المدن الكبيرة في الإقليمين، بينما يمتلك الأفريقيون في هذين الإقليمين ماشية قليلة جدا، وماشية الأوروبيين معتنى بها؛ ولهذا فإن إنتاجها من الزبد يساوي قرابة خمسين مرة من إنتاج ماشية الأفريقيين. (2)
الغالبية الساحقة من ماشية إقليمي كيفو والشرقي ملك للقبائل الرعوية الأفريقية الكبيرة. (3)
الماعز حيوان أفريقي قديم، ولهذا فإن الأفريقيين قد عرفوا الاستفادة منه إلى الحد الأقصى (اللحم والجلد والقرون والأضاحي)، ومن ثم فإنه احتكار كامل لهم. (4)
وعلى النحو ذاته يمتلك الأفريقيون معظم الأغنام والخنازير، مع نسبة لا بأس بها من الخنازير في كينشاسا وكاتنجا لاستهلاك الأوروبيين في المدن والمزارع.
ولقلة أعداد الماشية بالكنغو فإنها تستهلك محليا، ولا تظهر في الصادرات الخارجية إطلاقا. (5-3) الثروة السمكية
إن قصر أطوال الساحل البحري الكنغولي قد أدى إلى ضآلة أسطول الصيد البحري، ولكن وجود نهر الكنغو وشبكته الضخمة الروافد قد جعل صيد السمك النهري بالغ الأهمية، ويكفي أن نعرف أن إنتاج السمك البحري عام 1955 كان 3063 طنا، مقابل 80220 طنا من السمك النهري، وقد بلغ الإنتاج 136 ألف طن عام 1958. والحقيقة أن إنتاج الأسماك النهرية ليس قاصرا فقط على الأنهار، بل يزيد عليه إنتاج البرك الصناعية التي أنشئت في الكنغو والتي تعرف باسم مزارع الأسماك، وتبلغ مساحتها 4066 هكتارا، وعددها 100174 حوضا أو بركة، معظمها تربى فيه أسماك البلطي التي تتميز بتكاثر هائل. أما مجالات الصيد النهري الرئيسية فتتركز في بحيرة مويرو ونهر لوابولا، ونهر لوالابا في كاتنجا، وبحيرة إدوارد في إقليم كيفو، ونهري لوالابا والكنغو في الأقاليم: الشرقي والاستوائي وكينشاسا.
وأهمية السمك واضحة بالنظر إلى النقص الكبير في اللحوم؛ فإلى جانب أهميته في غذاء الأوروبيين، فإن هناك جماعات تعيش على الأسماك كمصدر وحيد للحم، مثال ذلك الزاندي في الشمال الشرقي، وكثير من عشائر مجموعة مونجو-كوندو في أحواض أنهار لوكيلي وتشوابا وغيرهما في وسط الكنغو. (5-4) إنتاج المعادن
تتولى الاحتكارات الكبرى التي سبقت الإشارة إليها إنتاج الثروة المعدنية في الكنغو، دون أن يكون هناك شريك أفريقي في الإنتاج، على عكس إنتاج القصدير في جوس بنيجيريا والماس في غانا.
وتنتج الكنغو معادن عديدة منها التنجستن واليورانيوم والفضة والكادميوم والرصاص والبلاتين، ولكن أهم المعادن الكنغولية هي النحاس والماس والذهب والقصدير والزنك والكوبالت والمنجنيز والفحم، ومن دراسة الخريطة رقم (64) نرى أن الثروة المعدنية توجد في كاتنجا وكيفو والشرقي وكساي، ولكن أكبر تركز للمعادن يوجد في كاتنجا، حيث تظهر التكوينات الصخرية الحاملة للمعادن (تكوينات كوندولونجو ولوالابا-لوبلياش).
وتبدو أهمية المعادن الكنغولية واضحة إذا عرفنا أن قرابة 60٪ من قيمة الصادرات الكنغولية تتكون من المعادن، والثلث الباقي من المحصولات الزراعية التجارية على النحو التالي.
ويوضح الجدول التالي أهمية معادن زائيري التي تزيد عن 80٪ من قيمة صادرات الدولة:
جدول 5-8: قيمة صادرات زائيري.
الصادرات المعدنية
الصادرات الزراعية
السلعة
القيمة (مليون دولار)
السلعة
القيمة (مليون دولار)
1959
1969
1959
1969
النحاس
149,7
339,4
البن
58,3
25,4
الكوبالت
29,2
29,7
المطاط
20,3
22,2
الماس
30,7
22
زيت النخيل
30,6
17,4
قصدير
24,6
3,4
نواة النخيل
1,6
11,4
زنك
15,1 *
8
القطن
25,7
1,6 †
منجنيز
2,8
كاكاو
2,5 ‡
1,9
ذهب
12,7
3,2 §
شاي
2,6 ||
أخشاب
2,5
246,9
405,3
147,6
82,4 *
أرقام 1967. †
قيمة القطن لسنة 1964، الجدول عن الكتاب السنوي للجنة الاقتصادية لأفريقيا عام 1970، ومصادر أخرى. ‡
أرقام 1967. §
أرقام 1967. ||
أرقام 1967.
خريطة رقم (72): الثروة المعدنية في زائيري: (1) نطاق النحاس في كاتنجا. (2) القصدير والمعادن المرتبطة به. (3) نطاق الماس في كساي. (4) مناطق الذهب الرئيسية. (5) المنجنيز. (6) حقول الفحم في لوالابا الأعلى ولوكوجا. (7) محطات توليد الطاقة. (8) منجم اليورانيوم في شنكلوبوي.
تعدين وصهر النحاس والمعادن المرتبطة به
أكبر مركز لهذه المعادن هو نطاق النحاس الذي يمتد في جنوب كاتنجا وشمال زامبيا، ويمتد هذا النطاق مسافة حوالي 450 كيلومترا من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي، ويبلغ عرضه 250 كيلومترا، ورغم أن قرابة أربعة أخماس النطاق يقع في كاتنجا والخمس في زامبيا، إلا أن إنتاج زامبيا ضعف الإنتاج الكنغولي (1963)، ويعزى ذلك للفوضى التي حدثت في أعقاب استقلال الكنغو عام 1963 - محاولة تشومبي الاستقلال في كاتنجا والاضطراب الذي نجم عن ذلك. ويعدن النحاس من عدة مناجم أهمها: كيبوشي ولويشيا ورواشي ولويس ويشي في الجنوب من كاتنجا، وهناك مناجم ليكاس وشيتورو في وسط كاتنجا، ومناجم روييه وموسونوا وكولويزي إلى الغرب من نطاق النحاس ، والمعدن في حزام النحاس نوعان: كبريتد نحاس وأكاسيد نحاس، والنوع الأول يحصل عليه بطريقتين: الطريقة الأولى في صورة مناجم عميقة (500 متر) في كيبوشي، ونسبة المعدن فيه 4٪، والطريقة الثانية في صورة التركيز بطريقة التعويم، وهي أقل كلفة ولو أنه يخرج مختلطا بالزنك والكوبالت والرصاص والكادميوم والجرمانيوم، ثم يصهر هذا المزيج المعدني لفصل النحاس (99٪ نقاوة) على مرحلتين، وتكمل العملية بالتكرير الكهربائي من أجل التنقية النهائية، واستخلاص الكوبالت وبعض الفضة، أما الزنك فيحمص وينقى جزء منه بالكهرباء إلى درجة 99٪ - وجزء منه يرسل إلى بلجيكا - وفي خلال هذه العمليات ينتج حامض الكبريتك، أما الكادميوم والجرمانيوم فيركزان محليا وفي بلجيكا.
وتختلف مناجم كولويزي وروييه وموسونوا في طبيعتها تماما عن المناجم السابق ذكرها؛ فالخام يظهر في صورة أكسيد على السطح يستغل في صورة مناجم مفتوحة تحتوى خامتها على نسب عالية من المعدن تتراوح بين 6٪ و8٪، وفي مقابل رخص استخراج النحاس من هذه المنطقة نجد أن تكلفة فصل المعدن عن الخام أغلى من تلك التي تتبع في نحاس الحزام، ولكن الناتج من الصهر والتكرير الكهربائي لهذه الخامات المتأكسدة هو نحاس وكوبالت عالي النقاوة جدا، وأكبر مركز للصهر والتحليل الكهربائي موجود في جادوتفيل إلى الشمال من إليزابت فيل.
وقد أدى صهر النحاس في كاتنجا إلى استغلال مناجم الفحم الفقيرة في حوض لوينا في وسط كاتنجا، ولكن الإنتاج لم يكن يكفي مما أدى إلى استيراد الفحم من حقول وانكي في روديسيا، وإلى جانب ذلك أقيمت الكثير من محطات الطاقة على الأنهار العديدة في كاتنجا، بعضها من القوة بحيث يصدر الطاقة إلى حزام النحاس عبر الحدود إلى زامبيا قبل إنشاء سد كاريبا على الزمبيزي، وقد ارتفع إنتاج النحاس إلى 385 ألف طن عام 1970، بعد أن كان قد تدهور في 1963 إلى 271 ألفا نتيجة الأحداث السياسية، وانتاب الزنك ارتفاع مماثل فوصل 105 آلاف طن 1970 بعد هبوط نسبي؛ وبذلك فهو أكبر إنتاج في القارة يليه إنتاج زامبيا.
وفي زائري ثروة معدنية استراتيجية هامة؛ ففي 1913 عثر على «اليورانيوم» بالصدفة قرب لوبومباشي، ولم يستغل حتى 1943، وخلال الحرب العالمية وحتى 1950 كان كل سلاح ذري في العالم الغربي منتج من يوران زائيري الذي يمتاز بنسبة معدن عالية جدا (1-4٪ مقابل 0,02٪ في يوران جنوب أفريقيا)، لكن الاحتياطي يبدو قليلا في مناجم شنكلو بوي - التي بلغ إنتاجها (برغم السرية المفروضة)، قرابة نصف إنتاج جنوب أفريقيا في عام 1957 - ومن ثم أقفل المنجم عام 1961. وينتج «الراديوم» أيضا في كاتنجا، وما زال مستغلا حتى الآن، وقد كان اليوران يصدر إلى أمريكا، بينما يتجه الراديوم إلى معامل هوبوكن في بلجيكا. أما «الكوبالت» فهو الآن المعدن الاستراتيجي الهام في زائيري، وقد بلغ إنتاجه 10500 طن عام 1969، وهو ما يعادل 60٪ من إنتاج العالم الغربي كله.
وتنتج زائيري «الماس» بنوعيه: الكمبرلي (الجواهر) والصناعي، والنوع الأول قليل بالقياس إلى الماس المستغل في الأغراض الصناعية والذي تشتهر به زائيري، وكان الإنتاج 1,4 مليون قيراط عام 1970، كان الصناعي منه 1,2 مليون؛ ولهذا فإنه رغم صدارة زائيري في إنتاج الماس العالمي كميا إلا أن قيمة هذا الناتج قليلة لسيادة كمية الماس الصناعي المنتج، وبذلك تأتي زائيري في المرتبة الثالثة من حيث قيمة الماس المنتج بعد جنوب أفريقيا وغانا.
وهناك منطقتان رئيسيتان في إنتاج الماس في زائيري: الأولى منطقة تشيكابا في كساي الجنوبية الغربية - وتمتد هذه المنطقة عبر الحدود إلى أنجولا - والثانية منطقة صغيرة حول مدينة باكوانجا في كساي الشرقية، وهي رغم صغرها تنتج حوالي ثلث ماس الكمبرلي الغالي القيمة في زائيري.
أما «الذهب» فينتشر تعدينه في الإقليمين الشرقي وكيفو من زائيري، ولكن منطقة الإنتاج الرئيسية للذهب توجد في منطقة نهر موتو في الإقليم الشرقي، التي تنتج نحو 75٪ من ذهب زائيري. وإنتاج الذهب في تدهور مستمر في زائيري؛ فقد هبط من 17 ألف كيلوجرام عام 1940 إلى 11 ألفا عام 1957، إلى 5509كجم 1970. (راجع جدول
5-8 ).
وإلى جانب ذلك فهناك خليط معدني من «القصدير» وغيره يسمى كاسيتريت، وقد عثر على القصدير أولا في كاتنجا (منطقة مانونو)، ثم في منطقة مانيما في كيفو، وقد بلغ إنتاج القصدير أعلاه عام 1943 (17 ألف طن)، ثم هبط إلى 15 ألفا عام 1957، وإلى 6447 طنا عام 1970 + (1500 طن من المعدن المصهور )، وبذلك فهو يأتي في المرتبة الثانية بعد قصدير نيجيريا. ويرتبط بالقصدير عدة معادن نذكر منها: «التنجستن» و«الولفرام»، وينتجان مع قصدير مانيما (قرابة مائة طن لكل منهما) التانتاليت والكولمبيات. «الفحم»: اكتشف الفحم في حوض نهر لوكوجا (كيفو)، وحوض لوينا (وسط كاتنجا)، ومنطقة واليكالي غربي بحيرة كيفو، وكميته متناقصة باستمرار من 480 ألف طن عام 1955، إلى 92 ألف طن عام 1963. (5-5) الصناعة
بالرغم من قيمة الإنتاج المعدني والزراعي في الكنغو، إلا أن الصناعة ما زالت محدودة وضعيفة، وهي لا تكاد تكفي الاحتياجات المحلية، وأهم هذه الصناعات جميعا صناعة تحويل الخامات المعدنية إلى معادن نقية أو شبه نقية، وقد جاء ذلك كضرورة حتمية بعد أن أصبحت تكلفة نقل الخام من كاتنجا البعيدة إلى الموانئ عبئا ثقيلا على التعدين وأرباحه، وسهلت المهمة بوجود مصادر الفحم المحلية وإنتاج الطاقة من المساقط العديدة في كاتنجا وغيرها من الأقاليم.
أما بقية الصناعات فمحدودة بصناعات الأغذية (البيرة والمطاحن)، والصابون، والمنسوجات القطنية، والسجائر، والبلاستيك، والكيميائيات، والأسمنت، ولكن كلها على نطاق صغير. وتبلغ العمالة الصناعية قرابة ربع مليون عامل مركزين في إليزابت فيل وكينشاسا. (6) النقل وطرق المواصلات
نظرا لضيق الواجهة البحرية فإن الكنغو تستخدم موانئ الدول المجاورة بكثرة، فضلا عن الموانئ الكنغولية، ويتضح ذلك من حمولة البضائع الكنغولية في الموانئ المختلفة على النحو التالي:
جدول 5-9: حركة الموانئ وتجارة زائيري الخارجية.
الميناء
موانئ زائيري الحمولة (ألف طن)
الميناء
موانئ الدول المجاورة الحمولة (ألف طن)
1959
1970
1959
متادي
1458
1176
لوبيتو (أنجولا)
592
إنجو إنجو
351
بيرا (موزمبيق)
95
يوما
163
153
دار السلام (تنزانيا)
68
بوان توار (الكنغو)
29
ممبسة (كينيا)
18
المجموع
1972
1329
802
وتوضح أرقام 1959 أن بلجيكا أفلحت في تأمين ميناء قومي
11
لتجارة الكنغو (70٪)، ومع ذلك فالظروف المكانية كانت تستدعي - وما زالت - اعتمادا على موانئ الجيران، وقد كانت موانئ زائيري حتى 1960 تخدم نصف الصادرات، و80٪ من الواردات، وإلى عام 1965 كان:
60٪ من معادن كاتنجا تصدر من لوبيتو، منها 22٪ من نحاس زائيري.
25٪ من معادن كاتنجا تصدر من متادي، منها 40٪ من نحاس زائيري.
15٪ من معادن كاتنجا تصدر من بيرا، منها 33٪ من نحاس زائيري.
ويكون «النقل النهري» أطول شبكة نقل داخلية في الكنغو، وتبلغ أطوال تلك الشبكة قرابة 25 ألف كيلومتر، وتتكون السفن النهرية من أنواع مختلفة، بعضها من النوع القديم ذي العجلات الخشبية الدافعة من الخلف، ووقودها من الخشب، والبعض الآخر من السفن الحديثة التي تعمل بمحركات ديزل، وهناك جرارات كبيرة تدفع أمامها صنادل عديدة، على عكس الجرارات القديمة التي تسحب من ورائها الصنادل. وفي الكنغو 3460 سفينة من مختلف الأنواع والوظائف، حمولتها الكلية 300 ألف طن، وتمتلك بعض شركات التعدين سفنها الخاصة، ويلاقي النقل النهري للأشخاص عقبة خطيرة غير عقبات الملاحة، تلك هي الذباب والناموس والهاموش وغير ذلك من حشرات المناطق النهرية والمستنقعية، ولم يثبت حتى الآن نجاح أي من وسائل الإبادة الكيميائية وغيرها في مقاومة هذه الحشرات المؤذية. وتمتلك ثلاث شركات كبرى وسائل النقل النهري، وأكبرها «أوتراكو» (مكتب استغلال النقل النهري)،
12
تمتلك بعض الخطوط الحديدية (خط كينشاسا-متادي، وخط متادي-شيلا في إقليم مايومبي)، وتحتكر هذه الشركة النقل النهري بين كنشاسا وكيزانجاني وروافد زائيري (الكنغو) كالأوبانجي وكساي وروافدهما وبحيرة كيفو. والشركة الثانية هي «شركة سكك حديد الكنغو الأعلى والبحيرات العظمى»،
13
وتحتكر الملاحة في لوالابا الأعلى وبحيرة تنجانيقا. وتقتصر خطوط الملاحة للشركة الثالثة
14
على نهر إيتمبيري وميناء أكيتي، إلى جانب خطوطها الحديدية في الشمال الشرقي من الإقليم الشرقي. وأهم الموانئ النهرية: كنشاسا، كيزانجاني، وپونترفيل، وكندو، وكاليمي (ألبرت فيل).
أما «النقل الحديدي» في الكنغو فيتكون غالبه من خطوط حديدية قصيرة ومنفصلة فيما عدا شبكة حديد كاتنجا، وتمتلك الشركات التالية الخطوط الحديدية الآتية: (1)
شركة أوتراكو: تمتلك خط حديدي متادي-كينشاسا (400كم)، وخط حديد مايومبي (بوما-شيلا؛ وطوله 140كم)، وخط حديد كيفو (94كم). (2)
شركة الخطوط الحديدية من الكنغو الأدنى إلى كاتنجا:
15
وتمتلك 2556كم من أطوال السكك الحديدية التي تبدأ من خط زامبيا إلى كاتنجا، وتتفرع إلى فرعين: الأول حتى بورت فرانكي عند ملتقى نهر كساي ونهر زانكورو، والثاني في اتجاه لوالابا الأوسط حيث ينتهي عند كبالو. (3)
شركة خطوط الكنغو الأعلى والبحيرات العظمى، وتمتلك خطوط لوالابا الأوسط إلى بحيرة تنجانيقا: من كندو إلى كبالو إلى ألبرت فيل على بحيرة تنجانيقا، كما تمتلك خط حديد ستانلي فيل-بونتير فيل (125كم). ومجموع أطوال الشركة 839كم. (4)
وتمتلك شركة «فيسي كونجو» 840كم من الخطوط الحديدية في الإقليم الشرقي، تبدأ من ميناء أكيتي النهري إلى بوندو شمالا، وإلى باوليس ومنجبيرو شرقا. وفي 1970 كانت الأطوال الحديدية 5795كم.
أما «الطرق البرية» فيوجد منها 40 ألفا من الطرق الجيدة والمتوسطة، ومائة ألف من الطرق المحلية، وتحتل كاتنجا لأهميتها مركزا ممتازا في النقل؛ اذ تلتقي فيها أربعة اتجاهات: (1) إلى لوبيتو. (2) إلى بيرا بالسكة الحديدية. (3) إلى متادي (خط حديدي إلى إيلبو، ثم نهري إلى كنشاسا، وحديدي إلى متادي). (4) وإلى دار السلام (حديدي إلى كاليمي وعبر بحيرة تنجانيقا، ثم حديدي إلى دار السلام). وهناك مشروع لاستكمال الخط الحديدي بين إيلبو وكنشاسا؛ لتجنب بطء وتكلفة إعادة الشحن نهريا عبر الخط من كاتنجا إلى متادي. (7) التجارة الخارجية
خريطة رقم (73): شبكة النقل في جمهورية زائيري.
بلغت قيمة الصادرات الكنغولية
16
عام 1959 قرابة 500 مليون دولار مقابل 307 ملايين دولار للواردات، والملاحظ أن هناك ما يشبه الثبات في قيمة الواردات والصادرات؛ ففي 1966 كانت قيمة الصادرات 466 مليون دولار، وقيمة الواردات 336 مليون دولار - أي انخفاض طفيف في الصادرات، وارتفاع طفيف في الواردات.
وفي جدول
5-8
سبق أن أوضحنا أهم الصادرات وقيمتها، وتتجه معظم الصادرات إلى أوروبا الغربية، وخاصة بلجيكا التي كانت تستعمر زائيري إلى 1960. وتتضح الصورة نفسها في الواردات، حيث تسيطر السلع الأوروبية على تجارة زائيري من الواردات.
جدول 5-10: اتجاه تجارة زائيري 1966.
الدولة
الواردات ٪ من قيمة الواردات
الدولة
الصادرات ٪ من قيمة الصادرات
بلجيكا
33
بلجيكا
25
الولايات المتحدة
21,5
إيطاليا
10,1
ألمانيا
5,4
فرنسا
7,5
فرنسا
4
بريطانيا
6,3
روديسيا - زامبيا
3,8
ألمانيا
2,8
جنوب أفريقيا
3,7
جنوب أفريقيا
2,8
إيطاليا
3,2
الولايات المتحدة
1,8
بريطانيا
2,4
وتشمل قائمة الواردات مجموعة كبيرة من السلع المصنعة وشبه المصنعة، كان على رأسها (سنة 1966) الآلات والسيارات بما نسبته 28٪ من قيمة كل الواردات، والأغذية (لحوم وحبوب وأسماك) بنسبة 16,7٪، ثم الأقمشة القطنية السادة والمطبوعة بنسبة 7,8٪، والبترول ومشتقاته بنسبة 5,6٪، والمعدات الطبية والأدوية بنسبة 2,7٪.
ويلعب المكان الجغرافي دورا هاما في رفع قيمة المبادلات التجارية بين زائيري وجاراتها الجنوبية الأفريقية؛ ففي 1966 كانت واردات زائيري من روديسيا وجنوب أفريقيا وزامبيا ومالاوي وتنزانيا وأوغندا وكينيا حوالي 8٪ من قيمة جملة وارداتها، بينما بلغت قيمة صادرات زائيري إلى جنوب أفريقيا وغيرها من الجارات حوالي 4٪.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Baumann, H., & R. Thurnwald, & D. Westenmann. 1940 “Voelkerkunde von Afrika” Essen.
Bulck, G. van., 1948 “Les Recherches Linguistigues au Congo Belge” Bruxelles.
Bulletin et Memoires de la Societé Royale Belge d’Anthropologie et de Préhistoire. Bruxelles.
Bulletin mensuel des Statistiques Générales du Congo Belge et du Ruanda Urandi. Bruxelles.
Centre d’Information et du Documentation du Congo Belge: “L’Exploitation des Richesses Minieres du Congo Belge et du Ruanda Urandi” 1955, Bruxelles.
Comité des Transporteurs au Congo Belge: “Transports au Congo Belge” 1959, Bruxelles.
Derkinderen, G., 1955 “Atlas du Congo Belge et du Ruanda Urandi” Bruxelles.
Dussart, F., & R. Contreras, 1955 “Geographie de la Belgique et du Congo”.
Bruxelles.
Hance, W. A., & I. S. Van Dongen “Matadi, Focus of Belgian African Transport” in “Annals of the Association of American Geographers”.
Kaufmann, H., 1959. “Kongo-Ruanda Urandi” Bonn.
Ministère des Affaires Africaines, Direction des Etudes Economique, La Situation économique du Congo Belge et du Ruanda Urandi en 1957. 1958, Bruxelles.
Ministère des Colonies Belge, “Investments in the Belgian Congo and Ruanda Urandi” 1956, Brussels.
الفصل السادس
جمهورية جنوب أفريقيا
(1) أفريقيا جنوب اللمبوبو
تشتمل أفريقيا الجنوبية على مساحة صغيرة من القارة؛ إذ إن هذا الجزء هو بداية لضيق اليابس الذي ينجم عن اقتراب ساحل المحيط الهندي من المحيط الأطلنطي تدريجيا، حتى يلتقي به عند رأس أجولهاس، وينتهي بذلك اليابس الأفريقي في الجنوب.
وتتكون أفريقيا الجنوبية من عدة أقاليم طبيعية ذات أبعاد متوسطة إلى صغيرة، فهناك الإقليم الصحراوي في الغرب والشمال الغربي، وإقليم الحشائش المدارية في الشمال، وتتعدل هذه الحشائش في نطاق الهضاب العالية في الشرق، ولكنها تزداد كثافة وتسيطر عليها الحياة الشجرية المدارية في سهول المحيط الهندي. وفي الجنوب الغربي يظهر إقليم البحر المتوسط حول كيبتاون، ويمتد في الجنوب والشرق إلى جبال لانج برجن، وفيما بين هذا النطاق ونطاق الحشائش في الهضاب الشرقية تظهر أقاليم انتقالية قليلة المطر تسمى في مجموعها باسم إقليم الكاروو.
ويعد هذا القسم من أفريقيا الوطن الذي انتهت إليه رحلة البشمن من شرق أفريقيا، ولكنهم لم يكادوا يستقروا حتى لاحقهم الخطر نفسه الذي كان سببا في هجرتهم الجنوبية؛ ذلك هو وصول البانتو الرعاة والمزارعين، وعلى إثر وصولهم أخذ وطن البشمن ينكمش تدريجيا في اتجاه صحراء كلهاري، وأخذت جماعات بشمنية في الاندماج والانصهار داخل البانتو .
ولكن الأمور لم تستقر في أفريقيا الجنوبية؛ ففي منتصف القرن السابع عشر بدأ خطر جديد يلوح في الأفق، ذلك هو وصول الأوروبيين إلى كيبتاون واستقرارهم فيها، ثم توسعهم المستمر على حساب السكان القدامى: الهوتنتوت في القسم المغربي من جمهورية جنوب أفريقيا الحالية، والبانتو في القسم الشرقي منها. وقد صحب هذا التوسع الأوروبي عنف شديد لم يكن له مثيل في أفريقيا قاطبة، ولولا كثرة عدد البانتو وقلة عدد الأوروبيين لكان مصير الأفريقيين مماثل أو مشابه لمصير الأمريند (الهنود الحمر) في أمريكا الشمالية، ومع ذلك فإنهم يعانون الآن من حكم عنصري سافر لا مثيل له: انحباس مخز في مساحات صغيرة من الأرض تكرم بها عليهم الأوروبيون، وفقدان لكافة الحقوق القانونية، ومنع تام للمشاركة السياسية والدستورية، فضلا عن ظلم اقتصادي جائر وتمييز مادي وروحي على أساس اللون فقط.
وتمثل جنوب أفريقيا الدولة الأكثر تقدما في القارة من ناحية استغلال الموارد التعدينية الكبيرة ونمو الصناعة،:وقد سبق أن ذكرنا (راجع الفصل: الثالث - بالجزء الثاني) أن الاحتكارات المالية الكبرى تسيطر بشدة على اقتصاديات جمهورية جنوب أفريقيا، ولكن هذه الاحتكارات أضعف من مثيلاتها السابقة في جمهورية الكنغو. وبالرغم من وجود عدد كبير من المستوطنين الأوروبيين في جنوب أفريقيا، إلا أن هذا العدد - الذي يكون قاعدة متينة في الوقت الراهن لاستمرار الحكم الأوروبي المتعصب - لن يستطيع الصمود أمام أعداد الأفريقيين المتزايدة، وأول مظاهر الضعف في التركيب الحالي لجنوب أفريقيا يظهر في أشكال الاقتصاد المختلفة، المعتمدة على العمالة الأفريقية اعتمادا يكاد أن يكون كاملا، ومن خلال هذه الثغرة في البناء الأوروبي في جنوب أفريقيا سوف تحدث تغيرات شتى لصالح الأفريقيين، آخرها سيكون الحصول على حقوق متكافئة للحياة لكلا العنصرين: الأسود والأبيض، إذا بقي الأبيض بنفس الأعداد. (2) جمهورية جنوب أفريقيا (2-1) مقدمة تاريخية
بدأ أول استيطان أوروبي في جنوب أفريقيا عام 1652، حينما هبط يان فان ريبك وجماعة من الهولنديين في منطقة كيبتاون بأمر من شركة الهند الشرقية الهولندية، ليؤسس محطة للسفن التي تدور حول أفريقيا من أوروبا إلى جنوب آسيا أو العكس، وكان هؤلاء الهولنديون هم أول أجداد للمستوطنين الأوروبيين في جنوب القارة. وفي خلال 150 عاما من الحكم الهولندي تزايد عدد المهاجرين من هولندا وألمانيا وفرنسا، وامتدت رقعة الأرض التي استوطنوها صوب الشرق والشمال على السواحل، بينما كان الامتداد إلى الداخل محدودا. وفي عام 1795 احتلت بريطانيا كيبتاون وأصبحت المنطقة المحيطة بها ابتداء من 1806 جزءا من الإمبراطورية البريطانية، وفي أوائل القرن التاسع عشر ألغت بريطانيا الرق، ولكن الحكم الإنجليزي وإلغاء الرق لم يرق للبوير = (الفلاحين)؛ وخاصة لأن البوير كانوا - وما زالوا - يعتقدون أن هناك هوة عميقة مقدسة بين سكان أفريقيا وبينهم، بينما كان الإنجليز - في فترة إلغاء الرق - أكثر تحررا من البوير، ونتيجة لهذا الاختلاف أخذ البوير يهاجرون صوب الشمال الشرقي عبر الكاروو إلى إقليمي الأورنج والترنسفال، وهناك اصطدموا اصطداما عنيفا بالبانتو الذين أخذوا يشكلون خطرا على ما اعتقده البوير أرضا خالصة لهم،
1
وهذا الخطر جاء نتيجة عاملين يرجعان في الوقت نفسه إلى مسبب واحد:
العامل الأول:
محاولة الزعيم «شكا» - أحد كبار زعماء البانتو - توحيد البانتو بقبائلهم المختلفة تحت زعامته لصد تيار البوير المتزايد.
العامل الثاني:
توسع شكا بوسيلة الحرب ضد القبائل التي رفضت الانضمام له أدى بهذه القبائل إلى الهجرة في مختلف الاتجاهات في جنوب القارة، وخاصة في الاتجاه المضاد لتقدم البوير.
ولقد أدى هذا إلى احتكاكات كثيرة بين البوير والبانتو، أدى في النهاية إلى حروب عديدة سميت باسم حروب «الكافير»، وفي عام 1835 قرر البوير الهجرة بأعداد كبيرة إلى الداخل لمساعدة البوير الذين هاجروا من قبل. وفي عام 1836 بدأت الهجرة الكبرى
The Great Trek
إلى الداخل، وقد تمت هذه الهجرة الكبيرة في صورة مماثلة لهجرة المستوطنين الأوروبيين في أمريكا، فانتقل عشرة آلاف بويري في عربات تجرها الثيران، حملت كل متاع البوير ونساءهم وشيوخهم وأطفالهم، بينما ركب الرجال الخيول وفي يد هؤلاء السلاح والكتاب المقدس معا، منطلقين إلى أرض الميعاد عبر نهر الفال إلى سهول ترانسفال وسوازي لاند، واستمر تقدم البوير حتى كانت معركة عظيمة بينهم وبين الزولو عام 1838 على نهر عرف فيما بعد باسم نهر الدم، وهو أحد روافد اليفانتس لمبوبو، ولم يستتب لهم الأمر بعد هذه المعركة؛ إذ إن الأمر اقتضى سلسلة من المعارك خاضوها ضد المتابيلي في وسط وشمال الترنسفال، وعلى إثر ذلك فكك الأوروبيون الزولو وبعثروهم في مناطق مختلفة، ثم كون البوير جمهوريتي الأورنج والترنسفال، واعترفت بهم بريطانيا عام 1852.
أما أول استيطان إنجليزي كبير فقد حدث حينما وصل خمسة آلاف مهاجر إلى بورت إليزابث عام 1820، بناء على مشروع إنجليزي لتدعيم السيطرة الإنجليزية على القسم الشرقي من إقليم الكاب، واستقر الإنجليز في منطقة ألباني حول جراهمزتاون (المنطقة الساحلية بين بورت إليزابث وإيست لندن)، ثم جاء آخرون إلى ناتال، وأعلنت تلك المنطقة مستعمرة إنجليزية عام 1856. وهكذا انقسم البيض من حيث الأصل في جنوب القارة إلى مجموعتين رئيسيتين: الإنجليز (40٪ من البيض)، والبوير ومن انضم إليهم من المهاجرين من القارة (ألمان وغيرهم).
خريطة رقم (74).
وبعد اكتشاف الماس في كمبرلي عام 1870، وتوغل النفوذ الإنجليزي إلى الداخل، وسياسة سيسل رودس لاحتلال الأراضي عبر اللمبوبو (التي عرفت فيما بعد باسم روديسيا)؛ كان لا بد لجمهوريات البوير والإنجليز أن يصطدموا، وفعلا وقعت الحرب عام 1899، وانتهت بمعاهدة فرئينجنج
Vereeniging
عام 1902، بعد هزيمة البوير، وبذلك كونت بريطانيا إمبراطوريتها في جنوب القارة باسم اتحاد جنوب أفريقيا، الذي أعلن له دستور خاص عام 1908.
وقد ظلت جنوب أفريقيا عضوا في الكومنولت البريطاني حتى عام 1961، حينما أعلنت جمهورية منفصلة عن بريطانيا بعد استفتاء صوت فيه البيض فقط.
وتبلغ مساحة الجمهورية 1223905 كيلومترات مربعة، مقسمة على الأقاليم الأربعة التالية:
إقليم الكاب
721914كم
2
إقليم أورنج
129103كم
2
إقليم الترانسفال
285955كم
2
إقليم ناتال
86933كم
2
وقد وزعت الهيئات الممثلة لسلطات الدولة على العواصم الكبرى في الدولة؛ فمقر المجلس النيابي يوجد في كيبتاون (عاصمة إقليم الكاب)، ومقر المحكمة العليا يوجد في بلومفونتين (عاصمة الأورنج)، بينما يوجد مقر الحكومة في بريتوريا (عاصمة الترانسفال)، ولم يخص ناتال أي من هذه الهيئات - ربما لتفوق المستوطنين الإنجليز عدديا في هذا الإقليم، وضعف الاستيطان البويري فيه. (3) الدراسة الطبيعة (3-1) التكوين والتضاريس
تشتمل جمهورية جنوب أفريقيا على صخور وتكوينات صخرية تعد من أقدم ما هو موجود في القارة الأفريقية؛ لأنه يبدو أن جنوب أفريقيا كانت تكون قلب قارة جندوانا، ومما يدل على ذلك أن الصخور الحديثة لا توجد إلا في هوامش الجمهورية، بالإضافة إلى إرسابات حديثة معظمها قاري داخل الدولة؛ ففي القسم الغربي تظهر تكوينات جرانيتية هائلة، وكذلك كتل كبيرة من الصخور المتحولة في إقليم الكاب وإقليم ناماكا في جنوب غرب أفريقيا، وفي الشرق تظهر هذه الكتل النارية والمتحولة من سوازي لاند إلى روديسيا، وتظهر كتل أركية أحدث في وسط الشمال الغربي في محور يمتد شمال الأورنج ورافده فال حتى وسط الترانسفال، وهذه التكوينات على أكبر جانب من الأهمية من ناحية الثروة المعدنية؛ فهي تشتمل على الذهب في وتواترزراند إلى جانب تكوينات معدنية أخرى.
ويتكون القسم الجنوبي من إقليم الكاب من تركيبات التوائية حدثت في أواخر الزمن الأول، وأدت إلى تكوين سلسلتي زفارتبرجن ولانجبرجن، وهذه الالتواءات تكونت من صخور رملية وجيرية أرسبت في عصري السيلوري والديفوني، ثم التوت بشدة في الكربوني. ونظرا لأن الأقسام العليا من هذه الالتواءات متكونة من طبقات جيرية غير صلبة، فلقد نحتتها عوامل التعرية، بحيث لم تظهر إلا في المقعرات الالتوائية، بينما تآكلت في المحدبات. أما الحجر الرملي فأشد صلابة، ويظهر في صورة جبال محدبة مثل تلك التي نلحظها في جبل تيبول
Table
حول مدينة الكاب، ويلاحظ أن محور الالتواءات قد حدث في خطوط موازية لحافة الهضبة الأفريقية الجنوبية - أي من الغرب إلى الشرق.
أما تكوينات الكاروو فتغطي مساحة كبيرة جنوب حافة الهضبة، ولكنها تنتشر في أماكن كثيرة فوق الهضبة، مما يجعلها أوسع انتشارا من الإقليم الجغرافي الذي أطلق اسمه عليها. ويقال إن تكوينات الكاروو تغطي مساحة تساوي نصف جمهورية جنوب أفريقيا، وهذه التكوينات تشتمل على صخور من الكربوني حتى الترياسي، وتمتد من إقليم الكاب حتى سوازي، ومن كمبرلي حتى المحيط الهندي، وبذلك تأخذ شكل مثلث كبير قاعدته بين إيست لندن وسوازي على المحيط الهندي، ورأسه شمال كيبتاون على المحيط الأطلنطي، وفي هذه المساحة الكبيرة لا تظهر أية آثار التوائية ، ويؤدي تتابع تكوينها من الحجر الرملي والجيري الهش إلى ظهور عدة حافات صخرية تتوجها صخور شديدة الصلابة، وكذلك تتميز كثير من القمم بسطوح مستوية وحوائط شبه عمودية، وقد تعرض القسم الشرقي من هذه التكوينات إلى حركة التوائية وحيدة شملت القسم الشرقي من الجمهورية، من ناتال حتى الزمبيزي عبر الترانسفال الشرقية وروديسيا، ويرجع عمر هذه الحركة إلى الفترة التي تكون فيها الأخدود الأفريقي. وفي هذا القسم الشرقي تحتوي تكوينات الكاروو الحديثة (الترياسية) على طفوح من اللافا الشديدة الصلابة تتوج حافات عديدة - كما أن هذه اللافا هي العامل الذي أبقى على الالتواء الوحيد وأعطاه هذا المظهر الجبلي عبر الترانسفال وروديسيا (ويسمى جبال لبومبو). والأهمية الكبرى لتكوينات الكاروو أنها التكوينات الحاملة للفحم في الدولة. وإلى جانب هذين النوعين من التكوينات: الأركي والكاروو، نجد تكوينات بحرية حديثة نسبيا (كريتاسي وزمن ثالث) على السواحل الجنوبية والغربية، وتكوينات قارية (رمال وتكوينات بحيرية) من الزمن الرابع في بوتسوانا.
ونتيجة لقدم التكوين في جنوب أفريقيا، فإن هذا الجزء من أفريقيا يوضح بجلاء المظهر التضاريسي الخاص بالقارة القديمة؛ فهناك حافة الهضبة التي تتميز بخط واضح من الحافات المتعاقبة التي تفرق بينها وبين الإضافات الهاشمية التي للقارة من الشرق والجنوب والغرب، وتمتد الحافة في خط يكاد أن يكون متصلا فيما بين الزمبيزي وجنوب ناتال، وكذلك في الجنوب في سلسلة من الحافات المتصلة حتى المحيط الأطلنطي. وأعلى الحافات، وفي الوقت ذاته أعلى منطقة في الدولة، هي حافة كاتلامبا أو «دراكنز برج» في لوسوتر، وترتفع كل نقطة في الحافة إلى أعلى من 1500 متر، ويبلغ متوسط الارتفاع في دولة لوسوتو حوالي ثلاثة آلاف متر، وأعلى نقطة هي جبل تابانتشونيانا
Thabantshonyana (3483 مترا).
وفيما بين الحافة والمحيط مسافات متراوحة العرض متوسطها 150 كيلومترا، عبارة عن سطوح منحدرة بشدة عند إقدام الحافات، ومنحدرة ببطء وفي صورة سلمية في اتجاه الساحل، ويتم هذا الانحدار في صورة سلسلة من السقوط عبر حافات عالية، وقد ساعدت الأنهار القصيرة السريعة على نشاط التعرية في الحافات الشرقية، بينما كان لقلة الأنهار في الحافات الغربية أثر في ترك الحافات دون تعرية نهرية خطيرة، ولا يظهر الانحدار السلمي للهضبة في الجنوب حيث تظهر السلاسل الالتوائية، وإن كانت هذه السلاسل تأخذ أيضا الشكل السلمي، فبين الحافة الجنوبية وسلسلة زفارتبرجن يمتد الكاروو الكبير في صورة سطح تحاتي، تنحدر إليه حافة الهضبة من متوسط ارتفاع 1100 متر إلى حوالي 600 متر في الكاروو، ثم تعود إلى الارتفاع في جبال زفارتبرجن إلى متوسط 1500 متر، وتهبط إلى الكاروو الصغير (450 مترا) لترتفع مرة أخرى في سلسلة لانجبرجن إلى 900 متر، وتهبط بعد ذلك إلى السهل الساحلي في انحدارات بطيئة.
أما الأنهار - وخاصة في الشرق كاللمبوبو، وفي الغرب كالأورنج - فقد قطعت الحافة الأفريقية وقضت على المظهر السلمي للانحدار، وكونت طرقا طبيعية للصعود إلى سطح الهضبة.
وبينما تنحدر من سفوح الهضبة أنهار صغيرة عديدة، فإن أكبر أنهار جنوب أفريقيا هما: اللمبوبو والأورنج، بالإضافة إلى نظام نهر جوريتز الذي يخترق السلاسل الالتوائية في الجنوب. واللمبوبو نهر مشترك بين جنوب أفريقيا وبوتسوانا وروديسيا، ويصب في موزمبيق، ولكن روافده الكبيرة تنبع من الترانسفال. أما الأورنج فهو أطول أنهار جنوب أفريقيا، ويكون مجراه الأدنى الحدود بين جنوب أفريقيا وأفريقيا الجنوبية الغربية، وكلاهما غير صالح للملاحة، وينطبق ذلك أيضا على غالبية أنهار جنوب أفريقيا الأخرى. (3-2) المناخ
تبعا لاختلاف التضاريس والموقع تختلف ظروف المناخ في جنوب أفريقيا؛ فدرجة الحرارة تختلف من السهول الساحلية إلى الهضاب العالية، وإحدى مناطق الدولة هي سهول ناتال التي ترتفع فيها درجة الحرارة إلى متوسط سنوي 20° مئوية، وتصل حرارة الصيف إلى 24°م، وحرارة الشتاء إلى 16 درجة مئوية (دربان). أما الهضبة الشرقية فتتطرف فيها الحرارة من 23°م في الصيف إلى 8 درجات في الشتاء (بلومفونتين). أما إقليم الكاب الغربي فيتمتع بمناخ أشبه بالبحر المتوسط، وتبلغ أقصى حرارة 21° مئوية، وأدناها 13° مئوية (كيبتاون). وتتأثر درجة الحرارة في الأقاليم الساحلية باتجاه الرياح والتيارات البحرية، ولهذا ترتفع درجات الحرارة على الساحل الشرقي بتأثير تيار موزمبيق الحار، بينما تنخفض نسبيا بتأثير تيار بنجويلا البارد على الساحل الغربي. ويتضح من هذه الأرقام أن المدى الحراري أكبر ما يكون في الداخل، ولو كانت عندنا أرقام من منطقة جريكا الغربية لوجدنا التطرف الحراري أكبر من الهضبة. ويتعرض جنوب أفريقيا لنظام بسيط من الضغط الجوي يؤدي إلى ارتفاع الضغط شتاء (يوليو)، وانخفاضه صيفا (يناير)، مما يؤدي إلى رياح جنوبية شرقية في الصيف على القسم الشرقي والأوسط، بينما في الشتاء يتعرض الطرف الجنوبي الغربي لرياح غربية وعواصف راعدة باردة تتوغل أحيانا حتى الترانسفال، وعلى هذا الأساس فإن القسم الشرقي والهضبي مطير صيفا، والجنوبي والجنوبي الغربي شتاء.
والقسم الداخلي جاف معظم السنة، ولكن هناك ظروفا تضاريسية محلية تؤدي إلى تعقيد الصورة البسيطة التي ذكرناها؛ ففي الشرق والجنوب ترتفع حافات الهضبة العالية فجأة على غير بعد كبير من الساحل، مما يؤدي إلى هبوب الرياح على السواحل وفوق السهول لعدم قدرتها على الارتفاع السريع مع الحافات العالية، فيترتب على ذلك حرمان الداخل من تأثير هذه الرياح، وفي الوقت ذاته تشتد سرعة هذه الرياح فوق السهل الساحلي. وقد أدت هذه الظاهرة التضاريسية أيضا إلى تغير كبير في صورة نسيم البحر والبر؛ ففي النهار يشتد نسيم البحر، بينما في الليل لا يكاد يوجد نسيم بر بالمعنى المعروف؛ لصغر مساحة اليابس السهلي المجاور للبحار. وفوق الهضبة يسود الهدوء الرياح ليلا، بينما تتحول في النهار إلى شمالية وشمالية غربية خفيفة.
خريطة رقم (75): كمية الأمطار السنوية في جنوب أفريقيا: (1) أقل من مائة مليمتر. (2) 100-200مم. (3) 200-400مم. (4) 400-600مم. (5) 600-800مم. (6) 800-1000مم. (7) أكثر من ألف مليمتر في السنة.
وإلى جانب هذه الرياح العامة فهناك في بعض الأحيان رياح محلية متربة تسمى رياح برج (الجبل)، وتهب من الداخل حاملة كتل الهواء الداخلية إلى الساحل الغربي على وجه الخصوص، وتهب بمتوسط سنوي قدره خمسون يوما، وتشبه بذلك رياح الخماسين في وادي النيل من حيث فترة هبوبها، ولكن رياح برج تهب عادة في الشتاء حاملة معها حرارة عالية تصل في المتوسط إلى 32° مئوية، وسجلت أعلى حرارة في بورت نولوث (جنوب مصب الأورنج) حيث وصلت إلى 46° مئوية، وقد تستمر هذه الحرارة العالية يومين أو ثلاثة مع بعض الانقطاع، وتؤدي هذه الحرارة العالية إلى أضرار كثيرة بالمحصولات. وتهب رياح البرج على الساحل الغربي غالبا مرة في الصباح ومرة بعد الظهر، بينما يؤدي نسيم البحر إلى تلطيف الحرارة نسبيا في الظهر، ويبدو أن سبب ارتفاع الحرارة راجع إلى تضاغط الرياح أثناء هبوطها من سطح الهضبة إلى السهل الساحلي الضيق.
ومن حيث المطر الساقط يمكن أن نميز نظامين أساسيين هما: إقليم المطر الصيفي، ويسود السواحل الشرقية والجنوبية الشرقية والهضاب الشرقية، ويقل المطر تدريجيا حتى نصل إلى إقليم بوتسوانا الجاف. والنظام الثاني هو المطر الشتوي، ويتمركز في أقصى الجنوب الغربي، ويمتد في الجنوب قليلا ليلتحم بنظام المطر الصيفي عند بورت إليزابث، بينما يقل المطر بسرعة عند خليج سانت هيلانة لندخل المنطقة الصحراوية عند اقترابنا من مصب الأورنج.
وأغزر مناطق المطر هي ساحل ناتال وحافة دراكنزبرج في الشرق، وكتلة جبال دراكنشتاين في الجنوب الغربي، ويسقط في هذه الأماكن أكثر من مائة سنتيمتر من المطر، ويقل المطر إلى نحو 65سم في شرق الكاب وفي أورنج وترانسفال.
وتوضح الأرقام التالية درجات الحرارة وكمية المطر الساقط في محطات ممثلة لأقاليم مناخية متميزة في جنوب أفريقيا.
جدول 6-1: المعدلات المناخية لبعض المحطات في جنوب أفريقيا.
المحطة
درجة الحرارة (مئوي)
كمية المطر الساقط (مليمتر)
يناير
يوليو
يناير
يوليو
المجموع
بورت نولوث
16
12
2
7
57
كيبتاون
21
13
15
108
577
بورت إليزابث
21
13
30
50
577
دربان
24
16
110
25
1049
ماسيرو (لوسوتو)
21
7
100
12
630
بلومفونتين
23
8
90
10
564
جوهانسبرج
20
11
110
7
856
كمبرلي
25
10
60
5
412 (3-3) النبات الطبيعي
أدت الظروف التضاريسية والمناخية المختلفة إلى تنوع في النبات الطبيعي كبير، من الصحاري القاحلة إلى نباتات البحر المتوسط إلى حشائش الفلد والسفانا وأشجار مدارية عديدة.
ويتكون النبات الطبيعي في إقليم الكاب، وخاصة في الجنوب والجنوب الغربي من كيبتاون حتى بورت إليزابث من حشائش وأشجار البحر المتوسط، تعرف محليا باسم ماكيا، وتتكون أساسا من حشائش قصيرة دائمة الخضرة تنمو إلى ارتفاعات تتراوح بين 1800 متر و2500 متر، ولكن معظم الأراضي المنبسطة التي كانت تغطيها هذه الحشائش، قد حلت محلها الزراعة الحديثة. وفي النطاق الجبلي ما زالت بقايا غابات معتدلة من الخشب الصلب، غالبيتها أصبحت تحت إشراف الحكومة. ويضاف إلى ذلك زراعة أنواع مستوردة من الصنوبر الأوروبي والأمريكي من أجل الخشب، وأنواع أخرى من سنط أستراليا
Black Wattle ، يزرع على ارتفاعات متوسطة (600-1500 متر) في سفوح الهضبة في ناتال والترانسفال من أجل استخلاص مادة للدباغة.
خريطة رقم (76): النبات الطبيعي في جنوب أفريقيا: (1) نبات صحراوي. (2) أعشاب الكاروو القليلة. (3) حشائش الكاروو. (4) أعشاب مدارية قليلة مع أشحار السنط والكافور (من 2-4 نباتات شبه صحراوية). (5) حشائش الكاروو الانتقالية. (6) ماكيا (أشجار وأعشاب البحر المتوسط - نوع الكاب). (7) غابات معتدلة. (8) غابات جافة مختلطة بالحشائش. (9) غابات جافة وشوكية . (10) نباتات الجبال المدارية العالية.
أما إقليم الكاروو فتنمو فيه أنواع من الحشائش شبه الجافة والجافة، وهذا النوع من النبات يتقدم شرقا على حساب الحشائش الأغنى الصالحة للرعي، وذلك من جراء ازدياد الرعي وإفقار التربة، والسبب في ذلك راجع إلى أن الحيوانات تأكل الأنواع الأفضل من الحشائش، مما لا يعطي بذورها فرصة للنمو، بينما تترك أعشاب الكاروو تنمو دون أن تؤكل، وتمتد حشائش الكاروو شمالا إلى الأورنج، وتقل تدريجيا لتحل محلها الأعشاب الصحراوية في القسم الأسفل من وادي الأورنج. أما القسم الشرقي من الهضبة الأفريقية فتنمو عليه أفضل أنواع الحشائش المعتدلة المسماة حشائش الفلد، وتنقسم إلى قسمين: حشائش الفلد الحلوة والمرة، والحشائش الحلوة أعظم فائدة للرعي من المرة، وتظل محتفظة بقيمتها الغذائية بعد أن تجف في الشتاء، بينما الحشائش المرة تجف في الشتاء ولا تصبح غذاء مفيدا للحيوان. وتنمو حشائش الفلد الحلوة في مناطق أمطارها أقل من الحشائش المرة التي تنمو بكثافة كبيرة، وفي منطقة غابات ناتال والترانسفال الشرقية تنمو أيضا حشائش مرة تسمى فلد الشجيرات، أو فلد الأحراش، ولكنها أكثر احتواء على الغذاء من الفلد المرة.
ونتيجة لسيادة الحشائش على النبات الطبيعي في معظم جنوب أفريقيا، فإن السكان - سواء كانوا أفريقيين أم أوروبيين - يعيشون على رعي الحيوان إلى جانب حرف أخرى، وترعى الأغنام والماعز في المناطق ذات الحشائش الخشنة، وفي الأحراش والمناطق شبه الجافة، بينما ترعى الماشية في مناطق الحشائش الغنية، ولهذا فإن نطاق الأبقار يكاد يقتصر على القسم الشرقي من الدولة، وخاصة في ناتال وشرق الكاب والأورنج وجنوب الترانسفال، بينما يمتد نطاق الأغنام إلى وسط الكاروو وشمال الترانسفال والأورنج وجنوب غرب الكاب. (4) الدراسة البشرية (4-1) سكان جنوب أفريقيا والمشكلة العنصرية
بلغ عدد السكان في جمهورية جنوب أفريقيا نحو 21,5 مليونا في تقديرات الأمم المتحدة لعام 1970، وكانوا قرابة 17,5 مليونا عام 1963، وتبلغ نسبة الزيادة السنوية للسكان معدلا معتدلا (2,4٪)، ولا شك أن الهجرة إلى الدولة مسئولة عن المعدل العالي نسبيا. ومتوسط الكثافة السكانية العامة 16 شخصا/كم
2 ، ولكن هناك مناطق تقل فيها الكثافة بشدة، كما هو الحال في معظم القسم الغربي من الدولة؛ ففي منطقة الكاروو الكبير ومنطقة الأورنج الأدنى تصبح الكثافة أقل من شخص واحد/كم
2 ، على حين تصبح الكثافة في وسط وشرق الترنسفال وناتال وشرق الكاب وحول كيبتاون حوالي 30 شخصا/كم
2 . وقد كانت كثافة الأقاليم الأربعة المكونة للدولة على النحو التالي (1963): ناتال 35 شخصا/كم
2 ، الترنسفال 22 شخصا/كم
2 ، أورنج عشرة أشخاص/كم
2 ، وأخيرا إقليم الكاب 7 أشخاص/كم
2 .
جدول 6-2: عناصر السكان في جنوب أفريقيا.
السلالة
العدد بالآلاف ٪ من مجموع السكان
1960
1970
1960
1970
البانتو
10927
15057
68,7
70,2
الملونون
1059
2018
9,3
9,4
مجموع الأفريقيين
12437
17085
78
79,6
الأوروبيون
3088
3751
19
17,5
الآسيويون
477
620
3
2,9
المجموع
16002
21448
100
100
ويتكون سكان جنوب أفريقيا من عدة سلالات محظور عليها الاختلاط بحكم القانون، والمجموعات السلالية الرئيسية هي البانتو (السكان الأفريقيون)، والملونون (خليط هوتنتوت مع الأوروبيين وغيرهم)، والأوروبيون (هولنديون = بوير + إنجليز وجنسيات أوروبية أخرى)، وأخيرا الآسيويون (معظمهم من الهند)، وتتوزع السلالات بنسب مختلفة في المدن والأقاليم الأربعة على النحو التالي:
جدول 6-3: (أ) عناصر السكان في المدن الكبرى (1968).
المدينة
عدد السكان (بالآلاف) ٪ أوروبيون ٪ بانتو ٪ ملونون ٪ آسيويون
جوهانسبرج
1364
34,9
56,7
5,5
2,8
كيبتاون
625
32
13
54
1
دربان
683
27
29,8
4,4
38,5
بريتوريا
492
53
41
2,6
3
بورت إليزابث
381
31,2
39,6
27,8
1,3
بلومفونتين
146
43,2
51,3
5,5
وتزداد حقيقة توزع السلالات والعناصر وضوحا إذا ما درسنا التوزيع الجغرافي على أقاليم الدولة الأربعة، ويلخص الجدولين
6-3 ،
6-4
هذه الحقائق الجغرافية، بالإضافة إلى القوانين التعسفية التي تصدرها الدولة، فمن الناحية الجغرافية يتركز البانتو في الترنسفال ونتال وشرق الكاب والأورنج، ويتركز الملونون في غرب الكاب، بينما يتركز الآسيويون في ناتال التي هاجروا إليها كمزارعين، ويضاف إلى ذلك قانون ولاية أورنج الذي لا يسمح للآسيويين بالإقامة والعمل فيها إطلاقا.
جدول 6-4: توزيع عناصر السكان على الأقاليم الأربعة.
البانتو
الملونون
الأوروبيون
الآسيويون
الإقليم
عدد السكان بالآلاف ٪ من كل البانتو ٪ من سكان الإقليم ٪ من كل الملونين ٪ من سكان الإقليم ٪ من كل الأوروبيين ٪ من سكان الإقليم ٪ من كل الآسيويين ٪ من سكان الإقليم
الترانسفال
6225
43
74
7
1,6
46
23,5
15
0,9
الأورنج
1374
10
78
1
2
9
20
ناتال
2933
20
73,5
2
1,4
12
11,6
80
13,4
الكاب
5328
27
56
90
24,7
33
18,8
5
0,5
وهذا الجدول ليس في حاجة إلى تعليق كثير؛ فالبانتو يتوزعون على أقاليم الدولة، وإن كان أكبر تركز لهم يوجد في الترنسفال؛ وذلك لاحتياج نطاق التعدين الكبير في الترنسفال إلى الأيدي العاملة الرخيصة، وعلى النسق ذاته يتوزع الأوروبيون في شيء من التكافؤ على الأقاليم الأربعة، مع زيادة في الترنسفال والكاب، أما الملونون فيتركزون في الكاب، والآسيويون في ناتال.
وفيما يختص بالتركيب العنصري للسكان داخل كل إقليم، نجد أن البانتو يكونون الغالبية الساحقة، وإذا أضفنا الملونين إلى البانتو نجد أن نسبة الأفريقيين ترتفع إلى 80٪ في الكاب والأورنج، وإلى 75,6٪ في الترنسفال، وقرابة 75٪ في ناتال، ويكون الأوروبيون ما بين الخمس والربع من السكان في كل أقاليم الدولة (انظر الخريطة رقم 69).
وينقسم بانتو جنوب أفريقيا إلى ثلاث مجموعات لغوية هي: (1)
مجموعة الفندا: وتمتد على ضفتي اللمبوبو ومعظمها في جنوب روديسيا، وعدد الذين يتكلمون هذه اللغة 245 ألف شخص في جنوب أفريقيا حسب إحصاء 1960. (2)
مجموعة نجويني: وتشتمل على عدة قبائل هامة، وتسكن في إقليمين رئيسين: الأول شرق الكاب ومعظم ناتال فيما بين نهر سونداج شرقي بورت إليزابث حتى نهر توجيلا شمال دربان، ويشتمل هذا الإقليم على قبائل زوسا (3,04 ملايين) حول إيست لندن، والزولو (2,8 مليون) حول دربان، وبوندو وتمبو فيما بينهما. والإقليم الثاني يمتد في سوازي لاند إلى الشمال من ناتال، وتسكنها قبيلة سوازي (335 ألفا)، كما يمتد إلى مواطن قبيلة ندبيلة (300 ألف) في جنوب شرق ووسط الترانسفال.
خريطة رقم (77): شعوب جنوب أفريقيا قبل وصول الأوروبيين: (1) أوطان البانتو (زنوج الجنوب). (2) أوطان البشمن. (3) أوطان الهوتنتوت.
خريطة رقم (78): توزيع أراضي جنوب أفريقيا بين الأفريقيين والأوروبيين: (1) معازل البانتو. (2) أراضي الهوتنتوت. (3) المساحة المخصصة للأوروبيين. (3)
مجموعة سوتو-تسوانا:وتنقسم إلى عدة قبائل أهمها السوتو في حوض نهر أوليفانتس في شرق الترانسفال، وفي مرتفعات باسوتو (2,1 مليون)، ومجموعة تسوانا غربي الفال واللمبوبو إلى داخل بوتسوانا (1,2 مليون)، وتشتمل على قبائل عدة منها: بامانجواتو وباكجاتلا ورولونج وتلابنج وكلهاري غربي اللمبوب واللوفيدو شمال الترانسفال.
ويتضح من هذا التوزيع (انظر خريطتي 68 و69) أن القبائل البانتوية قد أصبحت تحتل ما يشبه حدوة الحصان، تبدأ من شرق الكاب حتى شمال الترانسفال، ثم تتجه غربا إلى بوتسوانا حتى نهر الأورنج، أما معظم الأراضي الواقعة داخل حدوة الحصان فيحتلها الأوروبيون، والملاحظ أيضا أنه باستثناء مواطن نجوني في ناتال وشرق الكاب، فإن أراضي التسوانا والسوتو هي إما مناطق جبلية وعرة، أو حافات هضبية صخرية، أو أودية نهرية فقيرة، أو مناطق جافة، بينما يحتل الأوروبيون أحسن المناطق من حيث الارتفاع والسهولة والغنى والثروة.
وإلى جانب البانتو توجد مجموعة أفريقية قديمة هي الهوتنتوت - صاحبة أراضي الكاب كله - وقد أفنى الهولنديون معظمهم، وطورد الباقون إلى صحاري جنوب غرب أفريقيا، ولا يوجد حاليا سوى أعداد قليلة من الهوتنتوت ترعى الأبقار في إقليم ناما الصغير جنوب مصب الأورنج، ومنطقة جريكا غربي التقاء الفال والأورنج.
خريطة رقم (79): المجموعات القبلية في جنوب أفريقيا.
أما «الملونون» - وأحيانا يسمون ملوني الكاب لكثرتهم الساحقة في الإقليم - فإنهم عبارة عن خليط ناجم عن التهجين الذي استمر قرابة قرون ثلاثة بين الأوروبيين من جهة، والهوتنتوت وزنوج غرب أفريقيا والملايو من جهة ثانية، فحينما طارد الهولنديون الهوتنتوت وأخذوا أبقارهم، اتضح عدم صلاحيتهم للعمل الزراعي كعبيد للأوروبيين، ومن ثم استقدموا رقيقا من غرب أفريقيا والملايو على دراية بفنون الزراعة، وقد أدى وجود هذه الجماعات واحتكاكها الدائم بالأوروبيين إلى اختلاط هو في غالبيته الساحقة غير شرعي، ومعظمه بين رجال بيض ونساء غير البيض، وهكذا نشأ الملونون، وهم يعملون في حرف ومهن كثيرة، وخاصة في صناعة البناء والتدريس والطب، وكانوا حتى 1951 يدرجون مع الأوروبيين في قائمة الانتخابات، ولكن الحكومة الحالية أخرجتهم من هذه القائمة مخالفة بذلك القانون الأساسي لجنوب أفريقيا الصادر عام 1909، وقد كانت أصوات الملونين على جانب كبير من الأهمية والنفوذ في الانتخابات، وسببا من أسباب فقدان الحزب الوطني - الحاكم حاليا - مقاعد كثيرة، أما الآن فلم يعد لهم هذا التأثير، وإن كان يمكنهم انتخاب أربعة ممثلين لهم فقط.
وعلى الرغم من أن الملونين أحسن حالا من الزنوج، ويمكنهم أن يتولوا مناصب أعلى منهم، إلا أن الفقر ما زال منتشرا بينهم، ومساكنهم ما زالت فقيرة جدا، ونظرا لأنهم يقفون في منتصف الطريق بين السود والبيض، فإنهم يتعرضون دائما للتمييز من جانب المجموعتين السوداء والبيضاء الذين لا يقبلونهم في صفوفهم.
وجدير بالذكر أن من بين الملونين مجموعة تسمى ملازيو الكاب، وعددهم قرابة 40 ألفا، وهم في الأصل مهاجرون أو منفيون من الملايو من المسلمين الذين تزاوجوا مع الأوروبيين وغيرهم ويحتفظون بإسلامهم، وهم حرفيون وتجار ممتازون، وأحوالهم الاقتصادية أكثر رخاء من بقية الملونين، ولا شك أن إسلامهم يجعلهم يحسون بالقوة والتواحد مما يساعدهم على الوقوف بقوة ضد الاضطهاد.
أما «البانتو» فرغم تفوقهم العددي الساحق، ورغم أنهم أصحاب معظم الأراضي الغنية في الدولة، (راجع الخريطة رقم 68)، إلا أن التوسع البويري قد أفقدهم حقوقهم، وفرض عليهم الأوروبيون الحياة في مناطق محدودة جدا من الدولة؛ فلقد انتزع البيض ما مساحته 89٪ من مجموع مساحة الدولة لصالحهم، والباقي أقاموه معازل للأفريقيين في المناطق التي تجمع فيها البانتو بعد هزيمتهم - أي في المناطق المتطرفة في صورة حدوة الحصان السابق شرحها.
ويحاول كثير من الكتاب الأوروبيين ترويج أقوال نصيبها من الصحة مشكوك فيه، تلك هي الادعاء بأن البوير والبانتو قد وصلوا إلى جنوب أفريقيا في وقت متقارب، وبالتالي فإن للبيض حقوق الاستيلاء على الأرض الخالية، تماما كما هو الحال بالنسبة للبانتو، ورغم ذيوع هذا الادعاء في الكتب، إلا أن أحدا لا ينكر أن تقدم البوير إلى الأورنج والفال قد تم بعد معارك عديدة مع السكان من البانتو، وهذه الحقيقة وحدها تعطي للبانتو حق الأرض قبل البوير.
وتسير سياسة الحكم الحالي على خطوط عنصرية واضحة تسمى بسياسة الانفصال أو التفرقة
apartheid ، وترمي إلى عزل الأفريقيين في مناطقهم الحالية وفصلهم تماما عن الأوروبيين في حياته الاقتصادية، والهدف هو إقامة دولة أو دول أفريقية تسمى «بانتوستان» داخل جمهورية البيض. وفي الوقت الحاضر تخضع معازل البانتو لإشراف ورقابة مشددة من جانب هيئة حكومية تسمى إدارة البانتو، وفي الوقت ذاته تخضع الحياة اليومية داخل المعازل لحكم الرؤساء القبليين التقليديين، ولكن التطور والاحتكاك بالحياة الأوروبية في معزل ترانسكي قد أدى إلى نمو نمط جديد للحكم الداخلي لا يعتمد على الرؤساء التقليديين، بل على مجالس محلية ومشروعات تنمية خاصة، بما فيها بعض مشروعات الصناعة. ويبدو أن هذا التطور أمر غريب على سياسة الحكومة الحالية التي تسعى بشدة لتدعيم سلطة الحكم القبلي التقليدي المحافظة، للإبقاء على التخلف الملموس بين الأفريقيين.
ولكن عدد الأفريقيين الذين يعيشون داخل المعازل لا يزيدون عن خمسة ملايين، يبقى بعد ذلك ستة ملايين أفريقي لا يخضعون لنظام المعازل، هؤلاء قد فازوا بحرية نسبية؛ لأن الأوروبيين في البداية كانوا في حاجة إليهم من أجل استغلال موارد الزراعة والثروة الحيوانية والمعدنية الأوروبية، ولا يزال الأوروبيون في حاجة شديدة إلى عمالتهم الرخيصة.
وعلى هذا فهناك 55٪ من الأفريقيين في جنوب أفريقيا يعيشون داخل نطاق الحياة اليومية للأوروبيين، وهذا العدد يساوي ضعف عدد الأوروبيين، ومعظمهم يعيشون في المدن، وأعدادهم تتزايد بسرعة نظرا لاندفاع المهاجرين الأفريقيين من الريف إلى المدينة، ولا شك أن تزايد أعدادهم السريع يجعل حياة المدينة بالنسبة للأفريقيين غير مقرونة بالشروط الصحية إطلاقا. ومهما كانت هناك من مشروعات للإسكان إلا أن العدد المتزايد أكبر من أن تلحقه هذه المشروعات في المستقبل القريب، ولقد بدأت الهجرة إلى المدينة - كما بدأت في معظم جهات العالم - في صورة مؤقتة: الحصول على عمل لفترة ثم العودة إلى الريف، وإن كانت القلة قد فعلت ذلك في الماضي فإن الغالبية العظمى من الهجرة الريفية إلى المدن قد أصبحت هجرة دائمة. ومع قلة العمالة وازدياد الفقر تتزايد الأحوال الصحية الاجتماعية سوءا، وفي بعض المدن الصغيرة لا نجد الحالة بهذا السوء، ولكنها فعلا سيئة وقاتمة في المدن الكبيرة كجوهانسبرج ودربان، حيث يتردى آلاف الأفريقيين في بؤرة الفاقة والفساد والمرض والجهالة، ويبلغ عدد الأفريقيين الذين أصبحوا من سكان المدن قرابة أربعة ملايين.
أما المليونان الباقيان فيعيشون في المزارع الأوروبية كعمال أو مأجورين لأداء خدمات زراعية مؤقتة، وحالتهم المعيشية أفضل نسبيا من سكان المدن، ولكن هذه الحالة تعتمد أساسا على رغبات مستخدميهم من أصحاب المزارع. وعلى العموم فالمساكن - رغم تناهي بساطتها - إلا أنها أصح لأنها غير مزدحمة كما هو حال سكان المدن، ويعيش العامل الزراعي غالبا مع زوجته وأولاده الذين يعملون في حالات الضرورة، على عكس حياة المدن التي تقل فيها بصورة غريبة فرص إقامة أسر وعائلات سعيدة - بل تقل فيها فرص الزواج؛ لارتفاع نفقات المعيشة وقلة الدخول. كذلك لا شك أن أصحاب المزارع البيض تربطهم بعمالهم بعض العلاقات الإنسانية، على عكس انعدام هذه الرابطة في المدن؛ مما يؤدي أحيانا - حتى من باب حماية المصالح المالية - إلى تدخل صاحب المزرعة بحماية فلاحيه من تعسف الموظفين الحكوميين ورجال الشرطة. وإلى جانب هذه الحسنات، هناك سيئات عديدة لا تغتفر في أواخر القرن العشرين، تلك هي عدم وجود أي ضمان وتأمين للفلاحين، والأجور منخفضة جدا، ولا توجد فرص لتعليم الأبناء في المدارس، وتظل حياة هؤلاء العمال الزراعيين جامدة مقفلة، بينما يحتك الأفريقي في المدينة بكل ما هو جديد، مما يساعد على إمكانية تعلم حرف جديدة قد تساعده على الحياة بصور شتى.
أما «الآسيويون» فقد وفدوا إلى جنوب أفريقيا أول الأمر على أنهم عمال زراعيون بعقود لمدد محدودة من الهند، للعمل في مزارع قصب السكر في ناتال في الستينيات من القرن الماضي، بعد إعلان بريطانيا ناتال مستعمرة إنجليزية خاصة، ثم لحقهم أصدقاؤهم وأسرهم، وتزايد بذلك عدد الهنود بسرعة اضطرت معها حكومة جنوب أفريقيا إلى وقف الهجرة الحرة عام 1911، ولكن بعد أن أصبح الهنود أقلية كبيرة، ويبلغ عددهم الآن قرابة نصف مليون، ثلاثة أرباعهم يعيشون في ناتال، والباقي في الترانسفال والكاب، وغير مسموح لهم الإقامة في الأورنج.
ومعظم الهنود تجار، وبعضهم لهم مزارع خاصة، وهم في مجموعهم يعيشون في رخاء ووفرة، وأصبح عند عدد منهم ثروة كبيرة، ويعيشون جوار بعضهم في أحياء من المدن خاصة بهم. وفي عام 1927 عقدت اتفاقية مع حكومة الهند لتشجيع عودة الهنود، ولكن عدد الذين عادوا يقدر ب 15 ألفا فقط حتى عام 1947، وبعد ذلك لم تكن هناك عودة بالمعنى المفهوم إلى الهند.
وتبحث الحكومة الحالية في أمر تخصيص أماكن للهنود يعيشون فيها بناء على قانون «مناطق الجماعات»، ويمنع الهنود من مزاولة أي نشاط سياسي، وفي إقليم الكاب يمنعون أيضا من الانتخاب والتصويت في المجالس البلدية والسياسية.
وأخيرا فإن «الأوروبيين» ينقسمون إلى مجموعتين كبيرتين هما: الأفريكانز والإنجليز، ومن الصعب إيجاد أساس لهذه التفرقة غير التاريخ واللغة، المتكلمين بلغة الأفريكانز
Afrikaans
حوالي 60٪ من مجموعة الأوروبيين، ومنذ حرب البوير أصبحت اللغة الرسمية للدولة الإنجليزية والأفريكانز معا، ولكنها مع الحكم الحالي تنمو وتزيد أهميتها على الإنجليزية. والأفريكانز لغة مشتقة من الهولندية، وتعلم في المدارس جنبا إلى جنب مع الإنجليزية، ولا يزال من شروط التوظف والترقي إجادة اللغتين معا.
وإلى فترة قصيرة كانت الأفريكانز أكثر شيوعا في الريف، والإنجليزية أكثر شيوعا في المدن، ولكن الحال لم يعد كذلك اليوم نتيجة لهجرة البوير إلى المدن، وقد أصبح 70٪ من الأوروبيين في الوقت الحاضر من سكان المدن، وعلى إثر هجرة البوير إلى المدن ظهر شيء جديد لم يكن له وجود؛ ذلك هو «الرجل الأبيض الفقير»، فهؤلاء البيض النازحون إلى المدينة من الريف أقل خبرة في الحياة المدينية الصناعية، ولهذا فأجورهم قليلة، ولا شك أن معظم الإجراءات العنصرية التعسفية داخل جنوب أفريقيا في الآونة الأخيرة مردها تعصب «الأبيض الفقير» الذي يدعو الدولة لحمايته من منافسة الملونين وغيرهم، والإبقاء بذلك على كبرياء الرجل الأبيض وسيادته، فالخوف من المنافسة الاقتصادية إذن هو أهم داع لتجدد الخوف من السود، وتشديد القبضة عليهم لوقف تيارهم المتزايد.
ويعيش الإنجليز عادة في المدن، ويعملون في التجارة والصناعة والتعدين، ومع ذلك فإن غالبية فلاحي ناتال وشرق الكاب من الإنجليز، ويؤكد كل الكتاب أن تطور جنوب أفريقيا في مجال الصناعة والتعدين ونمو المواصلات والمدن والتجارة والأعمال البنكية والخدمات، كلها نتيجة نشاط إنجليز جنوب أفريقيا الذين تركوا الريف والزراعة والرعي كمجالات النشاط الأساسية للبوير. ولا شك أن البوير الأول وأحفادهم الحاليين قد بالغوا في تحفظهم واستقرارهم في الريف، وبذلك تركوا الفرصة للإنجليز كي يقوموا بأنواع النشاط الاقتصادي الأخرى، التي نجحت فعلا في إخراج جنوب أفريقيا من عزلة الزراعة إلى الإنتاج التجاري والعلاقات الدولية، ورغم أن الإنجليز في جنوب أفريقيا يخشون السود ويحتقرونهم ويشايعون الحكم العنصري، إلا أنهم أكثر تحفظا في الجهر بهذه المعتقدات من البوير.
ويدل إحصاء 1960 على أن سكان جنوب أفريقيا ينقسمون من ناحية الدين إلى أربع فئات: الفئة الأولى وهي الأكثرية الساحقة تتكون من المسيحيين بكل فئاتهم وأقسامهم، ويبلغ عددهم 11,6 مليونا. يليهم 3,8 ملايين ينتمون إلى أديان وعقائد وثنية مختلفة. يليهم المسلمون وعددهم 192 ألفا، يعيش منهم 40 ألفا في الكاب، ومعظم الباقي في شرق الكاب وناتال ومدن الترنسفال. وأخيرا فهناك 116 ألفا من اليهود، يتجمع منهم قرابة 40 ألفا في مدينة جوهانسبرج وحدها، ويسيطرون على كثير من نواحي الحياة الاقتصادية فيها.
ويدل إحصاء 1960 أيضا على أن من بين سكان جنوب أفريقيا توجد فئتان: الأولى رعايا دول أجنبية بيضاء، والثانية عدد من رعايا الدولة حاليا لم يولدوا فيها، وبعبارة أخرى تكون الفئة الثانية هجرة أفريقية وأوروبية حديثة إلى جنوب أفريقيا.
أما الفئة الأولى:
وهي رعايا الدول البيضاء الذين يعيشون حاليا في الدولة، فقد بلغ عددهم 147 ألفا، وأكبر مجموعة منهم البريطانيون، ويبلغ عددهم 57 ألفا، يليهم الهولنديون 25 ألفا، ثم الألمان 16 ألفا، والإيطاليون عشرة آلاف، ثم برتغاليون ويونانيون وأمريكيون.
والفئة الثانية:
أي المواطنون الذين ولدوا خارج الدولة، فقد بلغ عددهم 930 ألفا يكون الأفريقيون ثلثيهما، وأكبر مجموعة أفريقية استوطنت الدولة من لوسوتو، وبلغ عددهم 196 ألفا، ثم من موزمبيق 160 ألفا، ومن مالاوي وروديسيا 108 آلاف، ومن بوتسوانا 60 ألفا، ومن أنجولا عشرة آلاف، وغير ذلك من سوازي وتانزانيا وأفريقيا الجنوبية الغربية. ويتكون الثلث الباقي من أوروبيين (267 ألفا)، معظمهم من بريطانيا (136 ألفا)، وهولندا (30 ألفا)، وألمانيا (26 ألفا)، إلى جانب 24 ألفا من آسيا.
وتدل هذه الأرقام على:
أولا:
أن جنوب أفريقيا بثرواته الكبيرة وإمكانيات التصنيع يجتذب عددا كبيرا من الأجانب الذين يستوطنون فيه.
ثانيا:
إن هجرة أكثر من 600 ألف من الأفريقيين إلى جنوب أفريقيا وحصولهم على تبعية الدولة، يدل دلالة واضحة على احتياج اقتصاد الدولة إلى يد عاملة رخيصة من خارج الدولة، تؤمنها لها الدول القريبة وبخاصة محميات بريطانيا السابقة (بوتسوانا - لوسوتو - سوازي)، ومستعمرة موزمبيق البرتغالية، ومستعمرات سابقة (مالاوي وروديسيا). (5) النشاط الاقتصادي
إذا استثنينا الأعداد القليلة جدا من البشمن في الطرف الشمالي الغربي من جنوب أفريقيا، فإن السكان الأفريقيين في الجمهورية يعيشون أساسا على الرعي والزراعة في الريف الأوروبي والمعازل الأفريقية ، أما الذين يعيشون في المدن فيعيشون على الصناعة والخدمات، بينما يعيش الكثير من الأفريقيين كعمال غير فنيين في نطاقات التعدين العديدة. وقد أدخل الأوروبيون التعدين والصناعة والخدمات بالإضافة إلى أنواع حديثة في الزراعة والرعي واستغلال الغابات، وكل هذه الحرف الجديدة تؤثر تأثيرا بالغا في النشاط الاقتصادي للأفريقيين وتجذبهم تدريجيا نحوها، ولولا عقبات الحكم العنصري لكان أفريقيو جنوب أفريقيا من أكثر سكان القارة تقدما. وعلى أية حال فإن اعتماد الأوروبيين على الأفريقيين كيد عاملة رخيصة قد جعل التقدم يتسلل إلى الأفريقيين، رغب الأوروبيون أو لم يرغبوا. (5-1) تربية الحيوان
تلعب الماشية والأغنام دورا هاما في الحياة الاقتصادية لجنوب أفريقيا، وتمتلك الدولة 12 مليونا من رءوس الماشية، و38 مليونا من رءوس الأغنام، بالإضافة إلى قرابة خمسة ملايين من الماعز، منها ثلاثة أرباع المليون من ماعز الأنجورا.
وتتركز الماشية في القسم الشرقي، حيث تربى أبقار اللبن واللحم معا، وتتركز أبقار اللبن في الترانسفال الأوسط، حيث توجد سوق ضخمة في جوهانسبرج وضواحيها (أكثر من مليون شخص)، وبريتوريا وضواحيها (حوالي نصف مليون شخص)، وإقليم الراند، وتتركز منطقة منتجات الألبان أيضا في وسط الترانسفال وحول كيبتاون. أما أبقار اللحم فتتركز في وسط وجنوب الترانسفال، وفي ناتال وشرق الكاب وأورنج.
ولقد تكونت ماشية جنوب أفريقيا من أبقار الهوتنتوت التي أخذها البوير، ثم درجوها لأنها كانت من أبقار اللبن واللحم الجيدة، ثم هجنوها بأنواع أوروبية مثل الفريزيان والجرسي (أبقار لبن)، وقصيرة القرن وهرتفورد (أبقار لحم)؛ وقد أدى تهجين أبقار البوير والشورت هورن والهرتفورد إلى ظهور نوع جديد اسمه «بونسمارا» يستطيع تحمل حرارة عالية في هضاب الفلد المنخفضة في الترانسفال. وفي الوقت الذي يستهلك فيه اللبن محليا أو يصنع ويصبح مصدرا من مصادر التجارة الداخلية والخارجية، نجد أن الاهتمام بحيوان اللحم قد بدأ يتزايد منذ عام 1940، بعد أن دخلت الآلات حقل الزراعة، وأراحت الحيوان من عبء الأعمال الزراعية المرهقة المؤدية إلى تليف الأنسجة في لحم الحيوان. وأكبر مركز لحيوان اللحم في الوقت الحاضر يوجد في مناطق الفلد العالية في الأورنج.
أما الأغنام والماعز فتنتشر في كل أرجاء الدولة فيما عدا الأقسام الشمالية من الترانسفال، ولكن أغنام وماعز الصوف تظهر بوضوح في إقليم الكاروو وفي شرق الكاب؛ نظرا لأن المناطق شبه الجافة أصلح لتربية حيوان الصوف من المناطق الممطرة، وأهم أنواع الأغنام هي المرينو التي استوردت في أوائل القرن التاسع عشر، وبفضلها أصبحت جنوب أفريقيا من الدول الرئيسية في إنتاج الصوف الذي يصدر معظمه من بورت إليزابث إلى بريطانيا وأوروبا واليابان.
وقد نجحت عمليات تهجين الأغنام من أجل الحصول على نوع يخدم غرضين (اللحم والصوف)، وأنواع أخرى تتحمل المناخ الجاف في الغرب، ومن أهم أنواع الأغنام المهجنة: غنم الكاب والفارسي ذو الرأس الأسود، وكلاهما لا ينتج صوفا، ولكن يربى للحم بالإضافة إلى دهن الإلية، وهناك أيضا من الأنواع المهجنة غنم الكاركول ذو الشعر المجعد، وتؤخذ من صغاره فراء تعرف في عالم الأزياء باسم فراء الحمل الفارسي. أما ماعز الأنجورا فينتج صوف الموهير الذي يصدر للخارج، وتتركز مناطق تربية هذا النوع من الماعز في شرق الكاب.
وإلى جانب الماشية والأغنام فإن جنوب أفريقيا قد اشتهر بتربية النعام من أجل الريش، وقد ازدهرت هذه الحرفة في أوائل هذا القرن، ولكنها لم تعد كذلك في سوق أزياء النساء بعد الحرب العالمية الأولى، وفي خلال مدة ازدهار ريش النعام، كان عدد النعام الذي يربى في جنوب أفريقيا في الكاروو الصغير، قد بلغ مليون رأس هبط إلى قرابة خمسين ألفا في 1955، وقد تحول مربو النعام إلى زراعة الفاكهة بعد إقامة مشروعات الري في الكاروو الصغير من أرباحهم السابقة من النعام. (5-2) الزراعة (أ) مزارع الأوروبيين (1)
الحبوب: أهم محاصيل الحبوب هي القمح والذرة، ويزرع القمح في مناطق المطر الشتوي، أي في الجنوب الغربي وبعض مناطق الأورنج، أما الذرة فتنتج في إقليم المطر الصيفي في شرق الدولة. ورغم أن إنتاج الذرة يحتل مساحة كبيرة في الشرق، إلا أن إقليم الذرة الحقيقي هو المثلث الممتد في شمال أورنج وجنوب الترنسفال بين مفكنج وبلومفونتين وميدلبورج (شرق بريتوريا).
وفي أوائل القرن الحالي كان مثلث الذرة يعيش تحت رحمة المحصول، بمعنى أن الذرة كانت المحصول الوحيد الذي يحتكر هذا الإقليم، ولكن استمرار زراعة الذرة أدى إلى فقدان خصوبة التربة ومكوناتها المعدنية، وإلى ظهور عامل التعرية الهوائية، ولا تزال هناك مساحات من التربة التي عرتها الرياح داخل حقول الذرة الحالية، ولقد أمكن التغلب على الخطر الذي يتهدد بقية التربة، باتباع نظام الدورة الزراعية بين الذرة ومحاصيل أخرى كالفول السوداني وغيره.
ويكون الذرة المحصول الأساسي في غذاء الأفريقيين، ويزرع بكثرة وفي مساحات كبيرة من مزارع الأوروبيين ومعازل الأفريقيين، ويستخدم جزء من المحصول في المزارع الأوروبية كغذاء للماشية، كما يصدر جزء آخر منه.
ورغم أن الذرة تحتل المكان الأول بين المحاصيل الزراعية الأخرى، إلا أن إنتاجية الحقل ضعيفة؛ فهي في المتوسط 1500 كيلوجرام للهكتار الواحد (بالمقارنة ب ج. ع. م. 2600كجم، أو روديسيا 2560كجم، أو الولايات المتحدة 4000كجم).
وينتج معظم القمح في المنطقة الساحلية شمال كيبتاون حتى رأس أجولهاس، وفي السنوات الأخيرة أمكن استنباط أنواع من القمح تزرع في المناطق الباردة شتاء في هضاب المطر الصيفي العالية، وإلى جانب القمح يزرع أيضا الشعير والشيلم، ولكن محصولهما يستخدم غذاء للحيوان. (2)
قصب السكر: تتركز زراعته في سهول ناتال حيث يشغل حوالي نصف مليون فدان منذ أكثر من قرن، ويحكم القصب منطقة زراعته حكما تاما؛ فلا توجد دورة زراعية أو محاصيل أخرى إلى جواره، وتمتد الحقول من الحدود الشمالية لناتال حتى بورت شبستون في صورة نطاق ساحلي ضيق لا يزيد عرضه عن 15كم، وما زالت غالبية الأيدي العاملة من الهنود. (3)
الفاكهة: يميز المناخ أجزاء كثيرة بصلاحيتها لزراعة أنواع عديدة من الفاكهة في جنوب أفريقيا، وقد بدأت الفواكه لخدمة السوق المحلية، ثم نمت زراعتها بسرعة من أجل التصدير، وأصلح المناطق للفواكه هو مناخ البحر المتوسط في الجنوب الغربي، حيث توجد الآن قرابة 65 ألف هكتار مزروعة بالكروم، وتزرع الكروم أيضا بواسطة الري في مناطق محدودة من الترانسفال، والكثير من كروم إقليم الكاب تروى أيضا ريا صناعيا، وخاصة في الكاروو الصغير وعلى ضفاف نهر الأورنج. وينتج الجنوب الغربي ما قيمته 5 ملايين جنيه من الأنبذة يصدر ثلثها، أما عنب الأقاليم الأخرى فيصلح للأكل.
وتزرع أشجار التفاح والكمثرى في أودية عديدة في جبال الكاب، وخاصة في منطقة سيرس ولانج كلووف، أما الخوخ والمشمش فيزرعان في وادي برج والكاروو الصغير.
أما الموالح فهي محصول هام في المناطق التي لا تتعرض للصقيع، وأهم مركز لها أودية الترنسفال المؤدية إلى اللمبوبو، وكذلك في شرق الكاب ووادي أوليفانتس شمال كيبتاون، ويكون البرتقال 90٪ من الموالح والباقي ليمون وجريب فروت، وقد زاد الإنتاج في الفترة الأخيرة، وبلغت قيمة الصادرات 15 مليون جنيه.
ويزرع الموز والجوافة والأناناس وغيرها من فواكه المناطق المدارية في ناتال وشرق الكاب. (4)
محاصيل أخرى: توجد أنواع أخرى من المحاصيل، ولكن معظمها يحتاج لرأسمال وخبرة كبيرة، ومن أهم هذه المحاصيل: التبغ والخضروات في الترانسفال، وكانت هناك محاولات لزراعة القطن على المطر وبالري الصناعي، ولكن الظروف الطبيعية أثبتت فشل إنتاجه. (ب) مزارع الأفريقيين في المعازل
ما زالت الوسائل التقليدية في الزراعة متبعة في معازل الأفريقيين مما يؤدي إلى الإضرار بالتربة، وتنص النظم التقليدية على أن الأرض ملك للقبيلة يخصص منها جزء للمساكن وزراعة محدودة لكفاية الأسر، والباقي أرض رعي مشاع. ولما كان العدد يلعب دورا اجتماعيا، فإن نوع الماشية الأفريقية رديء لكثرة الأعداد وقلة الغذاء. وتقوم النساء عادة بالزراعة، ولا يستخدم المحراث بل الفأس، والمحصول الأساسي هو الذرة والبطاطا، ورغم أن الماشية تتغذى على سيقان الذرة بعد جني المحصول، فإن روث البقر لا يترك في الأرض ليعطيها خصوبة متجددة، بل يجمع ويجفف ليستخدم كوقود، ولا شك أن ذلك راجع إلى الفقر الناجم عن تحديد المعازل بمساحات صغيرة خالية من الغابات والأحراش، مما يضطر الأهالي إلى استغلال ظروف بيئتهم الضنكة على شتى الوجوه.
ويشتغل معظم الرجال خارج المعازل، ويقضون وقتا طويلا في المناجم أو المصانع، ويعودون من حين لآخر مع ما اقتصدوه من أرباح لييسروا حال ذويهم من ناحية، أو للزواج، أو للاحتفاظ بحقهم المشروع في الأرض من ناحية أخرى. وتؤدي هذه الهجرة إلى زيادة المصاعب بالنسبة لأية محاولة لتحسين أو تنمية الزراعة في المعازل؛ لأن المدن والمناجم تمتص عناصر الشباب الفتية ولا يبقى بالمعازل سوى كبار السن والنساء.
جدول 6-5: الإنتاج الحيواني والزراعي في جنوب أفريقيا. *
المحصول
الإنتاج (ألف طن)
ملاحظات
1963
1970
اللحم
574
621 (منها 400 ألف طن بقري، و150 ألفا من الأغنام و71 ألفا من الخنازير. أرقام 1970.)
اللبن
2504
2650 (كله من لبن البقر - عدد أبقار اللبن 3,3 ملايين.)
الزبد
43
49
الجبن
14
20
الصوف
72
144
المساحة 1970
الإنتاج (ألف طن)
إنتاجية الهكتار (كجم) (ألف هكتار)
1963
1970
1970
الذرة (مزارع الأوروبيين الأفريقيين)
5200
3942
6423
1240
248
القمح
1300
822
1300
1000
الشعير
40
38
26
650
الشيلم
1050
118
148
140
الدخن
372
206
460
1200
فول السوداني
395
205
296
750
قصب السكر
195
9939
14788
758
التبغ
45
30
34
0,75
الكروم
682
881
البرتقال
374
473
الموز
40
60
الأسماك
599
861
الحيتان (بالعدد)
4210
1880 *
الأرقام عن الكتاب السنوي للإنتاج، هيئة الأغذية والزراعة لعامي 1964، 1970، والكتاب الإحصائي السنوي للأمم المتحدة 1971. (5-3) صيد الأسماك
لقد تطور صيد الأسماك في الفترة الأخيرة لما بعد الحرب الثانية؛ نتيجة اهتمام الدولة بهذا المورد، وتخصيص أرصدة للدراسة وتحسين الموانئ وصناعة سفن جديدة، ولكن الرصيف القاري - رغم أنه أوسع رصيف قاري في أفريقيا - إلا أنه ضيق في كل السواحل باستثناء الجنوب فيما بين كيبتاون وبورت إليزابث، حيث يتسع في صورة لا بأس بها بامتداده جنوبا، ومعظم إنتاج السمك من الرصيف القاري وسواحل أفريقيا الجنوبية الغربية، يعلب ويصدر كغذاء للحيوان، وفي الماضي كانت جنوب أفريقيا من الدول المشاركة في صيد الحوت، ولكنها الآن لا تمتلك سفن صيد الحوت في البحار العميقة، وتكتفي بصيده إذا ظهر قرب السواحل، وخاصة السواحل الجنوبية الشرقية، وقد أصبحت دربان أهم مركز لتعليب لحم الحوت، ويستهلك غالبية هذا اللحم عمال المناجم من الأفريقيين في الترنسفال. وفي عام 1962 كان إنتاج الدولة 590 ألف طن من الأسماك، وأربعة آلاف حوت، و16 ألف طن من زيت الحوت. (5-4) التعدين
أهم معادن جنوب أفريقيا المنتجة هي بلا جدال الذهب والماس والفحم، إلى جانب الحديد والنحاس والإسبستوس واليورانيوم، وتستخدم مناجم الذهب والفحم وحدها 360000 أفريقي من مجموع عمال التعدين البالغ عددهم قرابة نصف مليون، ومعظمهم من الأفريقيين. ولبيان أهمية التعدين في جنوب أفريقيا نورد المقارنة التالية:
جدول 6-6: العمالة في أنواع النشاط الاقتصادي في عدد من الدول الأفريقية. *
نوع النشاط المختار
النسبة المئوية لعمالة الرجال في دول مختارة
جنوب أفريقيا
الكنغو
الجزائر
ج. ع. م.
أفريقيون
أوروبيون
أفريقيون
أوروبيون
الزراعة
43,4
18,4
69,8
75,4
13
62
التعدين
15,5
7,1
2,9
0,5
0,9
0,2
الصناعة
9,8
18,6
5,7
4
18
10,3
مجموع القوة العاملة بالآلاف
2915
768
3042
2142
274
5827 *
الأرقام عن:
Oxford Regional Economic Atlas: Africa 1965. P. 12 .
وتشير إلى تركيب العمالة لعام 1950 في جنوب أفريقيا، وعام 1955 في الكنغو، وعام 1954 في الجزائر، وعام 1947 في ج. ع. م.
ويتضح من هذه الأرقام كيف أن نسبة العمالة في التعدين عالية جدا في جنوب أفريقيا، فهناك فارق شاسع بينها وبين العمالة في الكنغو، رغم أهمية التعدين في الدولة الأخيرة. وتوضح الأرقام أيضا أن اليد العاملة الأساسية في التعدين هي العمالة الأفريقية، بينما تقتصر عمالة الأوروبيين في هذا المجال على الإشراف الفني والإداري.
ورغم أهمية التعدين في جنوب أفريقيا، إلا أن هذه الدولة تتمتع بميزان متعادل في كافة أوجه النشاط الاقتصادي، وذلك على عكس الغالبية الساحقة من الدول الأفريقية، فهي إما أنها تقتصر على إنتاج خامة أو خامات زراعية أو معدنية، مما يجعلها عرضة للتأثر الشديد بأحوال العالم السياسية والاقتصادية. أما جنوب أفريقيا فإنها قد تعدت هذه المرحلة وأصبحت أقرب إلى الدول المتقدمة من حيث توازن وتعدد مصادر دخلها القومي، ويوضح الجدول
6-7
هذه الصورة بالمقارنة مع غيرها من الدول الأفريقية.
جدول 6-7: توزيع الدخل القومي على أهم مصادره في عدد من الدول الأفريقية. *
نوع النشاط
النسبة المئوية من الدخل القومي العام لأنواع النشاط الرئيسي
جنوب أفريقيا
الكنغو
نيجيريا
الجزائر
ج. ع. م.
الزراعة
13
28
63
31
33
التعدين
13
20
1
3
1
الصناعة
25
20
14
21
15
مجموع الدخل (مليون دولار)
4819
976
2186
2123
2622 *
الأرقام عن:
Oxford Regional Economic Atlas, Africa. P. 39 .
وتشير أرقام «جنوب أفريقيا» و«الكنغو» إلى عام 1957، وأرقام «نيجيريا» و«ج. ع. م.» إلى عام 1956، وأرقام «الجزائر» 1954.
وفيما يلي معالجة سريعة لأهم أنواع المعادن المنتجة:
الذهب:
أقدم المعادن التي عرفت في جنوب أفريقيا، وأقدم كشف عنه كان في إقليم الراند حول جوهانسبرج، وبدأ تعدينه عام 1886. ويوجد الذهب في عروق رفيعة في طبقات من المجمعات، ومعظم مناجم الذهب القريبة من جوهانسبرج قد أقفلت بعد أن نضب المعدن أو أصبح استخراجه أعلى تكلفة من سعره، ولقد نمى تعدين الذهب فيما بين الحربين العالميتين في إقليم غرب الراند حتى راند فونتين وشرق الراند أيضا.
وكذلك كان الذهب يعدن منذ نهاية القرن الماضي في منطقة كلركزدورب (حوالي 180كم جنوب غرب جوهانسبرج)، ويوجد بالمنطقة 13 منجما تنتج في الوقت الحاضر 3,3 ملايين أوقية ذهب من مجموع الإنتاج البالغ 20,9 مليون أوقية عام 1960. وقد اكتشفت مناجم أخرى بعد الحرب الأخيرة في أودندالرزوس (إقليم أورنج)، حيث يوجد الآن 11 منجما على عمق 2100 متر، تحت طبقات الكاروو التي يبلغ سمكها في المنطقة 1200 متر، ورغم صعوبات الحفر إلا أن العمل في هذه المناجم تم بسرعة فائقة، وأصبحت تنتج 6,3 ملايين أوقية (1960)، وأحدث المناجم في منطقة إيفاندر شرقي الراند، وفيها ثلاثة مناجم عمق العمل في أحدها إلى 3000 متر، ولكن مثل هذا المنجم كثير التكلفة مما سيؤدي في النهاية إلى إقفاله.
ويمكن للإنسان أن يدرس تغير المظهر الطبيعي للبيئة في حالة اكتشاف مناجم جديدة، ومن أحسن الأمثلة إقليم أودندالزروس في شمال الأورنج الذي كان إقليما رعويا هادئا، وعندما تم الكشف عام 1946 كانت أودندالزروس قرية صغيرة جدا تزايد سكانها إلى 24 ألفا (ثلثاهما أفريقيون) عام 1954، ولم تمض عشر سنين أخرى حتى أصبح عدد السكان في المدينة 40 ألفا (27000 منهم أفريقيون). والمنطقة التي يعدن فيها الذهب لا يزيد طولها عن 50 كيلومترا من الشمال إلى الجنوب، وعرضها قرابة 18كم، ومع ذلك فقد نشأت فيها ثلاث مدن جديدة إلى جوار أودندالزروس، وأصبح مجموع عدد سكان هذه المدن الأربع 200 ألف شخص، نصفهم يعتمدون على الذهب في حياتهم. كذلك كانت منطقة إيفاندر جزءا من نطاق المراعي غير المأهولة، وحينما اكتشف الذهب نشأت مدينة إيفاندر من لا شيء (لهذا لا تظهر على كثير من الخرائط ).
وتسيطر سبع شركات على إنتاج الذهب في جنوب أفريقيا، ويبلغ عدد العاملين في الذهب في الوقت الحاضر 51 ألف أوروبي، و300 ألف أفريقي، ثلثهم من مواطني الدولة من البانتو، والثلث الثاني عمال بعقود من موزمبيق، والباقي من المحميات البريطانية السابقة وروديسيا ومالاوي.
الماس:
اكتشف لأول مرة في كمبرلي عام 1867، وبدأ إنتاجه في صورة شركات فردية عديدة 1870، وفي عام 1888 أنشئت شركة «دي بيرز» التي احتكرت العمل في الترانسفال وأورنج. ويوجد الماس في وسط العروق البركانية القديمة، وبالتالي فإن ظهور الماس على سطح الأرض أمر نادر، وفي البداية كانت هذه العروق تحفر، ومن ثم فإن المظهر العام لمناجم ماس كمبرلي عبارة عن حفرات كبيرة تتعمق إلى بضع مئات الأمتار، ولكن مناجم الماس في الوقت الحاضر لا تتسم بهذه الصورة، بل تحفر إنفاق عمودية في الصخر إلى جوار العرق البركاني، ثم أنفاق أفقية داخل العرق، ولقد أدت هذه الطريقة في استخراج الماس إلى تقليل عدد الأشخاص أو الشركات الصغيرة الباحثة عن الماس، ونمو الشركات الكبيرة التي أصبحت في موقف المحتكر لهذا النوع من المعادن النادرة.
خريطة رقم (80).
وإلى جانب هذا النوع من الماس - الذي يعرف باسم كمبرليت - هناك الماس الموجود في التكوينات الفيضية التي عرفت في وادي نهر فال منذ أوائل هذا القرن، وقد عثر في عام 1912 على تكوينات كبيرة في إقليم ليختنبورج غربي الترانسفال، ومنذ 1927 بدأ إنتاج الماس في كمبرلي والترنسفال يقل، وفي الوقت ذاته اكتشف جيولوجي ألماني مناجم عظيمة للماس جنوب مصب الأورنج في إقليم ناما كالاند، وشمال المصب في إقليم نامالاند، الذي يقع في أفريقيا الجنوبية الغربية، وتستغله شركات الماس في جنوب أفريقيا. وفي عام 1962 أيضا أمكن بالتجربة التدليل على إمكانية استخراج الماس من البحر بواسطة سفن مجهزة خصيصا لذلك، وربما أدى ذلك إلى بداية استغلال تجاري لمصادر المعدن قرب شواطئ أفريقيا الجنوبية الغربية. (نظرا لاحتمالات الثروة المعدنية الكبيرة في هذه المنطقة، فإن جمهورية جنوب أفريقيا تضع يدها عليها، ويبدو أنها لن تتخلى عنها إلا بالقوة.)
الفحم:
لولا الفحم لما أمكن لجنوب أفريقيا استغلال كل موارده المعدنية بالصورة التي يستغلها بها الآن؛ لأنه يكون مصدرا للطاقة محليا ورخيصا، وتدل الدراسات على أن احتياطي الفحم الموجود في جنوب أفريقيا يقدر بنحو 75 مليار طن، و90٪ منه في الترانسفال. ويظهر الفحم في تكوينات الكاروو، ويوجد في طبقات أفقية تجعل من السهل استخراجه، ومعظم طبقات الفحم تتراوح بين مترين وأربعة أمتار في السمك، وقد سهل ذلك استخدام الوسائل الميكانيكية في الإنتاج؛ مما أدى إلى خفض تكلفة الإنتاج بشدة.
أما حقول فحم ناتال في دندي وفريهايد فيكونان مصدر فحم الكوك الوحيد في جنوب أفريقيا، ولكن معظم فحم الدولة يعدن في الترانسفال في حقول ويتبانك، سبرنجز، ميدلبورج، وارميلو، وكلها توجد شرقي منطقة الراند الصناعية، أما ما يوجد من فحم في إقليم الأورنج فلم يعرف بعد على وجه الدقة، وإن كان الإنتاج من بعض هذه الحقول كبير. وهناك حقلان لإنتاج الطاقة في الأورنج: أحدهما في فيرفونتين، ويعطي الطاقة لمحطة الكهرباء على الفال قرب كلر كزدورب، والثاني في ساسولبرج - 25كم جنوب فرئينجنج على الضفة الجنوبية لنهر الفال - لاستخراج البترول من الفحم، ويعطي 50 مليون جالون بترول في السنة، ومنتجات أخرى من بينها الغاز اللازم لإقليم الراند.
ويملك اتحاد منتجي الفحم في الترانسفال معظم المناجم المنتجة للفحم في الترانسفال والأورنج، ويحتكر بذلك نسبة عالية جدا من إنتاج الفحم في الدولة - الترنسفال وحدها تنتج 70٪ - ونظرا لوجود العمالة الأفريقية المتناهية الرخص؛ فإن فحم جنوب أفريقيا أرخص فحم في العالم؛ فتكلفة إنتاج الطن تساوي دولارا ونصفا مقابل ستة دولارات في الولايات المتحدة، و7,7 دولارات في بريطانيا، ونظرا لاحتياجات الصناعة المتزايدة فقد كف جنوب أفريقيا عن تصدير الفحم للخارج.
الحديد:
توجد أنواع عديدة منه، ولكن أهم مناجم الحديد توجد في تابازيمبي - 170كم شمال غربي بريتوريا - وفي دندي في ناتال، وفي سيشن وبوستما سبورح جنوبي بوتسوانا، وقد بني مصنع للحديد والصلب في بريتوريا قبل الحرب الثانية، ثم مصنع آخر عام 1951، وثالثا 1955، وأصبحت بريتوريا بذلك أهم مراكز صناعة الحديد والصلب في القارة.
معادن أخرى:
توجد عدة معادن أخرى تنتج بكميات لا بأس بها، ومن أهمها اليورانيوم الذي يوجد في كميات صغيرة في معظم مناجم الذهب في الراند، وعلى الرغم من أن المستخرج من اليورانيوم النقي من الخام أقل من ربع اليورانيوم الأمريكي، إلا أن تكلفة إنتاجه تعوض بواسطة إنتاج الذهب من نفس المناجم. وعلى أية حال فإن وجود مناجم الذهب أصلا لا يؤدي إلى نفقات كبيرة في استخراج اليورانيوم. ويعدن البلاتين في الترانسفال في روستنبورج، وإن كانت الدراسات قد أدت إلى إثبات وجوده في مناطق عديدة في نطاق يمتد من شرق الترانسفال إلى غربه، ورغم أن منجما واحدا هو المستغل إلا أن جنوب أفريقيا تتصدر الدول في إنتاجه. وإلى جانب ذلك توجد مناجم للكروميت والمنجنيز والنحاس والنيكل والاستبسنوس والفوسفات (راجع الخريطة رقم 71).
جدول 6-8: إنتاج وقيمة المعادن الرئيسية.
المعدن
الإنتاج (ألف طن) ٪ من إنتاج
القيمة 1968
1960
1970
أفريقيا 1970
مليون دولار
الذهب (ألف كجم)
853
1000
95,6
1088
النحاس
55
148
11,4
139
الفحم
42000
45600
90,3
136
الماس (ألف قيراط)
4376
8112
20,8
100
يورانيوم (ألف رطل) (أوكسيد)
7746 (قيمة صادرات 1964)
81
الحديد
2844
5869
16,7
35
المنجنيز
567
1177
81
33 (5-5) الصناعة
رغم أن جنوب أفريقيا هي الدولة الصناعية الكبرى في أفريقيا، فإن الصناعة فيها ما زالت أقل من مستوى الدول الصناعية بالمعنى المفهوم، ونظرا لأن البوير أساسا مزارعون، فإن الصناعة دخلت جنوب أفريقيا بالنمط الذي عليه الآن نتيجة دخول بريطانيا جنوب القارة واستيطان الإنجليز فيها، وكانت المعادن الموجودة بكثرة هي أول دافع لإقامة بعض الصناعات التي تخرج عن نطاق الحاجة والاستهلاك البسيط لمجتمع البوير الزراعي.
وقد نشأت صناعة الحديد والصلب في بريتوريا - بالقرب من مركز التعدين الأساسي في الراند - وفي قرئينجنج قرب مصادر الماء في نهر الفال.
وفي ناتال أقيم مصنع للحديد الزهر في نيو كاسل قرب مناجم الحديد، وفحم الكوك.
ولا شك أن صناعة الحديد والصلب، قد نجحت نتيجة التشجيع الذي لقيته من الحكومة في صورة إنشاء هيئة الحديد والصلب عام 1928، وربما كان الدافع للتدخل الحكومي في هذه الصناعة والمحافظة عليها؛ الكساد العام السابق لأزمة 1629-1930 العالمية، ومحاولة الحكومة القضاء على البطالة، وإنقاذ البيض الفقراء من آلام البطالة.
وفي الدولة هيئة شبه حكومية تسمى هيئة تنمية الصناعات، وقدمت هذه الهيئة خدمات جليلة للصناعة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بإنشاء عدد من الصناعات تشتمل على استخراج البترول من الفحم في مشروع ساسولبورج السابق ذكره، واستغلال مصادر الفوسفات، وإنشاء مصنع للسماد في شمال شرق الترانسفال، وإنتاج لب الخشب لصناعة الرايون بالقرب من دربان، ومصنع للورق على نهر توجيلا في ناتال، ومصنع نسيج في كنج ويليامز تاون التي تقع بالقرب من إيست لندن.
وعلى عكس تركز الصناعات الكبيرة في نقط محدودة من الترنسفال وناتال وشرق الكاب، فإن صناعة السلع الاستهلاكية موزعة في مدن كثيرة، وعلى هذا فإن دربان كمركز صيد الحيتان وإنتاج زيوتها قد أصبحت مركزا لصناعة الصابون، ولكن هناك مصانع عديدة للصابون منها ما هو في جوهانسبرج وكيبتاون وإيست لندن. والصناعات الغذائية منتشرة جغرافيا ومرتبطة بمنتجات الريف، وخاصة الألبان والزبد والجبن.
وترمي الحكومة من تشجيعها للصناعة وتدخلها فيها إلى عدم تركيزها في مناطق محدودة، وربما كان أحد أسباب هذه السياسة قلة مصادر الماء في المدن الكبرى، مما يؤدي إلى الضغط على المتبقي من المصادر المائية إذا ما زاد التركز الصناعي فيها، وقد اتضح ذلك من قرار هيئة التخطيط القاضي بعدم السماح لأي صناعة كبيرة تستهلك كميات كبيرة من الماء بأن تقام على أو قرب نهر الفال؛ لأن مياه هذا النهر قد وزعت بأكملها على المنشآت الموجودة حاليا.
ولكن إلى جانب هذا السبب فهناك سبب آخر يدعو الحكومة إلى عدم تشجيع تركز الصناعات، وهذا السبب مرتبط بسياسة التمييز والتفرقة العنصرية، وهي السياسة التي تدعو إلى إقامة صناعات داخل المعازل الأفريقية وقريبة منها؛ بغية جعل ما يمكن أن يكون في المستقبل دولة البانتو، دولة معتمدة على نفسها منفصلة عن دولة البيض في جنوب أفريقيا، ويرتبط هذا التفكير بالظروف الطبيعية التي صادفت المعازل الأفريقية، ومن أهم هذه الظروف: توافر الماء والمطر في الإقليم الشرقي، مما يتيح إقامة الصناعات فيها وحولها، ولكن سياسة عدم التركيز في الواقع، ورغم أنها نظريا سياسة مفيدة، إلا أنها تتجاهل طاقة الجذب الكبيرة لمراكز الصناعة والعمران الحالية، فإذا لم تنفذ الحكومة خططها بالقوة، فإن طاقة جذب المدن الكبيرة ستجعل من السياسة الصناعية الحالية للدولة مجرد أفكار جميلة على الورق. «مشكلة الماء»: سبق أن ذكرنا أن جنوب أفريقيا تتمتع بقدر من المطر كاف في الشرق والجنوب والجنوب الغربي، ولكن مشكلة المطر في القسم الغربي مشكلة رئيسية؛ فلا توجد أنهار يمكن الاعتماد عليها سوى الأورنج وروافده، وأهمها فال، ونظرا للأهمية الرئيسية لهذا النهر فإن استغلال مياهه ابتداء من 1956 أصبح في يد هيئة حكومية، هي إدارة شئون المياه.
ولقد أقيمت منذ فترة طويلة عدة سدود على الفال وروافده، معظمها خاص بتوفير الماء اللازم للري، ومن أكبر السدود «فالدام» أو سد الفال قرب فرئينجنج، وتغذي مياهه احتياج المناجم في الراند وكلركزدورب، ومناجم الماس في كمبرلي، ومشروع البترول في ساسولبورج، إلى جانب توفير ماء الشرب للمدن والقرى المجاورة، ومد مشروع «فال هرتز» الزراعي بالماء لري 87 ألف فدان. وهناك ثلاثة مشروعات رئيسية على الأورنج أعلن عنها عام 1962، وهي: مشروع سد وادي رويجت بالقرب من بيتولي، والقصد منه مد المياه في نفق إلى وادي نهر سونداج ونهر فيش لمشروعات الري في شرق الكاروو الكبير. ومشروع سد فاندر كلوف قرب بتروسفيل. وسد توركواي قرب دوجلاس قبل التقاء الفال بالأورانج، لري الأراضي على سطح الهضبة في إقليم الأورنج، وهذه المشروعات الثلاثة سوف تضم محطات كهربائية. وبالقرب من شلالات أوجرابيس يوجد سد كبير على الأورنج عند بويجويبرج، وبواسطة مياه هذا السد أمكن زراعة مساحات لا بأس بها على ضفتي الأورنج فيما بين السد وأوجرابيس، مسافة تزيد على 350 كيلومترا.
أما الأنهار القصيرة التي تصب في المحيط الهندي، فهي صالحة لتوليد الطاقة، ولكن أحدا لا يفكر فيها حاليا لكفاية الفحم المنتج. (5-6) النقل
حتى نصف القرن التاسع عشر لم تكن هناك من مواصلات سوى عربات الثيران، وحينما اكتشف الماس في 1869 كانت هناك خطوط حديدية قصيرة من كيبتاون ودربان إلى ضواحيهما، ولكن سرعان ما مد الخط الحديدي بين كيبتاون وكمبرلي، وبين كمبرلي وبورت إليزابث بعد كشف الماس. وحينما اكتشف ذهب الراند وصلت السكة الحديدية بين جوهانسبرج والموانئ التالية: لورونزوماركيز، دربان، إيست لندن، بورت إليزابث، كيبتاون. وبعد حرب البوير زادت الشبكة الحديدية كثافة، خاصة في مناطق التعدين الأساسية في جنوب الترنسفال وشمال أورنج، بالإضافة إلى خطوط حديدية أخرى إلى نطاقات الزراعة الرئيسية، والخطوط الحديدية ملك للدولة منذ البداية، وقد امتد نشاط النقل الحديدي بواسطة سيارات الخطوط الحديدية التي تكمل النقل في المناطق التي لا تخدمها السكة الحديدية.
أما الطرق البرية فغالبيتها طرق معبدة، ولكنها ليست مرصوفة بالأسفلت إلا في عدد قليل منها، وخاصة في المدن وضواحيها. والنقل على الطرق البرية لا ينافس السكة الحديدية، حيث إن إدارة السكة الحديدية هي التي تشرف على النقل البري، ولذلك لا تبني طرقا تؤدي إلى تقليل حصيلتها من الركاب أو البضائع.
ورغم وقوع موانئ جنوب أفريقيا الرئيسية على خلجان طبيعية، إلا أن الموانئ صناعية، وميناء دربان لا يقع على خليج إنما «لاجون» وسعت وعمقت كثيرا، وأصغر الموانئ هو إيست لندن، وأكبرها وأكثرها حركة كيبتاون، يليه مباشرة دربان، بينما بورت إليزابث وإيست لندن موانئ محدودة الأهمية لصغر ظهيرهما وتخصصه في الإنتاج الرعوي. (5-7) التجارة الخارجية
بلغ مجموع التجارة الخارجية لجمهورية جنوب أفريقيا عام 1970 قرابة 5,6 مليارات دولار، تتكون من نحو 3,5 مليارات قيمة الواردات و2,1 مليار قيمة الصادرات، ويتضح من ذلك أنه رغم الثروة المعدنية والحيوانية والزراعية الكبيرة التي تتمتع بها جنوب أفريقيا، فإن الميزان التجاري ليس في مصلحتها، ولعل السبب الأكبر في ذلك هو قصور الصناعة، واحتياج الدولة إلى استيراد سلع مصنعة كثيرة.
جدول 6-9: قيمة الواردات والصادرات (1968). *
السلعة ٪ من قيمة جملة الواردات ٪ من قيمة جملة الصادرات
القيمة الإجمالية
2,6 مليار دولار
1,9 مليار دولار
أغذية وحيوانات حية
3,7٪
أغذية
5٪
26,8٪
28,2٪
مشروبات وتبغ
0,8
0,9
دهون حيوانية ونباتية
0,5
0,4
آلات وسيارات
44
مصنعات وآلات
62,1٪
3,8
36,7٪
سلع
19,9
32,1
مصنعات أخرى
8,2
0,8
مواد كيميائية
8,3
3,4
وقود معدني
6,5
4,3
خامات
6
22,3
أصناف أخرى
2
4,8 *
Europa Year book 1970, Vol 2. London 1970 .
ويوضح هذا الجدول أن الصورة العامة لتجارة جنوب أفريقيا الخارجية لا تختلف من ناحية النوع عن معظم أشكال التجارة للدول النامية، وإن كانت تختلف كثيرا من ناحية الكم، فالسمة الأساسية في تجارة الدولة مرتبطة باستيراد الآلات والسيارات ووسائل النقل المختلفة، بجانب استيراد السلع المصنعة بأشكالها المختلفة، وعلى رأسها المنسوجات والسلع الكهربائية والهندسية، ويكون هذا كله نحو ثلثي تجارة الواردات. وفي مقابل ذلك نجد الصادرات تقسم بسيادة حصة الأغذية والخامات المعدنية بما يتجاوز نصف قيمة تجارة الصادرات، وتصدر الدولة أيضا بعضا من منتجاتها الصناعية كالأقمشة والآلات، كما تعيد تصدير بعض استيرادها من الآلات إلى الدول المجاورة لها، وخاصة روديسيا وبوتسوانا.
ومما يؤكد الصورة العامة لتركيب تجارة جنوب أفريقيا أن هذه التجارة تتحرك - استيرادا وتصديرا - بكثافة عالية بين الدولة والدول الصناعية الكبرى، بحيث يتم تبادل الخامات والأغذية المنتجة في جنوب أفريقيا، والتي تحتاجها الدول الصناعية، مع المنتجات المصنعة والآلات التي تنتجها تلك الدول وتحتاجها جنوب أفريقيا.
جدول 6-10: اتجاه تجارة جنوب أفريقيا.
تجارة الواردات
تجارة الصادرات
الدولة ٪ من جملة الواردات
الدولة ٪ من جملة الصادرات
بريطانيا
23,9
بريطانيا
34,3
الولايات المتحدة
17,7
اليابان
14,7
ألمانيا (غ)
13,5
الولايات المتحدة
7,5
اليابان
6,6
ألمانيا (غ)
7,3
إيطاليا
4,1
بلجيكا
3,7
وفي مقابل ذلك نجد أن علاقات جنوب أفريقيا التجارية ببقية الدول الأفريقية ضعيفة، وبطبيعة الحال فإن الظروف المكانية وعلاقات الموقع الجغرافي قد فرضت على بوتسوانا وليسوتو وسوازي اتحادا جمركيا مع جنوب أفريقيا، أصبحت هذه الدولة بواسطته متحكمة تماما في التجارة الخارجية لهذه الدول الصغيرة الثلاث، وكذلك فرضت الارتباطات السياسية مع حكومة الأقلية البيضاء في روديسيا تفاعلات تجارية لا بأس بها مع جنوب أفريقيا. وتمثل زائيري الدولة الأفريقية التي ما زالت مرتبطة بتجارة لا بأس بها مع جنوب أفريقيا.
مراجع لمزيد من الاطلاع
Cole, M. M., 1961, “South Africa” London.
Lystad, R. A., 1965, “The African World, A Survey of Social Research” London.
Du Toit, A. L., 1954, “The Geology of South Africa” London.
Green, L. P., & T. J. D. Fair, 1962, “Development in Africa” London.
Hesse, K., 1954, “Wirtschaftswunder Suedafrika” Duesseldorf.
Keane, A. H., 1900, “The Boer States” London.
Kepple-Jones, A., “South Africa, A short history” London.
King, L. C., 1963, “South African Scenery” London.
Colin, L., 1966, “Africa. A Handbook to the Continent” New York.
Ritter, P., 1957, “Sued Afrika” Munchen.
S. A. Institute of Race Relations. “Survey of Race Relations 1958-1959” Johannesburg.
Schmidt, W., 1958 “Sued Afrika” Bonn.
Scholtz, G, D., 1958, “The Origins and Essence of Race Pattern In South Africa” Stellenbosch.
ملاحظة:
الأستاذ شولتز أحد أنصار النظرية العنصرية في جنوب أفريقيا.
Talbot, A. M. & W. J., 1960, “Atlas of South Africa” Pretoria.
Wellington, J. H., 1955, “Southern Africa” London.
القسم الثالث
أفريقيا في صور
ملاحظة:
الصورة المنشورة في هذا الكتاب مأخوذة عن عدة مراجع أهمها:
The National Geographic Magazine. Washington. “different issues”.
Ben Wattenbberg, 1963. “The New Nations of Africa” New York.
Dudley Stamp L. 1964 “Africa, A Study in Tropical Development” London.
Harrison Church, R. J., 1964 “Africa and the Islands” London.
Hirschberg, W., 1962 “Meyers Handbuch Ueber Afrika” Mannheim.
الفصل الأول
بداية خاطئة
مؤتمر برلين: صورة لجانب من هذا المؤتمر الذي عقد عام 1884-1885 في برلين، ويمثل نقطة بداية خطيرة بالنسبة لتاريخ أفريقيا المعاصر؛ ففي هذا المؤتمر الذي تزعمه بسمارك وليوبولد وساسة أوروبا، تم تقنين أسس لتقسيم أفريقيا بين الدول الأوروبية، دون مراعاة لأي تكامل اقتصادي أو لغوي أو حضاري، بل قسم المؤتمرون القارة إلى أشلاء لا تتكامل مع نفسها، ولكن مع الدول الأوروبية المستعمرة. ولم تنته آثار مؤتمر برلين السيئة باستقلال المستعمرات، فلعنة هذا التقسيم العشوائي تلاحق الدول الجديدة في صورة نزاع على الحدود، أو ادعاء سيادة أو رغبة في تكامل اقتصادي.
الفصل الثاني
علامات مميزة في طبيعة القارة
أعلى قمة في أفريقيا: قمة كيبو، أعلى نقطة في جبل كليمانجارو (تانزانيا). توضح الصورة فوهة بركان كيبو، وحقل الجليد الدائم لأعلى قمة في أفريقيا (5895 مترا).
جبل كينيا: على بعد 600كم شمالي كتلة كليمانجارو، وعلى خط الاستواء تماما ترتفع الكتلة الجبلية في أفريقيا إلى 5194 مترا.
جبال القمر؛ جليد دائم على خط الاستواء: في غرب أوغندا ترتفع كتلة روينزوري العالية التي عرفت قديما باسم جبال القمر، وتتكون من ست مجموعات جبلية هي: أمين وجسي وسبيك وستانلي وبيكر ولويجي دي سافوي، وفوق هذه الجبال قمم أعلى من 4000 متر، وأعلاها مرجريتا (5127 مترا)، وتمثل الصورة جبل بيكر (4842 مترا)، والجليد الدائم، والنباتات النادرة التي تميز المنطقة التي تعد أجمل بقاع أفريقيا.
جبال الأطلس: تتميز أفريقيا بقلة واضحة في السلاسل الجبلية، وتمثل سلسلة الأطلس الكبرى أعلى هذه السلاسل الأفريقية، وأعلى قمم الأطلس جبل توبكال (4180 مترا) المطل على مدينة مراكش. توضح الصورة ثلوج الشتاء، وطريق إيجر الجبلي، وزراعة المدرجات.
نهاية أفريقيا: تنتهي أفريقيا في الجنوب برأس شديد العواصف، لكنه منذ فترة الكشوف الجغرافية سمي رأس الأمل الطيب أو الرجاء الصالح، وعندما تحاذي السفن هذا الرأس تبدأ في الدوران حول أفريقيا متجهة إلى المحيط الهندي، محط أطماع دول أوروبا لمدة أربعة قرون. وتمثل الصورة مدينة الكاب بين خليج تيبول وجبل تيبول (إلى اليسار)، وتل سجنال وصخرة رأس الأسد (إلى اليمين)، وفي أعلى الصورة رأس الرجاء، وإلى يساره خليج فالس.
الغابة الاستوائية: بالرغم من مرور خط الاستواء بمنتصف القارة، إلا أن مساحة الغابات الاستوائية تساوي 8٪ من مساحة أفريقيا الكلية، ولا يمكن اختراق الغابة الاستوائية الكثيفة إلا بشق ممرات صغيرة، أو استخدام مجاري الأنهار، ولكن حيث يمكن استغلال مورد للأخشاب الراقية (الماهوجني والأبنوس)، فإن الطرق الواسعة تشق لتيسير مرور الشاحنات الضخمة. وتمثل الصورة أحد هذه الطرق في منطقة أخشاب غنية في جمهورية جامون التي تعتمد كثيرا على الأخشاب في صادراتها.
وادي الملوك (الأقصر - ج. ع. م): تحتل الصحاري القاحلة 40٪ من مساحة أفريقيا، ويمثل وادي الملوك نموذجا صغيرا للصحاري الصخرية، وقد حفرت أمطار العصر المطيرة الألف من أمثال هذا الوادي في الصحراء الكبرى، وقد ساعد جفاف هذه المناطق على احتفاظ أرض مصر بآثارها القديمة. ويحتوي وادي الملوك على مقابر منحوتة في الصخر لكثير من ملوك الدولة الحديثة الفرعونية التي بدأت عام 1738ق.م، ومن أشهر المقابر هنا تحتمس وتوت عنخ آمون. وفي الطرف الأعلى من الصورة جزء من وادي النيل في منطقة نجع حمادي.
بحيرة تانا (إثيوبيا): يخرج نهر الآباي (النيل الأزرق) من بحيرة تانا في صورة مسقط مائي عريض، ولولا الماء الدائم في بحيرة تانا وأمطار الهضبة الحبشية الغزيرة في الصيف، لما أصبح النيل قادرا على الجريان لمسافة تقرب من 2500كم وسط الصحراء الكبرى، هذا فضلا عن الطمي الذي نقلته الرواند الحبشية لتبني التربة الغنية في مصر.
دلتا النيجر: قد لا تزيد مساحة دلتا النيجر عن دلتا النيل، فبالرغم من أن جبهتها البحرية أطول إلا أنها لا تتعمق في الداخل كما تتعمق دلتا النيل، ولا يكاد يوجد في أفريقيا دلتات نهرية غير النيل والنيجر. ومقابل الخصب البالغ لدلتا النيل لا توجد في دلتا النيجر سوى شبكة هائلة من المجاري المائية والمستنقعات العذبة والمالحة. وتوضح الصورة إطارات من الأشجار الاستوائية الطويلة تحيط بالمجاري المائية، تليها أشجار أقصر، ثم النباتات المستنقعية.
الفصل الثالث
علامات مميزة في حضارة أفريقيا
تتميز أفريقيا بثنائية بشرية وحضارية كونتها مجموعتان من السكان هما: القوقازيون (السلالة البيضاء)، والزنوج (السلالة السوداء)، ولكن هذه الثنائية لم تفصلها حدود طبيعية مانعة؛ لهذا تداخل عنصرا الازدواج سلاليا وحضاريا ودينيا ولغويا في مجموعات انتقالية كثيرة تمثل المعبر الذي بني على مهل بينهما، ودراسة هذا التمازج الحضاري يمكن من التعرف على وسائل تزيد من فاعلية التعاون الأفريقي، ضد ما يخطط لزيادة تقسيم القارة على ضوء اللون أو اللغة أو الدين إلى أقسام أصغر. وتوضح الصورة (أ) نموذجا للقوقازيين و(ب) نموذجا للزنوج.
نقوش صخرية (جبل العوينات): نقوش تركها القدماء في النطاق الصحراوي الراهن، وفضلا عن الدلالة الفنية لهذه الرسوم، فإنها تصور الظروف الطبيعية التي كانت سائدة في الصحراء الكبرى خلال العصور المطيرة.
كنيسة سان آن (برازافيل): نموذج غريب للمعمار الحديث في أفريقيا، وقد تميزت المسيحية في أفريقيا بثلاث مراحل: المرحلة الأولى دخول المسيحية مصر وإثيوبيا، حيث نشأت الكنيسة الوطنية القبطية (ما زالت قائمة)، ودخولها تونس الرومانية (زالت بدخول الإسلام). المرحلة الثانية تميزت بالتبشير الأوروبي من أواخر القرن 15 إلى أواخر القرن 17 في الكنغو وموزمبيق وروديسيا وغانا، وقد زالت كل جهود التبشير باستثناء أطلال بعض الكنائس وإشارات غامضة للمسيح في بعض الأغاني الأفريقية. أما المرحلة الثالثة فتبدأ أوائل القرن 19 بجهود البروتستانت (هولنديين وألمان وإنجليز)، ثم الكاثوليك من منتصف القرن 19، وأخيرا الكنائس الأمريكية من أول القرن الحالي. ومع توسع أعمال التبشير زالت الحدود التي رسمتها الكنائس كمجال لنفوذها، وظهرت مساع للتوفيق بين المبشرين كي لا تظهر تناقضات المذاهب المسيحية. في الفترة بين الحربين العالميتين حدث اتفاق بين حكومات المستعمرات الإنجليزية والهيئات التبشيرية في مجال التعليم، بموجبه تظل معظم المدارس الابتدائية والثانوية ملك للكنائس وتحت إدارتها مع إشراف حكومي، وأدى ذلك إلى توسع كبير في النشاط التعليمي، جعل الكثير من الكنائس خاضعة لهذه المصالح «التجارية»، وبالتالي مقيدة برغبات الحكومات الأفريقية أكثر مما لو كانت مؤسسات دينية. وفي عام 1960 قدر المسيحيون في أفريقيا ب 36 مليونا؛ منهم خمسة ملايين قبط، و13 مليونا بروتستانت، و17 مليونا كاثوليك، ومجموعهم يساوي 12٪ من سكان القارة.
جامع كيبولي (كمبالا - أوغندا): في أوغندا مليون مسلم، ومليونان من المسيحيين، و4,3 ملايين من أتباع الدينات الوضعية. لا يوجد أي تعداد عن عدد المسلمين في أفريقيا على وجه الدقة، ولكن يمكننا أن نقدر العدد بنحو 150 مليونا، أي 50٪ من سكان القارة. وقد بدأ الإسلام في أفريقيا بفتح مصر عام 639م، وانتشر بسرعة إلى كل شمال أفريقيا، ثم توغل عبر الصحراء الكبرى من القرن 11 إلى القرن 13، فوصل النطاق السوداني، ومنه جنوبا إلى نطاق الغابات الاستوائية. وفي شرق القارة بدأ الإسلام مبكرا أيضا (702م. جزر دهلك في البحر الأحمر)، واستمر توغل الإسلام على طول ساحل شرق أفريقيا (أقدم جامع في زنجبار عام 1107م)، وعلى هذا فعمر الإسلام في أفريقيا يتراوح بين 13 قرنا في الشمال، إلى قرنين أو قرن ونصف في نطاق الغابات الاستوائية، ولا شك أن هجرة قبائل عربية كبيرة وامتزاجها بسكان أفريقيا، واستمرار الهجرات المستعربة إلى نطاق السفانا قد جعل الإسلام في أفريقيا جزءا منها وليس مستحدثا بواسطة جهود خارجية، وبذلك تختلف المسيحية عن الإسلام في هذه القارة (باستثناء المسيحية القبطية التي تحولت منذ البداية إلى ديانة قومية لشعب أفريقي).
زعماء الأشانتي (غانا): اجتماع كبار زعماء الأشانتي في حفل افتتاح ميناء تيما عام 1962. الملابس من الحرير المشغول، وغطاء الرأس والأساور والنعال مزينة برقائق من الذهب. يحتل الأشانتي القسم الأوسط من غانا، وهم أكبر منتجي الكاكاو في العالم. كان الأشانتي إلى وقت الاحتلال الإنجليزي مملكة زنجية كبيرة، مثل ممالك الزنوج الأخرى على ساحل غانا، وكلها ترتبط في نشأتها بوصول جماعات من الشمال ساعدت على تكوين الممالك، وأعطتها مميزاتها الحضارية المشابهة لبعض الظاهرات الحضارية الفرعونية.
عمالقة العالم؛ الواتوتسي (رواندا): خليط من الحاميين هو أصل هذه المجموعة البشرية في هضاب رواندا بورندي. القامة طويلة جدا (190-210سم)، وقسمات الوجه متناسقة. تمثل الصورة جانبا من فرقة نتوري الراقصة المتكونة من أبناء الزعماء الذين يتلقون تعليما في السياسة والقانون والأخلاقيات وفن الخطابة والفن العسكري. الرداء من جلد النمر، وغطاء الرأس فراء نوع من القردة، والعصي بها جدائل نخيل الرافيا. كانت أسماء هذه الفرق في الماضي حربية، مثل فرقة الرمح والدرع، لكنها تطورت إلى أسماء عاطفية مثل: «فرقة مثيري النساء»، و«الفرقة التي تضع حدا للجدل».
الفصل الرابع
جوانب من النشاط الاقتصادي
ماس كمبرلي (جنوب أفريقيا): أشهر حفرة في العالم؛ منجم ماس كمبرلي الذي استغل منذ عام 1870، تنتج أفريقيا 94٪ من ماس العالم، وهو نوعان: الكمبرلي الغالي الثمن ومعظمه ينتج في جنوب أفريقيا وغانا وسيراليون ، والماس الذي يستغل في الأغراض الصناعية وهو أقل قيمة، ومعظمه تنتجه الكنغو.
قصدير جوس (نيجيريا): تنتج أفريقيا 15٪ من قصدير العالم، وكانت الكنغو المنتج الأول، لكن نيجيريا أخذت هذه المكانة، وتساهم رواندا وجنوب أفريقيا في إنتاج القصدير الأفريقي، وتتولى عدة شركات صغيرة وشركة واحدة كبيرة الإنتاج في نيجيريا. توضح الصورة العمال الذين يعملون بوسائل بدائية لحساب إحدى الشركات الصغيرة راجع [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية - الفصل الثالث: إثيوبيا].
نحاس كاتنجا (الكنغو): منجم نحاس مفتوح في روييه. إنتاج أفريقيا 25٪ من الإنتاج العالمي للنحاس، تساهم زامبيا ب 13٪ من إنتاج العالم، والكنغو 11٪، والباقي في مناطق متفرقة أهمها جنوب أفريقيا وأوغندا راجع [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية - الفصل الرابع: نيجيريا].
مصنع البوكسايت الوحيد في أفريقيا (غينيا): مصنع «فريا» لتحويل خام البوكسايت إلى ألومينا (خام الألمونيوم)، ويقع بالقرب من كوناكري عاصمة غينيا، وتصدر الألومينا المنتجة إلى الكمرون، حيث يقوم مصنع «أيديا» (الوحيد في أفريقيا) بصهر الخام إلى الألمونيوم مستخدما طاقة الكهرباء من سد أيديا. ورغم انتشار خام البوكسايت في غينيا وغانا وتوجو والكمرون ... إلخ، إلا أن الخام المستغل يتركز في غينيا فقط، وبذلك لا تساهم أفريقيا إلا بنحو 7٪ من إنتاج العالم راجع [القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا - الفصل التاسع: السكان والأمراض].
فحم وانكي (روديسيا): تعاني أفريقيا نقصا عاما في مصادر الطاقة، باستثناء الطاقة المائية التي لم يستغل منها سوى نسبة ضئيلة، ويكاد يتركز إنتاج الفحم في القسم الجنوبي من أفريقيا، وأكبر منتج له جنوب أفريقيا وروديسيا، بالإضافة إلى القليل في نيجيريا والمغرب والكنغو راجع [القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا - الفصل التاسع: السكان والأمراض].
بترول حسي مسعود (الجزائر): على عكس توزيع الفحم نجد البترول يتركز في شمال القارة، وأكبر منتج له ليبيا والجزائر و«ج. ع. م.» ونيجيريا، بالإضافة إلى القليل المنتج في جابون وأنجولا. وتمثل الصورة جانبا من حقول مسعود، وقد تغير المنظر الطبيعي للصحراء بالحقول المشتعلة والصهاريج والمباني [القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا - الفصل التاسع: السكان والأمراض].
لنخيل الزيت في أفريقيا أهمية خاصة ، حيث إنه يحل محل الدهون الحيوانية في غذاء السكان نتيجة لقلة الحيوان في النطاق الاستوائي. وتوضح الصورة (أ) الشجرة حينما تنمو طبيعيا (ب) وحينما تنمو تحت الإشراف المستمر، وفي الحالة الثانية تقصر الشجرة ويصبح الثمر في متناول الإنسان، كما أن حجم الجزء الحامل للزيت يكون أكبر والنواة أصغر، مما يضاعف إنتاج الزيت.
مصنع لاستخراج زيت النخيل (الكنغو): أحد المصانع الأوروبية الحديثة الكبيرة في الكنغو لاستخراج زيت النخيل بالقرب من ليسالا (الإقليم الاستوائي)، ومثل هذه المصانع لا تتوفر للمنتجين الأفريقيين؛ مما يؤدي إلى فقدان نسبة كبيرة من الزيت لبدائية المعاصر راجع [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية - الفصل الرابع: نيجيريا].
قطن الجزيرة (السودان): توضح الصورة المساحة الضخمة للقطن في إقليم الجزيرة، مما يجعل السودان الدولة الثانية في إنتاج القطن الطويل التيلة في أفريقيا بعد ج. ع. م. وكذلك توضح استخدام الأساليب العلمية في رش المبيدات المقاومة لآفات القطن من الجو، ومشروع الجزيرة الناجح خير دليل على إمكانيات القارة الضخمة في المجال الزراعي لو توفر رأس المال والخبرة والإرشاد [القسم الأول: الدراسة العامة لأفريقيا - الفصل الحادي عشر: النقل ومشكلاته فى أفريقيا].
قطن الكنغو: فرضت حكومة الكنغو منذ عام 1917 على الأفريقيين زراعة القطن داخل مزارعهم، لكي يصبح مصدرا لا بأس به للدخل النقدي. القطن المزروع قصير التيلة ولا يزرع في مساحات خاصة به مثل القطن في ج. ع. م. أو السودان أو أوغندا، بل داخل المزرعة الأفريقية حيث تنمو الأشجار والموز. وتوضح الصورة إحدى هذه المزارع في شمال الكنغو [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية - الفصل الرابع: نيجيريا].
حقول بوسعدة (الجزائر): تحولت هذه المنطقة السهلية شبه الجافة في هضبة الشطوط إلى أرض زراعية غنية؛ نتيجة استخدام وسائل الري وخزن المياه.
جمع البرتقال (جنوب أفريقيا): مزارع برتقال مليئة بالثمار نتيجة للعناية التي يوجهها المنتجون الأوروبيون في إقليم الكاب. ويتضح أن الزراعة تقوم على العمالة الملونة الرخيصة جدا [القسم الثاني: دراسة لبعض الدول الأفريقية - الفصل الخامس: زائيري].
السيسال في تانزانيا: السيسال من نباتات الألياف، أصله أمريكي، دخل تنجانيقا بواسطة الألمان عام 1893، أصبح الآن أحد الدعائم الأساسية في اقتصاديات الدولة (ثلث العمالة الزراعية وثلث الصادرات)، وتصنع منه الحبال وأنواع من السجاد والورق، ويصلح خاصة لعمل البلاستيك وعقار الكورتيزون. وتوضح الصورة العليا حقل سيسال، والصورة السفلى معالجة خيوط السيسال.
أبقار الأنكولي (رواندا-بوراندي): تمتلك أفريقيا 121 مليون رأس من الأبقار (حوالي 10٪ من أبقار العالم)، ولكن هذا العدد القليل قيمته محدودة؛ لأن معظم الأبقار يربيها الرعاة التقليديون في أفريقيا من أجل العدد لا النوع كرأسمال حي، لدرجة أن بعض الجماعات تضفي على الأبقار نوعا من التكرم الزائد. ونوع الأبقار في هذه الصورة أفريقي قديم، ويشبه بقرونه الكبيرة الأبقار الفرعونية، مما يؤيد فكرة اتصال حضاري بين مصر وشعوب هضبة البحيرات منذ القدم.
الفصل الخامس
النقل في أفريقيا
عربة الثيران (جنوب أفريقيا): العربة التي استخدمها البوير في هجرتهم إلى الأورنج والترانسفال، وقد اقتضت طبيعة أفريقيا الوعرة أن يكون الثور حيوان الجر. ولا توجد الآن مثل هذه العربات التي يجرها 16 ثورا.
قوارب النيل (السودان): ثلاثة قوارب شراعية ذات حمولة كبيرة تنقل أخشاب الوقود من جنوب السودان إلى ميناء أم درمان، كانت هذه القوارب وسيلة هامة لنقل الأشخاص والبضائع في مصر والسودان، ولكنها تقتصر الآن على نقل البضائع إلا في أماكن محدودة، حيث تنقل الأشخاص لمسافات قصيرة في الصعيد والنوبة والنيل الأبيض.
قوارب النيجر المغطاة (نيجيريا): تمثل هذه القوارب المغطاة ضرورة من ضرورات النقل النهري في النيجر والبنوي وشبكة فروع الدلتا واللاجونات الساحلية في نيجيريا (قرابة 6000كم من المجاري المائية الملاحية)، ويحمي هذا الغطاء المسافرين من لدغات الهوام نهارا، ويقيهم من البرد ليلا.
النقل النهري الحديث على النيجر: قاطرة حديثة تدفع أمامها عددا من الصنادل على نهر النيجر.
النقل النهري في الكنغو: توضح الصورة نوعين من النقل النهري، الأول: القارب الأفريقي التقليدي المصنوع من تجويف جذع شجرة، ويتسع لبضعة أشخاص فقط. الثاني: باخرة نهرية حديثة تجر معها صنادل لسفر الفقراء ولنقل الحيوان، وفي غالبية أنهار أفريقيا أنواع عديدة من هذه البواخر التي تكون شرايين هامة للنقل في القارة. من الأفضل أن تحل الطرق الحديدية والبرية محل هذه الوسيلة البطيئة، التي تترك لنقل البضائع، ولا بأس من استخدامها للنزهة والاستجمام إذا أمكن تخليص المسافر من مضايقة الهوام.
تكييف النقل لمواصفات السلعة: عربة خاصة من عربات الخطوط الحديدية النيجيرية توضح خضوع وسائل النقل لنوع السلع المنقولة. تتكون هذه العربة من «صهريج» داخلي ينقل فيه البترول من الموانئ الجنوبية إلى الإقليم الشمالي في نيجيريا، أما الصهريج الخارجي (المربع الشكل) فينقل فيه زيت فول السوداني من الشمال إلى موانئ الجنوب.
النقل الحديدي في أفريقيا: جانب من سكة حديدي سيراليون. على الرغم من صعوبة مد الخطوط الحديدية في أفريقيا، إلا أن الجسور أو الأنفاق أمر يعترض النقل الحديدي في غير أفريقيا أيضا، ولا بد من مضاعفة الشبكة الحديدية الأفريقية كشرط من شروط التنمية الاقتصادية، ولإخراج الدول الأفريقية من عزلتها بربطها ببعض.
سد أون (أوغندا): بالقرب من مخرج النيل من بحيرة فكتوريا، أقيم هذا السد عام 1954. يبلغ طوله كيلومترا، ويرفع منسوب الماء في بحيرة فكتوريا مترا واحدا. في عام 1960 ركبت عشرة تربينات تولد 120000 كيلووات من الطاقة تستغل في تصنيع مدينة جنجا (مصانع نسيج، وتفكير في صناعة للحديد والصلب)، واستغلال مناجم النحاس والكوبالت، ومد خط للطاقة إلى نيروبي، لكن كهرباء أون لا تكفي مشروعات أوغندا الاقتصادية.
أضخم سد أفريقي «السد العالي»: صورة للعمل في السد العالي عام 1964، مع قناة التحويل إلى اليسار. يرتفع بناء السد 111 مترا فوق قاع النهر، وطوله 3600 متر، ويرفع الماء إلى منسوب 182 مترا، ويكون أكبر بحيرة صناعية في العالم طولها 500كم، ومتوسط عرضها عشرة كم، ومساحتها قرابة 5000كم
2 . الطاقة المولدة ستبلغ 2100000 كيلووات، تستغل في تصنيع أسوان وإنارة الصعيد حتى القاهرة. على بعد 900كم شماله، وبذلك يصبح أكبر مصدر للطاقة في أفريقيا قاطبة.
سد كاريبا (روديسيا-زامبيا): في عام 1959 انتهى العمل في سد كاريبا على نهر الزمبيزي، وهو من أضخم السدود الأفريقية، ويبلغ علو السد المقوس 128 مترا، وطوله 580 مترا، وطول البحيرة قرابة 300كم، وعرضها بين 15 و60كم، ينتج 450000 كيلووات من الطاقة تتقسمها زامبيا وروديسيا.
السد العالي: 110 أمتار فوق قاع النهر وطوله 3600 متر، ويرفع الماء إلى منسوب 182 مترا، ويكون أكبر بحيرة. الطاقة المولدة ستبلغ 2100000 كيلووات تستغل في تصنيع أسوان وإنارة الصعيد حتى القاهرة.
الفصل السادس
المدن والمعمار في أفريقيا
تعبكتو (مالي): مدينة صغيرة منزوية في الوقت الحاضر، لكنها بنيت عام 1100م، وأصبحت في العصور الوسطى ذات شهرة تجارية عالمية لكونها محطة نهائية للقوافل التي تعبر الصحراء من المغرب إلى الإقليم السوداني، كما كان لها شهرة علمية ذائعة الصيت (جامعة زانكورة الإسلامية).
نيروبي (كينيا): مدينة حديثة أنشأها المستوطنون البيض وحكومة المستعمرة الإنجليزية السابقة، اختير موقعها بالصدفة على الهضبة الأفريقية الشرقية، ولكنها أصبحت الآن أكبر المدن في شرق القارة (314 ألف شخص)، كما أصبحت مركزا هاما للمواصلات البرية والجوية.
القاهرة: أقدم مدن أفريقيا الكبرى قاطبة، وأشهرها وأكبرها مساحة وسكانا (حوالي أربعة ملايين شخص)، وفضلا عن ذلك فهي تضم أقدم جامعة في العالم (الأزهر)، وأصبحت مركزا مرموقا للعلم في أفريقيا والعالم الآسيوي (ثلاث جامعات)، والتجمع المديني للقاهرة يضم مراكز سياحية عالمية من العصرين الفرعوني والإسلامي، ويضم أكبر تركز صناعي حديث في أفريقيا كلها (حلون - طرة - شبرا الخيمة).
جوهانسبرج (جنوب أفريقيا): نشأت بعد اكتشاف الذهب في إقليم الراند عام 1886، ولكنها نمت بسرعة مذهلة في أقل من قرن إلى أن أصبح عدد سكانها وضواحيها 1152000 شخص، وهي بذلك أكبر مدينة في أفريقيا جنوب خط الاستواء، وثالثة مدن أفريقيا بعد القاهرة والإسكندرية.
البناء السوداني التقليدي (مالي): ينتشر هذا النوع من البقاء في نطاق السودان من النيل إلى السنغال، وهو بناء من الطين المقوى بالأخشاب، ومعظم هذه الأبنية الضخمة ما هي إلا سور كبير عال يلف مساحة داخلية يوجد بها المنزل، وتظهر أشكال الفنون على اختلافها في صورة الأشكال المعمارية لواجهة البيوت.
منزل مستوطن (كينيا): أقام هذا المستوطن الأوروبي منزله على الطراز الإنجليزي، ولكنه استفاد من الخامات الأفريقية في بناء المنزل لصلاحيتها لمقاومة حرارة الشمس، وعلى هذا فالمزج المعماري الأوروبي والأفريقي سطحي وبسيط.
المعمار العربي المختلط في زندر (جمهورية النيجر): يمثل هذا البيت اندماج نوعين من المعمار: العربي والسوداني، انصهرا في تكامل فائق الجمال. البيت لأحد تجار زندر التي كانت محطة هامة للتبادل التجاري بين إقليم السودان والبحر المتوسط عبر الصحراء.
المعماري الإسلامي في أفريقيا (المغرب): نموذج رائع للفن الإسلامي في شمال أفريقيا . بوابة المنصور في مدينة مكناس. إلى جانب النقوش الجميلة أضيف الزجاج الأخضر لزيادة بهائها. ترجع هذه البوابة إلى القرن السابع عشر.
Bilinmeyen sayfa