Arapların En Parlak Devrinde İslam Yönetimi

Muhammed Kurd Ali d. 1372 AH
108

Arapların En Parlak Devrinde İslam Yönetimi

الإدارة الإسلامية في عز العرب

Türler

لم يبتدع المعتصم ولا ابنه الواثق شيئا جديدا في الإدارة لم يعرفه المأمون والرشيد، بل عاشا وعاشت الخلافة العباسية بعد ذلك بالأساس الذي وضعه المنصور للدولة، ولم يكن لها بعد منتصف القرن الثالث تلك الروعة التي كانت لها في عهد الخلفاء الأول. وقل بعد المأمون الخلفاء النادرون بذكائهم وتجاربهم، فأصيبت الخلافة بعد عظمائها بفتور، وأعمالهم بقلة الرواء والاتساق. ومن أهم الدواعي إلى هذا الانحطاط: فساد الإدارة واختلال أحوال القضاة، فنشأ ذلك من شراهة نفوس العمال والوزراء وإضاعة الحقوق. ومن يصادر أو يموت عن عشرات أو مئات الألوف من الدنانير من هذه الطبقة كيف يصح لك أن تحكم عليه بالبراءة من مال السحت والرشا والسرقات. مساوئ ما فشت في أمة إلا ضاع حق سلطانها وحق رعيته.

وكانت أهم عقوبة تقع على الظالم من العمال مصادرة الخليفة أو وزيره أو عامله الأكبر، وأصبح العمال في الدولة العباسية صورة عجيبة من استنزاف الأموال، وهم موقنون بأن مصيرهم بما جمعوه إلى المصادرة والقتل. وقل فيهم من كان يكتفي بما قرره له الخليفة أو العامل الأعظم من الجرايات والمشاهرات، وقد تكون على حد الكفاية وأكثر من الكفاية بالنسبة لتلك الأعصر، وما حدث فيها من وفرة الثروة وعوائد الترف والسرف. وللوزراء ومن يلونهم طرق إبليسية في السلب. والأرجح: أن أهم موارد الوزراء والولاة كان من نهب جباية الدولة أو بيت مالها، ومن الهدايا التي يضطرون صغار عمالهم إلى تقديمها في كل فرصة، ومن رشا يتناولونها ممن يحاولون أن يستخدموا في أعمال الدولة، إلى غير ذلك من وجوه انتهاب الأموال وإعنات الناس. وكانت هذه الطبقة من الوزراء والكبراء تصوم وتصلي وتتعبد وتتصدق وتغار على الإسلام والدولة، ثم تجوز الاحتيال لأخذ الأموال؛ لأن الأبهة تقضي التوسع في الإنفاق!

قال عامل مصر لأحد من زاره من وزراء العباسيين في الفسطاط، فرأى جسرا يحتسب العمال عنه على السلطان ستين ألف دينار في كل سنة، وهو لا يكلف عشرة دنانير: إن جاريه ثلاثة آلاف في الشهر، ولا يمكنه وهو عامل مصر أن يكون بغير كتاب ولا عمال ولا كراع ولا جمال ولا إعطاء ولا إفضال، وله حرم وأولاد وأقارب وأهل يحتاج لهم إلى مئونة، ولا يخلو أن يرد عليه زوار بكتب من الرؤساء فتقضي المروءة أن يبرهم ويصلهم، إلى غير ذلك مما يصانع به. ومنها: هدايا سنوية إلى الخليفة والسيدة وأنجاله والقهرمانة وكتابهم وأسبابهم. وبهذا رأينا أن العامل كان مضطرا بحسب مصطلح ذلك الزمان إلى أن يسد العجز في موازنته الخاصة من طرق غير مشروعة، وقل العف الجيد الطعمة، وكلما تقدم الزمن وزادت الخلافة العباسية عتقا بليت الأخلاق في الناس، وتبعه تقلقل الإدارة؛ لفسولة رأى القائمين بالدولة وتشعب أغراضهم.

ولقد كان الخلفاء على الأكثر يتخيرون للولايات والوزارات أكتب الناس وأعلمهم، وللقضاء أقضاهم وأفتاهم. وحظوة الرجل عند قومه قد تكون من بواعث توسيد كبار الأعمال إليه خصوصا الوزارات والولايات والقيادات . وأتى زمن بعد المعتصم والوزير أعجم طمطم لا يفهم ولا يفهم، وأصبح أنصار الدولة والغيراء عليها يتأففون ممن لا يحسنون العربية، وإن كان منطويا على صفات أخرى صالحة في تدبير الملك؛ وذلك لكثرة من دخل في الأعمال من غير العرب. وكان معظم العمال يحاولون أن يجروا الرعية على المعاملات القديمة ويحملوهم على الرسوم السليمة. ولكن تطلب أنفس الولاة والعمال إلى العبث بحقوق الناس؛ ليجنوا من ذلك ما تتلمظ له شفاههم من المغانم، كان الباعث على استشراء الفساد في معظم طبقات المجتمع.

ثم أصبح بعض العظماء

74

ينفرون من الوزارة؛ لأن خاتمة حياتهم كانت التقتيل، ولأن مصير أموالهم وأموال ذويهم كان في الغالب إلى المصادرة والاغتصاب. ولقد عمت المصادرة سائر رجال الحكومة حتى الرعية، وأصبحت بتوالي الأيام المصدر الرئيسي لتحصيل المال؛ فالعامل يصادر الرعية، والوزير يصادر العمال، والخليفة يصادر الوزراء، ويصادر الناس على اختلاف طبقاتهم. حتى أنشئوا للمصادرة ديوانا خاصا مثل سائر دواوين الحكومة؛ فكان المال يتداول بالمصادرة كما يتداول بالمتاجرة. غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار ثم نفاه. ثروة ضخمة لو فكر الفضل أن يخلع طاعة الخليفة وينشئ بها ملكا له لما أعجزه ذلك. وغضب الواثق على كتاب الدواوين وسجنهم وأخذ منهم ألفي ألف دينار، وفيهم بعض الوزراء ومن كانوا في منزلتهم. وقل أن كان الوزير ينجو من نكبة إذا طالت أيامه، وأيقن الخليفة أنه اغتنى وعبث بأموال الدولة، أو حفزته الحاجة إلى المال فتفقده في خزائنه فلم يجده. ولم يعهد لوزير أن وزر وزارة واحدة بلا صرف لثلاثة خلفاء متسقين إلا محمد بن عبد الملك الزيات، وانتهى أمره بحرقه في التنور ومصادرة أمواله. وكان من العلم والأدب في الذروة العليا. وكان سلفه في وزارة المعتصم أحمد بن عامر الذي وصفه المعتصم ووصف نفسه بقوله: «خليفة أمي ووزير عامي.»

75

قال الوزير ابن الفرات: تأملت ما صار إلى السلطان من مالي فوجدته عشرة آلاف ألف الدينار، وحسبت ما أخذته من الحسين بن عبد الله الجوهري فكان مثل ذلك. فكأنه لم يخسر شيئا؛ لأنهم كانوا يقبضون بالمصادرة ويدفعون بالمصادرة، وإذا صودر أحدهم على مال لم يكن في وسعه أداؤه كله معجلا أجلوه بالباقي وساعدوه على تحصيله وجمعه. وتعددت أسباب المصادرة وجهاتها حتى أصبح كل صاحب مال أو منصب عرضة لها. وكانت وزارة ابن الفرات ثلاث سنين وثمانية أشهر واثني عشر يوما،

76

Bilinmeyen sayfa