Arapların En Parlak Devrinde İslam Yönetimi
الإدارة الإسلامية في عز العرب
Türler
ووقع للمأمون غير مرة أن كان يخف إلى الأقطار التي تنشب فيها فتنة جديدة لا يعتمد على رجاله على كثرة الصالحين منهم للعمل. ولما انتقضت أسفل الأرض كلها بمصر عربها وقبطها، وأخرجوا العمال وخالفوا الطاعة، وكان ذلك لسوء سيرة العمال فيهم، هبط المأمون مصر لعشر خلون من المحرم سنة سبع عشرة ومائتين، وسخط على عامله عيسى بن منصور، وأمر بحل لوائه وأمره بلباس البياض، وقال: لم يكن هذا الحدث العظيم إلا عن فعلك وفعل عمالك، حملتم الناس ما لا يطيقون وكتمتموني الخبر، حتى تفاقم الأمر واضطربت البلد. وقال: ما فتق علي قط فتق في مملكتي إلا وجدت سببه جور العمال. وقال لمن رفع إليه خبرا في عامل: إني امرؤ أداري عمالي مداراة الخائف، وبالله ما أجد إلى أن أحملهم على المحجة البيضاء سبيلا، فاعمل على حسب ذلك ولن لهم تسلم منهم.
وخص المأمون بالإغضاء عن المساوئ، والتغابي عن التافهات، وحمل الناس على محمل الخير، وجهد أن يسوق إليهم كل خير، وهذا مع كثرة عنايته بأخذ أخبار عماله ورعيته، وقيل إنه كان للمأمون ألف عجوز وسبعمائة يتفقد بها أحوال الناس ومن يحبه ويبغضه ومن يفسد حرم المسلمين، وكان لا يجلس إلى دار الخلافة حتى تأتيه كلها، وكان يدور ليلا ونهارا مستترا، ومع كل هذا كان المأمون أبدا إلى جانب المسامحة والعفو، وتتجافى نفسه العظيمة عن كل ما تشتم منه رائحة الطمع والإسفاف إلى أموال العمال، وكادت المصادرات والنكبات تبطل في أيامه، ولا ينكب إلا من حاول نقض بنيان الدولة. ولقد رفع إليه أن عمرو بن مسعدة أحد وزراء دولته خلف ثمانين ألف ألف درهم، أو نحو ثمانية ملايين دينار، فوقع على الرقعة: «هذا قليل لمن اتصل بنا وطالت خدمته لنا، فبارك الله لولده فيه.»
وكأنه استفظع القتل الذي يصيب كل عدو للدولة فبسط جناح الرحمة، وقلل من إهلاك النفوس ما أمكن. وأقام نفسه مقام رجل يعرف الطباع البشرية، وينصف خصومه وأعداءه، ويحسن إليهم ولا يسيء، كتب صاحب بريد همدان
62
إلى المأمون بخراسان يعلمه أن كاتب البريد المعزول أخبره أن صاحبه وصاحب الخراج كانا تواطآ على إخراج مائتي ألف درهم من بيت المال واقتسماها بينهما، فوقع المأمون: «إنا نرى قبول السعاية شرا من السعاية؛ فإن السعاية دلالة والقبول إجازة، وليس من دل على شيء كمن قبله وأجازه، فانف الساعي عنك، فلو كان في سعايته صادقا لقد كان في صدقه لئيما، إذ لم يحفظ الحرمة ولم يستر على أخيه.»
وقال المأمون لولده في معنى الوشاة: يا بني، نزهوا أقذاركم وطهروا أحسابكم عن دنس الوشاة وتمويه سعايتهم؛ فكل جان يده في فيه، وليس يشي إليكم إلا أحد الرجلين: ثقة وظنين. أما الثقة فقد قيل إنه لا يبلغ ولا يسيئن بالوشاية قدره، وأما الظنين فأهل أن يتهم صدقه، ويكذب ظنه، ويرد باطله، وما سعى رجل برجل إلي قط إلا انحط
63
من قدره عندي ما لا يتلافاه أبدا، فلا تعطوا الوشاة أمانيهم فيمن يشون بهم. ولئن لم يترك المأمون مجالا للوشاة يخربون بيوت من يشون بهم، ويزيلون نعمتهم، أو يوردونهم موارد الهلكة، فما كان يخفى عليه خبر من الأخبار الخاصة والعامة في القاصية والدانية، حتى إنه لما ضاق صدره من تشدد بعض العلماء في حوار خلق القرآن، كتب إلى عامله بمعائبهم رجلا رجلا، وقال إنه أعلم بما في منازلهم منهم. وخبر في هذه الرسالة عن عيب واحد واحد من الفقهاء وأصحاب الحديث، وعن حالتهم وأمورهم التي خفيت أو أكثرها عن القريب والبعيد.
ولقد كان من أهم قوانين إدارته: التوسعة على عماله حتى لا يسرقوا الرعية والسلطان ويضيعوا حقوقهم؛ رفع منزلة الفضل بن سهل، وعقد له على الشرق طولا وعرضا، وجعل عمالته ثلاثة آلاف ألف درهم. وما كان المأمون بالخليفة الذي يتخلى عن خاصة عماله بأدنى سبب ، بل يغض الطرف عن مساويهم ويتركهم في برزخ بين الرغبة والرهبة؛ ولذلك استراح واستراح الناس معه، وعلى قدر ما كان يراعي الخاصة يراعي العامة؛ فقد قال في وصيته للخليفة بعده: ولا تغفل أمر الرعية والعوام فإن الملك بهم وبتعهدك لهم. الله الله فيهم وفي غيرهم من المسلمين، ولا ينتهين إليك أمر فيه صلاح للمسلمين ومنفعة إلا قدمته وآثرته على غيره من هواك، وخذ من أقويائهم لضعفائهم، ولا تحمل عليهم في شيء، وأنصف بعضهم من بعض بالحق بينهم، وقربهم وتأن بهم.
وكان المأمون يحرص كل الحرص على الانتفاع برجاله، ويطلق لهم حريتهم في العمل، وممن كان يستمع لمشورتهم أحمد بن أبي داود، وهذا كان أول من افتتح الكلام مع الخلفاء، وكانوا لا يبدؤهم أحد حتى يبدءوه. ولما أسند
Bilinmeyen sayfa