كل أنية بحق إما تكون أعلى من الدهر وقبله، وإما مع الدهر، وإما بعد الدهر وفوق الزمان. أما الأنية التى قبل الدهر فهى العلة الأولى لأنها علة له؛ وأما 〈الأنية〉 التى مع الدهر فهى العقل، لأنه الأنية الثانية؛ وأما الأنية التى بعد الدهر وفوق الزمان فهى النفس، لأنها فى أفق الدهر سفلا وفوق الزمان. — والدليل على أن العلة الأولى قبل الدهر بين، وذلك أن الأنية فيه مستفادة؛ ونقول: كل دهر أنية، وليس كل أنية دهرا — فالأنية أكثر 〈سعة〉 من الدهر. والعلة الأولى فوق الدهر، لأن الدهر معلول منها، والعقل يحاذى الدهر، لأنه ممتد معه ولا يتغير ولا يستحيل. والنفس لاصقة مع الدهر سفلا، لأنها أسفل تأثيرا من العقل، ومن فوق الزمان لأنها علة الزمان.
[chapter 3] ٣ — باب آخر
كل نفس شريفة فهى ذات ثلاثة أفاعيل: فعل نفسانى، وفعل عقلى، وفعل إلهى. فأما الفعل الإلهى فإنها تدبر الطبيعة بالقوة التى فيها من العلة الأولى. وأما فعلها العقلى فإنها تعلم الأشياء بقوة العقل التى فيها. وأما الفعل النفسانى فإنها تحرك الجرم الأول وجميع الأجرام الطبيعية لأنها هى علة حركة الأجرام وفعل الطبيعة. وإنما فعلت النفس هذه الأفاعيل لأنها مثال من القوة العالية، وذلك أن العلة الأولى أبدعت أنية النفس بتوسط العقل، ولذلك صارت النفس تفعل فعلا إلهيا. فلما أبدعت العلة الأولى أنية النفس صيرتها كسياق العقل يفعل العقل فيها أفاعيله، فلذلك صارت النفس العقلية تفعل فعلا عقليا.
Sayfa 5