202

قلت: وهو الحق لما قدمنا من الدليل على أن الطاعات شكر، والدليل على أن الفاسق لا يسمى كافرا كما زعمت الخوارج أن الكافر له أحكام مخصوصة وأسماء معلومة لا تجوز على الفاسق، أما أحكامه فنحو حرمة المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين. أجمعت الصحابة على أنه لا يثبت في حق الفاسق شيء من هذه الأحكام ولهذا فإنهم كانوا يقيمون الحدود على الجناة ولا يفرقون بينهم وبين أزواجهم فلو كان الجناة يسمون كفارا لحرمت المناكحة بينهم إذ لا مناكحة بين أهل ملتين.

ويدل على ذلك أن الله شرع اللعان بين الزوجين متى قذف الزوج زوجته ورماها بالزنا فإنهما يترافعان إلى الحاكم فإذا أصرا على ذلك حلفهما ثم يفرق بينهما بعد ذلك، فلو كان الفسق كفرا كما تقوله الخوارج لحصلت البينونة بينهما بنفس المعصية ولم يحتج إلى تفريق الحاكم لأن أحدهما يكون فاسقا لا محالة لأن الزوج إن كان صادقا كانت الزوجة فاسقة لأجل الزنا وإن كان كاذبا كان فاسقا لأجل القذف الذي نص الله على أنه فسق بقوله تعالى{أولئك هم الفاسقون}(النور:04) إذ لا ملاعنة مع بطلان الزوجية كما لا ملاعنة بين الأجنبيين، فلما علمنا صحة الملاعنة بينهما دل ذلك على أن الفسق ليس بكفر. وأما الأسماء فيقال كافر وملحد لأنه جاحد لله تعالى ولرسوله ولجنته وناره ولاشك أن الفاسق لا يفعل شيئا من ذلك. وقد بطل بما قررنا ما تقوله الخوارج، وقوله (كافر وملحد) ما كان ينبغي لأن إطلاق الكافر على الفاسق هو عين محل النزاع، وأما ملحد فهو اسم لكافر مخصوص وهو الجاحد للصانع فعدم إطلاقه على الفاسق كعدم إطلاقه على من كفر بغير ذلك فافهم.

Sayfa 239