وكانت الصحابة -رحمة الله عليهم- يقرؤون بهذين النوعين ويقرؤون غيرهم بهما في أمصار المسلمين، على سبيل ما أقرأهم رسول الله صلى الله عليه من عهده الى زمن عثمان -رضي الله عنه، فانتشرت الحروف، وكثرت القراءات على سبيل ما ذكرنا، فلما كان زمن عثمان تلاقى أهل تلك الأمصار مع قرائها في بعض الغزوات، فقرأ قراء أهل كل مصر منها على سبيل ما أخذوا من الصحابة فأنكر بعضهم على بعض ذلك الاختلاف، حتى تبرأ بعضهم من قراءة بعض، وكفر بعضهم بعضا، فلما رأى ذلك منهم من كان فيهم من الصحابة نهاهم عن ذلك، فلما رجعوا كلموا في ذلك عثمان وسألوه أن يكتب للناس مصحفا، ويجمع جميعهم عليه، ويبطل ما سواه من المصاحف التي كتبت قبل، وكان ممن بدأ بذلك حذيفة بن اليمان، فأجابهم عثمان الى ذلك وأخرج المصحف الذي جمعه أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- على العرضة الاخيرة، ونسخ منه مصاحف، وفرقها في الأمصار، وأمر بتحريق ما سواه من المصاحف التي كتبت قبل بإجماع من الصحابة على صحتها، ثم صار الناس بعد ذلك يقرؤن على سبيل ما أقرأهم رسول الله صلى الله عليه وأصحابه، مما لا يخالف الإمام مصحف عثمان -رضي الله عنه- من تلك الوجوه، وتركوا القراءة بما يخالف رسم كتابة منها فارتفع أحد النوعين ودرس، وهو الاختلاف الذي كان بينهم في رسم الخطوط وإبدال كلمة مكان أخرى بمعنى صاحبتها نحو ما تقدم ذكره، وإن كان ذلك حقا، وبقي النوع الآخر، وهو الاختلاف الذي كان بينهم في مسموع الحروف وحركات بناء الكلمة بإتفاق الخطوط، واستقر الأمر على ذلك، ولم يزل يأخذ هذا النوع الآخر الأصاغر عن الأكابر، والخلف عن السلف، من وقتهم الى وقتنا، وهي القراءة التي نقرؤها نحن اليوم، وهي داخلة في تلك السبعة التي سهل الله -تعالى- القراءة بها على خلقه وثبتت بثبوت هذا النوع الباقي من الاختلاف عن القراء الذي هو ثابت (¬1)
/20و/ واعلم أن ذلك مما لم يكن لهم إلى ضبطه السبيل عند نسخهم الإمام -مصحف عثمان- والمصاحف التي نسخت منه، وفرقت في الأمصار، لأنهم حين كتبوها لم يعجموا الحروف المحتاجة الى العجم والشكل، ولم ينقطوها، وكانوا لذلك كارهين، ويأمرون بتجريد القرآن، وينهون أن يختلط به شيء غيره، فلما كانت تلك المصاحف المستنسخة من الإمام -مصحف عثمان- خالية من العجم (¬2) والشكل (¬3) والنقط (¬4) على ما وصفنا، انتقل الناس في كل مصر من أمصار المسلمين مما كان لهم فيه بيان أنهم أمروا بالانتقال عنه الى غيره، وهو الاختلاف الذي كان بينهم في رسوم الخطوط، وثبتوا على ما لم يكن فيه بيان أنهم أمروا بالانتقال عنه الى غيره، وهو الاختلاف الذي كان بينهم في حركات الألسن ونقل حرف الى خلافه بإتفاق الخطوط، فبقي هذا النوع لما ذكرته من السبب، ولأنهم أمنوا عليه ما لم ]يأمنوا[ (¬5) في النوع الأول من التناكر الذي بينهم في إختلاف الخطوط ولهذا السبب لم ينقطوا المصاحف أيضا. فاعرف ذلك.
Sayfa 95