فَقَالَ يَا ابا عبد الله ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ كَيفَ استواؤه قَالَ فَأَطْرَقَ مَالك وأخذته الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ كَمَا وصف نَفسه وَلَا يُقَال كَيفَ وَكَيف عَنهُ مَرْفُوع وَأَنت رجل سوء صَاحب بِدعَة أَخْرجُوهُ
وَفِي لفظ لَهُ رَحْمَة الله تَعَالَى بطرِيق يحيى بن يحيى الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَمَا أَرَاك إِلَّا مبتدعا فَأمر بِهِ فَأخْرج
وَرُوِيَ ذَلِك عَن ربيعَة الرَّأْي أستاذ مَالك رحمهمَا الله تَعَالَى فَقَالَ عبد الله بن صَالح ابْن مُسلم سُئِلَ ربيعَة الرَّأْي عَن قَول الله ﵎ ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ كَيفَ اسْتَوَى قَالَ الكيف مَجْهُول والاستواء غير مَعْقُول وَيجب عَليّ وَعَلَيْك الْإِيمَان بذلك كُله
قَالَ الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ هَذِه نُسْخَة الْكتاب الَّذِي أملاه الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن اسحاق بن أَيُّوب فِي مَذْهَب أهل السّنة فِيمَا جرى بَين مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَبَين أَصْحَابه فَذكرهَا وَذكر فِيهَا ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ بِلَا كَيفَ والْآثَار عَن السّلف فِي هَذَا كَثِيرَة وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة يدل مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وإليها ذهب أَحْمد بن حَنْبَل وَالْحُسَيْن بن الْفضل البَجلِيّ وَمن الْمُتَأَخِّرين أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ ... الخ
وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أهل السّنة يَقُولُونَ الاسْتوَاء على الْعَرْش صفة الله تَعَالَى بِلَا كَيفَ يجب على الرجل الْإِيمَان بِهِ ويكل الْعلم فِيهِ إِلَى الله ﷿ وَذكر خبر الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى
سُئِلَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَدِيث النُّزُول فَقَالَ ينزل بِلَا كَيفَ كَذَا فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ص ٤٥٦
قَالَ الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان السّنة وَالْجِمَاع وَتقول إِن الله تَعَالَى يغْضب ويرضى وَلَيْسَ كَأحد من صِفَات الورى قَالَ شَارِحه الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الميداني صَاحب اللّبَاب فِي شرح الْكتاب فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنْفَرد بصفاته لذاته فَكَمَا لَا تشبه ذَاته الذوات فصفاته لَا تشبه الصِّفَات لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَلَا يؤولان بِأَن المُرَاد ببغضه وَرضَاهُ إِرَادَة الانتقام ومشيئة الإنعام أَو المُرَاد غايتهما من النقمَة أَو النِّعْمَة قَالَ فَخر الْإِسْلَام الإِمَام الْبَزْدَوِيّ على بن مُحَمَّد صَاحب الْمَبْسُوط فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ وَيَقَع فِي ٣٠ جُزْءا وَهُوَ مطبوع فِي أُصُوله إِثْبَات الْيَد وَالْوَجْه حق عندنَا لكنه مَعْلُوم بِأَصْلِهِ متشابه بوصفه وَلَا يجوز إبِْطَال الأَصْل بِالْعَجزِ عَن دَرك الْوَصْف وَإِنَّمَا ضلت الْمُعْتَزلَة من هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُم ردوا الْأُصُول لجهلهم بِالصِّفَاتِ على وَجه الْمَعْقُول فصاروا معطلة ثمَّ قَالَ وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة أثبتوا مَا هُوَ الأَصْل الْمَعْلُوم بِالنَّصِّ أَي الْآيَات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فِيمَا هُوَ من الْمُتَشَابه وَهُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يجوزوا الِاشْتِغَال بِطَلَب ذَلِك كَمَا وصف الله تَعَالَى الراسخين فِي الْعلم فَقَالَ يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب
وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عابدين صَاحب حَاشِيَة ابْن عابدين على الدّرّ الْمُخْتَار رحمهمَا الله تَعَالَى فِي بحث المتشابهات من كَلَام وَمن هَذَا الْقَبِيل الْإِيمَان بحقائق مَعَاني مَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات كَقَوْلِه تَعَالَى ﴿الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى﴾ و﴿يَد الله فَوق أَيْديهم﴾ وَقَوله ﵊ ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث مَا ظَاهره يفهم أَن الله تَعَالَى لَهُ مَكَان وجارحة فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله ﷺ من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وَقَالَ التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه الْأَكْبَر لَهُ لَهُ يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْوَجْه
1 / 41