ولمحت وجهي في المرآة، فإذا به يحدق في مستغربا كأنه يستنكر هذا الإنسان الذي تتجلى ملامحي في ملامحه.
من هو هذا العاتي الذي يدفع باللعنة من فمي، ويتخذ يدي آلة للتعذيب؟
أهذا الرجل هو من كانت تدعوه أمي باسم أوكتاف؟ أهذا هو من كان يتراءى لي بين مروج الغاب عندما كنت أنحني - وأنا في الخامسة عشرة من ربيع حياتي - فوق جداوله وهي تنساب كاللجين صافية كصفاء فؤادي؟
وأطبقت جفوني عائدا إلى أيام طفولتي، فإذا التذكار يخترق قلبي بألف شعاع كأنه الشمس تمزق خيوطها حالكات الغيوم.
وصحت: لا، إن من ارتكب هذا الإثم ليس أنا، وليس كل ما يتراءى لي في هذه الغرفة سوى أضغاث أحلام.
وعدت أستعرض تفتح قلبي للحياة، فيلوح لي على صفحات تذكاري متسول هرم كان يجلس أمام باب المزرعة، وكنت أحمل إليه بعد الغداء فضلات مائدتنا، فأراه كأنه الآن أمامي مقوس الظهر مادا يديه الناحلتين ليباركني وهو يبتسم.
وشعرت بغتة بهبوب نسمات الفجر على صدغي، وبتساقط قطرات كأنها أنداء الصباح على روحي.
فتحت عيني فإذا الحقيقة تنطح بصري وقد أنارها إشعاع المصباح الضئيل.
وعدت أخاطب نفسي قائلا: أتعتقد أنك بريء من الإثم يا هذا! أتحسب نفسك بريئا لأنك تبكي؟ أيها المتتلمذ للحياة منذ أمس وقد أفسدته الحياة، إن ما تراه في تقديرك شهادة من ضميرك لك قد لا يكون إلا ندما وتبكيتا، وأي قاتل لا يبكته ضميره؟!
أفأنت واثق من أن صراخ الألم المتعالي من صميم فضيلتك ليس آخر حشرجة تدفع بها في احتضارها؟
Bilinmeyen sayfa