وأحست بريجيت في أول الأمر بلذة في عزلتها وتمكنها من الانفراد بي في أية ساعة دون محاذرة وتحوط، ولعلها كانت تتظاهر بالاغتباط لتثبت لي أن غرامها أعز عليها من سمعتها، وأنها نادمة على ما أبدته من الاهتمام بأقوال المرجفين، وهكذا سرنا في حياتنا لا نلوي على شيء من فضول الناس، متمتعين بملء حريتنا في اتباع أهوائنا.
وكنت أذهب إلى بيتها عند ساعة الإفطار، وإذا خرجت فلا أخرج إلا بصحبتها، فأقضي النهار معها حتى العشاء، وعندما يحين ميعاد انصرافي بعد السمر كنا نتعلل بأسباب عديدة للبقاء معا، ونتخذ احتياطات جد تافهة لإخفاء بقائي في غرفتها ليلا.
وعلى هذا النمط أقمنا دون انفصال مخادعين أنفسنا بأن لا أحد يلاحظنا.
وقمت بوعدي برهة من الزمان، فداريت عواطف بريجيت، ولم تعكر جونا غمامة. تلك أيام سعيدة هانئة، وليس في مثل هذه السانحات من الدهر ما يستدعي وصفا وبيانا.
وذهبت الإشاعات في القرية وضواحيها تعلن أن بريجيت تساكن علنا فاسقا باريسيا يعاملها أسوأ معاملة، فيمضيان أوقاتهما بالتقاطع والتواصل، وتوقع الكل أسوأ العواقب لهذه الحياة.
وانقلب ما كان يقال من الثناء على بريجيت من قبل لوما وتقريعا، حتى ذهب الناس إلى تأويل ما كان يورث إعجابهم في حياتها الماضية تآويل تظهر الشر فيها، فأصبحوا يهزءون ببرها بالفقراء، وتجولها في الجبال لمداواتهم، وهكذا كانت تدور الأحاديث عن بريجيت كأنها إباحية تتعرض لأوخم العواقب.
وكنت قد صارحت بريجيت بأنني أرى الإغضاء عن كل هذه التخرصات؛ إذ أردت التظاهر بعدم المبالاة بها، في حين أنها كانت ترهقني وتبلبل أفكاري.
وكنت أذهب في بعض الأحيان متجولا في الضواحي أتسقط من الإشاعات ما يمكنني الاستناد إليه للوم بريجيت ومناقشتها الحساب، وعبثا كنت أرهف السمع لألتقط من الهمس في المجتمعات ما ينقع غلتي؛ إذ كان الناس لا يبدءون بنهشي إلا بعد أن أتوارى، فكنت أعود إلى بريجيت لأقول لها: إنه لا أهمية لهذه التخرصات التي تصل إلينا، فليذهب الناس مذاهبهم فينا، فما أنا بالمقيم لاغتيابهم وإفكهم وزنا.
وما كنت وأنا أتبع هذه الخطة إلا مواليا للناهشين من عرض خليلتي؛ إذ كان علي وأنا موردها هذه الموارد الخطرة أن أهتم للأمر وأقيها مغباته.
وما طال الزمن حتى عدلت عن ذلك إلى المهاجمة فقلت لحبيبتي: إن الناس يتقولون كثيرا بشأن تجولك في الليالي، فهل أنت واثقة من أنهم يفترون؟ أفلم يقع لك أي حادث على طرق هذه الجبال وفي مغاورها؟ أفما اتفق لك أن عدت في الغسق مستندة إلى ذراع مجهول كما استندت إلى ذراعي؟ أصحيح أنه لم يكن لك من مقصد غير الإحسان في اقتحامك ظلمات هذا الهيكل المجلل بالاخضرار؟
Bilinmeyen sayfa