وسائل النجاح
من العيوب التي حالت بيني وبين النجاح في كثير من أمور الحياة أني أحتقر الأشياء الصغيرة، فلا أتطلب معرفتها. وإنما وجه العيب في ذلك أن الحياة مكونة من هذه الأشياء الصغيرة، انظر إلى الساعة من ساعات العمر، تجدها مملوءة من الحوادث الصغيرة والأشياء الحقيرة الدقيقة التي لا يحويها إلا التفصيل. ومن أجل ذلك كان الرجل الذي تمرس بأسباب النجاح لا يهمل شيئا مهما صغر، ولا يحتقر شيئا مهما كان دقيقا. فلا تعرض عليه شيئا من الأمور اليومية وحوادث الساعات إلا فصله وشرح لك كنهه ومصدره وقيمته.
وقد حدثني رجل من أهل النجاح مازحا، قال: قد يكون النجاح في الحياة رهينا بإجادة مشية خاصة، أو بأن نعرف أن في دكان فلان يباع الشيء الفلاني، أو بأن تعرف أن فلان بك الذي أنت صنيعته يعرف فلان باشا، وأن فلان باشا يحب كذا من أنواع المأكولات، وكذا من أنواع النساء، أو بأن تذكر دائما أن فلان بك يكره من يذم أمامه الكذب، وأن الشيخ فلان يبغض من يمدح أمامه الأمانة. هذه أشياء صغيرة، ولكن العمل بها قد يكون سببا من أسباب النجاح، كما أن إهمالها قد يكون سببا من أسباب الفشل!
هذا ولا شك مزح، ولكنه مزح ترقص فيه الحكمة رقص العربيد. وأنا من الناس الذين لا يعرفون الفرق بين الخروف والدجاجة، ولا أيهما أحلى في حلق فلان بك، ولا يهمني أن فلان بك يحب رأيه أكثر من حبه الحق والصواب، وأنه مفتون بمكانته مغرور بجاهه. ثم إني أجهل أثمان الأشياء وأستحي من شرائها؛ ومن أجل ذلك أود لو أمد يدي فآخذ كل ما أريد من الهواء. ومما زادني رغبة في هذه الأمنية الكسل وحب الغريب المعجز؛ ومن أجل حب المعجز أتمنى لو أملك خاتم سليمان الذي يسخر لي الإنس والجن.
آه ما ألذ المعجز، وما أجل المستحيل! وما أحلى أن يستحيل المستحيل على غيري من الناس، وأن لا يستحيل علي!
لو يستحيل المستحيل على الورى
وأنال من أحلامه ما أطلب
لجننت جنة قادر متحكم
يرضى على هذا الأنام ويغضب
وأخذت من هذي الحياة لبانتي
Bilinmeyen sayfa