عَن التَّدْبِير الَّذِي هُوَ روية وتفكير ويتعالى عَن ذَلِك الْخَالِق الْقَدِير المنزه عَن خواطر النَّفس وهواجس الضَّمِير
ثمَّ لما فرغ هَذَا السَّائِل من خطبَته الغراء البديعة الْإِنْشَاء الَّتِي من وقف عَلَيْهَا علم أَنه عَن المعارف مَصْرُوف وَأَنه لَا يفهم الْمعَانِي وَلَا يحسن كِتَابَة الْحُرُوف شرع فِي طَريقَة الْجِدَال وَكَيْفِيَّة الإستدلال فَكَأَنَّهُ فِي نظم مقعولاته الطوسى وَفِي آدَاب جدله البروى ولعمر الله لَو كَانَ هَذَا السَّائِل عَاقِلا لستر عواره وَلم يبد غَارة
وَلكنه جهل فَقَالَ وَحَيْثُ وَجب أَن يسكن جال
وَلَقَد كَانَ يَنْبَغِي لهَذَا السَّائِل أَلا يتَكَلَّم فِي شَيْء من عُلُوم الإعتقاد حَتَّى يحسن شُرُوط النّظر وَيحكم مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْموَاد والفكر وَلما بَادر إِلَى الْكَلَام فِي ذَلِك من غير تَحْصِيل شَيْء مِمَّا هُنَالك تثبج عَلَيْهِ كَلَامه وصعب عَلَيْهِ مرامه فَرُبمَا كَانَ الْمَعْنى الَّذِي يَقْصِدهُ قَرِيبا فيبعده أَو مجتمعا فيبدده وسيتبين ذَلِك فِي كَلَامه
وَلما كَانَ ذَلِك رَأَيْت أَنى إِن تتبعت كَلَامه كَمَا تتبعت خطبَته خرج الْأَمر الإعتدال وَأدّى ذَلِك إِلَى الكسل والملال وضياع الزَّمن فِي ضروب الهذيان هُوَ غَايَة الخسران فَرَأَيْت أَن أعرض عَن آحَاد كَلِمَاته وأناقشه فِي مَعَانِيهَا ومفهوماتها ثمَّ إِنِّي رُبمَا لَا أَتكَلّم مَعَه حَتَّى أحكى مذْهبه وَأبين لَهُ مَا أَرَادَهُ بِكَلَام حسن وجيز ليَكُون ذَلِك أبلغ فِي الْفَهم وَأمكن فِي التَّمْيِيز وَإِلَى الله ﷿ أَرغب وَعَلِيهِ أتوكل فِي أَن يشْرَح صدورنا وييسر علينا أمورنا ويستعملنا فِيمَا يقربنا مِنْهُ وينفعنا عِنْده أَنه ولى ذَلِك الْقَادِر عَلَيْهِ
تمّ الصَّدْر والآن نشرع فِي الْأَبْوَاب
1 / 54