ألسنتهم حين يأتي كل فريق منهم بما لم يسمع من غيره، إذ يتمارَؤن فيه حتى يكفر بعضهم بعضًا،
ولم يرَ عندهم نكيرًا لذلك ولا إكبارًا له، بل كانوا قد ألفوه بين أنفسهم، وصار من عاداتهم
وأمرهم، ففزع إلى عثمان فأخبرَه بالذي رأى، وكان عثمان قد رفع إليه أن شيئًا من ذلك يكون بين
المسلمين الذي يُقرئون الصبية ويأخذونهم بحفظ القرآن فينشأون وبهم من الخلاف بعضهم على
بعض، فأعظمَ ﵀ أمرَ هذه الفتنة، وأكبره الصحابة جميعًا، لأن الاختلاف في كتاب الله
مَدرَجَة إلى مخالفة ما فيه، ومتى أهملوا بعض معانيه لم يكن بد أن يتصرفوا ببعض ألفاظه، وإنما
هو اجتراء واحد فيوشِك أن يكون ذلكَ مساغ للتحريف والتبديل، فأجمعوا أمرهم أن ينتسخوا الصحفَ الأولى التي كانت عند أبي بكر، وأن يأخذوا الناس بها ويجمعوهم عليها، حذَارَ تلك
الردة المشتبهة، وإشفاقًا على الناس إن يصيروا كلما رُدْوا إلى الفتنة أركِسوا فيها، فأرسل عثمان
إلى حفصة فبعثت إليه بتلك الصحف، ثم أرسل إلى زيد بن ثابت، وإلى عبد الله بن الزبير،
وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فامرهم أن ينسخوها في المصاحف ثم
قال للرهط القرشيين الثلاثة: ما اختلفتم فيه أنتم وزيد فاكتبوه بلسان قريش فإنه بلسانهم.
قال زيد - في بعض الروايات عنه -: فلما فرغتُ عرضتُهُ عرضة فلم أجد فيه هذه الآية: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣) .
قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدها عند خُزيمة - يعني ابن ثابت - فكتبتها " ثم
عرضته عرضة أخرى فلم أجد فيه هاتين الآيتين: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ) - إلى آخر السورة فاستعرضت المهاجرين فلم أجدها عند أحد
منهم، ثم استعرضت الأنصار أسالهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر
1 / 29