Ibtal al-Ta'weelat
إبطال التأويلات - ط غراس
Araştırmacı
أبي عبد الله محمد بن حمد الحمود النجدي
Yayıncı
غراس للنشر والتوزيع
Baskı Numarası
الأولى
Yayın Yılı
١٤٣٤ هـ - ٢٠١٣ م
Yayın Yeri
الكويت
Türler
مُقَدِّمة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله [الذى] جعل في كل زمان بقايا من أهل العلم، يدعون من ضلَّ إلى الهدى، وينهونه عن الردى، يُحيون بكتاب الله تعالى الموتى، وبسنَّة رسول الله ﷺ أهل الجهالة والردى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائه قد هدوه، فما أحسن آثارهم على الناس، ينفون عن دين الله ﷿ تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الضالين، الذين عقدوا ألوية البدع، وأطلقوا عنان الفتنة، يقولون على الله، وفي الله -تعالى الله عما يقول الظالمون عُلوًّا كبيرًا- وفي كتابه بغير علم، فنعوذ بالله من كل فتنة (^١).
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، ﷺ وعلى آله وأصحابه، ومن سار على هديه وتمسك بسنته إلى يوم الدين.
وبعد: فإن كتاب "إبطال التأويلات لأخبار الصفات" للقاضي أبي يعلى الفرَّاء كان يعد إلى زمن قريب من الكتب المفقودة (^٢).
وهو كتاب فريد في بابه: إذ تضمن الرد على تأويلات الأشاعرة والمعتزلة لأحاديث الصفات، وبيان مذهب السلف فيها، وهو إثباتها والإيمان بها، ونفي التكييف عنها والتمثيل لها، فهذا هو التوحيد الذي بيّنه الله تعالى في كتابه، وكان عليه رسوله ﷺ وصحابته الكرام، والتابعين لهم بإحسان.
_________
(^١) من رسالة الإمام أحمد بن حنبل إلى مسدد بن سرهد -انظرها في "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (١/ ٣٤٢ - ٣٤٥).
(^٢) ذكره الشيخ محمد أبو فارس في كتابه "القاضي أبي يعلى الفراء وكتابه الأحكام السلطانية".
1 / 5
وليس التوحيد هو ما يدعيه أولئك المبتدعة، من وجوب تأويل الصفات وتفسيرها بما يليق بالله تعالى!!
وأن إثبات حقائقها ومعانيها يقتضي تشبيه الله بخلقه! زعموا!!
وسموا أهل السنة والجماعه الذين وصفوا الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ سموهم مجسمة حشوية!
ولا يضر أهل السنة تسمية أهل البدع لهم بما ينفر الناس عنهم فلهم في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، فقد سماه المشركون بالساحر والكاهن والمجنون والشاعر.
ورحم الله تعالى من قال:
فإن كان تجسيمًا ثبوت استوائه … على عرشه إني إذا لمجسمُ
وإنْ كان تشبيهًا ثبوت صفاته … فمن ذلك التشبيه لا أتكتمُ
وإن كان تنزيهًا جُحود استوائهِ … وأوصافه أو كونه لا يتكلمُ
فعن ذلك التنزيه نزَّهت ربَّنا … بتوفيقه والله أعلم وأعظمُ
فنحن ننزه ربنا عن ذلك الشرك الذي وقعوا فيه، وهو شرك التعطيل لصفات ربنا ﵎، بل والتشبيه أيضًا!! فمن عطل صفات الخالق فقد شبهه بالجمادات والمعدومات والممتنعات! فكان كالمستجير من الرمضاء بالنار! فإن التشبيه بالمعدوم والممتنع، أفظع من التشبيه بالموجود.
وما من معطل، عطل صفة لله تعالى إلا ووقع في شر مما يزعم أنه فرَّ منه، كحال الذين تأولوا نصوص العلو والفوقية والاستواء، فرارًا من التحيز والحصر -بزعمهم- ثم قالوا: هو في كل مكان بذاته؟! فنزهوه عن استواءه الذي أثبته لنفسه ومباينته لخلقه، وجعلوه في أجواف البيوت
1 / 6
والناس والآبار والأواني والأماكن التي يُرغب عن ذكرها لقذارتها!! ثم إنَّ التأويل يتضمن القدح في علم الله تعالى، وبيانه لعباده الحق والهدى؛ لأنهم يزعمون أن الحق هو التأويل الذي يذهبون إليه، وهو يخالف ظواهر النصوص، فإما أن يكون الله تعالى عالمًا أن الحق في تأويلات النفاة المعطلين، أو لا يعلم ذلك!! فإن لم يعلم ذلك كان ذلك قدحًا في علمه!
وإن كان عالمًا أن الحق فيها، فلا يخلو أن يكون قادرًا على التعبير بعباراتهم التي هي تنزيه الله -بزعمهم- عن التشبيه والتمثيل والتجسيم، فتركها إلى غيرها من العبارات التي توهم التشبيه! أو لا يكون قادرًا على تلك العبارات التي زعموا أن فيها التنزيه!! وكلا الأمرين يعلم بطلانه بالضرورة! ويتعالى عنهما ربنا علوًّا كبيرًا.
ثم إذا تأوَّل أحدٌ ظاهر آية أو خبر، ثم جاء غيره وتأول الآية أو الخبر على غير تأويله، وزعم أنه الصواب، ثم جاء ثالث وهكذا، فكيف يمكن للمسلم أن يعرف الحق، وهل يُحسم هذا الشر إلا بسدِّ بابه؟
ثم لو تكلم الواحد مِنَّا بكلامٍ، هل يرضى أن يقال له: إنك لا تريد ظاهر ما تقول، وإنما تريد كذا وكذا، لأمرٍ لم يذكره في ظاهر كلامه؟!
فكيف بعد ذلك يكون مذهب المؤوله النفاة المعطلة للصفات أصحاب التحريف هو الصواب، ومذهب أهل الإثبات والإتباع لنصوص الكتاب والسنة والإمرار لها على ظاهرها، هو الباطل!!
سبحانك هذا بهتان عظيم!
وبعد: فإن هذا الكتاب يعالج هذه القضية العقدية، والذي حاول فيه مؤلفه
1 / 7
أن يرد على كل تأويلات المؤولة لأحاديث الصفات، وقد وُفّق إلى حدٍّ كبير في ردوده.
والكتاب لا يخلو من هفوات وأخطاء، كما هو شأن جميع الكتب، فقد أبى الله أن يتم إلا كتابه، كما قال الشافعي ﵀ وسيأتي المزيد من البيان لمنهج المصنف في كتابه هذا في الكلام على عقيدته.
والآن إلى ذكر ترجمة المصنف.
* * *
1 / 8
ترجمة المؤلف
هو الإمام العلّامة شيخ الحنابلة، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي الحنبلي، ابنُ الفرَّاء، صاحب التَّعليقة الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب.
مولده: ولد لتسعٍ وعشرين أو ثمان وعشرين ليلة خلت من المحرم، سنة ثمانين وثلاث مئة.
عائلته: نشأ في بيت علم، فقد كان والده أبو عبد الله قد درس على أبي بكر الرازي مذهب أبي حنيفة، قال عنه الذهبي: وكان أبوه من أعيان الحنفية ومن شهود الحضرة، وتوفي في سنة تسعين وثلاث مئة، وكان سن أبي يعلى في ذلك الوقت عشر سنين إلا أيام.
طلبه للعلم: بعد وفاة أبيه، كان وصيه رجل يعرف بـ "الحربي" يسكن بدار القز، فنقله من باب الطاق إلى شارع دار القز، وفيه مسجد يصلي فيه شيخ صالح يعرف بابن مفرحة المقرئ، يُقرئ القرآن، ويُلقِّن من يقرأ عليه العبادات من مختصر الخرقي، فلقنه ما جرت عادته بتلقينه من العبادات، فاستزاده فقال له ذلك الشيخ: هذا القدر الذي أحسنته، فإن أردت زيادة فعليك بالشيخ أبي عبد الله بن حامد (وهو الحسن بن حامد البغدادي الوراق الحنبلي) فإنه شيخ هذه الطائفة، فمضى إليه وصحبه إلى أن توفي ابن حامد في سنة ثلاث وأربع مئة، وتفقه عليه وبرع في ذلك، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربع مئة.
ورزقه الله حفظ القرآن، والقراءة بالعشر، والعلم بالحلال والحرام،
1 / 9
والأحكام والفرائض، وعلم الأصول والفروع، إلى جانب ما كان يتمتع به من شرف الأخلاق، والفضل والفهم، والزهد والقناعة.
شيوخه:
أول سماعه للحديث كان سنة خمس وثمانين وثلاثمائة. وسمع من أبي الحسين السكري عن أحمد بن عبد الجبار الصوفي عن يحيى بن معين وغيره.
وسمع أيضًا من جماعة عن البغوي. وقد حدث عن البغوي عن أحمد بن حنبل.
وسمع من أبي القاسم موسى بن عيسى السراج عن البغوي وغيره.
ومن أبي الحسن علي بن معروف عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وغيرهم.
ومن أبي القاسم بن حبابة عن البغوي عن علي بن الجعد عن شعبة وغيره.
ومن أبي الحسن علي بن معروف عن البغوي، وابن صاعد، وابن أبي داود، وغيرهم.
ومن أبي القاسم بن حبابة عن البغوي عن علي بن الجعد عن شعبة وغيره.
ومن أبي الطيب بن المنار عن البغوي، وابن صاعد وغيرهما.
ومن أبي طاهر المخلص عن البغوي وابن صاعد وغيرهم.
ومن أبي القاسم عيسى بن علي الوزير عن البغوي وغيره.
ومن أبي القاسم بن سويد عن ابن مجاهد وابن الأنباري وغيرهما.
ومن أبي القاسم الصيدلاني عن ابن صاعد وغيره.
ومن أم الفتح بنت القاضي أبي بكر أحمد بن كامل.
ومن جده لأمه أبي القاسم بن حنيفا.
1 / 10
ومن أبي عبد الله عن أبي بكر محمد بن إسحاق بن عبد الرحيم السويس وغيره. ومن أبي محمد عبد الله بن أحمد بن مالك البيع بانتقاء ابن أبي الفوارس.
ومن القاضي أبي محمد الأكفاني.
ومن أبي نصر بن الشاه.
ومن أبي عبد الله النيسابوري.
ومن أبي الحسن الحمامي، ومن أبي الفتح بن أبي الفوارس.
وسمع بمكة ودمشق وحلب في آخرين.
وابتدأ بالتصنيف والتدريس بعد وفاة شيخه ابن حامد.
وحج سنة أربع عشرة وأربعمائة. وعاد إلى تدريسه وتصنيفه في الفروع والأصول والآداب، وانقطاعه عن الدنيا وما يؤول إلى الذهاب.
* تلاميذه:
فأما عدد أصحابه، الذين سمعوا منه الحديث: فالعدد الكثير، والجم الغفير منهم: أحمد بن علي بن ثابت (الخطيب البغدادي)، وعبد العزيز العاصمي النخشبي، وعمر بن أبي الحسن الدهستاني الخياط، وهبة الله ابن عبد الوارث الشيرازي، وإسحاق بن عبد الوهاب بن منده الحافظ المقرئ، ومكي بن بجير الهمداني، وعمر الغرموي، وأحمد بن الحسن ابن خيرون، وأبناء خاله: أبو طاهر، وأبو غالب، وأبو الحسين بن الطيوري، وأبو يعلي البرداني، وأبو الغنائم بن النرسي الكوفي، وأبو بكر القطان المقدسي، وأبو منصور الخياط، وأبو منصور الرميسيني، وأبو منصور بن الأنبياري، ومحمد بن عمارة العكبري، ومحمد بن أحمد بن مردين، وأبو العباس المخلطي، وأحمد بن العلثي، وأبو بكر، وأبو
1 / 11
الحسين ابنا ابن يوسف، وابنا عمهما أبو محمد، وأبو الحسن بن رضوان، وابنا عمه: أبو نصر، وأبو الحسين، وأبو جعفر الأصفهاني، وأبو الكرم المبارك بن فاخر النحوي، وأخوه أبو عبد الله بن الدباس، وأبو طاهر، وأبو القاسم ابنا البلدي، وأبو نصر ياسر، وأبو العز العكبريان في آخرين.
فأما الذين تفقهوا عليه وسمعوا الحديث: فأبو الحسين البغدادي، والشريف أبو جعفر، وأبو الغنائم بن الغُباري، وأبو الغنائم بن زبيبا، وأبو علي بن البناء، وأبو الوفا بن القواس، والقاضي أبو علي البرديني، والقاضي أبو الفتح بن جلبة، وعلي بن عمرو الحراني، وأبو ياسر بن الحصري، وأبو عبد الله الأنماطي، والحسين بن البرداني، وأبو الحسن النهري أبو الفتح، وأبو البركات بن شبلي، وأبو محمد شافع، وأبو الوفاء بن عقيل، وطلحة العاقولي، ومحفوظ الكلوذاني وأبو الحسن بن ظفر العكبري، وأبو الفرج المقدسي، وأبو الحسن بن زفر العكبري، وأبو عبد الله البرداني، وأبو الحسن بن ركاب، وأبو عبد الله الباجسرائي، وأبو يعلى بن الكَيَّال، وجعفر الدريحاني، والأخ أبو القاسم، وغيرهم ممن يشق إحصاء أسمائهم.
جلوسه للإملاء:
كانت له حلقة كبيرة بجامع "المنصور" ببغداد وصفها ابنه في طبقاته فقال:
ولقد حضر الناس مجلسه، وهو يملي حديث رسول الله ﷺ بعد صلاة
الجمعة بجامع المنصور على كرسي عبد الله بن إمامنا أحمد ﵁،
وكان المبلغون عنه في حلقته، والمستملون ثلاثة. أحدهم: خالي أبو
محمد جابر، والثاني: أبو منصور بن الأنباري، والثالث: أبو علي البرداني.
وأخبرني جماعة من الفقهاء ممن حضر الإملاء: أنهم سجدوا في حلقة
1 / 12
الإملاء على ظهور الناس، لكثرة الزحام في صلاة الجمعة، في حلقة الإملاء.
وما رأى الناس في زمانهم مجلسًا للحديث اجتمع فيه ذلك الجم الغفير، والعدد الكثير.
وسمعت من يذكر: أنه حزر العدد بالألوف. وذلك مع نباهة من حضر من الأعيان، وأماثل هذا الزمان، من النقباء، وقاضي القضاة والشهود والفقهاء. وكان يومًا مشهودًا، والناس إذ ذاك يسمعون، والكتبة يكتبون.
وحضرت أنا أكثر أماليه بجامع "المنصور".
أخلاقه وزهده وورعه:
وصفه ابنه في الطبقات فقال: ومعلوم ما خصه الله به -مع موهبة العلم والديانة- من التعفف والصيانة، والمروءة الظاهرة، والمحاسن الكثيرة الوافرة، مع هجرانه لأبواب السلاطين، وامتناعه على ممر السنين: أن يقبل لأحدٍ منهم صلة وعطية، ولم تزل ديانته ديانته ومروءته لما هذا سبيل أبِيَّة.
وكان يقسم ليله كله أقسامًا: فقسم للمنام، وقسم للقيام، وقسم لتصنيف الحلال والحرام.
ولقد نزل به ما نزل بغيره من النكبات التي استكان لها كثير من ذوي المروءات، وخرج بها عن مألوفات العادات، فلم يحفظ عليه أنه خرج عن جميل عاداته، ولا طرح المألوف من مروءاته.
ومن شاهد ما كان عليه من السكينة والوقار، وما كسا الله وجهه من الأنوار، مع السكون والسمت والصالح، والعقل الغزير الراجح، شهد له بالدين والفضل ضرورة، واستدل بذلك على محاسنه الخفية المستورة (^١).
_________
(^١) طبقات الحنابلة (٢/ ٢٠٣).
1 / 13
قال: وكان ينهانا دائمًا عن مخالطة أبناء الدنيا والاجتماع بهم، ويأمرنا بالاشتغال بالعلم، ومخالطة الصالحين (^١).
وقال النهري: لما قدم الوزير ابن دراست عبرت أبصره، ففاتني درس ذلك اليوم، فلما حضرت قلت: يا سيدنا تتفضل وتعيد لي الدرس؟ فقال (أي أبو يعلى): أين كنت في أمسنا؟ فقلت: مضيت أبصرت ابن دراست. فأنكر عليَّ ذلك إنكارًا شديدًا، وقال: ويحك، تمضي وتنظر إلى الظلمة؟! وعنفني على ذلك (^٢).
ومضى مرة لتهنئة الإمام القائم بالله بعد معافاته من مرض كان به، فأمر له بجائزة سنية، يقول الراوي: فوالله ما مسَّها ولا قبلها، فروجع في ذلك فأبى (^٣).
ووقع نهب في الجانب الغربي من بغداد، فظلَّ يقتات على الخبز اليابس يبله بالماء، ويقول: هذه الأطعمة نُهوب وغصوب، ولا أطعم من ذلك شيئًا. فبقي يتقوت من ذلك الخبز اليابس إلى أن لحقه مرض من ذلك الخبز المبلول (^٤).
ووصفه الذهبي في السير (١٨/ ٩٠) بقوله: وكان ذا عبادة وتهجُّد، وملازمة للتنصيف، مع الجلالة والمهابة.
توليه القضاء:
لما توفي القاضي ابن ماكولا، احتاج القائم بأمر الله إلى قاض عالم
_________
(^١) المصدر السابق (٢/ ٢٢٢).
(^٢) المصدر السابق (٢/ ٢٢٢).
(^٣) المصدر السابق (٢/ ٢٢٢).
(^٤) المصدر السابق (٢/ ٢٢٢).
1 / 14
وزاهد، فراسل رئيس الرؤساء بالشيخ أبي منصور بن يوسف وبغيره إلى الإمام أبي يعلى، وخوطب ليلي القضاء بدار الخلافة والحريم أجمع، فامتنع من ذلك، فكرر عليه السؤال، فلما لم يجد بدًّا من ذلك اشترط عليهم شرائط:
١ - أن لا يحضر أيام المواكب الشريفة.
٢ - أن لا يخرج في الاستقبالات.
٣ - أن لا يقصد دار السلطان.
٤ - أن يقصد في كل شهر نهر المعلى يومًا وباب الأزج يومًا، ويستخلف من ينوب عنه في الحريم.
فأجيب إلى ذلك، ثم أضيف إلى ولايته بالحريم: قضاء حرَّان وحُلوان، وظل على ذلك إلى أن توفي.
وما تقدم ذكره يدل على كراهية القاضي أبي يعلى لمخالطة السلطان والتردد على أبوابه، وهذا ديدن السلف رحمهم الله تعالى جميعًا، فإنهم كانوا يتجنبون مجالس الولاة إلا عند الحاجة كالنصح وغيره، بل ربما جرحوا بعض الرواة بتردده على السلطان أو قبوله القضاء، كما يتبين لمن يقرأ كتب الجرح والتعديل.
مؤلفاته:
أكثر القاضي أبي يعلى من التصنيف، فقد صنف في الأصول والفروع، في السهل والمستصعب، مع قرب عبارته وسهولتها، والإجادة والإفادة، كما قال الذهبي: صاحب التعليقة الكبرى، والتصانيف المفيدة في المذهب. . . اهـ.
ولكن لم يكتب لهذا المؤلفات الكثيرة البقاء، فلم يصل إلينا منها إلا أقل القليل، وسنذكرها حسب موضوعاتها:
1 / 15
أولًا: مؤلفاته في العقيدة:
١ - مسائل الإيمان (^١).
٢ - الرد على الأشعرية.
٣ - الرد على الكرَّامية.
٤ - الرد على الباطنية.
٥ - الرد على السالمية والمجسمة (^٢).
٦ - الرد على الجهمية.
٧ - إبطال التأويلات لأخبار الصفات، وهو كتابنا هذا، وسيأتي الكلام عليه.
٨ - مختصر إبطال التأويلات.
٩ - عيون المسائل (^٣).
١٠ - الكلام في الاستواء.
١١ - أخبار الصفات (^٤).
١٢ - القطع على خلود الكفار في النار.
١٣ - أربع مقدمات في أصول الديانات.
١٤ - إثبات إمامة الخلفاء الأربعة.
_________
(^١) موجود في المكتبة الظاهرية الجزء الأول منه، وهي نسخة ناقصة من آخرها (عندي صورة عنها) مجموع ٤٢ (ق ٦٣ - ٩٥). (انظر المنتخب من مخطوطات الحديث، وضع العلامة الألباني ص ٢١٩). وقد طبع بتحقيق أخينا الشيخ د. سعود الخلف سنة ١٤١٠ هـ - دار العاصمة.
(^٢) ذكره ابنه محمد في طبقاته (٢/ ٢١٢) وقال: وهذا الكتاب عدة أوراق.
(^٣) ذكره ابن تيمية في "درء تعارض العقل والنقل" (٩/ ٣٩) فقال: ثم إن القاضي أبا يعلى في كتابه المعروف "بعيون المسائل" الذي صنفه في الخلاف مع المعتزلة والأشعرية. . . وذكره محمد أبو فارس ضمن مؤلفاته الفقهية (ص ١٥٨).
(^٤) ذكره ابنه في طبقاته (٢/ ٢١٠)، وفي هدية العارفين (٢/ ٧٢): له كتاب الصفات. والظاهر أنه هو.
1 / 16
١٥ - المعتمد (^١).
١٦ - مختصر المعتمد في أصول الدين (^٢).
١٧ - تبرئة معاوية.
١٨ - إيضاح البيان في مسألة القرآن (^٣).
ثانيًا: مؤلفاته في القرآن وعلومه:
١ - أحكام القرآن.
٢ - نقل القرآن.
وتجد كثيرًا من تفسير أبي يعلى للآيات، في كتاب زاد المسير لابن الجوزي (^٤).
ثالثًا: مؤلفاته في أصول الفقه:
١ - العدة في أصول الفقه (^٥).
٢ - مختصر العدة.
٣ - الكفاية في أصول الفقه (^٦).
٤ - مختصر الكفاية.
٥ - مقدمة المجرد في الأصول.
_________
(^١) وهو في أصول الدين كما يتبين من بعض النقول عنه في "درء تعارض العقل" (٢/ ٣١٠) (٨/ ١٥، ٣٤٩ - ٣٥١) (٩/ ٣٦، ٦٤، ١٧٢).
(^٢) يوجد مخطوطًا بالظاهرية برقم (٤٥) توحيد، ويقع في (١١٥) ورقة من القطع الصغير.
(^٣) انظر "درء تعارض العقل والنقل" (٢/ ٧٤).
(^٤) انظر نبذ من تفسيره في كتاب "القاضي أبو يعلى وكتابه الأحكام السلطانية" لمحمد عبد القادر أبو فارس (ص ١١٠ - ١٢٩).
(^٥) طبع في ثلاثة أجزاء بتحقيق أحمد علي المباركي.
(^٦) يوجد المجلد الرابع من هذا الكتاب في دار الكتب المصرية برقم (٣٦٥) أصول فقه، وعنها صورة بمعهد المخطوطات برقم (٩٠) أصول الفقه.
1 / 17
رابعًا: مؤلفاته في الفقه:
١ - مختصر في الصيام.
٢ - إيجاب الصيام ليلة الإغمام.
٣ - كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (^١).
٤ - شروط أهل الذمة.
٥ - الأحكام السلطانية (^٢).
٦ - تكذيب الخيابرة فيما يدعونه من إسقاط الجزية.
٧ - إبطال الحيل.
٨ - المجرد في المذهب.
٩ - شرح مختصر الخرقي (^٣).
١٠ - كتاب الروايتين والوجهين (^٤).
١١ - قطعة من الجامع الكبير، فيها الطهارة وبعض الصلاة والنكاح والصداق والخلع والوليمة والطلاق.
_________
(^١) توجد منه نسخة ناقصة من أولها في المكتبة الظاهرية مجموع ٤٢، (ق ٩٧ - ١٢٥). انظر المنتخب من مخطوطات الحديث للألباني (ص ٢١٨).
(^٢) طبع سنة ١٣٥٦ هـ بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي ﵀ ثم في سنة ١٣٨٦ هـ بمطبعة البابي الحلبي بمصر (انظر كتاب محمد أبو فارس ص ٣٣٧).
(^٣) موجود في الظاهرية (فقه حنبلي ٥٤، ج ٣ (٢٠٨ ق» وفي الأزهر (فقه حنبلي ٦٣، ج ٤ (١٢٩ ق»، انظر تاريخ التراث لسزكين (١/ ٣/ ٢٣٦) وكتاب الشيخ محمد أبو فارس (ص ٢١٣ - ٢٢٠).
(^٤) وهو كتاب جمع فيه الروايات المختلفة عن الإمام أحمد في مسائل الفقه وأصول الفقه والعقيدة، وقد حقق جزء الفقه وهو الجزء الأكبر من الكتاب الشيخ عبد الكريم اللاحم في ثلاثة مجلدات ط مكتبة المعارف - الرياض، ثم حقق "أصول الفقه" منه وطبع في المكتبة نفسها.
1 / 18
١٢ - الجامع الصغير.
١٣ - شرح المذهب.
١٤ - الخلاف الكبير، ويسمى "التعليق الكبير" (^١).
ومما يدل على أهمية هذه المصنفات اعتناء العلماء بها، وتدارسها، وكثرة النقول عنها، تجد ذلك جليًّا في كتب مذهب الإمام أحمد كـ "الأنصاف في معرفة الراجح من الخلاف" للشيخ علاء الدين المرداوي، و"مطالب أولي النهي في شرح غاية المنتهى" للشيخ مصطفى السيوطي، و"المغني" لابن قدامة، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وغيرها.
خامسًا: مؤلفاته في الحديث:
١ - الأمالي (^٢).
٢ - الفوائد الصحاح العوالي والأفراد والحكايات (^٣).
سادسًا: أجوبته ورسائله:
١ - الرسالة إلى إمام الوقت.
_________
(^١) وهو كتاب ضخم يقع في أحد عشر مجلدًا، يبحث في المسائل الخلافية بين الأئمة، ويدل على أهمية هذا الكتاب حرص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه، فقد جاء في رسالة أرسلها إلى أهله في الشام وهو في مصر: "وترسلون أيضًا من تعليق القاضي أبي يعلى الذي بخط القاضي أبي الحسين إن أمكن الجميع وهو أحد عشر مجلدًا، وإلا فمن أوله مجلدًا أو مجلدين أو ثلاثة"، العقود الدرية (ص ٢٨٥).
ويوجد من هذا الكتاب المجلد الرابع في دار الكتب المصرية رقم (١٤٠) فقه حنبلي وصورة عنها بمعهد المخطوطات رقم (١٨) اختلاف الفقهاء (القاضي أبي يعلى لمحمد أبي فارس ص ١٩٩ - ٢٠٦).
(^٢) توجد ستة مجالس منها في المكتبة الظاهرية، انظر المنتخب من مخطوطات الحديث (ص ٢١٨)، المجلس الثاني منه صوره بجامعة الكويت (٧١٠ م. ك مجموع ٤).
(^٣) يوجد في المكتبة الظاهرية الجزء الخامس منها، مجموع ١١٦ (ق ٣٥ - ٥١)، انظر المنتخب من مخطوطات الحديث (ص ٢١٨)، ومنها صورة بمكتبة جامعة الكويت (٣٤٠١ م. ك مجموع ٣).
1 / 19
٢ - جوابات مسائل وردت من الحرم.
٣ - جوابات مسائل وردت من تنيس.
٤ - جوابات مسائل وردت مَيَّافارقين.
٥ - جوابات مسائل وردت من أصفهان.
سابعًا: مؤلفاته في الآداب والأخلاق والفضائل وغيرها (^١):
١ - المقتبس.
٢ - مختصر المقتبس.
٣ - الانتصار لشيخنا أبي بكر.
٤ - الكلام في حروف المعجم.
٥ - فضائل أحمد.
٦ - مقدمة في الأدب.
٧ - كتاب الطب.
٨ - كتاب اللباس.
٩ - التوكل.
١٠ - ذم الغناء.
١١ - الاختلاف في الذبيح.
١٢ - تفضيل الفقر على الغنى.
١٣ - فضل ليلة الجمعة على ليلة القدر.
١٤ - الفرق بين الآل والأهل.
_________
(^١) وذكرت تحته ما لا يعلم موضوعه، إذ وصل إلينا اسمه فقط.
1 / 20
١٥ - الخصال والأقسام (^١).
١٦ - الرد على ابن اللبان (^٢).
عقيدته:
ألف القاضي ﵀ كتبًا كثيرة في المعتقد، كما سبق أن أشرنا إليه في مصنفاته في العقيدة، ولكن غالبية هذه الكتب في حيز المفقود، لم يصل إلينا منها سوى شيء يسير، وهي: كتابنا هذا "إبطال التأويلات"، وكتابه "الإيمان" و"مختصر المعتمد في أصول الدين" والجزء العقدي الذي في كتابه "الروايتين والوجهين" (^٣). وهي كافية في معرفة اعتقاد القاضي أبي يعلى ﵀، خصوصًا إذا ما أضفنا إليها كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه النفيس "درء تعارض العقل والنقل" عن القاضي وعقيدته، في مواضع كثيرة من كتابه.
وقد بيَّن ابنه في طبقاته (٢/ ٢٠٧ - ٢١٢) معتقد أبيه، ننقله مختصرًا حتى لا نطيل على القارئ، فقد قال: فلنذكر الآن البيان عن اعتقاد الوالد السعيد ومن قبله من السلف الحميد في أخبار الصفات.
فاعلم -زادنا الله وإياك علمًا ينفعنا الله به، وجعلنا ممن آثر الآيات
_________
(^١) ذكره محمد أبو فارس ضمن مصنفاته الفقهية (ص ١٥٨).
وفيه يقول بعضهم:
قد نظرنا مصنفات الأنام … وسبرنا شريعة الإسلام
ما رأينا مصنفًا جمع العلم … مع الاختصار والإفهام
مثل ما صنف الإمام أبو … يعلى كتاب الخصال والأقسام
(^٢) هو أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن البكري التيمي الأصبهاني المعروف بابن اللبان، فقيه شافعي، صحب ابن الباقلاني ودرس عليه أصول الدين، توفي سنة ٤٤٦ هـ (العبر (٣/ ٢١١)، تبيين كذب المفتري (ص ٢٦١ - ٢٦٢).
(^٣) ولم يتيسر لي الحصول على الكتابين الأخيرين منهما.
1 / 21
الصريحة، والأحاديث الصحيحة على آراء المتكلمين، وأهواء المتكلفين:
أن الذي درج عليه صالحوا السلف، وانتهجه بعدهم خيار الخلف هو: التمسك بكتاب الله ﷿، واتباع نبيه ﷺ، ثم ما روى عن الصحابة رضوان الله عليهم، ثم عن التابعين والخالفين لهم من علماء المسلمين.
والإيمان والتصديق بما وصف الله تعالى به نفسه، أو وصفه به رسوله، مع ترك البحث والتنقير، والتسليم لذلك، من غير تعطيل، ولا تشبيه ولا تفسير ولا تأويل. وهي الفرقة الناجية، والجماعة العادلة، والطائفة المنصورة إلى يوم القيامة فهم أصحاب الحديث والأثر -والوالد السعيد تابعهم- هم خلفاء الرسول، وورثة علمه وسفرته بينه وبين أمته.
بهم يلحق التالي، وإليهم يرجع الغالين وهم الذين نبزهم أهل البدع والضلال، وقائلو الزور والمحال: أنهم مشبهةٌ جهال، ونسبوهم إلى الحشو والطغام، وأساءوا فيهم الكلام.
فاعتقد الوالد السعيد وسلفه -قدس الله أرواحهم، وجعل ذكرنا لهم بركة تعود علينا- في جميع ما وصف الله تعالى به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ أن جميع ذلك صفات الله ﷿ تُمَرُّ كما جاءت، من غير زيادة ولا نقصان، وأقروا بالعجز عن إدراك معرفة حقيقة هذا الشأن.
اعتقد الوالد السعيد ومن قبله ممن سبقه من الأئمة: أن إثبات صفات الباري سبحانه: إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد، لها حقيقة في علمه، لم يُطلع الباري سبحانه على كُنْه معرفتها أحدًا من إنس ولا جان.
واعتقدوا: أن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات، ويحتذي حذوه ومثاله، وكما جاء.
1 / 22
وقد أجمع أهل القبلة: أن إثبات الباري سبحانه: إنما هو إثبات وجود، لا إثبات تحديد وكيفية، هكذا اعتقد الوالد السعيد وكمن قبله ممن سلفه من الأئمة: أن إثبات الصفات للباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وكيفية، وأنها صفات لا تشبه صفات البرية، ولا تدرك حقيقة علمها بالفكر والروية.
والأصل الذي اعتمدوه في هذا الباب: اتباع قوله تعالى ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران: ٧]، ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾ [طه: ١١٠، ١١١].
فاعتقدوا: أن الباري ﷾ فرد الذات، متعدد الصفات. لا شبيه له في ذاته، ولا في صفاته، ولا نظير ولا ثاني. وسمعوا قوله ﷿ ﴿الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ﴾ فآمنوا بما وصف الله به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ، تسليمًا للقدرة، وتصديقًا للرسل، وإيمانًا بالغيب.
واعتقدوا: أن صفات الباري سبحانه معلومة من حيث أعلم هو، غيب من حيث انفرد واستأثر، كما أن البارئ سبحانه معلوم من حيث هو، مجهول ما هو.
واعتقدوا: أن الباري سبحانه استأثر بعلم حقائق صفاته ومعانيها عن العالمين، وفارق بها سائر الموصوفين، فهم بها مؤمنون، وبحقائقها موقنون، وبمعرفة كيفيتها جاهلون، لا يجوز عندهم ردها، كرد الجهمية، ولا حملها على التشبيه، كما حملته المشبهة، الذين أثبتوا الكيفية، ولا تأولوها على اللغات والمجازات، كما تأولتها الأشعرية.
1 / 23
فالحنبلية لا يقولون في أخبار الصفات بتعطيل المعطلين، ولا بتشبيه المشبهين، ولا تأويل المتأولين. مذهبهم: حقٌّ بين باطلين، وهدى بين ضلالتين: إثبات الأسماء والصفات، مع نفي التشبيه والأدوات، إذْ لا مثل للخالق سبحانه مشبه، ولا نظير له فيجنس منه. فنقول كما سمعنا، ونشهد بما علمنا، من غير تشبيه ولا تجنيس، على أنه ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١].
وفي رد أخبار الصفات، وتكذيب النقلة: إبطال شرائع الدين، من قبل أن الناقلين إلينا علم الصلاة والزكاة والحج وسائر أحكام الشريعة: هم ناقلوا هذه الأخبار، والعدل مقبول القول فيما قاله. ولو تطرق إليهم -والعياذ بالله- التخرص بشيء منها، لأدى ذلك إلى إبطال جميع ما نقوله، وقد حفظ الله سبحانه الشرع عن مثل هذا اهـ.
وقد بيَّن القاضي أبو يعلى نفسه معتقده في الصفات، فقال في كتابه "أخبار الصفات" -كما نقله عنه ابنه في الطبقات (٢/ ٢١٠) -:
وقد قال الوالد السعيد ﵁ في أخبار الصفات:
المذهب في ذلك: قبول هذه الأحاديث على ما جاءت به، من غير عدول عنه إلى تأويل يخالف ظاهرها، مع الاعتقاد بأن الله سبحانه بخلاف كل شيء سواه، وكل ما يقع في الخواطر من حد أو تشبيه، أو تكييف: فالله ﷾ عن ذلك. والله ليس كمثله شيء، ولا يوصف بصفات المخلوقين، الدالة على حَدَثهم، ولا يجوز عليه ما يجوز عليهم من التغير من حال إلى حال، ليس بجسم، ولا جوهر، ولا عرض، وأنه لم يزل، ولا يزال وأنه الذي لا يتصور في الأوهام، وصفاته لا تشبه صفات المخلوقين (ليس كمثله
1 / 24