İbrahim Thani
إبراهيم الثاني
Türler
فلم تجبه أنفة ومضت عنه إلى سلم السيارة فقعدت عليه، وتناولت سيجارة أشعلتها. ولم يكن التدخين عادة لها، ولكنها كانت تجد فيه راحة وتفيد منه سكينة.
ودنا منها وأشرف عليها وقال: «هذا أحسن.. نعم فكرى بهدوء فى هذا.. أعنى أنى أنا أولى منه بك».
فانتفضت قائمة ولطمته على وجهه، ثم انحطت على السلم وكادت تسقط على الأرض مغشيا عليها، فما كانت تشعر أن فيها ذرة من القوة، لولا أنه انطلق يقهقه كالمجنون فرد هذا إليها رشدها، فرفعت رأسها إليه وحملقت فى وجهه فانحنى عليها وقال: «هذه اللطمة إقرار منك بأنك فهمت ما أعنى أتم فهم وأدقه. ألست أولى منه؟ اعترفى بهذا أيضا. اعترفى بيدك إذا كنت لا تجدين لسانك. هذا خدى الطميه مرة أخرى».
فكادت تبكى من الغيظ والشعور بالعجز. ولكنها ردت الدموع مخافة أن تشى بما هى فيه، وودت لو مرت فى هذه اللحظة سيارة لتصيح بمن فيها مستنجدة ولكن الشمس كانت تنحدر والأفق يلتقى بالصحراء، والطريق يذهب شمالا وجنوبا كالنهر، ولا يبدو شىء مقبل من هنا أو هنا. وأحست بالحاجة إلى تمزيق وجه صادق بأظافرها أو تمزيق ثيابها هى، وخطر لها أنه قد يروقه - فإنه حيوان - أن يرى المحجوب من مفاتنها. فلم تمزق ثيابها ولكنها ضمتها على صدرها. ولم تفت صادقا هذه الحركة فسألها: «هل تشعرين ببرد؟»
قالت: «نعم»، بصوت خيل إليها أنه خارج من جوف الأرض لشدة خفوته وضعفه، فخلع سترته وأراد أن يلقيها على ظهرها فانتزعتها من يده ورمتها على الأرض وداستها بقدمها. وسرها أنها مرغت فى التراب شيئا له وتمنت لو كان هذا وجهه. ولكن صادقا لم يعبا بهذا شيئا وقال وهو يقعد على الأرض فوق السترة: «أشكرك.. إن السترة أوثر من الرمل، ثم إن الرمل لا يوسخ شيئا، وهذه مزية الصحراء. وبعد قليل يدخل علينا الليل ويلفنا فى شملته.. وليل الصحراء بارد يا مولاتى.. وستضطرين أن تلوذى بالسيارة وستحتاجين إلى قربى للدفء.. أى نعم.. الخيرة فى الواقع.. لا بد أن الله أراد هذا، وإلا فلماذا تعطلت سيارة جديدة كهذه فى قلب الصحراء، وما اشتراها الوالد المحترم إلا منذ أربعة شهور ليس إلا؟ وفى أربعة شهور لا تخرب السيارة الجديدة. هى مشيئة الله يا مولاتى».
فألفت نفسها تقول: «أليس حتى لأبيك احترام عندك؟»
فقال: «وهل من قلة الاحترام أن أدعوه الوالد المحترم؟ سبحان الله العظيم وتالله ما أظلمك». فلم تجب. وبعد برهة عاد يقول: «معذرة يا ستنا ميمى ... سؤال لا يليق ولكن أظن الموقف يوحى به.. أترى لو كان إبراهيم مكانى وكانت سيارته هى التى تعطلت بك معه، أكان يسوؤكما أن تتاح لكما هذه الفرصة؟»
فوضعت رجلا على رجل وأشاحت عنه بوجهها. ومضى هو فى تعذيبها فقال: «إن له سيارة لا بأس بها ولكنه يتركها للزوجة المسكينة.. يضحك بها عليها.. يلهيها بها.. ويخرج معك فى تاكسى أو مركبة خيل.. هذا الرجل لا سافل ولا نذل.. ولا وغد ولا شىء مما تفضلت به على من النعوت الجميلة. وأنا السافل، أنا النذل.. ليس لى زوجة وإنما لى قريبة أحبها ومن حقى أن أحبها.. وهى أيضا ليس لها زوج.. ومن واجبها أن تتوقع أن يرغب فيها من كان مثلها.. لا امرأة له.. ليس فى هذا ما يستغرب.. لأنه هو الطبيعى.. ولكن الطبيعى ليس هو الطبيعى فى نظر المدموازيل ميمى.. لأن المدموازيل ميمى ترى أن تهب نفسها لرجل له زوجة وتضن بنفسها على رجل ليست له زوجة.. ويصبر هذا المحروم بغير حق.. ويطول صبره حتى ينفد.. ولكل شىء آخر. وبعد أن ينفد صبره تستغرب المدموازيل ميمى أنه لم يبق له صبر، وتقول له إنه نذل.. نذل لماذا؟ لأنه يحبها بحقه.. يحبها كما تعرف فما كتمها حبه.. ولو كانت تقبلت حبه لما احتاج أن يلجأ إلى الوسيلة التى يشير بها اليأس ولكنها أيأسته.. أيأسته حتى لم يعد فى وسعه أن يصدقها إذا قالت له، وأقسمت إنها تتقبل حبه لأن هذا لن يكون منها إلا محاولة للإفلات من يده. كونى منصفة وقولى إن هذا الرجل معذور».
فثارت به تلعنه وتقول له فيما تقول: «وماذا تظننى؟ سلعة.. كتابا على رف؟ أحبب من تشاء، ولكن أليس لى رأى فى نفسى؟»
فقال بتهكم «ترى ماذا أعجبك من إبراهيم هذا؟ سفسطته وثرثرته؟ فلسفته العجر؟ ماذا بالله؟ لا بد أن يكون شىء أعجبك؟»
Bilinmeyen sayfa