80

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Yayıncı

دار الفكر العربي

بهذه العقلية الحرة؛ وبهذا العلم المحيط اتجه ابن تيمية إلى دراسة الفقه دراسة فاحصة منقبة بعد أن درسه في صدر حياته دراسة استيعاب وتحصيل، وجمع للتركة المثرية التي تركها الأئمة رضوان الله تعالى عليهم.

٨٦- وما دام قد خلع نير التعصب، واتجه إلى دراسة الفقه حراً إلا ما حصله من العلم، وما علمه من الكتاب والسنة وآثار السلف الصحيح؛ فلا بد أن يخالف في بعض النتائج ما عليه الناس، وما عليه الفقهاء أصحاب المذاهب الأربعة، وخصوصاً أنه الفقيه الذي يفهم الفقه فهو العارف بشئون الحياة، والذي يعلم أن الفقه هو الميزان الضابط الحاكم على أعمال الناس بأنها متفقة مع الشريعة أو مخالفة، وبأنها حلال أو حرام وإنه النافذ المبصر في شرع الله العارف لمصادره وموارده، وغاياته ومراميه؛ فعند تطبيقه على أفعال الناس لا يتقيد إلا بالنصوص والمرامي؛ ومصالح الناس، وما به تستقيم أمورهم.

وأنه قد رأى الطلاق قد اتخذ يميناً يحلف به، كما يحلف بالله، بيد أنه إن حنث في يمين الله كفر بالعتق أو الصدقة أو صيام ثلاثة أيام؛ أما إن حنث في يمين الطلاق خرب بيته، وطلقت امرأته، وتقطعت العلاقة المقدسة التي يربطها الله بشرعه؛ هالته هذه النتيجة وهو الفقيه المتصل بالحياة والأحياء، فبحث عن أصل لذلك في الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح من الصحابة وكبار التابعين، فلم يجد ما يبرر قطع العلاقة الزوجية لمجرد الحلف والحنث، وهو ما قصد إيقاع الطلاق ولا أراده. ورأى ذلك أمراً غير ما كان عليه السلف، فأفتى بأن الحلف بالطلاق لا يقع به طلاق، وأنه يفترق عن تعليق الطلاق الذي قصد به وقوع الطلاق عند وقوع الأمر المعلق عليه، لتحقق قصد الطلاق في هذا النوع من التعليق، وعدم تحقق القصد إلى الطلاق عند الحلف به، ولا يلزم الرجل بطلاق لم يقصده، ولم توجد سنة أو كتاب تلزمه مع عدم القصد، كالشأن في طلاق الهازل.

٨٧- أفتى الشيخ بذلك، وهو غير ما عليه الأئمة أصحاب المذاهب الأربعة فاستنكر الفقهاء ذلك؛ وجاهروا باستنكارهم؛ وكان ذلك في سنة ٧١٨، ولما رأى

79