73

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Yayıncı

دار الفكر العربي

(أولهما) أن أهل الذمة كان لهم شعار خاص بهم، وعمائمهم عمائم مصبغة، وقد بذلوا مالا لتكون عمائمهم على لون عمائم المسلمين مع إشارة، فعرض الأمر على العلماء في ذلك؛ فظنوا أن الملك الناصر يميل إلى ذلك، فسكتوا غير معترضين ولكن الشيخ رضي الله عنه تكلم حيث جمجموا، وقال الكلمة قوية غير رفيقة، وختم كلامه بقوله:

((حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك ينصر فيه أهل الذمة لأجل حطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك، وكبت عدوك، ونصرك على أعدائك)).

ولماذا شدد ابن تيمية في أن يكون لأهل الذمة عمائم مصبغة على غير لون عمائم المسلمين، مع أنه المسلم الصادق الذي يعرف أن الرسول أوجب الرفق بهم؛ وأن الرسول يتبرأ ممن يؤذي ذمياً؛ وأن ابن تيمية لما استنقد الأسرى من التتار لم يفرق بين أسرى المسلمين، وأسرى الذميين؟

لعل الذي حمل ابن تيمية على التشدد بالتمييز باللباس هو ما كان يخشاه من عيون النصارى الباقين من الحملة الصليبية، وأن يكون بعض الذميين عيوناً لهم؛ فشدد في أن يتميزوا بثيابهم تمييزاً بيناً لكيلا ينفث من يميل إلى الصليبيين سمومه في الجماعة الإسلامية.

(الأمر الثانى) الذي يجب أن نشير إليه أن الناصر عندما عاد إلى ملكه واستقر به الأمر أراد أن ينتقم من العلماء والقضاة الذين مالئوا خصمه عليه، وهم الذين آذوا ابن تيمية من قبل، وقد مكث بسجنهم في السجن بالقلعة ثلاثة عشر شهراً.

وهنا نجد خلق العلم والدين والفضل قد تجلى في ابن تيمية الكريم.

استفتى السلطان ابن تيمية في العلماء والقضاة الذين ناصروا خصمه وأفتى بأن دماءهم حرام عليه وأنه لا يحل إنزال الأذى بهم؛ فقال له السلطان: أنهم قد آذوك، وأرادوا قتلك مراراً، فقال الشيخ الكريم من آذانى فهو في حل،

72