ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Yayıncı
دار الفكر العربي
ولم ينل خصومه مثالا منه في القاهرة، فنفوه إلى الإسكندرية حيث كان لهذا المذهب فيها قوة وأنصار راجين أن ينالوه بالأذى فيها فيكون الأذى من الرعية لا من الراعي، ولكنه هاجم المذهب فيها، ووجد الذئب فيها، فما زال حتى طرده منها، واتبعه الناس بها؛ وأخذ المنبجي يحرم الأرم؛ إذ أراد أن يصطاد الشيخ هناك، فاصطاد هو المذهب وأنصاره، وأصابه بسهم بميت؛ أو على الأقل أضعف حركته؛ وهكذا أدت الرحلة إلى خير لا شر فيه؛ وحيثما حل الراعي إلى الخير، وجد الميدان فسيحاً لإرشاده وهدايته وإصلاحه.
وقد أتى ذلك الإصلاح مع أن المقام لم يطل، إذ قد عاد الشيخ من بعد نحو سبعة أشهر معززاً مكرماً؛ كما هو الشأن حيثما حل. وأين ذهب.
عودة الشيخ إلى درسه في القاهرة
٧٦- عاد الناصر بن قلاوون صديق الشيخ إلى حكم مصر والشام، وانتصر على خصمه الذي حمله على الاعتزال، فجاء إلى القاهرة، وجلس على عرشها، في يوم عيد الفطر سنة ٧٠٩، وما إن استقر به المقام؛ حتى فكر في ابن تيمية ليعيده إلى القاهرة، فوجه إليه في اليوم التالي أي اليوم الثاني من شهر شوال من يحضره، حضر رضي الله عنه في اليوم الثامن من ذلك الشهر المبرور.
جاء الشيخ إلى القاهرة وسكن بالقرب من مشهد الإمام الحسين، وأخذ يلقي دروسه، ويدون آراءه؛ ويكاتب السائلين والمستفتين، غير عابئ بأي أمر سوى حق العلم عليه؛ وحق الدين الذي آلت إمامته إليه.
وقد جاء إليه الذين خاضوا في شأنه يعتذرون إليه، فأحلهم من تبعاتهم، وقال لهم تلك المقالة الرائعة: «كل من آذاني فهو في حل من جهتي».
٧٧- ولا نريد أن نترك الشيخ مع تلاميذه ومريديه، وفي وعظه وتدريسه من غير أن نشير إلى أمرين جديرين بالنظر والاعتبار يدلان على شجاعة الشيخ، وخلقه الكريم
71