الفصل الأول
الناحية السياسية
(1) تمهيد
ظلت الدولة العربية الإسلامية دولة موحدة في الشرق والغرب طوال عهد الخلفاء الراشدين والدولة الأموية، لها أهدافها وغاياتها المعروفة، وتصدر عن رأي واحد جميع، وسياسة واحدة يرسمها الخليفة بالمدينة، ثم بدمشق من بعد.
وكان أول هزة عنيفة نالت من هذه الوحدة، ما كان من صراع معروف بين الأمويين والعباسيين، وانتهى هذا الصراع بقيام الدولة العباسية في الشرق والدولة الأموية بالغرب في الأندلس، ثم بالدول الأخرى التي قامت بشمالي أفريقية.
واستقر الأمر للدولة العباسية بالمشرق، ومشت قدما إلى الأمام حتى كانت فتنة الأمين والمأمون، فكانت إيذانا بتمزق الوحدة الإسلامية. ثم جدت عوامل أخرى جعلت عقد الوحدة ينتثر، وتظهر في رقعة الوطن الإسلامي الأكبر دولة صغيرة هنا وهناك، وكان لذلك أثره القوي في مركز الخلافة وضعف نفوذ الخلفاء وسكون ريحهم.
نعم، مرت الدولة العباسية من ناحية القوة والضعف بأدوار مختلفة، كان لخلفائها في بعضها الكلمة العليا والحكم النافذ، وفي بعضها لم يكن لهم من الحكم والخلافة إلا الاسم والرسم، فكانت السيادة الفعلية للمتغلبين عليهم، أمثال بني بويه الديالمة (334-447ه)، والأتراك السلاجقة (447-590ه)، وفي بعضها الآخر كانوا يسترجعون شيئا من القوة الذاهبة والعز الذي ولى، حتى انتهى أمرهم على أيدي التتار سنة 656ه.
وقد كان اصطناع الخليفة المعتصم بالله (218-227ه) للأتراك، يتخذ منهم جندا يستغني به عن العرب والموالي من خراسان إيذانا ببدء طور الضعف وزوال هيبة الخلفاء وذهاب الوحدة للأمة.
وذلك بأنه عندما أحس هؤلاء الجند الأتراك بأنهم عدة الخلفاء وقوتهم، أخذوا في الاستئثار بالسلطان حتى تحكموا في الخلافة وأمورها، بل في الخلفاء وحياتهم، وانتهى الأمر بأن صار الخليفة في منزلة من الهوان لا يملك من أمر نفسه شيئا.
وهذه المنزلة تظهر للباحث من حالة النظر في بعض كتب التاريخ، مثل: «الطبري» وصلته، و«الكامل» لابن الأثير، و«مروج الذهب» و«التنبيه والإشراف» للمسعودي، و«البداية والنهاية» لابن كثير، و«تاريخ بغداد» للخطيب ، و«شذرات الذهب» لابن العماد الحنبلي .
Bilinmeyen sayfa