وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم ، وقوله تعالى:
إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا .
وبلغ ذلك الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وكان هو القاضي حينئذ، فاستحسن ذلك وأعجبه هذا الاستنباط، وتعجب من مواجهة الشيخ للسلطان بمثل هذا الكلام.
8 (3)
ولم يكتف الشيخ بالعمل الدائب على تحريض الناس والسلطان والأمراء في مصر والشام على القتال، بل نراه سنة 702 يلقي بنفسه في الميدان، وذلك في واقعة «شقحب» التي جمع فيها التتار جموعهم واستعدوا لها بكل قواهم، وكان بسبب ذلك أن بلغت القلوب الحناجر وزلزل الناس زلزالا شديدا.
في هذه الموقعة شهد ابن تيمية القتال بنفسه، وقاتل فيها هو وجماعة من أصحابه، وكانت في رمضان من العام المذكور، وانتهت بنصر الله المسلمين نصرا مؤزرا، وقتل فيها من التتار خلق كثير لا يعلم عدتهم إلا الله بحيث لم يسلم منهم إلا القليل. واستقرت القلوب بهذا الفتح العظيم والنصر المبارك الكبير، وأقبل الناس على الشيخ بالتهنئة والدعاء بما يسر الله على يديه من الخير الكثير.
وذلك - كما يذكر ابن كثير
9 - بأن العسكر الشامي ندبه إلى السير إلى السلطان يستحثه على السير إلى دمشق بعد أن كاد يرجع إلى مصر، ففعل ذلك وجاء هو وإياه إلى المدينة، ثم سأله السلطان أن يقف معه في المعركة، فقال: السنة أن يقف الرجل تحت راية قومه، ونحن من جيش الشام لا نقف إلا معهم.
ثم أخذ يحرض السلطان على القتال، وبشره بالنصر، وجعل يحلف بالله الذي لا إله إلا هو إنكم لمنصورون عليهم، فيقول له الأمراء: قل إن شاء الله، فيقول: إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا.
الله أكبر، والعزة له تعالى ولرسوله وللمؤمنين، ما أكبر هذه الثقة بالله التي ملأت قلب ابن تيمية وفاضت على كل من حوله من المجاهدين المقاتلين! إنها ثقة المؤمن الصادق القول في ربه القوي العزيز، فكأنه كان يستشف الغيب من ستار رقيق.
Bilinmeyen sayfa