30

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Yayıncı

دار الفكر العربي

الظلمات إلى من ينير السبيل لإدراكه على وجهه، ويبينه للناس كما جاء به الرسول الكريم، وقد كان المكان له مهيأ، والكرسي الذي ينبغي أن يجلس عليه كان شاغراً.

ذلك بأن أباه وقد كان له كرسي في الجامع الكبير في دمشق، وكانت له مشيخة الحديث في بعض مدارسه قد توفي في سنة ٦٨٢، وأحمد في الحادية والعشرين من عمره، ويقول ابن كثير في البداية والنهاية إنه قد تولى الدراسة بعد وفاة أبيه بسنة، يجلس مجلسه، وحل محله، وعلى ذلك يكون قد تولى التدريس وهو في الثانية والعشرين من عمره، جلس نظيراً لأئمة الحديث الممتازين كابن دقيق العيد وغيرهم من أئمة ذلك العصر الذين كانوا يدرسون في تلك المدارس، وفي الجامع الكبير بدمشق.

٣٣- وقد وصفه الذهبي أحد معاصريه في جسمه ونفسه فقال: "كان أبيض أسود الرأس واللحية، شعره إلى شحمة أذنيه، كأن عينيه لسان ناطقان، ربعة من الرجال، بعيد ما بين المنكبين، جهوري الصوت، فصيحاً، سريع القراءة، تعتريه حدة، لكن يقهرها بالحلم.. ولم أر مثله في ابتهالاته واستعانته بالله وكثرة توجهه". تلك صفات جسمية ونفسية فوق ما له من مزايا عقلية، تجعله ذا هيبة خاصة، وقوة تأثير، ونفوذ في قلب من يتحدث إليه، ومن يلقى سمعه إليه، لا يلبث أن يلقى قلبه ومشاعره بين يديه.

تقدم أحمد بهذه الصفات الشخصية، وهذه المواهب، وتلك المدارس، وذلك العلم الغزير، فألقى دروسه في الجامع الكبير بسلطان عربي مبين، فاتجهت إليه الأنظار واستمعت إليه أفئدة سامعيه، وانتقل كثيرون من المستمعين إلى تلاميذ مريدين متحمسين معجبين، وصار له من بينهم مخلصون إخلاص الحواريين الصديقين، وكانت دروسه تجمع الموافق والمخالف، والبدعي والسني، ومعتنق مذهب الجماعة، ومذهب الشيعة، فكثر تلاميذه، وكثر سامعوه، وكثر التحدث باسمه في المجالس العلمية.

29