110

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Yayıncı

دار الفكر العربي

العقائد الدينية باليسر الذي يغيرون به الآراء العلمية المجردة؛ وما كان الذي قاله آراء علمية مجردة بل هي آراء لها صلة بالعقيدة الإسلامية؛ فلابد أن يكون اختلاف؛ ولكن الحدة في القول تزيد الخلاف أواراً وتسهل الرمي بالكفر والفسوق والعصيان، والتنابز بالألقاب؛ وذلك ما أدت إليه الحدة من الفريقين؛ وإذا كان خصوم ابن تيمية دونه قدراً وعلماً وتبعة، فإنه يكون الملام على الحدة بقدره؛ وعلى حسب منزلته؛ والمهمة التي وقف نفسه عليها.

١١٦- هيبته: ولقد آتى الله تقي الدين ابن تيمية هيبة شخصية تروع من يلقاه؛ وتجعله يحس بأنه في حضرة رجل عظيم، ولعل هذه الهيبة هي التي جنبته أذى العامة مع شدة المحرضين، وقد يحس في ذات نفسه بخطر شأنه؛ ولذلك لما جرؤ مأفون أحمق وناله بيده، لم يمتنع عن درسه، ولما أراد بعض أنصاره أن يحوطوه ليكف الأذى بمثله ردهم، وذهب منفرداً، فما نال أحد منه شيئاً؛ ولقد كان يحس بهيبته مخالفوه من العلماء؛ فكانوا إذا أرادوا أمراً دبروه بليل، وبيتوه، ثم لم يلقوه بل يشكونه؛ ليتقوا لقاءه؛ وإن أصر السلطان أو من له الأمر على أن يلتقي بهم ويجادلوه فإن النتيجة ألا ينالوا منه شيئاً لقوة حجته، ولهيبته أيضاً.

ولقد كان إذا لقي السلطان لقيه ثابت الجأش قوي الجنان، وإذا خاطبه في أمر كان قوياً في خطابه، شديداً في جوابه، والسلطان لا يتردد في إجابته، وعدم مخالفته فيما يدعوه إليه؛ وما وافق السلطان على ما نزل به إلا وهو في غير حضرته، فقد كان في مصر وابن تيمية في الشام، والغائب في عذر فما يبلغه من الأخبار، فأصدر ما أصدر، وهو لم يلاق وقت الإصدار ذلك العالم الجليل الذي كان لسانه ينطق بالحكمة، وقلبه يفيض بالإخلاص؛ وشخصه الرائع يلقي الهيبة في النفوس وأن الشيخ رضي الله عنه ليلتقي بقازان ملك التتار وقائدها؛ فيقول كل ما يريد؛ ومع أن المشافهة المباشرة بينهم عسيرة بل غير متعذرة لأن لغة ابن تيمية غير لغته

109