İbn Sina Felsefesi
ابن سينا الفيلسوف: بعد تسعمئة سنة على وفاته
Türler
إن الله لم يوجد الشر؛ لأن الشر لا يملك وجودا بل نقصا وعدما، والله لا يمكنه ولا بوجه من الوجوه أن يخلق النقص والعدم؛ لأن لا وجود لهما، على أنه تعالى أوجد الخير وبالخير قام الشر بنوعه النسبي، وبعبارة أصرح: إن الله أوجد مباشرة العقل الأول وعن العقل الأول صدرت سائر العقول المفارقة بترتيبها المعروف، ثم العقل المفارق الأخير أصدر البسائط، وعنها انبثقت المركبات التي فيها وحدها، وهي «تحت فلك القمر»، ينحصر الشر، عدا أن هذا العالم الذي نحن فيه يقتضيه وجود الخير مع الشر؛ لأنه عالم الكون والفساد، لا بل عالم القوة والفعل، وحيث توجد القوة لا بد من وجود الشر، إلا أن هذا الشر أقل ذيوعا من الخير؛ لأن الخير المطلق موجود وهو الله تعالى، والخير النسبي موجود وهو أكثر من الشر النسبي، إلا أن الشر المطلق لا يملك من الوجود شيئا.
قلنا: إن الخير الجزئي أكثر من الشر الجزئي؛ لأنه لو كان الشر في شيء من الأشياء أكثر من الخير لامتنع وجود ذلك الشيء؛ أي لو كان مثلا ضرر النار أكثر من نفعها لما وجدت النار، من هذا يبدو جليا أن الخير من طبيعة الوجود، والشر من طبيعة العدم.
6
وهنا يتوارد على الخاطر سؤال: أما كان باستطاعة الباري أن يوجد الخير بمعزل عن الشر؟
أجاب الشيخ الرئيس عن هذه المسألة بقوله: «إن الله سمح بوجود الشر؛ لأننا لولا الشر لما عرفنا الخير، كما أننا لولا الظلمة لما كنا نعرف النور ونلتذ به، ولولا المرض لما كنا نغتبط بالصحة، وكأن هذا الجواب لم ينف كل ريب من رأس أمير فلاسفة المشرق فزاد أن البشر لا يمكنهم أن يدركوا حكمة الخالق في خلقه: «لو كان أمر الله تعالى كأمرك، وصوابه كصوابك وجميله كجميلك وقبيحه كقبيحك (كذا) لما خلق أبا الأشبال أعصل الأنياب، أحجن البرائن لا يغذوه العشب.» فالله إذن لا يفتش في أحكامه عما نفتش عنه نحن في أحكامنا الضعيفة وأحلامنا القاصرة؛ بل ينظر إلى الوجود نظرة سامية لا نستطيع إلى إدراكها سبيلا.»
لكن إذا كان البشر يعرفون الشر فكيف يصنعونه؟ ... ليس بين الناس من يقترف الشر بما أنه شر، ولكنه يقترف الشر ظنا منه أنه سينال خيرا ولذة وبهجة وقت يقدم على عمله، والله تعالى لا يعارض أحدا عند ارتكابه الشر، جاء في الحديث: «خلقت هؤلاء للجنة ولا أبالي، وخلقت هؤلاء للنار ولا أبالي، وكل يسر لما خلق له.» ونظرية ابن سينا في الخير والشر مرتبطة تمام الارتباط بكلامه عن تكوين العالم والعناية الإلهية. وهذا التماسك لا يخفى على ذي بصيرة، وقلما نجد له مثيلا بين فلاسفة العرب؛ لأنه في أغلب الأوقات لا ارتباط بين آرائهم الفلسفية، وما ذلك إلا لأن فلاسفة العرب كأدبائهم لم يبنوا، والعبقرية البناءة عند الشعوب هي التي تولد النظريات الفلسفية المتشابكة الأضلاع المتناسبة التقاطيع.
لذا لا نغالي إذا قلنا إن نظرية ابن سينا في الخير والشر رغم ما يعتورها من الهنات، هي من أبدع نظرياته وأجملها وأشدها التصاقا بالحقيقة بعد نظرية الإمكان والوجوب التي أخذها عن أستاذه الفارابي.
وتناول هذه النظرية القديس توما الأكويني وسائر الأئمة المدرسين عن الشيخ الرئيس وزادوها صقلا ونحتا، إلا أن الجوهر لا يزال واحدا: «الخير مقتضى بالذات، والشر مقتضى بالعرض.»
الفصل الثالث عشر
السعادة والشقاوة
Bilinmeyen sayfa