وهذا الكائن الأول هو العلة الأولى لحركة الهيولى، ولكن لا يفهم من هذا أنه أقدم من الهيولى بالزمان بل أقدم منها بالذات كما يكون السبق بين المعقولات. فالنتيجة العقلية تلي المقدمة ولكنها لا تخلق بعدها في الزمان. والعالم كله لا يخلق في زمان لأن الزمان لا يوجد قبل العالم، ولو وجد قبل العالم لكان معنى ذلك أنه زمان قبل الزمان، وإنما الزمان مقياس حركة العالم فهو والحركة مقترنان.
والله يحرك العالم لأنه غاية العالم وقبلته التي يسعى إليها، وهذا يقتضينا شرح الأسباب في مذهب أرسطو وهي أربعة: (1) مادة الشيء كالورق في الكتاب، و(2) فاعل الشيء وهو مؤلف الكتاب، و(3) صورة الشيء وهي ماهية الكتاب التي تجعله كتابا وبغيرها لا يطلق عليه اسم الكتاب، و(4) غاية الشيء وهي التي من أجلها يوضع الكتاب أو هي القراءة والتعليم والاطلاع.
والغاية عند أرسطو هي أهم هذه الأسباب وإن جاءت في النهاية، والله هو علة الموجودات الأولى لأنه هو غايتها التي تسعى إليها وتنشدها وتشتاقها، وتتحرك في هذا السبيل من الهيولى إلى الصور المترقية في درجات الكمال.
فكل وجود فهو حركة.
وكل حركة فهي حركة إلى الله.
لأن الحركة عند أرسطو هي انتقال المادة من الهيولى إلى الصورة، ولا يفهم من ذلك أن الهيولى توجد بغير صورة أو أن الصورة توجد بغير الهيولى، بل يفهم منه أن الصورة تسفل في المادة حتى تنزل إلى مرتبة الجمادات الخسيسة التي يخيل إلينا أنها لا صورة لها على الإطلاق، وإن الصورة تعلو بالهيولى حتى ترتقي إلى مرتبة الكائنات التي يخيل إلينا أنها لا مادة لها على الإطلاق وربما كانت صورة شيء مادة لشيء آخر. فالخشب له صورة تميزه من صور الجمادات الأخرى، ولكنه هو نفسه مادة لصورة التمثال.
وكلما ارتقت المادة في الصورة اقتربت من الله؛ لأن الله هو الصورة «المحض» التي لا تمتزج بها الهيولى بحال.
فالله لا يريد العالم.
بل العالم هو الذي يريد الله لأنه يحتاج إليه، ويرتفع إلى الكمال كلما اقترب منه.
وكل متحرك إلى طلب الكمال فهو «عاقل» فينجذب إلى العقل الأول ويرتفع إليه بالشوق المكنون فيه، ولهذا لزم في الكواكب أن تكون لها عقول.
Bilinmeyen sayfa