أما دولة الموحدين فقد كان الخطر عليهم من الدعوة الفاطمية - أو الدعوة الإسماعيلية بعبارة أخرى - أشد وأقرب، فقابلوا دعوتهم بمثلها واجتهدوا في تعرف مذاهبهم الباطنية، وكان رئيسهم «محمد بن تومرت» من قبيلة «مصمودة» البربرية، ولكنه كان يتلقب بالمهدي وينتمي إلى آل البيت. ويقول ابن خلكان - وهو ممن ينكرون نسب الفاطميين - إن ابن تومرت هو: «محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن هود بن خالد بن تمام بن عدنان بن صفوان بن سفيان بن جابر بن يحيى بن عطاء بن رباح بن يسار بن العباس بن محمد بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.»
13
فقد برز الموحدون إذن للفاطميين أو الإسماعيليين حتى في النسب والدعوة المهدية، ولما اشتهر الإمام الغزالي في المشرق بإنكار الباطنية والرد عليها، قصد إليه ابن تومرت وحضر عليه. وحكي كما جاء في كتاب «المعجب في أخبار المغرب»: «أنه ذكر للغزالي ما فعل علي بن يوسف بن تاشفين من ملوك المرابطين بكتبه التي وصلت إلى المغرب من إحراقها وإفسادها، وابن تومرت حاضر ذلك المجلس، فقال الغزالي حين بلغه ذلك: ليذهبن عن قليل ملكه وليقتلن ولده، وما أحسب المتولي لذلك إلا حاضرا مجلسنا.»
وقد تم لابن تومرت ما أنبأه به أستاذه الغزالي، فأقام دولة الموحدين وندب لها صاحبه عبد المؤمن بن علي الكومي (524-558ه/1129-1162 ميلادية)، ثم خلفه ابنه يوسف، ثم خلفه ابنه يعقوب وتلقب بالمنصور بالله (580-595 هجرية/1184-1198 ميلادية)، وهو الذي اقترح على ابن رشد تفسير كتب أرسطوطاليس وشرح مذاهب الفلسفة على الإجمال.
ويظهر التحدي والمناجزة بين الموحدين والإسماعيليين في مقابلة كل دعوى إسماعيلية بمثلها من دعاوى ابن تومرت وخلفائه.
فقد انتسب إلى آل البيت كما ينتسبون، وتلقب بالمهدي كما يتلقبون، وقال عنه مريدوه: إنه لم يكن أحد أعلم منه بأسرار النجوم وعلوم الجفر
14
والتنجيم، وهي العلوم التي اشتهر بها الإسماعيليون.
قال ابن خلكان: «إن محمد بن تومرت كان قد اطلع على كتاب يسمى الجفر من علوم أهل البيت، وإنه رأى فيه صفة رجل يظهر بالمغرب الأقصى بمكان يسمى السوس، وهو من ذرية رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، يدعو إلى الله ويكون مقامه ومدفنه بموضع من الغرب، هجاء اسمه ت ي م ل ل، ورأى فيه أيضا أن استقامة ذلك الأمر واستيلاءه وتمكنه على يد رجل من أصحابه، هجاء اسمه ع ب د م و م ن، ويجاوز وقته المائة الخامسة للهجرة، فأوقع الله - سبحانه وتعالى - في نفسه أنه القائم بأول الأمر، وأن أوانه قد أزف، فما كان ابن تومرت يمر بموضع إلا ويسأل عنه، ولا يرى أحدا إلا أخذ اسمه وتفقد حليته، وكانت حلية عبد المؤمن معه، فبينما هو في الطريق رأى شابا قد بلغ أشده على الصفة التي معه، فقال له وقد تجاوزه: ما اسمك يا شاب؟ فقال: عبد المؤمن. فرجع إليه وقال له: الله أكبر! أنت بغيتي، ونظر في حليته فوافقت ما عنده.»
Bilinmeyen sayfa