217

İbn Rumi: Hayatı Şiirlerinden

ابن الرومي: حياته من شعره

Türler

وهو مع هذه الغرة التي تعد من أكبر الجنايات في عصر الدسيسة والمداورة كانت له جناية أخرى تعد من أكبر الجنايات في جميع العصور، وبين جميع الأمم، وعند جميع الأفراد: كان غريب الأطوار، ولا أضر على الضعيف الحيلة من غرابة الأطوار؛ لأنها تفرده بين الملأ فتنصبه وحده هدفا لكل ما في الطبائع الإنسانية من لؤم وسفاهة، وسوء ظن ومجانة، و«الشيء مستوحش إذا غربا» كما يقول، فحسب المرء أن يشتهر بهذه الغرابة وأن يسجلها عليه من يعرفه ومن لا يعرفه حتى تبطل دعواه، وتسقط حقوقه، ويكون المجتمع قد أصدر عليه حكما سرمدا كذلك الحكم الذي كان يصدره السلطان في غابر الأزمان بإهدار دم الطريد الهارب من عقوبته وسخطه، فلا ينصفه أحد، ولا يتحرج متحرج من العدوان عليه، والتعرض لغضبه، فإنما أساس الإنصاف أن يعرف للإنسان حق الرضى والغضب، وحق الشكوى والملام، فإذا سلب هذا الحق واشتهر عنه أنه يألم لغير ما يوجب الألم، ويفرح لغير ما يوجب الفرح، ويعجب والناس لا يعجبون، ويثور والناس لا يثورون، ويطرق وهم لا يعرفون فيم يطرق، ويهلل وهم لا يشعرون فيم يهلل، فهم إذن في حل من إسخاطه واهتضام حقه! وهو إذن طلبة السلطان الأعظم؛ سلطان المجتمع الذي أهدر دمه، وأباح أمنه وماله، فلا يشكو إلا وهو متهم، ولا يشكى إلا وللشاكي عليه حجة، وكل ذنبه بين الناس أنه من معدن غير معدنهم، وذو شعور بالحياة غير شعورهم، وقد يكون خيرا منه وأجدر بالإنصاف.

بل حسب المرء أن يشتهر بالغرابة حتى يصبح المألوف من عمله غريبا يفعله هو، فيلاحظ ويتبعه الناس بالغمزات، ويفعله غيره فلا يلاحظ ولا يتغامز أحد عليه؛ لأن سمعة الغرابة هي المهم في هذا الصدد، وليست الحوادث التي توصف بالغرابة.

وقد يعفى الغريب الأطوار من هذا «الإهدار» إذا كان مع غرابة أطواره له سطوة أو ثروة أو عصمة يعتصم بها من عشيرة تغار عليه، أو جار يميل إليه، فربما أساغوا منه غرابته في هذه الحالة، وعدوها حلية تزينه، وظريفة ترغبهم فيه، فأما أن يكون ضعيفا لا حول له ولا حيلة، وغريبا في خلقه وشعوره؛ فذلك هو الجرم المضاعف الذي لا شفاعة فيه ولا نجاة من عقوبته، وقل في عقوبة مشدد فيها كما يشاء لؤم من لا يخاف عاقبة لؤمه، مبالغ فيها كما يبالغ في إيذاء كل معدوم النصير. •••

عاش ابن الرومي في ذلك العصر قليل الحيلة، فهو أعزل غريب الأطوار، فهو مستهدف لكل من يرميه، دقيق الحس فهو معذب بما يصيبه، وثقلت عليه صدمات الخيبة، وساء ظنه بإنصاف الناس، فوهن ما فيه من بقية عزم الشباب، وعاف السعي وانطوى على اليأس، ووجدت نفسه لذلك وجدا تعرفه من صرخته:

لا عذر لي في أسفي بعدها

على العطايا عفتها عفتها!

فكان هذا مع ضعفه واعتلاله، وحذره المغروس في تركيبه، وحاجته إلى من يرأمه ويعينه صارفا له عن السعي في طلب الرزق، والنزوح عن الوطن، جانحا به إلى القعود حيث قعد لا يرى إلا أن البلاد كبلده، وأن الأخيار والأشرار سواء في قلة إنصافه.

ذقت الطعوم فما التذذت كراحة

من صحبة الأشرار والأخيار

وما كان الرجل مخلوقا للجلد والمشقة في أيام الشباب، بله المشيب، ولكنه كان ربما رحل في تلك الأيام إلى الأبلة أو سامرا «سر من رأى» أو بعلبك - وهي فيما نظن أبعد ما وصل إليه في رحلاته - فلا يلبث أن ينكرها وتنكره ويعود منها، وما لقي فيها إلا مثلما لقي في وطنه:

Bilinmeyen sayfa