İbn Rumi: Hayatı Şiirlerinden
ابن الرومي: حياته من شعره
Türler
بين أصحاب هذا المزاج أناس من نوابغ الشعر والفنون عرفوا بسرعة الملاحظة، وسرعة الخاطر، أو عرفوا - على الأصح - بسرعة انتقال الخواطر، وتعاقب الأفكار، واستحضار المناسبات الخفية والمشابهات البعيدة التي تدركها سرعتهم، ولا تدركها عقول السواد في بطئها، وأخذها بالسير المألوف.
وقد تتفاقم هذه الخصلة فتصل إلى الجنون الذي يقول عنه القائلون: إنه يخلط بين الشرق والغرب، ويقحم الأحاديث في غير مواضعها ومناسباتها؛ لسرعة وثبه من كلام إلى كلام، ومن معرض إلى معرض، ولخفاء أوجه المناسبة بين موضوعات تفكيره على الذين يستمعون إليه.
ولكنها إذا هي لم تبلغ إلى حدها الأقصى المشاهد في أعراض الجنون، كانت خصلة نافعة للشعراء والمصورين بما تقرب لهم من المشابهات البعيدة، وتبرز لهم من فوارق الأفكار الدقيقة، وظلال الأشكال المستسرة، إذ لا يلزم من سرعة تفكيرهم أنهم يخطئون التفكير ويجيئون به مقتضبا أو مشوها على غير استواء، فإنهم في هذه الخصلة كالآلة التي تنطلق بالصور المتحركة، فتعرض لك في لمحة ما يعرض في برهة، والمناظر بعد واحدة، والنسبة بينها كلها في استواء واحد، أو هم كالمجهر المكبر الذي يرى الأشياء كلها أكبر مما تراه العين المجردة وهي بعد صحيحة الأبعاد، مستقيمة الأوضاع، والعلم يحتاج إلى التكبير في درس الأشياء، ويحتاج إلى مثل هذا التكبير في درس النفوس، فليس كل ما دق الشعور به عن الناس عامة باطلا معيبا، ولا كل ما خفي على العين حقيقا بالتجاهل والإخفاء.
إنما يدرك الخطأ أصحاب هذا المزاج في الغالب من ناحية واحدة هي ناحية ضبط الإحساس، أو ناحية التفريق بين الخواطر وإحساساتها التي تناسبها.
فقد زعموا في الأساطير أن السحرة الأقدمين كانوا إذا فكروا في جني يريدونه حضر بين أيديهم بغير استدعاء ولا انتظار إشارة.
فلك أن تقول: إن ما زعموه حقيقة لا أسطورة، وأن السحرة الأقدمين موجودون في كل زمان؛ لأنهم هم بأعينهم سحرة الفن من أصحاب ذلك المزاج.
يخطر لهم أن صديقا مات، فما هو إلا أن يومض في ذهنهم هذا الخاطر حتى يثب معه الحزن الذي يحزنه الصديق على صديقه، أو بعبارة أخرى يثب معه الجني الملازم لخاطر الموت بغير استدعاء ولا انتظار إشارة.
وقد تسنح لأحدهم الفكرة، فما هي إلا أن تتراءى في خياله حتى يقترن بها الإحساس الذي يناسبها من خوف أو غضب أو فرح أو اغتباط، ثم لا يستطيع أن يضبط حركة إحساسه، ولا أن يصرف عنه الخالجة النفسية التي أيقظتها فيه هذه الفكرة، فكل شر مظنون فهو عنده كالشر المحقق على حد قول شاعرنا:
وإذا ما ظننت شيئا فخفه
رب شر يقينه مظنونه
Bilinmeyen sayfa