İnsan Oğlu: Bir Peygamberin Hayatı
ابن الإنسان: حياة نبي
Türler
لقد فروا!
لا أحد هنالك يلقي آخر سلوان في قلب المعلم، لا أحد هنالك يخفف ألم المعلم بمذهبه، لا أحد هنالك يدون أقوال المعلم الأخيرة فتحفظ للذراري.
اليوم هم نيام كما في الأمس، واليوم حميتهم راقدة أيضا على ما يظهر. قطع تأثير المعلم فيهم، وانهار إيمانهم، وضاعت الرسالة ضياع مياه الساقية في الرمال، ونضب معين الحب الأخوي، فكأن ما حدث عبث يتوارى خلفه بضع نسوة مبرقعات باكيات على ما روي، فهل يخفن أن يحيينه؟ تبعد عنه أمه وإخوته وأخواته! فاللائي ينتظرن هنالك ناحبات غريبات، وتلك التي تحترق ألما من أجله هي مذنبة، هي التي مسحت بشعرها رجل يسوع ذات يوم في مدينة صغيرة على شاطئ بحر الجليل، وآخر من ينظر ثلاث نساء صيادين عرفن رسالة المحبة التي بشر بها، فأين الألوف؟ أفيبقى أثر لما علمه في الصيف الأخير؟ وهل يدوم إنجيله إذا ما تفرق تلاميذه أيدي سبأ؟ وإذا ما ذرت الرياح رسالته فماذا يبقى منه؟ لا يعد إذ ذاك أسمى من إخوته الذين رأوه ممسوسا!
وتزيد آلام بدنه المنهوك بين دقيقة ودقيقة كما لو كانت نيران تشتعل فيه أو ضوار تمزقه.
وينقضي بضع ساعات فقط فيشعر بانكسار قلبه الرقيق فيه، ويغشى عقله وخياله غيوم، ويستغلق إيمانه وألمه، ويبدو نسيج آلام فيفتح شفتيه بعد طويل صمت، فزاد فيه ما ساوره من قنوط في بستان جثسيماني، وتتحول الرغبة في الفرار من التضحية إلى اتهام، وتذوي أحلام الحياة المثالية، ويتفرق جميع من شفاهم ومن علمهم كغبار في ريح، ويحول أبوه الذي فوض أمره إليه وجهه عن أحب أبنائه إليه، فلا يعطف عليه مبرحا به الألم، وتبدو روحه بعيدة من هنا، ويطوي كشحا عن الأرض، ويظل الابن وحيدا، ويعود الأب غير أب، ويسوع إذ يرى أنه هجر وترك وحده، ويرى ذبول جسمه وانكسار فؤاده يصرخ قائلا: «إلهي! إلهي! لماذا تركتني؟»
ويسمعه الجند فيكفون عن لعب النرد، ويرفع قائد المائة عينيه فيأمر أحدهم أن يصب على الإسفنجة قليلا من الخل الموضوع في إناء، فتقدم إلى فمه، فينظر إليها بعينيه المنطفئتين، فيرخي شفتيه فيرتشفها ما انقطع كل أمل فيه، ثم تعود آلام أعضائه إلى أشد مما كانت عليه؛ فيصرخ بصوت عظيم.
وتختم بهذا الصوت حياة ما فتئت تعبر عن نفسها في ثلاثين سنة بصوت المحبة العذب الذي يلقي السلوان إلى الآخرين، وبموسيقى القلب الصامتة. ••• «هل مات؟» هذا ما سأله بيلاطس عندما جاءه مشير من المجمع الكبير ليطلب تسليم الجثمان إليه ما أعلن إيمانه به. ومن عادات الرومان أن جثة الجاني الذي ينفذ فيه حكم الإعدام تسلم إلى أقربائه أو أصدقائه، وما كان هذا ليتم إلا بعد أن استدعى بيلاطس قائد المائة، فبين أن يسوع مات على الصليب بعد انقضاء بضع ساعات، فوافق الوالي بيلاطس على وضعه عن الصليب من غير أن تكسر ساقاه، كما كسرت سيقان المصلوبين الآخرين تعجيلا لهلاكهما، ما كان الغد يوم سبت، وما وجب تمام كل شيء قبل حلوله.
وينزل هذا الغريب والنسوة يسوع عن الصليب بسرعة؛ خوفا من تدخل أي رجل آخر، ويلف جثمانه بكفن أبيض، وينقل إلى قبر جديد نحت في صخر بستان يملكه المشير قريبا من أبواب المدينة ليوضع فيه مؤقتا؛ درءا لاحتمال تدخل الكهنة في الأمر، وذلك من غير أن يمسح بحنوط وأطياب، فإذا ما انقضى السبت دفنوه على حسب الطقوس، ويكتفى بدحرجة حجر كبير على باب القبر ما سطع نجم المساء ووجب إنجاز الأمر بعد السبت.
وتجيء النساء في مساء اليوم التالي حاملات حنوطا وأطيابا، وترغب مريم المجدلية في دهنه ميتا كما دهنته حيا، ومن يزحزح الحجر الكبير لهن؟ لسن قويات ولم ينظرن هنالك أحدا، ويصلن إلى حيث دفن بالأمس فيجدن الحجر في غير محله، والقبر خاليا من الجثمان!
تعلم أورشليم الخبر، وتذيع فيها مئات الشائعات المتناقضة، فقال بعض الناس: إن بيلاطس ندم على إذنه في صلب يسوع فأخرج الجثمان من هنالك ودفنه في مكان آخر، وقال بعض آخر: إن الكهنة سرقوا الجثة لكيلا يعبدها الجمهور، وقال آخرون: إن البستاني هو الذي صنع ذلك منعا لما ينجم عن زيادة الآتين والذاهبين من إتلاف بستانه، وقال أناس: إن ذلك من عمل أوغاد يعتدون على القبور في الغالب لانتهابها، وقال فريق خامس: إن إنسانا لا يموت على الصليب في ثلاث ساعات؛ فقد أخرجه تلاميذه من موته الظاهر وأخفوه في مكان أمين. ويذهب الكهنة إلى بيلاطس ويلومونه على تساهله، ويعربون له عن الارتباك الكبير الذي يسفر عن سماحه لتلاميذه بأن يختطفوا جثته ؛ لأنهم سيزعمون أنه بعث بعد موته.
Bilinmeyen sayfa