İnsan Oğlu: Bir Peygamberin Hayatı
ابن الإنسان: حياة نبي
Türler
ناداه الرب، فهل كان ذلك بالأمس فقط؟ دوى في أعماق قلبه صوت غريب بعيد داعيا إياه بالابن، وحدث هذا حينما غادر ماء العماد منقبض الصدر، وحدث هذا حينما رأى في المنام حمامة تنزل من السماء فتطير إليه، والآن في البرية يسأل نفسه عن معنى ذلك، فلم يجد فيما حوله حلا لذلك وبلدته وحرفته بعيدتان من هنالك، والآن يخرج من طور حياته الواضحة الهادئة التي تعودها معتزلا ليناضل الروح التي نادته عازما، على ألا يغادر البرية قبل ظهور فجر الحقيقة.
وهل كان ذلك نداء أبيه الرباني؟ أما كان ذلك النداء يبدو أوضح مما حدث لو صدر عن الرب مثل ما اتفق للعظماء من قدماء الأنبياء؟ وإذا كان ذلك النداء قد أتى من السماء لشد عزيمته، فما هو سر مطابقته لأفكاره الخفية؟ هو قد قابل في أثناء وجوده عبر الأردن بين نفسه وبين الذي عمده وعمد الآخرين، فسأل: هل يرضي الرب منظر المعمدان وصوته؟ وهو قد وضع نفسه في مكان يوحنا المعمدان، فسأل: كيف يقضي شعائر المعمودية بذاته على وجه آخر؟ ألم يساوره شيء من الغيرة حينما رأى الجمهور ملتفا حول ذلك الغيور الهزيل الذي لا يفوقه فقها بالإيمان، ألم يظهر هلوعا
11
حين خروجه من النهر فيسأل: لماذا سلم أمره طوعا إلى آخر لأول مرة في حياته؟ ألم يسمعه الرب العالم بما يخفي صدره؟ فلماذا اختار الرب ذلك الوقت الذي بدا فيه أضعف مما في أي زمن، ليثبت قدميه، مع أنه لم يسبق أن كلمه بغير واسطة؟
كلا، لا بد من وجود معنى لذلك أسمى من ذلك، لا بد من أن ينطوي ذلك النداء على معنى الرسالة، أفيعمل كما عمل المعمدان؟ أفيدعو الناس إلى التوبة ويسيح ويعلم؟ أفيهجر حرفته وبلدته وهناءته وقرابته وقصيدته ليدخل دور العمل والحركة؟ أفيقتدي بيوحنا المعمدان، وبيوحنا المعمدان وحده في كل شيء؟ أفلم يحل يوحنا المعمدان طريقة جديدة محل طريقة قديمة؟ ولم الزهد والبرية والصيام وإماتة النفس؟ ألا تقرب هذه الأمور من الضحايا التي ردها المعمدان؟ ولم الحديث عن العذاب والبلايا بدلا من الحديث عن حلم الأب الرب؟ وما نفع الوعيد في تخويف الناس وحملهم على الركوع؟ أمن شأن الوعيد أن يقوي اليقين؟ ألا يرضي الرب إنهاض الخلق عبر النهر أكثر من خفضهم؟ أليس الأفضل أن يقصد الناس في ديارهم وأماكن أعمالهم، وأن يجمعوا في روضة أو على سفح جبل بالقرب من قراهم فيخاطبوا بالقول اللين عن مشاعر أبينا الرب ورغائبه؟
ومع ذلك: ما أعظم يوحنا! ما أشبه عينيه بالبرق عند نظره إلى الكهنة! ما أروع سخريته بهم حينما ذكر أولاد إبراهيم قاصدا أن مؤمنا بعد شرك قد يكون خيرا منهم! لم يحرض يوحنا على قتال الرومان ولم يدع إلى الثورة، بل كان يوصي بالشيوع والفقر والتواضع، وما كان يوحنا ليرضى بأن يدعى نبيا.
قال يوحنا: «يأتي من هو أقوى مني!» أهذا هو يسوع؟ أمن أجل ذلك سمع يسوع نداء أبيه آنئذ؟ ماذا؟ أيكون يسوع خليفة يوحنا؟ أيحل محله؟ حاول يسوع أن يرد بشدة هذا الوسواس الحافز إلى خيانة يوحنا الذي وضع يديه الكريمتين على رأسه منذ هنيهة.
وإن يسوع لفي هذا الغم إذ رأى أن يصوم كما صنع يوحنا قبله في البرية، وبذلك يكون يسوع قد أمات نفسه أكثر من يوم للمرة الأولى في حياته ما بعدت روحه من الاضطراب، وما كان في غنى عن التجربة والابتلاء، وما عطل من الدافع إليهما فيما مضى، وكلما مضى يوم على يسوع الناسك الجائع بعد ذلك راق قلبه، ودق عصبه، ورق فكره.
ويترجح يسوع بين الحماسة والهزال، وتتعاقب عليه صور الحياة التي لم يعرفها فيتأملها قبل، ويضعف الجوع جسمه فتتجاذبه التجارب فتكاد تفتنه.
ورأي يسوع في أنه الصفي المختار كان يحثه على مطالبة نفسه بما لا عهد له به، فينمو بذلك شعوره بقدر نفسه، فيسمع في باطنه صوتا يسأله عن السبب في عدم تحويله الحجارة إلى خبز كما بشر به يوحنا، وينتبه يسوع فيحجم عن التجربة عند سماعه: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من الله.» ويصحو يسوع من غفوته، فيعلم أن ذلك المجرب هو إبليس الهائج في المجانين؛ فيحصن يسوع نفسه من جديد.
Bilinmeyen sayfa