70

Ibn Hazm: His Life, Era, Views, and Jurisprudence

ابن حزم حياته و عصره آراؤه وفقهه

Yayıncı

دار الفكر العربي

Yayın Yeri

القاهرة

بأنه كان من المخلصين، وروى أن عيسى عليه السلام قال وقد سأله بعض الحواريين من المخلص: ((المخلص من إذا عمل خيراً لا يهمه أن يحمده الناس)).

وكذلك ابن حزم رضى الله عنه، فقد كان يجتهد ويعمل ويدرس ويبحث وينتج، ولا يبالي أمدحه الناس أو ذموه.

٨٢ - وإن إخلاص ابن حزم قد كان سبباً في الصفة التي اشتهر بها، وهي الصراحة في الحق. ينطق بقول الحق، لا يهمه رضى الناس أم سخطوا ويستوي عنده الإيذاء والثناء، مادام الحق يدفعه إلى أن يقول ما قال، ويوجب عليه أن ينطق غير محجم ولا مجمجم. حتى لقد قال عنه معاصروه إنه عرف العلم، ولم يعرف سياسة العلم، وقد أجمع الذين أرخوا له على أنه كان شديداً في قوله صريحاً في وصف الذين يجادلونه وآرائهم. أفهذه الصراحة العنيفة التي كان يصك بها خصومه صك الجندل كانت نتيجة لحدته التي اتصف بها كما سنذكر، أم كانت لأن سياسة الحق أوجبت عليه أن يقول ما يقول، وإن أضر ذلك به، وادعى عليه أنه لم يعرف سياسة العلم!

إن ابن حزم يدعو إلى مسالمة الناس والائتناس بهم، وعدم معارضتهم فيما لا يضر في الدين أو الدنيا. وإنه العالم الذي يستمسك بعلمه، وعمله من جنس ما يعلم. فلا يتهم بنفاق ولا تقصير، ولا يقال فيه إنه من الذين يقولون ما لا يفعلون. إنه كان يسير على تلك القاعدة: المسالمة إلا فيما يضر الدين أو الدنيا السكوت فيه، وإنه لينصح الناس دائماً بذلك فيقول: ((وإياك ومخالفة الجليس ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا في أخراك وإن قل، فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة. وربما أدى ذلك إلى الضرر العظيم دون منفعة أصلاً وإن لم يكن بد من إغضاب الناس أو إغضاب الله عز وجل ولم يكن لك مندوحة عن منافرة الخلق أو منافرة الخالق، فأغضب الناس ونافرهم، ولا تغضب ربك ولا تنافر الحق)) (١).

تلك هي قاعدته التي سار عليها في صراحته. يسالم الناس ويأتنس بهم، وإن

(١) الرسالة المذكورة ص ٤٥

70