بواعث، ودواعي، وأخلاق، وحقائق. والذي دعاهم إلى هذه الدواعي والبواعث والأخلاق والحقائق ثلاث حقوق فرضت عليهم: حق الله - سبحانه، وحق للخلق، وحق لأنفسهم. فالحق الذي لله - تعالى - عليهم أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا، والحق الذي للخلق عليهم كف الأذى كله عنهم، ما لم يأمر به شرع من إقامة حد، وصنائع المعروف معهم على الاستطاعة والإيثار، ما لم ينه عنه شرع؛ فإنه لا سبيل إلى موافقة الغرض إلا بلسان الشرع. والحق الذي لأنفسهم عليهم ألا يسلكوا بها من الطرق إلا الطريق الذي فيه سعادتها ونجاتها، وهو طريق الفطرة، فإن أبت فلجهل قام بها أو سوء طبع؛ فإن النفس الأبية إنما يحملها على إتيان الأخلاق الفاضلة دين أو مروءة؛ فالجهل يضاد الدين، وسوء الطبع يضاد المروءة.»
وإذن فالإنسان يعيش في هذه الحياة تحت ظلال ثلاثة حقوق مقدسة مفروضة، يجب عليه أن ينهض بها؛ فيؤدي واجبها، وتلك الحقوق هي مناط سعادته، وقوام حياته.
حق الله - تعالى، وهو أول الحقوق وأوجبها، فما خلق الإنسان إلا لهذا:
وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون . يعبده - سبحانه - ليلا ونهارا عبادة خالصة لوجهه الكريم المنعم المتفضل، خالية من الشرك الأكبر، ومن أدرانه وهي الشرك الأصغر، من رياء ونفاق، وما إلى الرياء والنفاق من صفات وأخلاق. أو كما يقول محيي الدين: «من خاف أحدا من عباد الله، فما تحقق بالعبودية، ولا ذاق معناها، ولا أدرك سرها.»
والحق الثاني: هو حق الناس عليه، وهو قوام الحياة الاجتماعية الفاضلة، الحياة السعيدة الكاملة للعالم؛ فالدنيا تكونت من فرد، ومن الأفراد يتكون المجموع؛ وبالتالي تتكون الإنسانية فإذا صلحت صلات الفرد بالفرد، صلحت صلات الجماعات، وصلحت حياة الكون، وصفت من البغضاء وما إلى البغضاء من صفات تؤدي إلى التنافر والشقاء.
وأول واجبات هذا الحق، كما يقول محيي الدين: كف الأذى كله عن الناس، وكله هنا آية تحتاج إلى صحف ومجلدات، الأذى كله، حتى ما دق وخفي، حتى الإيماءة والإشارة البغيضة، حتى خاطرة السوء وأمنية الأذى.
وليس كف الأذى، وليس حب الخير فحسب، بل أيضا الإيثار على النفس، وهو مقام من الخلق عظيم، لا يطيقه إلا رجال النور والإيمان.
فإذا أدى واجب الناس، بقي عليه واجب نفسه، وهو ألا يدفع بها إلى ظلمات الدنيا وأحزانها، وجحيم الآخرة وعذابها، واجبه أن ينقذها من هذا الهول العظيم؛ فيسلك بها طريق الخير والسعادة، طريق العبادة والطاعة، طريق الرضا والمحبة، طريق الله - عز وجل.
فإن أبت النفس أن تلج هذا الباب الكريم، وأن تسير في هذا الطريق القويم، فلجهل أو سوء طبع؛ لأن الفطرة تدفع بالنفس إلى هذا الطريق الرباني، الذي فطر الله الناس عليه؛ فالجهل وسوء الطبع هما العوائق التي تحول بين النفس وفطرتها، وبين النفس وسعادتها.
ولا علاج للجهل إلا بنور العلم الإلهي، ولا دواء لسوء الطبع إلا بقهر النفس على النهج الصوفي، فطرة الله التي فطر الناس عليها، وسنته التي ارتضاها لعباده، ولن تجد لسنة الله تبديلا.
Bilinmeyen sayfa