ثم يعطف محيي الدين لتوضيح رسالته على العلوم وأقسامها، وأثر العقل فيها، ومكانة الأحوال والأسرار منها، فيقسم العلوم إلى ثلاثة أقسام: علم العقل، وعلم الحال، وعلم الأسرار؛ وهذه هي جماع المعارف كافة، وما سواها من فروع، فمنضو تحت أعلامها.
علم العقل
فعلم العقل، هو كل علم يحصل نتيجة نظر في دليل، بشرط الحصول على وجه ذلك الدليل وشبهه؛ ولهذا يقولون في النظر: منه صحيح ومنه فاسد، ومنه علم الفلسفة وسواه من العلوم النظرية.
وعلامة هذا العلم أو من خصائصه أنك كلما بسطت عبارته حسن واتضح معناه، وعذب عند السامع، وقبله منطقه.
علم الأحوال
والعلم الثاني: هو علم الأحوال، ولا سبيل إليه إلا بالذوق أو المشاهدة، ولا يقدر عاقل على أن يحده، أو يقيم على معرفته دليلا ألبتة، وهو علم يتلون مع صاحبه بلون ذوقه، أو بلون مشاهداته، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر، ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق، عند الناس كافة، أو كحالات المتصوفة في أحوالهم ومقاماتهم وما يتذوقونه من لذائذ روحية.
فهو علم من المحال أن يعرف أحد حقيقته إلا أن يتصف بحالاته ويتذوقها، أو شبهها من جنسها في عوالم الذوق والروح.
وشرط هذا العلم سلامة الإدراك والبراءة من الآفات، فإن من يغلب على طعم فمه المرارة يجد العسل مرا، وهو ليس كذلك.
وهذا العلم يترك لأصحابه، فلا يتحدث به إلا من ذاقه، ولا يجوز إنكار الذوق على من ذاق، بل لا يلتذ بسماع حالاته على تعدد ألوانها إلا أصحاب الأذواق السليمة.
علم الأسرار
Bilinmeyen sayfa