* بسم الله الرحمن الرحيم
** الحمد لله الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد
الأقصى ، والصلوات الدائمة على سيد أرباب الهجرة وخاتم رسله ، وسلام الله على آله المنتجبين الذين خصهم الله بآية التطهير ، وجعلهم أئمة يهدون إلى الخير ، وحججا على بريته ، والشهداء عليهم يوم الدين.
* (المقصورة وشرحها)
سار : فعل ماضي ، أي ذهب في الأرض. والحسين : فاعل. وتاركا : حال. وام القرى : مفعول. وينحو : فعل مضارع. العراق : مفعول. بميامين الورى : جار ومجرور ومضاف إليه. الحسين (عليه السلام) هو ثاني السبطين الذي قال فيه جده الأكرم : «حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط» (1). وروى ابن حيان ، وابن سعد ، وأبو يعلى ، وابن عساكر ، عن جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : «من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة وفي لفظ (إلى سيد شباب أهل الجنة) فلينظر إلى الحسين بن علي». أبوه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ابن عم الرسول ، وصهره وخليفته على
Sayfa 1
أمته ، وأمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين. ذكر ابن حجر في الإصابة (1) عن ابن حريب قال : بينما عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة إذ رأى الحسين مقبلا ، فقال : هذا أحب أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم. وذكر ابن سعد في طبقاته ، ونقل عنه سبط ابن الجوزي (2) قال : كان ابن عباس يمسك بركاب الحسن والحسين حتى يركبا ، ويقول : هما ابنا رسول الله. وقال ابن عساكر (3): وكان الحسين في جنازة فأعيا وقعد في الطريق ، فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه ، فقال له : «يا أبا هريرة ، وأنت تفعل هذا؟!». فقال : دعني. فوالله لو يعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم. وقال الشبراوي (4) في فصل له : وقد حل الإمام الحسين (رضي الله عنه) من هذا البيت الشريف في أوج ذراه ، وعلا فيه علوا تطامنت الثريا عن أن تصل إلى معناه ، ولما انقسمت غنائم المجد كان له منه السهم الأوفر والحظ الأكبر ، وقد انحصرت جرثومة هذا البيت فيه وفي أخيه ، فكان لهما من خلال المجد والفضل ما لا خلاف فيه. كيف لا؟ وهما ابنا فاطمة البتول ، والملحوظان بعين الود والرأفة والقبول من أشرف نبي وأكرم رسول. نعم ، كما ذكر :
نسب كأن عليه من شمس الضحى
نورا ومن فلك الصباح عمودا
وقال آخر :
فيا نسبا كالشمس أبيض مشرقا
ويا شرفا من هامة النجم أرفع
وقال آخر :
ذرية مثل ماء المزن قد طهروا
وطيبوا فصفت أخلاق ذاتهم
و (ام القرى) من أسماء مكة المكرمة (زاد الله شرفها وتعظيمها). وفسر
Sayfa 2
قوله تعالى : ( وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا ) (1) على وجهين ؛ أحدهما : أنه أراد أعظمها وأكثرها أهلا ، والأخرى : أنه أراد مكة. وقال ابن دريد : سميت مكة (ام القرى)؛ لأنها توسطت الأرض والله أعلم. وقيل : سميت ام القرى ؛ لأنها تقصد من كل أرض وقرية ، أو لأنها أقدم القرى التي في جزيرة العرب وأعظمها خطرا ؛ إما لاجتماع أهل القرى فيها كل سنة ، أو لانكفائهم إليها ، وتعويلهم على الاعتصام بها لما يرجونه من رحمة الله تعالى (2). وقوله عز اسمه : ( ولتنذر ام القرى ومن حوله ) (3)، أراد تعالى ذكره مكة. ومن أسمائها (بكة)، قال جل ذكره : ( إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين ) (4)، وقوله عظم شأنه : ( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا ) (5). وذكر زكريا القزويني قال في ذكر الحجاز : حاجز بين اليمن والشام ، وهو مسيرة شهر. قاعدتها مكة (حرسها الله تعالى)، لا يستوطنها مشرك ولا ذمي. كانت تقام للعرب بها أسواق في الجاهلية في كل سنة ، فإذا اجتمع بها قبائلهم يتفاخرون ويذكرون مناقب آبائهم ، وما كان لهم من الأيام ، ويتناشدون أشعارهم التي أحدثوا. وكانت العرب إذا أرادت الحج أقامت بسوق عكاظ شهر شوال ، ثم تنتقل إلى ذي المجاز فتقيم فيه إلى الحج . والعرب الذين اجتمعوا في هذه المواسم إذا رجعوا إلى قومهم ذكروا لقومهم ما رأوا وما سمعوا (6).
ومكة هي البلد الأمين الذي شرفه الله تعالى وعظمه ، وخصه بالقسم وبدعاء الخليل ( رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات ) (7) (8)، واجعله مثابة للناس ، وأمنا
Sayfa 3
للخايف ، وقبلة للعباد ، ومنشأ لرسول الله (صلى الله عليه وآله). فهذه أسماء مكة جاءت في الذكر الحكيم ، وقد أجمع أرباب التاريخ على أن الحسين (عليه السلام) كان قد دخلها ليلة الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة ، وذلك عندما أبى بيعة يزيد بالمدينة ، والخنوع تحت غاشية الظلم والجور ، وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله). ولما نزل مكة المعظمة أقبل إليه أهلها ومن كان من المعتمرين بها ، يسلمون عليه ويرحبون بمقدمه ، وصار الأشراف من الناس يختلفون إليه. وقد أقام بها بقية شعبان وشهر رمضان ، وشوال وذي القعدة ، وخرج منها لثمان مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء. يوم التروية (1)، وهو اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل سفيره بالكوفة. وكان قد اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ، ونفر من أهل البصرة انضافوا إلى أهل بيته ومواليه. وكان ناديه يضم وجوه المسلمين من الصحابة وأعيان أهل الحجاز ؛ كعبد الله بن عباس (حبر الأمة) (2)، وعبد الله بن جعفر (3)، ونظائرهما ، وأمثال عبد الله بن الزبير (1)
Sayfa 4
وأقرانه. وقال ابن كثير في البداية والنهاية في إقامة الحسين (عليه السلام) بمكة : عكف الناس على الحسين (رضي الله عنه) يفدون إليه ، ويقدمون عليه ، ويجلسون حواليه ، ويستمعون كلامه ، وينتفعون بما يسمع منه ، ويضبطون ما يروون عنه. وقال أبو الفرج الأصبهاني : إن عبد الله بن الزبير لم يكن شيء أثقل عليه من مكان الحسين بالحجاز ، ولا أحب إليه من خروجه إلى العراق ؛ طمعا في الوثوب بالحجاز ، وعلما
Sayfa 5
منه بأن ذلك لا يتم له إلا بعد خروج الحسين (عليه السلام)، فلقي الحسين (عليه السلام) وقال له : على أي شيء عزمت يا أبا عبد الله؟ فأخبره برأيه في إتيان الكوفة ، وأعلمه بما كتب به مسلم بن عقيل. فقال له ابن الزبير : فما يحبسك؟ فوالله لو كان لي مثل شيعتك بالعراق ما تلومت في شيء. وقوى عزمه ، ثم انصرف. هذا وقد تواردت كتب أهل الكوفة على الحسين (عليه السلام)، وذلك لما بلغهم وفاة معاوية (1)، وعلموا امتناع الحسين من بيعة يزيد ونزوله مكة. قال أرباب السير : اجتمعت الشيعة في منزل سليمان بن صرد الخزاعي (2) بالكوفة ، فذكروا وفاة معاوية ، وخطبهم سليمان بن صرد ، وقال لهم فيما قال : إن الحسين قد خرج من مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه ومجاهدوا أعدائه فاكتبوا إليه ، وإن خفتم الفشل والوهن فلا تغروه. قالوا : بل نقاتل عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه ، فكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام). من سليمان بن صرد ، والمسيب بن نجبه ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وحبيب بن مظهر الأسدي (3)،
Sayfa 6
وشيعته من المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة. سلام عليك. فإنا نحمد الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد ، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي اعتدى على هذه الأمة ، فابتزها أمرها ، وانتزعها حقوقها ، وغصبها فيئها ، وتأمر عليها بغير رضا منها ، ثم قتل خيارها واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود. وإنه ليس علينا إمام ، فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. والنعمان بن بشير (1) في قصر الإمارة لسنا نجتمع معه في جمعة ولا جماعة ولا عيد ، وقد حبسنا أنفسنا عليك ، ولو أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام. ثم سرحوا بالكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني ، وعبد الله بن وآل ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين (عليه السلام) بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ، ولبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب ، وأنفذوا قيس بن مسهر
يا شر قوم حسبا وآدا
Sayfa 7
الصيداوي (1)، وعبد الله وعبد الرحمن ابني شداد الأرحبي ، وعمارة بن عبد الله السلولي إلى الحسين (عليه السلام)، ومعهم نحو مئة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة ، ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هاني بن هاني السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكتبوا إلى الحسين (عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم للحسين بن علي (عليهما السلام) من شيعته من المؤمنين والمسلمين. أما بعد ، فحيهلا ، فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل ، والسلام. ثم كتب شبث بن ربعي ، وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث ، ويزيد بن رويم ، وعروة بن قيس ، وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمير بن عطارد التميمي : أما بعد ، فقد اخضر الجناب ، وأينٹت الثمار ، فإذا شئت فاقبل على جند لك مجندة ، والسلام (2). وروى ابن جرير الطبري ، عن حصين أن أهل الكوفة كتبوا إلى الحسين (عليه السلام) أن معك مئة ألف. قال أرباب التأريخ : وتلاقت الرسل كلها عند الحسين (عليه السلام)، فقرأ الكتب وسأل الرسل عن الناس ، ثم كتب مع هاني بن هاني وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرسل : «بسم الله الرحمن الرحيم. من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أما بعد ، فقد فهمت كل الذي اقتصصتم ، وقد بعثت إليكم بأخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، وأمرته أن يكتب إلي بحالكم وأمركم ورأيكم ؛ فإن كتب إلي أنه قد أجمع رأي ملئكم ، وذوي الحجى منكم على
Sayfa 8
مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله ؛ فلعمري ، ما الإمام إلا العامل بالكتاب ، القائم بالقسط ، الدائن بالحق ، الحابس نفسه على ذات الله ، والسلام». فسار مسلم بن عقيل من مكة واجتاز بالمدينة ، فصلى في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وودع أهله ، واستأجر منها دليلين فمرا به في برية مهجورة المسالك ، فأصابهم عطش فحادا عن الطريق فضلا وماتا من العطش. ونجا مسلم ومن معه من خدمه بحشاشة الأنفس حتى أفضوا إلى الطريق فلزموه ، فورد الماء ، فأقام مسلم به ، وكتب إلى الحسين (عليه السلام) مع رسول استأجره من أهل ذلك الماء يخبره خبره ، وما لاقى من الجهد ، ويستعفيه ، ويسأله أن يوجه غيره. فأوصل الرسول الكتاب إلى الحسين (عليه السلام) فقرأه ، وكتب في جوابه : «أما بعد ، فقد ظننت أن الجبن قد قصر بك عما وجهتك به ، فامض لما أمرتك به ؛ فإني غير معفيك ، والسلام». فسار مسلم إلى الكوفة ، ومكث هو بمكة بقية شهر رمضان وشوال وذي القعدة ، وثمان ليال خلون من ذي الحجة. وفي ذلك الحين ورد إليه كتاب مسلم بن عقيل من الكوفة مع عابس بن شبيب الشاكري (1)، يقول فيه : أما بعد ، فإن الرائد لا يكذب أهله (2)،
Sayfa 9
وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألف ، فعجل الإقبال حين يأتيك كتابي ؛ فإن الناس كلهم معك ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى ، والسلام. وكان يزيد آنذاك قد أرسل ثلاثين سيافا ، وأمرهم أن يقتلوا الحسين (عليه السلام) أينما وجدوه بمكة ولو كان متعلقا بأستار الكعبة. فعلم الحسين (عليه السلام) ذلك ، فجاء إلى منزله ليلا ، وجمع أصحابه ، وخطب فيهم ، فقال : «الحمد لله ، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وصلى الله على رسوله محمد وآله أجمعين. خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة. وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، وخير لي مصرع أنا لاقيه ؛ كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، وأجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت ؛ نصبر على بلائه ، ويوفينا أجور الصابرين. لن تشذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمته ، وهي
Sayfa 10
مجموعة له في حظيرة القدس ؛ تقر بهم عينه ، وينجز لهم وعده». ثم قال (عليه السلام): «ألا ومن كان فينا باذلا مهجته ، موطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا ؛ فإني راحل مصبحا إن شاء الله تعالى». قال أهل السير : ولما أراد التوجه إلى العراق طاف بالبيت ، وسعى بين الصفا والمروة ، وأحل من إحرامه وجعلها عمرة مفردة. هذا ولم يرد عليه خبر مسلم بن عقيل ، وشاع خبر سفره إلى العراق عند الخاصة. ذكر ابن الأثير والطبري : إن عبد الله بن عباس أتى الحسين (عليه السلام)، وقال : قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق ، فبين لي ما أنت صانع؟ قال (عليه السلام): «قد أجمعت على السير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى». فقال ابن عباس : إني أعيذك بالله من ذلك ، وأتخوف عليك من هذا الوجه الهلاك. إن أهل العراق يريدونك كما زعموا ، فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم ، فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن ؛ فإن بها حصونا وشعابا ، ولأبيك بها شيعة. فقال له الحسين (عليه السلام): «يابن عم ، إني أعلم أنك ناصح مشفق ، ولكني أزمعت وأجمعت على المسير». قال الراوي : وكرر ابن عباس الدخول عليه مرة ثانية ، وقد رأى الحسين (عليه السلام) عازما على الخروج ، وحققه ، فجعل يناشده في المقام ، ويعظم عليه القول في ذم أهل الكوفة ، وقال له : إنك تأتي قوما قتلوا أباك ، وطعنوا أخاك ، وما أراهم إلا خاذليك. فقال له : «هذه كتبهم معي ، وهذا كتاب مسلم بن عقيل باجتماعهم». فقال له ابن عباس : إن كنت لا بد فاعلا فلا تخرج أحدا من ولدك ، ولا حرمك ، ولا نسائك ؛ فخليق أن تقتل وهم ينظرون إليك كما قتل ابن عفان. فأبى ذلك ولم يقبله. قال : فلما أبى الحسين (عليه السلام) قبول رأي ابن عباس ودعه وانصرف ، ومضى الحسين (عليه السلام) لوجهه. وذكر الطبري عن أبي مخنف : قال أبو جناب يحيى بن أبي حية ، عن عدي بن حرملة الأسدي ، عن عبد الله بن سليم والمنذر بن المشمعل الأسديين ، قالا : خرجنا حاجين من الكوفة حتى قدمنا مكة ، فدخلنا يوم التروية ، فإذا نحن بالحسين (عليه السلام) وعبد الله بن الزبير قائمين عند ارتفاع الضحى فيما بين الحجر والباب. قالا : فتقربنا منهما ، فسمعنا ابن الزبير وهو يقول للحسين (عليه السلام): إن شئت أن تقيم أقمت ، فوليت هذا الأمر ، فآزرناك وساعدناك ، ونصحنا لك وبايعناك. فقال له الحسين (عليه السلام): «إن أبي حدثني أن بها كبشا يستحل حرمتها ، فما أحب أن أكون أنا
Sayfa 11
ذلك الكبش» (1). فقال له ابن الزبير : فأقم إن شئت وتوليني أنا الأمر ؛ فتطاع ولا تعصى. فقال : «وما اريد هذا أيضا». قالا : ثم إنهما أخفيا كلامهما دوننا ، فمازالا يتناجيان حتى سمعنا دعاء الناس متوجهين إلى منى عند الظهر. قالا : فطاف الحسين بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقص شعره وحل من عمرته ، ثم توجه نحو العراق وتوجهنا نحو منى (2). قال الاستاذ علي جلال الحسيني المصري (3): ولما رأى الحسين (عليه السلام) أنه وجب عليه المطالبة بحقه في الخلافة ، والقيام بأمر الأمة ، وأنه قادر على ذلك ، وأنه بصرف النظر عن طلب الولاية تعين عليه إنكار الفسق ، والنهي عن المنكر وجهاد الظلم أجاب دعوة أهل العراق. قال أرباب التأريخ : ولقي عبد الله بن عباس عبد الله بن الزبير بعد خروج الحسين من مكة ، فقال متمثلا ومخاطبا له :
يا لك من قبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي واصفري
وقال له ابن عباس : قد خرج الحسين وخلت لك الحجاز. أقول : لقد اتفق المؤرخون على أن الحسين خرج من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة سنة ستين من الهجرة. ذكر سبط ابن الجوزي (4) قال : وقد ذكر جدي في كتاب (التبصرة) قال : إنما سار الحسين (عليه السلام) إلى القوم ؛ لأنه رأى الشريعة قد دثرت ، فجد في رفع قواعد أصلها ، فلما حصروه قالوا له : انزل على حكم
Sayfa 12
ابن زياد. فقال : «لا أفعل». واختار القتل على الذل ، وهكذا النفوس الأبية. ثم أنشد جدي :
ولما رأوا بعض الحياة مذلة
عليهم وعز الموت غير مذمم
قال الاستاذ محمد عبد الباقي (1): فلو بايع الحسين يزيد الفاسق المستهتر ، والذي أباح الخمر والزنا ، وحط بكرامة الخلافة إلى مجالسة الغانيات ، وعقد حلقات الشراب في مجلس الحكم ، والذي ألبس الكلاب والقرود جلاجل من ذهب ومئات الألوف من المسلمين صرعى الجوع والحرمان. لو بايع الحسين يزيد أن يكون خليفة لرسول الله على هذا الوضع لكانت فتيا من الحسين بإباحة هذا للمسلمين ، وكان هذا سكوته أيضا على هذا رضا ، والرضا عن ارتكاب المنكرات ولو بالسكوت إثم وجريمة في حكم الشريعة الإسلامية. والحسين بوضعه الراهن في عهد يزيد هو الشخصية الأولى المسؤولة في جزيرة العرب ، بل في البلاد الإسلامية كافة عن حماية التراث الإسلامي ؛ لمكانته في المسلمين ، ولقرابته من رسول الله ، ولكونه بعد موت كبار المسلمين أنه كبير المسلمين في هذا الوقت ؛ علما وزهدا ، وحسبا ومكانة. فعلى هذا الوضع أحس بالمسؤولية تناديه وتطلبه لإيقاف المنكرات عند حدها ، ولا سيما إن الذي يرتكب هذه المنكرات ويشجع عليها هو الجالس في مقعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، هذا أولا. وثانيا : أنه جاءته المبايعات بالخلافة من جزيرة العرب ، وجاءه ثلاثون ألفا من الخطابات من ثلاثين ألفا من العراقيين من سكان البصرة والكوفة يطلبون فيها منه الشخوص لمشاركتهم في محاربة العربيد يزيد بن معاوية ، وألحوا في تكرار هذه الخطابات ، حتى قال رئيسهم عبد الله بن أبي الحصين الأزدي :
Sayfa 13
يا حسين ، سنشكوك إلى الله تعالى يوم القيامة إذا لم تلب طلبنا ، وتقوم لنجدة الإسلام. وكيف والحسين ذو حمية دينية ونخوة إسلامية ، والمفاسد تترى أمام عينه؟ كيف لا ولا يقوم بتلبية النداء؟ وعلى هذا الوضع لبى النداء كما تأمر به الشريعة الإسلامية ، فنجا العراق كما قال الشاعر :
فجشمها نحو العراق تحفه
مصاليت حرب من ذؤابة هاشم
قلت : ينحو نحو الشيء : قصده. والعراق : علم لأرض بابل ، القطر المعروف. قال الخليل : العراق : شاطئ البحر. وسمي العراق عراقا ؛ لأنه على شاطئ دجلة والفرات مدا حتى يتصل بالبحر على طوله. قال : وهو مشبه بعراق القربة ، وهو الذي يثنى منها فتخرز. وقيل : سميت بذلك لاستواء أرضها حين خلت من جبال تعلو وأودية تنخفض. والعراق : الاستواء في كلامهم. قال الشاعر :
سقتم إلى الحق معا وساقوا
سياق من ليس له عراق
قال الحموي (1): والعراق أعدل أرض الله هواء ، وأصحها مزاجا وماء ؛ فلذلك كان أهل العراق هم أهل العقول الصحيحة ، والآراء الراجحة ، والشهوات المحمودة ، والشمائل الظريفة ، والبراعة في كل صناعة مع اعتدال الأعضاء ، واستواء الأخلاط ، وسمرة الألوان. وهم الذين أنضجتهم الأرحام فلم تخرجهم بين أشقر وأصهب وأبرص ، كالذي يعتري أرحام النساء الصقالبة في الشقرة ، ولم يتجاوز أرحام نسائهم في النضج إلى الحراق كالزنج والنوبة والحبشة الذين حلك لونهم ، ونتن ريحهم ، وتفلفل شعرهم ، وفسدت آراؤهم وعقولهم ، فمن عداهم بين خمير لم ينضج ، ومجاوز للقدر حتى خرج عن الاعتدال. قال : وأقليم بابل موضع التميمة من العقل ، وواسطة القلادة ، ومكان اللبة من المرأة الحسناء ، والمحة من البيضة ، والنقطة من (البركار). ولقد أكثر الشعراء في مدح العراق ، قال بعضهم :
إلى الله أشكو عبرة قد أظلت
ونفسا إذا ما عزها الشوق ذلت
Sayfa 14
وذكر المسعودي في مروجه (1) قال : ذكر ذوو الدراية أن عمر بن الخطاب (رض) حين فتح الله البلاد على المسلمين من العراق والشام ومصر وغير ذلك من الأرض ، كتب إلى حكيم من حكماء العصر : إنا أناس عرب ، وقد فتح الله علينا البلاد ، ونريد أن نتبوأ الأرض ، ونسكن البلاد والأمصار ، فصف لي المدن وأهويتها ومساكنها ، وما تؤثره الترب والأهوية في سكانها. فكتب إليه ذلك الحكيم عن وصف الأقطار ، وأعطى كل قطر صفته ، كالشام ومصر ، واليمن والحجاز ، والمغرب وخراسان ، وفارس والجبال ، وخوزستان والبر ، ووصف له العراق فقال : وأما العراق ، فمنار الشرق وسرة الأرض ، وقلبها إذا تحادرت المياه ، وبه اتصلت النضارة ، وعنه وقف الاعتدال ؛ فصفت أمزجة أهله ، ولطفت أذهانهم ، واحتدت خواطرهم ، واتصلت مسراتهم ؛ فظهر منهم الدهاء ، وقويت عقولهم ، وثبتت بصائرهم. وقلب الأرض العراق ، وهو المجتبى من قديم الزمان ، وهو مفتاح الشرق ، ومسلك النور ، ومسرح العينين ، ومدنه المدائن وما والاها ، ولأهله أعدل الألوان ، وأنقى الروائح ، وأفضل الأمزجة ، وأطوع القرائح ، وفيهم جوامع الفضائل ، وفوائد المبرات ، وفضائله كثيرة ؛ لصفاء جوه ، وطيب نسيمه ، واعتدال تربته ، وإغداق الماء عليه ، ورفاهية العيش به. وسأل عمر (رض) كعب الأحبار عن العراق ، فقال : إن الله لما خلق الأشياء ألحق كل شيء بشيء ، فقال العقل : أنا لاحق بالعراق ، فقال العلم : وأنا معك. فقال المال وأنا لاحق بالشام ، فقالت الفتن : وأنا معك. فقال الخصب : وأنا لاحق بمصر ، فقال الذل وأنا معك. فقال الفقر : وأنا لاحق بالحجاز ، فقالت القناعة : وأنا معك. فقال الشقاء : وأنا لاحق بالبوادي ، فقالت الصحة : وأنا معك. وقال المسعودي (2) أيضا : وأوسط الأقاليم إقليم بابل ، وقد كان هذا الإقليم عند ملوك الفرس جليلا ، وقدره عظيما ، وكانت عنايتهم إليه مصروفة ، وكانوا يشتون بالعراق ، وأكثرهم
Sayfa 15
يصيفون بالجبال ، وينتقلون في الفصول إلى الصرود من الأرض والحرور. وقد كان أهل المروءات في الإسلام كأبي دلف القاسم بن علي العجلي وغيره يشتون في الحرور ، وهو العراق. ويصيفون في الصرود ، وهي الجبال ، وفي ذلك يقول أبو دلف :
وإني امرؤ كسروي الفعال
أصيف الجبال وأشتو العراقا
قال أبو القاسم الزجاجي : قال ابن الأعرابي : سمي عراقا ؛ لأنه سفل عن نجد ، ودنا من البحر. والعراقان : الكوفة والبصرة. ذكر ابن حوقل (1) قال : وأما العراق ، فإنه في الطول من حد تكريت إلى عبادان ، وعبادان مدينة على نحر بحر فارس ، وعرضه من القادسية على الكوفة وبغداد إلى حلوان ، وعرضه بنواحي واسط من سواد واسط إلى قرب الطيب. وبنواحي البصرة ، من البصرة إلى حدود جبى ، والذي يطيف بحدوده من تكريت فيما يلي المشرق حتى يجوز بحدود سهرورد وشهرزور ، ثم يمر على حدود حلوان ، وحدود السيروان والصيمرة ، وحدود الطيب والسوس حتى ينتهي إلى حدود جبى ، ثم البحر تقويس. ويرجع على حدود المغرب من وراء البصرة في البادية على سواد البصرة وبطائحها إلى واسط ، ثم على سواد الكوفة وبطائحها إلى الكوفة ، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ، ثم من الأنبار إلى حد تكريت بين دجلة والفرات. وفي هذا الحد من البحر على الأنبار إلى تكريت تقويس أيضا.
وجاء في مجلة المقتطف (2): والعراق أو ما بين النهرين من أخصب بلدان المسكونة تربة ؛ فإن الفرات ودجلة يحملان إليها بفيضانهما من الطمى (الأبليز) كل سنة أربعة أضعاف ما يحمله النيل إلى واديه. والمرجح أن تلك البلاد بلغت أوج مجدها في عهد بني ساسان ؛ لأنهم بنوا على ما خلفته لهم العصور السالفة ، فإن الترع المعروفة باسم نهروان ، وعرضها 400 قدم وعمقها 15 قدم ، كانت تروي كل البلاد شرقي دجلة. والترعة المسماة دجيل كانت تروي كل البلاد الغربية.
Sayfa 16
وكان يتفرع من الفرات أربع ترع كبيرة تروي سائر البلاد حتى قال (أمبانوس مرسليانوس) الذي طاف فيها في القرن الخامس : إنها روضة غناء من طرف إلى طرف. ثم دوخ العرب تلك البلاد في القرن السابع فوجدوها لا تزال في أوج مجدها ، ومصروا فيها الكوفة والبصرة وواسط بدل عواصمها القديمة ، وبنوا بغداد (1) فصارت دار الخلافة ، ولا تزال إلى يومنا هذا أكبر مدن العراق. وفاقت بغداد عواصم الدنيا في زمن الرشيد (2) والمأمون (3). ثم انحط العراق رويدا رويدا ، وأجهز عليه المغول في زمن (جنكيز خان)، والتتار في زمن (تيمور لنك)، في القرن الثالث عشر ؛ فخربت كل أعمال الري العظيمة حتى لم يبق منها واحد ، فزال سد نمرود من دجلة ، فهبط ماؤه 25 قدما ، وبطل جريان الماء في ترعتي النهروان ودجيل (4)، وأمست ضفاف دجلة العالية قفارا قاحلة ، سوى التي تزرع على ماء المطر (ديم)، وخربت ضفته اليسرى فما يلي تخوم العجم ، ولم تعد مياهه تنصب في البطائح والمستنقعات ، ولولا الاعتماد على زرع الأرز الذي تصلح له الأرض العامرة لما بقي في البلاد زرع يذكر. ومساحة`أراضي العراق 12 ميلون فدان. وإذا جادت السماء بمطرها زرعت السهول على الجانبين شعيرا ؛ لأنها سهول فيحاء لا تحتاج لنمو الزرع فيه إلا إلى الماء. وزد على ذلك فإن النخل ينمو في كل
Sayfa 17
جزيرة العراق ، أي على ضفاف دجلة والفرات. ولا يقل عدد ما فيه منها عن عشرة ملايين نخلة (1). والمواشي كثيرة في العراق ، وهي من أجود الأنواع. والأرض منبسطة لا تحتاج إلى تقصيب ، وهي صفراء اللون ، وفيها كثير من الجير (الكلس)؛ ولذاك يسهل إصلاحها وحرثها وتنعيمها. وتكثر الآن أنجم عرق السوس ، والنباتات الشائكة من الفصيلة القرنية ، وفي المستنقعات أشجار الحور والصفصاف.
(الميامين): مفردها ميمون ، وهو ذو اليمن والبركة. و (الورى): أي الخلق. وأبو الورى كنية الدهر. فأصحاب الحسين (عليه السلام) وأيم الحق هم ميامين هذا الخلق ، والصفوة من الناس وقتئذ. وقد صحبوا الحسين (عليه السلام) في سفره إلى العراق ، ولم يفارقوه حتى رزقوا الشهادة بين يديه (رضوان الله عليهم). قال فيهم الأزري (قدس سره) (2):
هم الأسود ولكن الوغى أجم
ولا مخالب غير البيض والسمر
وقال آخر :
وإذا الجدب جاء كانوا غيوثا
وإذا النقع ثار ثاروا اسودا
Sayfa 18
وللسيد حيدر الحلي (ره):
سمة العبيد من الخشوع عليهم
لله أن ضمتهم الأسحار
وكأن الشاعر الأندلسي عناهم بقوله :
ساروا فودعهم طرفي وأودعهم
قلبي فما بعدوا عني ولا قربوا
* * *
وقد أتى بسيره منازلا
حصباؤها قد فاخرت شهب السما
قلت : أتى الحسين (عليه السلام) في طريقه إلى العراق منازل مشهورة معروفة محدودة. فبعضها اجتازها ولم ينزل بها ، والبعض بات بها ليلته ، وبعضها قال بها ، أي (حل بها وقت القيلولة) وظعن منها إلى غيرها. وعددها كما ذكرناه في (المقصورة). قال أرباب السير : ولما خرج الحسين (عليه السلام) من مكة اعترضه يحيى بن سعيد (1) بن العاص ومعه جماعة كان قد أرسلهم أخوه عمرو بن سعيد بن العاص الأشدق ، فقالوا له : انصرف وإلا منعناك. فأبى عليهم الحسين (عليه السلام) ومضى. قال : وتدافع الفريقان ، واضطربوا بالسياط ، وامتنع الحسين (عليه السلام) وأصحابه امتناعا قويا. وذكر الطبري (2)، عن أبي مخنف قال : حدثني الحارث بن كعب الوالبي ، عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : لما خرجنا من مكة كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام) إلى الحسين بن علي مع ابنيه عون ومحمد (3): أما بعد ، فإني أسألك بالله لما انصرفت عن هذا الوجه حين تنظر في كتابي هذا ؛ فإني
Sayfa 19
مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك ، واستئصال أهل بيتك. إن هلكت اليوم طفئ نور الأرض ؛ فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، فلا تعجل بالمسير فإني آثر الكتاب ، والسلام. قال : وقام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه ، وقال : اكتب إلى الحسين (عليه السلام) كتابا تجعل فيه الأمان ، وتمنيه فيه البر والصلة ، وتوثق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ؛ لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع. فقال له عمرو : اكتب ما شئت وائتني به حتى أختمه. فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب ثم أتى به عمرو ، وقال : اختمه وابعث به مع أخيك يحيى ؛ فإنه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ، ويعلم أنه الجد منك. ففعل. قال : فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر ، ثم انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب. فقالا : أقرأناه الكتاب وجهدنا به ، فكان مما اعتذر به إلينا أن قال : «إني رأيت رؤيا فيها رسول الله ، وأمرت فيها بأمر أنا ماض له علي كان أولى». فقالا له : وما تلك الرؤيا؟ قال : «ما حدثت أحدا بها ، وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي». قال : وكان كتاب عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي ما نصه : بسم الله الرحمن الرحيم. من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي بن أبي طالب. أما بعد ، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك ، وأن يهديك لما يرشدك. بلغني أنك قد توجهت إلى العراق ، وإني أعيذك بالله من الشقاق ؛ فإني أخاف عليك فيه الهلاك. وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد فأقبل إلي معهما ؛ فإن لك عندي الأمان والصلة ، والبر وحسن الجوار. لك الله علي بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسلام عليك. قال : فكتب إليه الحسين (عليه السلام): «أما بعد ، فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله (عز وجل) وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين. وقد دعوت إلى الأمان والبر والصلة ، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه في يوم القيامة ، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبري ، فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام». ثم إن الحسين (عليه السلام) جد بسيره حتى انتهى إلى بستان بن عامر ، وهو أول منزل لمن يفصل من مكة المكرمة على هذا الطريق.
Sayfa 20