Huruf Latiniyya
الحروف اللاتينية لكتابة العربية
Türler
هذا الاعتراض خارج أيضا عن الموضوع، ومن الأسف أن أراني مضطرا للتكرير . الموضوع الذي نحن بصدده هو تيسير رسم الكتابة العربية «بحيث يؤدي كل حرف من كل كلمة صورته الصوتية أداء صادقا واقيا من الغلط واللحن الشنيع وغير الشنيع.» فهل زوال الأمية وفهم الكتب والجرائد واقتراب العامية من الفصحى يؤدي هذا المقصود؟ ألم أقل لك إن خريجي الجامعة ومن فوقهم لا يستطيع الواحد منهم أن يقرأ صحيفة من كتاب أو نهرا من جريدة دون أن يخطئ في العربية خطأ فاحشا. وإن رسم الكتابة العربية أصبح - كما قال الجارم بك - لغزا من الألغاز. وهل زوال الأمية وما عطف عليه، فيه قوة سحرية تفك هذا اللغز وتضع على الحروف ما تستحقه من الحركات؟ دعنا إذن من هذا الاعتراض المفارق للموضوع.
التاسع عشر:
يقولون: إذا فرضنا أن ما تنشره
يستطيع ناشروه إخراجه وفق أصول العربية وقواعدها، فما الرأي في الكتابة بالوزارات والمصالح والمحاكم وبمحاضر الجلسات؟ إن ضبطها يستلزم أن يكون محرروها من الموظفين ملمين بتلك القواعد والأصول، وأن يرجعوا إلى المعاجم كلما أشكل عليهم وزن اسم أو وزن فعل من الأفعال، وإلا فإن كتابتهم بالأحرف اللاتينية التي تضبط النطق ولا تحتمل إلا وجها واحدا من الأداء، تخرج كلها خاطئة في العربية مضللة للقارئين. ثم يقولون إن الأولى إذن الاحتفاظ بالرسم الحالي الذي يحتمل الصحيح من الأداء وغير الصحيح؛ تخفيفا على هؤلاء الموظفين.
اعلم يا حضرة المعترض: أولا: أن كتاب الوزارات والمصالح هم الآن ممن قطعوا مراحل التعليم إلى التوجيهي أو إلى الثقافة على الأقل. وكثير من رؤسائهم هم فوقهم في المؤهلات، فغالبا ما تكون الفصحى سهلة عليهم لا يحتاجون فيها لمراجعات. على أنك تعلم أن الكتاب لا يخرج من وزارة أو مصلحة إلا بعد تسويد وتبييض وتدخين لفافة من التبغ وتناول قدح من القهوة، وتقديم واجبات المجاملة أو المداورة أو التجبيه للزائرين، مما يؤذي العمل وقد يؤذيك. فإذا فرض أن الرئيس أو المرءوس كان غير عارف وزن كلمة من الكلمات، فأي تعطيل يضيرك أو يضيره في تعرف وزنها من المعجم ، وهو إن عرفه مرة أغناه إلى آخر الحياة؟ أوليس صرفه دقيقتين في هذا الأمر المفيد أجدى عليه وعليك وعلى العمل من صرفه معظم الوقت في تلك الملهيات والمعوقات؟ ثانيا: إن أقصى ما تلاحظه على كتاب المحاكم أنهم يكتبون محاضرهم بفصحى مشوشة أو بالعامية. ومن الذي قال لك إن واجب كاتب الجلسة أن يصحح ما يسمعه من المرافعات، وأن يفسد عامية المحامي أو الخصم أو الشاهد بردها إلى الفصحى؟ ليستمر كتاب الجلسات وكتاب محاضر البوليس على تدوين ما يسمعون من الفصيحة أو نصف الفصيحة أو العامية الصرفة بلا أدنى تعديل، فإن هذا واجبهم لما فيه من ضبط للمعاني التي أرادها المحامون والخصوم والشهود، والتعديل في ألفاظ هؤلاء غالبا ما يكون إفسادا وتشويشا للمعاني التي يقصدون. ها أنت ذا قد رأيت أن كل تلك الأوراق التي تشير إليها لا يضيق بها كاتبوها ولا يرجعون لمعاجم ولا لاستفتاءات. ثم لتعلم أن جميعها أوراق خاصة لا يقرؤها إلا ذوو الشأن فيها، ولا يطبع منها شيء ولا ينشر في الناس. وإذن فسواء أكانت عباراتها عربية فصيحة أم كانت عامية بحتة، فإن أحدا لا يتعلم منها شيئا ولا يضره من أخطائها العربية شيء. فاعتراضك يا سيدي ضرب في غير مضرب، ونفخ في غير نار.
العشرون:
أخبرني يوما أحد محرري «المصور»
قائلين: «بمخالفته لدين الإسلام.» وسألني رأيي فقلت له: «إني لا أعير مثل هذا الهراء أدنى التفات، فإنه أهون علي من الغبار الذي يصيب ردائي أو حذائي، فما بالك أنت تهتم به؟» ألح المحرر كيما أبين له وجه عدم اكتراثي لمثل هذه الأباطيل، ولكونه إنسانا أديبا ظريفا فقد بينته له في شيء من التفصيل، ووصفت له هؤلاء الفارغين بما يستحقون.
علمت من بعد أن فلانا ابن فلان نشر في بعض المجلات المحترمة اعتراضا على اقتراحي. ولكون الأب كان في بيئته من الرجال المعدودين، فقد استحضرت المجلة واطلعت على الاعتراض، فرأيت الكاتب عمد إلى تلك العبارة من حديثي فرواها وحدها، ثم بنى عليها من التجريح ما شاء، وأهون التجريح أنه يقول لي ما حاصله: «إنا عرفناك قاضيا تسمع كل قول تقصيا للحق وتثبيتا للعدل، فماذا أصابك؟ وما هذه الكبرياء وذلك العجب الذي جعلك اليوم لا تستمع لمن يوجه إليك الكلام؟»
هذا المعترض أحس أن المقام الذي أفضيت فيه بتلك العبارة هو مما يجب على كل مسلم يحترم نفسه ويحترم دينه أن يظهر فيه أقصى ما يمكن من الكبرياء. أحس فهرب من توضيح المقام، كما أغمض بصره عما بينته للمحرر في صلب الحديث من تعليل موقفي إزاء الجاهلين. وكل ما أورده هو قوله إن تلك العبارة نشرت «بالمصور» في حديث لي خاص «بالإسلام والحروف العربية» ولم يزد. إنه اختزل عمدا للتبهيم وليستحل أمام الناس الإسهاب في التجريح؛ لأنه لو اصطنع الأمانة في النقل وذكر موضوع سؤال المحرر على حقيقته، كما هو مذكور أمام حدقتيه في ديباجة الحديث لاستحيا من نفسه؛ لأنه رجل مسلم، ولو أنه لم يكنه بل كان نصرانيا أو يهوديا أو مجوسيا لما أطاق أن يطعن عليه أحد في دينه، ولكان أقل جزاء عنده للطاعنين الأخذ بالتلابيب، فإذا تضاءل هذا الجزء، ونزل إلى مجرد تشبيه وقع الطعن بوقع الغبار على الحذاء، فهذا أقصى درجات التسامح في الاثئار، وهذا التسامح كان هو الأحرى بأن يعاب. على أن حضرة المعترض إذا كان لم يستح من نفسه فهلا استحى من طيف أبيه أو من عقلاء المسلمين الذين يرون من الواجب على المسلم أن يكون كبير النفس مترفعا عن خطاب كل جاهل يزعم أن في تغيير حروف الكتابة على أية صورة مسا بالدين؟ إذ حتى بقطع النظر عما بينته في صلب الحديث، فإن المعترض - وكل مسلم - يعلم علما ضروريا أن رسم الكتابة لو كان له أية علاقة بالدين لكان النبي أول الكاتبين القارئين، ولما وصفه الله بالأمي في القرآن الكريم، ولما لبث هو في مكة سنين عدة بعد الرسالة يتحدى المشركين بقوله تعالى:
Bilinmeyen sayfa